دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الأقسام العامة > المنتديات > المنتدى العام

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 جمادى الآخرة 1432هـ/18-05-2011م, 06:42 PM
الصورة الرمزية محمد بدر الدين سيفي
محمد بدر الدين سيفي محمد بدر الدين سيفي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: الجزائر(صانها الله تعالى وسائر بلاد المسلمين)
المشاركات: 1,159
افتراضي [الْعِلْمُ وَالْحِلْمُ وَالْوَقَارُ وَالسَّكِينَةُ] للعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى..

بسم الله الرحمن الرحيم



قال العلامة ابن القيم-رحمه الله تعالى- كما في [إعلام الموقعين عن رب العالمين: (4 / 153-156)]:



[الْعِلْمُ وَالْحِلْمُ وَالْوَقَارُ وَالسَّكِينَةُ]


وَأَمَّا قَوْلُهُ-أي: العلامة ابن بطة رحمه الله تعالى-: " أَنْ يَكُونَ لَهُ حِلْمٌ وَوَقَارٌ وَسَكِينَةٌ " فَلَيْسَ صَاحِبُ الْعِلْمِ وَالْفُتْيَا إلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُ إلَى الْحِلْمِ وَالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ؛ فَإِنَّهَا كِسْوَةُ عِلْمِهِ وَجَمَالِهِ، وَإِذَا فَقَدَهَا كَانَ عِلْمُهُ كَالْبَدَنِ الْعَارِي مِنْ اللِّبَاسِ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا قُرِنَ شَيْءٌ إلَى شَيْءٍ أَحْسَنُ مِنْ عِلْمٍ إلَى حِلْمٍ.



وَالنَّاسُ هَهُنَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، فَخِيَارُهُمْ مِنْ أُوتِيَ الْحِلْمَ وَالْعِلْمَ، وَشِرَارُهُمْ مِنْ عَدَمِهِمَا، الثَّالِثُ: مِنْ أُوتِيَ عِلْمًا بِلَا حِلْمٍ، الرَّابِعُ: عَكْسُهُ فَالْحِلْمُ زِينَةُ الْعِلْمِ وَبَهَاؤُهُ وَجَمَالُهُ.


وَضِدُّ الطَّيْشِ وَالْعَجَلَةِ وَالْحِدَةِ وَالتَّسَرُّعِ وَعَدَمِ الثَّبَاتِ؛ فَالْحَلِيمُ لَا يَسْتَفِزُّهُ الْبَدَوَاتُ، وَلَا يَسْتَخِفُّهُ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، وَلَا يُقْلِقُهُ أَهْلُ الطَّيْشِ وَالْخِفَّةِ وَالْجَهْلِ.


بَلْ هُوَ وَقُورٌ ثَابِتٌ ذُو أَنَاةٍ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ وُرُودِ أَوَائِلِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ وَلَا تَمْلِكُهُ أَوَائِلُهَا، وَمُلَاحَظَتُهُ لِلْعَوَاقِبِ تَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ تَسْتَخِفَّهُ دَوَاعِي الْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ؛ فَبِالْعِلْمِ تَنْكَشِفُ لَهُ مَوَاقِعُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، وَبِالْحِلْمِ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَثْبِيتِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْخَيْرِ فَيُؤْثِرُهُ وَيَصِيرُ عَلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّرِّ فَيَصْبِرُ عَنْهُ؛ فَالْعِلْمُ يُعَرِّفُهُ رُشْدَهُ وَالْحِلْمُ يُثَبِّتُهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا شِئْتَ أَنْ تَرَى بَصِيرًا بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى هَذَا وَلَا عَنْ هَذَا رَأَيْته، وَإِذَا شِئْتَ أَنْ تَرَى صَابِرًا عَلَى الْمَشَاقِّ لَا بَصِيرَةَ لَهُ رَأَيْتَهُ، وَإِذَا شِئْتَ أَنْ تَرَى مِنْ لَا صَبْرَ لَهُ وَلَا بَصِيرَةَ رَأَيْتَهُ، وَإِذَا شِئْتَ أَنْ تَرَى بَصِيرًا صَابِرًا لَمْ تَكَدْ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَقَدْ رَأَيْتَ إمَامَ هُدًى حَقًّا فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ.


وَالْوَقَارُ وَالسَّكِينَةُ ثَمَرَةُ الْحِلْمِ وَنَتِيجَتُهُ.


وَلِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى السَّكِينَةِ وَحَقِيقَتِهَا وَتَفَاصِيلِهَا وَأَقْسَامِهَا نُشِيرُ إلَى ذَلِكَ بِحَسَبِ عُلُومِنَا الْقَاصِرَةِ، وَأَذْهَانِنَا الْجَامِدَةِ، وَعِبَارَاتِنَا النَّاقِصَةِ، وَلَكِنْ نَحْنُ أَبْنَاءُ الزَّمَانِ، وَالنَّاسُ بِزَمَانِهِمْ أَشْبَهُ مِنْهُمْ بِآبَائِهِمْ، وَلِكُلِّ زَمَانٍ دَوْلَةٌ وَرِجَالٌ.




[حَقِيقَةُ السَّكِينَةِ]


فَالسَّكِينَةُ فَعِيلَةٌ مِنْ السُّكُونِ، وَهُوَ طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ وَاسْتِقْرَارُهُ، وَأَصْلُهَا فِي الْقَلْبِ، وَيَظْهَرُ أَثَرُهَا عَلَى الْجَوَارِحِ، وَهِيَ عَامَّةُ وَخَاصَّةٌ.


فَسَكِينَةُ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - أَخَصُّ مَرَاتِبِهَا وَأَعْلَى أَقْسَامِهَا كَالسَّكِينَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَقَدْ أُلْقِيَ فِي الْمَنْجَنِيقِ مُسَافِرًا إلَى مَا أَضْرَمَ لَهُ أَعْدَاءُ اللَّهِ مِنْ النَّارِ، فَلِلَّهِ تِلْكَ السَّكِينَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَلْبِهِ حِينَ ذَلِكَ السَّفَرِ، وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي حَصَلَتْ لِمُوسَى وَقَدْ غَشِيَهُ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ مِنْ وَرَائِهِمْ وَالْبَحْرُ أَمَامَهُمْ وَقَدْ اسْتَغَاثَ بَنُو إسْرَائِيلَ: يَا مُوسَى إلَى أَيْنَ تَذْهَبُ بِنَا؟ هَذَا الْبَحْرُ أَمَامَنَا وَهَذَا فِرْعَوْنُ خَلْفَنَا، وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ وَقْتَ تَكْلِيمِ اللَّهِ لَهُ نِدَاءً وَنِجَاءً كَلَامًا حَقِيقَةً سَمِعَهُ حَقِيقَةً بِأُذُنِهِ، وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ وَقَدْ رَأَى الْعَصَا ثُعْبَانًا مُبِينًا، وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْهِ وَقَدْ رَأَى حِبَالَ الْقَوْمِ وَعِصِيَّهُمْ كَأَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً، وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي حَصَلَتْ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ عَدُوُّهُمَا وَهُمَا فِي الْغَارِ فَلَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ إلَى تَحْتِ قَدَمَيْهِ لَرَآهُمَا، وَكَذَلِكَ السَّكِينَةُ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي مَوَاقِفِهِ الْعَظِيمَةِ وَأَعْدَاءُ اللَّهِ قَدْ أَحَاطُوا بِهِ كَيَوْمِ بَدْرٍ وَيَوْمِ حُنَيْنٍ وَيَوْمِ الْخَنْدَقِ وَغَيْرِهِ؛ فَهَذِهِ السَّكِينَةُ أَمْرٌ فَوْقَ عُقُولِ الْبَشَرِ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِهِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَصَائِرِ، فَإِنَّ الْكَذَّابَ - وَلَا سِيَّمَا عَلَى اللَّهِ - أَقْلَقُ مَا يَكُونُ وَأَخْوَفُ مَا يَكُونُ وَأَشَدُّهُ اضْطِرَابًا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ؛ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلرُّسُلِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - مِنْ الْآيَاتِ إلَّا هَذِهِ وَحْدَهَا لَكَفَتْهُمْ.



[السَّكِينَةُ الْخَاصَّةُ]


وَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَتَكُون لِأَتْبَاعِ الرُّسُلِ بِحَسَبِ مُتَابَعَتِهِمْ، وَهِيَ سَكِينَةُ الْإِيمَانِ، وَهِيَ سَكِينَةٌ تُسَكِّنُ الْقُلُوبَ عَنْ الرَّيْبِ وَالشَّكِّ، وَلِهَذَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي أَصْعَبِ الْمَوَاطِنِ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إلَيْهَا {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح: 4] فَذَكَرَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ بِالْجُنُودِ الْخَارِجَةِ عَنْهُمْ وَالْجُنُودِ الدَّاخِلَةِ فِيهِمْ، وَهِيَ السَّكِينَةُ عِنْدَ الْقَلِقِ وَالِاضْطِرَابِ الَّذِي لَمْ يَصْبِرْ عَلَيْهِ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَذَلِكَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ بِإِنْزَالِهَا أَحْوَجَ مَا كَانُوا إلَيْهَا: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18] لَمَّا عَلِمَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْقَلِقِ وَالِاضْطِرَابِ لَمَّا مَنَعَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ مِنْ دُخُولِ بَيْتِ اللَّهِ، وَحَبَسُوا الْهَدْيَ عَنْ مَحِلِّهِ، وَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِمْ تِلْكَ الشُّرُوطَ الْجَائِرَةَ الظَّالِمَةَ، فَاضْطَرَبَتْ قُلُوبُهُمْ، وَقَلِقَتْ وَلَمْ تُطِقْ الصَّبْرَ، فَعَلِمَ - تَعَالَى - مَا فِيهَا، فَثَبَّتَهَا بِالسَّكِينَةِ رَحْمَةً مِنْهُ وَرَأْفَةً وَلُطْفًا، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَتَحْتَمِلُ الْآيَةَ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - عَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْخَيْرِ وَمَحَبَّتِهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ فَثَبَّتَهَا بِالسَّكِينَةِ وَقْتَ قَلَقِهَا وَاضْطِرَابِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ تَعُمُّ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ أَنَّهُ عَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِمَّا يَحْتَاجُونَ مَعَهُ إلَى إنْزَالِ السَّكِينَةِ وَمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ إنْزَالِهَا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: 26] لَمَّا كَانَتْ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ تُوجِبُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ مَا يُنَاسِبُهَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ سَكِينَةً تُقَابِلُ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِي أَلْسِنَتِهِمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى مُقَابِلَةً لِمَا تُوجِبُهُ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ كَلِمَةِ الْفُجُورِ، فَكَانَ حَظُّ، الْمُؤْمِنِينَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكَلِمَةَ التَّقْوَى عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، وَحَظُّ أَعْدَائِهِمْ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكَلِمَةُ الْفُجُورِ وَالْعَدُوَّانِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ؛ فَكَانَتْ هَذِهِ السَّكِينَةُ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ جُنْدًا مِنْ جُنْدِ اللَّهِ أَيَّدَ بِهَا اللَّهُ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي مُقَابَلَةِ جُنْدِ الشَّيْطَانِ الَّذِي فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ وَأَلْسِنَتِهِمْ.


وَثَمَرَةُ هَذِهِ السَّكِينَةِ الطُّمَأْنِينَةُ لِلْخَيْرِ تَصْدِيقًا وَإِيقَانًا وَلِلْأَمْرِ تَسْلِيمًا وَإِذْعَانًا، فَلَا تَدَعْ شُبْهَةً تُعَارِضُ الْخَيْرَ وَلَا إرَادَةً تُعَارِضُ الْأَمْرَ، فَلَا تَمُرُّ مُعَارَضَاتُ السُّوءِ بِالْقَلْبِ إلَّا وَهِيَ مُجْتَازَةٌ مِنْ مُرُورِ الْوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِيَّةِ الَّتِي يُبْتَلَى بِهَا الْعَبْدُ لِيَقْوَى إيمَانُهُ، وَيَعْلُوَ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانُهُ، بِمُدَافَعَتِهَا وَرَدِّهَا وَعَدَمِ السُّكُونِ إلَيْهَا، فَلَا يَظُنُّ الْمُؤْمِنُ أَنَّهَا لِنَقْصِ دَرَجَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ.



فَصْلٌ:[السَّكِينَةُ عِنْدَ الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ الْعُبُودِيَّةِ]


وَمِنْهَا السَّكِينَةُ عِنْدَ الْقِيَامِ بِوَظَائِف الْعُبُودِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي تُوَرِّثُ الْخُضُوعَ وَالْخُشُوعَ وَغَضَّ الطَّرَفِ وَجَمْعِيَّةَ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بِحَيْثُ يُؤَدِّي عُبُودِيَّتَهُ بِقَلْبِهِ وَبَدَنِهِ، وَالْخُشُوعُ نَتِيجَةُ هَذِهِ السَّكِينَةِ وَثَمَرَتُهَا، وَخُشُوعُ الْجَوَارِحِ نَتِيجَةُ خُشُوعِ الْقَلْبِ، وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ «لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» .


فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ ذَكَرْتَ أَقْسَامَهَا وَنَتِيجَتَهَا وَثَمَرَتَهَا وَعَلَامَتَهَا، فَمَا أَسْبَابُهَا الْجَالِبَةُ لَهَا؟



[أَسْبَابُ السَّكِينَةِ]


قُلْتُ: سَبَبُهَا اسْتِيلَاءُ مُرَاقَبَةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ جَلَّ جَلَالُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَكَلَّمَا اشْتَدَّتْ هَذِهِ الْمُرَاقَبَةُ أَوْجَبَتْ لَهُ مِنْ الْحَيَاءِ وَالسَّكِينَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ مَا لَا يَحْصُلُ بِدُونِهَا، فَالْمُرَاقَبَةُ أَسَاسُ الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ كُلِّهَا وَعَمُودُهَا الَّذِي قِيَامُهَا بِهِ، وَلَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُصُولَ أَعْمَالِ الْقَلْبِ، وَفُرُوعَهَا كُلَّهَا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ فِي الْإِحْسَانِ «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ» فَتَأَمَّلْ كُلَّ مَقَامٍ مِنْ مَقَامَاتِ الدِّينِ، وَكُلَّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، كَيْف تَجِدُ هَذَا أَصْلُهُ وَمَنْبَعُهُ؟ .


وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْعَبْدَ مُحْتَاجٌ إلَى السَّكِينَةِ عِنْدَ الْوَسَاوِسِ الْمُعْتَرِضَةِ فِي أَصْلِ الْإِيمَانِ لِيَثْبُتَ قَلْبُهُ وَلَا يَزِيغَ، وَعِنْدَ الْوَسَاوِسِ وَالْخَطِرَاتِ الْقَادِحَةِ فِي أَعْمَالِ الْإِيمَانِ لِئَلَّا تَقْوَى وَتَصِيرَ هُمُومًا وَغُمُومًا وَإِرَادَاتٌ يَنْقُصُ بِهَا إيمَانُهُ، وَعِنْدَ أَسْبَابِ الْمَخَاوِفِ عَلَى اخْتِلَافِهَا لِيَثْبُتَ قَلْبُهُ وَيَسْكُنُ جَأْشُهُ، وَعِنْدَ أَسْبَابِ الْفَرَحِ لِئَلَّا يَطْمَحَ بِهِ مَرْكَبُهُ فَيُجَاوِزَ الْحَدَّ الَّذِي لَا يُعْبَرُ فَيَنْقَلِبُ تَرَحًا وَحُزْنًا، وَكَمْ مِمَّنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِمَا يُفْرِحُهُ فَجَمَحَ بِهِ مَرْكَبُ الْفَرَحِ وَتَجَاوَزَ الْحَدَّ فَانْقَلَبَ تَرَحًا عَاجِلًا، وَلَوْ أُعِينَ بِسَكِينَةٍ تَعْدِلُ فَرَحَهُ لِأُرِيدَ بِهِ الْخَيْرُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَعِنْدَ هُجُومِ الْأَسْبَابِ الْمُؤْلِمَةِ عَلَى اخْتِلَافِهَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَمَا أَحْوَجَهُ إلَى السَّكِينَةِ حِينَئِذٍ، وَمَا أَنْفَعَهَا لَهُ، وَأَجْدَاهَا عَلَيْهِ، وَأَحْسَنَ عَاقِبَتَهَا،.

وَالسَّكِينَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ عَلَامَةٌ عَلَى الظَّفَرِ، وَحُصُولِ الْمَحْبُوبِ، وَانْدِفَاعِ الْمَكْرُوهِ، وَفَقْدُهَا عَلَامَةٌ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ، لَا يُخْطِئُ هَذَا وَلَا هَذَا، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَان.

...


التوقيع :
قال الزهري رحمه الله: (العلم ذكر يحبه ذكورة الرجال، ويكرهه مؤنثوهم).اهـ
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الْعِلْمُ, وَالْحِلْمُ


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir