دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > تيسير اللطيف المنان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 رجب 1436هـ/16-05-2015م, 01:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي فصل: في ذكر بعض الآيات الحاثة على القيام بحقوق الله وحقوق الخلق

فصل
في ذكر بعض الآيات الحاثة على القيام بحقوق الله وحقوق الخلق


قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (فصل
في ذكر بعض الآيات الحاثة على القيام بحقوق الله وحقوق الخلق
قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36]
والآيات التي في سورة الإسراء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] إلى قوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 39]
هذه الآيات الكريمة فيها الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والدخول تحت رق عبوديته التي هي غاية شرف العبد، والانقياد لأوامره واجتناب نواهيه محبة له وذلا له، وإخلاصا لله وإنابة له في جميع الحالات وفي جميع العبادات الظاهرة والباطنة، وفيها النهي عن الشرك به شيئا، سواء كان شركا أكبر: بأن يصرف نوعا من أنواع العبادة لغير الله، أو شركا أصغر: مثل وسائل الشرك كالحلف بغير الله والرياء، ونحو ذلك مما يتذرع به إلى الشرك، بل الواجب المتعين إخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، والتدبير الكامل الشامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه أحد.
ثم بعدما أمر بالقيام بحق الله المقدم على كل حق أمر بالقيام بحقوق ذوي الحقوق من الخلق: الأهم فالأهم، فقال: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] أي: أحسنوا إليهم بالقول الكريم، والخطاب اللطيف، وبالفعل: بالقيام بطاعتهما، واجتناب معصيتهما، والحذر من عقوقهما، والإنفاق عليهما، وإكرام من له تعلق بهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من جهتهما.
{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] والأمر بالإحسان إلى الوالدين وإطلاقه يدخل فيه كل ما عده الناس إحسانا، وذلك يختلف باختلاف الأوقات والأحوال والأشخاص.
وفيه النهي عن ضد الإحسان إليهما، وهو أمران: الإساءة والعقوق الذي هو إيصال الأذى القولي والفعلي إليهما، وترك القيام ببعض حقوقهما الواجبة، والأمر الثاني: ترك الإحسان وترك الإساءة، فإن ذلك داخل في العقوق، فلا يسع الولد أن يقول إذا قمت بواجب والدي وتركت معصيتهما فقد قمت بحقهما، فيقال: بل عليك أن تبذل لهما من الإحسان الذي تقدر عليه ما يجعلك في مرتبة الأبرار البارين بوالديهم.
وقوله: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] بيان لبعض الأسباب الموجبة للبر، وأن الوالدين اشتركا في تربية بدنك وروحك بالتغذية والكسوة والحضانة والقيام بكل المؤن، وبالتعليم والإرشاد والإلزام بطاعة الله والآداب والأخلاق الجميلة، وفي هذا دليل على أن كل من له عليك حق تربية - بقيام بمؤنة نفقة وكسوة وغيرها - أن له حقا عليك بالإحسان والبر والدعاء؛ وأعلى من ذلك من له حق عليك بتربية عقلك وروحك تربية علمية تهذيبية أن له الحق الأكبر عليك؛ وهذا من جملة فضائل أهل العلم المعلمين العاملين، ومن حقوقهم على الناس، فإنهم ربما فاقوا في هذه التربية تربية الوالدين بأضعاف مضاعفة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقوله: {وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] أي: أحسنوا إلى أقاربكم القريب منهم والبعيد بالقول والفعل، وأوصلوا لهم من الهدايا والصدقات والبر والإحسان المتنوع ما يشرح صدورهم، وتتيسر به أمورهم، وتكونوا بذلك واصلين، وللأجر من الله حائزين.
{وَالْيَتَامَى} [النساء: 36] هم الذين فقدت آباؤهم وهم صغار، فمن رحمة أرحم الراحمين أمر الناس برحمتهم والحنو عليهم والإحسان إليهم، وكفالتهم وجبر خواطرهم وتأديبهم، وأن يربوهم أحسن تربية كما يربون أولادهم، سواء كان اليتيم ذكرا أو أنثى، قريبا أو غير قريب.
{وَالْمَسَاكِينِ} [النساء: 36] وهم الذين أسكنتهم الحاجة والفقر فلم يحصلوا على كفايتهم ولا كفاية من يمونون، فأمر تعالى بسد خلتهم، ودفع فاقتهم، والحض على ذلك، وقيام العبد بما أمكنه من ذلك من غير ضرر عليه.
