2: المخاطب في قوله تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس}.
*المراجع:
-[تفسير عبد الرزاق: 1/130] .
-[صحيح البخاري: 6/37-38].
-[فتح الباري: 8/224-225].
-[سنن الترمذي: 5/76].
-[السنن الكبرى للنسائي: 10/48].
-[جامع البيان: 5/671-677].
-[تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم: 2/731-734].
-[تفسير مجاهد: 133].
-[المستدرك: 2/323].
-[مجمع الزوائد: 6/327].
-[معاني القرآن للزجاج: 1/456].
-[المحرر الوجيز: 2/316-319].
-[تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 2/94-103].
*استخلاص الأقوال وتصنيفها ونسبتها وتخريجها:
اختلف السلف في المخاطب في قوله تعالى :"كنتم خير أمة" على عدة أقوال:
-القول الأول: عامة أمة محمد -عليه الصلاة والسلام- ما عملوا بشرط الخيرية في هذه الآية. قال بذلك عمر بن الخطاب في رواية للطبري عنه, ومجاهد, وعكرمة, والزجاج, وابن عطية, وابن كثير.
=تخريج الأقوال:
قول عمر: رواه الطبري عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ عمر بن الخطّاب قال في حجّةٍ حجّها ورأى من النّاس رعةً سيّئةً، فقرأ هذه: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} الآية، ثمّ قال: يا أيّها النّاس من سرّه أن يكون من تلك الأمّة، فليؤدّ شرط اللّه منها.
قول مجاهد: رواه الطبري بطريقين عنه: الأول: عن محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ, وذكر قوله. والثاني: عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، وذكر قوله.
قول عكرمة: رواه ابن أبي حاتم عن أبي أنبأ مالك بن إسماعيل، ثنا زهيرٌ، ثنا خصيفٌ، عن عكرمة, في قوله: كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: لم تكن أمّةٌ دخل فيها من أصناف النّاس غير هذه الأمّة.
=الأحاديث والآثار الواردة التي تؤكد هذا القول:
-ما رواه عبدالرزاق والترمذي والطبري وابن أبي حاتم عن معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده أنه سمع النبي يقول في قوله تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس قال: "أنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى". وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ، وقد روى غير واحدٍ هذا الحديث عن بهز بن حكيمٍ نحو هذا، ولم يذكروا فيه {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}.
- ما رواه الطبري عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ذات يومٍ، وهو مسندٌ ظهره إلى الكعبة: نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمّةٍ نحن آخرها وخيرها.
-ما رواه البخاري والنسائي والطبري عن سفيان، عن ميسرة، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، قال: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} [آل عمران: 110] قال: كنتم خير النّاس للنّاس، تجيئون بهم في السّلاسل، تدخلونهم في الإسلام.
-ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ قوله: كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس قال: لم تكن أمّةٌ أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمّة فمن ثمّ قال:كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس.
^وكل هذه الآثار مما يحمل على هذا المعنى ويؤكد عمومية الخطاب للأمة عامة.
-القول الثاني: أصحاب رسول الله. قال بذلك الضحاك, ورواه الطبري.
=تخريج الأقوال:
قول الضحاك: رواه الطبري عن يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك, وذكر قوله.
-القول الثالث: خاص في بعض أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام. كما ذكر ذلك عمر بن الخطاب في رواية عن السدي ]وذكر ابن حجر أنه منقطع [, ورواية أخرى في أنها في أول الأمة دون آخرها.
وحدد ذلك ابن عباس بقوله: أنها فيمن هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله.
وحدده عكرمة بشكل أكثر تخصيصا أنها نزلت في: ابن مسعودٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، وأبيّ بن كعبٍ، ومعاذ بن جبلٍ, كما روى ذلك الطبري. ]وقال ابن حجر: أنه موقوف فيه انقطاع[.
=تخريج الأقوال:
قول عمر: رواه الطبري وابن أبي حاتم عن أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ, قال عمر: لو شاء اللّه لقال أنتم، فكنّا كلّنا، ولكن قال: {كنتم} في خاصّةٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ومن صنع مثل صنيعهم، كانوا خير أمّةٍ أخرجت للنّاس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وذكر ابن حجر أنه منقطع.
والرواية الأخرى عنه: رواها الطبري وابن أبي حاتم عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عمّن حدّثه قال عمر: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} قال: تكون لأوّلنا، ولا تكون لآخرنا.
قول ابن عباس: رواه عبدالرزاق والنسائي والطبري وابن أبي حاتم والحاكم عن سماك بن جرير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, وذكروا قوله. وقال الحاكم: «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه».
قول عكرمة: رواه الطبري عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: قال عكرمة, وذكر قوله. وقال ابن حجر أنه موقوف فيه انقطاع.
*دراسة الأقوال ونقدها وبيان الراجح منها:
والقول الراجح بإذن الله أنه الأول, وهذا لا يمتنع مع بقية الأقوال في أن يكون المخاطب في المقام الأول صحب رسول الله, أو ما خص منهم, ولكن العارف الدارس لكتاب الله, المتأمل لنهجه, يعي أن من أبرز سماته عمومية خطابه, وأن أغلب آياته وإن نزلت في قوم خاصة, فإن معناها عام, كما يؤكد ذلك عمومية خطابه, ولو كان الخطاب في الآيات خاصا فلم إذن أنزلها الله وألزم الناس بفهمها وتطبيقها إلا لعمومية المعنى وشموله.
كذلك من الأمور التي تؤكد من صحة القول الأول, أن في كثير من الأقوال غيره انقطاع وضعف, مما يبين أن هذه الأقوال قد لا تكون أصلا صحيحة أو واردة عمن ذكرت عنهم, ولكننا أوردناها لما تستلزمه البحوث من وجوب ذكر جميع الأقوال وإن شذت أو ضعفت, فقول عمر وعكرمة ذكر ابن حجر انقطاعهما, كما نجد لهما قولا آخر يبين حمل رأيهما على القول الأول كما أوردنا ذلك أعلاه, مما يبين أن القول الأول هو الأرجح والأقوى.
كذلك من الأمور التي تؤكد صحة هذا القول ما ورد في الآية من شروط الخيرية, فكأن فحوى الخطاب هو بيان الشروط التي متى ما وجدت في الأمة وصفت بالخيرية, فكأن الله يقول: كنتم خير أمة, وستظلون, إن أخذتم بشروط الخيرية وعملتم بها, ولذا أوردها الله لتستمر الأمة على هذا النهج, ولا تترك الشرط الذي به نالت هذه الخيرية.
وقد نوجه قول القائلين بالأقوال الأخرى, أن معنى قولهم هو أن المخاطب في هذه الآية هم الصحابة أو من اختصوه منهم ومن نهج نهجهم وكان على شاكلتهم وسار على دربهم, لا تخصيص الآية بهم دون غيرهم.
كذلك مما يبين قوة القول الأول ما أوردنا من الأحاديث والآثار الورادة عن رسول الله وصحبه والتي ذكرت بطريق مباشر أو غير مباشر خيرية هذه الأمة, وبعضها كان مقرونا بهذه الآية, وبعضها لم يكن.
وما ورد كذلك من الآيات التي تثني على هذه الأمة, مثل قوله تعالى :"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس", ونحوها من الآيات التي تؤكد عمومية الخطاب للأمة عامة, وإن كنا لا نشك بخصوصية أولها من الصحب الكرام بهذه الخيرية وهذا الفضل, وخصوصية من اختصه رسول الله بالخير منهم بلا شك, كما يؤكد ذلك أحاديث كثر مثل حديث: "خير القرون قرني, ثم الذين يلونهم ..", ولكن هذا لا يمنع من خيرية الأمة عامة, وعمومية الخطاب لها.
هذا وننبه إلى أهمية العمل بشروط هذه الخيرية بلا شك, فالمقصود الأول من الآية توضيح ما نالت به الأمة الخيرية, وهو "الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, والإيمان بالله", فهذه هي شروط نيل الخيرية وأسسها, وبدونها لا تستحق الأمة هذا الوصف, جعلنا الله ممن يأمر بالمعروف, وينهى عن المنكر, ويؤمن بالله, ورزقنا الهدى والسداد, وصلى الله وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه الطاهرين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.