شروط الناسخ والمنسوخ
أقوال العلماء في الأشياء التي وقع عليها النسخ
القول الأول (دخول النسخ في الأمر والنهي ولا يجوز دخوله في الأخبار المحضة)
أصحاب هذا القول:ذكر هذا القول ابن حزم في كتابه الناسخ والمنسوخ،كما نقله هبة الله المقري عن كل من مجاهد،وسعيد بن جبير،وعكرمة،وقد ذكر السخاوي كذلك في جمال القراء دخول النسخ على الأحكام دون الأخبار،وكذلك قال ابن عقيل في نفي النسخ عن الأخبار.
وحجتهم أن خبر الله على ما هو به،ولأن كلام الله حق ولا يصح أن يكون على خلاف ماهو عليه،ولأن نسخ الأخبار كذب وحوشي كتاب الله عن ذلك.
القول الثاني(هو كالقول الأول وزاد عليه يدخل النسخ على الأمر والنهي وعلى الأخبار التي بمعنى الأمر والنهي) قال ذلك الضحاك بن مزاحم.
مثال الأمر : قوله تعالى في سورة يوسف ((قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله)) ومعنى ذلك ازرعوا سبع سنين دأبا.
ومثل قوله تعالى ((فلولا أن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين))ومعنى ذلك ارجعوها يعني الرّوح.
ومثل قوله تعالى((ولكن رسول الله))ومعنى ذلك أي ولكن قولوا له يا رسول الله
مثال النهي: قوله تعالى((الزّاني لا ينكح إلّا زانيةً أو مشركةً والزانية لا ينكحها إلّا زان أو مشرك)) ومعنى ذلك لا تنكحوا زانية ولا مشركة.
القول الثالث(يدخل النسخ في الأمر والنهي وفي الأخبار)
بعض من نقل عنهم دخول النسخ في الأخبار
نقل ذلك عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم والسّديّ ،وتابعهما على ذلك جماعة.
حجتهم:لا حجة لهم على ذلك من الدراية وإنما يعتمدون على الرواية.
حكمهم:قال أبو جعفر النحاس:وهذا القول عظيم يؤول إلى الكفر، لأنّ قائلا لو قال: قام فلانٌ ثمّ قال: لم يقم، فقال: نسخته لكان كاذباً
القول الرابع (كل جملة استثنى الله تعالى منها بإلا فإن الاستثناء ناسخ لها)
معنى الاستثناء:الاستثناء إخراج بعض ما شمله اللفظ،ذكر ذلك في نواسخ القرآن .
الفرق بين الاستثناء والنسخ في الخبر المحض:النسخ إنما يقع في الأمر والنهي،ولا يقع في الأخبار المحضة،والاستثناء كما سلف تعريفه إخراج بعض ما شمله اللفظ.ذكر ذلك في نواسخ القرآن وفي الناسخ والمنسوخ لابن حزم.
الخلاف الواقع في تسمية الاستثناء والتخصيص نسخا:قال ابن حزم في الناسخ والمنسوخ:وسمى بعضهم الاستثناء والتخصيص نسخا،والفقهاء على خلاف ذلك.
تجويز بعض السلف تسمية الاستثناء نسخا:ذكر ذلك في نواسخ القرآن.
القول الخامس(ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ)
ذكر هذا القول في الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ،وهذا القول مردود على أصحابه ، وقد صدوا بقولهم هذا عن الله.
ومن أجمع ماقيل في ما يقع عليه النسخ: قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (الثالثة:لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي ولو بلفظ الخبر؛ أما الخبر الذي ليس بمعنى الطلب فلا يدخله النسخ ومنه الوعد والوعيد.
وإذا عرفت ذلك عرفت فساد صنع من أدخل في كتب النسخ كثيرا من آيات الإخبار والوعد والوعيد). [الإتقان في علوم القرآن: 4/1437]ما يقع فيه النسخ
مايجوز نسخه:
قال مكي بن أبي طالب القيسي في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:
يجوز نسخ القرآن كله:قال إعلم أنه جائز أن ينسخ الله عز وجل القرآن كله،بأن يرفعه من صدور عباده،ويرفع حكمه،دون عوض،والدليل قوله تعالى((ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك))،وقد كان منذلك ما روي من سورة الأحزاب.
ما ثبت جواز نسخه من القرآن: يجوز النسخ في الأحكام والفرائض والأوامر والنواهي والحدود والعقوبات من أحكام الدنيا
أصحاب هذا القول: .فهذا قول عامة العلماء، وعليه العمل عند فقهاء الأمصار، وهو الذي لا يجوز في النّظر غيره.
أنواع الناسخ والمنسوخ:
1)ما نسخت تلاوته وبقي حكمه ،كآية الرجم((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة))
2)مانسخ حكمه بحكم آخر متلو،مع بقاء تلاوته.
3)ما نسخ حكمه وتلاوته بحكم آخر متلو.
ما لا يجوز نسخه:
الأمور التي لا يجوز نسخها:كل ما أخبرنا الله تعالى أنه كان،أو سيكون من أمور الدنيا والآخرة ،وكذلك ما أخبرنا تعالى من صفاته.
ذكر قدرة الله على إزالة حفظ هذه الأمور من الصدور:وهذه الأمور المذكورة في ما لا يجوز نسخه،معلوم أن الله تعالى قادر على إزالة حفظها من الصدور،فإنه تعالى لا يعجزه شيء.
شروط ثبوت الناسخ والمنسوخ
شروط ثبوت الناسخ
الشرط الأول:أن يكون الناسخ منفصلا عن المنسوخ منقطعا عنه.ومثاله: نحو قوله تعالى((ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله))
فليس قوله((فإذا تطهرن فأتوهن))ناسخًا لقوله((حتى يطهرن)) لأنه متصل به غير منقطع عنه.ذكر هذا الشرط القيسي في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه.
الشرط الثاني: أن لا يكون الحكم السابق مقيدا بزمان مخصوص نحو قوله عليه الصلاة والسلام،((لا صلاة في الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) فإن الوقت الذي يجوز فيه أداء النوافل التي لا سبب لها مؤقتة؛ فلا يكون نهيه عن هذه النوافل في الوقت المخصوص لما قبل ذلك من الجواز لأن التوقيت يمنع النسخ.ذكر هذا الشرط ابن حزم في الناسخ والمنسوخ.
الشرط الثالث: أن يكون موجبًا للعلم والعمل كالمنسوخ، ومن هاهنا منع نسخ القرآن بخبر الآحاد.ذكر هذا القول القيسي في الإيضاح.
الشرط الرابع :أن يكون الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضا بحيث لا يمكن العمل بهما جميعًا، فإن كان ممكنًا لم يكن أحدهما ناسخًا للآخر، ويكون ذلك بأحد وجهين:
1)أن يكون أحد الحكمين متناولا لما تناوله الثاني بدليل العموم،وأن يكون الحكم الآخر متناولا لما تناوله الأول بدليل الخصوص.
2)أن يكون كلّ واحدٍ من الحكمين ثابتًا في حالٍ غيرالحالة الّتي ثبت فيها (الحكم) الآخر مثل تحريم المطلّقة ثلاثًا فإنّها محرّمةٌ على مطلّقها في حالٍ، وهي ما دامت خاليةً عن زوج وإصابةفإذا أصابها زوجٌ ثانٍ ارتفعت الحالة الأولى، وانقضت بارتفاعها مدّة التّحريم فشرّعت في حالةٍ أخرى.
الشرط الخامس:أن يكون الحكم المنسوخ ثابتا قبل حكم الناسخ،ويكون ذلك بأحد طريقين:
أحدهما:من جهة النّطق كقوله تعالى((الآن خفّف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفا))وقوله((فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ))ومثل قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها".
والثّاني:أن يعلم بطريق التّاريخ، وهو أن ينقل (بالرّواية) بأن يكون الحكم الأوّل ثبوته متقدّمًا على الآخر
الشرط السادس: أن يكون حكم المنسوخثابتا بالشرع لا بالعادة والعرف فإنه إذا ثبت بالعادة لم يكن رافعه ناسخًا، بل يكون ابتداء شرع آخر.فليس قوله تعالى ((الطلاق مرتان))ناسخا لما كان في الجاهلية من طلاق إلى غير غاية ،وإنما الآية إبتداء شرع،لأن ما كان من أمر الجاهلية إنما هو عادة وعرف.
الشرط السابع:كون حكم الناسخ مشروعا بطريق النقل كثبوت المنسوخ؛ فأما ما ليس مشروعا بطريق النّقل فلا يجوز أن يكون ناسخًا للمنقول، ولهذا إذا ثبت حكم منقولٍ لم يجز نسخه بإجماع ولا بقياس.ذكر هذه الشروط من الرابع إلى السابع ابن حزم في الناسخ والمنسوخ وابن الجوزي في نواسخ القرآن ، والمصفى بأكف أهل الرسوخ.
الشرط الثامن:كون الطريق الذي ثبت به الناسخ مثل طريق ثبوت المنسوخ أو أقوى منه ولهذا نقول لا يجوز نسخ القرآن بالسنة.ذكر هذا القول ابن الجوزي في نواسخ القرآن والمصفى.
شرط ثبوت المنسوخ: قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (ومن شروط المنسوخ أن يكون غير متعلق بوقتٍ معلوم، لا يعلم انتهاء وقت فرضه إلا بنص ثانٍ يبين أن فرض الأول إلى الوقت الذي فرض فيه الثاني.
ولذلك قيل في قوله((فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره))إنه غير منسوخ بالأمر بالقتال في "براءة" لأن الله جعل له أجلاً ووقتًا، وهو إتيان أمره بالقتال وترك الصفح والعفو.