{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36] أي: الجار القريب الذي له حق الجوار وحق القرابة.
{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] الذي ليس بقريب، فعلى العبد القيام بحق جاره مطلقا، مسلما كان أو كافرا، قريبا أو بعيدا، بكف أذاه عنه، وتحمل أذاه، وبذل ما يهون عليه ويستطيعه من الإحسان، وتمكينه من الانتفاع بجداره، أو طريق ماء على وجه لا يضر الجار، وتقديم الإحسان إليه على الإحسان على من ليس بجار، وكلما كان الجار أقرب بابا كان آكد لحقه، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره: بالصدقة والهدية والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال؛ تقربا إلى الله وإحسانا إلى أخيه صاحب الحق.
{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36] قيل: هو الرفيق في السفر، وقيل: هو الزوجة، وقيل: هو الرفيق مطلقا في الحضر والسفر، وهذا أشمل، فإنه يشمل القولين الأولين، فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسلامه من مساعدته على أمور دينه ودنياه، والنصح له والوفاء معه في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه؛ وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد.
{وَابْنِ السَّبِيلِ} [النساء: 36] وهو الغريب في غير بلده، سواء كان محتاجا أو غير محتاج، فحث الله على الإحسان إلى الغرباء، لكونهم في مظنة الوحشة والحاجة، وتعذر ما يتمكنون عليه في أوطانهم، فيتصدق على محتاجهم، ويجبر خاطر غير المحتاج بالإكرام والهدية والدعوة والمعاونة على سفره.
{وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] أي: من الرقيق والبهائم بالقيام بكفايتهم، وأن لا يحملوا ما لا يطيقون، وأن يعاونوا على مهماتهم، وأن يقام بتقويمهم وتأديبهم النافع؛ فمن قام بهذه المأمورات فهو الخاضع لربه المتواضع لعباد الله المنقاد لأمر الله وشرعه، الذي يستحق الثواب الجزيل والثناء الجميل؛ ومن لم يقم بذلك فإنه عبد معرض عن ربه، عات على الله، متكبر على عباد الله، معجب بنفسه، فخور بأقواله على وجه الكبر والعجب واحتقار الخلق، وهو في الحقيقة السافل المحتقر.
ولهذا قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36] فهؤلاء ما بهم من الأوصاف القبيحة تحملهم على البخل بالحقوق الواجبة، ويأمرون الناس بأقوالهم وأفعالهم بالبخل، {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 37] أي: من العلم الذي يهتدي به الضالون، ويسترشد به الجاهلون، فيكتمونه عنهم، ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحق؛ فهؤلاء جمعوا بين البخل بالمال والبخل بالعلم، وبين السعي في خسارة أنفسهم والسعي في خسارة غيرهم، وهذه هي صفات الكافرين، ولهذا قال: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 37] أي: كما استهانوا بالحق، وتكبروا على الخلق، واستهانوا بالقيام بالحقوق، أهانهم الله بالعذاب الأليم والخزي الدائم.
وقال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] أي: احذر هذين الخلقين الرذيلين: البخل بالواجبات وفي بذل المال فيما ينبغي بذله فيه، والتبذير بالنفقة فيما لا ينبغي أو زيادة على ما ينبغي، {فَتَقْعُدَ} [الإسراء: 29] إن فعلت ذلك {مَلُومًا} [الإسراء: 29] أي: تلام على ما فعلت من الإسراف، لأن كل عاقل يعرف أن الإسراف مناف للعقل الصحيح؛ كما أنه مناف للشرع، فإن الله جعل الأموال قياما لمصالح الخلق؛ فكما أن منعها وإمساكها عن وضعها فيما جعلت له مذموم فكذلك بذلها في الأمور الضارة، أو الزيادة غير اللائقة في الأمور العادية وغيرها مذموم، لأنه إتلاف للمال بغير مصلحة، وانحراف في حسن التصرف والتدبير، وضعف التدبير وعدم انتظامه مذموم في كل شيء، كما أن حسن التدبير محمود ونافع لفاعله وغيره.
{مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] أي: فارغ اليد، فلا بقي ما في يدك من المال، ولا خلفه مدح وثناء.
وهذا الأمر بإيتاء ذي القربى وغيرهم مع القدرة، فأما مع العدم أو تعذر النفقة الحاضرة فأمر تعالى أن يردوا ردا جميلا، فقال: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: 28] أي: تعرضن عن إعطائهم حاضرا، ولكنك ترجو فيما بعد ذلك تيسير الأمر من الله، {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: 28] أي: لطيفا برفق ووعد بالجميل عند الوجود، واعتذار بعدم الإمكان في الوقت الحاضر، لينقلبوا عنك مطمئنة قلوبهم، عاذرين راجين كما قال تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263]
وهذا من لطف الله بالعباد، أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه؛ لأن انتظار ذلك عبادة، وسبب لحصوله، فإن الله عند ظن عبده به، وكذلك وعدهم أن يعطوهم إذا وجدوا عبادة حاضرة لمن وعدوا، لأن الهم بفعل الخير والحسنة خير، ولهذا ينبغي للعبد أن يفعل ما يقدر عليه من الخير، وينوي فعل ما لم يقدر عليه إذا قدر، ليثاب على ذلك، ولعل الله ييسره له.
وفي قوله: {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا} [الإسراء: 28] فيه: الحث على تعليق القلب والرجاء والطمع بالله، وصرف التعلق بالمخلوقين، فالموفق: في حال الوجود والغنى قلبه متعلق بحمد الله وشكره والثناء عليه، لا ينسى ولا يبطر النعمة، وفي حال الفقد والفقر صابر راض راج من الله فضله وخيره ورحمته، وهذا من أجل عبادات القلوب المقربة إلى علام الغيوب.
{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31] وذلك أن الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها، فنهى الوالدين عن هذا الخلق الذي هو من أرذل الأخلاق وأسقطها: قتل أولادهم خشية من الفقر والإملاق، ففيه عدة جنايات: قتل النفس الذي هو من أعظم الفساد، وأشنع من ذلك قتل الأولاد الذين هم فلذ الأكباد، وسوء الظن برب العالمين، وجهلهم وضلالهم البليغ، إذ ظنوا أن وجودهم يضيق عليهم الأرزاق، فتكفل لهم بقيامه برزق الجميع.
فأين هذا الخلق الشنيع من أخلاق خواص المؤمنين الذين كلما كثرت أولادهم وعوائلهم قوي ظنهم بالله، ورجوا زيادة فضله وقاموا بمؤنتهم مطمئنة نفوسهم، حامدين ربهم أن جعل رزقهم على أيديهم، ومثنين على ربهم إذ أقدرهم على ذلك، وراجين ثواب ذلك عنده، ومشاهدين لمنة الله عليهم بذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم ورغبتهم إلى الله» .
{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] والنهي عن قربان الزنا يشمل النهي عنه وعن جميع دواعيه ومقدماته، كالنظر المحرم، والخلوة بالأجنبية، وخطاب من يخشى الفتنة بخطابه ونحو ذلك؛ ووصف الزنا بأقبح الأوصاف: بأنه فاحشة، أي: جريمة عظيمة تستفحش شرعا وعقلا، لأن فيها انتهاك حرمة الشرع والتهاون به، وفيه إفساد المرأة، وإفساد الأنساب، واختلاط المياه، وفيه إضرار بأهلها وبزوجها وبكل من يتصل بها، وفيه من المفاسد شيء كثير.
وأمر تعالى بإيفاء المكاييل والموازين والمعاملات كلها بالقسط من غير بخس ولا نقص ولا غش ولا كتمان، وفي ضمن ذلك الأمر بالصدق والنصح في جميع المعاملات، فإنه بذلك يصلح الدين والدنيا، ولذلك قال: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [الإسراء: 35] أي: هو خير في الحاضر، وأحسن عاقبة في الآجل، يسلم به العبد من التبعات، وتحل البركة في هذه المعاملة.
وقوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فإن التثبت في الأمور كلها دليل على حسن الرأي وقوة العقل، وبه تتوضح الأمور، ويعرف بعد ذلك هل الإقدام خير أم الإحجام؟ لأن المتثبت لا بد أن يعمل فكره ويشاور في الأمور التي عليه أن يتثبت فيها؛ والفكر والمشاورة اكبر الأسباب لإصابة الصواب والسلامة من التبعة، ومن الندم الصادر من العجلة، ومن عدم استدراك الفارط، ولهذا قال:
{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] أي: لا بد أن تسأل عن حركة هذه الجوارح، وهل هي حركات نافعة بأن وضعت فيما يقرب إلى الله، أم ضارة بأن وجهت إلى معصية الله؟ فليتعاهد العبد بحفظها عن الأمور الضارة ليعد لهذا السؤال جوابا، فمن استعملها بطاعة الله فقد زكاها ونماها، وأثمرت له النعيم المقيم، ومن استعملها في ضد ذلك فقد دساها وأسقطها وأوصلته إلى العذاب الأليم.
