دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > جامع متون الأحاديث > جامع الأصول من أحاديث الرسول

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 جمادى الأولى 1431هـ/5-05-2010م, 05:04 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي كتاب الصلاة: القسم الثاني: الباب الثاني: النوافل المقرونة بالأسباب (1)

الباب الثاني: في النوافل المقرونة بالأسباب
الفصل الأول: في صلاة الكسوف
4269 - (خ م ط ت د س) عائشة - رضي الله عنها -: قالت: «كسفت الشمس على عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقام النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فصلّى بالناس، فأطال القراءة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه، فأطال القراءة - وهي دون قراءته الأولى - ثم ركع فأطال الركوع، دون ركوعه الأول، ثم رفع رأسه، فسجد سجدتين، ثم قام فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك، ثم قام فقال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله يريهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة».
وفي أخرى نحوه، إلا أنه قال: «فسلّم وقد تجلّت الشمس، فخطب الناس...». ثم ذكر الحديث.
وفي أخرى قال: «خسفت الشمس في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فخرج إلى المسجد، فصفّ الناس وراءه، فكبّر...» وذكر نحوه، إلا أنه قال: «ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم سجد»، وفيه: «وانجلت الشمس قبل أن ينصرف» ثم وصل به حديثا عن كثير بن عبّاس، عن ابن عباس: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلّى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات، ثم قال الزهري: فقلت لعروة: إن أخاك - يوم كسفت الشمس بالمدينة - لم يزد على ركعتين مثل الصبح، قال: أجل؛ لأنه أخطأ السّنّة».
وفي أخرى: «أنه -صلى الله عليه وسلم- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فإذا فرغ من قراءته كبّر فركع، وإذا رفع من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات».
قال: وقال الأوزاعي وغيره عن الزهري عن عروة عن عائشة: «خسفت الشمس على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبعث مناديا: الصلاة جامعة، فقام فصلّى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات».
قال البخاري: تابعه سليمان بن كثير، وسفيان بن حسين عن الزهري في الجهر.
وفي أخرى نحو ما تقدّم في أوله، وفيه: «ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبّر فركع ركوعا طويلا، هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم سجد، ولم يذكر أحد رواية: ثم سجد - ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات - ثم ذكره إلى قوله: فافزعوا إلى الصلاة».
قال: وقال أيضا: فصلّوا حتى يفرّج عنكم، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رأيت في مقامي هذا كلّ شيء وعدتم [به]، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أقدم» وفي رواية: أتقدّم - ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، حين رأيتموني تأخّرت، ورأيت فيها ابن لحيّ، وهو الذي سيّب السّوائب، وانتهت رواية أحدهم عند قوله: «فافزعوا إلى الصلاة».
وفي أخرى قالت: «خسفت الشمس في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام. ثم ذكر الأربع ركعات، وإطالته فيها، وأنّ القيام والركوع في كلّ منها دون ما قبله. وفيه... ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس وحمد الله وأثنى [عليه]، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا، وصلّوا وتصدّقوا، ثم قال: يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله: أن يزني عبده، أو تزني أمته، يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا».
زاد في رواية: «ألا هل بلّغت؟».
وفي أخرى: «ثم رفع يديه فقال: اللهم هل بلّغت؟».
وفي أخرى قالت: «إن يهودية جاءت تسألها؟ فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيعذّب الناس في قبورهم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عائذا بالله من ذلك، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات غداة مركبا، فخسفت الشمس، فرجع ضحى، فمرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين ظهراني الحجر، ثم قام يصلّي، وقام الناس وراءه... ثم ذكر نحو ما تقدّم في عدد الركوع، وطول القيام، وأنّ ما بعد كلّ من ذلك دون ما قبله... وقال في آخره: ثم انصرف، فقال ما شاء الله أن يقول، ثم أمرهم أن يتعوّذوا من عذاب القبر».
وفي أخرى نحوه، وفي آخره: «فقال: إني قد رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال، قالت عمرة: فسمعت عائشة تقول: فكنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك يتعوّذ من عذاب النار، وعذاب القبر». هذه روايات البخاري، ومسلم.
ولمسلم «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلّى ستّ ركعات وأربع سجدات».
وفي أخرى: «أن الشمس انكسفت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقام قياما شديدا، يقوم قائما، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، [ثم يقوم، ثم يركع] ركعتين في ثلاث ركعات وأربع سجدات، فانصرف وقد تجلّت الشمس، وكان إذا ركع قال: الله أكبر، ثم يركع، وإذا رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما من آيات الله يخوّف الله بهما عباده، فإذا رأيتم كسوفا، فاذكروا الله حتى ينجليا».
وأخرج الموطأ الرواية السادسة، وهي التي في آخرها: ذكر الزنى، والرواية السابعة التي فيها: ذكر عذاب القبر.
وأخرج الترمذي الرواية الأولى إلى قوله: «فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك».
وله في أخرى: «أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلّى صلاة الكسوف وجهر بالقراءة فيها».
وأخرج أبو داود قالت: «خسفت الشمس في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد، فقام فكبّر، وصفّ الناس وراءه، فاقترأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قراءة طويلة، ثم كبّر فركع ركوعا طويلا، ثم رفع رأسه، فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبّر فركع ركوعا طويلا، هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك؛ فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف».
وأخرج أيضا نحو الرواية الآخرة التي لمسلم، إلا أنه قال في وسطه بعد قوله: «ركعتين في كل ركعة»: «ثلاث ركعات، يركع الثالثة ثم يسجد، حتى إن رجالا يومئذ ليغشى عليهم مما قام بهم، حتى إن سجال الماء لتصبّ عليهم، يقول إذا ركع: الله أكبر... وذكر الحديث»، وقال في آخره: «يخّوف بهما عباده، فإذا كسفا فافزعوا إلى الصلاة».
وله في أخرى قال: كسفت الشمس على عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بالناس، فقام، فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ سورة البقرة... وساق الحديث، ثم سجد سجدتين، ثم قام فأطال القراءة فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ سورة آل عمران... وساق الحديث من لفظ أبي داود، ولم يذكر لفظ الحديث.
وله في أخرى قالت: «خسفت الشمس على عهد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فبعث مناديا: الصلاة جامعة».
وله في أخرى: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قرأ قراءة طويلة يجهر بها، يعني في صلاة الكسوف».
وفي أخرى: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا وتصدّقوا».
وأخرج النسائي الرواية الثالثة التي فيها: «فصفّ الناس وراءه». والرواية الرابعة التي فيها: ذكر الجهر بالقراءة، والرواية الخامسة التي فيها: ذكر السوائب، والرواية السادسة التي فيها: ذكر الزّنى، والرواية السابعة التي فيها ذكر: عذاب القبر، كالرواية الأولى التي لمسلم والأخرى، إلا أنه ذكر فيها ما ذكره أبو داود فيها.
وأخرج في رواية: «أنه لما كسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ، وأمر فنودي: إن الصلاة جامعة، فقام فأطال القيام في صلاته، قالت عائشة: فحسبته قرأ سورة البقرة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام مثل ما قام، ولم يسجد، ثم ركع فسجد، ثم قام فصنع مثل ما صنع: ركعتين وسجدتين، ثم جلّي عن الشمس».
وله في أخرى: «أنه صلّى في كسوف، في صفّة زمزم: أربع ركعات في أربع سجدات».
وله في أخرى: «خسفت الشمس على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فبعث مناديا ينادي، فنادى: إن الصلاة جامعة، فاجتمعوا واصطفّوا، فصلى بهم أربع ركعات في ركعتين».
وله في أخرى: «أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى أربع ركعات، وأربع سجدات، وجهر فيها بالقراءة، كلما رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد».
وله في أخرى قال: «كسفت الشمس، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا، فنادى: إن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصلّى بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكبّر، ثم قرأ قراءة طويلة، ثم كبّر، فركع ركوعا طويلا، مثل قيامه أو أطول، ثم رفع رأسه، وقال: سمع الله لمن حمده، ثم قرأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبّر، فركع ركوعا طويلا، هو أدنى من الركوع الأول، ثم رفع رأسه، ثم كبّر، فقال: سمع [الله] لمن حمده، ثم كبّر فسجد سجودا طويلا مثل ركوعه أو أطول، ثم كبّر فرفع رأسه، ثم كبّر فسجد، ثم كبّر فقام، فقرأ قراءة طويلة، هي أدنى من الأولى، ثمّ كبّر ثم ركع ركوعا هو أدنى من الرّكوع الأول، ثم رفع رأسه، فقال: سمع الله لمن حمده، ثم قرأ قراءة هي أدنى من القراءة الأولى في القيام الثاني، ثم كبّر فركع ركوعا طويلا، دون الركوع الأول، ثم كبّر فرفع رأسه، فقال: سمع الله لمن حمده، ثمّ كبّر فسجد أدنى من سجوده الأول، ثم تشهد، ثم سلّم فقام فيهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فأيّهما خسف به أو بأحدهما فافزعوا إلى الله عز وجل بذكر الصلاة».

[شرح الغريب]
كسفت: يقال: كسفت الشمس بالفتح، وكسفها الله، يتعدى فعله ولا يتعدى، وكذلك: كسف القمر، والأولى أن يقال: خسف القمر، وقد جاء في الحديث، كسفت الشمس وخسفت، وكسف القمر وخسف.
فاقترأ: الاقتراء: الافتعال من القراءة.
فافزعوا: فزعت إلى الشيء: لجأت إليه، يقال: فزعت إلى فلان فأفزعني، أي: لجأت إليه فألجأني، واستعنت به فأعانني.
عائذ: العائذ: اللاجئ، عذت بفلان: أي لجأت إليه.
قطفا: القطف: العنقود، اسم لكل ما يقطف من الفواكه ونحوها.
يحطم: الحطم: الكسر والدوس.
سيب: السوائب: جمع سائبة، وهي الناقة التي كانوا يسيبونها من إبلهم، فلا تركب ولا تحلب ولا يؤكل لحمها، وقد تقدم شرحها في تفسير سورة المائدة من حرف التاء.
ظهراني الحجر: الحجر: جمع حجرة، يريد بها منازل نسائه. وظهرانيها، بفتح النون أي: بينها، وقد تقدم شرحه مستوفى في حرف الهمزة في كتاب الإيمان.
تفتنون في القبور: الفتنة: الاختبار والامتحان. والمراد بفتنة القبور: مساءلة منكر ونكير.
سجال: السجال: جمع سجل، وهو الدلو إذا كان فيه ماء، قل أو كثر، ولا يقال له وهو فارغ: سجل، ولفظه مذكر، والدلو مؤنثة، هكذا قال الجوهري. وقال الأزهري: السجل: أعظم ما يكون من الدلاء.

4270 - (م د س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: قال: «انكسفت الشمس في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم مات إبراهيم ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم، فقام النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فصلى بالناس ستّ ركعات بأربع سجدات، ثم بدأ فكبّر، ثم قرأ فأطال القراءة، ثم ركع نحوا مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع، فقرأ قراءة دون القراءة الأولى، ثم ركع نحوا مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع، فقرأ قراءة دون القراءة الثانية، ثم ركع نحوا مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع، ثم انحدر بالسجود، فسجد سجدتين، ثم قام أيضا، فركع ثلاث ركعات ليس منها ركعة إلا التي قبلها أطول من التي بعدها، وركوعه نحو من سجوده، ثم تأخّر وتأخرت الصفوف خلفه، حتى انتهينا إلى النساء، ثم تقدّم وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه، فانصرف حين انصرف وقد آصت الشمس، فقال: يا أيها الناس، إنّما الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلّوا حتى تنجلي، ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه، ولقد جيء بالنار، وذلك حين رأيتموني تأخّرت، مخافة أن يصيبني من لفحها، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجرّ قصبه في النار، كان يسرق الحاج بمحجنه، فإن فطن له قال: إنّما تعلّق المحجن، وإن غفل عنه ذهب به، وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا، ثم جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدّمت حتى قمت في مقامي، ولقد مددت يدي، فأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه، ثم بدا لي أن لا أفعل، فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه».
وفي أخرى قال: «كسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم شديد الحرّ، فصلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه، فأطال القيام، حتى جعلوا يخرّون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم سجد سجدتين ثم قام فصنع نحوا من ذلك، فكانت أربع ركعات وأربع سجدات، ثم قال: إنه عرض عليّ كل شيء تولجونه، فعرضت عليّ الجنة، حتى لو تناولت منها قطفا لأخذته - أو قال: تناولت منها قطفا، فقصرت يدي عنه - وعرضت عليّ النار، فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذّب في هرّة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك يجرّ فصبه في النار، وإنهم كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم، وإنهما آيتان من آيات الله يريكموهما، فإذا خسفا فصلّوا حتى تنجلي».
وفي أخرى نحوه، إلا أنه قال: «ورأيت في النار امرأة حميريّة، سوداء طويلة»، ولم يقل: «من بني إسرائيل» أخرجه مسلم.
وأخرج أبو داود الرواية الأولى إلى قوله: «فصلّوا حتى تنجلي، ثم قال... وساق بقية الحديث» ولم يذكر لفظه.
وأخرج الرواية الثانية إلى قوله: «وأربع سجدات، ثم قال... وساق الحديث» ولم يذكر لفظه.
وأخرج النسائي الرواية الثانية، وأسقط منها من قوله: «إنه عرض عليّ كلّ شيء تولجونه - إلى قوله -: يجرّ قصبه في النار»، والباقي مثله، وزاد بعد قوله: «نحوا من ذلك»: فجعل يتقدّم، ثم جعل يتأخّر.

[شرح الغريب]
آضت: آض الشيء: إذا عاد ورجع.
لفحها: لفح النار: حرها ووهجها.
المحجن: شبه الصولجان، وليس به.
قصبه: القصب: واحد الأقصاب، وهي الأمعاء.
خشاش الأرض: حشراتها وهوامها، وقد جاء في الحديث خشاشها أو خشيشها.
تجلت الشمس: إذا انكشفت وخرجت من الكسوف. وكذلك انجلت.

4271 - (خ م ط س) أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما -: قالت: «أتيت عائشة - رضي الله عنها - وهي تصلّي، فقلت: ما شأن الناس؟ فأشارت إلى السماء، فإذا الناس قيام، قالت: سبحان الله، قلت: آية؟ فأشارت برأسها: أي نعم، فقمت حتى تجلاني الغشي، فجعلت أصبّ على رأسي الماء، فحمد الله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأثنى عليه، قال: ما من شيء كنت لم أره إلا رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، وأوحي إليّ: أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء؟ - من فتنة المسيح الدّجال. يقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن - أو الموقن، لا أدري أيّهما قالت أسماء؟ - فيقول: هو محمد، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاءنا بالبيّنات والهدى، فأجبنا واتّبعنا، هو محمد - ثلاثا - فيقال: نم صالحا، قد علمنا إن كنت لموقنا به، وأما المنافق - أو المرتاب، لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته».
وفي حديث زائدة: «لقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعتاقة في كسوف الشمس».
قال البخاري: قالت أسماء: «فانصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد تجلّت الشمس، فحمد الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد : ».
قال البخاري في رواية: وذكر نحو ما قدّمنا، وفيه قالت: فأطال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جدّا، حتى تجلاني الغشي، وإلى جنبي قربة فيها ماء، ففتحتها فجعلت أصبّ منها على رأسي، فانصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد تجلّت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد - ولغط نسوة من الأنصار، فانكفأت إليهنّ لأسكتهنّ - فقلت لعائشة: ما قال؟ قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما من شيء لم أكن رأيته إلا رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة، والنار، ولقد أوحي إليّ: أنكم تفتنون في القبور مثل - أو قريبا - من فتنة الدجال». ثم ذكر نحو ما تقدّم... إلى قوله: «سمعت الناس يقولون شيئا فقلته». قال هشام: وقد قالت لي فاطمة فأوعيته، غير أنها ذكرت ما يغلّط عليه. أخرجه البخاري، ومسلم.
وللبخاري: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلّى صلاة الكسوف، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فسجد، فأطال السجود، ثم رفع، فسجد [فأطال السجود]، ثم انصرف، فقال: قد دنت مني الجنة، حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها، ودنت منّي النار، حتى قلت: أي ربّ، وأنا معهم؟ وإذا امرأة - حسبت أنه قال: تخدشها هرّة - قلت: ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا، لا [هي] أطعمتها، ولا أرسلتها تأكل - قال [نافع]: حسبت أنه قال: من خشيش الأرض - أو خشاش».
قال أبو بكر الإسماعيلي: والصحيح «أو أنا معهم؟» قال: وقد يستخفّ إسقاط ألف الاستفهام في مواضع.
ولمسلم قال: «كسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففزع، فأخطأ بدرع - وفي رواية: فأخذ درعا - حتى أدرك بردائه بعد ذلك، قالت: فقضيت حاجتي، ثم جئت ودخلت المسجد فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائما، فقمت معه، فأطال القيام حتى رأيتني أريد أن أجلس، ثم التفت إلى المرأة الضعيفة، فأقول: هذه أضعف مني فأقوم، فركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فأطال القيام، حتى لو أن رجلا جاء خيّل إليه أنه لم يركع».
وفي رواية عن عروة قال: «لا تقل: كسفت الشمس، ولكن قل: خسفت».
وأخرج الموطأ الرواية الأولى، وأخرج النسائي رواية البخاري إلى قوله: «ثم انصرف».
وللبخاري مختصرا قالت: «لقد أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالعتاقة في كسوف الشمس».
وأخرج أبو داود قالت: «كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يأمر بالعتاقة في صلاة الكسوف».
وحيث لم يخرّج من هذا الحديث بطوله غير هذا القدر، لم نثبت له علامة، وأشرنا إلى ما أخرج منه.

[شرح الغريب]
فانكفأت: الانكفاء: الرجوع من حيث جئت، أو الميل إلى جهة أخرى.

4272 - (خ م ط د ت س) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: قال: «انخسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس معه، فقام قياما طويلا نحوا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلّت الشمس، فقال [-صلى الله عليه وسلم-]: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله، قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئا في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت؟ قال: إني رأيت الجنة، فتناولت عنقودا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار، فلم أر منظرا كاليوم قطّ أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن. قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهنّ الدهر كلّه، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ». أخرجه البخاري، ومسلم.
وقد أخرجه مسلم مختصرا، قال: «إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلّى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات - يعني في كسوف الشمس».
وله في أخرى قال: «صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات». [وقال]: عن عليّ مثل ذلك.
وفي أخرى: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلّى في كسوف، قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد». والأخرى مثلها.
وأخرج الموطأ الرواية الأولى.
وأخرج أبو داود الرواية الآخرة التي لمسلم.
وأخرج النسائي الأولى من المتفق، والأولى من أفراد مسلم، والثانية.
وله وللترمذي: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلّى في كسوف، فقرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم سجد سجدتين». والأخرى مثلها.
وفي رواية لأبي داود قال: «خسفت الشمس، فصلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس معه، فقام قياما طويلا بنحو من سورة البقرة، ثم ركع... وساق الحديث»، ولم يذكر أبو داود لفظه.
وله في أخرى: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلّى في كسوف الشمس». قال أبو داود: مثل حديث عروة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنّه صلّى ركعتين، في كلّ ركعة ركعتين».
وحديث عائشة قد تقدّم ذكره في أول صلاة الكسوف، ولم يذكر أبو داود لفظ ابن عباس.

[شرح الغريب]
تكعكعت: التكعكع: المشي إلى وراء، وقيل: التوقف والاحتباس.

4273 - (خ م س) أبو مسعود البدري - رضي الله عنه -: قال: قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد من الناس، ولكنهما آيتان من آيات الله عزّ وجلّ، فإذا رأيتموها فقوموا فصلّوا». أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
4274 - (خ م س) أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: قال: «خسفت الشمس في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة، حتى أتى المسجد، فقام يصلّي بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته يفعله في صلاة قطّ، ثم قال: إن هذه الآيات التي يرسلها الله، لا تكون لموت أحد، ولا لحياته، ولكنّ الله عزّ وجلّ يرسلها يخوّف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره ودعائه، واستغفاره». أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
[شرح الغريب]
ففزع: فزعت إلى الأمر: لجأت إليه،وقد ذكر.

4275 - (خ م س) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فصلّوا». أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
4276 - (خ م) المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلّوا حتى تنجلي». أخرجه البخاري ومسلم.
4277 - (د س خ م) عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: قال: «انكسفت الشمس في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يكد يركع، ثم ركع فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم رفع، وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم نفخ في آخر سجوده، فقال: أفّ، أفّ، ثم قال: ربّ، ألم تعدني أن لا تعذّبهم، وأنا فيهم؟ ألم تعدني أن لا تعذّبهم وهم يستغفرون؟ ففزع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صلاته وقد أمحصت الشمس». أخرجه أبو داود.
وفي رواية النسائي: قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة، وقام الذين معه، فقام قياما فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه وسجد فأطال السجود، ثم عرف رأسه وجلس فأطال الجلوس، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع رأسه وقام، فصنع في الركعة الثانية مثل ما صنع في الأولى: من القيام، والركوع، والسجود، والجلوس، فجعل ينفخ في آخر سجوده من الركعة الثانية ويبكي، ويقول: لم تعدني هذا وأنا فيهم، لم تعدني هذا، ونحن نستغفرك، ثم رفع رأسه، وانجلت الشمس، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم كسوف أحدهما فاسعوا إلى ذكر الله، والذي نفس محمد بيده، لقد أدنيت الجنة مني حتى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها، ولقد أدنيت منيّ النار حتى لقد جعلت أتّقيها خشية أن تغشاكم، حتى رأيت فيها امرأة من حمير تعذّب في هرّة ربطتها، فلم تدعها تأكل من خشاش الأرض، لا هي أطعمتها، ولا هي أسقتها حتى ماتت، فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت، وإذا ولّت تنهش أليتها، وحتى رأيت فيها صاحب السّبتيّتين أخا بني الدّعداع يدفع بعصى ذات شعبتين في النار، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن الذي كان يسرق الحاجّ بمحجنه متّكئا على محجنه في النار، يقول: أنا سارق المحجن».
وله في أخرى بنحو ذلك، والأولى أتمّ، وفيها: «فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرّها، ورأيت فيها سارق بدنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورأيت فيها أخا بني دعدع سارق الحجيج، فإذا فطن له قال: هذا عمل المحجن، ورأيت فيها امرأة طويلة سوداء تعذّب في هرّة ربطتها، فلم تطعمها ولم تسقها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت، وإن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا انكسفت إحداهما - أو قال: فعل أحدهما شيئا من ذلك - فاسعوا إلى ذكر الله عزّ وجلّ».
وفي أخرى له قال: «انكسفت الشمس، فركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين وسجد سجدتين، [ثم قام فركع ركعتين، وسجد سجدتين]، ثم جلّي عن الشمس، قال: وكانت عائشة تقول: ما سجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سجودا، ولا ركع ركوعا أطول منه».
وأخرج البخاري ومسلم قال: «لما كسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نودي: إن الصلاة جامعة، فركع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ركعتين في سجدة، ثم قام فركع ركعتين في سجدة، ثم جلس، ثم جلّي عن الشمس، فقالت عائشة: ما ركعت ركوعا، ولا سجدت سجودا قطّ [كان] أطول منه».
وفي رواية إلى قوله: «جامعة».

[شرح الغريب]
أمحصت الشمس: معنى أمحصت الشمس، أي: انجلت، وأصل المحص: الخلوص، يقال: محصت الذهب: إذا خلصته مما يشوبه، ومنه التمحيص من الذنوب، وهو التطهير منها.
السبتيتين: يعني بالسبتيتين: النعلين، والسين مكسورة.

4278 - (د س) سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: قال: «بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا، حتى إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاث في عين الناظر من الأفق، اسودّت حتى آضت كأنها تنّومة، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثنّ شأن هذه الشمس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمّته حدثا، قال: فدفعنا فإذا هو بارز، فاستقدم فصلّى، فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قطّ، لا نسمع له صوتا، قال: ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قطّ، لا نسمع له صوتا، قال: ثم سجد كأطول ما سجد بنا في صلاة قطّ، لا نسمع له صوتا، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلّي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، ثم سلّم فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبده ورسوله... ثم ساق ابن يونس خطبة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-» أخرجه أبو داود.
وأخرجه النسائي، ولم يذكر حتى آضت كأنها تنومة وقال فيه: «فدفعنا إلى المسجد، قال: فوافقنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خرج إلى الناس، قال: فاستقدم» والباقي مثله.
وله في أخرى: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خطب حين انكسفت الشمس، فقال: أما بعد...».
وله وللترمذي: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلّى بنا في كسوف لا نسمع له صوتا».
وحيث أخرج الترمذي هذا القدر لم نعلم عليه علامته، وأشرنا إلى ما أخرج منه.

[شرح الغريب]
قيد: القيد، بكسر القاف: القدر.
تنومة: التنومة من نبات الأرض: نبت فيه وفي ثمره سواد قليل.
بارز: قال الخطابي: قوله: بارز براء غير معجمة قبل زاي معجمة، وهو اسم فاعل من البروز الظهور خطأ: وهو تصحيف من الراوي، وإنما هو بأزز، بزاءين معجمتين: أي بجمع كثير. تقول العرب: الفضاء منهم أزز والبيت منهم أزز: إذا غص بهم لكثرتهم وقال الأزهري في كتاب التهذيب، وذكر حديث سمرة بن جندب وقال: بأزز بزاءين أيضا، وفسره بمعناه، وكذلك ذكره الهروي في كتابه، قال: يقال: أتيت الوالي والمجلس أزز، أي: كثير الزحام ليس فيه متسع، ويقال: الناس أزز: إذا انضم بعضهم إلى بعض

4279 - (خ س) أبو بكرة - رضي الله عنه -: قال: «كنا عند النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فانكسفت الشمس، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجرّ رداءه حتى دخل المسجد، وثاب الناس إليه، فصلّى بهم ركعتين حتى انجلت الشمس، فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان لموت أحد، فإذا كان ذلك فصلّوا وادعوا، حتى يكشف ما بكم، وذلك أن ابنا للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- مات، يقال له: إبراهيم، فقال الناس في ذلك».
وفي أخرى مختصرا قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلّى ركعتين». أخرجه البخاري، والنسائي.
إلا أنه قال: «فصلّى بنا»، وقال: «فلما انكسفت الشمس قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوّف الله بهما عباده، وإنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته... وذكر الباقي».
وأخرجه النسائي أيضا إلى قوله: «حتى انجلت».
وله في أخرى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكن يخوّف الله بهما عباده».
وفي أخرى بعد «لحياته»: فإذا «رأيتموهما فصلّوا حتى تنجلي».
وفي أخرى: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلّى ركعتين مثل صلاتكم هذه... وذكر كسوف الشمس».

[شرح الغريب]
ثاب: الناس إلى فلان: أي رجعوا إليه.

4280 - (م د س) عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه -: قال: «كنت أرتمي بأسهم لي بالمدينة في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ انكسفت الشمس، فنبذتها، فقلت: والله لأنظرنّ إلى ما حدث لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كسوف الشمس، قال: فأتيته، وهو قائم في الصلاة، رافع يديه، فجعل يسبّح ويحمد، ويهلّل ويكبّر، ويدعو، حتى حسر عنها، قال: فلما حسر عنها: قرأ سورتين، وصلّى ركعتين». أخرجه مسلم، وأخرجه أبو داود، ولم يذكر: «ويكبّر»، ولا «وهو قائم في الصلاة».
وفي رواية النسائي قال: «بينا أنا أترامى بأسهم لي بالمدينة، إذ انكسفت الشمس، فجمعت أسهمي، وقلت: لأنظرنّ ما أحدث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في كسوف الشمس، فأتيته مما يلي ظهره وهو في المسجد، فجعل يسبّح ويكبّر، ويدعو، حتى حسر عنها، قال: ثم قام فصلّى ركعتين وأربع سجدات».

[شرح الغريب]
أرتمي وترامى: تقول: رميت بالسهم رميا، وراميته مراماة وارتمينا: إذا رميتهم بالسهام عن القسي، قال: ويقال: خرجت أترمى في الأغراض، وفي أصول الشجر: وخرجت أرتمي: إذا رميت القنص.
حسر: الانحسار: الانكشاف.

4281 - (د س) النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -: قال: «كسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعل يصلّي ركعتين ركعتين، ويسأل عنها حتى انجلت الشمس». أخرجه أبو داود.
وفي رواية النسائي قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج يجرّ ثوبه فزعا، حتى أتى المسجد،فلم يزل يصلّي حتى انجلت، قال: إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء، وليس كذلك، إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله -عز وجل-، إن الله إذا بدا لشيء من خلقه خشع له، فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صلّيتموها من المكتوبة».
وله في أخرى: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلّى حين انكسفت الشمس مثل صلاتنا، يركع ويسجد».
وله في أخرى: «أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خرج يوما مستعجلا إلى المسجد، وقد انكسفت الشمس، فصلى حتى انجلت، ثم قال: إن أهل الجاهلية كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا ينخسفان إلا لموت عظيم من عظماء أهل الأرض، وإن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما خليقتان من خلقه، يحدث الله في خلقه ما شاء، فأيهما انخسف فصلّوا حتى تنجلي، أو يحدث الله أمرا».

[شرح الغريب]
كأحدث صلاة: أحدث صلاة، أي: أقرب صلاة إليكم من الصلوات التي صليتموها.
خشع: الخشوع: الخضوع.

4282 - (د) أبيّ بن كعب - رضي الله عنه -: قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصلّى بهم، فقرأ بسورة من الطّول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام الثانية، فقرأ بسورة من الطّول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام الثانية، فقرأ بسورة من الطّول، ثم ركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو، حتى انجلى كسوفها». أخرجه أبو داود.
4283 - (د س) قبيصة بن مخارق الهلالي - رضي الله عنه -: قال: «كسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرج فزعا يجرّ ثوبه، وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين، فأطال فيهما القيام ثم انصرف وانجلت، ثم قال: إنما هذه الآيات يخوّف الله بهما عباده، فإذا رأيتموها فصلّوا كأحدث صلاة صلّيتموها من المكتوبة».
وفي رواية: «إن الشمس كسفت... وذكر بمعناه... حتى بدت النجوم». أخرجه أبو داود.
وفي رواية النسائي قال: «كسفت الشمس ونحن إذ ذاك مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرج فزعا يجرّ ثوبه، فصلى ركعتين أطالهما، فوافق انصرافه انجلاء الشمس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيت الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم من ذلك شيئا، فصلّوا كأحدث صلاة مكتوبة صلّيتموها».
وفي أخرى: «إن الشمس انخسفت، فصلّى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ركعتين ركعتين،حتى انجلت، ثم قال: إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد، ولكنهما خلقان من خلقه، وإن الله عزّ وجلّ يحدث في خلقه ما شاء، وإن الله عزّ وجلّ إذا تجلّى لشيء من خلقه خشع له، فأيهما حدث فصلّوا حتى ينجلي أو يحدث الله أمرا».

4284 - (س) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: «كسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقام فصلّى للناس، فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، وهو دون السجود الأول، ثم قام فصلّى ركعتين، وفعل فيهما مثل ذلك، ثم سجد سجدتين يفعل فيهما مثل ذلك، حتى فرغ من صلاته، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله - عزّ وجلّ وإلى الصلاة». أخرجه النسائي.
4285 - (د) النضر [بن عبد الله بن مطر القيسي]: قال: «كانت ظلمة على عهد أنس، فأتيت أنس بن مالك، فقلت: يا أبا حمزة، هل كان [مثل] هذا يصيبكم على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: معاذ الله، إن كانت الريح لتشتدّ فنبادر المسجد، مخافة أن تكون القيامة». أخرجه أبو داود.
قلت: قال الخطابي في «معالم السنن»: يشبه أن يكون اختلاف الروايات في صلاة الكسوف، وفي عدد ركعاتها: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد صلاها دفعات، فكانت إذا طالت مدة الكسوف مدّ في صلاته، وإذا لم تطل لم يطل.

الفصل الثاني: في صلاة الاستسقاء
4286 - (ت د س) هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة: عن أبيه قال: «أرسلني الوليد بن عقبة - وهو أمير المدينة - إلى ابن عباس يسأله عن استسقاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ [فأتيته] فقال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متبذّلا متواضعا متضرعا، حتى أتى المصلى فرقي المنبر، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرّع والتكبير، ثم صلّى ركعتين كما يصلي في العيد».
وزاد في رواية: «متخشّعا» أخرجه الترمذي، وأخرجه أبو داود، ولم يذكر متبذلا، ولا «متخشّعا»، وقال: روي الوليد بن عقبة، وابن عبتة والصواب: ابن عتبة.
وأخرجه النسائي قال: «أرسلني فلان إلى ابن عباس أسأله عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الاستسقاء؟ فقال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متضرّعا متواضعا متبذّلا، فلم يخطب نحو خطبتكم هذه، فصلّى ركعتين».
وله في أخرى قال: «أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس: أسأله عن الاستسقاء؟ فقال ابن عباس: ما منعه أن يسألني؟ خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواضعا متذّللا متخشّعا متضرّعا، فصلى ركعتين كما يصلّي في العيدين، ولم يخطب خطبتكم هذه». وأخرج الرواية الأولى، وأول حديثه قال: «سألت ابن عباس».

[شرح الغريب]
الاستسقاء: طلب السقي، وقد صار غالبا على طلب الغيث، ومسألة الله تعالى: أن يسقي الناس والدواب والنبات عند تعذر الغيث.
متبذلا: التبذل: ترك التزين، والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة.
متضرعا: التضرع: المبالغة في السؤال والرغبة.

4287 - (خ م د ط ت س) عبد الله بن زيد المازني - رضي الله عنه -: قال: «خرج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا المصلّى يستسقي، فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة، فقلب رداءه».
زاد في رواية: «ثم صلّى ركعتين».
قال البخاري: كان ابن عيينة يقول: هو صاحب الأذان، و[لكنه] وهم؛ لأن هذا عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، مازن الأنصار. أخرجه البخاري، ومسلم.
وفي رواية أبي داود: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج بالناس يستسقي، فصلى بهم ركعتين، جهر بالقراءة فيهما، وحوّل رداءه، فدعا واستسقى واستقبل القبلة».
وله في أخرى قال: «خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما يستسقي، فحوّل إلى الناس ظهره يدعو الله - قال سليمان: واستقبل القبلة وحوّل رداءه، ثم صلى ركعتين، قال ابن أبي ذئب: وقرأ فيهما - زاد ابن السّرح: يريد الجهر. وفي أخرى بهذا الحديث - ولم يذكر الصلاة - قال: وحوّل رداءه، وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن، ثم دعا الله».
وفي أخرى قال: «استسقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعليه خميصة له سوداء، فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت قلبها على عاتقه».
وله في أخرى قال: «خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المصلّى، فاستسقى، وحوّل رداءه حين استقبل القبلة».
وأخرج النسائي الرواية الأولى بالزيادة.
وله في أخرى: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استسقى وعليه خميصة سوداء».
وله في أخرى: «أنه خرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستسقي، فحوّل رداءه، وحول للناس ظهره، ودعا، ثم صلّى ركعتين فقرأ فجهر».
وله في أخرى: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- استسقى، وصلى ركعتين وقلب رداءه».
وفي أخرى: «أنه رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الاستسقاء استقبل القبلة، وقلب الرداء، ورفع يديه».
وأخرج رواية أبي داود الثانية، وروايته الآخرة. وأخرج الموطأ رواية أبي داود الآخرة. وأخرج الترمذي الرواية الأولى.

[شرح الغريب]
الخميصة: كساء أسود له علمان، فإن لم يكن معلما فليس بخميصة.

4288 - (خ) أبو إسحاق [السبيعي]: قال: «خرج عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري، وخرج معه البراء بن عازب، وزيد بن أرقم فاستسقوا، فقام زيد فاستسقى، فقام لهم على رجليه على غير منبر، فاستغفر، ثم صلّى ركعتين، يجهر بالقراءة، ولم يؤذّن ولم يقم». أخرجه البخاري.
4289 - (خ م ط د س) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: «أصابت الناس سنة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبينما النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة قام أعرابي، فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة، فوالذي نفسي بيده، ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت السحاب يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي - أو قال: غيره - فقال: يا رسول الله، تهدّم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجوبة، وسال واد قناة شهرا، ولم يأت أحد من ناحية إلا حدّث بالجود».
وفي أخرى: «أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائما، ثم قال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السّبل، فادع الله يغيثنا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: اللهمّ أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: وطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس، فلما توّسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. قال: فلا والله، ما رأينا الشمس سبتا. قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السّبل، فادع الله يمسكها عنّا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظّراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، قال: فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري».
وفي أخرى قال: «كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة، فقام الناس، فصاحوا، فقالوا: يا رسول الله، قحط المطر، واحمرّت الشجر، وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا، فقال: اللهم اسقنا - مرتين- وايم الله، ما نرى في السماء قزعة من سحاب، فنشأت سحابة فأمطرت، ونزل عن المنبر فصلّى بنا، فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب صاحوا إليه: تهدّمت البيوت، وانقطعت السبل، فادع الله يحبسها عنا، فتبسّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، وتكشّطت المدينة، فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة، وإنها لفي مثل الإكليل». أخرجه البخاري، ومسلم.
وأخرجه البخاري مختصرا قال: «بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة، إذ جاء رجل، فقال: يا رسول الله قحط المطر، فادع الله أن يسقينا، فدعا فمطرنا، فما كدنا أن نصل إلى منازلنا، وما زلنا نمطر إلى الجمعة المقبلة، قال: فقام ذلك الرجل - أو غيره - فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يصرفه عنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم حوالينا ولا علينا، قال: فلقد رأيت السحاب يتقطّع يمينا وشمالا، يمطرون، ولا يمطر أهل المدينة».
وله في أخرى طرف قال: «بينما النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة، إذ قام رجل، فقال: يا رسول الله، هلك الكراع، هلك الشاء، فادع الله أن يسقينا، فمدّ يديه فدعا».
وله طرف آخر: «رفع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يديه حتى رأيت بياض إبطيه».
وله في أخرى قال: «أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يدعون قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى، فأتى الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، بشق المسافر، ومنع الطريق».
وأخرجه مسلم مختصرا قال: «جاء أعرابي إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، وهو على المنبر...» واقتص الحديث. وزاد «ورأيت السحاب يتمزّق كأنه الملاء حين تطوى».
وله في أخرى بنحوه، وزاد: «فألّف الله بين السحاب وملأتنا، حتى رأيت الرجل الشديد تهمّه نفسه أن يأتي أهله».
وفي كتاب الحميدي: «وملأتنا»، وفي كتاب مسلم: «وملتنا»، والذي وجدته في كتاب رزين: «وهلتنا».
وأخرجه البخاري، والموطأ قال: «جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي، وتقطّعت السّبل، فادع الله، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة. قال: فجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، تهدّمت البيوت، وانقطعت السّبل، وهلكت المواشي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم ظهور الجبال والآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، قال: فانجابت عن المدينة انجياب الثوب».
وأخرجه أبو داود قال: «أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبينا هو يخطبنا يوم جمعة، إذ قام رجل، فقال: يا رسول الله هلك الكراع، وهلك الشّاء، فادع الله أن يسقينا، فمدّ يده، ودعا، قال أنس: وإن السّماء لمثل الزّجاجة، فهاجت ريح، ثم أنشأت سحابا، ثم اجتمع، ثم أرسلت السماء عزاليها، فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم نزل نمطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل - أو غيره - فقال: يا رسول الله، تهدّمت البيوت، فادع الله أن يحبسه، فتبسّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: حوالينا، ولا علينا، فنظرت إلى السحاب يتصدّع حول المدينة، كأنه إكليل».
وفي أخرى له نحوه، وفيه: «وقال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه حذاء وجهه، فقال: اللهم اسقنا...» وساق نحوه. هكذا قال أبو داود، ولم يذكر لفظه.
وأخرج النسائي الرواية الأولى، والثانية، ولم يذكر في أولها «من باب كان نحو دار القضاء»، وأخرج الرواية الثالثة، وأخرج رواية الموطأ.
وأخرج رواية أبي داود الثانية، إلا أن أبا داود لم يذكر لفظها.
وذكر النسائي قال: «بينا نحن في المسجد يوم الجمعة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، تقطّعت السّبل، وهلكت الأموال، وأجدبت البلاد، فادع الله أن يسقينا، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه حذاء وجهه، فقال: اللهم اسقنا، فوالله ما نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المنبر حتى أوسعنا مطرا، وأمطرنا ذلك اليوم إلى الجمعة الأخرى، فقام رجل - لا أدري: هو الذي قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: استسق لنا، أم لا؟ فقال: يا رسول الله، انقطعت السّبل، وهلكت الأموال من كثرة الماء، فادع الله أن يمسك عنّا الماء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهمّ حوالينا ولا علينا، ولكن على الجبال، ومنابت الشجر. قال: والله ما هو إلا أن تكلّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك: تمزّق السحاب حتى ما نرى منه شيئا».
وله في أخرى قال: «قحط المطر عاما، فقام بعض المسلمين إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في يوم جمعة، فقال: يا رسول الله، قحط المطر، وأجدبت الأرض، وهلك المال. قال: فرفع يديه وما نرى في السماء سحابة، فمدّ يديه، حتى رأيت بياض إبطيه، يستسقي الله عز وجلّ. قال: فما صلينا الجمعة حتى أهمّ الشابّ القريب الدار الرجوع إلى أهله، فدامت جمعة، فلما كانت الجمعة التي تليها، قالوا: يا رسول الله، تهدّمت البيوت، واحتبس الرّكبان. قال: فتبسّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسرعة ملالة ابن آدم، وقال بيديه: اللهم حوالينا، ولا علينا، فتكشّطت عن المدينة».

[شرح الغريب]
سنة: السنة هاهنا: الجدب والغلاء.
المال: أراد بالمال: المواشي.
قزعة: القزعة - بالتحريك -: القطعة من الغيم، والجمع: قزع.
الجوبة: الموضع المنخفض من الأرض.
بالجود: الجود - بفتح الجيم -: المطر الغزير.
أغثنا: الإغاثة: الإعانة. والمراد به: إعانتهم بإنزال المطر، وليس هو من الغيث، فإن فعل الغيث ثلاثي، تقول: غاث الغيث الأرض: إذا أصابها، وغاث الله البلاد يغيثها غيثا، وغيثت الأرض تغاث، والسؤال منه: غثنا، ومن الغوث: أغثنا.
الآكام: جمع أكمة، وهي الرابية المرتفعة من الأرض.
الظراب: جمع ظرب، وهي صغار الجبال والتلال.
قحوط المطر: احتباسه وتأخره. يقال: قحط المطر وقحط بالفتح والكسر.وأقحط القوم: إذا أصابهم القحط، وهو الجدب، وقحطوا على ما لم يسم فاعله.
تكشطت عن المدينة: الكشط والقشط واحد، وهو قلع الشيء وإزالته. والمراد: انكشاف الغيم عن المدينة.
بشق: المسافر بالباء الموحدة، أي: اشتد.
وقال الخطابي: بشق ليس بشيء، إنما هو لثق من اللثق وهو الوحل، قال: ويحتمل أن يكون مشق أي: صار مزلة وزلقا، والميم والباء متقاربان، وقال غيره: إنما هو بالباء، من قولهم: بشقت الثوب وبشكته: إذا قطعته في خفة، أي: قطع بالمسافر، وجائز أن يكون بالنون من قولهم: نشق الظبي في الحبالة، أي: علق فيها، ورجل بشق: إذا كان يدخل في أمور لا يكاد يتخلص منها.
الإكليل: ما أطاف بالرأس: من عصابة مزينة بجوهر أو خرز ونحوه، أراد: أن الغيم تقطع عن وسط السماء، وصار في آفاقها كالإكليل، وكل شيء أحدق بشيء وأطاف به فهو إكليل له.
الملاء: جمع ملاءة، وهي الإزار، شبه تمزيق الغيم وانضمام بعضه إلى بعض، وانحساره عن المدينة: بالإزار إذا جمعت أطرافه وطوي.
ملتنا: الذي جاء في كتاب الحميدي ملأتنا. وفي كتاب مسلم ملتنا ولم يتعرض الحميدي في غريبه لشرحها، والذي جاء في كتاب رزين هلتنا يعني السحاب، وهو أقرب إلى المعنى، والله أعلم.
وهذه اللفظة لم تجئ إلا في رواية مسلم، ولا أعرف معناها، ونحن نرويها كما سمعناها إلى أن نعرف لها معنى.
السبل: جمع سبيل، وهي الطريق.
المواشي: جمع ماشية، وهي الغنم والبقر والإبل السائمة.
انجابت: أي: انكشفت وتقطعت.
عزاليها: العزالي: جمع العزلاء، وهي فم المزادة.
أجدبت: أجدبت البلاد: إذا وقع فيها الجدب، وهو ضد الخصب، وذلك إذا تأخر الغيث، ولم تنبت الأرض، فغلت الأسعار.

4290 - (د) عائشة - رضي الله عنها -: قالت: «شكا الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلّى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبّر وحمد الله، ثمّ قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبّان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله، يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت الغنيّ، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين، ثم رفع يده، فلم يترك الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حوّل إلى الناس ظهره، وقلب - أو حوّل - رداءه، وهو رافع يده، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلّى ركعتين، فأنشأ الله سحابة، فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكنّ ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أنّ الله على كلّ شيء قدير، وأنّي عبد الله ورسوله». أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
إبان الشيء: وقته وأوانه.
بلاغا: البلاغ: ما يتبلغ به، ويتوصل به إلى الشيء المطلوب.
الكن: ما يرد الحر والبرد من الأبنية والمساكن.

4291 - (خ م ت) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قال: «إن قريشا أبطؤوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأخذتهم سنة، حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة، والعظام، فجاءه أبو سفيان، فقال: يا محمد، جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك هلكوا، فادع الله [لهم]، فقرأ: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخان مبين} [الدخان: 10] ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] يوم بدر».
زاد في رواية: «فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسقوا الغيث، فأطبقت عليهم سبعا، وشكا الناس كثرة المطر، قال: اللهم حوالينا، ولا علينا، فانحدرت السحابة عن رأسه، فسقوا الناس حولهم».
وفي رواية: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لما رأى من الناس إدبارا قال: اللهم سبعا كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حصّت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف...» وذكر الحديث.
وقد تقدّم ذكره في تفسير [سورة الدخان] من كتاب التفسير،من حرف التاء، وقد أخرج الحديث البخاري ومسلم، والترمذي، والرواية الأولى ذكرها البخاري، والمعنى متفق، فلذلك أعلمنا العلائم الثلاث.

[شرح الغريب]
حص: ريش الطائر: إذا حلقه، فشبه هلاك نبات الأرض بالجدب بحلق ريش الطائر.

4292 - (خ م د س) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنّه كان يرفع حتى يرى بياض إبطيه». أخرجه البخاري ومسلم.
ولمسلم قال: «رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه».
وفي أخرى: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- استسقى، فأشار بظهر كفّيه إلى السماء».
وفي رواية أبي داود: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرفع يديه... وذكر الرواية الأولى».
وله في أخرى: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يستسقي هكذا، ومدّ يديه، وجعل بطونهما مما يلي الأرض، حتى رأيت بياض إبطيه».
وأخرج النسائي الرواية الأولى. وله في أخرى إلى قوله: «في الاستسقاء».

4293 - (د ت س) عمير مولى آبي اللحم - رضي الله عنه -: «أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستسقي عند أحجار الزّيت قريبا من الزّوراء، قائما يدعو يستسقي، رافعا يديه قبل وجهه، لا يجاوز بهما رأسه». أخرجه أبو داود.
وأخرجه الترمذي عن عمير مولى آبي اللحم، عن آبي اللحم، وقال: كذا قال قتيبة في هذا الحديث عن آبي اللحم، قال: ولا يعرف له عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلا هذا الحديث الواحد [وعمير مولى آبي اللحم قد روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث، وله صحبة].
ولفظ الترمذي: «أنه رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عند أحجار الزيت يستسقي وهو مقنع بكفّيه يدعو».
وأخرجه النسائي مثل الترمذي رواية ولفظا.

[شرح الغريب]
مقنع: أقنع الرجل يديه: إذا رفعهما، وكذلك أقنع رأسه.

4294 - (د) محمد بن إبراهيم التيمي - رحمه الله -: قال: «أخبرني من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو عند أحجار الزيت باسطا كفّيه». أخرجه أبو داود.
4295 - (د) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: قال: «رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يواكي، فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل، قال: فأطبقت عليهم السماء» أخرجه أبو داود.
وفي رواية ذكرها رزين قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا استسقى قال: اللهم اسق بلادك، وارحم عبادك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثا مريئا مريعا، نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث، قال: وكان إذا استسقى يمد يديه ويجعل بطونهما مما يلي الأرض، ويرفع حتى أرى بياض إبطيه».

[شرح الغريب]
يواكي: الذي جاء في كتاب سنن أبي داود وهو الذي أخرج هذا الحديث عن جابر قال: «رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بواكي» هكذا جاء في الكتاب فيما قرأناه، وبحثت عنه في نسخ أخرى، فوجدته كذلك، والذي جاء في معالم السنن للخطابي، قال جابر: «رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يواكي» بياء معجمة من تحت بنقطتين، قال: ومعناه: التحامل على يديه إذا رفعهما ومدهما في الدعاء، ومنه التوكؤ على العصا، وهو التحامل عليها.
مريئا: المريء: الذي يمرئ، يقال: مرأني الطعام وأمرأني.
قال الفراء: يقال: هنأني الطعام ومرأني، فإذا أتبعوها هنأني قالوا: مرأني بغير ألف، فإذا أفردوها قالوا: أمرأني.
مريعا: قال الخطابي: يروى على وجهين، بالياء والباء، فمن رواه بالياء جعله من المراعة وهي الخصب، يقال منه: مرع المكان: إذا أخصب، فهو مريع، بوزن: قتيل، ومن رواه بالباء، فمعناه: منبتا للربيع، يقال: أربع الغيث يربع، فهو مربع، بوزن: مكرم.
راث: علينا الأمر: إذا أبطأ فهو رائث.

4296 - (ط د) عمرو بن شعيب - رحمه الله -: عن أبيه عن جده: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول إذا استسقى: اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت». أخرجه الموطأ، وأبو داود، إلا أن الموطأ لم يذكر: عن أبيه، عن جده.
4297 - (خ) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس، فقال: اللهم إنا كنا نتوسّل إليك بنبيّك فتسقينا، وإنا نتوسّل إليك بعمّ نبيّك -صلى الله عليه وسلم- فاسقنا فيسقون». أخرجه البخاري.
4298 - (خ) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: «ربما ذكرت قول الشاعر - وأنا أنظر إلى وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستسقي، فما ينزل حتى يجيش كلّ ميزاب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل»
وهو قول أبي طالب.
وفي رواية عبد الله بن دينار، قال: «سمعت ابن عمر يتمثّل بشعر أبي طالب...» وذكر البيت. أخرجه البخاري.

[شرح الغريب]
يجيش: جاش الوادي: إذا دفق جريه وزخر، وكذلك جاش الميزاب يجيش: إذا تدفق بالماء.
ثمال اليتامى عصمة للأرامل: الثمال: الملجأ. والذي يعتمد عليه في الأمور، والأرامل: جمع أرملة، وهي المرأة التي لا زوج لها، بكرا كانت أو ثيبا، تزوجت أو لم تتزوج، وكذلك الأرمل: الرجل، وعصمتهن: ما يعتصمن به: أي يستوثقن به، ويركن إليه.

4299 - (ط) أنس بن مالك - رحمه الله -: بلغه: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: إذا أنشأت بحريّة ثم تشاءمت: فتلك عين غديقة». أخرجه الموطأ.
[شرح الغريب]
أنشأت بحرية: نشأت، وأنشأت: ابتدأت. وأراد بالبحرية: السحاب، وخصها بالبحر، لأن البحر عن المدينة في الجهة اليمانية، وهي الجنوب.
تشاءمت: أي قصدت الشام، وهو الجانب الذي تهب منه الشمال.
عين غديقة: غديقة: تصغير غدقة: أي كثيرة الماء.

4300 - (خ س) عائشة - رضي الله عنها -: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال: اللهم اجعله صيّبا نافعا». أخرجه البخاري، والنسائي.
[شرح الغريب]
صيبا: الصيب: المطر المدرار الدافق.

4301 - (د) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: «أصابنا - ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - مطر، فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه، حتى أصابه من المطر، قلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: إنّه حديث عهد بربّه». أخرجه أبو داود.
الفصل الثالث: في صلاة الجنائز
الفرع الأول: في عدد التكبيرات
4302 - (خ م س ط ت د) أبو هريرة - رضي الله عنه -: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نعى النجاشيّ اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلّى، فصفّ بهم، وكبّر عليه أربع تكبيرات».
وفي رواية: «نعى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النجاشيّ صاحب الحبشة [في] اليوم الذي مات فيه، وقال: استغفروا لأخيكم»، ولم يزد على هذا. أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
وأخرج الأولى الموطأ، والترمذي، وأبو داود.

[شرح الغريب]
نعى النعي.والنعي: خبر الميت.

4303 - (خ م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلّى على أصحمة النجاشيّ، فكبّر عليه أربعا». أخرجه البخاري ومسلم.
4304 - (م د ت س) عبد الرحمن بن أبي ليلى: قال: «كان زيد بن أرقم يكبّر على جنائزنا أربعا، وإنّه كبّر على جنازة خمسا، فسألناه فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكبّرها». أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي.
وفي رواية النسائي: «أن زيد بن أرقم صلّى على جنازة، فكبّر عليها خمسا، وقال: كبّرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-».

4305 - (خ) حميد بن عبد الرحمن: قال: «صلّى بنا أنس، فكبّر ثلاثا، وسلّم، فقيل له، فاستقبل القبلة، وكبّر الرابعة، ثم سلّم». أخرجه البخاري في ترجمة الباب.
4306 - (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبّر على جنازة، فرفع يديه مع أول تكبيرة، وضع اليمنى على اليسرى». أخرجه الترمذي.
4307 - (خ) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «صلّى على سهل بن حنيف، فكبّر، وقال: إنّه شهد بدرا». أخرجه البخاري.
الفرع الثاني: في القراءة والدعاء
4308 - (خ ت د س) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: «أن نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب».
وفي رواية عن طلحة بن عبد الله بن عوف: «أنّ ابن عباس صلّى على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، فقلت له، فقال: إنّه من السّنّة - أو تمام السّنّة -». أخرجه الترمذي، وأخرج أبو داود الثانية.
وأخرج البخاري قال: «صلّيت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال: لتعلموا أنها سنّة».
قال الترمذي في الرواية الأولى: إن إسنادها ليس بالقوي، والصحيح: أنه موقوف.
وفي رواية النسائي قال: «صلّيت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده، فسألته؟ فقال: سنّة وحقّ».

4309 - (س) أبو أمامة - رضي الله عنه -: قال: «السّنّة في الصلاة على الجنازة: أن تقرأ في التكبيرة الأولى بأمّ القرآن مخافتة، ثم تكبّر ثلاثا، والتسليم عند الآخرة». وعن الضحّاك بن قيس بنحو ذلك أخرجه النسائي.
4310 - (ط) نافع - مولى ابن عمر - رضي الله عنهم -: «أن عبد الله بن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة». أخرجه الموطأ.
4311 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا صلّيتم على الميت فأخلصوا له الدعاء». أخرجه أبو داود.
4312 - (ط) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال أبو سعيد المقبري: «إنّه سأل أبا هريرة: كيف يصلّى على الجنازة؟ فقال أبو هريرة: أنا لعمر الله أخبرك: اتّبعها من عند أهلها، فإذا وضعت كبّرت، وحمدت الله، وصلّيت على نبيه، ثم أقول: اللهم [إنّه] عبدك وابن عبدك وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به مني، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده». أخرجه الموطأ.
4313 - (م ت س) عوف بن مالك - رضي الله عنه -: قال: «صلّى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة، فحفظنا من دعائه: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما ينقّي الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة، وأعذه من القبر، أو من عذاب النار». قال عوف: حتى تمنّيت أن أكون [أنا] ذلك الميت.
زاد في رواية: «لدعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له»، وفيها: «بماء وثلج وبرد». أخرجه مسلم.
واختصره الترمذي، قال: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي على ميت، ففهمت من صلاته عليه: اللهم اغفر له وارحمه، واغسله بالبرد كما يغسل الثوب». وأخرج النسائي مثل مسلم.
وله في أخرى: «ونجّه من النار - أو قال: من عذاب القبر».

[شرح الغريب]
نزله: النزل: ما يعد للضيف من طعام وشراب ونحوه.
بماء الثلج والبرد: هذا مبالغة في التنظيف، وقد تقدم تفسيره مستوفى في الدعوات من حرف الدال.

4314 - (د) واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه -: قال: «صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رجل من المسلمين، فسمعته يقول: اللهم إنّ فلان بن فلان في ذمّتك» زاد في رواية: «وحبل جوارك - فقه من فتنة القبر، وعذاب النّار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر له وارحمه، إنّك أنت الغفور الرحيم». أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
ذمتك: الذمةو الذمام: الضمان، تقول: فلان في ذمتي: أي في ضماني وقيل: الذمة والذمام: الأمان والعهد.
حبل جوارك: الحبل: العهد والأمان، ومنه قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا} [آل عمران: 103] أي: بعهده، وكان من عادة العرب أن يخيف بعضها بعضا، فكان الرجل إذا أراد سفرا أخذ عهدا من سيد قبيلة، فيأمن بذلك ما دام في حدودها، حتى ينتهي إلى الآخرى، فيأخذ مثل ذلك، فهذا حبل الجوار.

4315 - (ت س) أبو إبراهيم الأشهلي: قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى على الجنازة قال: اللهم اغفر لحيّنا وميّتنا وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا، وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا». أخرجه الترمذي، والنسائي.
وقال الترمذي: ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وزاد فيه: «اللهم من أحييته منّا فأحيه على الإسلام، ومن توفّيته منّا فتوفّه على الإيمان». قال: وقد روي عن أبي سلمة مرسلا عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.

4316 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: «صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة، فقال: اللهم اغفر لحيّنا وميّتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفّيته منا فتوفّه على الإسلام، اللهمّ لا تحرمنا أجره، ولا تضلّنا بعده». أخرجه أبو داود.
4317 - (د) علي بن شماخ - وقيل: شماس: قال: «شهدت مروان يسأل أبا هريرة: كيف سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي على الجنازة؟ قال: أمع الذي قلت؟ قال: نعم - قال: كلام كان بينهما قبل ذلك - قال أبو هريرة: سمعته يقول: اللهم أنت ربّها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها إلى الإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرّها، وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر لها». أخرجه أبو داود.
4318 - (ط) سعيد بن المسيب: قال: «صليّت وراء أبي هريرة على صبيّ لم يعمل خطيئة قطّ، فسمعته يقول: اللهم أعذه من عذاب القبر». أخرجه الموطأ.
4319 - (خ) الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما -: قال: «يقرأ على الطفل فاتحة الكتاب، ويقول: اللهم اجعله سلفا وفرطا وذخرا وأجرا». أخرجه البخاري في ترجمة باب.
[شرح الغريب]
سلفا وفرطا: إذا مات للإنسان ولد صغير قيل: جعله الله لك سلفا وفرطا، فالسلف: من سلف المال في المبيعات، كأنه قد أسلفه وجعله ثمنا للأجر والثواب، والفرط، المتقدم على القوم لطلب الماء، أي جعله الله متقدما بين يديك، وذخرا عنده.

4320 - (ط) نافع - مولى ابن عمر - رضي الله عنهم -: «أن عبد الله بن عمر كان إذا صلّى على الجنائز يسلّم حتى يسمع من يليه». أخرجه الموطأ.
الفرع الثالث: في الصلاة على الطفال
4321 - (د) البهي: قال: «لما مات إبراهيم ابن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلّى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المقاعد». أخرجه أبو داود.

4322 - (د) عطاء بن أبي رباح: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلّى على ابنه وهو ابن سبعين ليلة». أخرجه أبو داود.
4323 - (ت) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «الطفل لا يصلّى عليه، ولا يرث ولا يورث حتى يستهلّ». أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
يستهل: استهل المولود: إذا بكى عند الولادة وصاح.

4324 - عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: «يصلّى على السّقط، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة». أخرجه....
[شرح الغريب]
السقط: الولد يسقط من بطن المرأة قبل تمامه.

4325 - (د) عائشة - رضي الله عنها -: قالت: «مات إبراهيم ابن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ثمانية عشر شهرا، فلم يصلّ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-». أخرجه أبو داود.
الفرع الرابع: في موقف الإمام
4326 - (د ت) نافع أبو غالب: قال: «كنت في سكّة المربد فمرّت جنازة ومعها ناس كثير، قالوا: جنازة عبد الله بن عمير، فتبعتها، فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على بريذينة، وعلى رأسه خرقة تقيه من الشمس، فقلت: من هذا الدّهقان؟ فقيل: هذا أنس بن مالك، فلما وضعت الجنازة قام أنس فصلّى عليها، وأنا خلفه، لا يحول بيني وبينه شيء، فقام عند رأسه، وكبّر أربع تكبيرات، لم يطل، ولم يسرع، ثم ذهب فقعد، فقيل: يا أبا حمزة، المرأة الأنصارية، فقرّبوها وعليها نعش أخضر، فقام عند عجيزتها، فصلى عليها نحو صلاته على الرجل، ثم جلس، فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، أهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلّي على الجنازة كصلاتك هذه: يكبّر عليها أربعا، ويقوم عند رأس الرجل، وعجيزة المرأة؟ قال: نعم، قال: يا أبا حمزة، غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، غزوت معه حنينا، فخرج المشركون، فحملوا علينا، حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي القوم رجل يحمل علينا، فيذقّنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم، فيبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: إن عليّ نذرا إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربنّ عنقه، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يا رسول الله تبت إلى الله، فأمسك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه لا يبايعه، ليفي الآخر بنذره، قال: فجعل الرجل يتصدّى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقتله، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه لا يصنع شيئا، بايعه، فقال الرجل: يا رسول الله، نذري، فقال: إني لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفي بنذرك، قال: يا رسول الله، ألا أومضت إليّ؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنّه ليس لنبيّ أن يومض، قال أبو غالب: ثم سألت عن صنيع أنس في قيامه على المرأة عند عجيزتها؟ قال: فحدّثوني: أنه إنما كان لأنه لم تكن النّعوش، فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها، يسترها من القوم». أخرجه أبو داود.
وفي رواية الترمذي مختصرا: قال أبو غالب: «صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل، فقام حيال رأسه، ثم جاؤوا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة، صلّ عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم على الجنازة كمقامك منها، ومقامه من الرجل مقامك منه؟ قال: نعم. فلما فرغ قال: احفظوا».

[شرح الغريب]
الدهقان: التانئ الكبير الذي له فلاحون يعملون بين يديه في أعماله: من الفلاحة والزراعة ونحوها.
يحطمنا: الحطم: الكسر والدوس.
يتصدى: التصدي: التعرض للشيء، وقيل: هو الذي يستشرف [الشيء] ناظرا إليه.
أومضت: الإيماض: الإشارة إلى الشيء.
حيال: حيال الشيء: تلقاؤه.
عجيزتها: العجيزة: العجز.

4327 - (خ م د ت س) سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: قال: «لقد كنت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غلاما، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالا هم أسنّ منّي، وقد صليت وراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة [عند] وسطها». أخرجه البخاري ومسلم.
واختصره الترمذي قال: «إنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلّى على امرأة، فقام وسطها».
وفي رواية أبي داود قال: «صليت وراء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها للصلاة وسطها».
وفي رواية لمسلم والنسائي: «صلّيت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم صلّى على أمّ كعب الأنصارية، ماتت وكانت نفساء، فقام عند وسطها».

[شرح الغريب]
نفاسها: نفست المرأة بفتح النون وضمها، إذا ولدت،والنفاس: الولادة، وبفتح النون [لا غير]: إذا حاضت.

4328 - (د س) عمار - مولى الحارث بن نوفل: قال: «شهدت جنازة أمّ كلثوم وابنها، فجعل الغلام مما يلي الإمام - فأنكرت ذلك - وفي القوم ابن عباس، وأبو قتادة، وأبو سعيد، وأبو هريرة، فكلّهم قالوا: إن هذه السّنّة». أخرجه أبو داود.
زاد رزين: «أن يقدّم الذّكر إلى الإمام في الصلاة، ويقدّم إلى القبلة في الدّفن».
وفي رواية النسائي قال: «حضرت جنازة صبيّ وامرأة، فقدّم الصبيّ مما يلي القوم، ووضعت المرأة وراءه، فصلّي عليهما، وفي القوم أبو سعيد الخدري، وابن عباس، وأبو قتادة، وأبو هريرة، فسألتهم عن ذلك؟ فقالوا: السّنّة».

4329 - (س) نافع - مولى ابن عمر - رضي الله عنهم -: زعم «أن ابن عمر صلّى على تسع جنائز جميعا، فجعل الرجال يلون الإمام، والنساء يلين القبلة، فصفّهنّ صفّا واحدا، ووضعت جنازة أمّ كلثوم بنت عليّ امرأة عمر بن الخطاب، وابن يقال له: زيد، وضعا جميعا، والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عباس، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وأبو قتادة، فوضع الغلام ممّا يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس، وأبي هريرة وأبي سعيد، وأبي قتادة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السّنّة».
4330 - (ط) مالك بن أنس: بلغه: «أن عثمان بن عفان، وأبا هريرة، وابن عمر كانوا يصلّون على الجنائز بالمدينة: الرّجال والنساء، فيجعلون الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة». أخرجه الموطأ.
الفرع الخامس: في وقت الصلاة على الجنازة
4331 - (ط) محمد بن أبي حرملة [مولى عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب]: «أن زينب بنت أبي سلمة توفّيت وطارق أمير المدينة، فأتي بجنازتها بعد [صلاة] الصبح، فوضعت بالبقيع، قال: وكان طارق يغلّس بالصبح، قال ابن أبي حرملة: فسمعت عبد الله ابن عمر يقول لأهلها: إمّا أن تصلّوا على جنازتكم الآن، وإما أن تتركوها حتّى ترتفع الشمس». أخرجه الموطأ.

[شرح الغريب]
يغلس: الغلس: ظلمة آخر الليل، والتغليس: فعل الشيء في الغلس.

4332 - (ط خ) نافع - مولى ابن عمر - رضي الله عنهم -: أن عبد الله بن عمر قال: «يصلّى على الجنازة بعد الصبح، وبعد العصر، إذا صلّيتا لوقتهما». أخرجه الموطأ.
وفي رواية ذكرها البخاري في ترجمة باب بغير إسناد قال: «كان ابن عمر لا يصلّي إلا طاهرا، ولا يصلّي عند طلوع الشمس، ولا غروبها، ويرفع يديه».
وأخرج الموطأ أيضا: أن ابن عمر كان يقول: «لا يصلّي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر».

الفرع السادس: في الصلاة على الميت في المسجد
4333 - (م ط ت د س) عائشة - رضي الله عنها -: لما توفي سعد بن أبي وقاص قالت: «ادخلوا به المسجد حتى أصلّي عليه، فأنكر ذلك عليها، فقالت: والله، لقد صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابني بيضاء في المسجد: سهيل وأخيه».
وفي رواية: «فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت: ما أسرع ما نسي الناس» - وفي نسخة: ما أسرع الناس - ما صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد.
وفي رواية: «لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: أن يمرّوا بجنازته في المسجد، فيصلين عليه، ففعلوا، فوقف به على حجرهنّ يصلين عليه، وأخرج من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد، فبلغهنّ أن الناس عابوا ذلك، وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها في المسجد، فبلغ ذلك عائشة، فقالت: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به ! عابوا علينا أن يمروا بجنازته في المسجد، وما صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن البيضاء إلا في جوف المسجد». أخرجه مسلم، وقال: سهيل ابن دعد - وهو ابن البيضاء- أمّه بيضاء.
وفي رواية الموطأ: «أنها أمرت أن يمرّ عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد، حين مات، لتدعو له، فأنكر ذلك الناس عليها، فقالت عائشة: ما أسرع الناس ! ما صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد».
واختصره الترمذي، والنسائي، قالت: «ما صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهل ابن البيضاء إلا في المسجد».
وفي رواية أبي داود مختصرا أيضا قالت: «والله ما صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد».
وفي أخرى: «والله لقد صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابني بيضاء في المسجد: سهيل، وأخيه».

4334 - (ط) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: «صلّي على عمر ابن الخطاب في المسجد». أخرجه الموطأ.
4335 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه -: أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: «من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له - وفي نسخة: فلا شيء عليه -». أخرجه أبو داود.
الفرع السابع: في الصلاة على القبور
4336 - (خ م د) أبو هريرة - رضي الله عنه -: «أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد - أو شابّا - فقدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأل عنها - أو عنه - فقالوا: مات، قال: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: فكأنهم صغّروا أمرها - أو أمره - فقال: دلّوني على قبره، فدلّوه، فصلى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينوّرها لهم بصلاتي عليهم». أخرجه البخاري، ومسلم، واللفظ لمسلم، وأخرجه أبو داود إلى قوله: «فصلّى عليه».

[شرح الغريب]
تقم: القم: الكنس، والقمامة: الكناسة.
آذنتموني: الإيذان: الإعلام بالأمر.

4337 - (م) أنس - رضي الله عنه -: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلى على قبر. أخرجه مسلم.
4338 - (ت) سعيد بن المسيب - رضي الله عنه -: «أن أمّ سعد ماتت والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- غائب، فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر». أخرجه الترمذي.
4339 - (ط س) أبو أمامة بن سهل بن حنيف - رضي الله عنه -: «أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمرضها. قال: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعود المساكين، ويسأل عنهم، فقال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا ماتت فآذنوني بها، فخرج بجنازتها ليلا، فكرهوا أن يوقظوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر بالذي كان من شأنها، فقال: ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ فقالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نوقظك ونخرجك ليلا، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى صفّ بالناس على قبرها، وكبّر أربع تكبيرات». أخرجه الموطأ.
وفي رواية النسائي قال: «اشتكت امرأة بالعوالي مسكينة، فكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يسأل عنها، وقال: إن ماتت فلا تدفنوها حتى أصلّي عليها، فتوفّيت، فجاؤوا بها إلى المدينة بعد العتمة، فوجدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد نام، فكرهوا أن يوقظوه، فصلّوا عليها، ودفنوها ببقيع الغرقد، فلما أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاؤوا، فسألهم عنها؟ فقالوا: قد دفنت يا رسول الله، وقد جئناك فوجدناك نائما، فكرهنا أن نوقظك، قال: فانطلقوا، فانطلق يمشي ومشوا معه، حتى أروه قبرها، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصفّوا وراءه، فصلى عليها، وكبر أربعا».

4340 - (خ م د ت س) [عامر] الشعبي - رحمه الله -: قال: «أخبرني من مرّ مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على قبر منبوذ فأمّهم وصفّهم خلفه، وقال الشيباني: قلت للشعبي: من حدّثك بهذا يا أبا عمرو؟ قال: ابن عباس».
وفي رواية زائدة قال: «أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبرا [منبوذا]، فقالوا: هذا دفن - أو دفنت - البارحة، قال ابن عباس: فصفّنا خلفه، ثم صلى عليها». ومنهم من قال: «إنّه -صلى الله عليه وسلم- قال: أفلا آذنتموني؟ قالوا: دفنّاه في ظلمة الليل، وكرهنا أن نوقظك، فقام فصفّنا خلفه، قال ابن عباس: وأنا فيهم، فصلّى عليها».
وفي أخرى قال: «انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قبر رطب، فصلى عليه وصفّوا خلفه، وكبّر أربعا». أخرجه البخاري ومسلم.
وأخرج أبو داود الرواية الآخرة، وزاد «فقيل له: من حدّثك؟ قال: الثقة، من شهده، عبد الله بن عباس».
وفي رواية الترمذي قال: «أخبرني من رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ورأى قبرا منتبذا، فصفّ أصحابه فصلّوا عليه، فقيل له: من أخبرك؟ فقال: ابن عباس».
وفي رواية النسائي قال: «أخبرني من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-: مرّ بقبر منتبذ فصلّى عليه، وصفّ أصحابه خلفه، قيل: من حدّثك؟ قال: ابن عباس».
وفي أخرى قال: «أخبرني من مرّ مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على قبر منتبذ، فأمّهم وصفّ خلفه، قلت: من هو يا أبا عمرو؟ قال: ابن عباس».

[شرح الغريب]
قبر منبوذ: المنبوذ: المرمي الملقى، أراد: أنه مر بقبر منتبذ عن القبور، فصلى عليه، قال الهروي: ومن رواه بإضافة قبر أراد بقبر شخص منبوذ، والمنبوذ: اللقيط، قلت: ليس لهذه الرواية وجه، فإن [في] رواية هذا الحديث أنه بقبر منتبذ، ورأى قبرا منتبذا، فهذا مما يمنع أنه أراد الإضافة، والله أعلم.

4341 - (س) يزيد بن ثابت - رضي الله عنه -: قال: «إنهم خرجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فرأى قبرا جديدا، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذه فلانة مولاة فلان، فعرفها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ماتت ظهرا، وأنت صائم قائل، فلم نحبّ أن نوقظك بها، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصفّ الناس خلفه، فكبّر عليها أربعا، ثم قال: لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم، إلا - يعني: آذنتموني به - فإن صلاتي له رحمة». أخرجه النسائي.
[شرح الغريب]
قاتل: القاتل: اسم فاعل، من القائلة، وهي شدة الحر.

4342 - (س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلى على قبر امرأة بعدما دفنت». أخرجه النسائي.
4343 - (د س) عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يوما، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف».
وفي رواية: «أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلّى على قتلى أحد بعد ثمان سنين، كالمودّع للأحياء والأموات». أخرجه أبو داود.
وللنسائي قال: «خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما، فصلّى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: إنّي فرطكم، وإنّي شهيد عليكم».

الفرع الثامن: في الصلاة على الغائب
4344 - (خ م س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: «قد توفّي اليوم رجل صالح من الحبش، فهلمّوا فصلّوا عليه، قال: فصففنا، فصلّى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ونحن [صفوف]، وقال أبو الزبير عن جابر: كنت في الصف الثاني» سمّاه في رواية «أصحمة».
وفي رواية: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى على النّجاشي، وكنت في الصف الثاني، أو الثالث». أخرجه البخاري، ومسلم.
ولمسلم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أخا لكم قد مات، فقوموا فصلّوا عليه، قال: فقمنا، فصففنا صفّين».
وله في أخرى قال: «مات اليوم عبد [لله] صالح: أصحمة، فقام فأمّنا وصلّى عليه».
وفي رواية النسائي: «إن أخاكم النجاشيّ قد مات، فصلّوا عليه، فقام فصفّ بنا، كما يصفّ على الجنازة، وصلّى عليه».
وأخرج أيضا رواية مسلم الأولى.
وله في أخرى قال: «كنت في الصف الثاني يوم صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على النجاشي».

4345 - (م ت س) عمران بن حصين - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أخا لكم قد مات، فقوموا فصلّوا عليه - يعني: النجاشيّ -». أخرجه مسلم.
وفي رواية الترمذي: «إن أخاكم النجاشيّ قد مات، فقوموا فصلّوا عليه، فقمنا فصففنا كما يصفّ على الميت، وصلّينا معه كما يصلّى على الميت». وأخرج الروايتين النسائي.

الفرع التاسع: في الصلاة على المحدود، والمديون، ومن قتل نفسه
4346 - (د) أبو برزة الأسلمي - رضي الله عنه -: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يصلّ على ماعز بن مالك، ولم ينه عن الصلاة عليه». أخرجه أبو داود.

4347 - (خ م س ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: «أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بالرّجل المتوفّى عليه الدّين، فيسأل: هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حدّث أنه ترك وفاء [صلّى عليه]، وإلا قال للمسلمين: صلّوا على صاحبكم، قال: فلما فتح الله على رسوله كان يصلّي ولا يسأل عن الدّين، وكان يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفّي من المؤمنين فترك دينا أو كلاّ أو ضياعا، فعليّ وإليّ، ومن ترك مالا فلورثته». أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، والترمذي.
وقد تقدّم في كتاب الدّين من حرف الدال أحاديث في هذا المعنى فلم نعدها.

[شرح الغريب]
كلاّ: الكل: الثقل والدين.
الضياع: بفتح الضاد: العيال.

4348 - (م ت س) جابر بن سمرة - رضي الله عنه -: قال: أتي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- برجل قتل نفسه بمشاقص، فلم يصلّ عليه. أخرجه مسلم، والنسائي، وأخرجه الترمذي، ولم يذكر: المشاقص.
[شرح الغريب]
بمشاقص: المشاقص، جمع مشقص، وهو من النصال ما طال وعرض، وقيل: هو سهم له نصل عريض.

الفرع العاشر: في انتفاع الميت بالصلاة عليه
4349 - (م ت س) عائشة - رضي الله عنها -: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من ميّت تصلّي عليه أمّة من المسلمين، يبلغون مائة، كلّهم يشفعون له، إلا شفّعوا فيه».
قال راويه - وهو عبد الله بن يزيد، رضيع عائشة -: فحدّثت به شعيب بن الحبحاب، فقال: حدّثني به أنس بن مالك عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. أخرجه مسلم.
وأخرجه الترمذي، والنسائي إلى قوله: «إلا شفّعوا فيه».
وقال في رواية أخرى: «مائة فما فوقها».

[شرح الغريب]
رضيع عائشة: الرضيع: الذي تشرب أنت وهو لبنا واحدا، وهو الأخ من الرضاعة.

4350 - (م د) كريب مولى ابن عباس: «أنّ ابن عباس مات له ابن بقديد - أو بعسفان - فقال: يا كريب، انظر ما اجتمع له من الناس، قال: فخرجت، فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال: تقول: هم أربعون؟ قال: قلت: نعم، قال: أخرجوه، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ما من رجل يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا، إلا شفّعهم الله فيه». أخرجه مسلم، وأخرج أبو داود المسند منه فقط.
4351 - (س) الحكم بن فروخ: قال: «صلّى بنا أبو المليح على جنازة، فظننّا أنه قد كبّر، فأقبل علينا بوجهه، فقال: أقيموا صفوفكم، ولتحسن شفاعتكم، قال أبو المليح: حدّثني عبد الله عن إحدى أمّهات المؤمنين - وهي ميمونة زوج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- - قالت: أخبرني النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من ميّت يصلّي عليه أمّة من الناس إلا شفّعوا فيه، فسألت أبا المليح عن الأمّة؟ فقال: أربعون». أخرجه النسائي.
4352 - (د ت) مالك بن هبيرة - رضي الله عنه -: قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ما من مسلم يموت، فيصلّي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب». فكان مالك إذا استقلّ أهل الجنازة جزّأهم ثلاثة صفوف، لهذا الحديث. أخرجه أبو داود.
وفي رواية الترمذي قال: «كان مالك بن هبيرة إذا صلى على جنازة، فتقالّ الناس عليها جزّأهم ثلاثة أجزاء، ثم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من صلّى عليه ثلاثة صفوف أوجب».

[شرح الغريب]
أوجب الرجل: إذا فعل فعلا وجبت له به الجنة أو النار.

الفصل الرابع: في صلوات متفرقة
تحية المسجد
4353 - (خ م ط د ت س) أبو قتادة - رضي الله عنه -: أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركّع ركعتين قبل أن يجلس». أخرجه الجماعة.
وعند أبي داود: «فليصلّ سجدتين».
وله في أخرى زيادة: «ثم ليقعد بعد إن شاء، أو ليذهب لحاجته».
وفي أخرى للبخاري، ومسلم قال: «دخلت المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس بين ظهراني الناس، قال: فجلست، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟ قال: فقلت: يا رسول الله، رأيتك جالسا، والناس جلوس، قال: فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين».

4354 - (خ م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: قال: «كان لي على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- دين، فقضاني وزادني، فدخلت عليه المسجد، فقال: صلّ ركعتين». أخرجه البخاري، ومسلم.
4355 - (د خ م) كعب بن مالك - رضي الله عنه -: قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فصلّى فيه ركعتين، ثم جلس للناس». أخرجه أبو داود.
وهو طرف من حديث توبة كعب بن مالك، وقد ذكر في تفسير سورة براءة في حرف التاء، وقد أخرجه البخاري ومسلم بتمامه.

4356 - (س) أبو سعيد [بن] المعلى - رضي الله عنه -: قال: «كنا نغدو إلى السوق على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنمرّ على المسجد، فنصلّي فيه». أخرجه النسائي.
صلاة الاستخارة

صلاة الاستخارة
4357 - (خ د ت س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها، كما يعلّمنا السورة من القرآن، يقول: إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقدره لي ويسّره لي، ثم بارك لي فيه، اللهم إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عنّي، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضّني به. قال: ويسمّي حاجته». أخرجه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

[شرح الغريب]
الاستخارة في الأمور: طلب الخيرة فيها، واستعلام ما عند الله تعالى فيها.
أستقدرك لكذا، أي: أطلب منك أن تقدرني عليه.
فاقدره لي: قدرت الشيء أقدره: أي قدرته وهيأته، وليلة القدر: هي الليلة التي تقدّر فيها الأرزاق.

صلاة الحاجة
4358 - (ت) عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من كانت له إلى الله حاجة، أو إلى أحد من بني آدم فليتوضّأ وليحسن الوضوء، ثم ليصلّ ركعتين، ثم ليثن على الله، وليصلّ على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ العرش العظيم: الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كلّ برّ، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا همّا إلا فرّجته، ولا حاجة هي لك رضى إلا قضيتها يا أرحم الراحمين». أخرجه الترمذي.

[شرح الغريب]
موجبات رحمتك: ما يوجب الرحمة من الأعمال الصالحة والطاعات.
عزائم مغفرتك: عزائم المغفرة: الأسباب التي يعزم له بها الغفران ويحقّقه.

صلاة التسبيح
4359 - (د ت) عبد الله بن عباس، وأبو رافع - رضي الله عنهم -: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال للعباس بن عبد المطلب: «يا عباس، يا عمّاه، ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أجيزك، ألا أفعل بك؟ عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك: أوّله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سرّه وعلانيته؟ عشر خصال: أن تصلّي أربع ركعات، تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب، وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أوّل ركعة وأنت قائم، قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر - خمس عشرة مرة - ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرا، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا، ثم تهوي ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا، ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات. إن استطعت أن تصلّيها في كلّ يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كلّ جمعة، فإن لم تفعل ففي كلّ شهر مرّة، فإن لم تفعل ففي كلّ سنة مرّة، فإن لم تفعل ففي كلّ عمرك مرّة». أخرجه أبو داود عن ابن عباس.
وله في أخرى عن أبي الجوزاء، حدّثني رجل كانت له صحبة - يرون أنه عبدالله بن عمرو - قال: «ائتني غدا أحبوك، وأثيبك، وأعطيك، حتى ظننت أنه يعطيني عطية، قال: إذا زال النهار فقم فصلّ أربع ركعات... فذكر نحوه، قال: ثم ترفع رأسك - يعني: من السجود - وفي نسخة من السجدة الثانية - فاستو جالسا ولا تقم حتى تسبّح عشرا، وتهلّل عشرا، وتحمد عشرا، وتكبّر عشرا، ثم تصنع ذلك في الأربع ركعات، قال: فإنك لو كنت أعظم أهل الأرض ذنبا غفر لك بذلك، قلت: فإن لم أستطع أن أصلّيها تلك الساعة؟ قال: صلّها من الليل والنهار».
قال أبو داود: رواه أبو الجوزاء عن عبد الله بن عمرو موقوفا.
وفي رواية الأنصاري: «أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لجعفر بهذا... الحديث، فذكر نحوه - قال في السجدة الثانية من الركعة الأولى».
وأخرجه الترمذي عن أبي رافع قال: قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للعباس: «يا عمّ [ألا أصلك] ألا أحبوك، ألا أنفعك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: يا عمّ صلّ أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وسورة، فإذا انقضت القراءة فقل: الله أكبر، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وسبحان الله، خمس عشرة مرة قبل أن تركع... وذكر مثله، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، وهي ثلاثمائة في أربع ركعات، فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج غفرها الله لك، قال: يا رسول الله، ومن لم يستطع أن يقولها في يوم؟ قال: إن لم تستطع أن تقولها في يوم فقلها في جمعة، فإن لم تستطع أن تقولها في جمعة فقلها في شهر، فلم يزل يقول له حتى قال: فقلها في سنة».

[شرح الغريب]
أمنحك المنحة: العطيّة.
أجيزك: الجائزة: ما يعطى الوافد والقاصد، وأصل الجائزة: أن يعطي الرجل الرجل ماء، أو يجيزه ليذهب لوجهه، يقول الرجل إذا ورد ماء لقيّم الماء: أجزني ماء، أي: أعطني ماء حتى أذهب لوجهي، ثم كثر حتى سموا الغبطة: جائزة.
أحبوك: الحباء: العطيّة.


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الصلاة, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir