تطبيق1: رسالة في تزكية النفس لشيخ الإسلام ابن تيمية

[عبد العزيز الداخل]

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص فكرة الدرس الثاني
وتطبيقها على رسالة شيخ الإسلام في تزكية النفس.

تمهيد:
الأعمال المعرفية التي تستدعي إعمال الذهن - ومنها عملية تأليف الكتب - تمر بثلاثة مراحل مهمة :
المرحلة الأولى: الاستمداد المعرفي ، ويقصد به هنا تحصيل المادة العلمية التي يحتاجها المؤلف لتأليف كتابه.
المرحلة الثانية: المعالجة العلمية، ويقصد بها ما يقوم به المؤلف من توظيفٍ للمعلومات التي استمدها من المصادر ومن مخزونه المعرفي بأنواع من المعالجات العلمية حتى يتوصل إلى صياغة الكتاب الذي يريد تأليفه.
المرحلة الثالثة: العرض العلمي لمادة الكتاب بعد المعالجة العلمية.

وكل مرحلة من هذه المراحل فيها عناصر مؤثرة تجعل المؤلفين يتفاضلون في جوانب الإجادة فيها تفاضلاً كبيراً، وإدراك القارئ لهذه العناصر يفيده فائدة كبيرة في انتقاء ما يقرأ، فيحرص على كتب المجيدين من أهل العلم في هذه المراحل الثلاث ولا سيما المرحلة الأولى والثانية.

دراسة جوانب القوة العلمية لدى شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته (تزكية النفوس) من خلال هذه المراحل الثلاث:

أولاً: الاستمداد المعرفي، وتتجلى جوانب القوة العلمية لديه في العناصر التالية:
1: سعة الاطلاع، وذلك ظاهر من كثرة النقول في رسالته وتنوعها، وما يدل عليه كلامه من مخزون معرفي كبير.
2: تميز الاطلاع ، وذلك ظاهر من رجوعه في كل علم إلى أهله وأئمته :
- فنقل في التفسير عن أئمة المفسرين كابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن البصري وابن عيينة وغيرهم.
- ونقل في المسائل اللغوية والنحوية عن أئمة هذا الشأن كالفراء والزجاج وابن قتيبة.
- سلامة الرسالة من إيراد الموضوعات والأباطيل والحكايات الغريبة والشاذة التي تكون في بعض الكتب.

ثانياً: المعالجة العلمية ، وجوانب الإجادة فيه تتجلى في أمور:
الأمر الأول: انتقاؤه من الأقوال ما له صلة بالمسألة التي يبحثها.
الأمر الثاني: تعرفه على علل الأقول الخاطئة ونقدها ، وبيان وجه الخطأ فيها ورده بحجة بيّنة وأسلوب حسن، ومثال ذلك: بيانه خطأ قول الزجاج والفراء في تفسير قول الله تعالى: {قد أفلح من زكاها}
ويظهر من ذلك قوة علمه بالنحو واستدراكه على بعض أئمة ذلك العلم .
الأمر الثالث: جمعه بين الأقوال التي لا تتعارض وتعرّفه على صحتها، والتعبير عنها بمعنى جامع يشمل جميع ما صح في معنى الآية .
فبدأ أولاً بجمع الأقوال ثم رد الأقوال الخاطئة، ثم نظر في الأقوال التي كان فيها إصابة لبعض المعنى الصحيح إما بالتمثيل أو بذكر بعض المعنى فتعرف من جمعه لهذه الأقوال الصحيحة في تفسير الآية على المعنى الكلي الذي يجمع هذه الأقوال ، ثم عبر عن ذلك بعبارة جامعة وافية، كما خلص في تفسير التزكية بقوله: (والتحقيق أن الآية تتناول كل ما يتزكى به الإنسان من التوحيد والأعمال الصالحة).
بعد أن ذكر أقوال السلف في تفسير تلك الآية.
واتباع هذه المنهجية مفيد جداً لطالب العلم، في تعرفه على الأقوال الصحيحة، ورده للأقوال الخاطئة، وفي توسيع مداركه.
الأمر الرابع: رده للأقوال المخالفة لمنهج السلف في الاعتقاد، وبيان خطئها وفسادها، وقبح لوازمها.

ثالثاً: العرض العلمي، ويقصد به أسلوب الكاتب في إيصال رسالته إلى ذهن القارئ
وهذه المرحلة من جوانب إجادته فيها:
- 1: قوة الأسلوب.
- 2: وضوح الفكرة.
- 3: خلو الرسالة من التعقيد والإلغاز والحشو.
وبعض طلاب العلم قد يجد في هذه الرسالة صعوبة ، وهذه الصعوبة يمكن التغلب عليها بكثرة المطالعة والتعود على أسلوب شيخ الإسلام، وتلخيص المقاصد والتعرف على جوانب القوة العلمية لديه، وتكرار ذلك في عدد من الرسائل يزيل هذا العائق عن طالب العلم.
ومن طلاب العلم من يستعين بقراءة كتب ابن القيم رحمه الله على فهم كتب شيخ الإسلام ؛ إذ غالب كتبه تقريب لعلوم شيخ الإسلام وإعادة صياغة لها بأسلوب حسن سهل ميسر، وهذا من فضل الله على ابن القيم وشيخه.

---

هذه دراسة مختصرة لجوانب القوة العلمية لدى شيخ الإسلام في هذه الرسالة، والغرض منها توضيح فكرة الدرس الثاني، ليتضح المقال بالمثال.


فإن كانت الفكرة واضحة وسهلة التطبيق فالحمد لله، ويمكنكم المواصلة في أداء التطبيقات الأخرى باتباع هذه الخطوات والتعرف في كل مرحلة على جوانب القوة العلمية لدى الكاتب.
وإن كان في هذا الدرس صعوبة، ورأيتم تجزئته إلى دروس أو تأخيره وتقديم بعض الدروس عليه، فالأمر شورى بيننا ، ويبدو أن هذا الدرس هو أصعب دروس هذه المرحلة، وما بعده أرجو أنه سهل ميسور.

والله تعالى الموفق والهادي إل سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.