وقوله: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: 37] أي: لا تتكبر على الحق، ولا على الخلق، فإن التكبر من أرذل الأخلاق، والمتكبر المعجب بنفسه لن يبلغ ما يظنه وتطمح له نفسه من الخيالات الفاسدة أنه في مقام رفيع على الخلق، بل هو ممقوت عند الله وعند خلقه، مبغوض محتقر قد نزل بخلقه هذا إلى أسفل سافلين، ففاته مطلوبه من كبره وعجبه، وحصل على نقيضه، ومن مضار الكبر أنه صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر» ، والنار مثوى المتكبرين، والكبر هو بطر الحق، وغمط الناس، أي: احتقارهم وازدراؤهم، وهذه الأوامر الحسنة والإرشادات في هذه الآيات من الحكمة العالية التي أوحاها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ وهي من أعظم محاسن الدين، فالدين هو دين الحكمة التي هي معرفة الصواب والعمل بالصواب، ومعرفة الحق والعمل بالحق في كل شيء.
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63]
العبودية لله نوعان: عبودية لربوبية الله وملكه، فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم، فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون، وعبودية لألوهيته ورحمته، وهي عبودية أنبيائه وأوليائه، وهي المراد هنا، ولهذا أضافها إلى اسمه (الرَّحْمَنِ) تنبيها على أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال برحمته بهم ولطفه وإحسانه، فذكر صفاتهم، أكمل الصفات، وبالاتصاف بها يكون العبد متحققا بعبوديته الخاصة النافعة المثمرة للسعادة الأبدية، فوصفهم بأنهم {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] أي: ساكنين متواضعين لله وللخلق، فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده، {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} [الفرقان: 63] أي: خطاب جهل، فإنه أضاف الخطاب لهذا الوصف، {قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63] أي: خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الإثم، ولا يقابلون الجاهل بجهله، وهذا ثناء عليهم بالرزانة والحلم العظيم والعفو عن الجاهل ومقابلة المسيء بالإحسان.
{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] أي: يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له كما قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16] {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} [الفرقان: 65] أي: ادفعه عنا بالعصمة من أسبابه، ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب، {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] أي: ملازما لأهلها ملازمة الغريم لغريمه، {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 66] وهذا منهم على وجه التضرع لربهم، وبيان شدة حاجتهم إليه، وأنه ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب، وليتذكروا منة الله عليهم، فإن صرف الشدة يعظم وقعه بحسب شدتها وفظاعتها.
{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] أي: النفقات الواجبة والمستحبة، {لَمْ يُسْرِفُوا} [الفرقان: 67] أي: يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير وإهمال الحقوق الواجبة، {وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67] فيدخلوا في باب الشح والبخل، وكان إنفاقهم بين الإسراف والتقتير {قَوَامًا} [الفرقان: 67] تقوم به الأحوال؛ فإنهم يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة، وفيما ينبغي من الأمور النافعة على المحتاجين، وفي المشاريع الخيرية، وفي الأمور الضرورية والكمالية الدينية والدنيوية من غير ضرر ولا إضرار، وهذا من اقتصادهم وعقلهم وحسن تدبيرهم.
{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] لا دعاء عبادة ولا دعاء مسألة، بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء، مقبلين عليه معرضين عما سواه، {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} [الفرقان: 68] وهي نفس المسلم والكافر المعاهد، {إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68] كقتل النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه المفارق للجماعة، {وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} [الفرقان: 68] المذكور من الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله والزنا، {يَلْقَ أَثَامًا - يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ} [الفرقان: 68 - 69] أي: العذاب، {مُهَانًا} [الفرقان: 69]
فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها ثابت في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، كذلك لمن أشرك بالله، وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه الثلاثة؛ لكونها كلها من أكبر الكبائر، وأما خلود القاتل بغير حق والزاني، فقد دلت النصوص القرآنية وتواترت الأحاديث النبوية أن جميع المؤمنين وإن دخلوا النار فسيخرجون منها، ولا يخلد فيها مؤمن، فإن الإيمان الكامل يمنع من دخولها، ومطلق الإيمان ولو مثقال ذرة يمنع من الخلود فيها كما تقدم.
ونص الله على ثلاثة هذه الأشياء لأنها أكبر الكبائر، وفسادها كبير، فالشرك فيه فساد الأديان بالكلية، والقتل فيه فساد الأبدان، والزنا فيه فساد الأعراض {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] عن هذه المعاصي وغيرها بأن أقلع عنها في الحال، وندم على فعلها، وعزم عزما جازما أن لا يعود، {وَآمَنَ} [الفرقان: 70] بالله إيمانا صحيحا يقتضي فعل الواجبات، وترك المحرمات، {وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: 70] فيدخل فيه جميع الصالحات من واجب ومستحب.
{فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] بأن يوفقهم للخير، فتبدل أقوالهم وأفعالهم التي كانت مستعدة لفعل السيئات تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيمانا، ومعصيتهم طاعة، وتتبدل نفس السيئات التي عملوها، ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وندما وإنابة وطاعة، تبدل حسنات كما هو ظاهر الآية، وورد فيه حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه، فعددها عليه؛ ثم أبدل مكان كل سيئة حسنة إلى آخر الحديث.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} [الفرقان: 70] لمن تاب، يغفر ذنوبه كلها، {رَحِيمًا} [الفرقان: 70] بعباده إذ دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بالعظائم؛ ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم، {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 71] أي: فليعلم أن توبته في غاية الكمال؛ لأنها رجوع إلى الطريق الموصل إلى الله، الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه، فليخلص فيها، وليخلصها من شوائب الأغراض الفاسدة.
والمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة، وأن تكون على أكمل الوجوه وأجلها؛ لتحصل له ثمراتها الجليلة.
{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] أي: لا يحضرون الزور، أي: القول المحرم والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على كل قول وفعل محرم، كالخوض في آيات الله بالباطل، والجدل الباطل، والغيبة والنميمة، والسب والقذف، والاستهزاء وشرب الخمر، والغناء المحرم، وفرش الحرير والصور، ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فإنهم من باب أولى لا يفعلونه ولا يقولونه؛ وشهادة الزور داخلة في قول الزور.
{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ} [الفرقان: 72] وهو الكلام الذي لا فائدة فيه، دينية ولا دنيوية، ككلام السفهاء ونحوهم، {مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه، ورأوه سفها منافيا لمكارم الأخلاق.
وفي قوله: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ} [الفرقان: 72] إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره، ولا سماعه، ولكن يحصل ذلك بغير قصد، فيكرمون أنفسهم عنه.
{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} [الفرقان: 73] التي أمروا بالاستماع لها والاهتداء بها {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: 73] أي: لم يقابلوها بالإعراض عنها، والصمم عن سماعها، وصرف القلب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها ويصدق، وإنما حال هؤلاء الأخيار عند سماعها كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] يقابلونها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتسليم لها؛ وتجد عندهم آذانا سامعة، وقلوبا واعية، فيزداد بها إيمانهم، ويتم بها يقينهم، وتحدث لهم فرحا ونشاطا واغتباطا، لما يعلمون أنها أفضل المنن الواصلة إليهم من ربهم.
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا} [الفرقان: 74] أي: قرنائنا من أصحاب وأخلاء وأقران وزوجات، {وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74] أي: تقر بهم أعيننا، وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من علو هممهم ومراتبهم أن مقصودهم بهذا الدعاء لذرياتهم أن يطلبوا منه صلاحهم؛ فإن صلاح الذرية عائد إليهم وإلى والديهم؛ لأن النفع يعود على الجميع، بل صلاحهم يعود إلى نفع المسلمين عموما؛ لأن بصلاح المذكورين صلاحا لكل من له تعلق بهم، ثم يتسلسل الصلاح والخير.
{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم، يقتدي بأقوالهم وأفعالهم، ويطمأن إليها لثقة المتقين بعلمهم ودينهم، ويهتدي المهتدون بهم، ومن المعلوم أن الدعاء بحصول شيء دعاء به، وبما لا يتم إلا به، وهذه الدرجة درجة الإمامة في الدين التي لا تتم إلا بالصبر واليقين.
كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] فهذا الدعاء يستلزم من حصول الأعمال الصالحة، والصبر على طاعة الله، وعن معصيته وعلى أقداره المؤلمة، ومن العلم النافع التام الراسخ الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين خيرا كثيرا وعطاء جزيلا.
ولما كانت هممهم وأعمالهم عالية كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم من جنس عملهم فقال: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} [الفرقان: 75] أي: المنازل العالية الرفيعة الجامعة لكل نعيم روحي وبدني بسبب صبرهم على القيام بهذه الأعمال الجليلة، {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} [الفرقان: 75] من ربهم، ومن الملائكة الكرام، ومن بعضهم على بعض، ويسلمون من جميع المنغضات والمكدرات.
والحاصل أن الله وصفهم بالوقار والسكينة، والتواضع له ولعباده، وحسن الأدب، والحلم وسعة الخلق، والعفو عن الجاهلين والإعراض عنهم، ومقابلة إساءتهم بالإحسان، وقيام الليل والإخلاص فيه، والخوف من النار، والتضرع لربهم أن ينجيهم منها، وأنهم يخرجون الواجبات والمستحبات في النفقات على وجه الاقتصاد، وإذا كانوا مقتصدين في النفقات التي جرت عادة أكثر الخلق بالتفريط فيها أو الإفراط، فاقتصادهم وتوسطهم في غيرها من باب أولى، ووصفهم بالسلامة من كبائر الذنوب وفواحشها، وبالتوبة مما يصدر منهم منها.
ومنها الإخلاص لله في عبادته؛ وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية، ولا يفعلونها؛ وأنهم يتنزهون عن اللغو والأقوال الرديئة التي لا خير فيها ولا نفع، وذلك يستلزم كمال إنسانيتهم ومروءتهم، وكمالهم ورفعة نفوسهم عن كل أمر رذيل، وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها، والتفهم لمعانيها، والعمل بها، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها، وأنهم يدعون ربهم بأكمل دعاء ينتفعون به، وينتفع به من يتعلق بهم، وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم، ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم، ووعظهم ونصحهم، لأن من حرص على شيء ودعا الله في حصوله لا بد أن يكون مجتهدا في تحصيله بكل طريق؛ مستعينا بربه في تسهيل ذلك، وأنهم دعوا الله في حصول أعلى الدرجات الممكنة لهم، وهي درجة الإمامة والصديقية.
فلله ما أعلى هذه الصفات، وأرفع هذه الهمم، وأجل هذه المطالب، وأزكى تلك النفوس، ولله فضل الله عليهم، ولطفه بهم الذي أوصلهم إلى هذه المقامات والمنازل، ولله الحمد من جميع عباده؛ إذ بين لهم أوصافهم وحثهم عليها، وأعان السالكين ويسر الطريق لمن سلك رضوانه، والله الموفق المعين). [تيسير اللطيف المنان: 1/54-69]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 رجب 1436هـ/16-05-2015م, 01:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}


قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السَّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): ({خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] هذه الآية الكريمة جامعة لمعاني حسن الخلق مع الناس، وما ينبغي للعبد سلوكه في معاملتهم ومعاشرتهم، فأمر تعالى بأخذ {الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] وهو ما سمحت به أنفسهم، وسهلت به أخلاقهم من الأعمال والأخلاق، بل يقبل ما سهل، ولا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، ولا ما لا يطيقونه، بل عليه أن يشكر من كل أحد ما قابله به من قول وعمل وخلق جميل، وما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم، ويغض طرفه عن نقصهم، وعما أتوا به وعاملوه به من النقص، ولا يتكبر على صغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف، وما تقتضيه الحال الحاضرة، وبما تنشرح له صدورهم، ويوقر الكبير، ويحنو على الصغير، ويجامل النظير.
{وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] وهو كل قول حسن وفعل جميل وخلق كامل للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك: إما تعليم علم ديني أو دنيوي، أو نصيحة أو حث لهم على خير من عبادة الله، وصلة رحم، وبر الوالدين، وإصلاح بين الناس، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى مصلحة دينية أو دنيوية، أو تحذير من ضد ذلك.
ولما كان لا بد للعبد من أذية الجاهلين له بالقول أو بالفعل أمر الله بالإعراض عنهم، وعدم مقابلة الجاهلين بجهلهم، فمن آذاك بقوله أو فعله فلا تؤذه، ومن حرمك فلا تحرمه، ومن قطعك فصله، ومن ظلمك فاعدل فيه، فبذلك يحصل لك من الثواب من الله، ومن راحة القلب وسكونه، ومن السلامة من الجاهلين، ومن انقلاب العدو صديقا، ومن التبوء من مكارم الأخلاق أعلاها، أكبر حظ وأوفر نصيب، قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ - وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35]
ولنقتصر في هذا الموضوع على هذه الآيات، ففيها الهدى والشفاء والخير كله). [تيسير اللطيف المنان: 1/69-70]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir