فَصلٌ: تُزَادُ كَلِمَةُ (ما) بعدَ (مِنْ) و(عَنْ) والبَاءِ؛ فلا تَكُفُّهُنَّ([1]) عن عَمَلِ الجَرِّ، نَحوَ: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ}([2]) {عَمَّا قَلِيلٍ}([3]) {فَبِمَا نَقْضِهِمْ}([4]) . وبعدَ (رُبَّ) والكَافِ؛ فيَبقَى العَمَلُ قَلِيلاً، كقولِه:
308- رُبَّمَا ضَرْبَةٍ بِسَيفٍ صَقِيلٍ([5]) وقَولِهِ:
309- كَمَا النَّاسِ مَجرُومٌ عَلَيهِ وجَارِمُ([6]) والغَالِبُ أَن تَكُفَّهُمَا عن العَمَلِ، فيَدخُلانِ حينئذٍ على الجُمَلِ، كقَولِهِ:
310- كَمَا سَيفُ عَمْرٍو لَمْ تَخُنْهُ مَضَارِبُهْ([7]) وقولِه:
311- رُبَّمَا أَوفَيْتُ فِي عَلَمٍ ([8]) والغَالِبُ على (رُبَّ) المكفوفَةِ أن تَدخُلَ على فِعلٍ مَاضٍ كهذا البَيتِ([9]).
وقد تَدخُلُ على مُضَارِعٍ مُنَزَّلٍ مَنزِلَةَ المَاضِي لتَحَقُّقِ وُقُوعِه، نحوَ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}([10]).
ونَدَرَ دُخُولُهَا على الجُمَلِ الاسْمِيَّةِ، كقولِه:
312- رُبَّمَا الجَامِلُ المُؤَبَّلُ فِيهِمْ([11]) حتَّى قالَ الفَارِسِيُّ([12]): يَجِبُ أن تُقَدَّرَ (ما) اسماً مَجرُوراً بـ (رُبَّ) بمَعنَى شَيءٍ، و(الجَامِلُ) خَبَراً لِضَميرٍ مَحذُوفٍ، والجُملَةُ صِفَةٌ لِمَا، أَي: رُبَّ شَيءٍ هُو الجَامِلُ المُؤَبِّلُ.
فَصلٌ: تُحذَفُ (رُبَّ) ويَبقَى عمَلُهَا بعدَ الفَاءِ كَثِيراً؛ كقولِهِ:
313- فمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ([13]) وبعدَ الواوِ أَكثَرَ([14]) كقولِهِ:
314- ولَيلٍ كَمَوجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ([15]) وبعدَ (بَلْ) قَلِيلاً، كقولِهِ:
315- بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعدَ مَهْمَهِ([16]) وبِدُونِهِنَّ أَقَلَّ، كقَولِه:
316- رَسْمِ دَارٍ وَقَفْتُ فِي طَلَلِهْ([17])
وقَد يُحذَفُ غَيرُ (رُبَّ) ويبقى عملُه، وهو ضَربَانِ:
(1) سَمَاعِيٌّ كقَولِ رُؤْبَةَ: (خَيرٍ والحَمدُ لِلَّهِ) جوَاباً لمَنْ قالَ لهُ: كيفَ أَصبَحْتَ([18])؟.
(2) وقِيَاسِيٌّ، كقَولِكَ([19]): (بِكَم دِرْهَمٍ اشتَرَيْتَ ثَوبَكَ) أَي: بِكَمْ مِنْ دِرْهَمٍ؟ خِلافاً لِلزَّجَّاجِ في تَقدِيرِه([20]) الجَرَّ بِالإضَافَةِ، وكقَولِهِم: (إِنَّ فِي الدَّارِ زَيداً والحُجْرَةِ عَمْراً) أَي: وفي الحُجرَةِ، خِلافاً للأَخْفَشِ؛ إذ قَدَّرَ العَطفَ علَى مَعمُولَي عَامِلَينِ([21]) ، وقَولِهِم: (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ صَالِحٍ، إِلاَّ صَالِحٍ فَطَالِحٍ) حكَاهُ يُونُسُ([22]) ، وتَقدِيرُهُ: إِلاَّ أَمُرُّ بِصَالِحٍ، فقَدْ مَرَرْتُ بِطَالِحٍ.
([1])ذَكَرَ ابنُ مَالِكٍ أنَّ (ما) قَد تَدخُلُ على البَاءِ فتَكُفُّها عَن العَمَلِ، ولذلك دَخَلَت على الجُملَةِ الفِعْلِيَّةِ في قَولِهِ:
فَلَئِنْ صِرْتَ لا تُحِيرُ جَوَاباً = فَبِمَا قَدْ تُرَى وَأَنْتَ خَطِيبُ
فِي مَقَالٍ وَمَا وَعَظْتَ بِشَيءٍ = مِثْلَ وَعْظٍ بِالصَّمْتِ إِذْ لاَ تُجِيبُ
وذَكَرَ ابنُ الشَّجَرِيِّ أنَّ (ما) قَد تَدخُلُ علَى (مِن) فَتَكُفُّهَا، ولِذَا دَخَلَت على الجُملَةِ الفِعْلِيَّةِ في قَولِ أَبِي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ:
وَإِنَّا لَمِمَّا نَضْرِبُ الكَبْشَ ضَرْبَةً = عَلَى رَأْسِهِ تُلْقِي اللِّسَانَ مِنَ الفَمِ
وَالجُمهُورُ يَرَونَ أنَّ (ما) إذَا دَخَلَت علَى وَاحٍِد مِن الحُرُوفِ الثَّلاثَةِ التي ذَكَرَها المُؤَلِّفُ – وهي البَاءُ، ومِن، وعَن – لم تَكُفَّهُ أَصلاً، وهُم يُؤَوِّلُونَ هذه الشَّوَاهِدَ ونَحوَها على أنَّ (مَا) مَصدَرِيَّةٌ، والفِعلَ بعدَهَا في تَأوِيلِ مَصدَرٍ مَجرُورٍ بالبَاءِ أو مِن، فتَقدِيرُ البَيتِ الأوَّلِ: فَبِرُؤْيَتِنَا إِيَّاكَ، وتَقدِيرُ بَيتِ أَبِي حَيَّةَ: وَإِنَّا لَمِن ضَرْبِنَا الكَبْشَ.
وزَادَ جمَاعَةٌ أنَّ (ما) تُزَادُ بعدَ اللاَّمِ أَيضاً فلا تَكُفُّهَا عَن عَمَلِ الجَرِّ، واستَدَلُّوا بِقَولِ الأَعْشَى مَيمُونِ بنِ قَيسٍ:
إِلَى مَلِكٍ خَيرِ أَرْبَابِهِ = فَإِنَّ لِمَا كُلِّ شَيْءٍ قَرَارَا
يُرِيدُ: فَإِنَّ لِكُلِّ شَيءٍ قَرَارَا.
([2])سُورَةُ نُوحٍ، الآيَةُ: 25.
([3])سُورَةُ المُؤْمِنُونَ، الآيَةُ: 40.
([4])سُورَةُ المَائِدَةِ، الآيَةُ: 13، وسُورَةُ النِّسَاءِ، الآيَةُ: 155.
([5])308-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ عَدِيِّ ابنِ الرَّعْلاءِ الغَسَّانِيِّ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ صَدرُ بَيتٍ مِن الخَفِيفِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*بَينَ بُصْرَى وَطَعْنَةٍ نَجْلاءِ*
اللُّغَةُ: (صَقِيلٍ)؛ أي: مَجْلُوٍّ، فَعِيلٌ بمَعنَى مَفعُولٍ، وتَقُولُ: صَقَلْتُ السَّيفَ أَصقُلُهُ صَقْلاً – مِن بَابِ نَصَرَ – فهُو مَصقُولٌ وصَقِيلٌ، (بُصْرَى) بِضَمِّ البَاءِ وسُكُونِ الصَّادِ بَلَدٌ بالشَّامِ، وكانَ يَقُومُ بها في الجَاهِلِيَّةِ سُوقٌ، وقد دَخَلَها سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ حينَ خَرَجَ إلى الشَّامِ معَ عَمِّهِ، ورآهُ فِيهَا بَحِيرَا الكَاهِنُ النَّصْرَانِيُّ وعرَفَهُ وحذَّرَ عَمَّهُ علَيهِ، وقد أَضَافَ (بينَ) إِلَى (بَصْرَى) – وهو مُفرَدٌ لم يُعْطَفْ عَلَيهِ مُفرَدٌ آخَرُ معَ أنَّ (بينَ) لا تُضَافُ إلا إلى مُتَعَدِّدٍ – على أَحَدِ مَعنَيَينِ:
الأوَّلُ: أنَّ بُصْرَى وإن كَانَت وَاحِداً في اللَّفظِ في قُوَّةِ المُتَعَدِّدِ؛ لأنَّهَا ذَاتُ أَجزَاءٍ ومَحِلاَّتٍ كَثِيرَةٍ.
الثَّانِي:أنَّ هُنَاكَ مُضَافاً مَحذُوفاً، والتَّقدِيرُ: (بينَ أَمَاكِنِ بُصْرَى) والطَّعْنَةُ النَّجْلاءُ: الوَاسِعَةُ الظَّاهِرَةُ الاتِّسَاعِ.
الإعرَابُ: (رُبَّمَا) رُبَّ: حَرفُ تَكثِيرٍ وجَرٍّ شَبِيهٌ بالزَّائِدِ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، ومَا: حَرفٌ زَائِدٌ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ، (ضَرْبَةٍ) مُبتَدَأٌ مَرفُوعٌ بِضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِهِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشتِغَالُ المَحَلِّ بِحَرَكَةِ حَرفِ الجَرِّ الشَّبِيهِ بالزَّائِدِ، (بِسَيْفٍ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِضَرْبَةٍ أو بِمَحذُوفٍ صِفَةٍ لِضَرْبَةٍ، (صَقِيلٍ) نَعتٌ لسَيفٍ، ونَعتُ المَجرُورِ مَجرُورٌ، وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، (بينَ) ظَرفُ مَكَانٍ مَنصُوبٌ على الظَّرفِيَّةِ المَكَانِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِضَرْبَةٍ أو بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِضَرْبَةٍ، وبَينَ مُضَافٌ و(بُصْرَى) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بفَتحَةٍ نِيَابَةً عَن كَسرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الأَلِفِ منَعَ مِن ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، (وَطَعْنَةٍ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (طَعْنَةٍ): مَعطُوفٌ على (ضَرْبَةٍ) مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (نَجْلاءِ) صِفَةٌ لِطَعنَةٍ مَجرُورٌ بِالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، وقَد جَرَّهُ بِالكَسرَةِ للضَّرُورَةِ، وحَقُّهُ أن يَجُرَّهُ بالفَتحَةِ نِيَابةً عن الكَسرَةِ؛ لأنَّهُ اسمٌ لا يَنصَرِفُ لاتِّصَالِهِ بأَلِفِ التَّأنِيثِ المَمدُودَةِ، وخَبَرُ المُبتَدَأِ المَجرُورِ لَفظاً بِرُبَّ وهُوَ قَولُهُ: (ضَربَةٍ) مَحذُوفٌ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (رُبَّمَا ضَرْبَةٍ) حيثُ جَرَّ قَولَهُ: (ضَربَةٍ) بِرُبَّ، معَ دُخُولِ (ما) علَيهَا.
([6])309-هَذَا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ عَمرِو ابنِ بَرَّاقَةَ الهَمْدَانِيِّ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنَا عَجُزُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدْرُهُ قَولُهُ:
*وَنَنْصُرُ مَوْلانَا وَنَعْلَمُ أَنَّهُ*
والبَيتُ سَابِعُ ثَمَانِيَةِ أَبْيَاتٍ رَوَاهَا الخَالِدِيَّانِ في (الأَشْبَاهِ والنَّظَائِرِ) ص 7و8 وانظُرْ تَخرِيجَهَا في ذلك المَوضِعِ.
ويُروَى* كَمَا النَّاسُ مَظلُومٌ وظَالِمُ *مَعنَى الرِّوَايَتَينِ وَاحِدٌ.
والبَيتُ المُستَشْهَدُ بِعَجُزِه مِن كَلِمَةٍ يَقُولُهَا عَمرٌو، وكانَ رَجُلٌ مِن مُرَادَ يُقَالُ لَهُ: حُرَيْمٌ. قد أَغَارَ على إِبِلِ عَمرٍو فَاسْتَاقَهَا، فَأَغَارَ عَمرٌو علَى حُرَيمٍ فاستَاقَ كُلَّ شَيءٍ عِندَهُ، فأَتَى حُرَيمٌ بعدَ ذَلِكَ عَمراً وطَلَبَ إليه أن يَرُدَّ علَيهِ بَعضَ ما أَخَذَهُ منهُ، فأَبَى عَمرٌو، فَرَجَعَ حُرَيمٌ، وأَوَّلُ هذه الكَلِمَةِ قَولُهُ: (كَمَا في أَمَالِي أَبِي عَلِيٍّ القَالِيِّ 2/123 بُولاق):
تَقُولُ سُلَيْمَى لاَ تَعَرَّضْ لِتَلْفَةٍ = وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعَالِيكِ نَائِمُ
اللُّغَةُ: (نَنْصُرُ) نُعِينُ ونُؤَازِرُ، (مَولانَا) لِلمَوْلَى عِدَّةُ مَعَانٍ، ويُرَادُ مِنهُ الحَلِيفُ أو ابنُ العَمِّ، (مَجرُومٌ عَلَيهِ) وَاقِعٌ علَيهِ الجُرْمُ والإِثْمُ والتَّعَدِّي والظُّلمُ مِن النَّاسِ؛ فهو بمَعنَى مَظلُومٍ مُنتَقَصِ الحَقِّ مَهضُومِ الجَانِبِ، (جَارِمُ) ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ.
المَعنَى: يَقُولُ: إِنَّ مِنْ شَأْنِنَا أَن نُؤَازِرَ حَلِيفَنَا على مَن عَادَاهُ، ونَكُونَ وَإِيَّاهُ يَداً علَى مَن نَاوَأَهُ؛ لأننَّا على ثِقَةٍ مِن أنَّ شَأْنَهُ كشَأْنِ النَّاسِ جَمِيعاً، فهو مَرَّةً مَظلُومٌ، ومَرَّةً أُخرَى ظَالِمٌ.
الإعرَابُ: (نَنْصُرُ) فِعلٌ مُضَارِعٌ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً تقدِيرُهُ (نَحنُ)، (مَوْلانَا) مَوْلَى: مَفعُولٌ به لِـ (نَنصُرُ) بفَتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ علَى الأَلِفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، ومَوْلَى مُضَافٌ، و(نَا) مُضَافٌ إلَيهِ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (وَنَعْلَمُ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ، نَعلَمُ: فِعلٌ مُضَارِعٌ مَرفُوعٌ لتَجَرُّدِهِ مِن النَّاصِبِ والجَازِمِ، وعَلامَةُ رَفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً تقدِيرُه (نحن)، (أنَّهُ) أنَّ: حَرفُ تَوكِيدٍ ونَصبٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وضَمِيرُ الغَيبَةِ العَائِدُ إلى المَوْلَى اسمُ (أَنَّ) مَبنِيٌّ علَى الضَّمِّ في مَحَلِّ نَصبٍ، (كَمَا) الكَافُ حَرفُ تَشبِيهٍ وجَرٍّ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرَابِ، و(مَا): حَرفٌ زَائِدٌ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (النَّاسِ) مَجرُورٌ بكَافِ التَّشبِيهِ، وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ خَبَرُ (أَنَّ)، وأَنَّ معَ ما دَخَلَت علَيهِ في تَأوِيلِ مَصدَرٍ سَدَّ مَسَدَّ مَفعُولَي (نَعلَمُ)، (مَجرُومٌ) بِالرَّفعِ – خَبَرٌ ثَانٍ لـ (أَنَّ)، مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (عَلَيهِ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَجرُومٍ على أنَّهُ نَائِبُ فَاعِلٍ لهُ؛ لأنَّ اسمَ المَفعُولِ كالفِعلِ المَبنِيِّ للمَجهُولِ، (وجَارِمُ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، جَارِمُ: مَعطُوفٌ علَى (مَجرُومٌ عَلَيهِ).
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (كَمَا النَّاسِ) حيثُ جَرَّ قَولَهُ: (النَّاسِ) بِالكَافِ معَ اقتِرَانِهَا بِمَا الكَافَّةِ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ خَبَرُ (أَنَّ). وقَولُهُ: (مَجرُومٌ) خَبَرٌ بعدَ خَبَرٍ كما عَلِمْتَ في الإعرَابِ، فدَلَّ ذلك على أنَّ اقترَانَ (ما) بالكَافِ الجَارَّةِ لا يَجِبُ معَهُ أن يَبْطُلَ عَمَلُ الكَافِ الجَرَّ، بل قد يَبقَى هذا العَمَلُ كما في هذا الشَّاهِدِ.
([7])310-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ نَهْشَلِ بنِ حَرِيٍّ، يَرثِي أَخَاهُ مَالِكاً، وكانَ قَد قُتِلَ في جَيشِ عَلِيٍّ يَومَ صِفِّينَ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنَا عَجُزُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدرُهُ قَولُهُ:
*أَخٌ مَاجِدٌ لَمْ يُخْزِنِي يَوْمَ مَشْهَدٍ*
اللُّغَةُ: أَرَادَ بِعَمرٍو عَمْرَو بنَ مَعْدِ يَكْرِبَ الزُّبَيْدِيَّ، وسَيفُهُ الصَّمْصَامَةُ، (أَخٌ مَاجِدٌ) تَقُولُ: مَجَدَ الرَّجُلُ يَمْجُدُ مَجْداً فهُو مَاجِدٌ – مِن بَابِ نَصَرَ – ومَجُدَ يَمْجُدُ مَجَادَةً فهُو مَجِيدٌ – مِن بَابِ كَرُمَ – إذَا كانَ ذَا مَجْدٍ، وَالمَجْدُ – بفَتحٍ فسُكُونٍ – العِزُّ والرِّفْعَةُ، ونَيلُ الشَّرَفِ، والكَرَمُ مُطلَقاً، أو خَاصٌّ بمَا يَكُونُ بالآبَاءِ، والمَجَادَةُ أَيضاً: الحَسَنُ الخُلُقِ السَّمْحُ، (لَمْ يَخْزُنِي) لَم يُوقِعْنِي في الخَزَايَةِ، والخَزَايَةُ – بِفَتحِ الخَاءِ والزَّايِ جَمِيعاً – ما يُستَحْيَا منهُ، ويَكُونُ خَزَاهُ وأَخْزَاهُ أَيضاً بمَعنَى أَهَانَهُ وفَضَحَهُ، (يَومَ مَشْهَدٍ) بفَتحِ المِيمِ وسُكُونِ الشِّينِ وفَتحِ الهَاءِ – اليَومُ الذي يَشْهَدُه النَّاسُ ويَحضُرُونَهُ، يُرِيدُ أنَّهُ إذا اجتَمَعَ النَّاسُ للتَّفَاخُرِ وذِكْرِ المَنَاقِبِ لم أَسْتَحِ مِن ذِكْرِ هذا الأَخِ لِكَونِهِ مَاجِداً كَرِيمَ الأُصُولِ، وقد يَكُونُ أَرَادَ بِيَومِ المَشْهَدِ يَومَ الحَرْبِ، وأَرادَ بأنَّهُ لم يُخْزِهِ فيهِ أنَّهُ لم يَنْكُلْ عنهُ ولم يُحجِمْ عَن لِقَاءِ الأَعدَاءِ معَهُ.
الإعرابُ: (أَخٌ) خَبَرُ مُبتَدَأٍ مَحذُوفٍ، وتَقدِيرُ الكلامِ: هو أَخٌ، مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (مَاجِدٌ) نَعتُ الأَخِ، مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (لَمْ) حَرفُ نَفيٍ وجَزْمٍ وَقَلبٍ، (يُخْزِنِي) يُخْزِ: فِعلٌ مُضَارِعٌ مَجزُومٌ بلَم، وعَلامَةُ جَزمِهِ حَذفُ اليَاءِ، والكَسرَةُ قَبلَهَا دَلِيلٌ علَيهَا، هذا إِذَا قَرَأْتَهُ بِضَمِّ يَاءِ المُضَارَعَةِ مِن ذِي الهَمْزَةِ، فإِن قَرَأْتَهُ بِفَتحِ يَاءِ المُضَارَعَةِ فعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذفُ الوَاوِ، والضَّمَّةُ قَبلَهَا دَلِيلٌ علَيهَا، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقدِيرُه (هو) يَعُودُ إلى (أَخٌ)، والنُّونُ للوِقَايَةِ،، ويَاءُ المُتَكَلِّمِ مَفعُولٌ به مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصبٍ، وجُملَةُ الفِعلِ المُضَارِعِ المَجزُومِ بلَم معَ فاعِلِه ومَفعُولِهِ في مَحَلِّ رَفعٍ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لأخٍ، (يَوْمَ) ظَرفُ زَمَانٍ مَنصُوبٌ بيُخْزِي وعَلامَةُ نَصبِه الفَتحَةُ الظَّاهِرَةُ، ويَومَ مُضَافٌ و(مَشهَدٍ) مُضَافٌ إليه مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (كمَا) الكَافُ حَرفُ تَشبِيهٍ وجَرٍّ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، و(ما): حَرفٌ كَافٌّ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (سَيفُ) مُبتَدَأٌ مَرفُوعٌ بِالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وسَيفُ مُضَافٌ و(عَمرٍو) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بِالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (لَمْ) حَرفُ نَفيٍ وجَزمٍ وقَلبٍ، و(تَخُنْهُ) تَخُنْ: فِعلٌ مُضَارِعٌ مَجزُومٌ بلم، وعَلامَةُ جَزمِهِ السُّكُونُ، وضَمِيرُ الغَائِبِ العَائِدُ إلى (سَيفُ عَمرٍو) مَفعُولٌ به لِتَخُنْ مَبنِيٌّ علَى الضَّمِّ في مَحَلِّ نَصبٍ، (مَضَارِبُهُ) مَضَارِبُ: فَاعِلُ (تَخُنْ) مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِ العَائِدِ إلى سَيفِ عَمرٍو مُضَافٌ إليهِ مَبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ، وجُملَةُ الفِعلِ المُضَارِعِ الذي هو (تَخُنْ) وفَاعِلِه ومَفعُولِهِ في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ الذي هو سَيفُ عَمرٍو.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (كمَا سَيفُ عَمرٍو) فَإِنَّ الكَافَ حَرفُ جَرٍّ، و(مَا) كَافَّةٌ لهَا عَن عَمَلِ الجَرِّ، و(سَيفُ) مُبتَدَأٌ، وجُملَةُ (لَمْ تَخُنْهُ مَضَارِبُهُ) في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ كما اتَّضَحَ ذلك في إِعرَابِ البَيتِ.
ومِثلُ هذا البَيتِ قَولُ عَمرِو بنِ حَكِيمِ بنِ مُعَيَّةَ:
وَلَو جَاوَرَتْنَا العَامَ سَمْرَاءُ لَمْ نُبَلْ = عَلَى جَدْبِنَا أَلاَّ يَصُوبَ رَبِيعُ
لَقَدْ عَلِمَتْ سَمْرَاءُ أَنَّ حَدِيثَهَا = نَجِيعٌ، كَمَا مَاءُ السَّمَاءِ نَجِيعُ
والشَّاهِدُ فيهِمَا قَولُهُ: (كَمَا مَاءُ السَّمَاءِ نَجِيعُ) فإِنَّ الكَافَ جَارَّةٌ، وقد اتَّصَلَت بها (مَا) فكَفَّتْهَا عَن عَمَلِ الجَرِّ، وما بَعدَهَا جُملَةٌ مِن مُبتَدَأٍ وخَبَرٍ.
ومِن مَجمُوعِ الشَّوَاهِدِ (309، 310) ومَا أَنشَدْنَاهُ، تَكمُلُ الدِّلالَةُ على أَنَّ اقتِرَانَ (ما) بالكَافِ قد يَكُفُّهَا عَن عَمَلِ الجَرِّ وقد لا يَكُفُّهَا.
([8])311-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ جَذِيمَةَ الأَبْرَشِ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنا صَدْرُ بَيْتٍ مِنَ المَدِيدِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*تَرْفَعَنْ ثَوْبِي شَمَالاتُ*
اللُّغَةُ: (أَوْفَيْتُ) مَعنَاهُ: نَزَلْتُ، وَ(عَلَمٍ)؛ أي: جَبَلٍ، و(شَمَالاتُ) بِفَتحِ الشِّينِ، جَمعُ شَمَالٍ، وهي رِيحٌ تَهُبُّ مِن نَاحِيَةِ القُطبِ.
الإعرابُ: (رُبَّمَا) رُبَّ: حَرفُ تَقلِيلٍ وجَرٍّ شَبِيهٌ بِالزَّائِدِ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، و(ما): حَرفٌ كَافٌّ لرُّبَ عَن العَمَلِ الذي يَقتَضِيهِ وهو الدُّخُولُ على الاسمِ وجَرِّهِ، ومُهَيِّئٌ لهذا الحَرفِ لأَنْ يَدخُلَ على الجُمَلِ، مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (أَوْفَيْتُ) أَوْفَى: فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ علَى فَتحٍ مُقَدَّرٍ علَى آخِرِهِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ فَاعِلُهُ مَبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، (فِي) حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌَّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (عَلَمٍ) مَجرُورٌ بِفِي، وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِأَوفَى، (تَرْفَعَنْ) تَرْفَعُ: فِعلٌ مُضَارِعٌ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لاتِّصَالِهِ بنُونِ التَّوكِيدِ الخَفِيفَةِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (ثَوْبِي) ثَوب: مَفعُولٌ به لِـ (تَرفَعُ), مَنصوبٌ بِفَتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِهِ مَنَعَ مِن ظهُورِها اشتِغَالُ المَحَلِّ بالحَرَكَةِ المُنَاسِبَةِ ليَاءِ المُتَكَلِّمِ، وثَوبُ مُضَافٌ ويَاءُ المُتَكَلِّمِ مُضَافٌ إليه مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (شَمَالاَتُ) فَاعِلُ تَرفَعُ مَرفُوعٌ بِالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (رُبَّمَا أَوْفَيْتُ) حيثُ كَفَّ (مَا) (رُبَّ) عَن عَمَلِ الجَرِّ، والدَّلِيلُ على أنَّ (مَا) كَفَّتْهَا دُخُولُها على الجُملَةِ الفِعْلِيَّةِ، ولو أَبْقَتْ لهَا عَمَلَهَا لدَخَلَت على الاسمِ فَجَرَّتْهُ.
([9])إِنَّمَا غَلَبَ دُخُولُ (رُبَّ) المُتَّصِلَةِ بما الكَافَّةِ على الجُملَةِ الفِعْلِيَّةِ التي فِعلُها مَاض؛ٍ لأنَّ أَصلَ (رُبَّ) التَّقلِيلُ أو التَّكثِيرُ، وهُما إنَّمَا يَكُونَانِ فيمَا عُرِفَ حَدُّهُ؛ ولمَّا كَانَ المُضَارِعُ مُستَقْبَلاً, وهُو مَجهُولٌ – قَلَّ دُخُولُها عليه، وظَاهِرُ كَلامِ الرُّمَّانِيِّ أنَّ (رُبَّ) المَكفُوفَةَ لا تَدخُلُ إلا علَى مَاضٍ، فإن دَخَلَت في الظَّاهِرِ على المُضَارِعِ فإِمَّا أن يَكُونَ المُضَارِعُ مُؤَوَّلاً بالمَاضِي، وإِمَّا أن يُقَدَّرَ مَدخُولُها مَاضِياً، وجُملَةُ المُضَارِعِ مَعمُولَةً لهذا المَاضِي المُقَدَّرِ كمَا تَسمَعُهُ في الكَلامِ علَى الآيَةِ الكَرِيمَةِ.
([10])سُورَةُ الحِجْرِ، الآيَةُ: 2، وقد قِيلَ في تَخرِيجِ الآيَةِ: إنَّ المُضَارِعَ عُبِّرَ بهِ عَن حَالَةٍ مَاضِيَةٍ بطَرِيقِ التَّجَوُّزِ، وقيلَ: التَّقدِيرُ: (رُبَّمَا كانَ يَوَدُّ الذينَ كَفَرُوا) فمَدخُولُها مَاضٍ مَحذُوفٌ, واسمُ (كَانَ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ. وفي هذا الأَخِيرِ نَظَرٌ مِن وَجْهَينِ؛ الأَوَّلُ: أَنَّ حَذْفَ كَانَ بَعدَ غَيرِ (إِن) و(لَو) الشَّرْطِيَّتَينِ نَادِرٌ، والثَّانِي: أنَّهُ لا بُدَّ بعدَ ذلك التَّقدِيرِ مِن تَخرِيجِ (يَوَدُّ) على حِكَايَةِ الحَالِ المَاضِيَةِ.
قالَ المُؤَلِّفُ في كِتَابِهِ (مُغنِي اللَّبيِبِ) في مَبَاحِثِ (مَا) مَا نَصُّهُ: (والثَّالِثُ مِن أَنوَاعِ مَا: الكَافَّةُ عَن عَمَلِ الجَرِّ، وتَتَّصِلُ بِأَحرُفٍ وظُرُوفٍ، فالأَحرُفُ أَحَدُها (رُبَّ)، وأَكثَرُ ما تَدخُلُ حينَئِذٍ على المَاضِي، كقَولِهِ:
*رُبَّمَا أَوْفَيْتُ فِي عَلَمٍ*
لأنَّ التَّكثِيرَ والتَّقلِيلَ إنَّمَا يَكُونَانِ فيما عُرِفَ حَدُّهُ، والمُستَقبَلُ مَجهُولٌ، ومِن ثَمَّ قالَ الرُّمَّانِيُّ في قَولِهِ تَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}: إِنَّمَا جَازَ؛ لأنَّ المُستَقْبَلَ مَعلُومٌ عندَ اللَّهِ تعَالَى كالمَاضِي، وقِيلَ: هو علَى حِكَايَةِ حَالٍ مَاضِيَةٍ مَجَازاً، مِثلَ قَولِهِ تعَالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}، وقيلَ: التَّقدِيرُ: رُبَّمَا كَانَ يَوَدُّ, وتَكُونُ (كَانَ) هذه شَامِيَّةً، وليسَ حَذفُ (كانَ) بدُونِ (إن) و(لو) الشَّرْطِيَّتَينِ سَهْلاً، ثُمَّ الخَبَرُ حِينَئِذٍ – وهو (يَوَدُّ) – مُخْرِجٌ لِحِكَايَةِ الحَالِ المَاضِيَةِ، فلا حَاجَةَ إلى تَقدِيرِ (كانَ)، ولا يَمتَنِعُ دُخُولُها على الاسمِيَّةِ، خِلافاً للفَارِسِيِّ، ولهذا قالَ في قَولِ أَبِي دُؤادٍ:
*رُبَّمَا الجَامِلُ المُؤَبَّلُ فِيهِمْ*
مَا: نَكِرَةٌ مَوصُوفَةٌ بِجُملَةٍ حُذِفَ مُبتَدَؤُهَا؛ أي: (رُبَّ شَيءٍ هُو الجَامِلُ) اهـ.
([11])312-هَذَا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ أَبِي دُؤادَ الإِيَادِيِّ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنا بَيتٌ هو صَدرٌ مِن الخَفِيفِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*وَعَنَاجِيجُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ*
اللُّغَةُ: (الجَامِلُ) اسمُ جَمْعٍ للإِبِلِ لا وَاحِدَ لهُ مِن لَفظِهِ، وقيلَ: القَطِيعُ مِنَ الإبِلِ معَ رَاعِيهَا، (المُؤَبَّلُ) المُعَدُّ للقُنْيَةِ، و(عَنَاجِيجُ) جَمعُ عُنجُوجٍ، بِزِنَةِ عُصْفُورٍ – وهِيَ الخَيلُ الطَّوِيلَةُ الأَعْنَاقِ، و(المِهَارُ) بكَسرِ المِيمِ – جَمعُ مُهرٍ – بضَمِّها – وهو وَلَدُ الفَرَسِ، والأُنثَى مُهرَةٌ.
الإعرابُ: (رُبَّمَا) رُبَّ: حَرفُ تَقلِيلٍ وجَرٍّ شَبِيهٌ بالزَّائِدِ، مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ, و(ما): حَرفٌ زَائِدٌ يَكُفُّ (رُبَّ) عن العَمَلِ، مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (الجَامِلُ) مُبتَدَأٌ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (المُؤَبَّلُ) نَعتٌ لِلجَامِلِ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (فِيهِمْ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ، (وعَنَاجِيجُ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، عنَاجِيجُ: مَعطُوفٌ على الجَامِلِ مَرفُوعٌ وعَلامَةُ رَفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، (بَينَهُنَّ) بينَ: ظَرفُ مَكَانٍ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، و(بينَ) مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبَاتِ العَائِدُ إلى العَنَاجِيجِ مُضَافٌ إليه مَبنِيٌّ على الفَتحِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (المِهَارُ) مُبتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وجُملَةُ المُبتَدَأِ وخَبَرِه في مَحَلِّ رَفعٍ صِفَةٌ لِعَنَاجِيجَ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (رُبَّمَا الجَامِلُ فِيهِم) حيثُ دَخَلَت (رُبَّ) المَكفُوفَةُ بِمَا علَى الجُملَةِ الاسمِيَّةِ, وهو نَادِرٌ.
([12])ذَهَبَ الفَارِسِيُّ إلى أنَّهُ لا يَجُوزُ دُخُولُ (رُبَّ) المَكفُوفَةِ على الجُملَةِ الاسمِيَّةِ أَصلاً, ولهذا اضطُرَّ إلى جَعلِ (ما) في هَذا البَيتِ – نَكِرَةً بمَعنَى شَيءٍ مَجرُورَ المَحَلِّ بِرُبَّ، وجَعَلَ قَولَهُ: (الجَامِلُ) خَبَرَ مَبتَدَأٍ مَحذُوفٍ؛ أي: رُبَّ شَيءٍ هو الجَامِلُ، وفِيهِم: جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ حَالٌ، فيَكُونُ مَدخُولُ رُبَّ مُفرَداً، وقد ذَكَرَ ذلك المُؤَلِّفُ.
فإِنْ قُلْتَ: فمَا مَنَعَكُم أن تَجعَلُوا – على قَولِ أَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيِّ – قَولَ الشَّاعِرِ: (الجَامِلُ المُؤَبَّلُ فِيهِمْ) جُملَةً مِن مُبتَدَأٍ هو الجَامِلُ، وخَبَرٍ هو قَولُهُ: (فِيهِمْ) وهَذِه الجُملَةُ في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لـ (ما).
فالجَوَابُ أنَّهُ إنَّمَا مَنَعَنَا مِن ذلك أَنَّا لَو ارْتَكَبْنَاهُ لكَانَتْ جُملَةُ النَّعتِ خَالِيَةً مِمَّا يَربِطُهَا بِالمَنعُوتِ، لَكِنَّا لَمَّا قَدَّرْنَا الضَّمِيرَ الذي جَعَلْنَاهُ مُبتَدَأً كَانَ هو العَائِدَ على المَنعُوتِ، فرَبَطَ جُملَةَ النَّعتِ بمَنعُوتِهِ.
([13])313-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ، مِن مُعَلَّقَتِهِ المَشهُورَةِ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنَا هو صَدْرُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ*
اللُّغَةُ: (طَرَقْتُ) يُرِيدُ: زُرْتُهَا لَيلاً، والطُّرُوقُ: الإِتْيَانُ في اللَّيلِ، (مُرْضِعٍ) هي التي لهَا طِفلٌ تُرْضِعُه، (تَمَائِمَ) جَمعُ تَمِيمَةٍ، وهي المَعَاذَةُ التي كانُوا يُعَلِّقُونَهَا على جَبْهَةِ الصَّبِيِّ، وكانوا يَزعُمُونَ أنَّها تَقِيهِ مِن العَينِ، (مُحْوِلِ) اسمُ فَاعِلٍ مِن (أَحْوَلَ الصَّبِيُّ) إذا مَرَّ عليه مِن عُمُرِهِ حَولٌ، وكَنَّى بذِي تَمَائِمَ مُحْوِلٍ عَن الصَّبِيِّ، وكَنَّى بِأَلْهَيْتُهَا عن ابنِهَا الصَّغِيرِ عن شَغَفِ مَن يَزُورُهَا به وشِدَّةِ وُلُوعِهَا، حتَّى إنَّها لَتَنْسَى مَن لَمْ تَجْرِ عَادَةُ النِّسَاءِ بنِسيَانِهِ، وهو ابنُهَا.
الإِعرَابُ: (فَمِثْلِكِ) الفَاءُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرَابِ، مِثلِ: مَفعُولٌ بهِ لِطَرَقْتُ الآتِي مَنصُوبٌ بفَتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِهِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشتِغَالُ المَحَلِّ بالكَسْرَةِالتي تَقتَضِيهَا (رُبَّ) المَحذُوفَةُ والمُقَدَّرَةُ بعدَ الفَاءِ، و(مِثلِ) مُضَافٌ وضَمِيرُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ مُضَافٌ إليه مَبنِيٌّ على الكَسرِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (حُبْلَى) بَدَلٌ مِن (مِثلِ)، مَنصُوبٌ بفَتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الأَلِفِ إن رَاعَيْتَ المَحَلَّ، ومَجرُورٌ بكَسرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الأَلِفِ إِن رَاعَيْتَ اللَّفظَ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، (قَدْ) حَرفُ تَحقِيقٍ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (طَرَقْتُ) فِعْلٌ وفَاعِلٌ، (ومُرْضِعٍ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرَابِ، مُرضِعٍ: مَعطُوفٌ على حُبْلَى, والرِّوَايَةُ المَشهُورَةُ فيه بالجَرِّ، فتَرَجَّحَ في (حُبْلَى) اعتِبَارُ اللَّفظِ، لَكِنَّ القَوَاعِدَ تُجَوِّزُ مُرَاعَاةَ المَحَلِّ ومُرَاعَاةَ اللَّفظِ جَمِيعاً، وتُجَوِّزُ في (مُرْضِعٍ) الجَرَّ والنَّصْبَ جَمِيعاً.
(فَأَلْهَيْتُهَا) الفَاءُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرَابِ، أَلْهَى: فِعْلٌ مَاضٍ مَعطُوفٌ على (طَرَقْتُ)، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ فَاعِلُهُ مَبنِيٌّ علَى الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، وضَمِيرُ الغَائِبَةِ العَائِدُ على المِثْلِ مَفعُولٌ به مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصبٍ، (عَن) حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (ذِي) مَجرُورٌ بِعَن وعَلامَةُ جَرِّهِ اليَاءُ نِيَابَةً عَن الكَسْرَةِ؛ لأنَّهُ مِن الأَسْمَاءِ السِّتَّةِ، وهو مُضَافٌ و(تَمَائِمَ) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بِالفَتحَةِ نِيَابَةً عن الكَسرَةِ؛ لأنَّهُ اسمٌ لا يَنصَرِفُ، والمَانِعُ لهُ مِن الصَّرفِ كَونُهُ علَى صِيغَةِ مُنتَهَى الجُمُوعِ، (مُحْوِلِ) صِفَةٌ لِذِي تَمَائِمَ، مَجرُورٌ بِالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (فَمِثْلِكِ) حيثُ جَرَّ (مِثلِ) برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ الفَاءِ، وذلك كَثِيرٌ.
ونَظِيرُ هذا البَيتِ قَولُ المُتَنَحِّلِ الهُذَلِيِّ، واسمُهُ مَالِكُ بنُ عُوَيْمِرٍ، وهو مِن قَصِيدَةٍ طَوِيلَةٍ ثَابِتَةٍ في (جَمْهَرَةِ أَشْعَارِ العَرَبِ):
فَحُورٌ قَد لَهَوْتُ بِهِنَّ عِينٍ = نَوَاعِمَ فِي المُرُوطِ وَفِي الرِّيَاطِ
([14])وَذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أَنَّ الوَاوَ تَعمَلُ في النَّكِرَةِ الجَرَّ بنَفسِهَا، وإلى هذا القَولِ ذهَبَ أَبُو العَبَّاسِ المُبَرِّدُ مِن البَصْرِيِّينَ، قَالُوا: لأَنَّ الوَاوَ نَابَتْ عَن (رُبَّ) التي تَعمَلُ الخَفْضَ. فلمَّا نَابَتْ عَنهَا عَمِلَت عَمَلَها، ولا يُمكِنُ أن نَعتَبِرَ هذِه الوَاوَ وَاوَ العَطْفِ؛ لأنَّهَا تَقَعُ في أَوَّلِ الكَلامِ كما تَرَى في الشَّوَاهِدِ المَسُوقَةِ للدِّلالَةِ على ذلك.
وذَهَبَ البَصْرِيُّونَ إلى أنَّ الوَاوَ لَيسَتْ هي التي تَعمَلُ الجَرَّ، وإنَّمَا عَامِلُ الجَرِّ (رُبَّ) مُقَدَّرَةٌ، قالُوا: لأنَّ الوَاوَ حَرفٌ غَيرُ مُختَصٍّ، والحَرفُ غَيرُ المُختَصِّ أَصلُهُ ألا يَعمَلَ شَيئاً، وإذا كَانَت الوَاوُ لَيسَت هي عَامِلَ الجَرِّ لَزِمَ أن نُقَدِّرَ عَامِلاً يَكُونُ جَرُّ ما بَعدَ الوَاوِ بِه، وإنَّمَا قَدَّرْنَا الجَرَّ برُبَّ؛ لأنَّا رَأَيْنَا (رُبَّ) يَجُوزُ ظُهُورُها معَ الوَاوِ فيُقَالُ: (وَرُبَّ لَيلٍ) و(ورُبَّ بَلَدٍ)، ومِن ذلك قَولُ الشَّاعِرِ:
*ورُبَّ أَسِيلَةِ الخَدَّينِ بِكْرٌ*
والذي يَنقُضُ قَولَ الكُوفِيِّينَ والمُبَرِّدِ أنَّ العَامِلَ هو الوَاوُ نَفسُهَا في نَحوِ (ولَيْلٍ) ونَحوِ (وبَلَدٍ) أنَّا رَأَيْنَا العرَبَ تَجُرُّ برُبَّ مَحذُوفَةً وليسَ في الكَلامِ عِوَضٌ مِنهَا كما في الشَّاهِدِ رَقْمِ 316 الآتِي، وكمَا في قَولِ الشَّاعِرِ:
مِثْلِكَ أَو خَيْرٍ تَرَكْتُ رَذِيَّةً = تُقَلِّبُ عَيْنَيْهَا إِذَا طَارَ طَائِرُ
ورَأَيْنا العرَبَ أَيضاً تَجُرُّ الاسْمَ النَّكِرَةَ بعدَ (بَلْ) وبعدَ الفَاءِ، ولَم يَقُلْ أَحَدٌ مِنَّا ومِنكُم: إِنَّ (بل) أو الفَاءَ تَجُرُّ، وهذَانِ الحَرْفَانِ يَحسُنُ ظُهُورُهُما في الكَلامِ معَ (رُبَّ) كما قُلْنَا في شَأْنِ الوَاوِ، ولو كانَ حَرفٌ مِنها نَائِباً عن (رُبَّ) وعِوَضاً عَنها لم يَجُزْ أن يَظهَرَ في الكَلامِ معَها؛ لأنَّ العِوَضَ لا يُذْكَرُ معَ المُعَوَّضُ.
([15])314-وهذا الشَّاهِدُ - أَيضاً – مِن كَلامِ امْرِئِ القَيْسِ مِن مُعَلَّقَتِه التي مَضَى الاستِشْهَادُ بكَثِيرٍ مِن أَبْيَاتِها، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههُنا هو صَدْرُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وعَجُزُه قَولُه:
*عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُومِ لِيَبْتَلِي*
اللُّغَةُ: (كَمَوجِ البَحْرِ) شَبَّهَ اللَّيلَ بمَوجِ البَحرِ في شِدَّةِ هَولِهِ وعَظِيمِ ما يَنَالُكَ مِن المَخَافَةِ فيه، (سُدُولَهُ) السُّدُولُ: الأَسْتَارُ، واحِدُهَا سَدَلَ، مِثلُ سَتَرَ وسُتُورٍ، (لِيَبْتَلِي) لِيَخْتَبِرَ ويَمتَحِنَ، وأَرادَ: ليَرَى ما عندِي مِن الشَّجَاعَةِ والجَرَاءَةِ وعَدَمِ المُبَالاةِ بما يَظهَرُ مِن الهَولِ وأَسبَابِ الفَزَعِ.
الإعرَابُ: (وَلَيلٍ) الواوُ واوُ (رُبَّ) حَرفٌ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، لَيلٍ: مُبتَدَأٌ، مَرفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشتِغَالُ المَحَلِّ بالحَرَكَةِ التي اقتَضَتْها (رُبَّ) المَحذُوفَةُ معَ بقَاءِ عَمَلِها، (كَمَوجِ) الكَافُ حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، مَوجِ: مَجرُورٌ بالكَافِ وعلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ صِفَةٌ لِلَيلٍ، ومَوجٌ مُضَافٌ و(البَحرِ) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (أَرْخَى) فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على فَتحٍ مُقَدَّرٍ على الأَلِفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهِ التَّعَذُّرُ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، وفَاعِلُه ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيهِ جَوَازاً تَقدِيرُهُ (هو) يَعُودُ إلى لَيلٍ، (سُدُولَهُ) سُدُولَ: مَفعُولٌ بهِ لأَرخَى مَنصُوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهِرَةِ، وسُدُولٌ مُضَافٌ وضَمِيرٌ الغَائِبِ العَائِدِ إلى لَيلٍ مُضَافٌ إِلَيهِ مَبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ، وجُملَةُ الفعلِ المَاضِي وفَاعِلِه ومَفعُولِه في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ المَجرُورِ لَفظاً برُبَّ المَحذُوفَةِ، (عَلَيَّ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِأَرخَى، (بِأَنْوَاعِ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِأَرْخَى أَيضاً، وأَنْوَاعِ مُضَافٌ و(الهُمُومِ) مُضَافٌ إليه مَجرُورٌ بِالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (لِيَبْتَلِي) اللاَّمُ لامُ التَّعلِيلِ، ويَبتَلِي: فِعلٌ مُضَارِعٌ مَنصُوبٌ بأن المُضمَرَةِ بعدَ لامِ التَّعلِيلِ، وعَلامَةُ نَصبِهِ فَتحَةٌ مُقَدَّرَةٌ على اليَاءِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا مُعَامَلَةُ المَنصُوبِ مُعَامَلَةَ المَرفُوعِ، وهَذا نَظِيرُ قَولِ الآخَرِ:
*أَبَى اللَّهُ أَنْ أَسْمُو بِأُمٍّ وَلا أَب*
و(أَنْ) المَصْدَرِيَّةُ المُضمَرَةُ معَ الفِعلِ المُضَارِعِ في تَأوِيلِ مَصدَرٍ مَجرُورٍ بلامِ التَّعلِيلِ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: أَرْخَى السَّابِقِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (وَلَيلٍ) حيثُ جَرَّ (لَيلٍ) برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ الوَاوِ، وهذَا أَكثَرُ مِن حَذفِ (رُبَّ) وجَرِّ ما بَعدَها بَعدَ الفَاءِ.
ومِثلُ بَيتِ الشَّاهِدِ قَولُ امْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ في المُعَلَّقَةِ أَيضاً:
وبَيضَةِ خِدْرٍ لا يُرَامُ خِبَاؤُهَا = تَمَتَّعْتُ مِن لَهْوٍ بِهَا غَيرَ مُعْجَلِ
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (وَبَيْضَةِ خِدْرٍ) حيثُ جَرَّ بَيضَة برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ الوَاوِ.
ومِثلُ ذلك قَولُ امْرِئِ القَيْسِ في المُعَلَّقَةِ أَيضاً:
وَقِرْبَةِ أَقْوَامٍ جَعَلْتُ عِصَامَهَا = عَلَى كَاهِلٍ مِنِّي ذَلُولٍ مُرَحَّلِ
وَوَادٍ كَجَوْفِ العَيْرِ قَفْرٍ قَطَعْتُهُ = بِهِ الذِّئْبُ يَعْوِي كَالخَلِيعِ المُعَيَّلِ
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (وَقِرْبَةِ أَقْوَامٍ) وقَولُهُ: (وَوَادٍ) حيثُ جرَّ قَولَهُ: (قِرْبَةِ) وقَولُهُ: (وَادٍ) برُبَّ مَحذُوفَةٍ بعدَ الواوِ.
ونَظِيرُ هذا قَولُ الرَّاجِزِ، وهو مِن شَوَاهِدِ سِيبَوَيْهِ:
وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ = إِلاَّ اليَعَافِيرُ وَإِلاَّ العِيسُ
الشَّاهِدُ في قَولِهِ: (وَبَلْدَةٍ) حيثُ جَرَّ لَفظَ بَلْدَةٍ برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ الوَاوِ.
ونَظِيرُهُ قَولُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ:
وَلَيْلٍ بَهِيمٍ قَدْ تَسَرْبَلْتُ هَوْلَهُ = إِذَا اللَّيلُ بِالنَّكْسِ الضَّعِيفِ تَجَهَّمَا
الشَّاهِدُ في قَولِهِ: (وَلَيلٍ) حَيثُ جَرَّ قَولَهُ: (لَيلٍ) برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ الوَاوِ، وهذا أَكْثَرُ مِن أن تُحصَى الشَّواهِدُ علَيهِ.
([16])315-هذا بَيتٌ مِن الرَّجَزِ المَشطُورِ، مِن كَلامِ رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ.
اللُّغَةُ: (مَهْمَهٍ) بفَتحِ المِيمِ وسُكُونِ الهَاءِ بعدَها مِيمٌ أُخرَى مَفتُوحَةٌ – هي المَفَازَةُ البَعِيدَةُ الأَطْرَافِ، وإنَّمَا سَمَّوهَا بذلك؛ لأنَّهُم تَخَيَّلُوا أنَّ مَن يَسلُكُها يَقُولُ لِمَن يُصَاحِبُه: مَهْ مَهْ، وكأنَّهُ لِشِدَّةِ الانزِعَاجِ والفَزَعِ والهَولِ يَأمُرُه بتَركِ الحَديثِ والكَفِّ عنهُ، (قَطَعْتُ) أَرَادَ: جُبْتُ وسِرْتُ فِيهَا مِن أَوَّلِها إلى آخِرِهَا غَيرَ هَيَّابٍ ولا وَجِلٍ.
الإعرَابُ: (بَلْ) حَرفُ عَطفٍ دَالٌّ على الإِضرَابِ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (مَهْمَهٍ) مَفعُولٌ به لقَطَعْتُ الآتِي، مَنصُوبٌ بفَتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتِغَالُ المَحَلِّ بالحَرَكَةِ التي تَقتَضِيهَا رُبَّ المَحذُوفَةُ معَ بَقَاءِ عَمَلِها، (قَطَعْتُ) قَطَعَ: فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على فَتحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِه لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ فَاعِلُهُ مَبنِيٌّ علَى الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، (بَعدَ) ظَرفُ زَمَانٍ مُتَعَلِّقٌ بقَطَعَ مَنصُوبٌ وعَلامَةُ نَصبِهِ الفَتحَةُ الظَّاهِرَةُ, وبعدَ مُضَافٌ و(مَهْمَهٍ) مُضَافٌ إليه مَجرُورٌ وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (بَلْ مَهْمَهٍ) حيثُ جَرَّ (مَهْمَهٍ) برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ (بَلْ).
وحَذْفُ رُبَّ بعدَ هذا الحَرفِ وإِبقَاءُ عَمَلِها قَلِيلٌ، ومنه قَولُ رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ أَيضاً (أَنشَدَ أَوَّلَهُ ابنُ مَنظُورٍ فِي ص ب ب):
بَلْ بَلَدٍ ذِي صُعُدٍ وَأَصْبَابْ = قَطَعْتُ أَخْشَاهُ بِعَسْفٍ جَوَّابْ
وقَولُ رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ أَيضاً:
بَلْ بَلَدٍ مِلْءُ الفِجَاجِ قَتَمُهْ = لا يُشْتَرَى كَتَّانُهُ وَجَهْرَمُهْ
وقَولُ سُؤْرِ الذِّئْبِ (ورَوَاهُ ابنُ مَنظُورٍ فِي ح ج ف):
*بَلْ جَوْزِ تَيْهَاءَ كَظَهْرِ الحَجَفَتْ*
([17])316-هذا الشَّاهِدُ مِن كلامِ جَمِيلِ بنِ مَعْمَرٍ العُذْرِيِّ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههُنا هو صَدرُ بَيتٍ مِن الخَفِيفِ، وعَجُزُه قَولُهُ:
*كِدْتُ أَقْضِي الحَيَاةَ مِن جَلَلِهْ*
اللُّغَةُ: (مِنْ جَلَلِهْ) قيلَ: مَعنَاهُ مِن عِظَمِهِ في نَفْسِي، وقيلَ: مَعنَاهُ مِن أَجْلِهِ.
الإعرابُ: (رَسْمِ) مُبتَدَأٌ مَرفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ ظُهُورَهَا اشتِغَالُ المَحَلِّ بالحَرَكَةِ التي تَقتَضِيهَا رُبَّ التي حُذِفَت وبَقِيَ عَمَلُها، و(رَسْمِ) مُضَافٌ و(دَارٍ) مُضَافٌ إليه مَجرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ، (وَقَفْتُ) وَقَفَ: فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على فَتحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِهِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ فَاعِلُهُ مبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، (فِي) حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرَابِ (طَلَلِهْ) (طَلَلِ): مَجرُورٌ بفي وعلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بوَقَفَ، و(طَلَلِ) مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِ العَائِدُ إلى الرَّسمِ مُضَافٌ إليهِ، وجُملَةُ (وَقَفْتُ) مِن الفِعلِ وفَاعِلِهِ في مَحَلِّ رَفْعٍ صِفَةٌ لِرَسْمِ دَارٍ، أو في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لهُ أَيضاً تَبَعاً لِلَفْظِ المَوصُوفِ. (كِدْتُ) كَادَ: فِعلٌ مَاضٍ دَالٌّ على المُقَارَبَةِ مَبنِيٌّ على فَتحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِه لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ اسمُ (كَادَ) مَبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، (أَقْضِي) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على اليَاءِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا الثِّقَلُ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقدِيرُهُ (أنَا)، (الحَيَاةَ) مَفعُولٌ بهِ لأَقْضِي مَنصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، (مِنْ) حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (جَلَلِهْ) (جَلَلِ): مَجرُورٌ بمِن وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: أَقْضِي، و(جَلَلِ) مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِ العَائِدُ إلَى الرَّسمِ مُضَافٌ إِلَيهِ، وجُملَةُ أَقْضِي وفَاعِلِه في مَحَلِّ نَصبٍ خَبَرُ كَادَ، وجُملَةُ كَادَ واسمُهُ وخَبَرُهُ في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (رَسْمِ دَارٍ) حيثُ جَرَّ قَولَهُ: (رَسْمِ) بِرُبَّ مَحذُوفَةٍ مِن غَيرِ أن يَتَقَدَّمَ هذا المَجرُورَ حَرفٌ مِن الأَحرُف ِالتي سَبَقَ ذِكْرُها.
ومِن كَلامِ المُؤَلِّفِ نَفْهَمُ أنَّ عَمَلَ (رُبَّ) الجَرَّ وهي مَحذُوفَةٌ على أَربَعِ مَرَاتِبَ:
المَرتَبَةُ الأُولَى: أن يَكُونَ ذلك بعدَ الوَاوِ، وذلك كَثِيرٌ في كَلامِ العَرَبِ، وفيهِ خِلافُ البَصْرِيِّينَ والكُوفِيِّينَ الذي ذَكَرْنَاهُ (ص67).
الثَّانِيَةُ: أن يَكُونَ ذلك بعدَ الفَاءِ، وهذا كَثِيرٌ في نَفْسِهِ، وإن لم يَبْلُغْ مَبْلَغَ المَرْتَبَةِ الأُولى.
الثَّالِثَةِ: أن يَكُونَ ذلك بعدَ بَلْ، وهذا دُونَ المَرتَبَتَينِ السَّابِقَتَينِ.
الرَّابِعَةُ: أن يَكُونَ ذلك مِن غَيرِ أن يَقَعَ حَرفٌ مِن هَذِه الأَحرُفِ الثَّلاثَةِ مَوقِعَ رُبَّ.
([18])قد ذَكَرَ المُؤَلِّفُ فيما مَضَى شَاهِداً على حَذْفِ حَرفِ الجَرِّ وإِبقاءِ عَمَلِهِ وهو الشَّاهِدُ رَقْمِ (235)، وقد ذَكَرَ المُؤَلِّفُ في معَانِي الكَافِ أنَّهُ قد قِيلَ لِبَعْضِهِم: كَيفَ أَصْبَحْتَ! فقالَ: كَخَيْرٍ، يُرِيدُ أَصبَحْتُ علَى خَيرٍ.
([19])يَعمَلُ حَرفُ الجَرِّ وهو مَحذُوفٌ قِيَاساً في ثَلاثَةَ عَشَرَ مَوضِعاً، ذَكَرَ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنهَا ثَلاثَةً وبَقِيَ عليهِ عَشَرَةٌ:
الأَوَّلُ: لَفظُ الجَلالَةِ في القَسَمِ بدُونِ عِوَضٍ، نَحوَ: (اللَّهِ لأَفْعَلَنَّ).
الثَّانِي: في جَوَابِ سُؤَالٍ اشتَمَلَ على حَرْفٍ مِثلُ الحَرْفِ المَحذُوفِ، نَحوَ (زَيدٍ) في جَوَابِ مَن قالَ: (بِمَن اهتَدَيتَ؟).
الثَّالِثُ: فِي العَطْفِ على ما تَضَمَّنَ مِثلِ الحَرفِ المَحذُوفِ إذا كَانَ العَطْفُ بِحَرْفٍ مُنفَصِلٍ بلَو، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
*مَتَى عُذْتُمُ بِنَا وَلَوْ فِئَةٍ مِنَّا*
الرَّابِعُ: أَن يَكُونَ المَجرُورُ مَعطُوفاً على آخَرَ بِحَرْفٍ مُنفَصِلٍ بلا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
مَا لِمُحِبٍّ جَلَدٌ أَنْ يُهْجَرَا = وَلاَ حَبِيبٍ رَأْفَةٌ فَيَجْبُرَا
الخَامِسُ: أَن يَكُونَ المَجرُورُ مَقرُوناً بهَمْزَةِ استِفْهَامٍ بعدَ كَلامٍ تَضَمَّنَ مِثلَ الحَرفِ المَحذُوفِ، نَحوَ قَولِكَ: (أَزَيْدِ بنِ عَمْرٍو) جَوَاباً لِمَن قالَ: (اهتَدَيتُ بِزَيدٍ).
السَّادِسُ: أن يَكُونَ المَجرُورُ مَسبُوقاً بهَلاَّ بعدَ كَلامٍ اشتَمَلَ على مِثلِ الحَرفِ المَحذُوفِ نَحوَ: (هَلاَّ رَجُلٍ يُعتَمَدُ عَلَيهِ) بعدَ قَولِ القَائِلِ: (تَمَسَّكْتُ بِخَالِدٍ).
السَّابِعُ: أن يَكُونَ المَجرُورُ مَسبُوقاً بإِن، وفي الكَلامِ السَّابِقِ عليه مِثلُ الحَرفِ المَحذُوفِ، نَحوَ (تَمَسَّكْ بِأَحْسَنِهِمَا خُلُقاً، إِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ عَمْرٍو).
الثَّامِنُ: لامُ التَّعلِيلِ إِن جَرَّت (كَي) المَصْدَرِيَّةَ وصِلَتَهَا، نَحوَ: (جِئْتُ كَيْ أَتَعَلَّمَ).
التَّاسِعُ: بعدَ (أَنْ) المَصْدَرِيَّةِ و(أَنَّ) المُؤَكِّدَةِ نَحوَ: (رَغِبْتُ أَنْ أَتَنَسَّكَ) و:(عَجِبْتُ أَنَّكَ مُستَمِرٌّ في ضَلالِكَ).
العَاشِرُ: المَعطُوفُ على خَبَرِ (لَيسَ) وخَبَرِ (ما) الذي يَصلُحُ لدُخُولِ الجَارِّ عَلَيهِ، وهو الذي لم يَنْتَقِضْ نَفْيُهُ، ويُسَمَّى هذا المَوضِعُ الجَرَّ على التَّوَهُّمِ، وقد أَجَازَهُ سِيبَوَيْهِ ولم يُجِزْهُ جَمَاعَةٌ مِن النُّحَاةِ، والشَّوَاهِدُ على وُرُودِهِ كَثِيرَةٌ، مِنهَا قَولُهُ:
مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً = وَلاَ نَاعِبٍ إِلاَّ بِبَيْنٍ غُرَابُهَا
وقَولُهُ:
بَـ بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى = وَلاَ سَابِقٍ شَيْئاً إِذَا كَانَ جَائِيَا
ووَجهُ ذلك أنَّهُ قد كَثُرَ اقتِرَانُ خَبَرِ (لَيسَ) بالبَاءِ الجَارَّةِ، ووَرَدَ ذلك في فَصِيحِ كَلامِ العَرَبِ مِن غَيرِ ضَرُورَةٍ ولا شُذُوذٍ، فإِذَا قالَ قَائِلٌ: (لَيسَ زَيدٌ قَائِماً) رُبَّمَا تَوَهَّمَ أنَّهُ أَدخَلَ البَاءَ فيَعطِفُ على الخَبَرِ بالجَرِّ على هذا التَّوَهُّمِ فيَقُولُ (وَلا قَاعِدٍ).
([20])يَمنَعُ مِن صِحَّةِ تَقدِيرِ الزَّجَّاجِ أَمرَانِ؛ الأوَّلُ: أنَّ (كَم) الاستِفْهَامِيَّةَ قَد تَكُونُ كِنَايَةً عَن عَدَدٍ مُرَكَّبٍ، والعَدَدُ المُرَكَّبُ لا يُضَافُ إلى ما بَعدَهُ في الفَصيِحِ، الثَّانِي: أنَّهُم اشتَرَطُوا في الجَرِّ بعدَهَا أن تَكُونَ مَسبُوقَةً بحَرفِ جَرٍّ؛ فلَو كَانَ الجَرُّ بإِضَافَتِها إلى ما بَعدَها لم يَشْتَرِطُوه، وإنَّمَا شَرَطُوهُ لِيَكُونَ دَلِيلاً علَى المَحذُوفِ الجَارِّ لمَا بَعدَهَا.
([21])العَامِلُ في (الدَّارِ) هو (في)، والعَامِلُ في (زَيداً) هو (إِنَّ)؛ لأنَّ زَيداً اسمُ إنَّ، فالدَّارُ وزَيداً مَعمُولانِ لِعَامِلَينِ مُختَلِفَينِ، فلو قُلْتَ: (إنَّ في الدَّارِ زَيداً والحُجْرَةِ عَمْراً) بجَرِّ الحُجْرَةِ ونَصبِ عَمرٍو – وَجَبَ عليكَ أَن تَجعَلَ (الحُجرَةِ) مَجرُوراً بحَرفِ جَرٍّ مَحذُوفٍ؛ لأنَّكَ لو جَعَلْتَهُ مَجرُوراً بالعَطفِ علَى الدَّارِ، وعَمْراً مَعطُوفاً علَى (زَيداً) كُنتَ قَد عَطَفْتَ اسمَينِ هُمَا (الحُجرَةِ) و(عَمراً)، علَى مَعمُولَينِ هُمَا (الدَّارِ) و(زَيداً), لعَامِلَينِ مُختَلِفَينِ هُمَا (في) و(إِنَّ) والعَطفُ بِحَرفٍ وَاحِدٍ علَى مَعمُولَينِ لِعَامِلَينِ مُختَلِفَينِ مِمَّا لا يُجِيزُه سِيبَوَيْهِ وأَنصَارُهُ لِضَعْفِ حَرفِ العَطفِ عن أن يَقُومَ مَقَامَ عَامِلَينِ مُختَلِفَينِ، فأَمَّا الأَخْفَشُ فإنَّهُ لا يَمْنَعُ مِن العَطْفِ على مَعمُولَينِ لِعَامِلَينِ مُختَلِفَينِ، فلهذَا أَجَازَ أن تَجعَلَ (الحُجرَة) مَعطُوفاً على (الدَّارِ) المَجرُورَةِ بفي، و(عَمراً) مَعطُوفاً على (زَيداً) الوَاقِعِ اسماً لـ(إِنَّ)، فاعرِفْ هَذَا.
([22])وحَكَاهُ سِيبَوَيْهِ (إلاَّ صَالِحاً فَطَالِحاً) بِنَصْبِهِمَا على تَقدِيرِ: إلاَّ يَكُنْ صَالِحاً يَكُنْ طَالِحاً، وحكَاهُ أَيضاً (إِلاَّ صَالِحاً فطَالِحٌ) بنَصبِ الأَوَّلِ ورَفعِ الثَّانِي على تَقدِيرِ: إلا يَكُنْ صَالِحاً فهُوَ طَالِحٌ.