9/1248 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا. أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ إلاَّ النَّسَائِيَّ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، قِيَاسُ قَاعِدَتِهِ: وَعَنْهُ، (قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا. أَخْرَجَهُ الأَرْبَعَةُ إلاَّ النَّسَائِيَّ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ نَحْوَهُ، وَقَالَ: حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ: نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَعَن الْجَلاَّلَةِ، وَعَنْ رُكُوبِهَا.
وَلأَبِي دَاوُدَ: أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُشْرَبَ أَلْبَانُهَا.
وَالْجَلاَّلَةُ: هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَالنَّجَاسَاتِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِن الإِبِلِ، أَو الْبَقَرِ، أَو الْغَنَمِ، أَو الدَّجَاجِ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا، وَتَحْرِيمِ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا. وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي عَرَفَاتٍ رَاكِباً عَلَى جَلاَّلَةٍ لا يَصِحُّ حَجُّهُ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا أَكَلَت الْجِلَّةَ؛ فَقَدْ صَارَتْ مُحَرَّمَةً. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لا تَكُونُ جَلاَّلَةً إلاَّ إذَا غَلَبَ عَلَى عَلَفِهَا النَّجَاسَةُ، وَقِيلَ: بَل الاعْتِبَارُ بِالرَّائِحَةِ وَالنَّتْنِ، وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَالإِمَامُ يَحْيَى، وَقَالَ: لا تَطْهُرُ بِالطَّبْخِ، وَلا بِإِلْقَاءِ التَّوَابِلِ، وَإِنْ زَالَ الرِّيحُ؛ لأَنَّ ذَلِكَ تَغْطِيَةٌ، لا اسْتِحَالَةٌ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَرِهَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالُوا: لا تُؤْكَلُ حَتَّى تُحْبَسَ أَيَّاماً.
قُلْتُ: قَدْ عَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ حَبْسَهَا أَرْبَعِينَ يَوْماً، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَةَ ثَلاثَةً، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بِأَكْلِهَا بَأْساً مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ.
وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، إلَى التَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَمَنْ قَالَ: يُكْرَهُ وَلا يَحْرُمُ، قَالَ: لأَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ فِيهِ إنَّمَا كَانَ لِتَغَيُّرِ اللَّحْمِ، وَهُوَ لا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ؛ بِدَلِيلِ الْمُذَكَّى إذَا جَافَ. وَلا يَخْفَى أَنَّ هَذَا رَأْيٌ فِي مُقَابِلِ النَّصِّ.
وَلَقَدْ خَالَفَ النَّاظِرُونَ هذهِ السُّنَّةَ، فَقَالَ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ: الْمَذْهَبُ وَالْفَرِيقَانِ نَدْبُ حَبْسِ الْجَلاَّلَةِ قَبْلَ الذَّبْحِ، الدَّجَاجَةِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَالشَّاةِ سَبْعَةَ أيَّامٍ، وَالْبَقَرِ وَالنَّاقَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لا وَجْهَ لَهُ.
قُلْنَا: لِتَطْيِيبِ أَجْوَافِهَا، ا هـ.
وَالْعَمَلُ بِالأَحَادِيثِ هُوَ الْوَاجِبُ، وَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَلا يَنْهَضُ دَلِيلٌ، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُمْ لِلتَّوْقِيتِ فَلَمْ يُعْرَفْ وَجْهُهُ.