وَإِنْ قَذَفَ أَهْلَ بَلَدٍ، أَوْ جَمَاعَةً لاَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُمُ الزِّنَا عَادَةً عُزِّرَ، وَيَسْقُطُ حَدُّ الْقَذْفِ بِالْعَفْوِ، وَلاَ يُسْتَوْفَى بِدُونِ الطَّلَبِ.
قوله: «وَإِنْ قَذَفَ أَهْلَ بَلَدٍ أَوْ جَمَاعةً لا يُتَصَوَّرُ منهُمُ الزِّنَا عَادةً عُزِّرَ» كرجل وقف على باب القرية، وقال: كلكم يا أهل هذا البلد زناة فلا يحد للقذف؛ لأن هذا عار عليه هو؛ لأن الناس لا يتصور أن يتهموا أهل القرية بما رماهم به، فهو لم يدنس أعراضهم، ولا يهتمون بذلك، بل إنه لو فعل هذا لعدوه مجنوناً، ولكن يعزر، وكذلك لو قذف جماعة لا يتصور الزنا منهم عادة، مثل ما لو قذف مائة رجل فلا يحد؛ لأنهم لا يلحقهم العار، ولكن يعزر، أما إذا كان يتصور منهم الزنا أو اللواط عادة فإنه يحد حد القذف؛ لأن الغضاضة تلحق بهم.
فلو كان أهل البلد قليلين، كثلاثة رجال وزوجاتهم فقط؛ لأنهم رحلوا عنه فقذفهم، فهل يحد؟ نعم، يحد، فمراد الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في ذلك أهل البلد الذين هم كثرة لا يلحقهم العار بقذفهم.
قوله: «وَيَسْقُطُ حَدُّ القَذْفِ بِالْعَفْوِ، ولاَ يُسْتَوْفَى بِدُونِ الطَّلَبِ» لأنه حق للمقذوف، وإذا كان حقاً للمقذوف فلم يطالب به لم يحد القاذف، وهل يعزر؟ ظاهر كلامهم لا يعزر؛ لأنه حق للمقذوف، والمقذوف ما طالب، لكن إن رأى ولي الأمر أن يعزره فَعَلَ باعتبار إصلاح المجتمع على سبيل العموم، وعدم إلقاء مثل هذه العبارات عندهم.
وقوله: «ويسقط حد القذف بالعفو» ظاهر كلامه ولو كان بعد رفعه إلى الإمام أو الحاكم؛ لأنه حق محض للمقذوف، بخلاف السرقة فإن الرجل لو سُرق ماله فإن له أن لا يطالب السارق، والإمام لا يتعرض للسارق ما دام المسروق منه لم يطالبه، ولكن إذا رفع الأمر إلى وليّ الأمر فإنه لا يملك إسقاطه، والفرق بينهما ظاهر؛ لأن السرقة فيها شائبتان: شائبة حق الآدمي وهو ضمان المال، وشائبة قطع اليد وهو حق الله عزّ وجل، فلهذا صار بَيْنَ بَيْنَ، فإن رُفع إلى القاضي لم يملك المسروق منه إسقاطه، وإن لم يُرفع فله أن لا يطالب.