دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 12:55 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي زيادة (ما) بعد بعض الحروف، وحذف حرف الجر وبقاء عمله


وبعدَ مِنْ وعنْ وباءٍ زِيدَ مَا = فلمْ يَعُقْ عنْ عملٍ قدْ عُلِمَا
وزِيدَ بعدَ رُبَّ والكافِ فَكَفْ = وقدْ تَلِيهَما وجَرٌّ لمْ يُكَفْ
وحُذِفَتْ رُبَّ فجَرَّتْ بعدَ بَلْ = والْفَا وبعدَ الواوِ شاعَ ذا العَمَلْ
وقدْ يُجَرُّ بِسِوَى رُبَّ لَدَى = حَذْفٍ وبعْضُهُ يُرَى مُطَّرِدَا

  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 09:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


وبعدَ " مِن وعن وباءٍ " زِيدَ مَا = فلَمْ يَعُقْ عن عَمَلٍ قد عُلِمَا ([1])

تُزادُ "ما" بعْدَ "مِن وعن والباءِ" فلا تَكُفُّها عن العمَلِ؛ كقولِه تعالَى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا}، وقولِه تعالَى: {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}، وقولِه تعالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ}.
وزِيدَ بعدَ " رُبَّ والكافِ " فَكَفّ = وقد تَلِيهِمَا وجَرٌّ لم يُكَفّ ([2])
تُزادُ "ما" بعْدَ "الكافِ ورُبَّ"، فتَكُفُّهما ([3]) عن العمَلِ؛ كقولِه:
214- فإنَّ الْحُمْرَ مِنْ شَرِّ الْمَطَايَا = كمَا الْحَبِطَاتُ شَرُّ بَنِي تَمِيمِ ([4])
وقولِه:
215- رُبَّمَا الْجَامِلُ الْمُؤَبَّلُ فِيهِمْ = وعَنَاجِيجُ بَيْنَهُنَّ الْمِهَارُ([5])
وقد تُزادُ بعدَهما ولا تَكُفُّهُما عن العمَلِ، وهو قَليلٌ؛ كقولِه:
216- مَاوِيَّ يا رُبَّتَمَا غَارَةٍ = شَعْوَاءَ كاللَّذْعَةِ بالْمِيسَمِ ([6])
وقولِه:
217- ونَنْصُرُ مَوْلاَنَا ونَعْلَمُ أنَّهُ = كما الناسِ مَجرومٌ عليه وجَارِمُ ([7])
وحُذِفَتْ " رُبَّ " فجَرَّتْ بعدَ " بَلْ" = والْفَا وبعدَ الواوِ شاعَ ذا العَمَلْ ([8])
لا يَجوزُ حذْفُ حرْفِ الْجَرِّ وإبقاءُ عمَلِه إلاَّ في "رُبَّ" بعْدَ الواو، وفيما سنَذْكُرُه، وقد وَرَدَ حذْفُها بعْدَ الفَاءِ و"بل" قَليلاً، فمِثالُه بعْدَ الواوِ قولُه:
وقاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُخْتَرَقْنْ ([9])
ومِثالُه بعْدَ الفاءِ قَولُه:
218- فمِثْلِكِ حُبْلَى قد طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ = فأَلْهَيْتُهَا عنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ([10])
ومِثالُه بعْدَ "بَلْ" قولُه:
219- بلْ بَلَدٍ مِلْءُ الفِجَاجِ قَتَمُهْ = لا يُشْتَرَى كَتَّانُهُ وجَهْرَمُهْ ([11])
والشائِعُ مِن ذلك حذْفُها بعْدَ الواوِ، وقد شَذَّ الْجَرُّ بـ"رُبَّ" مَحذوفةً مِن غيرِ أنْ يَتقَدَّمَها شَيءٌ؛ كقولِهِ:
220- رسْمِ دَارٍ وَقَفْتُ في طَلَلِهْ = كِدْتُ أَقْضِي الْحَياةَ مِنْ جَلَلِهْ ([12])

وقد يُجَرُّ بسِوَى رُبَّ لَدَى = حَذْفٍ وبعْضُهُ يُرَى مُطَّرِدَا ([13])
الْجَرُّ بغَيْرِ "رُبَّ" مَحذوفاً على قِسمينِ: مُطَّرِدٍ وغَيْرِ مُطَّرِدٍ.
فغَيْرُ الْمُطَّرِدِ كقَولِ رُؤبةَ لِمَن قالَ له: "كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟" "خَيْرٍ وَالحمْدُ للهِ"، التقديرُ: على خَيْرٍ. وقولِ الشاعِرِ:
221- إذا قِيلَ: أيُّ الناسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ = أشارَتْ كُلَيْبٍ بالأَكُفِّ الأَصَابِعُ ([14])
أيْ: أَشارَتْ إلى كُلَيْبٍ. وقولِه:
222- وكَريمةٍ مِن آلِ قَيْسَ أَلَفْتُهُ = حَتَّى تَبَذَّخَ فارْتَقَى الأَعْلاَمِ ([15])
أيْ: فارْتَقَى إلى الأَعلامِ.
والْمُطَّرِدُ كقولِكَ: "بكَمْ دِرْهَمٍ اشتَرَيْتَ هذا؟" فدِرْهَمٍ مَجرورٌ بِمِن مَحذوفَةً عِنْدَ سِيبَوَيْهِ والخليلِ، وبالإضافةِ عندَ الزَّجَّاجِ، فعَلَى مَذهَبِ سيبَوَيْهِ والخليلِ يَكونُ الجارُّ قد حُذِفَ وأُبْقِيَ عمَلُه، وهذا مُطَّرِدٌ عندَهما في مُمَيِّزِ "كمْ" الاِستفهاميَّةِ إذا دخَلَ عليها حرْفُ الْجَرِّ.


([1]) (وبعدَ) ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بقَولِه: (زِيدَ) الآتِي، وبعدَ مُضافٌ، و(مِن) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (وعنْ وباءٍ) معطوفانِ على (مِن)، (زِيدَ) فعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ، (ما) قَصَدَ لفْظَه: نائبُ فاعِلِ زِيدَ، (فلم) نافِيَةٌ جازِمَةٌ، (يَعُقْ) فعْلٌ مُضارِعٌ مَجزومٌ بلم، وفاعلُه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ على ما، (عن عَمَلٍ) جارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بيَعُقْ، (قد) حرْفُ تَحقيقٍ، (عُلِمَا) عُلِمَ: فعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ، والألِفُ للإطلاقِ، ونائِبُ الفاعِلِ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى عمَلٍ، والجملةُ في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لعَمَلٍ.

([2]) (وزِيدَ) فعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ، ونائِبُ الفاعلِ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ على (ما) في البيتِ السابِقِ، (بعْدَ) ظرْفٌ متَعَلِّقٌ بزِيدَ، وبعْدَ مُضافٌ و(رُبَّ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (والكافُ) مَعطوفٌ على رُبَّ، (فكَفّ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ على ما، (وقدْ) حرْفُ تَقليلٍ، (تَلِيهِما) تَلِي: فعْلٌ مُضارِعٌ، وفَاعِلُه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ على ما، والضميرُ البارِزُ الْمُتَّصِلُ مَفعولٌ به، (وجَرٌّ) الواوُ واوُ الحالِ، جَرٌّ: مُبتَدَأٌ، (لم) نافِيَةٌ جازِمَةٌ، (يُكَفّ) فعْلٌ مضارِعٌ مَبنيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى جَرٌّ، والجملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ، والجملَةُ مِن الْمُبتدَأِ وخبَرِه في مَحَلِّ نصْبٍ حالٌ.

([3]) أنتَ تَعلَمُ أنَّ حَرْفَ الْجَرِّ يَدخُلُ على اسمٍ مفْرَدٍ – أي: غيرِ جُملةٍ – فيَجُرُّه، فالكَفُّ: هو أنْ تَحُولَ (ما) بينَ رُبَّ والكافِ، وبينَ ما يَقْتَضِيهِ كلُّ حَرْفٍ مِنهما، وهو الدُّخولُ على الاسمِ المفرَدِ وجَرُّه، وذلك بأنْ تُهَيِّئَهما للدُّخولِ على الْجُمَلِ، اسْمِيَّةً كانَتْ أو فِعليَّةً، فأَمَّا دُخُولُهما على الْجُمَلِ الاسمِيَّةِ فقَد استَشْهَدَ له الشارِحُ (ش 214 و215)، وأمَّا دُخولُهما على الْجُمَلِ الفِعليَّةِ فمِنه قولُ جَذِيمَةَ الأَبْرَشِ:
رُبَّمَا أَوْفَيْتُ في عَلَمٍ = تَرْفَعَنْ ثَوْبِي شَمَالاَتُ

ومنه قَوْلُ رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ في أحَدِ تَخريجاتِه:
لا تَشْتُمِ الناسَ كما لا تُشْتَمُ

([4]) 214 - البيتُ لزيادٍ الأَعْجَمِ، وهو أحَدُ أبياتٍ ثَلاثةٍ، وقَبْلَه:
وأَعْلَمُ أَنَّنِي وأبا حُمَيْدٍ = كما النَّشْوَانُ والرَّجُلُ الْحَلِيمُ
أُرِيدُ حِبَاءَهُ ويُريدُ قَتْلِي = وأَعلَمُ أنَّهُ الرجُلُ اللئيمُ
والبيتانِ مَرْفُوعَا القافِيَةِ كما تَرَى، وبيتُ الشاهِدِ مَجرورُها ففيه الإِقواءُ.
اللُّغَةُ: (النَّشوانُ) أصْلُه السَّكْرَانُ، وأَرادَ به لازِمَه، وهو الذي يَعِيبُ كثيراً، ويَقولُ ما لا يُحْتَمَلُ، بدَليلِ ذكْرِ الْحَليمِ في مُقَابَلَتِه، (الْحَليمُ) ذو الأَنَاةِ الذي يَحتَمِلُ ما يَثْقُلُ على النفْسِ ويَشُقُّ عليها، (حِبَاءَهُ) – بكَسْرِ الحاءِ – وهو العَطِيَّةُ، (الْحُمْرَ) جَمْعُ حِمارٍ، ويُرْوَى (فإنَّ النِّيبَ مِن شَرِّ الْمَطَايَا)، والنِّيبُ: جَمْعُ نَابٍ، وهي الناقَةُ الْمُسِنَّةُ، (الْمَطَايَا) جَمْعُ مَطِيَّةٍ، وهي هنا الدابَّةُ مُطلَقاً، سُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّها تَمْطُو في سَيْرِها؛ أيْ: تُسرِعُ، أو لأنَّكَ تَركَبُ مَطَاهَا؛ أي: ظَهْرَها، (الْحَبِطَاتُ) – بفتْحِ الحاءِ الْمُهْمَلَةِ وكسْرِ الباءِ الْمُوَحَّدَةِ – هم بَنو الحارِثِ بنِ عمْرِو بنِ تَميمٍ، وكانَ أَبُوهُم الحارِثُ بنُ عمرٍو في سفَرٍ فأَكَلَ أكْلاً انتفَخَ منه بطْنُه فماتَ، فصارَ بَنو تَميمٍ يُعَيَّرُونَ بالطعامِ، وانظُرْ قَوْلَ الشاعِرِ:
إذا ما مَاتَ مَيْتٌ مِن تَمِيمٍ = فسَرَّكَ أنْ يَعيشَ فَجِئْ بزَادِ

الإعرابُ: (فإنَّ) حرْفُ تَوكيدٍ ونَصْبٍ، (الْحُمْرَ) اسمُ إنَّ، (مِن شَرِّ) جارٌّ ومَجرورٌ متَعَلِّقٌ بِمَحذوفٍ خَبَرُ إنَّ، وشَرِّ مُضافٌ و(الْمَطايَا) مُضافٌ إليه، (كما) الكافُ حرْفُ جَرٍّ، ما: كافَّةٌ، (الْحَبِطَاتُ) مُبتدَأٌ، (شَرُّ) خَبَرُ الْمُبتدَأِ، وشَرُّ مُضافٌ، و(بَنِي) مُضافٌ إليه، وبَنِي مُضافٌ و(تَمِيمٍ) مُضافٌ إليه.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (كما الْحَبِطَاتُ)؛ حيثُ زِيدَتْ (ما) بعْدَ الكافِ، فمَنَعَتْها مِن جَرِّ ما بعدَها، ووَقَعَ بعدَها جُملةٌ مِن مُبتَدَأٍ وخَبَرٍ، وقد وَضَحَ ذلك في إعرابِ البيتِ.

([5])215 - البيتُ لأَبِي دَاوُدَ الإِيَادِيِّ.
اللُّغَةُ: (الْجَامِلُ) القَطيعُ مِن الإِبِلِ معَ رِعائِهِ وأَربابِه، (المؤبَّلُ) بزِنَةِ الْمُعَظَّمِ – الْمُتَّخَذُ للقُنْيَةِ، وتَقولُ: إِبِلٌ مُؤَبَّلَةٌ، إذا كانَتْ مُتَّخَذَةً للقُنْيَةِ، (عَناجيجُ) جَمْعُ عُنْجُوجٍ، وهو مِن الْخَيْلِ الطويلِ العُنُقِ، (الْمِهارُ) جَمْعُ مُهْرٍ – والواحِدَةُ بِهَاءٍ – وهو ولَدُ الفرَسِ.
المعنى: يَقولُ: إِنَّه رُبَّما وُجِدَ في قَوْمِه القَطيعُ مِن الإِبِلِ الْمُعَدُّ للقُنْيَةِ، وجِيادُ الْخَيْلِ الطَّوِيلةُ الأعناقِ التي بَيْنَها أَوْلادُها.
الإعرابُ: (ربما) رُبَّ: حَرْفُ تَقليلٍ وجَرٍّ شَبيهٌ بالزائدِ، ما: زائدةٌ كافَّةٌ، (الجامِلُ) مُبتَدَأٌ، (الْمُؤَبَّلُ) صِفَةٌ للجامِلُ، فيهم جارٌّ ومجرورٌ متَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرُ الْمُبتدَأِ، (وعَناجِيجُ) الواوُ عاطِفَةٌ، وعَناجيجُ: مُبتدَأٌ وخَبَرُه مَحذوفٌ يَدُلُّ عليه ما قبلَه، والتقديرُ: وعَناجيجُ فِيهم، مَثَلاً، (بينَهُنَّ) بينَ: ظرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وبينَ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، (الْمِهارُ) مُبتدأٌ مؤَخَّرٌ، والجملَةُ مِن الْمُبتدَأِ والخبَرِ في مَحَلِّ رفْعٍ صِفةٌ لقولِه: (عَناجيجُ) السابقِ، وهي التي سَوَّغَتْ الاِبْتِداءَ بالنَّكِرَةِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (ربما الجامِلُ فيهم)؛ حيثُ دَخَلَتْ (ما) الزائِدَةُ على (رُبَّ) فكَفَّتْها عن عمَلِ الْجَرِّ فيما بعدَها، وسَوَّغَتْ دُخولَها على الْجُملةِ الابتدائيَّةِ. ودُخولُ رُبَّ المكفوفةِ على الْجُملةِ الاسميَّةِ شاذٌّ عندَ سِيبَوَيْهِ؛ لأنها عندَه حِينَئذٍ تَخْتَصُّ بالجُمَلِ الفِعليَّةِ، وعندَ أبي العَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ لا تَخْتَصُّ رُبَّ المكفوفةُ بجُملةٍ دُونَ جُملةٍ، فليسَ في البيتِ شُذوذٌ عِندَه.

([6]) 216 - البَيتُ لِضَمْرَةَ النَّهْشَلِيِّ.
اللُّغَةُ: (غَارَةٍ) هو اسمٌ مِن أَغارَ القَوْمُ؛ أيْ: أَسْرَعُوا في السَّيْرِ للحرْبِ، (شَعْوَاءَ) منْتَشِرةٍ متَفَرِّقَةٍ، (اللَّذْعَةُ) مَأخوذٌ مِن لَذَعَتْهُ النارُ؛ أيْ: أَحْرَقَتْهُ، (الْمِيسَمُ) ما يُوسَمُ به البَعِيرُ بالنارِ؛ أيْ: يُعَلَّمَ لِيُعْرَفَ، وكانَ لكُلِّ قَبيلةٍ وَسْمٌ مَخصوصٌ يَطْبَعُونَه على إِبِلِهم بالْكَيِّ لتُعْرَفَ.
الإعرابُ: (مَاوِيَّ) مُنادًى مُرَخَّمٌ، وحرْفُ النداءِ مَحذوفٌ، وأصْلُه: (يا مَاوِيَّةُ)، (يَا) حرْفُ تَنبيهٍ، (رُبَّتَمَا) رُبَّ: حرْفُ تَقليلٍ وجَرٍّ شِبيهٌ بالزائدِ، والتاءُ لتأنيثِ اللفْظِ، وما: زائِدَةٌ غيرُ كافَّةٍ هنا، (غارَةٍ) مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ بضَمَّةٍ مقَدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ الْمَحَلِّ بحركةِ حرْفِ الجَرِّ الشَّبيهِ بالزائدِ، (شَعواءَ) صِفةٌ لغَارٍَة على لفْظِها مَجرورٌ بالفتحةِ؛ لأنه مَمنوعٌ مِن الصرْفِ؛ لألِفِ التأنيثِ الْمَمدودةِ، (كاللَّذْعَةِ) جارٌّ ومجرورٌ متَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صِفةٌ ثانيةٌ لغارَةٍ، (بِالْمِيسَمِ) جارٌّ ومَجرورٌ متَعَلِّقٌ باللَّذْعَةِ، وخبَرُ الْمُبتدأِ جملةُ (ناهَبْتُها) في بيتٍ آخَرَ، وهو قولُه:
ناهَبْتُها الغُنْمَ عَلَى طَيِّعٍ = أَجْرَدَ كالقِدْحِ مِنَ السَّاسَمِ

الشاهِدُ فيه: قولُه: (رُبَّتَمَا غَارَةٍ)؛ حيثُ دَخَلَتْ (ما) الزائِدَةُ – التي مِن شَأْنِها أنْ تَكُفَّ حَرْفَ الْجَرِّ عن عمَلِ الْجَرِّ – على (رُبَّ) فلم تَكُفَّها عن عَمَلِ الْجَرِّ في لفْظِ ما بعدَها.

([7]) 217 - البيتُ لعَمْرِو بنِ بَرَّاقَةَ الْهَمْدَانِيِّ، مِن كلِمَةٍ مَطْلَعُها:
تَقولُ سُلَيْمَى: لا تَعَرَّضْ لتَلْفَةٍ = ولَيْلُكَ عنْ لَيْلِ الصَّعَالِيكِ نائِمُ
المعنى: إِنَّنَا نُعِينُ حَلِيفَنا ونُساعِدُه على عَدُوِّه، معَ أنَّنا نَعلَمُ أنَّه كسائِرِ الناسِ يَجْنِي ويُجْنَى عليه.
الإعرابُ: (نَنْصُرُ) فعْلٌ مضارِعٌ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه نحنُ، (مَوْلاَنَا) مَوْلَى: مَفعولٌ به لِنَنْصُرُ، ومَوْلَى مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، (ونَعلَمُ) فعْلٌ مُضارِعٌ، والفاعِلُ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه نحنُ، (أنَّه) أنَّ: حرْفُ تَوكيدٍ ونَصْبٍ، والهاءُ اسْمُه، (كما) الكافُ جارَّةٌ، ما زائِدَةٌ، (الناسِ) مجرورٌ بالكافِ، والجارُّ والْمَجرورُ متَعَلِّقٌ بِمَحذوفٍ خَبَرُ (أنَّ)، وجُملةُ (أنَّ) واسْمِها وخَبَرِها سَدَّتْ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ (نَعلَمُ)، (مَجرومٌ) خبَرٌ ثانٍ لأنَّ، وهو اسمُ مَفعولٍ، فقَوْلُه: (عليه) واقِعٌ مَوقِعَ نائبِ الفاعِلِ، (وجارِمُ) مَعطوفٌ على (مَجرومٌ).
الشاهِدُ فيه: قولُه (كما الناسِ)؛ حيثُ زِيدَتْ (ما) بعْدَ الكافِ، ولم تَمْنَعْها مِن عمَلِ الْجَرِّ في الاسمِ الذي بَعْدَها.

([8]) (وحُذِفَتْ): الواوُ عاطِفَةٌ أو للاستئنافِ، حُذِفَ: فعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ، والتاءُ للتأنيثِ، (رُبَّ) قَصَدَ لفْظَه: نائبُ فاعِلٍ، (فَجَرَّت) الفاءُ حرْفُ عطْفٍ، وجَرَّ: فعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، والفاعلُ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه هي يَعودُ إلى رُبَّ، (بعْدَ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِجَرَّتْ، وبعْدَ مُضافٌ و(بَلْ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (والْفَا) قُصِرَ للضَّرورةِ: مَعطوفٌ على (بل)، و(بعْدَ) ظرْفٌ متَعَلِّقٌ بقَوْلِه: (شَاعَ) الآتي، وبعدَ مُضافٌ و(الواوِ) مُضافٌ إليه، (شَاعَ) فِعْلٌ ماضٍ، (ذا) اسمُ إِشارَةٍ فاعلُ شاعَ، (العمَلُ) بدَلٌ أو عطْفُ بَيانٍ أو نَعْتٌ لاسمِ الإشارةِ؛ أيْ: وشاعَ هذا العمَلُ بعْدَ الواوِ.

([9]) تقَدَّمَ شرْحُ هذا البيتِ في أوَّلِ الكتابِ، فانْظُرْهُ هناكَ، وهو الشاهِدُ رَقْمُ 3، والشاهِدُ فيه هنا قولُه: (وقاتِمِ)؛ حيثُ جُرَّ بعدَ الواوِ برُبَّ الْمَحذوفةِ.
ونَظيرُ هذا البَيْتِ – في الْجَرِّ برُبَّ الْمَحذوفَةِ بعدَ الواوِ – قولُ امْرِئِ القَيْسِ:
وليلٍ كمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ = عَلَيَّ بأنواعِ الْهُمومِ لِيَبْتَلِي

([10]) 218 - البيتُ لامْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ، مِن مُعَلَّقَتِه الْمَشهورةِ، وقَبْلَ هذا البيتِ قَولُه:
ويومَ دَخَلْتُ الْخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ = فقالَتْ: لكَ الْوَيلاتُ إنَّكَ مُرْجِلِي
تَقولُ، وقد مالَ الغَبِيطُ بنا مَعاً: = عَقَرْتَ بَعِيرِي يا امْرَأَ القَيْسِ فانْزِلِ
فقُلتُ لها: سِيرِي، وأَرْخِي زِمامَهُ = ولا تُبْعِدِينِي عن جَنَاكِ الْمُعَلَّلِ
اللُّغَةُ: (طَرَقْتُ) جِئْتُ لَيلاً، (تَمائمَ) جَمْعُ تَميمَةٍ، وهي التَّعويذَةُ تُعَلَّقُ على الصَّبِيِّ لتَمْنَعُه العينَ في زَعْمِهم، (مُحْوِلِ) اسمُ فاعلٍ مِن (أَحْوَلَ الصَّبِىُّ) إذا أَتَى عليه مِن مَوْلِدِه عامٌ.
الإعرابُ: (فمِثْلِكِ) مِثْلِ: مَفعولٌ مقَدَّمٌ على عامِلِه وهو قولُه: (طَرَقْتُ) الآتِي، مَنصوبٌ بفَتحَةٍ مقَدَّرَةٍ على آخِرِه، مَنَعَ مِن ظُهورِها اشتغالُ الْمَحَلِّ بحَرَكَةِ حرْفِ الْجَرِّ الشَّبيهِ بالزائدِ، وهو (رُبَّ) المحذوفةُ، ومِثلِ مُضافٌ والكافُ مُضافٌ إليه، (حُبْلَى) بدَلٌ مِن الكافِ في (مِثْلِكِ)، (قد) حرْفُ تَحقيقٍ، (طَرَقْتُ) فعْلٌ وفاعِلٌ، (ومُرْضِعٍ) مَعطوفٌ على حُبْلَى، وهو يُرْوَى بالْجَرِّ تَابِعاً على اللفْظِ، وبالنصْبِ تَابِعاً على الْمَوْضِعِ، (فأَلْهَيْتُها) الفاءُ عاطِفَةٌ، أَلْهَيْتُها: فعْلٌ وفاعِلٌ ومفعولٌ به، والجملَةُ مَعطوفةٌ على جُملةِ (قد طَرَقْتُ) (عن ذِي) جارٌّ ومَجرورٌ متَعَلِّقٌ بأَلْهى، وذي مُضافٌ (وتَمَائِمَ) مُضافٌ إليه، (مُحْوِلِ) صِفَةٌ لذي تَمائِمَ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (فمِثْلِكِ) حيثُ جُرَّ برُبَّ المحذوفَةِ بعْدَ الفاءِ.

([11]) 219 - البيتُ لرُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ
اللُّغَةُ: (بَلَدٍ) يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، والتذكيرُ أكثَرُ، (الفِجَاجِ) جَمْعُ فَجٍّ، وهو الطريقُ الواسِعُ، (قَتَمُهْ) أصْلُه قَتَامُه، والقَتَامُ هو الغُبارُ، فخَفَّفَه بحَذْفِ الألِفِ، (جَهْرَمُه) الْجَهْرَمُ – بزِنَةِ جَعْفَرٍ – هو البِساطُ نفْسُه، وقيلَ: أصْلُه جَهْرَمِيَّةٌ - بيَاءِ نِسبةٍ مشَدَّدَةٍ – نِسبةً إلى جَهْرَمٍ، وهو بلَدٌ بفَارِسَ، فحَذَفَ ياءَ النِّسبَةِ.
المعنى: يَصِفُ نفْسَه بالقُدْرَةِ على الأَسفارِ وتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ والصُّعوباتِ، ويُشيرُ إلى أنَّ نَاقَتَه قَوِيَّةٌ على قَطْعِ الطرُقِ الوَعْرَةِ والْمَسالِكِ الصعْبَةِ.
الإعرابُ: (بلْ) حرْفٌ دالٌّ على الإضرابِ والانتقالِ، (بلَدٍ) مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ الْمَحَلِّ بحركةِ حرْفِ الْجَرِّ الشبيهِ بالزائدِ، وهو رُبَّ المحذوفةُ بعْدَ (بَلْ)، (مِلْءُ) مُبتَدَأٌ ثانٍ، ومِلْءُ مُضافٌ و(الفِجَاجِ) مُضافٌ إليه، (قَتَمُهْ) قَتَمُ: خبَرُ الْمُبتَدَأِ الثاني، وقَتَمُ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، ويَجوزُ العكْسُ، والجملَةُ في مَحَلِّ رفْعٍ صِفَةٌ لبَلَدٍ، (لا) نافِيَةٌ، (يُشْتَرَى) فعْلٌ مُضارِعٌ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ، (كَتَّانُهُ) كَتَّانُ: نائبُ فاعِلٍ ليُشتَرَى، وكَتَّانُ مُضافٌ وضَميرُ الغائبِ العائِدُ إلى بلَدٍ مضافٌ إليه، (وجَهْرَمُهْ) مَعطوفٌ على (كَتَّانُهُ)، والجملَةُ في مَحَلِّ رفْعٍ نعْتٌ لبَلَدٍ، وخبَرُ الْمُبتدَأِ الواقِعِ بعدَ بلْ والمجرورُ لفْظُه برُبَّ المحذوفةِ، هو قولُه: (كَلَّفْتُهُ عِيدِيَّةً)، وهذا الْخَبَرُ قد وَقَعَ في بيتٍ بعدَ بَيتِ الشاهِدِ بتِسعةِ أبياتٍ، وذلك في قولِه:
كَلَّفْتُهُ عِيدِيَّةً تَجَشّمُهْ = كأنَّها والسيْرَ نَاجٍ سُوَّمُهْ
قِياس بَارٍ نَبْعُهُ وَنَشَمُهْ = تَنْجُو إذا السيْرُ استمَرَّ وذَمُهْ

الشاهِدُ فيه: قولُه: (بلْ بَلَدٍ)؛ حيثُ جَرَّ (بلَدٍ) برُبَّ المحذوفةِ بعْدَ (بَلْ).

([12]) 220 - البيتُ لِجَميلِ بنِ مَعْمَرٍ العُذْرِيِّ.
اللُّغَةُ: (الرَّسْمُ) ما لَصِقَ بالأرْضِ مِن آثارِ الدِّيارِ؛ كالرَّمَادِ ونحوِه، (والطَّلَلُ) ما شَخَصَ وارتَفَعَ مِن آثارِها كالوتَدِ ونحوِه، (مِن جَلَلِهْ) له مَعنيانِ: أحَدُهما: أنْ يَكونَ مِن قولِهم: "فَعلتُ هذا مِن جَلَلِ كذا"، والمعنَى: فَعلتُه مِن عِظَمِه في نفْسِي، حَكاهُ أبو عَلِيٍّ القَالِيِّ.
الثاني: أنْ يَكونَ مِن قولِهم: "فَعلتُ كذا مِن جَلَلِكَ وجَلاَلِكَ" والمعنَى: مِن أَجْلِكَ وبِسَبَبِكَ.
الإعرابُ: (رَسْمِ) مُبتَدَأٌ، مَرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه، مَنَعَ مِن ظُهورِها اشتغالُ الْمَحَلِّ بالْحَركةِ التي اقْتَضَاها حرْفُ الْجَرِّ الشبيهُ بالزائدِ المحذوفُ معَ بَقاءِ عمَلِه، ورَسْمِ مُضافٌ و(دَارٍ) مُضافٌ إليه، (وَقَفْتُ) فعْلٌ وفاعِلٌ، (في طَلَلِه) الجارُّ والمجرورُ متَعَلِّقٌ بوَقَفْتُ، وطَلَلِ مُضافٌ والضَّمِيرُ مُضافٌ إليه، والجملَةُ مِن الفعْلِ والفاعِلِ في مَحَلِّ رفْعٍ صِفَةٌ لرَسْمِ، (كِدْتُ) كادَ: فعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ، والتاءُ اسْمُه، (أَقْضِي) فعْلٌ مُضارِعٌ، وفاعِلُه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنا، (الحياةَ) مَفعولٌ به لأَقْضِي، والجمْلَةُ مِن الفعْلِ وفاعِلِه ومَفعولِه في مَحَلِّ نصْبٍ خبَرُ (كادَ)،، وجُملةُ (كادَ) واسْمِه وخَبَرِه في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ الْمُبتَدَأِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (رَسْمِ دارٍ) – في رِوايةِ الْجَرِّ – حيثُ جَرَّ قولَه: (رَسْمِ) برُبَّ مَحذوفاً مِن غيرِ أنْ يَكونَ مَسبوقاً بأَحَدِ الحروفِ الثلاثةِ: الواوِ، والفاءِ، وبلْ، وذلك شاذٌّ.

([13]) (وقَدْ) حرْفُ تَقليلٍ، (يُجَرُّ) فعْلٌ مضارِعٌ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ، (بِسِوَى) جارٌّ ومَجرورٌ واقِعٌ مَوقِعَ نائبِ الفاعلِ ليُجَرُّ، وسِوَى مُضافٌ و(رُبَّ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (لَدَى) ظرْفٌ بمعنى عنْدَ مُتَعَلِّقٌ بيُجَرُّ، ولَدَى مُضافٌ و(حَذْفٍ) مضافٌ إليه، (وبعضُهُ) بعضُ مُبتَدَأٌ، والهاءُ مُضافٌ إليه، (يُرَى) فعْلٌ مضارِعٌ مَبنِيٌّ للمَجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً، وهو الْمَفعولُ الأوَّلُ، (مُطَّرِدَا) مَفعولٌ ثانٍ ليُرَى، والجملَةُ مِن الفعْلِ الْمَبْنِيِّ للمجهولِ ونائبِ فاعلِه ومَفعولَيْهِ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ.

([14]) 221 - البيتُ مِن قَصيدةٍ للفَرَزْدَقِ يَهْجُو فيه جَريراً.
اللُّغَةُ: (قَبِيلةٍ) واحدةُ قَبائلِ العرَبِ، (كُليبٍ) – بزِنَةِ التَّصغيرِ – أبو قَبيلةِ جَريرٍ، والباءُ في قَوْلِه: (بالأَكُفِّ) للمُصاحَبَةِ بمعنى (معَ)؛ أي: أشارَتِ الأصابِعُ معَ الأَكُفِّ، أو الباءُ على أصْلِها والكلامُ على القَلْبِ، وكأنَّه أَرادَ أنْ يَقولَ: أشارَتِ الأَكُفُّ بالأصابِعِ، فقَلَبَ.
المعنى: إنَّ لُؤْمَ كُلَيْبٍ وارْتِكَاسَها في الشرِّ أمْرٌ مَشهورٌ لا يَحتاجُ إلى التَّنبيهِ إليه؛ فإنَّه لو سَأَلَ سائلٌ عن شَرِّ قَبيلَةٍ في الوُجودِ لبَادَرَ الناسُ إلى الإشارَةِ إلى كُلَيْبٍ.
الإعرابُ: (إذا) ظرْفٌ للمُسْتَقْبَلِ مِن الزمانِ تَضَمَّنَ معنَى الشرْطِ، (قِيلَ) فعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ، (أيُّ) اسمُ استفهامٍ مُبتَدَأٌ، وأيُّ: مُضافٌ و(الناسِ) مُضافٌ إليه، (شَرُّ) أَفْعَلُ تَفضيلٍ، حُذِفَتْ هَمزتُه تَخفيفاً لكَثرَةِ الاستعمالِ، وهو خَبَرُ المبتَدَأِ، وشَرُّ مُضافٌ و(قَبيلَةٍ) مُضافٌ إليه، والجملَةُ مِن المبتَدَأِ وخبَرِه نَائِبُ فاعِلِ قِيلَ، (أَشَارَتْ) أَشارَ: فعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، (كُلَيْبٍ) مَجرورٌ بحرْفِ جَرٍّ محذوفٍ، والتقديرُ: إلى كُلَيْبٍ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بأشارَتْ، (بالأَكُفِّ) جارٌّ ومَجرورٌ متعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن الأصابِعِ تَقَدَّمَ عليه، (الأَصابِعُ) فاعِلُ أَشَارَتْ.
الشاهِدُ فيه: قولُه (أشارَتْ كُلَيْبٍ)؛ حيثُ جَرَّ قولَه: (كُليبٍ) بحَرْفِ جَرٍّ محذوفٍ، كما بَيَّنَّاهُ في الإعرابِ، والجَرُّ بالحرْفِ المحذوفِ – غيرَ ما سبَقَ ذِكْرُه – شاذٌّ.
([15]) 222 - هذا البيتُ مِن الشواهِدِ التي لا يُعْلَمُ قائِلُها.

اللُّغَةُ: (كَريمةٍ) صِفَةٌ لِمَوصوفٍ مَحذوفٍ؛ أيْ: رَجُلٍ كَريمةٍ، والتاءُ فيه للمبالَغَةِ، لا للتأنيثِ؛ بدَليلِ تَذكيرِ الضميرِ في قولِه: (أَلَفْتُهُ)، ولا يُقالُ: إنه استَعْمَلَ صِيغَةَ فَعِيلَةٍ في المبالَغَةِ وليسَتْ مِن صِيَغِها؛ لأنَّا نَقولُ: الصِّيَغُ الْمَشهورةُ هي الصِّيَغُ القِياسيَّةُ، أمَّا السماعِيُّ فلا حَصْرَ له، (أَلَفْتُهُ) بفتْحِ اللامِ، مِن بابِ ضَرَبَ؛ أي: أَعْطَيْتُهُ أَلْفاً، أو بكسْرِ اللامِ مِن بابِ عَلِمَ؛ أيْ: صِرْتُ أَلِيفَه، (تَبَذَّخَ) تَكَبَّرَ وعَلاَ، (الأعلامِ) جمْعُ عَلَمٍ، وهو – بفتْحِ العَيْنِ واللامِ جَميعاً – الجبَلُ.
الإعرابُ: (وكَريمةٍ) الواوُ واوُ رُبَّ، (كَريمةٍ) مُبتدَأٌ مَرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه، منَعَ مِن ظُهورِها اشتغالُ الْمَحَلِّ بحرَكَةِ حرْفِ الْجَرِّ الشَّبيهِ بالزائدِ، (مِن آلِ) جارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ نَعْتٌ لكَريمةٍ، وآلِ مُضافٌ و(قَيْسَ) مُضافٌ إليه مَجرورٌ بالفَتحةِ؛ لأنه اسمٌ لا يَنصرِفُ؛ للعَلَمِيَّةِ والتأنيثِ الْمَعنويِّ؛ لأنه اسمٌ للقَبيلةِ، (أَلَفْتُهُ) فعْلٌ وفاعِلٌ ومفعولٌ به، والجملَةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ المبتَدَأِ، (حتَّى) ابتدائيَّةٌ، (تَبَذَّخَ) فعْلٌ ماضٍ، والفاعِلُ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ على كَريمةٍ، (فارْتَقَى) الفاءُ عاطِفَةٌ، ارْتَقَى: فعْلٌ ماضٍ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فاعِلٌ، والجملَةُ مَعطوفةٌ على جُملةِ (تَبَذَّخَ) السابقَةِ، (الأعلامِ) مَجرورٌ بحرْفِ جَرٍّ محذوفٍ؛ أيْ: إلى الأعلامِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (ارْتَقَى).
الشاهِدُ فيه: في هذا البَيْتِ عِدَّةُ شَواهِدَ للنُّحاةِ: أوَّلُها وثانِيهَا في قولِه: (كَريمةٍ)؛ حيثُ جَرَّ هذه الكلِمَةَ برُبَّ مَحذوفةٍ بعْدَ الواوِ، وحيثُ أَلْحَقَ التاءَ الدالَّةَ على المبالَغَةِ لصِيغَةِ فَعيلٍ، وهذا نادِرٌ، والكثيرُ أنْ تَلحَقَ صِيغةَ فَعَّالٍ؛ كعَلاَّمَةٍ ونَسَّابَةٍ، أو صِيغَةَ مِفْعَالٍ: كمِهْذَارَةٍ، أو صِيغَةَ فَعُولٍ: كفَرُوقَةٍ.
وثالثُها: وهو الْمُرادُ هنا، قولُه: (فارْتَقَى الأعلامِ) حيثُ جَرَّ قولَه: (الأعلامِ) بحَرْفِ جَرٍّ مَحذوفٍ، كما بَيَّنَّاهُ في الإعرابِ، وذلك شاذٌّ.
ورابعُها: في قولِه: (قَيْسَ)؛ حيثُ مَنَعَه مِن الصرْفِ وَجَرَّه بالفتْحَةِ نِيَابَةً عن الكَسْرَةِ، فإنْ أَرَدْتَ به اسمَ القَبيلةِ فهو مَمنوعٌ مِن الصرْفِ؛ قِياساً للعَلَمِيَّةِ والتأنيثِ الْمَعنَوِيِّ، وإنْ أرَدْتَ به علَمَ مذَكَّرٍ؛ كأبي القَبيلةِ، كانَ مَنْعُه مِن الصرْفِ شاذًّا، وهو - معَ شُذوذِه – مِمَّا له نَظائِرُ في شِعْرِ العرَبِ، ومِن نَظَائِرِه قَوْلُ الأَخْطَلِ:
طَلَبَ الأَزَارِقَ بالكتائِبِ إذْ هَوَتْ = بِشَبِيبَ غائِلَةُ النُّفوسِ غَرُورُ
فقَدْ مَنَعَ (شَبِيبَ) مِن الصرْفِ، وليسَ فيه عِلَّتَانِ، ومِثلُه قولُ الآخَرِ:
قالَتْ أُمَيْمَةُ: مَا لثَابِتَ شاخِصاً = عارِي الأَشَاجِعِ نَاحِلاً كالْمُنْصُلِ


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 09:33 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فَصلٌ: تُزَادُ كَلِمَةُ (ما) بعدَ (مِنْ) و(عَنْ) والبَاءِ؛ فلا تَكُفُّهُنَّ([1]) عن عَمَلِ الجَرِّ، نَحوَ: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ}([2]) {عَمَّا قَلِيلٍ}([3]) {فَبِمَا نَقْضِهِمْ}([4]) . وبعدَ (رُبَّ) والكَافِ؛ فيَبقَى العَمَلُ قَلِيلاً، كقولِه:
308- رُبَّمَا ضَرْبَةٍ بِسَيفٍ صَقِيلٍ([5])
وقَولِهِ:
309- كَمَا النَّاسِ مَجرُومٌ عَلَيهِ وجَارِمُ([6])
والغَالِبُ أَن تَكُفَّهُمَا عن العَمَلِ، فيَدخُلانِ حينئذٍ على الجُمَلِ، كقَولِهِ:
310- كَمَا سَيفُ عَمْرٍو لَمْ تَخُنْهُ مَضَارِبُهْ([7])
وقولِه:
311- رُبَّمَا أَوفَيْتُ فِي عَلَمٍ ([8])
والغَالِبُ على (رُبَّ) المكفوفَةِ أن تَدخُلَ على فِعلٍ مَاضٍ كهذا البَيتِ([9]).
وقد تَدخُلُ على مُضَارِعٍ مُنَزَّلٍ مَنزِلَةَ المَاضِي لتَحَقُّقِ وُقُوعِه، نحوَ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}([10]).
ونَدَرَ دُخُولُهَا على الجُمَلِ الاسْمِيَّةِ، كقولِه:
312- رُبَّمَا الجَامِلُ المُؤَبَّلُ فِيهِمْ([11])
حتَّى قالَ الفَارِسِيُّ([12]): يَجِبُ أن تُقَدَّرَ (ما) اسماً مَجرُوراً بـ (رُبَّ) بمَعنَى شَيءٍ، و(الجَامِلُ) خَبَراً لِضَميرٍ مَحذُوفٍ، والجُملَةُ صِفَةٌ لِمَا، أَي: رُبَّ شَيءٍ هُو الجَامِلُ المُؤَبِّلُ.
فَصلٌ: تُحذَفُ (رُبَّ) ويَبقَى عمَلُهَا بعدَ الفَاءِ كَثِيراً؛ كقولِهِ:
313- فمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ([13])
وبعدَ الواوِ أَكثَرَ([14]) كقولِهِ:
314- ولَيلٍ كَمَوجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ([15])
وبعدَ (بَلْ) قَلِيلاً، كقولِهِ:
315- بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعدَ مَهْمَهِ([16])
وبِدُونِهِنَّ أَقَلَّ، كقَولِه:
316- رَسْمِ دَارٍ وَقَفْتُ فِي طَلَلِهْ([17])

وقَد يُحذَفُ غَيرُ (رُبَّ) ويبقى عملُه، وهو ضَربَانِ:
(1) سَمَاعِيٌّ كقَولِ رُؤْبَةَ: (خَيرٍ والحَمدُ لِلَّهِ) جوَاباً لمَنْ قالَ لهُ: كيفَ أَصبَحْتَ([18])؟.
(2) وقِيَاسِيٌّ، كقَولِكَ([19]): (بِكَم دِرْهَمٍ اشتَرَيْتَ ثَوبَكَ) أَي: بِكَمْ مِنْ دِرْهَمٍ؟ خِلافاً لِلزَّجَّاجِ في تَقدِيرِه([20]) الجَرَّ بِالإضَافَةِ، وكقَولِهِم: (إِنَّ فِي الدَّارِ زَيداً والحُجْرَةِ عَمْراً) أَي: وفي الحُجرَةِ، خِلافاً للأَخْفَشِ؛ إذ قَدَّرَ العَطفَ علَى مَعمُولَي عَامِلَينِ([21]) ، وقَولِهِم: (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ صَالِحٍ، إِلاَّ صَالِحٍ فَطَالِحٍ) حكَاهُ يُونُسُ([22]) ، وتَقدِيرُهُ: إِلاَّ أَمُرُّ بِصَالِحٍ، فقَدْ مَرَرْتُ بِطَالِحٍ.


([1])ذَكَرَ ابنُ مَالِكٍ أنَّ (ما) قَد تَدخُلُ على البَاءِ فتَكُفُّها عَن العَمَلِ، ولذلك دَخَلَت على الجُملَةِ الفِعْلِيَّةِ في قَولِهِ:
فَلَئِنْ صِرْتَ لا تُحِيرُ جَوَاباً = فَبِمَا قَدْ تُرَى وَأَنْتَ خَطِيبُ
فِي مَقَالٍ وَمَا وَعَظْتَ بِشَيءٍ = مِثْلَ وَعْظٍ بِالصَّمْتِ إِذْ لاَ تُجِيبُ
وذَكَرَ ابنُ الشَّجَرِيِّ أنَّ (ما) قَد تَدخُلُ علَى (مِن) فَتَكُفُّهَا، ولِذَا دَخَلَت على الجُملَةِ الفِعْلِيَّةِ في قَولِ أَبِي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ:
وَإِنَّا لَمِمَّا نَضْرِبُ الكَبْشَ ضَرْبَةً = عَلَى رَأْسِهِ تُلْقِي اللِّسَانَ مِنَ الفَمِ
وَالجُمهُورُ يَرَونَ أنَّ (ما) إذَا دَخَلَت علَى وَاحٍِد مِن الحُرُوفِ الثَّلاثَةِ التي ذَكَرَها المُؤَلِّفُ – وهي البَاءُ، ومِن، وعَن – لم تَكُفَّهُ أَصلاً، وهُم يُؤَوِّلُونَ هذه الشَّوَاهِدَ ونَحوَها على أنَّ (مَا) مَصدَرِيَّةٌ، والفِعلَ بعدَهَا في تَأوِيلِ مَصدَرٍ مَجرُورٍ بالبَاءِ أو مِن، فتَقدِيرُ البَيتِ الأوَّلِ: فَبِرُؤْيَتِنَا إِيَّاكَ، وتَقدِيرُ بَيتِ أَبِي حَيَّةَ: وَإِنَّا لَمِن ضَرْبِنَا الكَبْشَ.
وزَادَ جمَاعَةٌ أنَّ (ما) تُزَادُ بعدَ اللاَّمِ أَيضاً فلا تَكُفُّهَا عَن عَمَلِ الجَرِّ، واستَدَلُّوا بِقَولِ الأَعْشَى مَيمُونِ بنِ قَيسٍ:
إِلَى مَلِكٍ خَيرِ أَرْبَابِهِ = فَإِنَّ لِمَا كُلِّ شَيْءٍ قَرَارَا
يُرِيدُ: فَإِنَّ لِكُلِّ شَيءٍ قَرَارَا.

([2])سُورَةُ نُوحٍ، الآيَةُ: 25.

([3])سُورَةُ المُؤْمِنُونَ، الآيَةُ: 40.

([4])سُورَةُ المَائِدَةِ، الآيَةُ: 13، وسُورَةُ النِّسَاءِ، الآيَةُ: 155.

([5])308-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ عَدِيِّ ابنِ الرَّعْلاءِ الغَسَّانِيِّ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ صَدرُ بَيتٍ مِن الخَفِيفِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*بَينَ بُصْرَى وَطَعْنَةٍ نَجْلاءِ*
اللُّغَةُ: (صَقِيلٍ)؛ أي: مَجْلُوٍّ، فَعِيلٌ بمَعنَى مَفعُولٍ، وتَقُولُ: صَقَلْتُ السَّيفَ أَصقُلُهُ صَقْلاً – مِن بَابِ نَصَرَ – فهُو مَصقُولٌ وصَقِيلٌ، (بُصْرَى) بِضَمِّ البَاءِ وسُكُونِ الصَّادِ بَلَدٌ بالشَّامِ، وكانَ يَقُومُ بها في الجَاهِلِيَّةِ سُوقٌ، وقد دَخَلَها سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ حينَ خَرَجَ إلى الشَّامِ معَ عَمِّهِ، ورآهُ فِيهَا بَحِيرَا الكَاهِنُ النَّصْرَانِيُّ وعرَفَهُ وحذَّرَ عَمَّهُ علَيهِ، وقد أَضَافَ (بينَ) إِلَى (بَصْرَى) – وهو مُفرَدٌ لم يُعْطَفْ عَلَيهِ مُفرَدٌ آخَرُ معَ أنَّ (بينَ) لا تُضَافُ إلا إلى مُتَعَدِّدٍ – على أَحَدِ مَعنَيَينِ:
الأوَّلُ: أنَّ بُصْرَى وإن كَانَت وَاحِداً في اللَّفظِ في قُوَّةِ المُتَعَدِّدِ؛ لأنَّهَا ذَاتُ أَجزَاءٍ ومَحِلاَّتٍ كَثِيرَةٍ.
الثَّانِي:أنَّ هُنَاكَ مُضَافاً مَحذُوفاً، والتَّقدِيرُ: (بينَ أَمَاكِنِ بُصْرَى) والطَّعْنَةُ النَّجْلاءُ: الوَاسِعَةُ الظَّاهِرَةُ الاتِّسَاعِ.
الإعرَابُ: (رُبَّمَا) رُبَّ: حَرفُ تَكثِيرٍ وجَرٍّ شَبِيهٌ بالزَّائِدِ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، ومَا: حَرفٌ زَائِدٌ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ، (ضَرْبَةٍ) مُبتَدَأٌ مَرفُوعٌ بِضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِهِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشتِغَالُ المَحَلِّ بِحَرَكَةِ حَرفِ الجَرِّ الشَّبِيهِ بالزَّائِدِ، (بِسَيْفٍ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِضَرْبَةٍ أو بِمَحذُوفٍ صِفَةٍ لِضَرْبَةٍ، (صَقِيلٍ) نَعتٌ لسَيفٍ، ونَعتُ المَجرُورِ مَجرُورٌ، وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، (بينَ) ظَرفُ مَكَانٍ مَنصُوبٌ على الظَّرفِيَّةِ المَكَانِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِضَرْبَةٍ أو بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِضَرْبَةٍ، وبَينَ مُضَافٌ و(بُصْرَى) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بفَتحَةٍ نِيَابَةً عَن كَسرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الأَلِفِ منَعَ مِن ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، (وَطَعْنَةٍ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (طَعْنَةٍ): مَعطُوفٌ على (ضَرْبَةٍ) مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (نَجْلاءِ) صِفَةٌ لِطَعنَةٍ مَجرُورٌ بِالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، وقَد جَرَّهُ بِالكَسرَةِ للضَّرُورَةِ، وحَقُّهُ أن يَجُرَّهُ بالفَتحَةِ نِيَابةً عن الكَسرَةِ؛ لأنَّهُ اسمٌ لا يَنصَرِفُ لاتِّصَالِهِ بأَلِفِ التَّأنِيثِ المَمدُودَةِ، وخَبَرُ المُبتَدَأِ المَجرُورِ لَفظاً بِرُبَّ وهُوَ قَولُهُ: (ضَربَةٍ) مَحذُوفٌ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (رُبَّمَا ضَرْبَةٍ) حيثُ جَرَّ قَولَهُ: (ضَربَةٍ) بِرُبَّ، معَ دُخُولِ (ما) علَيهَا.

([6])309-هَذَا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ عَمرِو ابنِ بَرَّاقَةَ الهَمْدَانِيِّ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنَا عَجُزُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدْرُهُ قَولُهُ:
*وَنَنْصُرُ مَوْلانَا وَنَعْلَمُ أَنَّهُ*
والبَيتُ سَابِعُ ثَمَانِيَةِ أَبْيَاتٍ رَوَاهَا الخَالِدِيَّانِ في (الأَشْبَاهِ والنَّظَائِرِ) ص 7و8 وانظُرْ تَخرِيجَهَا في ذلك المَوضِعِ.
ويُروَى* كَمَا النَّاسُ مَظلُومٌ وظَالِمُ *مَعنَى الرِّوَايَتَينِ وَاحِدٌ.
والبَيتُ المُستَشْهَدُ بِعَجُزِه مِن كَلِمَةٍ يَقُولُهَا عَمرٌو، وكانَ رَجُلٌ مِن مُرَادَ يُقَالُ لَهُ: حُرَيْمٌ. قد أَغَارَ على إِبِلِ عَمرٍو فَاسْتَاقَهَا، فَأَغَارَ عَمرٌو علَى حُرَيمٍ فاستَاقَ كُلَّ شَيءٍ عِندَهُ، فأَتَى حُرَيمٌ بعدَ ذَلِكَ عَمراً وطَلَبَ إليه أن يَرُدَّ علَيهِ بَعضَ ما أَخَذَهُ منهُ، فأَبَى عَمرٌو، فَرَجَعَ حُرَيمٌ، وأَوَّلُ هذه الكَلِمَةِ قَولُهُ: (كَمَا في أَمَالِي أَبِي عَلِيٍّ القَالِيِّ 2/123 بُولاق):
تَقُولُ سُلَيْمَى لاَ تَعَرَّضْ لِتَلْفَةٍ = وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعَالِيكِ نَائِمُ
اللُّغَةُ: (نَنْصُرُ) نُعِينُ ونُؤَازِرُ، (مَولانَا) لِلمَوْلَى عِدَّةُ مَعَانٍ، ويُرَادُ مِنهُ الحَلِيفُ أو ابنُ العَمِّ، (مَجرُومٌ عَلَيهِ) وَاقِعٌ علَيهِ الجُرْمُ والإِثْمُ والتَّعَدِّي والظُّلمُ مِن النَّاسِ؛ فهو بمَعنَى مَظلُومٍ مُنتَقَصِ الحَقِّ مَهضُومِ الجَانِبِ، (جَارِمُ) ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ.
المَعنَى: يَقُولُ: إِنَّ مِنْ شَأْنِنَا أَن نُؤَازِرَ حَلِيفَنَا على مَن عَادَاهُ، ونَكُونَ وَإِيَّاهُ يَداً علَى مَن نَاوَأَهُ؛ لأننَّا على ثِقَةٍ مِن أنَّ شَأْنَهُ كشَأْنِ النَّاسِ جَمِيعاً، فهو مَرَّةً مَظلُومٌ، ومَرَّةً أُخرَى ظَالِمٌ.
الإعرَابُ: (نَنْصُرُ) فِعلٌ مُضَارِعٌ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً تقدِيرُهُ (نَحنُ)، (مَوْلانَا) مَوْلَى: مَفعُولٌ به لِـ (نَنصُرُ) بفَتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ علَى الأَلِفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، ومَوْلَى مُضَافٌ، و(نَا) مُضَافٌ إلَيهِ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (وَنَعْلَمُ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ، نَعلَمُ: فِعلٌ مُضَارِعٌ مَرفُوعٌ لتَجَرُّدِهِ مِن النَّاصِبِ والجَازِمِ، وعَلامَةُ رَفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً تقدِيرُه (نحن)، (أنَّهُ) أنَّ: حَرفُ تَوكِيدٍ ونَصبٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وضَمِيرُ الغَيبَةِ العَائِدُ إلى المَوْلَى اسمُ (أَنَّ) مَبنِيٌّ علَى الضَّمِّ في مَحَلِّ نَصبٍ، (كَمَا) الكَافُ حَرفُ تَشبِيهٍ وجَرٍّ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرَابِ، و(مَا): حَرفٌ زَائِدٌ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (النَّاسِ) مَجرُورٌ بكَافِ التَّشبِيهِ، وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ خَبَرُ (أَنَّ)، وأَنَّ معَ ما دَخَلَت علَيهِ في تَأوِيلِ مَصدَرٍ سَدَّ مَسَدَّ مَفعُولَي (نَعلَمُ)، (مَجرُومٌ) بِالرَّفعِ – خَبَرٌ ثَانٍ لـ (أَنَّ)، مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (عَلَيهِ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَجرُومٍ على أنَّهُ نَائِبُ فَاعِلٍ لهُ؛ لأنَّ اسمَ المَفعُولِ كالفِعلِ المَبنِيِّ للمَجهُولِ، (وجَارِمُ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، جَارِمُ: مَعطُوفٌ علَى (مَجرُومٌ عَلَيهِ).
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (كَمَا النَّاسِ) حيثُ جَرَّ قَولَهُ: (النَّاسِ) بِالكَافِ معَ اقتِرَانِهَا بِمَا الكَافَّةِ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ خَبَرُ (أَنَّ). وقَولُهُ: (مَجرُومٌ) خَبَرٌ بعدَ خَبَرٍ كما عَلِمْتَ في الإعرَابِ، فدَلَّ ذلك على أنَّ اقترَانَ (ما) بالكَافِ الجَارَّةِ لا يَجِبُ معَهُ أن يَبْطُلَ عَمَلُ الكَافِ الجَرَّ، بل قد يَبقَى هذا العَمَلُ كما في هذا الشَّاهِدِ.

([7])310-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ نَهْشَلِ بنِ حَرِيٍّ، يَرثِي أَخَاهُ مَالِكاً، وكانَ قَد قُتِلَ في جَيشِ عَلِيٍّ يَومَ صِفِّينَ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنَا عَجُزُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدرُهُ قَولُهُ:
*أَخٌ مَاجِدٌ لَمْ يُخْزِنِي يَوْمَ مَشْهَدٍ*
اللُّغَةُ: أَرَادَ بِعَمرٍو عَمْرَو بنَ مَعْدِ يَكْرِبَ الزُّبَيْدِيَّ، وسَيفُهُ الصَّمْصَامَةُ، (أَخٌ مَاجِدٌ) تَقُولُ: مَجَدَ الرَّجُلُ يَمْجُدُ مَجْداً فهُو مَاجِدٌ – مِن بَابِ نَصَرَ – ومَجُدَ يَمْجُدُ مَجَادَةً فهُو مَجِيدٌ – مِن بَابِ كَرُمَ – إذَا كانَ ذَا مَجْدٍ، وَالمَجْدُ – بفَتحٍ فسُكُونٍ – العِزُّ والرِّفْعَةُ، ونَيلُ الشَّرَفِ، والكَرَمُ مُطلَقاً، أو خَاصٌّ بمَا يَكُونُ بالآبَاءِ، والمَجَادَةُ أَيضاً: الحَسَنُ الخُلُقِ السَّمْحُ، (لَمْ يَخْزُنِي) لَم يُوقِعْنِي في الخَزَايَةِ، والخَزَايَةُ – بِفَتحِ الخَاءِ والزَّايِ جَمِيعاً – ما يُستَحْيَا منهُ، ويَكُونُ خَزَاهُ وأَخْزَاهُ أَيضاً بمَعنَى أَهَانَهُ وفَضَحَهُ، (يَومَ مَشْهَدٍ) بفَتحِ المِيمِ وسُكُونِ الشِّينِ وفَتحِ الهَاءِ – اليَومُ الذي يَشْهَدُه النَّاسُ ويَحضُرُونَهُ، يُرِيدُ أنَّهُ إذا اجتَمَعَ النَّاسُ للتَّفَاخُرِ وذِكْرِ المَنَاقِبِ لم أَسْتَحِ مِن ذِكْرِ هذا الأَخِ لِكَونِهِ مَاجِداً كَرِيمَ الأُصُولِ، وقد يَكُونُ أَرَادَ بِيَومِ المَشْهَدِ يَومَ الحَرْبِ، وأَرادَ بأنَّهُ لم يُخْزِهِ فيهِ أنَّهُ لم يَنْكُلْ عنهُ ولم يُحجِمْ عَن لِقَاءِ الأَعدَاءِ معَهُ.
الإعرابُ: (أَخٌ) خَبَرُ مُبتَدَأٍ مَحذُوفٍ، وتَقدِيرُ الكلامِ: هو أَخٌ، مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (مَاجِدٌ) نَعتُ الأَخِ، مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (لَمْ) حَرفُ نَفيٍ وجَزْمٍ وَقَلبٍ، (يُخْزِنِي) يُخْزِ: فِعلٌ مُضَارِعٌ مَجزُومٌ بلَم، وعَلامَةُ جَزمِهِ حَذفُ اليَاءِ، والكَسرَةُ قَبلَهَا دَلِيلٌ علَيهَا، هذا إِذَا قَرَأْتَهُ بِضَمِّ يَاءِ المُضَارَعَةِ مِن ذِي الهَمْزَةِ، فإِن قَرَأْتَهُ بِفَتحِ يَاءِ المُضَارَعَةِ فعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذفُ الوَاوِ، والضَّمَّةُ قَبلَهَا دَلِيلٌ علَيهَا، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقدِيرُه (هو) يَعُودُ إلى (أَخٌ)، والنُّونُ للوِقَايَةِ،، ويَاءُ المُتَكَلِّمِ مَفعُولٌ به مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصبٍ، وجُملَةُ الفِعلِ المُضَارِعِ المَجزُومِ بلَم معَ فاعِلِه ومَفعُولِهِ في مَحَلِّ رَفعٍ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لأخٍ، (يَوْمَ) ظَرفُ زَمَانٍ مَنصُوبٌ بيُخْزِي وعَلامَةُ نَصبِه الفَتحَةُ الظَّاهِرَةُ، ويَومَ مُضَافٌ و(مَشهَدٍ) مُضَافٌ إليه مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (كمَا) الكَافُ حَرفُ تَشبِيهٍ وجَرٍّ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، و(ما): حَرفٌ كَافٌّ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (سَيفُ) مُبتَدَأٌ مَرفُوعٌ بِالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وسَيفُ مُضَافٌ و(عَمرٍو) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بِالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (لَمْ) حَرفُ نَفيٍ وجَزمٍ وقَلبٍ، و(تَخُنْهُ) تَخُنْ: فِعلٌ مُضَارِعٌ مَجزُومٌ بلم، وعَلامَةُ جَزمِهِ السُّكُونُ، وضَمِيرُ الغَائِبِ العَائِدُ إلى (سَيفُ عَمرٍو) مَفعُولٌ به لِتَخُنْ مَبنِيٌّ علَى الضَّمِّ في مَحَلِّ نَصبٍ، (مَضَارِبُهُ) مَضَارِبُ: فَاعِلُ (تَخُنْ) مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِ العَائِدِ إلى سَيفِ عَمرٍو مُضَافٌ إليهِ مَبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ، وجُملَةُ الفِعلِ المُضَارِعِ الذي هو (تَخُنْ) وفَاعِلِه ومَفعُولِهِ في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ الذي هو سَيفُ عَمرٍو.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (كمَا سَيفُ عَمرٍو) فَإِنَّ الكَافَ حَرفُ جَرٍّ، و(مَا) كَافَّةٌ لهَا عَن عَمَلِ الجَرِّ، و(سَيفُ) مُبتَدَأٌ، وجُملَةُ (لَمْ تَخُنْهُ مَضَارِبُهُ) في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ كما اتَّضَحَ ذلك في إِعرَابِ البَيتِ.
ومِثلُ هذا البَيتِ قَولُ عَمرِو بنِ حَكِيمِ بنِ مُعَيَّةَ:
وَلَو جَاوَرَتْنَا العَامَ سَمْرَاءُ لَمْ نُبَلْ = عَلَى جَدْبِنَا أَلاَّ يَصُوبَ رَبِيعُ
لَقَدْ عَلِمَتْ سَمْرَاءُ أَنَّ حَدِيثَهَا = نَجِيعٌ، كَمَا مَاءُ السَّمَاءِ نَجِيعُ
والشَّاهِدُ فيهِمَا قَولُهُ: (كَمَا مَاءُ السَّمَاءِ نَجِيعُ) فإِنَّ الكَافَ جَارَّةٌ، وقد اتَّصَلَت بها (مَا) فكَفَّتْهَا عَن عَمَلِ الجَرِّ، وما بَعدَهَا جُملَةٌ مِن مُبتَدَأٍ وخَبَرٍ.
ومِن مَجمُوعِ الشَّوَاهِدِ (309، 310) ومَا أَنشَدْنَاهُ، تَكمُلُ الدِّلالَةُ على أَنَّ اقتِرَانَ (ما) بالكَافِ قد يَكُفُّهَا عَن عَمَلِ الجَرِّ وقد لا يَكُفُّهَا.

([8])311-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ جَذِيمَةَ الأَبْرَشِ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنا صَدْرُ بَيْتٍ مِنَ المَدِيدِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*تَرْفَعَنْ ثَوْبِي شَمَالاتُ*
اللُّغَةُ: (أَوْفَيْتُ) مَعنَاهُ: نَزَلْتُ، وَ(عَلَمٍ)؛ أي: جَبَلٍ، و(شَمَالاتُ) بِفَتحِ الشِّينِ، جَمعُ شَمَالٍ، وهي رِيحٌ تَهُبُّ مِن نَاحِيَةِ القُطبِ.
الإعرابُ: (رُبَّمَا) رُبَّ: حَرفُ تَقلِيلٍ وجَرٍّ شَبِيهٌ بِالزَّائِدِ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، و(ما): حَرفٌ كَافٌّ لرُّبَ عَن العَمَلِ الذي يَقتَضِيهِ وهو الدُّخُولُ على الاسمِ وجَرِّهِ، ومُهَيِّئٌ لهذا الحَرفِ لأَنْ يَدخُلَ على الجُمَلِ، مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (أَوْفَيْتُ) أَوْفَى: فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ علَى فَتحٍ مُقَدَّرٍ علَى آخِرِهِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ فَاعِلُهُ مَبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، (فِي) حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌَّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (عَلَمٍ) مَجرُورٌ بِفِي، وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِأَوفَى، (تَرْفَعَنْ) تَرْفَعُ: فِعلٌ مُضَارِعٌ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لاتِّصَالِهِ بنُونِ التَّوكِيدِ الخَفِيفَةِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (ثَوْبِي) ثَوب: مَفعُولٌ به لِـ (تَرفَعُ), مَنصوبٌ بِفَتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِهِ مَنَعَ مِن ظهُورِها اشتِغَالُ المَحَلِّ بالحَرَكَةِ المُنَاسِبَةِ ليَاءِ المُتَكَلِّمِ، وثَوبُ مُضَافٌ ويَاءُ المُتَكَلِّمِ مُضَافٌ إليه مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (شَمَالاَتُ) فَاعِلُ تَرفَعُ مَرفُوعٌ بِالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (رُبَّمَا أَوْفَيْتُ) حيثُ كَفَّ (مَا) (رُبَّ) عَن عَمَلِ الجَرِّ، والدَّلِيلُ على أنَّ (مَا) كَفَّتْهَا دُخُولُها على الجُملَةِ الفِعْلِيَّةِ، ولو أَبْقَتْ لهَا عَمَلَهَا لدَخَلَت على الاسمِ فَجَرَّتْهُ.

([9])إِنَّمَا غَلَبَ دُخُولُ (رُبَّ) المُتَّصِلَةِ بما الكَافَّةِ على الجُملَةِ الفِعْلِيَّةِ التي فِعلُها مَاض؛ٍ لأنَّ أَصلَ (رُبَّ) التَّقلِيلُ أو التَّكثِيرُ، وهُما إنَّمَا يَكُونَانِ فيمَا عُرِفَ حَدُّهُ؛ ولمَّا كَانَ المُضَارِعُ مُستَقْبَلاً, وهُو مَجهُولٌ – قَلَّ دُخُولُها عليه، وظَاهِرُ كَلامِ الرُّمَّانِيِّ أنَّ (رُبَّ) المَكفُوفَةَ لا تَدخُلُ إلا علَى مَاضٍ، فإن دَخَلَت في الظَّاهِرِ على المُضَارِعِ فإِمَّا أن يَكُونَ المُضَارِعُ مُؤَوَّلاً بالمَاضِي، وإِمَّا أن يُقَدَّرَ مَدخُولُها مَاضِياً، وجُملَةُ المُضَارِعِ مَعمُولَةً لهذا المَاضِي المُقَدَّرِ كمَا تَسمَعُهُ في الكَلامِ علَى الآيَةِ الكَرِيمَةِ.

([10])سُورَةُ الحِجْرِ، الآيَةُ: 2، وقد قِيلَ في تَخرِيجِ الآيَةِ: إنَّ المُضَارِعَ عُبِّرَ بهِ عَن حَالَةٍ مَاضِيَةٍ بطَرِيقِ التَّجَوُّزِ، وقيلَ: التَّقدِيرُ: (رُبَّمَا كانَ يَوَدُّ الذينَ كَفَرُوا) فمَدخُولُها مَاضٍ مَحذُوفٌ, واسمُ (كَانَ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ. وفي هذا الأَخِيرِ نَظَرٌ مِن وَجْهَينِ؛ الأَوَّلُ: أَنَّ حَذْفَ كَانَ بَعدَ غَيرِ (إِن) و(لَو) الشَّرْطِيَّتَينِ نَادِرٌ، والثَّانِي: أنَّهُ لا بُدَّ بعدَ ذلك التَّقدِيرِ مِن تَخرِيجِ (يَوَدُّ) على حِكَايَةِ الحَالِ المَاضِيَةِ.
قالَ المُؤَلِّفُ في كِتَابِهِ (مُغنِي اللَّبيِبِ) في مَبَاحِثِ (مَا) مَا نَصُّهُ: (والثَّالِثُ مِن أَنوَاعِ مَا: الكَافَّةُ عَن عَمَلِ الجَرِّ، وتَتَّصِلُ بِأَحرُفٍ وظُرُوفٍ، فالأَحرُفُ أَحَدُها (رُبَّ)، وأَكثَرُ ما تَدخُلُ حينَئِذٍ على المَاضِي، كقَولِهِ:
*رُبَّمَا أَوْفَيْتُ فِي عَلَمٍ*
لأنَّ التَّكثِيرَ والتَّقلِيلَ إنَّمَا يَكُونَانِ فيما عُرِفَ حَدُّهُ، والمُستَقبَلُ مَجهُولٌ، ومِن ثَمَّ قالَ الرُّمَّانِيُّ في قَولِهِ تَعَالَى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}: إِنَّمَا جَازَ؛ لأنَّ المُستَقْبَلَ مَعلُومٌ عندَ اللَّهِ تعَالَى كالمَاضِي، وقِيلَ: هو علَى حِكَايَةِ حَالٍ مَاضِيَةٍ مَجَازاً، مِثلَ قَولِهِ تعَالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}، وقيلَ: التَّقدِيرُ: رُبَّمَا كَانَ يَوَدُّ, وتَكُونُ (كَانَ) هذه شَامِيَّةً، وليسَ حَذفُ (كانَ) بدُونِ (إن) و(لو) الشَّرْطِيَّتَينِ سَهْلاً، ثُمَّ الخَبَرُ حِينَئِذٍ – وهو (يَوَدُّ) – مُخْرِجٌ لِحِكَايَةِ الحَالِ المَاضِيَةِ، فلا حَاجَةَ إلى تَقدِيرِ (كانَ)، ولا يَمتَنِعُ دُخُولُها على الاسمِيَّةِ، خِلافاً للفَارِسِيِّ، ولهذا قالَ في قَولِ أَبِي دُؤادٍ:
*رُبَّمَا الجَامِلُ المُؤَبَّلُ فِيهِمْ*
مَا: نَكِرَةٌ مَوصُوفَةٌ بِجُملَةٍ حُذِفَ مُبتَدَؤُهَا؛ أي: (رُبَّ شَيءٍ هُو الجَامِلُ) اهـ.

([11])312-هَذَا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ أَبِي دُؤادَ الإِيَادِيِّ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنا بَيتٌ هو صَدرٌ مِن الخَفِيفِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*وَعَنَاجِيجُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ*
اللُّغَةُ: (الجَامِلُ) اسمُ جَمْعٍ للإِبِلِ لا وَاحِدَ لهُ مِن لَفظِهِ، وقيلَ: القَطِيعُ مِنَ الإبِلِ معَ رَاعِيهَا، (المُؤَبَّلُ) المُعَدُّ للقُنْيَةِ، و(عَنَاجِيجُ) جَمعُ عُنجُوجٍ، بِزِنَةِ عُصْفُورٍ – وهِيَ الخَيلُ الطَّوِيلَةُ الأَعْنَاقِ، و(المِهَارُ) بكَسرِ المِيمِ – جَمعُ مُهرٍ – بضَمِّها – وهو وَلَدُ الفَرَسِ، والأُنثَى مُهرَةٌ.
الإعرابُ: (رُبَّمَا) رُبَّ: حَرفُ تَقلِيلٍ وجَرٍّ شَبِيهٌ بالزَّائِدِ، مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ, و(ما): حَرفٌ زَائِدٌ يَكُفُّ (رُبَّ) عن العَمَلِ، مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (الجَامِلُ) مُبتَدَأٌ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (المُؤَبَّلُ) نَعتٌ لِلجَامِلِ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (فِيهِمْ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ، (وعَنَاجِيجُ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، عنَاجِيجُ: مَعطُوفٌ على الجَامِلِ مَرفُوعٌ وعَلامَةُ رَفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، (بَينَهُنَّ) بينَ: ظَرفُ مَكَانٍ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، و(بينَ) مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبَاتِ العَائِدُ إلى العَنَاجِيجِ مُضَافٌ إليه مَبنِيٌّ على الفَتحِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (المِهَارُ) مُبتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وجُملَةُ المُبتَدَأِ وخَبَرِه في مَحَلِّ رَفعٍ صِفَةٌ لِعَنَاجِيجَ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (رُبَّمَا الجَامِلُ فِيهِم) حيثُ دَخَلَت (رُبَّ) المَكفُوفَةُ بِمَا علَى الجُملَةِ الاسمِيَّةِ, وهو نَادِرٌ.

([12])ذَهَبَ الفَارِسِيُّ إلى أنَّهُ لا يَجُوزُ دُخُولُ (رُبَّ) المَكفُوفَةِ على الجُملَةِ الاسمِيَّةِ أَصلاً, ولهذا اضطُرَّ إلى جَعلِ (ما) في هَذا البَيتِ – نَكِرَةً بمَعنَى شَيءٍ مَجرُورَ المَحَلِّ بِرُبَّ، وجَعَلَ قَولَهُ: (الجَامِلُ) خَبَرَ مَبتَدَأٍ مَحذُوفٍ؛ أي: رُبَّ شَيءٍ هو الجَامِلُ، وفِيهِم: جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ حَالٌ، فيَكُونُ مَدخُولُ رُبَّ مُفرَداً، وقد ذَكَرَ ذلك المُؤَلِّفُ.
فإِنْ قُلْتَ: فمَا مَنَعَكُم أن تَجعَلُوا – على قَولِ أَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيِّ – قَولَ الشَّاعِرِ: (الجَامِلُ المُؤَبَّلُ فِيهِمْ) جُملَةً مِن مُبتَدَأٍ هو الجَامِلُ، وخَبَرٍ هو قَولُهُ: (فِيهِمْ) وهَذِه الجُملَةُ في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لـ (ما).
فالجَوَابُ أنَّهُ إنَّمَا مَنَعَنَا مِن ذلك أَنَّا لَو ارْتَكَبْنَاهُ لكَانَتْ جُملَةُ النَّعتِ خَالِيَةً مِمَّا يَربِطُهَا بِالمَنعُوتِ، لَكِنَّا لَمَّا قَدَّرْنَا الضَّمِيرَ الذي جَعَلْنَاهُ مُبتَدَأً كَانَ هو العَائِدَ على المَنعُوتِ، فرَبَطَ جُملَةَ النَّعتِ بمَنعُوتِهِ.

([13])313-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ امْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ، مِن مُعَلَّقَتِهِ المَشهُورَةِ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنَا هو صَدْرُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ*
اللُّغَةُ: (طَرَقْتُ) يُرِيدُ: زُرْتُهَا لَيلاً، والطُّرُوقُ: الإِتْيَانُ في اللَّيلِ، (مُرْضِعٍ) هي التي لهَا طِفلٌ تُرْضِعُه، (تَمَائِمَ) جَمعُ تَمِيمَةٍ، وهي المَعَاذَةُ التي كانُوا يُعَلِّقُونَهَا على جَبْهَةِ الصَّبِيِّ، وكانوا يَزعُمُونَ أنَّها تَقِيهِ مِن العَينِ، (مُحْوِلِ) اسمُ فَاعِلٍ مِن (أَحْوَلَ الصَّبِيُّ) إذا مَرَّ عليه مِن عُمُرِهِ حَولٌ، وكَنَّى بذِي تَمَائِمَ مُحْوِلٍ عَن الصَّبِيِّ، وكَنَّى بِأَلْهَيْتُهَا عن ابنِهَا الصَّغِيرِ عن شَغَفِ مَن يَزُورُهَا به وشِدَّةِ وُلُوعِهَا، حتَّى إنَّها لَتَنْسَى مَن لَمْ تَجْرِ عَادَةُ النِّسَاءِ بنِسيَانِهِ، وهو ابنُهَا.
الإِعرَابُ: (فَمِثْلِكِ) الفَاءُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرَابِ، مِثلِ: مَفعُولٌ بهِ لِطَرَقْتُ الآتِي مَنصُوبٌ بفَتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِهِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشتِغَالُ المَحَلِّ بالكَسْرَةِالتي تَقتَضِيهَا (رُبَّ) المَحذُوفَةُ والمُقَدَّرَةُ بعدَ الفَاءِ، و(مِثلِ) مُضَافٌ وضَمِيرُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ مُضَافٌ إليه مَبنِيٌّ على الكَسرِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (حُبْلَى) بَدَلٌ مِن (مِثلِ)، مَنصُوبٌ بفَتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الأَلِفِ إن رَاعَيْتَ المَحَلَّ، ومَجرُورٌ بكَسرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الأَلِفِ إِن رَاعَيْتَ اللَّفظَ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، (قَدْ) حَرفُ تَحقِيقٍ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (طَرَقْتُ) فِعْلٌ وفَاعِلٌ، (ومُرْضِعٍ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرَابِ، مُرضِعٍ: مَعطُوفٌ على حُبْلَى, والرِّوَايَةُ المَشهُورَةُ فيه بالجَرِّ، فتَرَجَّحَ في (حُبْلَى) اعتِبَارُ اللَّفظِ، لَكِنَّ القَوَاعِدَ تُجَوِّزُ مُرَاعَاةَ المَحَلِّ ومُرَاعَاةَ اللَّفظِ جَمِيعاً، وتُجَوِّزُ في (مُرْضِعٍ) الجَرَّ والنَّصْبَ جَمِيعاً.
(فَأَلْهَيْتُهَا) الفَاءُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرَابِ، أَلْهَى: فِعْلٌ مَاضٍ مَعطُوفٌ على (طَرَقْتُ)، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ فَاعِلُهُ مَبنِيٌّ علَى الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، وضَمِيرُ الغَائِبَةِ العَائِدُ على المِثْلِ مَفعُولٌ به مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصبٍ، (عَن) حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (ذِي) مَجرُورٌ بِعَن وعَلامَةُ جَرِّهِ اليَاءُ نِيَابَةً عَن الكَسْرَةِ؛ لأنَّهُ مِن الأَسْمَاءِ السِّتَّةِ، وهو مُضَافٌ و(تَمَائِمَ) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بِالفَتحَةِ نِيَابَةً عن الكَسرَةِ؛ لأنَّهُ اسمٌ لا يَنصَرِفُ، والمَانِعُ لهُ مِن الصَّرفِ كَونُهُ علَى صِيغَةِ مُنتَهَى الجُمُوعِ، (مُحْوِلِ) صِفَةٌ لِذِي تَمَائِمَ، مَجرُورٌ بِالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (فَمِثْلِكِ) حيثُ جَرَّ (مِثلِ) برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ الفَاءِ، وذلك كَثِيرٌ.
ونَظِيرُ هذا البَيتِ قَولُ المُتَنَحِّلِ الهُذَلِيِّ، واسمُهُ مَالِكُ بنُ عُوَيْمِرٍ، وهو مِن قَصِيدَةٍ طَوِيلَةٍ ثَابِتَةٍ في (جَمْهَرَةِ أَشْعَارِ العَرَبِ):
فَحُورٌ قَد لَهَوْتُ بِهِنَّ عِينٍ = نَوَاعِمَ فِي المُرُوطِ وَفِي الرِّيَاطِ

([14])وَذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أَنَّ الوَاوَ تَعمَلُ في النَّكِرَةِ الجَرَّ بنَفسِهَا، وإلى هذا القَولِ ذهَبَ أَبُو العَبَّاسِ المُبَرِّدُ مِن البَصْرِيِّينَ، قَالُوا: لأَنَّ الوَاوَ نَابَتْ عَن (رُبَّ) التي تَعمَلُ الخَفْضَ. فلمَّا نَابَتْ عَنهَا عَمِلَت عَمَلَها، ولا يُمكِنُ أن نَعتَبِرَ هذِه الوَاوَ وَاوَ العَطْفِ؛ لأنَّهَا تَقَعُ في أَوَّلِ الكَلامِ كما تَرَى في الشَّوَاهِدِ المَسُوقَةِ للدِّلالَةِ على ذلك.
وذَهَبَ البَصْرِيُّونَ إلى أنَّ الوَاوَ لَيسَتْ هي التي تَعمَلُ الجَرَّ، وإنَّمَا عَامِلُ الجَرِّ (رُبَّ) مُقَدَّرَةٌ، قالُوا: لأنَّ الوَاوَ حَرفٌ غَيرُ مُختَصٍّ، والحَرفُ غَيرُ المُختَصِّ أَصلُهُ ألا يَعمَلَ شَيئاً، وإذا كَانَت الوَاوُ لَيسَت هي عَامِلَ الجَرِّ لَزِمَ أن نُقَدِّرَ عَامِلاً يَكُونُ جَرُّ ما بَعدَ الوَاوِ بِه، وإنَّمَا قَدَّرْنَا الجَرَّ برُبَّ؛ لأنَّا رَأَيْنَا (رُبَّ) يَجُوزُ ظُهُورُها معَ الوَاوِ فيُقَالُ: (وَرُبَّ لَيلٍ) و(ورُبَّ بَلَدٍ)، ومِن ذلك قَولُ الشَّاعِرِ:
*ورُبَّ أَسِيلَةِ الخَدَّينِ بِكْرٌ*
والذي يَنقُضُ قَولَ الكُوفِيِّينَ والمُبَرِّدِ أنَّ العَامِلَ هو الوَاوُ نَفسُهَا في نَحوِ (ولَيْلٍ) ونَحوِ (وبَلَدٍ) أنَّا رَأَيْنَا العرَبَ تَجُرُّ برُبَّ مَحذُوفَةً وليسَ في الكَلامِ عِوَضٌ مِنهَا كما في الشَّاهِدِ رَقْمِ 316 الآتِي، وكمَا في قَولِ الشَّاعِرِ:
مِثْلِكَ أَو خَيْرٍ تَرَكْتُ رَذِيَّةً = تُقَلِّبُ عَيْنَيْهَا إِذَا طَارَ طَائِرُ
ورَأَيْنا العرَبَ أَيضاً تَجُرُّ الاسْمَ النَّكِرَةَ بعدَ (بَلْ) وبعدَ الفَاءِ، ولَم يَقُلْ أَحَدٌ مِنَّا ومِنكُم: إِنَّ (بل) أو الفَاءَ تَجُرُّ، وهذَانِ الحَرْفَانِ يَحسُنُ ظُهُورُهُما في الكَلامِ معَ (رُبَّ) كما قُلْنَا في شَأْنِ الوَاوِ، ولو كانَ حَرفٌ مِنها نَائِباً عن (رُبَّ) وعِوَضاً عَنها لم يَجُزْ أن يَظهَرَ في الكَلامِ معَها؛ لأنَّ العِوَضَ لا يُذْكَرُ معَ المُعَوَّضُ.

([15])314-وهذا الشَّاهِدُ - أَيضاً – مِن كَلامِ امْرِئِ القَيْسِ مِن مُعَلَّقَتِه التي مَضَى الاستِشْهَادُ بكَثِيرٍ مِن أَبْيَاتِها، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههُنا هو صَدْرُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وعَجُزُه قَولُه:
*عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُومِ لِيَبْتَلِي*
اللُّغَةُ: (كَمَوجِ البَحْرِ) شَبَّهَ اللَّيلَ بمَوجِ البَحرِ في شِدَّةِ هَولِهِ وعَظِيمِ ما يَنَالُكَ مِن المَخَافَةِ فيه، (سُدُولَهُ) السُّدُولُ: الأَسْتَارُ، واحِدُهَا سَدَلَ، مِثلُ سَتَرَ وسُتُورٍ، (لِيَبْتَلِي) لِيَخْتَبِرَ ويَمتَحِنَ، وأَرادَ: ليَرَى ما عندِي مِن الشَّجَاعَةِ والجَرَاءَةِ وعَدَمِ المُبَالاةِ بما يَظهَرُ مِن الهَولِ وأَسبَابِ الفَزَعِ.
الإعرَابُ: (وَلَيلٍ) الواوُ واوُ (رُبَّ) حَرفٌ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، لَيلٍ: مُبتَدَأٌ، مَرفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا اشتِغَالُ المَحَلِّ بالحَرَكَةِ التي اقتَضَتْها (رُبَّ) المَحذُوفَةُ معَ بقَاءِ عَمَلِها، (كَمَوجِ) الكَافُ حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، مَوجِ: مَجرُورٌ بالكَافِ وعلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ صِفَةٌ لِلَيلٍ، ومَوجٌ مُضَافٌ و(البَحرِ) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (أَرْخَى) فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على فَتحٍ مُقَدَّرٍ على الأَلِفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهِ التَّعَذُّرُ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، وفَاعِلُه ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيهِ جَوَازاً تَقدِيرُهُ (هو) يَعُودُ إلى لَيلٍ، (سُدُولَهُ) سُدُولَ: مَفعُولٌ بهِ لأَرخَى مَنصُوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهِرَةِ، وسُدُولٌ مُضَافٌ وضَمِيرٌ الغَائِبِ العَائِدِ إلى لَيلٍ مُضَافٌ إِلَيهِ مَبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ، وجُملَةُ الفعلِ المَاضِي وفَاعِلِه ومَفعُولِه في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ المَجرُورِ لَفظاً برُبَّ المَحذُوفَةِ، (عَلَيَّ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِأَرخَى، (بِأَنْوَاعِ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِأَرْخَى أَيضاً، وأَنْوَاعِ مُضَافٌ و(الهُمُومِ) مُضَافٌ إليه مَجرُورٌ بِالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (لِيَبْتَلِي) اللاَّمُ لامُ التَّعلِيلِ، ويَبتَلِي: فِعلٌ مُضَارِعٌ مَنصُوبٌ بأن المُضمَرَةِ بعدَ لامِ التَّعلِيلِ، وعَلامَةُ نَصبِهِ فَتحَةٌ مُقَدَّرَةٌ على اليَاءِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا مُعَامَلَةُ المَنصُوبِ مُعَامَلَةَ المَرفُوعِ، وهَذا نَظِيرُ قَولِ الآخَرِ:
*أَبَى اللَّهُ أَنْ أَسْمُو بِأُمٍّ وَلا أَب*
و(أَنْ) المَصْدَرِيَّةُ المُضمَرَةُ معَ الفِعلِ المُضَارِعِ في تَأوِيلِ مَصدَرٍ مَجرُورٍ بلامِ التَّعلِيلِ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: أَرْخَى السَّابِقِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (وَلَيلٍ) حيثُ جَرَّ (لَيلٍ) برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ الوَاوِ، وهذَا أَكثَرُ مِن حَذفِ (رُبَّ) وجَرِّ ما بَعدَها بَعدَ الفَاءِ.
ومِثلُ بَيتِ الشَّاهِدِ قَولُ امْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ في المُعَلَّقَةِ أَيضاً:
وبَيضَةِ خِدْرٍ لا يُرَامُ خِبَاؤُهَا = تَمَتَّعْتُ مِن لَهْوٍ بِهَا غَيرَ مُعْجَلِ
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (وَبَيْضَةِ خِدْرٍ) حيثُ جَرَّ بَيضَة برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ الوَاوِ.
ومِثلُ ذلك قَولُ امْرِئِ القَيْسِ في المُعَلَّقَةِ أَيضاً:
وَقِرْبَةِ أَقْوَامٍ جَعَلْتُ عِصَامَهَا = عَلَى كَاهِلٍ مِنِّي ذَلُولٍ مُرَحَّلِ
وَوَادٍ كَجَوْفِ العَيْرِ قَفْرٍ قَطَعْتُهُ = بِهِ الذِّئْبُ يَعْوِي كَالخَلِيعِ المُعَيَّلِ
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (وَقِرْبَةِ أَقْوَامٍ) وقَولُهُ: (وَوَادٍ) حيثُ جرَّ قَولَهُ: (قِرْبَةِ) وقَولُهُ: (وَادٍ) برُبَّ مَحذُوفَةٍ بعدَ الواوِ.
ونَظِيرُ هذا قَولُ الرَّاجِزِ، وهو مِن شَوَاهِدِ سِيبَوَيْهِ:
وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ = إِلاَّ اليَعَافِيرُ وَإِلاَّ العِيسُ
الشَّاهِدُ في قَولِهِ: (وَبَلْدَةٍ) حيثُ جَرَّ لَفظَ بَلْدَةٍ برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ الوَاوِ.
ونَظِيرُهُ قَولُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ:
وَلَيْلٍ بَهِيمٍ قَدْ تَسَرْبَلْتُ هَوْلَهُ = إِذَا اللَّيلُ بِالنَّكْسِ الضَّعِيفِ تَجَهَّمَا
الشَّاهِدُ في قَولِهِ: (وَلَيلٍ) حَيثُ جَرَّ قَولَهُ: (لَيلٍ) برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ الوَاوِ، وهذا أَكْثَرُ مِن أن تُحصَى الشَّواهِدُ علَيهِ.

([16])315-هذا بَيتٌ مِن الرَّجَزِ المَشطُورِ، مِن كَلامِ رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ.
اللُّغَةُ: (مَهْمَهٍ) بفَتحِ المِيمِ وسُكُونِ الهَاءِ بعدَها مِيمٌ أُخرَى مَفتُوحَةٌ – هي المَفَازَةُ البَعِيدَةُ الأَطْرَافِ، وإنَّمَا سَمَّوهَا بذلك؛ لأنَّهُم تَخَيَّلُوا أنَّ مَن يَسلُكُها يَقُولُ لِمَن يُصَاحِبُه: مَهْ مَهْ، وكأنَّهُ لِشِدَّةِ الانزِعَاجِ والفَزَعِ والهَولِ يَأمُرُه بتَركِ الحَديثِ والكَفِّ عنهُ، (قَطَعْتُ) أَرَادَ: جُبْتُ وسِرْتُ فِيهَا مِن أَوَّلِها إلى آخِرِهَا غَيرَ هَيَّابٍ ولا وَجِلٍ.
الإعرَابُ: (بَلْ) حَرفُ عَطفٍ دَالٌّ على الإِضرَابِ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (مَهْمَهٍ) مَفعُولٌ به لقَطَعْتُ الآتِي، مَنصُوبٌ بفَتحَةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتِغَالُ المَحَلِّ بالحَرَكَةِ التي تَقتَضِيهَا رُبَّ المَحذُوفَةُ معَ بَقَاءِ عَمَلِها، (قَطَعْتُ) قَطَعَ: فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على فَتحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِه لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ فَاعِلُهُ مَبنِيٌّ علَى الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، (بَعدَ) ظَرفُ زَمَانٍ مُتَعَلِّقٌ بقَطَعَ مَنصُوبٌ وعَلامَةُ نَصبِهِ الفَتحَةُ الظَّاهِرَةُ, وبعدَ مُضَافٌ و(مَهْمَهٍ) مُضَافٌ إليه مَجرُورٌ وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (بَلْ مَهْمَهٍ) حيثُ جَرَّ (مَهْمَهٍ) برُبَّ المَحذُوفَةِ بعدَ (بَلْ).
وحَذْفُ رُبَّ بعدَ هذا الحَرفِ وإِبقَاءُ عَمَلِها قَلِيلٌ، ومنه قَولُ رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ أَيضاً (أَنشَدَ أَوَّلَهُ ابنُ مَنظُورٍ فِي ص ب ب):
بَلْ بَلَدٍ ذِي صُعُدٍ وَأَصْبَابْ = قَطَعْتُ أَخْشَاهُ بِعَسْفٍ جَوَّابْ
وقَولُ رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ أَيضاً:
بَلْ بَلَدٍ مِلْءُ الفِجَاجِ قَتَمُهْ = لا يُشْتَرَى كَتَّانُهُ وَجَهْرَمُهْ
وقَولُ سُؤْرِ الذِّئْبِ (ورَوَاهُ ابنُ مَنظُورٍ فِي ح ج ف):
*بَلْ جَوْزِ تَيْهَاءَ كَظَهْرِ الحَجَفَتْ*

([17])316-هذا الشَّاهِدُ مِن كلامِ جَمِيلِ بنِ مَعْمَرٍ العُذْرِيِّ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههُنا هو صَدرُ بَيتٍ مِن الخَفِيفِ، وعَجُزُه قَولُهُ:
*كِدْتُ أَقْضِي الحَيَاةَ مِن جَلَلِهْ*
اللُّغَةُ: (مِنْ جَلَلِهْ) قيلَ: مَعنَاهُ مِن عِظَمِهِ في نَفْسِي، وقيلَ: مَعنَاهُ مِن أَجْلِهِ.
الإعرابُ: (رَسْمِ) مُبتَدَأٌ مَرفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ ظُهُورَهَا اشتِغَالُ المَحَلِّ بالحَرَكَةِ التي تَقتَضِيهَا رُبَّ التي حُذِفَت وبَقِيَ عَمَلُها، و(رَسْمِ) مُضَافٌ و(دَارٍ) مُضَافٌ إليه مَجرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ، (وَقَفْتُ) وَقَفَ: فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على فَتحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِهِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ فَاعِلُهُ مبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، (فِي) حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرَابِ (طَلَلِهْ) (طَلَلِ): مَجرُورٌ بفي وعلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بوَقَفَ، و(طَلَلِ) مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِ العَائِدُ إلى الرَّسمِ مُضَافٌ إليهِ، وجُملَةُ (وَقَفْتُ) مِن الفِعلِ وفَاعِلِهِ في مَحَلِّ رَفْعٍ صِفَةٌ لِرَسْمِ دَارٍ، أو في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لهُ أَيضاً تَبَعاً لِلَفْظِ المَوصُوفِ. (كِدْتُ) كَادَ: فِعلٌ مَاضٍ دَالٌّ على المُقَارَبَةِ مَبنِيٌّ على فَتحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِه لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ اسمُ (كَادَ) مَبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، (أَقْضِي) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على اليَاءِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا الثِّقَلُ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقدِيرُهُ (أنَا)، (الحَيَاةَ) مَفعُولٌ بهِ لأَقْضِي مَنصُوبٌ بالفَتْحَةِ الظَّاهِرَةِ، (مِنْ) حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (جَلَلِهْ) (جَلَلِ): مَجرُورٌ بمِن وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: أَقْضِي، و(جَلَلِ) مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِ العَائِدُ إلَى الرَّسمِ مُضَافٌ إِلَيهِ، وجُملَةُ أَقْضِي وفَاعِلِه في مَحَلِّ نَصبٍ خَبَرُ كَادَ، وجُملَةُ كَادَ واسمُهُ وخَبَرُهُ في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (رَسْمِ دَارٍ) حيثُ جَرَّ قَولَهُ: (رَسْمِ) بِرُبَّ مَحذُوفَةٍ مِن غَيرِ أن يَتَقَدَّمَ هذا المَجرُورَ حَرفٌ مِن الأَحرُف ِالتي سَبَقَ ذِكْرُها.
ومِن كَلامِ المُؤَلِّفِ نَفْهَمُ أنَّ عَمَلَ (رُبَّ) الجَرَّ وهي مَحذُوفَةٌ على أَربَعِ مَرَاتِبَ:
المَرتَبَةُ الأُولَى: أن يَكُونَ ذلك بعدَ الوَاوِ، وذلك كَثِيرٌ في كَلامِ العَرَبِ، وفيهِ خِلافُ البَصْرِيِّينَ والكُوفِيِّينَ الذي ذَكَرْنَاهُ (ص67).
الثَّانِيَةُ: أن يَكُونَ ذلك بعدَ الفَاءِ، وهذا كَثِيرٌ في نَفْسِهِ، وإن لم يَبْلُغْ مَبْلَغَ المَرْتَبَةِ الأُولى.
الثَّالِثَةِ: أن يَكُونَ ذلك بعدَ بَلْ، وهذا دُونَ المَرتَبَتَينِ السَّابِقَتَينِ.
الرَّابِعَةُ: أن يَكُونَ ذلك مِن غَيرِ أن يَقَعَ حَرفٌ مِن هَذِه الأَحرُفِ الثَّلاثَةِ مَوقِعَ رُبَّ.

([18])قد ذَكَرَ المُؤَلِّفُ فيما مَضَى شَاهِداً على حَذْفِ حَرفِ الجَرِّ وإِبقاءِ عَمَلِهِ وهو الشَّاهِدُ رَقْمِ (235)، وقد ذَكَرَ المُؤَلِّفُ في معَانِي الكَافِ أنَّهُ قد قِيلَ لِبَعْضِهِم: كَيفَ أَصْبَحْتَ! فقالَ: كَخَيْرٍ، يُرِيدُ أَصبَحْتُ علَى خَيرٍ.

([19])يَعمَلُ حَرفُ الجَرِّ وهو مَحذُوفٌ قِيَاساً في ثَلاثَةَ عَشَرَ مَوضِعاً، ذَكَرَ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنهَا ثَلاثَةً وبَقِيَ عليهِ عَشَرَةٌ:
الأَوَّلُ: لَفظُ الجَلالَةِ في القَسَمِ بدُونِ عِوَضٍ، نَحوَ: (اللَّهِ لأَفْعَلَنَّ).
الثَّانِي: في جَوَابِ سُؤَالٍ اشتَمَلَ على حَرْفٍ مِثلُ الحَرْفِ المَحذُوفِ، نَحوَ (زَيدٍ) في جَوَابِ مَن قالَ: (بِمَن اهتَدَيتَ؟).
الثَّالِثُ: فِي العَطْفِ على ما تَضَمَّنَ مِثلِ الحَرفِ المَحذُوفِ إذا كَانَ العَطْفُ بِحَرْفٍ مُنفَصِلٍ بلَو، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
*مَتَى عُذْتُمُ بِنَا وَلَوْ فِئَةٍ مِنَّا*
الرَّابِعُ: أَن يَكُونَ المَجرُورُ مَعطُوفاً على آخَرَ بِحَرْفٍ مُنفَصِلٍ بلا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
مَا لِمُحِبٍّ جَلَدٌ أَنْ يُهْجَرَا = وَلاَ حَبِيبٍ رَأْفَةٌ فَيَجْبُرَا
الخَامِسُ: أَن يَكُونَ المَجرُورُ مَقرُوناً بهَمْزَةِ استِفْهَامٍ بعدَ كَلامٍ تَضَمَّنَ مِثلَ الحَرفِ المَحذُوفِ، نَحوَ قَولِكَ: (أَزَيْدِ بنِ عَمْرٍو) جَوَاباً لِمَن قالَ: (اهتَدَيتُ بِزَيدٍ).
السَّادِسُ: أن يَكُونَ المَجرُورُ مَسبُوقاً بهَلاَّ بعدَ كَلامٍ اشتَمَلَ على مِثلِ الحَرفِ المَحذُوفِ نَحوَ: (هَلاَّ رَجُلٍ يُعتَمَدُ عَلَيهِ) بعدَ قَولِ القَائِلِ: (تَمَسَّكْتُ بِخَالِدٍ).
السَّابِعُ: أن يَكُونَ المَجرُورُ مَسبُوقاً بإِن، وفي الكَلامِ السَّابِقِ عليه مِثلُ الحَرفِ المَحذُوفِ، نَحوَ (تَمَسَّكْ بِأَحْسَنِهِمَا خُلُقاً، إِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ عَمْرٍو).
الثَّامِنُ: لامُ التَّعلِيلِ إِن جَرَّت (كَي) المَصْدَرِيَّةَ وصِلَتَهَا، نَحوَ: (جِئْتُ كَيْ أَتَعَلَّمَ).
التَّاسِعُ: بعدَ (أَنْ) المَصْدَرِيَّةِ و(أَنَّ) المُؤَكِّدَةِ نَحوَ: (رَغِبْتُ أَنْ أَتَنَسَّكَ) و:(عَجِبْتُ أَنَّكَ مُستَمِرٌّ في ضَلالِكَ).
العَاشِرُ: المَعطُوفُ على خَبَرِ (لَيسَ) وخَبَرِ (ما) الذي يَصلُحُ لدُخُولِ الجَارِّ عَلَيهِ، وهو الذي لم يَنْتَقِضْ نَفْيُهُ، ويُسَمَّى هذا المَوضِعُ الجَرَّ على التَّوَهُّمِ، وقد أَجَازَهُ سِيبَوَيْهِ ولم يُجِزْهُ جَمَاعَةٌ مِن النُّحَاةِ، والشَّوَاهِدُ على وُرُودِهِ كَثِيرَةٌ، مِنهَا قَولُهُ:
مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً = وَلاَ نَاعِبٍ إِلاَّ بِبَيْنٍ غُرَابُهَا
وقَولُهُ:
بَـ بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى = وَلاَ سَابِقٍ شَيْئاً إِذَا كَانَ جَائِيَا
ووَجهُ ذلك أنَّهُ قد كَثُرَ اقتِرَانُ خَبَرِ (لَيسَ) بالبَاءِ الجَارَّةِ، ووَرَدَ ذلك في فَصِيحِ كَلامِ العَرَبِ مِن غَيرِ ضَرُورَةٍ ولا شُذُوذٍ، فإِذَا قالَ قَائِلٌ: (لَيسَ زَيدٌ قَائِماً) رُبَّمَا تَوَهَّمَ أنَّهُ أَدخَلَ البَاءَ فيَعطِفُ على الخَبَرِ بالجَرِّ على هذا التَّوَهُّمِ فيَقُولُ (وَلا قَاعِدٍ).

([20])يَمنَعُ مِن صِحَّةِ تَقدِيرِ الزَّجَّاجِ أَمرَانِ؛ الأوَّلُ: أنَّ (كَم) الاستِفْهَامِيَّةَ قَد تَكُونُ كِنَايَةً عَن عَدَدٍ مُرَكَّبٍ، والعَدَدُ المُرَكَّبُ لا يُضَافُ إلى ما بَعدَهُ في الفَصيِحِ، الثَّانِي: أنَّهُم اشتَرَطُوا في الجَرِّ بعدَهَا أن تَكُونَ مَسبُوقَةً بحَرفِ جَرٍّ؛ فلَو كَانَ الجَرُّ بإِضَافَتِها إلى ما بَعدَها لم يَشْتَرِطُوه، وإنَّمَا شَرَطُوهُ لِيَكُونَ دَلِيلاً علَى المَحذُوفِ الجَارِّ لمَا بَعدَهَا.

([21])العَامِلُ في (الدَّارِ) هو (في)، والعَامِلُ في (زَيداً) هو (إِنَّ)؛ لأنَّ زَيداً اسمُ إنَّ، فالدَّارُ وزَيداً مَعمُولانِ لِعَامِلَينِ مُختَلِفَينِ، فلو قُلْتَ: (إنَّ في الدَّارِ زَيداً والحُجْرَةِ عَمْراً) بجَرِّ الحُجْرَةِ ونَصبِ عَمرٍو – وَجَبَ عليكَ أَن تَجعَلَ (الحُجرَةِ) مَجرُوراً بحَرفِ جَرٍّ مَحذُوفٍ؛ لأنَّكَ لو جَعَلْتَهُ مَجرُوراً بالعَطفِ علَى الدَّارِ، وعَمْراً مَعطُوفاً علَى (زَيداً) كُنتَ قَد عَطَفْتَ اسمَينِ هُمَا (الحُجرَةِ) و(عَمراً)، علَى مَعمُولَينِ هُمَا (الدَّارِ) و(زَيداً), لعَامِلَينِ مُختَلِفَينِ هُمَا (في) و(إِنَّ) والعَطفُ بِحَرفٍ وَاحِدٍ علَى مَعمُولَينِ لِعَامِلَينِ مُختَلِفَينِ مِمَّا لا يُجِيزُه سِيبَوَيْهِ وأَنصَارُهُ لِضَعْفِ حَرفِ العَطفِ عن أن يَقُومَ مَقَامَ عَامِلَينِ مُختَلِفَينِ، فأَمَّا الأَخْفَشُ فإنَّهُ لا يَمْنَعُ مِن العَطْفِ على مَعمُولَينِ لِعَامِلَينِ مُختَلِفَينِ، فلهذَا أَجَازَ أن تَجعَلَ (الحُجرَة) مَعطُوفاً على (الدَّارِ) المَجرُورَةِ بفي، و(عَمراً) مَعطُوفاً على (زَيداً) الوَاقِعِ اسماً لـ(إِنَّ)، فاعرِفْ هَذَا.

([22])وحَكَاهُ سِيبَوَيْهِ (إلاَّ صَالِحاً فَطَالِحاً) بِنَصْبِهِمَا على تَقدِيرِ: إلاَّ يَكُنْ صَالِحاً يَكُنْ طَالِحاً، وحكَاهُ أَيضاً (إِلاَّ صَالِحاً فطَالِحٌ) بنَصبِ الأَوَّلِ ورَفعِ الثَّانِي على تَقدِيرِ: إلا يَكُنْ صَالِحاً فهُوَ طَالِحٌ.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 09:34 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


381 - وَبَعْدَ "مِنْ وَعَنْ وَبَاءٍ" زِيدَ "ما" = فَلَمْ يَعُقْ عَنْ عَمَلٍ قَدْ عَلِمَا
382 - وَزِيدَ بَعْدَ "رُبَّ وَالكَاِف" فَكَفِّ = وَقَدْ يَلِيهما وَجَرٌّ لَمْ يُكَفْ
لعدمِ إزالتِها الاختصاصَ ، نحوُ : (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا)، {عَمَّا قَلِيلٍ} { فَبِمَا رَحْمَة ٍمِنَ اللَّهِ}
(وَزِيدَ بَعْدَ رُبَّ وَالكَافِ فَكَفَّ). عِنِ الجرِّ غالبًا وحينئذً يدخلانِ على الجملِ كقولِه [من الخفيف]:
570 - رُبَّمَا الجَامِلُ المُؤَبَّلُ فِيهِمْ = وَعَنَاجِيجُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ
وكقوله [من الوافر]:
571 - فَإِنَّ الحُمُرَ مِنَ شَرِّ المَطَايَا = كَمَا الحَبِطَاتُ شَرُّ بَنِي تَمِيمٍ
(وَقَدْ تَلِيَها وَجَرٌّ لَمْ يُكَفَّ) كقولِه [من الخفيف]:
572 - رُبَّمَا ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ صَقِيلٍ = بَيْنَ بُصْرَى وَطَعْنَةٍ نَجْلاَءِ
وكقوله [من الطويل]:
573 - وَنَنْصُرُ مَوْلاَنَا وَنَعْلَمُ أَنَّهُ = كَمَا النَّاسُ مَجْرُومٌ عَلَيْهِ وَجَارِمُ
تنبيهٌ : الغالبُ على "رُبَّ" المكفوفةِ بـ "مَا" أن تدخلَ على فِعْلٍ ماضٍ كقوله [من المديد]:
574 - رُبَّمَا أَوْفَيْتُ فِي عَلَمٍ = تَرْفَعْنَ ثَوْبِي شَمَالاَتُ
وقد تدخُل ُعلى مضارعٍ نزلَ منزلتَه ؛ لتَحَقُّقِ وقوعِه نحوُ: { رُبَمَا يَوَدُّ الذينَ كَفَرُوا} ونَدَر دخولُها على الجملةِ الاسميَّةِ كقولِه:
رُبَّمَا الجَامِلُ المُؤَّبّلُ فِيهِمْ
حتى قال الفارسيُّ: يَجِبُ أنْ تُقَدِّرَ "ما" اسمًا مجزومًا بمعنى شيءٍ ، و"الجاملُ": خبرًا لضميرٍ محذوفٍ والجملةُ صفةٌ "ما" أي: ربَّ شيءٍ هو الجاملُ المؤَّبّلُ.

383 - وحُذِفَتْ "رُبَّ" فَجَرَّتْ بَعْدَ بَلْ = وَالفًا وَبَعْدَ الوَاوِ شَاعَ ذَا العملُ
(وَحُذِفَتْ رُبَّ) لفْظًا (فَجَرَّتْ) منويَّةً (بعدَ بلْ * والفا) لكنْ على قِلَّةٍ كقولِه [من الرجز]:
575 - بَلْ بَلَدٍ مِلْءُ الفِجَاجِ قَتَمُهْ = لايُشْتَرَى كَتَّانُه وَجَهْرَمُهْ
وقولُه [من الرجز]:
576 - بَلْ بَلَدٍ ذِي صُعُدٍ وَأَصْبَابْ
وقولُه [من الطويل]:
577 - فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ = فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمِ مُحْوِلِ
وقوله [من الوافر]:
578 - فَحُورٍ قَدْ لَهَوْتُ بِهِنَّ عِينٍ نَوَاعِمَ فِي المُرُوطِ وَفِي الرِّيَاطِ
(وَبَعْدَ الوَاوِ شَاعَ ذَا العَمَلِ) بكثرةٍ كقولِه [من الطويل]:
579 - وَلَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ = عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُومِ لِيَبْتَلِي
تنبيهانِ: الأَوَّلِ: قد يُجَرُّ بها محذوفةً بدونِ هذه الأحرفِ كقوله [من الخفيف]
580 - رَسْمِ دَارٍ وَقِفْتُ فِي طَلَلِهْ = كِدْتُ أَقْضِي الحَيَاةَ مِنْ جَلَلِهْ
وهو نادرٌ وقالَ في (التسهيلِ): تَجُرُّ "رُبَّ" محذوفةً: بعدَ الفاءِ كثيرًا وبعدَ الواوِ أكثرُ وبعدَ "بلْ" قليلاً ومعَ التجرُّدِ أقلَّ ، ومرادُه بالكثرةِ معَ الفاءِ الكثرةُ النسبيَّةُ أي: كثيرٌ بالنسبةِ إلى "بَلْ".
الثاني: قالَ في (التسهيلِ): وليسَ الجرُّ بالفاءِ و"بلْ" باتِّفَاقٍ وحكَى ابنُ عصفورٍ أيضًا الاتفاقَ ، لكنْ في (الارتشافِ): وزعَمَ بعضُ النحويينَ أنَّ الجرَّ هو بالفاءِ و"بلْ" لنيابتِهما منابَ "رُبَّ" وأما الواوُ فذهَبَ الكوفيونَ والمبرِّدُ إلى أن الجرَّ بها. والصحيحُ أنَّ الجرَّ بـ "رُبَّ" المضمرةِ وهو مذهبُ البصريينَ.
384 - وَقَدْ يُجَرُّ بِسِوى رُبَّ لَدَى = حَذْفٍ ، وبعضُه يَرَى مُطَّرِدَا
(وَقَدْ يُجَرُّ بِسِوى رُبَّ) مِنَ الحُروُفِ (لدَى * حذفٍ) وهذا بعضُه يُرَى غيرَ مطَّردٍ يقْتَصِرُ فيه على السماعِ وذلك كقولِ رُؤْبَةَ – وقد قيلَ له: "كيفَ أصبحْتَ؟" قال: "خَيْرٍ عَافَاكَ اللَّهُ" التقديرُ: على خيرٍ ، وقولِه [من الطويل]:
إِذَا قِيلَ أَيُّ الناسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ = أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالأَكُفِّ الأَصَابِعَ
وقولُه [من الكامل]:
581 - وَكَرِيمَةٍ مِنْ آلِ قَيْسٍ أَلِفْتُهُ = حَتَّى تَبَذَّخَ فَارْتَقَى الأَعْلاَمَ
أي: إلى كُلَيْبٍ وإلى الأَعْلاَمِ.
(وبعضُه يُرَى مُطَّرِدَا) وذلك في ثلاثةَ عشرةَ موضعًا.
الأَوَّلِ : لفظُ الجلالةِ في القَسَمِ دونَ عِوَضٍ ، نحوُ: " اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ".
الثاني : بعدَ "كمِ" الاستفهاميَّةِ ، إذا دخلَ عليها حرفُ جرٍّ، نحوُ: "بِكَمْ دِرْهَمٍ اشْتَرَيْتَ", أي: مِنْ دِرْهَمٍ خلافًا للزجَّاجِ في تقديرِه الجرَّ بالإضافةِ كمَا يأتي في بابِها.
الثالثِ : في جوابِ ما تَضَمَّنَ مثلَ المحذوفِ ، نحوُ: "زَيْدٍ" في جوابِ: "بِمَنْ مَرَرْتَ".
الرابعِ : في المعطوفِ على ما تضمَّنَ مثلَ المحذوفِ بحرفٍ متَّصِلٍ ، نحوُ: { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٍ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي: وفي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وقوله [من البسيط]:
582 - أَخْلِقْ بِذِي الصبْرِ أَنْ يَحْظَى بِحَاجَتِهِ = وَمُدْمِنِ القَرْعِ لِلأَبْوَابِ أَنْ يَلِجَا
أي: وبمُدْمِنِ.
الخامسِ : في المعطوفِ عليه بحرفٍ منفصلٍ بـ "لا" كقولِه [من الرجز]:
583 - مَا لِمُحِبٍّ جَلَدٌ أَنْ يَهْجُرَا = وَلاَ حَبِيبٍ رَأْفَةٌ فَيُجْبَرَا
السادسِ: في المعطوفِ عليه بحرفٍ منفصلٍ بـ "لو" كقولِه [من الطويل]:
584 - مَتَى عُذْتُمُ بِنَا لَوْ فِئَةٍ مِنَّا = كُفِيتُمْ وَلَمْ تَخْشَوْا هَوَانًا وَلاَ وَهْنَا
السابعِ : في المقرونِ بالهمزةِ بعدَ ما تَضَمَّنَ مِثْلَ المحذوفِ ، نحوُ: " أَزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو؟" استفهامًا لمن قال: "مَرَرْتُ بِزَيْدٍ".
الثامن: في المقرونِ بـ "هَلَّا" بعده، نحوُ: "هلَّا دينارٍ" لِمَنْ قَالَ "جِئْتُ بِدِرْهَمٍ".
التاسعِ : في المقرونِ بـ "إِنْ" بعده ، نحوُ: "أَمْرُرْ بِأَيِّهِمْ أَفْضَلُ إِنْ زَيدٍ وَإِنْ عَمْرٍو" وجعَل سيبويهِ إضمارَ هذه الباءَ بعدَ إنْ أسهلُ مِنْ إضمارِ "رُبَّ" بعدَ الواوِ فعُلِمَ بذلك اطِّرَادُه.
العاشرِ: في المقرونِ بفاءِ الجزاءِ بعده، حكَى يُونُسُ: "مَرَرْتُ بِرَجُلٍ صالحٍ إلا صالحٍ فطالحٍ " أي: إلا أَمْرُرُ بصالحٍ ، فقد مَرَرْتُ بِطَالِحٍ والذي حكَاه سيبويه: "إلا صالحًا فطالحٌ". و"إلا صالحًا فطالحًا" وقدَّرَه: إلا يكُنْ صالحًا فهو طالحٌ وإلا يكنُ صالحًا يكُنْ طالحًا.
الحادي عشرَ: لامُ التعليلِ إذا جَرَّتْ "كي" وصلتَها ؛ ولهذا تسمَعُ النحويينَ يجِيزُون في نحوِ: "جِئْتُ كَيْ تُكْرِمَنِي" أنْ تكونَ "كي" تعليليَّةٌ و"أن" مضمرةٌ بعدَها وأن تكونَ مصدريَّةً ، واللامُ مقدَّرةً قبلَها.
الثاني عشرَ: مع َ"أنَّ" و"أنْ" ، نحوُ: "عجِبْتُ أَنَّكَ قائمٌ وأنْ قُمْتَ". على ما ذَهَبَ إليه الخليلُ والكِسَائِيُّ ، وقد سبَقَ في بابِ تعدِّي الفعلِ ولزُومِهِ.
الثالثَ عشرَ: المعطوفُ على خبرِ "ليس" و"ما" الصالحِ لدخولِ الجارِّ ، أجازَ سيبويهِ في قولِه [من الطويل]:
585 - بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى = وَلاَ سَابِقٍ شَيْئًا إِذَا كَانَ جَائِيَا
الخفضُ في "سابقٍ" على تَوَهُّمٍ وُجُودَ الباءِ في "مُدْرِكٍ" ولم يُجِزْهُ جماعةٌ مِنَ النحاةِ ومنه قولُه [من الطويل]:
586 - أَحَقًّا عِبَادَ اللَّهِ أَنْ لَسْتُ صَاعِدًا = وَلاَ هَابِطًا إِلاَّ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلاَ سَالِكٍ وَحْدِي وَلاَ فِي جَمَاعَةٍ = مِنَ الناسِ إلاَّ قِيلَ أَنْتَ مُرِيبُ
وقولُه [من الطويل]:
587 - مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً = وَلاَ نَاعِبٍ إِلاَّ بِبَيْنِ غُرَابُهَا
وقولُه [من الطويل]:
وَمَا زُرْتُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ حَبِيبَةً = إِلَيَّ وَلَا دَيْنٍ بِهَا أَنَا طَالِبُهْ
تنبيهٌ : لا يجوزُ الفصلُ بينَ حرفِ الجرِّ ومجرورِه في الاختيارِ ، وقد يفصلُ بينهما في الاضْطِرَارِ: بظرفٍ أو مجرورٍ كقولِه [من الخفيف]:
588 - إِنَّ عَمْرًا لاَ خَيْرَ فِي اليومَ عمرٍو = إِنَّ عَمْرًا مُكْثِّرُ الأحزانِ
وقولِه [من الطويل]:
589 - مُخَلَّفَةٌ لا يُسْتَطَاعُ ارْتِقَاؤُهَا وَلَيْسَ إلِىَ مِنْهَا النزولُ سبيلُ
وَنَدَر الفصلُ بينهما في النثرِ بالقَسَمِ نحو: "اشْتَرَيْتُه بِواللَّهِ درهمٍ".

خاتمةٌ: يجِبُ أنْ يكونَ للجارِّ والظرفِ متعلِّقٌ وهو: فِعْلٌ أو ما يشبهُهُ أو مؤولٌّ بما يشبهُه أو ما يشيرُ إلى معناه ، نحوُ: { أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، { وَهُوَ اللَّهُ في السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} أي: وهُوَ المُسَمَّى بهذا الاسمِ { مَا أَنْتَ بِنَعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} أي: انْتَفَى ذَلِكَ بِنَعْمَةِ رَبِّكَ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذِه الأربعةِ موجودًا في اللفْظِ قُدِّرَ الكونُ المطلقُ مُتَعَلِّقًا كمَا تَقَدَّمَ في الخبرِ والصِّلَةِ.
ويُسْتَثْنَى مِنْ ذَلكَ خَمْسَةُ أحرفٍ:
الأَوَّلُ: الزائدُ كالباءِ ومِنْ في نحوِ: { كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} و{ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}
الثاني: "لعلَّ" في لغةِ عَقِيلٍ ؛ لأنها بمنزلةِ الزائدِ ألا تَرَى أنَّ مجرورَها في موضعِ رفْعٍ بالابتداءِ بدليلِ ارتفاعِ ما بعدها على الخبريَّةِ.
الثالثُ: "لولا" فيمن قال: "لَوْلَايَ" و"لَوْلَاكَ" و"لَوْلَاهُ" على قولِ سيبويهِ : إنَّ "لَوْلاَ" جارَّةٌ فإنَّها أيضًا بمنزلةِ "لعلَّ" في أنَّ ما بعدَها مرفوعُ المَحَلِّ بالابتداءِ.
الرابعُ: "رُبَّ" في نحوِ: "رُبَّ رجُل ٍصالحٍ لقِيتُ أو لقِيتُهُ" لأنَّ مجرورَها مفعولٌ في الأَوَّلِ ، ومبتدأٌ في الثاني أو مفعولٌ أيضا على حدِّ "زيدًا ضَرَبْتُه" ويُقدَّرُ الناصبُ بعدَ المجرورِ لا قبلَ الجارِّ ؛ لأن "رُبَّ" لها الصدرُ مِنْ بينِ حروفِ الجرِ وإنما دخلَتْ في المثالينِ لإفادةِ التكثيرِ أو التقليلِ لا لتعديةِ عاملٍ ، هذا قولُ الرُّمَّانِيِّ ، وابنِ طَاهِرٍ وقالَ الجمهورُ: هي فيهما حرفُ جرٍّ مُعَدًّ فإن قالُوا إِنَّها عَدَّتِ الفعلَ المذكورَ فخطأٌ ؛ لأنه يتعدَّى بنفسِه ولاستيفائِه مفعولَه في المثالِ الثاني ، وإن قالُوا: عَدَّتْ محذوفًا تقديرُه حصلَ أو نحوُه ففيه تقديرُ ما لا حاجةَ إليه ولم يُلْفَظْ به في وقتٍ.
الخامسُ: حرفُ الاستثناءِ وهو "خَلاَ " و"عَدَا" و"حَاشَا" إذا خَفَضْنَ لما سبَقَ في بابِ الاستثناءِ واللَّهُ تعالى أَعْلَمُ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 09:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


زيادةُ (مَا) بعدَ بعضِ الحروفِ
381- وَبَعْدَ مِنْ وَعَنْ وَبَاءٍ زِيدَ مَا = فَلَمْ يَعُقْ عَنْ عَمَلٍ قَدْ عُلِمَا
382- وَزِيدَ بَعْدَ رُبَّ وَالْكَافِ فَكَفْ = وَقَدْ يَليِهِمَا وَجَرٌّ لَمْ يُكَفْ
تُزادُ كلمةُ (مَا) بعدَ خمسةِ أحْرُفٍ، وهيَ: (مِنْ، وَعَنْ، والباءُ، ورُبَّ، والكافُ)، وهيَ قِسمانِ:
الأوَّلُ: غيرُ كافَّةٍ، فيَبْقَى عمَلُ الحرْفِ، وهوَ الجرُّ، وتُعْرَبُ (مَا) زائدةً، وذلكَ معَ الثلاثةِ الأُولَى.
فمِثالُ (مِن) قولُهُ تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} فـ(مِن): حرْفُ جَرٍّ، و(مَا): زائدةٌ للتوكيدِ، و(خَطِيئَاتِ): اسمٌ مجرورٌ بالكَسرةِ، والهاءُ: مضافٌ إليهِ، والميمُ: علامَةُ الجمْعِ.
ومِثالُ (عَنْ) قولُهُ تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}.
ومِثالُ (الباءِ) قولُهُ تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}.
الثاني: (مَا) الكافَّةُ، وهيَ التي تُزادُ بعدَ (رُبَّ، والكافِ) فتَكُفُّهما عن العمَلِ، والغالبُ على (رُبَّ) المكفوفةِ أنْ تَدْخُلَ على فعْلٍ ماضٍ؛ لأنَّ معناها التكثيرُ والتقليلُ كما تَقَدَّمَ، وهما إنَّما يَكونانِ فيما عُرِفَ حَدُّهُ، والمُسْتَقْبَلُ مجهولٌ؛ نحوُ: رُبَّمَا رَأَيْتُ في الطريقِ سائلاً وهوَ مِن الأغنياءِ، وقدْ تَدْخُلُ على مُضَارِعٍ مُنَزَّلٍ مَنْزِلَةَ الماضي؛ لتَحَقُّقِ وُقوعِهِ؛ كقولِهِ تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}.
ومِن العرَبِ مَنْ يُبْقِيهَا على عَمَلِها معَ وُجودِ (مَا)، فيقولُ: رُبَّ ما جَلِيسٍ أضاعَ عَلَيَّ وَقْتِي، وتكونُ زائدةً فقطْ، وتُكْتَبُ (مَا) مَفصولةً.
وأمَّا الكافُ فإذا اتَّصَلَتْ بها (مَا) كَفَّتْها غالِباً، وأزالَت اختصاصَها بالاسمِ المُفْرَدِ، وهَيَّأَتْهَا للدخولِ على الْجُمَلِ الاسْمِيَّةِ والفِعليَّةِ؛ نحوُ: الجليسُ الصالحُ خيرُ النِّعَمِ كما الجليسُ السُّوءُ شَرُّ الْمَصائِبِ، ونحوُ: الكذِبُ يَهْدِي إلى الفُجورِ كما يُزِيلُ ثِقَةَ الناسِ بِصَاحبِهِ، ومِنْ غيرِ الغالِبِ بَقَاءُ عَمَلِها معَ وُجودِ (مَا)؛ كقولِ الشاعرِ:
ونَنْصُرُ مَوْلانَا ونَعلَمُ أنَّهُ = كما النَّاسِ مَجْرُومٌ عليهِ وَجَارِمُ
وهذا معنى قَوْلِهِ: (وبَعْدَ مِنْ وعَنْ وَبَاءٍ زِيدَ مَا.. إلخ)؛ أيْ: زيدَ لفظُ (مَا) بعدَ (مِنْ وَعَنْ والباءِ)، فلم يَعُقْهَا ولم يَمْنَعْهَا عنْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ لها، وهوَ الجَرُّ، وقدْ زِيدَ هذا الحرفُ أيضاً بعدَ (رُبَّ) وبعدَ الكافِ، فكَفَّهُمَا عن العملِ، وقدْ يَلِيهِمَا ويَقَعُ بَعْدَهُمَا فلا يَكُفُّهُمَا عن العملِ، ومَعْنَى (لم يُكَفْ): لم يُمْنَعْ.

حَذْفُ حرفِ الجرِّ وبَقَاءُ عَمَلِهِ
383- وَحُذِفَتْ رُبَّ فَجَرَّتْ بَعْدَ بَلْ = وَالفَا وَبعْدَ الْوَاوِ شَاعَ ذَا الْعَمَلْ
384- وَقَدْ يُجَرُّ بِسِوَى رُبَّ لَدَى = حَذْفٍ وَبَعْضُهُ يُرَى مُطَّرِدَا
يُحْذَفُ حرْفُ الجرِّ ويَبْقَى معناهُ وعَمَلُهُ كما كانَ معَ وُجودِهِ، وهوَ قِسمانِ:
الأوَّلُ: حذْفُ (رُبَّ)، والثاني: حَذْفُ (غَيْرِ رُبَّ).
فأمَّا حَذْفُ (رُبَّ) فهوَ ثلاثةُ أنواعٍ، وكُلُّها قِياسيَّةٌ:
الأوَّلُ: كثيرٌ، وذلكَ بعدَ (الواوِ)؛ كقولِ الشاعرِ:
وَلَيْلٍ كمَوْجِ البحْرِ أرْخَى سُدولَهُ = عَلَيَّ بأنواعِ الْهُمومِ لِيَبْتَلِي
الثاني: قليلٌ، وذلكَ بعدَ (الفاءِ) و(بلْ)؛ كقولِ الشاعرِ:
فَمِثْلُكِ حُبْلَى قدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ = فأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْوِلِ
وقولِ الآخَرِ:
بلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهْمَهِ
الثالثُ: أقَلُّ ممَّا قَبْلَهُ، وذلكَ بِدُونِ الأحرُفِ المذكورةِ؛ كقولِ الشاعرِ:
رَسْمِ دَارٍ وَقَفْتُ في طَلَلِهْ = كِدْتُ أَقْضِي الحَيَاةَ مِنْ جَلَلِهْ

أمَّا حَذْفُ غيرِ (رُبَّ) فهوَ نوعانِ:
الأَوَّلُ: قِياسيٌّ مُطَّرِدٌ، وهذا لهُ مَوَاضِعُ؛ منها:
1- لفظُ الجلالةِ في القَسَمِ بدونِ عِوَضٍ؛ نحوُ: اللَّهِ لأَفْعَلَنَّ الخيرَ، بجَرِّ لفْظِ الجلالةِ بحرْفِ القسَمِ المحذوفِ؛ أيْ: واللَّهِ.
2- أنْ يكونَ في جوابِ سُؤَالٍ اشتَمَلَ على حرْفٍ مِثلِ الحرفِ المحذوفِ؛ نحوُ: فِي أَيِّ مَدِينَةٍ قَضَيْتَ إجازةَ الأُسْبُوعِ، فَتَقُولُ: مَكَّةَ؛ أَيْ: فِي مَكَّةَ.
3- أنْ يكونَ حرْفُ الجرِّ هوَ (لامَ التعليلِ) الدَّاخِلَةَ عَلَى (كَي) الْمَصدريَّةِ؛ نحوُ: جِئْتُ كَيْ أَستفيدَ؛ أيْ: لِكَيْ أَستفيدَ.
4- أنْ يكونَ الاسمُ المجرورُ بالحرْفِ مَصدراً مُؤَوَّلاً مِنْ (أنَّ) معَ مَعْمُولَيْهَا، أوْ مِنْ (أنْ) والفعْلِ والفاعلِ، وهذا الحذْفُ مَشروطٌ بِأَمْنِ اللَّبْسِ كما تَقَدَّمَ في بابِ الْمُتَعَدِّي واللازِمِ؛ نحوُ: فَرِحْتُ أنَّكَ مُوَاظِبٌ على الصلاةِ، أوْ: أَفْرَحُ أنْ تُوَاظِبَ على الصلاةِ، والتقديرُ: فَرِحْتُ بِمُوَاظَبَتِكَ.
النوعُ الثاني: حَذْفٌ سَمَاعِيٌّ لا يَجوزُ مُحاكاتُهُ؛ لعَدَمِ اطِّرَادِهِ، ومِنْ أمثلتِهِ قولُ رُؤْبَةَ بنِ الْعَجَّاجِ: خَيْرٍ والحمدُ للَّهِ، جواباً لِمَنْ قالَ لهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟
وهذا معنى قولِهِ: (وحُذِفَتْ رُبَّ فجَرَّتْ بعدَ بَلْ.. إلخ)؛ أيْ:
حُذِفَتْ (رُبَّ) وبَقِيَ عَمَلُها، وهوَ الجرُّ، بعدَ الأحرُفِ الثلاثةِ: الواوِ والفاءِ وبلْ. وقدْ شاعَ الحذْفُ وكثُرَ بعدَ الواوِ. وقدْ تُحْذَفُ حُروفٌ أُخْرَى - سِوَى رُبَّ - ويَبْقَى عَمَلُها، وبعضُ حالاتِ الحذْفِ والجرِّ قدْ يَكُونُ مُطَّرِداً.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, زيادة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir