دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 جمادى الآخرة 1441هـ/2-02-2020م, 04:59 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي المجلس الثاني عشر: مجلس مذاكرة القسم الثالث من تفسير سورة النساء

مجلس مذاكرة القسم الثالث من تفسير سورة النساء من الآية 13 إلى الآية 21

-
لخص أحد الدروس التالية مطبقا ما درسته سابقا في دورة المهارات الأساسية والمهارات المتقدمة في التفسير .


- تفسير سورة النساء [ من الآية (13) إلى الآية (14) ]
- تفسير سورة النساء [ من الآية (15) إلى الآية (16) ]
- تفسير سورة النساء [ من الآية (17) إلى الآية (18) ]
- تفسير سورة النساء [ من الآية (19) إلى الآية (21) ]



- ثم صحح أحد تلخيصات زملائك.


قواعد مجالس مذاكرة سورة النساء:

١. يفتح المجلس في بداية كل أسبوع بإذن الله.
٢. ‏يختار كل طالب أحد الموضوعات المقررة في مقرر الأسبوع، ويمنع التكرار حتى تستوعب كل الدروس.
٣. يعمل الطالب على تلخيص الدرس من خلال تطبيق المهارات التي تعلمها في المهارات الأساسية والمتقدمة في التفسير، وطلاب مستوى الامتياز يجدر بهم تقديم عمل جيد يناسب مستواهم وما مارسوه من تطبيقات سابقة.
٤. يحبذ تسليم التلخيص يوم الخميس من كل أسبوع كحد أقصى.
٥. يومي الجمعة والسبت:
يختار الطالب أحد تلخيصات زملائه ويعمل على تصحيحه، مبينا ما فاته من مسائل وما قصر فيه من أدوات التحرير العلمي و الصياغة والعرض ونحو هذا؛ وحتى يحقق هذا المطلوب سيحتاج الطالب قراءة جيدة للدرس ربما تفوق قراءته الشخصية لعمل واجبه، وهذا المطلوب سينمي لديكم عدة مهارات منها التصحيح، والتفطن لمواضع الخطأ ومن ثم تجنبها فيما يستقبل من أعمالكم، والتوسع في فهم بعض المسائل حتى تتمكنوا من شرحها للآخرين.
٦. تقوم هيئة التصحيح بتصحيح جميع أعمالكم في الأسبوع التالي بإذن الله، بما فيها إرشادات على تصحيحكم على نماذج زملائكم.
٧. في النهاية يفتح كل منكم ملفا في حاسوبه، يحتفظ فيه بتلخيص كامل دروس القسم ويفضل تعديل التلخيص وفق ملحوظات التصحيح، ليكتمل له في نهاية هذا المقرر بإذن الله أصلا علميا في تفسير سورة النساء.


وبهذا فإن المطلوب الأسبوعي منكم باختصار:
١. دراسة مقرر كل أسبوع.
٢. تلخيص أحد الدروس.
٣. تصحيح عمل واحد من أعمال زملائكم.
- يمنع التكرار في كل الأحوال حتى تستوعب جميع الأعمال.
زادكم الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 جمادى الآخرة 1441هـ/2-02-2020م, 05:41 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

اختار تلخيص [ من الآية (17) إلى الآية (18) ]

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 جمادى الآخرة 1441هـ/2-02-2020م, 10:43 AM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

أختار بإذن الله تلخيص الآيات ( 15 - 16 )

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 جمادى الآخرة 1441هـ/2-02-2020م, 03:59 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

أختار:

- تفسير سورة النساء [ من الآية (13) إلى الآية (14) ]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 9 جمادى الآخرة 1441هـ/3-02-2020م, 02:13 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)}
-مرجع الإشارة في قوله "تلك":
الإشارة عائدة على القسمة المتقدمة في المواريث. ذكره ابن عطية وابن كثير.
-الحد في اللغة:
الحجز المانع لأمر ما أن يدخل على غيره أو يدخل عليه غيره. ذكره ابن عطية وأشار إلى مثله الزجاج وابن كثير.
-المراد بالحد في الآية:
*قال السدي: شروط الله.
*وقال ابن عباس: طاعة الله.
*وعند بعضهم: سنة الله.
*وعند بعضهم: فرائض الله.
والصحيح أن هذا كله معنى واحد وعبارة مختلفة. كما ذكره ابن عطية.
-تخريج الأقوال:
قول السدي: رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أحمد بن مفضّلٍ، عن أسباطٌ، عنه.
قول ابن عباس: رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أبي صالحٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عنه.
-متعلق الطاعة في قوله "ومن يطع الله":
أي: في المواريث والفرائض، فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضًا بحيلةٍ ووسيلةٍ، بل تركهم على حكم اللّه وفريضته وقسمته. ذكره ابن كثير وقال بمثله الزجاج على عموم المعنى في حدود الله وشرائعه, والمعنى العام صحيح ويتفق فيه الكل وإن اختلفت تعبيراتهم.
-المراد بقوله "من تحتها":
أي: من تحت بنائها، وأشجارها الذي من أجله سميت جنة. ذكره ابن عطية.
-معنى"خالدين فيها":
أي: يدخلهم مقدّرين الخلود فيها، والحال يستقبل بها. ذكره الزجاج ووافقه ابن عطية.

تفسير قوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)}
-القراءات في الآية:
قرأ نافع وابن عامر «ندخله» بنون العظمة، وقرأ الباقون، يدخله بالياء فيهما جميعا. ذكره ابن عطية.
-معنى التعدي في اللغة:
المجاوزة. ذكره الزجاج وابن كثير وأشار إليه ابن عطية.
-المراد بتعدي حدود الله في الآية:
مجاوزة ما حده الله وأمر به. ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
-محل "خالدا" الإعرابي في الآية:
* يجوز أن يكون من نعت النار.
*ويجوز أن يكون: منصوبا على الحال، أي: يدخله مقدّرا له الخلود فيها. ذكره الزجاج.
-استخدام أسلوب الوعد والوعيد في الآيتين الكريمتين, وهو أسلوب معهود من أساليب القرآن. كما ذكره ابن عطية.
-تقرير مسألة "الجزاء من جنس العمل" في الآية الكريمة:
قال ابن كثير: لكونه غيّر ما حكم اللّه به وضادّ اللّه في حكمه. وهذا إنّما يصدر عن عدم الرّضا بما قسم اللّه وحكم به، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم.
-مصداق الآية الكريمة في السنة النبوية:
*قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن أيّوب، عن أشعث بن عبد اللّه، عن شهر ابن حوشب، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنةً، فإذا أوصى حاف في وصيّته، فيختم بشرّ عمله، فيدخل النار؛ وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشّرّ سبعين سنةً، فيعدل في وصيّته، فيختم له بخير عمله فيدخل الجنّة». قال: ثمّ يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {تلك حدود اللّه} إلى قوله: {عذابٌ مهينٌ}.
*وقال أبو داود في باب الإضرار في الوصيّة من سننه: حدّثنا عبدة بن عبد اللّه أخبرنا عبد الصّمد، حدّثنا نصر بن عليٍّ الحدّاني، حدّثنا الأشعث بن عبد اللّه بن جابرٍ الحدّاني، حدّثني شهر بن حوشب: أنّ أبا هريرة حدّثه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ الرّجل ليعمل أو المرأة بطاعة اللّه ستّين سنةً، ثمّ يحضرهما الموت فيضاران في الوصيّة، فتجب لهما النّار » وقال: قرأ عليٌّ أبو هريرة من هاهنا: {من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضارٍّ} حتّى بلغ: {وذلك الفوز العظيم}.
وهكذا رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث ابن عبد اللّه بن جابرٍ الحدّاني به، وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ، وسياق الإمام أحمد أتم وأكمل. ذكره ابن كثير.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 جمادى الآخرة 1441هـ/10-02-2020م, 02:57 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء : 17].
· المعنى الجملي للآية:
-إنما يتقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة ، ثم يتوب قبل معاينة المَلَك الموت لقبض روحه قَبْلَ الغَرْغَرَة ." ذكره ابن كثير
· دلالة "إنما " على الحصر
إنما: " إنَّ " حرفٌ مكفوفٌ ب " ما " الزائدة عن العمل ؛ وهي تفيد الحصر؛ وهو مقصد المتكلم بها أبدا
والحصر بها قد يكون حقيقي كقوله تعالى :" { إنما الله إله واحد }
وقد يكون الحصر إضافي كقولنا : إنما الشجاع عنترة .
· معنى التوبة لغة
التوبة من تاب يتوب توبة وهو الرجوع يقال تاب وأناب إذا رجع .
· معنى التوبة " شرعا"
التوبة في عرف الشرع :الرجوع من شر إلى خير . وحدها :الندم على فارط فعل
ويجب تقييد ذلك الندم من حيث هو معصية لله عزوجل؛أما إن كان ندم العبد لأجل أنه لحقه ضر في بدنه أو ماله فلا يسمى ذلك الندم توبة
· وجوب التوبة على جميع المؤمنين
والتوبة فرض على المؤمنين بإجماع الأمة . .ذكره ابن عطية
· شروط التوبة
شروط ذكرها ابن عطية ملخصها :
-الندم على أنه عصى الله عزوجل وخالف أمره
-العزم على عدم العودة إلى ذلك الفعل ؛إن كان ذلك الفعل مما يمكن هذا النادم فعله في المستأنف
وإن لم يعزم على ترك الذنب في المستقبل يكون مصرا عليه ولا تصح توبته وإن ندم على فعله.
لأن الندم المجرد عن العزم لا يكفي في تحقق التوبة
وأما إن كان ذلك الفعل مما لا يمكن هذا النادم فعله في المستأنف فهذا لا يحتاج إلى شرط العزم على الترك .
· تجزئة التوبة
هل يشترط في التوبة الإقلاع من جميع الذنوب ؛أم لا يشترط ذلك فتصح التوبة من ذنب مع الإقامة على ذنب آخر من نوعه
ذهب المعتزلة إلى أنهلا يكون تائباً من أقام على ذنب ، ورجح ابن عطية أن التوبة تصح من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه ، خلافاً للمعتزلة.
· معاودة الذنب بعد التوبة
-إذا تاب العبد توبة صادقة تاب الله عليه، ثم ابتلي بالذنب مرة أخرى هل تكون توبته الأولى صحيح أم لا ؟
قال ابن عطية : وتصح التوبة وإن نقضها التائب في ثاني حال بمعاودة الذنب ، فإن التوبة الأولى طاعة قد انقضت وصحت ، وهو محتاج بعد موافقة الذنب إلى توبة أخرى مستأنفة ، والإيمان للكافر ليس نفس توبته ، وإنما توبته ندمه على سالف كفره ." اهـ
· "دلالة "على الله" على الوجوب.
قوله تعالى" إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ" هل يقتضى الوجوب على الله عزوجل؟أي هل يجب على الله قبول توبة التائبين؟
ذهبت المعتزلة بأنه يجب على الله أن قبول توبة التائبين؛ بل أاوجبوا على الله جملة من الواجبات كأن يثيب الطائعين ويعاقب العاصين وأن يفعل الأصلح لعباده؛ لأنهم يرون أن الله إذا لم يفعل ذلك قد أخل بما هو واجب عليه وإخلاله تعالى بما هو واجب علي ظلم منه كما يزعمون –تعالى الله عما يقولون علوا كبير-
وقولهم هذا مبني على أصل من أصولهم وهو مسألة التحسين والتقبيح العقليين ؛ فقد قرروا أن ما ثبت حسنه بالعقل يجب على الله فعله ؛وما ثبت قبحه بالعقل فإنه يجب على الله عدم فعله..
فآل الأمر أن العقل هو مقتضى التحسين والتقبيح عندهم؛ فما يجب على الله وما يمتنع راجعة الى دلالة العقل عند المعتزلة ..فقبول التوبة واجبة عقلا عند المعتزلة
وذهب الأشاعرةأنه لا يجب على الله قبول توبه التائبين ؛لأن الله لا يجب عليه شيء فهو المالك على الإطلاق، وله التصرف في ملكه كيف يشاء ولا يسأل عما يفعل؛ بل هو فعال لما يريد؛ ولا واجب إلا بموجب و ليس فوقه سبحانه موجب .... وقولهم هذا مبناه على نفي التحسين والتقبيح العقليين؛ونفي الحكمة والتعليل في أفعال الله ..
وأجابوا عن الآيات القاطعة الدالة على أن الله يقبل التوبة عن عبده إذا تاب توبة نصوحا قالوا أنه ذلك حكم بالظاهر و الأخذ بظاهر النص لا يفيد القطع؛ وغاية ما يفيده غلبة الظن
فقبول التوبة ظني ليس بقطعي.قال أبو المعالي وغيره : فهذه الظواهر إنما تعطي غلبة ظن لا قطعاً على الله بقبول التوبة . اهـ
وقد خالف في ذلك بعض الأشاعرة فقالوا: أن من تاب توبة نصوحا يقطع على الله تعالى بقبول توبته ، كما أخبر عن نفسه عز وجل .
و قال ابن عطية : وكان أبي رحمة الله عليه يميل إلى هذا القول ويرجحه ، و به أقول.اهـ
.
وهو القول الثالث:
وهو قول أهل السنة أن الله تعالى عليه واجبات ومحرمات ؛ لكنه هو الذي أوجبها وحرمها على نفسه لكمال حكمته ورحمته فهو يفعل ما هو واجب ولا يفعل ما هو محرم.
-فلا إيجاب على الله سبحانه وتعالى إلا ما أوجبه الله تعالى هو على نفسه إيجاب فضل ورحمه وكرم على عباده و ليس فوقه سبحانه موجب ؛ وهو سبحانه يفعل لكمال حكمته .
ولا حض للعقل في الإيجاب على الله ولا في المنع على الله ؛ ولا حض له في معرفة وإدراك ما الذي يجب على الله وما الذي يمتنع عليه ؛ بل مرجع ذلك كله إلى السماع .فالنص هو المرجع والحاكم في إثبات ما أوجبه الله على نفسه إيجاب رحمة وفضل ؛ فما دل عليه النص أثبتناه وما لم يدل عليه نسكت عنه
ومنه قوله تعالى :" كتب ربكم على نفسه الرحمه" وقوله :" كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ" وقوله{ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} وقوله "{ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ"}
وفي حديث : " ..وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً)"
فمن تاب توبة نصوحا لله عزوجل نقطع بقبول توبته لأن الله أخبر بذلك لا لكون العقل يدل عليه
لهذا قدر ابن عطية في قوله تعالى " على الله " محذوفا وهو على فضل الله ورحمته لعباده.ليبين أن هذا الإيجاب هو محض فضل من الله ورحمه على عباده ليس بإيجاب موجب
وقال ابن عطية دفاعا على ما ذهب إليه :" والله تعالى أرحم بعباده من أن ينخرم في هذا التائب المفروض معنى قوله تعالى : { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } وقوله { وإني لغفار لمن تاب وآمن }
· المراد بالسوء
و { السوء } في هذه الآية يعم الكفر والمعاصي ذكره ابن عطية
وفي وجه تسمية المعاصي "السوء" قال رشيد رضا:" فالسوء هو العمل القبيح الذي يسوء فاعله إذا كان عاقلا سليم الفطرة كريم النفس أو يسوء الناس ويصدق على الصغائر والكبائر ." اهـ
· المراد "بجاهلة"
في المراد "بجهالة " أقوال:
القول الأول:عمل السوء هو الجهالة ؛ فكل ذنب أصابه الإنسان فهو بجهالة؛ وكل عاص عصى فهم بجهالة وهو قول وابن عباس (68) أبي العالية( 93) ومجاهد ( 104) وعطاء ابن أبي رباح ( 114) و وقتادة ( 117) والسدي ( 127) وابن زيد ( 182) وهو قول مقاتل .(150)
قال مقاتل: فكل ذنب يعمله المؤمن فهو جهل منه
وعلى هذا القول يكون معنى الباء في "بجاهلة" المصاحبة ؛ أو الملابسة أي يعملون السوء ملتبسين بالجهالة أو يعلون السوء مصاحبين للجهالة .وعليه يكون قوله "بجهالة" صفة كاشفة وليست قيدا
تخريج الأقوال
قول ابن عباس
أخرجه ابن جرير من طريق أبي صالح عن ابن عباس
قول أبي العالية
- أخرجه ابن جرير وابن المنذر من طريق قتادة وأخرجه عبد ابن حميد كما عند السيوطي.
-وأخرجه عبد ابن حميد في تفسيره و ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الربيع ابن أنس
قول مجاهد
- أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح و عبد بن حميد كما عند السيوطي
-وأخرجه ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق عثمان بن الأسود
قول عطاء
أخرجه عبد الله بن وهب في تفسيره من طريق ابن جريج
قول قتادة
أخرجه عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر
قول السدي
أخرجه ابن جرير من طريق أسباط
قول ابن زيد
أخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب
وجه هذا القول:
1 : اجتماع كلمه السلف على هذا المعنى وذكر لك قتادة
فقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : قال : اجتمع أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم فرأوا أن في كل شيء عصي به تعالى فهو جهالة ، عمدا كان وغير ذلك." اهـ
و أسنَدَه الإمامُ ابن المنذر في "تفسيره" من طريق قتادة، عن أبي العالية الرياحي، قال: "اجتمع رأيُ رهطٍ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ كل ذنب أصابه ابنُ آدم فهي جهالة".
وصرح بالإجماع الإمام القرطبي في تفسيره ونسبه إلى قتادة .قال القرطبي :" رأيتُه يقول: "قال قتادة: أجمَع أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم على أنَّ كلَّ معصيةٍ فهي بجَهالة، عمدًا كانت أو جهلًا؛ وقاله ابنُ عبَّاس وقتادة، والضحَّاك ومجاهد، والسدِّي".
2- أن الآية موافقة لكثير من نظائرها من آيات القران التى فيها إطلاق الجهالة على فعل المعاصي كقوله تعالى :" {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } وكقوله تعالى :" { قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} ؛ وكقوله تعالى :" {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } .
3- أن هذا المعنى موافق لما دل عليه مفهوم قوله تعالى " إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء" وكقوله تعالى :" { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ "
فكل من خشي الله وأطاعه وترك معصيته فهو عالم فإنه لا يخشاه إلا عالم؛ ولا يعصيه إلا جاهل ؛ فكل عَاصٍ لِلَّهِ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَكُلَّ خَائِفٍ خاش مِنْهُ فَهُوَ عَالِمٌ.
وَإِنَّمَا يَكُونُ جَاهِلًا لِنَقْصِ خَوْفِهِ مِنْ اللَّهِ إذْ لَوْ تَمَّ خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ لَمْ يَعْصِ ؛ كما قال ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ:" عَنْهُ كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ جَهْلًا"
قال شيخ الإسلام" فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ يُوجِبُ الْخَشْيَةَ الْحَامِلَةَ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنَاتِ. وِتْرِك السَّيِّئَاتِ. وَكُلُّ عَاصٍ فَهُوَ جَاهِلٌ. لَيْسَ بِتَامِّ الْعِلْمِ. يُبَيِّنُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ أَصْلَ السَّيِّئَاتِ الْجَهْلُ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ. ...)اهـ
4- أن الجاهلة يطلق ويراد بها السفه؛ لأن أساء المعاملة وأقدم على العمل دون روية ؛ فارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة ، لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل. فمن آثار اللذة الفانية عن الحياة الآخرة فهو جاهل وما ذلك إلا لسفهه وقلة حكمته ورجاحة عقله وسماه الزجاج جهل في الاختيار ؛ و قال ابن عاشور :" وهي ما قابل الحِلم"
قال رشيد رضا :" والجهالة الجهل وتغلب في السفاهة التي تلابس النفس عند ثورة الشهوة أو سورة الغضب فتذهب بالحلم وتنسي الحق"
5- أن كل عمل يعصى به الله فصاحبه جاهل فإن كان العاصي متعمدا ، فهو جاهِلٌ بعظَمَة اللهِ سبحانه، وما قدَرَه حقَّ قدره حالَ معصيته. . وإن كان العاصي جاهلا بكون هذا الفعل معصية ، فهو جاهِلٌ بأمر اللهِ ودينه فيما عصاه.
وفي وجه تسمية عمل السوء جهالة يقول ابن عاشور : وذكر هذا القيد هنا لمجرّد تشويه عمل السوء ، فالباء للملابسة ، إذ لا يكون عمل السوء إلاّ كذلك."
6- ولا يصح حمل الجهالة بمعنى الجهل الذي هو ضد العلم لأن يلزم منه كون العامد للمعصية لا توبة له وهذا مخالف للإجماع ولما هو معلوم من الدين بالضرورة.
القول الثاني:الجهالة هو العمد هو قول مجاهد( 104) والضحاك ( 105) .
تخريج الأقوال
قول مجاهد
-وأخرجه ابن جرير و ابن أبي حاتم من طريق جابر
قول الضحاك
أخرجه ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك قال الجهالة العمد وكذا أخرجه ابن أبي حاتم بلفظ.
وجه هذا القول أن من أقدم على المعصية جاهلا بها كان كمن لم يواقع سوءا فليس عليه توبة بل كل ما يجب عليه تعلم الحكم والالتزام به في مستقبل أمره
القول الثالث: الجهالة الدنيا وهو قول عكرمة (105)
وعلى هذا القول يكون الباء في "بجهالة" معناها الظرفية أي يعملون السوء في الدنيا
التخرج
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال" الدنيا كلها جهالة" و في رواية زيادة "الدنيا كلها قريب كلها جهالة"
وقد علق ابن عطية على قول عكرمة بقوله :" يريد الخاصة بها الخارجة عن طاعة الله ، وهذا المعنى عندي جار مع قوله تعالى : { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } وقد تأول قوم قولَ عكرمة "بأنه للذين يعملون السوء في الدنيا ".
فكأن «الجهالة » اسم للحياة الدنيا ، وهذا عندي ضعيف.."
نقاش
وبالنظر إلى نصوص الكتاب والسنة يظهر أن الجهل يطلق ويراد به أحد أمرين ما يضاد ويناقض العلم؛ أو ما يناقض العمل؛ جهلة علم و جهالة عمل
قال ابن القيم :" الْجَهْلُ نَوْعَانِ: عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ النَّافِعِ، وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ وَمُقْتَضَاهُ، فَكِلَاهُمَا جَهْلٌ لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا وَحَقِيقَةً " مدارج السالكين

وقد حمل الزجاج -كما في زاد المسير - الآية على المعنيين قال رحمه الله :وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ يَجْهَلُونَ أَنَّهُ سُوءٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ أَتَى مَا يَجْهَلُهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يُوَاقِعْ سُوءًا؛ وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) : أَنَّهُمْ عَمِلُوهُ وَهُمْ يَجْهَلُونَ الْمَكْرُوهَ فِيهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أَقْدَمُوا عَلَى بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ بِأَنَّ عَاقِبَتَهُ مَكْرُوهَةٌ وَآثَرُوا الْعَاجِلَ عَلَى الْآجِلِ؛ فَسُمُّوا جُهَّالًا لِإِيثَارِهِمْ الْقَلِيلَ عَلَى الرَّاحَةِ الْكَثِيرَةِ وَالْعَافِيَةِ الدَّائِمَةِ. اهـ
وجهالة علم نوعان: جهل بسيط وهو عدم العلم وجهل مركب وهو علم بما هو مخالف للحقيقة الأمر ؛ وبهذا يصير إطلاقات الجهل ثلاثة أنواع جهل بسيط ؛جهل مركب وجهل العمل ؛ قال الراغب في المفردات :"الجهل على ثلاثة أضرب:
الأول: هو خلوُّ النَّفس من العلم؛ وهذا هو الأصلُ، وقد جعَل ذلك بعضُ المتكلِّمين معنى مقتضيًا للأفعال الخارِجةِ عن النِّظام، كما جعل العلمَ معنًى مقتضيًا للأفعال الجارية على النِّظام.
والثاني: اعتقاد الشَّيء بخلاف ما هو عليه.
والثالث: فعلُ الشيء بخلاف ما حقه أن يُفعَل، سواء اعتقَد فيه اعتقادًا صحيحًا أم فاسدًا؛ كمن يَترك الصلاةَ عمدًا..
وفي وجه تسمية ترك العمل جهلا مع العلم به يقول ابن جرير : "فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثله إلا من جهل عظيم عقاب الله عليه أهله في عاجل الدنيا وآجل الاَخرة ، فقيل لمن أتاه وهو به عالم : أتاه بجهالة ، بمعنى : أنه فعل فعل الجهال به ، لا أنه كان جاهلاً ."
ويقول ابن تيمية :" وسبب ذلك أن العلم الحقيقي الراسخ في القلب يمتنع أن يصدر معه ما يخالفه من قول، أو فعل فمتى صدر خلافه فلا بد من غفلة القلب عنه، أو ضعفه في القلب بمقاومة ما يعارضه وتلك أحوال تناقض حقيقة العلم فيصير جهلا بهذا الاعتبار.اهـ اقتضاء الصراط المستقيم
و يقول ابن القيم في ذلك أيضا :" وَسُمِّيَ عَدَمُ مُرَاعَاةِ الْعِلْمِ جَهْلًا، إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ، فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْجَهْلِ، وَإِمَّا لِجَهْلِهِ بِسُوءِ مَا تَجْنِي عَوَاقِبُ فِعْلِهِ." المدارج

فكل من عصى الله فهو جاهل ..جهالة علم أو جهالة عمل والأول راجع لفساد القوة العلمية والثاني راجع لفساد القوة العملية . عدم العمل و عدم الإرادة..و الكمال الْمُطْلَقُ لِلْإِنْسَانِ هُوَ تَكْمِيلُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ عِلْمًا وَقَصْدًا
وشجرة الإيمان ركائزها العلم والعمل ؛ فالخلل الحاصل في أحدهما ينسحب إلى الإيمان ؛ فما عصى الله عبد مؤمن إلا لضعف إيمانه وقلة بصيرته ..
· المراد " ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ"
في ذلك أقوال:
القول الأول : يتوبون قبل معاينة ملك الموت وهو قول ابن عباس(68) ؛عبد الله ابن عمر(74) ؛ الحسن البصري(110) الضحاك ( 105) ؛محمد بن قيس وأبي مجلز

قال أبو موسى الأشعري : هو أن يتوب قبل موته بفواق ناقة
- عن عبد الله قال: لو غرغر بها يعنى المشرك بالإسلام لرجوت له خيرا كثيرا


تخريج الأقوال
قول ابن عباس أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي ابن أبي حاتم
قول عبد الله بن عمر أخرجه عبد بن حميد من طريق منصور عن رجل عن عبد الله .

قول الحسن البصري أخرجه ابن أبي حاتم من طريق حوشب

قول الضحاك : أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق النضر بن طهمان و أخرجه عبد بن حميد كما عند السيوطي
وأخرجه ابن المنذر مختصرا من طريق أبي ليلى
قول أبي مجلز أخرجه ابن جرير من طريق عمران بن حُدَيـــْر
قول محمد بن قيس أخرجه ابن جرير من طريق أبي معشر
التوجيه
والحجة في ذلك ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ وفي رواية: مَنْ تَابَ إِلَى اللهِ قَبْلَ أَنْ يُغَرْغِرَ، قَبِلَ اللهُ مِنْهُ " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم

القول الثاني: يتوبون قبل الموت وهو قول مجاهد (104) ؛عكرمة (105) ؛ ابن زيد ( 182)وأبي قلابة ...وهو قول مقاتل
قال مقاتل: { ثم يتوبون من قريب } ، يعني قبل الموت .اهـ

تخريج الأقوال
قول مجاهد: أخرجه ابن المنذر من طريق عثمان بن الأسود
قول عكرمة أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق الحكم ابن أبان و أخرجه عبد بن حميد كما عند السيوطي
قول ابن زيد أخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب
قول أبي قلابة : أخرجه ابن أبي شيبة و ابن جرير من طريق قتادة

القول الثالث: يتوبون في صحتهم قبل موتهم وقبل مرضه وهو قول ابن عباس(68) والسدي(127). .
تخريج الأقوال
-قول ابن عباس أخرجه ابن جرير من طريق أبي صالح
-قول السدي أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أسباط




· النقاش
لا تعارض بين ما ذكر من أقوال المفسرين في المراد ب"ثم يتوبون من قريب" فنظر أصحاب القول الثاني والثالث إلى أحسن الأوقات للتوبة وهو ما كان العبد حيا صحيحا لم يهجم عليه المرض بعد ..و نظر أصحاب القول الأول إلى تحديد آخر وقت التوبة ؛ فباب التوبة مفتوح ما لم يغرر العبد ..ما لم يرى ملك الموت بعد
ومما يقوي ذلك النصوص الكثيرة الدالة على ذلك

-عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ». رواه الترمذي وغيره
-أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا وكان مريضا فعرض عليه الإسلام فأجابه .فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ "
رواه أحمد وغيره
- ولما حضرت أبا الطالب الوفاه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ)
وقد علل بعض أهل العلم سبب عدم قبول التوبة عند الغرغرة لأنها توبة اضطرار لا توبة اختيار .
قال ابن القيم ::" وَأَمَّا إِذَا وَقَعَ فِي السِّيَاقِ فَقَالَ: إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَوْبَةُ اضْطِرَارٍ لَا اخْتِيَارٍ، فَهِيَ كَالتَّوْبَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعِنْدَ مُعَايَنَةِ بَأْسِ اللَّهِ." المدارج
وعلل ابن عطية أن وقت الغرغرة يتعذر فيه تحقيق شروط التوبة وهي الندم والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب قال رحمه الله بعدما ذكر أن التوبة مقبولة قبل وقت الغرغرة فعلل بقوله :" لأن الرجاء فيه باق ويصح منه الندم والعزم على ترك الفعل في المستأنف ، فإذا غلب تعذرت التوبة لعدم الندم والعزم على الترك
· معنى حرف ا لجر "من" في "من قريب"
قيل "من" لابتداء الغاية ؛ "قريب" أي قريب إلى وقت الذنب .والمراد التعجيل بالتوبة بحيث تكون عقب الذنب ..قال الرازي :" يجعل مبتدأ توبته زمانا قريبا من المعصية لئلا يقع في زمرة المصرين" اهـ
وقيل "من" للتبعيض
والمراد يتوبون في بعض الأزمنة القريبة ؛ والحياة كلها زمن قريب ما دام لم يُعان الموت ؛ أما ما دخل في غم الحشرجة فقد فاته الزمن القريب ؛ ، كأن الآية سمت ما بين وجود المعصية وبين حضور الموت زمانا قريبا؛ ففي أي جزء من أجزاء هذا الزمان أتى بالتوبة فهو تائب من قريب ، وإلا فهو تائب من بعيد.
وقال ابن عطية " ومدة الحياة كلها قريب ، والمبادر في الصحة أفضل ، والحق لأمله من العمل الصالح ."اهـ
· مناسبة ختم الآية ب "وكان الله عليما حكيما"
وختمت الآية بقوله "وكان الله عليما حكيما" لتناسب ما سبق ذكره في الآية
فالله عليم بمن أتى بتلك المعصية لاستيلاء الجهالة عليه ، عليم من يسارع بالتوبة وعليم بمن يؤخر التوبة ؛ عليم بمن توبته نصوح من غيره .. وهو سبحانه حكيم ؛ فعله صادر عن حكمة ؛ فعن حكمة قبل توبة الواحد ولو يوفق الآخر حتى هلك
قال الله تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )
· نزول الآية:
وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر و بن أبي حاتم من طريق الربيع ابن أنس عن أبي العالية في قوله : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ } قال هذه في أهل النفاق
أخرج ابن جرير من طريق أبي جعفر الرازيعن الربيع : { إنّمَا التّوْبَةُ على اللّهِ للّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوء بِجَهالَةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } قال : نزلت الأولى في المؤمنين ، ونزلت الوسطى في المنافقين ، يعني : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ } والأخرى في الكفار ، يعني : { وَلا الّذِينَ يَموتونَ وَهمْ كفّارٌ } .
· المعنى الجملي للآية:
من كان قائما على المعاصي و كبائر الذنوب ثم حضره الموت بحيث آيس من الحياة الدنيا ؛ وعاين ملك الموت وحشرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر وبلغت الحلقوم وغرغرت النفس فهذا ليس له توبة وإن قال إني تبت الآن وكذالك الحال من مات وهو كافر بالله فهذا لا توبة له بل مصيره إلى عذاب أليم .
ونظائر هذه الآية في القران كثير كما هو الحال مع فرون فإنه لما صار في غمرة الماء والغرق أظهر الإيمان
فقال الله عزوجل:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)} .
كما قال تعالى:{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ]
وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها كما قال تعالى : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا } .
· المراد بالذين يعملون السيئات
لأهل العلم في ذلك أقوال :

أولا: أن المراد بهم المشركين وهو قول ابن عباس (68) ؛ وسفيان الثوري (161) وهو قول مقاتل (150)
التخريج:
قول ابن عباس أخرجه ابن المنذر من طريق عكرمة عن ابن عباس
قول سفيان أخرجه ابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن محمد بن جُحادة
ثانيا: أن المراد بهم المنافقين وهو قول أبي العالية (95) والربيع بن أنس( 139) وسعيد ابن جبير
التخريج:
قول أبي العالية أخرجه عبد ابن حميد وابن المنذر و بن أبي حاتم من طريق الربيع ابن أنس عن أبي العالية .
قول الربيع بن أنس وأخرج ابن جرير من طريق أبي جعفر الرازيعن الربيع ..
الثالث :أن المراد بهم عصاة المسلمين وهو قول سفيان الثوري(161)
التخريج:
قول سفيان الثوري
-الرابع :أن المراد بهم أهل الإيمان ثم نسخت وهو قول ابن عباس(68)
التخريج: قول ابن عباس أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحه عن ابن عباس
النقاش
رجح ابن جرير أن المراد ب"وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ" أهل الإسلام وحجته في ذلك ظاهر الآية وسياقها وسباقها وكذا الدلالة العقلية
قال رحمه الله :" وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ما ذكره الثوري أنه بلغه أنه في الإسلام ، وذلك أن المنافقين كفار ، فلو كان معنيا به أهل النفاق لم يكن لقوله : { وَلا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كفّارٌ } معنى مفهوم ، لأنهم إن كانوا هم والذين قبلهم في معنى واحد من أن جميعهم كفار ، فلا وجه لتفريق أحد منهم في المعنى الذي من أجله بطل أن تكون توبة واحد مقبولة . وفي تفرقة الله جلّ ثناؤه بين أسمائهم وصفاتهم بأن سمى أحد الصنفين كافرا ، ووصف الصنف الأخر بأنهم أهل سيئات ، ولم يسمهم كفارا ما دلّ على افتراق معانيهم ، وفي صحة كون ذلك كذلك صحة ما قلنا ، وفساد ما خالفه ."
والذي يظهر -والعلم عند الله- أن الآية باقية على عمومها ؛ فذكر الله عزوجل حكم عام لكل من عاين الموت وهو مصر على معصيته لم يتب منها ؛ سواء كان تلك المعصية شركا أو نفاقا أو كبيرة من كبائر الذنوب وهذا خاص بأهل الإسلام ؛ فجميعهم إذا تاب حال قبض الروح وقال إني تبت الآن فلا تقبل توبتهم ؛لا توبة لهم عند الله .لأنها توبة اضطرار لا توبة اختيار
وهذا الذي يظهر من صنيع المفسرين أجروا الآية على عمومها ولم يخصوها بصنف دون صنف
ثم قال الله تعالى :" وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ" بيان لحال الكفار أن عدم قبول توبتهم مستمر إلى ما بعد الموت ومعاينة العذاب فحينها لا ينفعهم ندمهم ولا استغاثتهم كما قال تعالى :" {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}
وكقوله :" {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } .
وكقوله :" {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }.
وفي تخصيص الكفار بعدم قبول توبتهم بعد الموت ؛والسكوت على أهل الإيمان في ذلك ؛ في إشارة إلى أن أمرهم راجع إلى مشيئة الله عزوجل إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم وهو سبحانه الحكيم
مناقشة القول بنسخ الآية:
ذهب ابن عباس أن الآية منسوخة قال رضي الله عنه ، قوله : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ المَوْتُ قالَ إنّي تبْتُ الاَنَ وَلا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفّارٌ } فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك : { إنّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ } فحرّم الله تعالى المغفرة على من مات وهو كافر ، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته ، فلم يؤيسهم من المغفرة .
وأورد ابن عطية قولا للربيع مشابها لقول ابن عباس لكن لم أجد تخريجه
رد دعوى النسخ
ذهب طائفة من أهل العلم أن دعوى نسخ الآية غير صحيحة بحجة أن الآية خبر من جملة الأخبار و الأخبار لا تنسخ.
وتعقب ابن عطية هذه الحجة أن الآية و إن كانت من الأخبار إلا أن المراد منها الطلب ؛ مفادها تقرير حكم شرعي ؛وإنما يمتنع النسخ عن الخبر المحض الذي لا يفيد شريعا حكم ؛ وهذا كثير في القران
قوله تعالى : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } ؛ ونحو قوله تعالى . { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين }
-ورد ابن عطية دعوى النسخ ولم يقبلها ؛بحجة النسخ لا يصار إليه إلا حالة تعذر الجمع بين النصوص وحيث أمكن الجمع بين الآيتين فلا نسخ
وحاول الجمع بين الآيتين فذكر رحمه الله أن قوله تعالى :" "وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ" ليس فيها نفي مغفرة الله للعاصي الذي لم يتب من قريب ؛بل فيها نفي التوبة عن الذي تاب لما حضرته الوفاة ؛ وفرق بينهما ؛ فكل من تاب وقت قبول التوبة "من قريب" فتوبته مقبولة قطعا أو ظنا على ما سبق بيانه من مذاهب أهل العقيدة؛وهذا حكم عام لكل الناس مسلمهم وكافرهم ؛ و أما العاصي الذي لم يتب ومات مصرا على معصيته فهو داخل تحت المشيئة وأما الكافر إن مات على كفره فلا توبة له البتة
قال رحمه الله :" فالعقيدة عندي في هذه الآيات : أن من تاب من قريب فله حكم التائب فيغلب الظن عليه أنه ينعم ولا يعذب ، هذا مذهب أبي المعالي وغيره ، وقال غيرهم : بل هو مغفور له قطعاً ، لإخبار الله تعالى بذلك ، وأبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة ، ومن لم يتب حتى حضره الموت فليس في حكم التائبين ، فإن كان كافراً فهو يخلد ، وإن كان مؤمناً فهو عاص في المشيئة ، لكن يغلب الخوف عليه ، ويقوى الظن في تعذيبه ، ويقطع من جهة السمع أن من هذه الصنيفة من يغفر الله له تعالى تفضلاً منه ولا يعذبه وأعلم الله تعالى أيضاً أن { الذين يموتون وهم كفار } فلا مستعتب لهم ولا توبة في الآخرة " اهـ
مرجع اسم الإشارة{ أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً }
ذكر ابن عطية في ذلك قولين
قيل أنه يرجع إلى الذين يموتون وهو كفار فقط ؛ والحجة في ذلك أن العذاب عذاب خلود ولا يكون للعاصي من أهل الإسلام
-وقيل بل يرجع إلى جميع من سبق ذكره في الآية إلى من مات وهو كفار و من لم يتب إلا مع حضور الموت من العصاة..؛ وعليه يكون المراد بالعذاب عذاب ولا خلود معه
معنى "أعدتنا "
قال ابن عطية و { أعتدنا } معناه : يسرناه وأحضرناه
· دلالة قوله "أعتدنا " على خلق النار
دل التعبير بالفعل الماضي " أعدتنا " على أن جهنم مخلوقة الآن
وهو مثل قوله تعالى :" فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ"
قال ابن كثيروقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله : { أُعِدَّتْ }.

*

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 جمادى الآخرة 1441هـ/13-02-2020م, 06:34 AM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

تلخيص تفسير قوله تعالى:
{
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16)}

من تفسير الزجاج وابن عطية وابن كثير


🟢 وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)

🔹وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُم
🔺القراءات :
▪قرأ ابن مسعود : يأتين بالفاحشة ، ذكره ابن عطية
وهي لغة ؛ فالعرب تقول أتيت أمرا عظيما وأتيت بأمر عظيم ( وهي قراءة شاذة لا يعمل بها ) *
- وهي قراءة شاذة

🔺مسائل التفسير :
واللاتي : جمع التي وهي اسم موصول للمؤنث
وتجمع على اللاتي واللواتي واللائي ( بإثبات الياء وحذفها في اللاء ) كما ذكر الزجاج وابن عطية *
قال الشاعر : ومن اللواتي والتي واللاتي*
وقال آخر : من اللاء لم يحججن يبغين حسبة
أورد ذلك الزجاج

يأتين الفاحشة أي يفعلنها
- الفاحشة : تطلق على كل معصية . ذكره ابن عطية

- المراد بالفاحشة هنا :*
الزنا خاصة … حاصل ما قاله المفسرون
- بين ابن عطية أن لام التعريف في ( الفاحشة ) للعهد ،*

- ويؤيد ذلك قوله تعالى ( فاستشهدوا عليهن أربعة مِنكُمْ ) والشهود الأربعة إنما هم في جريمة الزنا
*
من نسائكم : أي نسائكم المسلمات … قاله ابن عطية *
وزاد فقال : إذ يصح أن تكون الكافرة من نساء المسلمين بنسب لكنها لا يلحقها هذا الحكم

المراد ب( اللاتي يأتين الفاحشة )
والآية هنا في المسلمات اللاتي يأتين الفاحشة وهي الزنا ، وهو ما يدل عليه لفظ اللواتي ، ولفظ من نسائكم ، وقوله ( لهن سبيلا )

🔺 ومع ذلك اختلف في المراد باللواتي على أقوال ، وسأكتفي هنا بذكر الأقوال على أن أوضحها في الآية الثانية ليكون المعنى أتم :
1-اللفظ خاص للنساء اللواتي يأتين الفاحشة ، ويدخل فيه صنفي النساء الأبكار والثيبات
2- اللفظ للنساء والمراد فيه الثيبات منهن ويدخل معهن الرجال المحصنين ، فالمقصود هنا الرجل والمرأة المحصنين
3- اللفظ عام لكل أصناف الزناة رجالهم ونسائهم ، فحكم الحبس كان عاما لكل من زنا

🔹فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُم*
أمر الله المسلمين بالإشهاد على الزنا بأربعة شهود رأوا الواقعة ، فإن لم يوجد الأربعة ولا الإقرار لم تثبت العقوبة … حاصل ما ذكره المفسرون *

منكم : أي من المسلمين … ذكره الزجاج
فالشهود على الزناة ينبغي أن يكونوا مسلمين
*
🔺و في جعل الشهود على جريمة الزنا أربعة نفر حكم بالغة منها :*
1- ستر على المسلم إن ارتكب الفاحشة ، ذكره ابن عطية
فإن كان قد استتر بفعلته كان من الصعوبة بمكان إثباتها عليه بأربعة شهود ، إذ لا يكاد يجتمع أربعة يشهدون واقعة كهذه إلا ان يكون الواقع فيها مجاهرًا بها*

2- وفي ذلك تغليظ على المدعي ، ذكره ابن عطية
فلا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، ولا يستسهل أحد قذف عفيف بالزنا ، إذ يعلم أن عليه جلب ثلاثة شهود معه*
ولذلك قال رسول الله لهلال بن أمية عندما جاءه يدعي على امرأته قبل نزول اللعان : البينة أو حد في ظهرك، أي إما شهودك أو تحد حد القذف

3- وذكر ابن عطية تعليلا آخر ضعفه هو في جعل الشهود أربعة على الزنا وهو ليكون لكل من الفاعلين شاهدين اثنين وهو كما قال ضعيف*

🔹فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ
فإن شهدوا : أي شهد الشهود الأربعة على رؤيتهم لواقعة الزنا فثبتت الواقعة*

فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت
- الإمساك أي الحبس … حاصل ما ذكره المفسرون
- وقال الزجاج أن حكم الزناة كان قبل أن ينزل الجلد ويؤمر بالرجم هو أن يحبس الزانيان أبدا … وذكر مثله ابن عطية
- قال ابن كثير : كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة ( إما باربعة شهود أو بإقرارها ) ، أن تحبس في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت

🔺والفرق بين ما بينه الزجاج وابن عطية وما بينه ابن كثير ، أن ابن كثير بين أن الحبس كان حكما للنساء خاصة ، بينما ذكر الزجاج وابن عطية أن الحبس كان حكم الزناة ابتداء

🔹أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً*
سبيلًا : أي مخرجا من الحبس بأوامر الشرع … ذكره ابن عطية
وهذا المخرج كما بين المفسرون الثلاثة هو الحد الذي نسخ الحبس *

⁃ قال البخاري في صحيحه في تفسير سورة النساء : قال ابن عباس ( لهن سبيلًا ) : يعني الرجم للثيب والجلد للبكر*
📌وحديث ابن عباس هذا وصله عنه عبد بن حميد بإسناد صحيح كما ذكر ذلك ابن حجر في تغليق التعليق

فقد اتفقوا على نسخ الحبس كما بين ابن عطية وذكر مثله ابن كثير
- ونسب ابن كثير قول النسخ لكل من عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطاء وابي الحسن وقتادة وزيد بن اسلم والضحاك
*
📌تخريج ذلك :
- أما قتادة فروى عنه قوله بالنسخ عبد الرزاق ، وابن جرير ؛ وابن الجوزي في نواسخه وذكر السيوطي أن عبد بن حميد أخرج له كذلك

- كما روى عنه العبدي عنه وعن همام بن يحيى البصري في الآية : قال كان هذا بدء عقوبة الزنا كانت المرأة تحبس ، فيؤذيان جميعا فيعيران بالقول جميعا في الشتيمة بعد ذلك ثم أن الله عز وجل نسخ ذلك بعد في سورة النور فجعل لهن سبيلا فقال : {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} وصارت السنة فيمن أحصن جلد مائة ثم الرجم بالحجارة وفيمن لم يحصن جلد مائة ونفي سنة هذا سبيل الزانية والزاني

- وأما الضحاك فروى عنه الطبري قوله : نسخ الحد هذه الآية

- وقد أخرج الطبري القول بالنسخ للسدي من طريق أسباط ؛ ولابن زيد من طريق ابن وهب
- كما روي القول بالنسخ عن مجاهد فأخرج له الطبري قوله ( كل ذلك نسخته الحدود ) و البيهقي ( كان يؤمر بالحبس فنسختها ( فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة )

- وذكر ابن أبي حاتم انه قد روي عن الحسن وعكرمة وابي صالح وقتادة وعطاء وزيد بن أسلم والضحاك أنها منسوخة ولم يسند لهم

- ولم أجد فيما وقفت عليه للباقين تصريحهم بكلمة النسخ بسند ، لكن تفسيرهم للسبيل الذي جعل بعد الحبس دل على قولهم بالنسخ ؛ وأن الحبس استمر حتى نزل حد سورة النور فكان الزاني يجلد ويرسل ولا يحبس

🔺واختلف في الناسخ على أقوال :*
1⃣ القول الأول وهو أعدل الأقوال وأقربها للصواب أن الناسخ للحبس هو* الحد بالجلد الذي بينته أية سورة النور ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ) وبالرجم للثيب كما بينته السنة*
وهو حاصل ما ذكره المفسرون الثلاثة *
وذكروه عن ابن عباس و مجاهد وقتادة والضحاك والسدي وغيرهم ممن قال بأن الحد هو الناسخ للحبس كما مر .

⁃ وكما في قول رسول الله في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه و أحمد في مسنده وأبو داود في سننه وابن ماجه والدرامي والترمذي بطرقهم عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ؛ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ ". واللفظ لمسلم
قال الترمذي حديث حسن صحيح … ذكر الحديث ابن عطية وابن كثير *

⁃ كما رواه أحمد بطريقه عن قبيصة بن حريث عن سلمة بين المحبة عن رسول الله ، وفي إسناده ضعف … ذكره ابن كثير *

- قال ابن عباس : كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور بنسخها بالجلد أو الرجم ) ذكره ابن كثير

📌 وأخرج له قوله :
- ابن أبي حاتم والطبري في تفسيرهما والبيهقي في سننه والهيثمي في مجمع الزوائد*

- كما أخرج له النحاس عن مجاهد عنه قال : فكانت المرأة إذا زنت حبست ماتت أو عاشت حتّى نزلت في سورة النّور {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} ونزلت سورة الحدود فكان من عمل سوءًا جلد وأرسل» وروى مثله ابن الجوزي عن علي بن أبي طلحة عنه …

2⃣ الثاني : أن الناسخ ابتداء هو الآية التالية أي الأذى ثم نسخت إلى الحد *
وذكر هذا القول ابن عطية وقال أنه قول عن عبادة والحسن ومجاهد : حتى نسخ بالأذى بعده ثم نسخ بآية النور وبالرجم في الثيب
- والقائل بذلك يجعل الآية الأولى عامة في الزناة رجالا ونساء محصنين وغير محصنين ، وكذلك الثانية ؛ ويجعل الحكم الأول حبسا حتى الموت لهما جميعا ثم النسخ إلى الأذى لهما جميعا ثم النسخ إلى الحد

🔺قال أبو جعفر النحاس في هذا القول : وهذا القول مذهب عكرمة وهو مرويٌّ عن الحسن عن حطّان بن عبد اللّه الرّقاشيّ عن عبادة بن الصّامت
وعلق أن حديث عبادة يبين أن الآية لم تنسخ قبل ذلك ،
وكما مر أن مجاهدا قال أن الناسخ للحبس هو الحد لا الأذى ... والله أعلم

3⃣ الثالث : وذكر ابن عطية قولا ذكر أن ابن فورك ذكره عن فرقة : أن الأذى كان هو أول عقوبة ، ثم نسخ إلى الحبس ، وأن في الآيات تقديم وتأخير …*
وهو قول فيه تكلف وتعسف ولا داعي له

🔺ملحوظة :
- ذكر ابن كثير عن الطبراني بسنده عن ابن لهيعة قول ابن عباس : لمّا نزلت سورة النّساء قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا حبس بعد سورة النّساء».
وذكره السيوطي عن الطبراني والبيهقي بلفظ ( لما نزلت الفرائض في سورة النساء … )*

📌وقد وجدت هذا الاثر لابن عباس في السنن الكبرى للبيهقي رواه بسنده عن ابن لهيعة عمن سمع عن عكرمة عن ابن عباس في كتاب الوقف باب من قال لا حبس عن فرائض الله*
- والأثر ليس في حبس النساء وإنما في حبس أصل المال أي في الوقف ؛ حيث أورد في الباب نفسه ما رواه عن عطاء بن السائب قال : أتيت شريحا في زمن بشر بن مروان ، وهو يومئذ قاض ، فقلت : يا أبا أمية أفتني ، فقال : يا ابن أخي ، إنما أنا قاض ولست بمفت ، قال فقلت : إني والله ما جئت أريد خصومة ، إن رجلا من الحي جعل داره حبسا ، قال عطاء : فدخل من الباب الذي في المسجد في المقصورة ، فسمعته حين دخل وتبعته وهو يقول لحبيب الذي يقدم الخصوم إليه : أخبر الرجل أنه لا حبس عن فرائض الله عز وجل
- وكذلك أورده ابن حزم في المحلى في باب الوقف
-*هذا عدا ما فيه من ضعف لأنه لم يرو لابن عباس إلا عن ابن لهيعة وهو ضعيف*
- قال البيهقي قال علي ( هو الدارقطني ) لم يسنده غير ابن لهيعة عن أخيه وهما ضعيفان ، قال الشيخ وهذا اللفظ انما يعرف من قول شريح القاضي

🟢 وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16)}

🔹 وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا*
🔺القراءات :*
- قرأ ابن كثير المكي بتشديد النون في اللذانّ عوضا عن النون المحذوفة هذان وفذانك وهاتين شددها جميعا ؛ وشدد ابو عمرو فذانك وحدها ؛ وخفف الباقون … ذكره ابن عطية

🔺مسائل التفسير :
واللذان : مثنى الذي ؛ وهي مرفوعة على الابتداء … ذكره ابن عطية *
والقياس فيها على ( اللذيان ) ،
- وحذفها كما نقل ابن عطية عن أبي علي قال : حذفت الياء تخفيفا إذ قد أمن من اللبس في اللذان، لأن النون لا تنحذف ونون التثنية في الأسماء المتمكنة قد تنحذف مع الإضافة في رحياك ومصطفيا القوم، فلو حذفت الياء لاشتبه المفرد بالاثنين …

يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ
- يأتيانها : أي الفاحشة ، وهي الزنا*
- منكم أي من المسلمين خاصة*

🔺واختلف في المراد ب( اللذان يأتيانها ) وعلى من تقع العقوبة بالأذى :*
1- الأول : وهو ما يذهب إليه لفظ الآية أن اللذان هو حكم الزناة من الرجال ؛ ولفظ التثنية ( اللذان ) يدل على الصنفين محصنين وغير محصنين ومن قال بذلك قال أن الآية الاولى في من زنت من النساء محصنات وغير محصنات ، فقال كن يحبسن حتى الموت ،… فعقوبة الرجال الأذى ، وعقوبة النساء الحبس … وهو قول مجاهد كما ذكر ذلك ابن عطية

📌تخريج قول مجاهد :
- رواه الطبري وابن أبي حاتم عن مجاهد قال في ( واللذان يأتيانها ) : الرجلان الزانيان
*
🔸وحجة هذا القول :
- ما ذكره ابن عطية من أنه قول يقتضيه اللفظ ؛ فمن جهة اللفظ قوله في الأولى من نسائكم ؛ وقوله في الثانية منكم …
أنه قول يستوفي أصناف الزناة عليه ، فقد بين حكم الزانيات من النساء بصنفيهما ، وحكم الزناة من الرجال بصنفيهما

-:ويؤيده كذلك ما رواه أبو جعفر النحاس بسنده عن علي بن أبي طلحة ابن عباس أنه قال: " وقوله جلّ وعزّ {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ) وكانت المرأة إذا زنت تحبس في البيت حتّى تموت ثمّ أنزل اللّه جلّ وعزّ بعد ذلك {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} فإن كانا محصنين رجما فهذا السّبيل الّذي جعله اللّه جلّ وعزّ لهما "
قال وقوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} كان الرّجل إذا زنى أوذي بالتّعيير وضرب النّعال فأنزل اللّه عزّ وجلّ بعد هذا {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} فإن كانا محصنين رجما في سنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم


2- الثاني : أن اللذان هنا في الرجل والمرأة البكرين إن زنيا ؛ ومن قال ذلك جعل الآية الأولى وإن كان لفظها في النساء لكن أدخل فيها الرجل ؛ فهي فيمن أحصن من النساء والرجال جميعا ، ذكره ابن عطية من قول قتادة والسدي ، وذكر معناه الزجاج دون ان يحدد نسبته فقال : قيل الحبس للثيبين والأذى للبكرين …
وذكره ابن كثير من قول السدي : ( واللذان يأتيانها منكم ) : نزلت في الفتيان قبل أن يتزوجوا

قال ابن عطية : ومعنى هذا القول تام لكن لفظ الاية يقلق عنه

📌تخريج الأقوال :
- أما السدي فروى عنه الطبري وابن أبي حاتم ( ذكر الجواري والفتيان الذين لم ينكحوا فقال ( واللذان يأتيانها منكم )

- وكذلك أخرج عنه الطبري قوله ( كانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنفان ويعيران حتى يتركا ذلك )

- وروى هذا القول كذلك ابن وهب والطبري عن زيد بن أسلم أنها في البكرين اللذين لم يتزوجا
كما رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه في البكرين اللذين لم يحصنا …

🔸وحجة هذا القول :
ذكر ابن عطية أن الطبري رجحه ؛ ووجه ترجيح الطبري له :
- ما ذكره من أنه لو كان المقصود بيان حكم الرجال الزناة كما بين في الآية السابقة حكم النساء الزواني لقيل : والذين يأتونها منكم ؛ أو والذي يأتيها منكم ، فقوله ( اللذان ) دل على أنهما صنفان مختلفان إذ إن العرب لو أرادت بيان الوعيد على فعل أتت بالجمع أو المفرد الدال على جنس المتوعد ، أما التثنية لا تكون إلا إن كان الفعل لا يكون إلا من اثنين مختلفين كالزنا لا يقع إلا بزان وزانية ، فإن كان كذلك ثني وعني به الفاعل والمفعول به …

- كما بين الطبري أنه لما تبين أن ( اللذان ) هنا هي في الرجل والمرأة لا في الرجلين ؛ فلا بد أن يكون المحكوم عليه مختلفا عن الآية السابقة ، ولما كانت العقوبة في الآية السابقة ( واللاتي يأتين الفاحشة ) عقوبة غليظة وهي الحبس حتى الموت فهذا لا بد يتناسب مع غلظ الجريمة ومع ما نسخت إليه

فالحبس حتى الموت نسخ بالرجم وهذا للثيب
والأذى نسخ بالجلد والنفي وهذا للأبكار

وعليه فالآية الأولى للثيب من الرجال والنساء ، والثانية للأبكار منهما جميعا …
والله أعلم . *

ورد النحاس على قول الطبري في كتابه الناسخ والمنسوخ فبين أن :
- أن جعل ( اللذان ) دالة على الرجل والمرأة يجوز في العربية على المجاز ، ولا يحمل الشيء على المجاز ومعناه صحيح في الحقيقة

- أن قوله أن العرب لا توعد اثنين إلا أن يكونا شخصين مختلفين فهذا إن صح فهما شخصان مختلفان لأنه إن كانت للرجلين البكر والثيب فهما مختلفان
ولا يلزم قوله ( الذين ) لو أراد أصناف الرجال لأن العرب تحمل على اللفظ وعلى المعنى كقوله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) ومثل هذا كثير

وهو قول له وجاهته وقوته لقول أكثر من واحد به من المفسرين به ؛ ولاستيفائه أصناف الزناة جميعا ولمناسبة غلظة العقوبة وشدتها … والله أعلم …

3- الثالث : أن اللذان هما الرجل والمرأة إذا زنيا دون التفريق بين محصن وغير محصن … ذكر ذلك ابن كثير من قول عكرمة وعطاء والحسن وعبدالله ابن كثير :

📌 تخريج الأقوال :
- أما عطاء فروى عنه الطبري قال اللذان : الرجل والمرأة *
- وروى له ولعبد الله بن كثير الطبري كذلك كليهما بنفس الإسناد قولهما : هذه للرجل والمرأة جميعا .
- وأما عكرمة والحسن فروى عنهما الطبري قولهما : فذكرالرجل بعد المرأة ثم جمعهما جميعا فقال ( واللذان يأتيانها منكم )

4- الرابع : ما ورد عن مجاهد أنها في الرجلين إذا فعلا فعل قوم لوط عليه السلام … ذكره ابن كثير*
وعقب بعده بحديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به )
*
📌تخريج قول مجاهد :*
روى عنه الطبري قوله هذا ( الرجلان الفاعلان لا يكني) ولكنه أورد هذا القول تحت القول الثاني وهو أنهما الرجلان الزانيان ؛ وروى له قولا آخر بذلك

فآذوهما :*
- واختلف في الأذى المأمور به ، فقيل :*
1- هو التعيير والتوبيخ أي هو أذى بالقول ؛ ذكره ابن عطية من قول عبادة والسدي ومثله ذكر الزجاج فقال : يوبخان فيقال لهما زنيتما وفجرتما وانتهكتما حرمات الله*

📌تخريج الأقوال :
لم أجد قولا لعبادة ، ولكني وجدته لقتادة والسدي
-أما قتادة فرواه عنه الطبري قال يؤذيان بالقول جميعا
- وأما السدي فرواه عنه الطبري كذلك ( يعنفان ويعيران )
- وكذلك رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن الأذى باللسان بالتعيير والكلام القبيح لهما بما عملا *

2- وقيل هو النيل باللسان واليد والضرب بالنعال وما أشبههذكره ابن عطية من قول ابن عباس ؛ وابن كثير ونسبه إلى ابن جبير مع ابن عباس
📌 وقد روى الطبري وابن ابي حاتم عن ابن عباس بذلك

3- هو السب والجفاء دون تعييرذكره ابن عطية عن فرقة لم يسمها
- وقد رواه الطبري والهمذاني وابن الجوزي عن مجاهد أن الأذى سب باللسان قال : فآذوهما يعني سبا

🔸والأقوال متقاربة ويقع الأذى بها جميعا سواء بالقول بالسب والشتم أو التعيير أو بأحدهما أو بالتعنيف والتوبيخ أو باليد، فكله داخل في الأذى وكله يصلح عليه لفظ الأذى المأمور به

🔺مسألة : هل نسخ الأذى كما الحبس ؟*
اتفق الفقهاء كما مر على نسخ الحبس للزانية بما أنزله الله من بيان حد الزنا للمحصنة وغير المحصنة*
- ولكن اختلفوا في نسخ الأذى ، فقال بعضهم أن الأذى نسخ كما الحبس ، وقال البعض الأذى باق إذ لا تعارض من بقائه مع الحد

من قال أن الأذى نسخ :*
- وهو حاصل ما ذكره المفسرون الثلاثة ، أن الحكم بالأذى قد نسخ بالحد كما الحبس*
- بل قال ابن عطية أن الإجماع على ذلك ، وذكر عن الحسن ومجاهد وغيرهما قولهم أن*هاتين الآيتين منسوختان بآية الجلد في سورة النور*
- وقد ذكر مكي القول بالنسخ عن قتادة كذلك
*
📌تخريج الأقوال :
- أما قتادة فقد روى عنه عبد الرزاق والطبري قوله أن هذه الآية نسختها الحدود
- وأما مجاهد فقد روى الطبري وابن الجوزي عنه من طريق ابن أبي نجيح ومن طريق ابن جريج وكذلك الهمذاني في قوله ( واللذان يأتيانها منكم ) قال كل ذلك نسخته الآية التي في النور بالحد المفروض
- وأما الحسن وعكرمة فقد روى عنهما الطبري كذلك قولهما في ( واللذان يأتيانها منكم ) نسخ ذلك بآية الجلد *
- وكذلك روى الطبري عن ابن زيد بنسخها

من قال أن الأذى باق لم ينسخ :*
- ذكر الزجاج دون أن يسمي القائل :*الأذى لا ينبغي أن يكون منسوخا عنهما إلا أن يتوبا،*وإن قوله عزّ وجلّ:*{وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}*هو من التوبيخ لهما بأن يفضحا على رؤوس الملأ*».*

- وذكر ابن عطية عمن خالف الإجماع بالنسخ : إلا من*قال:«إن الأذى والتعيير باق مع الجلد لأنهما لا يتعارضان بل يتحملان على شخص واحد، وأما الحبس فمنسوخ بإجماع ... ) ولم يذكر القائل

🔺وقد ذكر الزجاج أن حكم الزانيين في هذه الآيات استغني عنه ، وبقيت فائدة الإشهاد على الزنا بأربعة شهداء

🔹 فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا*
فإن تابا وأصلحا :*
التوبة هي الرجوع عن الذنب والندم على فعله*
- وتابا : أي تركا ما كانا عليه من فعل الفاحشة ورجعا إلى الله وأصلحا أعمالهما وحسنت توبتهما*
وذكر ابن عطية ان هذه العقوبة من الحبس والأذى كانت رجاء توبة الزاني*

فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا*
أي دعوا أذاهما واتركوا تعنيفهما بكلام قبيح … ذكره ابن عطية وابن كثير
فأمر المسلمون بكف الأذى عن الزانيين إن تابا وأصلحا ؛
قال ابن كثير : لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له*…

🔺ذكر ابن عطية أن في اختيار لفظ ( أعرضوا ) في الأمر بكف الأذى عن الزناة بعد توبتهم غض من الزناة وإن تابوا ، لأن تركهم إنما هو إعراض ، فهي متاركة معرض وفي ذلك احتقار لهم بحسب معصيتهم ، و بحسب جهالتهم كم في قوله تعالى ( وأعرض عن الجاهلين )*

- وهذا التعليل مردود- والله أعلم- لأن التوبة تجب الخطايا ،
فقد قال تعالى ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) وقال ( إن الحسنات يذهبن السيئات )
وكما قال ابن كثير التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وأيد ابن كثير ذلك بما ورد في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا) أي لا يعيرها بما صنعت بعد الحد فهو كفارة لفعلها

- ويؤيد هذا حديث رسول الله في ماعز والغامدية*
فقد ورد في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه في قصة رجم ماعز قوله ( فَقَالَ : " اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ ". قَالَ : فَقَالُوا : غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ ".

- وكذلك ما رواه مسلم من حديث رجم الغامدية ( ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ، فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ : " مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ". ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ. )*


- فلم يكن من شأن رسول الله تحقيرهما او التقليل منهما بعد توبتهما وطلبهما التطهير ورجمهما بل أمر الأمة ان تكف عنهما وذكر أن توبتهما كانت توبة نصوحا وهذا ما يستقيم مع قوله سبحانه ( إن الله كان توابا رحيما )، وهذا فيمن زنا وهو محصن فتاب ؛ فكيف بمن كان ذنبه وعقوبته أقل غلظة وشدة وهما البكران إن زنيا …
*
🔹 إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا*
أي يتوب عمن أذنب فتاب ورجع عن ذنبه ومعصيته ويرحمه
*
🔶 مسائل استطرادية :
🔹هل تنسخ السنة القرآن ؟!*
لا خلاف في أن القرآن ينسخ القرآن ،
وإنما اختلف علماء الأمة فيما إن كانت السنة تنسخ القرآن أم لا*
1- قال*ابن عطية : الذي عليه الأئمة أن السنة المتواترة تنسخ القرآن إذ هما جميعا وحي من الله ويوجبان جميعا العلم والعمل وإنما اختلفا في أن السنة نقص منها الإعجاز

2- وذكر ابن عطية عن طائفة قالت أن السنة المتواترة لا تنسخ القرآن وإنما يكون القرآن موقفا ثم تأتي السنة مستأنفة من غير أن تتناول نسخا
ثم عقب بقوله : أن هذا لا يستقيم لأنا نجد السنة ترفع بحكمها ما استقر من حكم القرآن على حد النسخ ولا يرد ذلك نظر ولا ينخرم منه أصل

🔺ومعرفتنا للخلاف في هذه المسألة يفيد في المسألة التالية وهي هل يثبت الجلد للثيب مع الرجم أم يكتفى برجمه دون الجلد

فقد اختلف الفقهاء في :
🔹هل يجمع للثيب الجلد مع الرجم
🔺ومما سبب الاختلاف :
1 - أن آية حد الزاني في سورة النور عممت الحد ولم تفرق بين الثيب والبكر فقد أطلقت اللفظ في الزاني والزانية وهذا يحتمل أن يشمل البكر والثيب معا فقال تعالى ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة )*
ذكر ابن عطية عن البعض أن آية الجلد عامة في المحصن وغير المحصن*

2- والثاني : حديث عبادة بن الصامت الذي ورد في صحيح مسلم والسنن في بيان السبيل الذي جعله الله للزاني ( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ؛ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ )*
فجمع هذا الحديث الرجم مع الجلد للثيب
- ومثله الحديث الذي ذكره ابن كثير عن ابن مردويه بإسناده عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، عن أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «البكران يجلدان وينفيان، والثّيّبان يجلدان ويرجمان، والشّيخان يرجمان». وقال : هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.

3- الثالث : حديث ماعز و الغامدية الذي ورد في الصحيحين حيث رجمهما رسول الله ولم يأمر بجلدهما قبل الرجم ،
كما ورد في حديث الذي في الصحيحين في الأعرابي الذي اختصم لرسول الله في ابنه*؛ فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ - لِرَجُلٍ - فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا ". فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا.

🔺وعليه اختلف الفقهاء :*
1- فذهب الإمام أحمد إلى القول بمقتضى حديث عبادة وهو الجمع بين الجلد والرّجم في حقّ الثّيّب الزّاني… ذكره ابن كثير
- وبين ابن عطية أن من أخذ بجمع الجلد إلى الرجم للثيب اعتبر السنة وإن تواترت لا تنسخ القرآن وإنما تستأنف عليه دون نسخ
- وقال : هاتان الآيتان أعني الجلد والرجم لو لم يقع بيان من الرسول لم يجب أن تنسخ إحداهما الأخرى، إذ يسوغ اجتماعهما على شخص واحد، وحديث عبادة المتقدم يقوي جميعهما، وقد أخذ به علي رضي الله عنه في شراحة جلدها ثم رجمها*وقال : أجلدها بكتاب الله وأرجمها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبذلك قال الحسن وإسحق بن راهويه… ذكر ذلك ابن عطية

2- وذهب الجمهور إلى أنّ الثّيّب الزّاني إنّما يرجم فقط من غير جلدٍ، قالوا: لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجم ماعزًا والغامديّة ، ولم يجلدهم قبل ذلك، فدلّ على أنّ الجلد ليس بحتمٍ، بل هو منسوخٌ على قولهم، واللّه أعلم … ذكر ذلك ابن كثير*

🔺وذكر ابن عطية أن حديث عبادة الوارد في صحيح مسلم والسنن أنه وإن كان صحيحا إلا أنه حديث آحاد ، وقد ثبت بالتواتر أن رسول الله رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما قبل رجمهما*
والسنة المتواترة تنسخ القرآن وهذا ما عليه أهل السنة ، وعليه ففعل رسول الله بالرجم للثيب دون الجلد دل على نسخ الجلد للثيب وأن حكمه بمثابة قوله ارجموا الثيب ولا تجلدوه


🔹وعلى القول بأن عقوبة الجلد للثيب الزاني قد نسخت إلى الرجم ،
- فهل الناسخ في هذه النازلة هو القرآن أم السنة المتواترة ؟
ذكر ابن عطية أن الذي نسخ الجلد للزاني الثيب هو ما ثبت أنه نزل من القرآن ثم نسخ لفظه وبقي حكمه وهو قوله ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) فهو نص في الرجم
ففي رواية مسلم عن عمر بن الخطاب أنه قال : إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ*الرَّجْمِ، قَرَأْنَاهَا، وَوَعَيْنَاهَا، وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ،

▪*قال ابن عطية : ويصح أن نعترض من ينسخ بالسنة في هذه النازلة فنقول: الناسخ من شروطه أن يستقل في البيان بنفسه، وإذا لم يستقل فليس بناسخ، وآية الرجم بعد أن يسلم ثبوتها لا تستقل في النسخ بنفسها، بل تنبني مع الجلد وتجتمع، كما تضمن حديث عبادة بن الصامت، لكن إسقاط الرسول الجلد هو الناسخ، لأن فعله في ذلك هو بمنزلة قوله: لا تجلدوا الثيب، وأما البكر فلا خلاف أنه يجلد

- فقال أنه بجمع ذلك يكون الناسخ لجلد الثيب هو القرآن الذي نزل فيه الرجم و اتفقت الأمة على رفع لفظه ، والمبين لذلك السنة*

🔹وثمة مسالة ثانية اختلف فيها الفقهاء وهي :
هل يلزم نفي البكر بعد جلده*؟
لا خلاف في ان البكر يجلد وذلك في الحد الذي نزل في سورة النور
واختلفوا في نفيه،
1- فقال الخلفاء الأربعة وابن عمر ومالك والشافعي وجماعة: لا نفي اليوم،
2- وقالت جماعة: ينفى وقيل: نفيه سجنه،
ولا تنفى المرأة ولا العبد، هذا مذهب مالك وجماعة من العلماء،
ذكر ذلك ابن عطية

هذا والله أعلم

* أعتذر عن الإطالة ؛ أعلم أن المطلوب تلخيص المسائل لا بحثها ، لكن عند تخريج الأقوال وجدت في التخريج توضيحات ما استطعت أن أوردها دون أي تعقيب ، ووجدت مسائل الآيتين متشابكة ومتداخلة ولكونها تتعلق بحكم فقهي عليه خلاف ، وقد حاولت أن لا أطيل وأن أكتفي بذكر المسائل الخلافية باختصار ، مع ما أورده المفسرون من تعقيب عليها ، أما ما تعلق بتفسير الآية من خلاف حول المراد والمقصود بحكمها فوجدتني مضطرة إلى شيء من التوضيح للأقوال …

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 رجب 1441هـ/4-03-2020م, 06:48 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تصحيحي لتطبيق هناء:
أحسنت جدا، عرض ممتاز، استخلاص للمسائل جيد، مرتب، ومنظم.
مع ملاحظة ذكر من هم المفسرين عند قولك: حاصل ما ذكره المفسرون.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 ذو القعدة 1441هـ/4-07-2020م, 04:11 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)}
-مرجع الإشارة في قوله "تلك":
الإشارة عائدة على القسمة المتقدمة في المواريث. ذكره ابن عطية وابن كثير.
-الحد في اللغة:
الحجز المانع لأمر ما أن يدخل على غيره أو يدخل عليه غيره. ذكره ابن عطية وأشار إلى مثله الزجاج وابن كثير.
-المراد بالحد في الآية:
*قال السدي: شروط الله.
*وقال ابن عباس: طاعة الله.
*وعند بعضهم: سنة الله.
*وعند بعضهم: فرائض الله.
والصحيح أن هذا كله معنى واحد وعبارة مختلفة. كما ذكره ابن عطية.
-تخريج الأقوال:
قول السدي: رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أحمد بن مفضّلٍ، عن أسباطٌ، عنه.
قول ابن عباس: رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أبي صالحٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عنه.
-متعلق الطاعة في قوله "ومن يطع الله":
أي: في المواريث والفرائض، فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضًا بحيلةٍ ووسيلةٍ، بل تركهم على حكم اللّه وفريضته وقسمته. ذكره ابن كثير وقال بمثله الزجاج على عموم المعنى في حدود الله وشرائعه, والمعنى العام صحيح ويتفق فيه الكل وإن اختلفت تعبيراتهم.
-المراد بقوله "من تحتها":
أي: من تحت بنائها، وأشجارها الذي من أجله سميت جنة. ذكره ابن عطية. [أكملي ما ذكره ابن عطية ليتضح معنى قوله " من تحت بنائها " فقد أعقب ذلك بقوله " لأن أنهار الجنة إنما هي على وجه أرضها في غير أخاديد"]
-معنى"خالدين فيها":
أي: يدخلهم مقدّرين الخلود فيها، والحال يستقبل بها. ذكره الزجاج ووافقه ابن عطية.
[فاتكِ مسألة: دلالة جمع " خالدين " بعد الإفراد في قوله " يطع " و " يدخله " ، ذكرها ابن عطية]

تفسير قوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)}
-القراءات في الآية:
قرأ نافع وابن عامر «ندخله» بنون العظمة، وقرأ الباقون، يدخله بالياء فيهما جميعا. ذكره ابن عطية.
-معنى التعدي في اللغة:
المجاوزة. ذكره الزجاج وابن كثير وأشار إليه ابن عطية.
-المراد بتعدي حدود الله في الآية:
مجاوزة ما حده الله وأمر به. ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
-محل "خالدا" الإعرابي في الآية:
* يجوز أن يكون من نعت النار.
*ويجوز أن يكون: منصوبا على الحال، أي: يدخله مقدّرا له الخلود فيها. ذكره الزجاج.
-استخدام أسلوب الوعد والوعيد في الآيتين الكريمتين, وهو أسلوب معهود من أساليب القرآن. كما ذكره ابن عطية.
-تقرير مسألة "الجزاء من جنس العمل" في الآية الكريمة:
قال ابن كثير: لكونه غيّر ما حكم اللّه به وضادّ اللّه في حكمه. وهذا إنّما يصدر عن عدم الرّضا بما قسم اللّه وحكم به، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم.
-مصداق الآية الكريمة في السنة النبوية:
*قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن أيّوب، عن أشعث بن عبد اللّه، عن شهر ابن حوشب، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنةً، فإذا أوصى حاف في وصيّته، فيختم بشرّ عمله، فيدخل النار؛ وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشّرّ سبعين سنةً، فيعدل في وصيّته، فيختم له بخير عمله فيدخل الجنّة». قال: ثمّ يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {تلك حدود اللّه} إلى قوله: {عذابٌ مهينٌ}.
*وقال أبو داود في باب الإضرار في الوصيّة من سننه: حدّثنا عبدة بن عبد اللّه أخبرنا عبد الصّمد، حدّثنا نصر بن عليٍّ الحدّاني، حدّثنا الأشعث بن عبد اللّه بن جابرٍ الحدّاني، حدّثني شهر بن حوشب: أنّ أبا هريرة حدّثه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ الرّجل ليعمل أو المرأة بطاعة اللّه ستّين سنةً، ثمّ يحضرهما الموت فيضاران في الوصيّة، فتجب لهما النّار » وقال: قرأ عليٌّ أبو هريرة من هاهنا: {من بعد وصيّةٍ يوصى بها أو دينٍ غير مضارٍّ} حتّى بلغ: {وذلك الفوز العظيم}.
وهكذا رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث ابن عبد اللّه بن جابرٍ الحدّاني به، وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ، وسياق الإمام أحمد أتم وأكمل. ذكره ابن كثير.

التقويم: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
وأؤكد على أهمية أن تضيفي لتلخيصكِ ما يظهر لكِ من مسائل في الآيات لم تتناولها التفاسير الثلاثة، بحيث إن أردتِ بعد ذلك تحريرها وإضافتها لأصلكِ العلمي.
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 14 ذو القعدة 1441هـ/4-07-2020م, 06:40 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عقيلة زيان مشاهدة المشاركة
( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء : 17].
· المعنى الجملي للآية:
-إنما يتقبل الله التوبة ممن عمل السوء بجهالة ، ثم يتوب قبل معاينة المَلَك الموت لقبض روحه قَبْلَ الغَرْغَرَة ." ذكره ابن كثير
· دلالة "إنما " على الحصر
إنما: " إنَّ " حرفٌ مكفوفٌ ب " ما " الزائدة عن العمل ؛ وهي تفيد الحصر؛ وهو مقصد المتكلم بها أبدا
والحصر بها قد يكون حقيقي كقوله تعالى :" { إنما الله إله واحد }
وقد يكون الحصر إضافي كقولنا : إنما الشجاع عنترة .
· معنى التوبة لغة
التوبة من تاب يتوب توبة وهو الرجوع يقال تاب وأناب إذا رجع .
· معنى التوبة " شرعا"
التوبة في عرف الشرع :الرجوع من شر إلى خير . وحدها :الندم على فارط فعل
ويجب تقييد ذلك الندم من حيث هو معصية لله عزوجل؛أما إن كان ندم العبد لأجل أنه لحقه ضر في بدنه أو ماله فلا يسمى ذلك الندم توبة
· وجوب التوبة على جميع المؤمنين
والتوبة فرض على المؤمنين بإجماع الأمة . .ذكره ابن عطية
· شروط التوبة
شروط ذكرها ابن عطية ملخصها :
-الندم على أنه عصى الله عزوجل وخالف أمره
-العزم على عدم العودة إلى ذلك الفعل ؛إن كان ذلك الفعل مما يمكن هذا النادم فعله في المستأنف
وإن لم يعزم على ترك الذنب في المستقبل يكون مصرا عليه ولا تصح توبته وإن ندم على فعله.
لأن الندم المجرد عن العزم لا يكفي في تحقق التوبة
وأما إن كان ذلك الفعل مما لا يمكن هذا النادم فعله في المستأنف فهذا لا يحتاج إلى شرط العزم على الترك .
· تجزئة التوبة

[ويضاف التوبة قبل الغرغرة أو ظهور علامات الساعة الكبرى
والأول مستفاد من قوله تعالى :{ ثم يتوبون من قريب}، في مقابلة الآية الثانية {حتى إذا حضر أحدهم الموت}]

هل يشترط في التوبة الإقلاع من جميع الذنوب ؛أم لا يشترط ذلك فتصح التوبة من ذنب مع الإقامة على ذنب آخر من نوعه
ذهب المعتزلة إلى أنهلا يكون تائباً من أقام على ذنب ، ورجح ابن عطية أن التوبة تصح من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه ، خلافاً للمعتزلة.
· معاودة الذنب بعد التوبة
-إذا تاب العبد توبة صادقة تاب الله عليه، ثم ابتلي بالذنب مرة أخرى هل تكون توبته الأولى صحيح أم لا ؟
قال ابن عطية : وتصح التوبة وإن نقضها التائب في ثاني حال بمعاودة الذنب ، فإن التوبة الأولى طاعة قد انقضت وصحت ، وهو محتاج بعد موافقة الذنب إلى توبة أخرى مستأنفة ، والإيمان للكافر ليس نفس توبته ، وإنما توبته ندمه على سالف كفره ." اهـ
· "دلالة "على الله" على الوجوب.
قوله تعالى" إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ" هل يقتضى الوجوب على الله عزوجل؟أي هل يجب على الله قبول توبة التائبين؟
ذهبت المعتزلة بأنه يجب على الله أن قبول توبة التائبين؛ بل أاوجبوا على الله جملة من الواجبات كأن يثيب الطائعين ويعاقب العاصين وأن يفعل الأصلح لعباده؛ لأنهم يرون أن الله إذا لم يفعل ذلك قد أخل بما هو واجب عليه وإخلاله تعالى بما هو واجب علي ظلم منه كما يزعمون –تعالى الله عما يقولون علوا كبير-
وقولهم هذا مبني على أصل من أصولهم وهو مسألة التحسين والتقبيح العقليين ؛ فقد قرروا أن ما ثبت حسنه بالعقل يجب على الله فعله ؛وما ثبت قبحه بالعقل فإنه يجب على الله عدم فعله..
فآل الأمر أن العقل هو مقتضى التحسين والتقبيح عندهم؛ فما يجب على الله وما يمتنع راجعة الى دلالة العقل عند المعتزلة ..فقبول التوبة واجبة عقلا عند المعتزلة
وذهب الأشاعرةأنه لا يجب على الله قبول توبه التائبين ؛لأن الله لا يجب عليه شيء فهو المالك على الإطلاق، وله التصرف في ملكه كيف يشاء ولا يسأل عما يفعل؛ بل هو فعال لما يريد؛ ولا واجب إلا بموجب و ليس فوقه سبحانه موجب .... وقولهم هذا مبناه على نفي التحسين والتقبيح العقليين؛ونفي الحكمة والتعليل في أفعال الله ..
وأجابوا عن الآيات القاطعة الدالة على أن الله يقبل التوبة عن عبده إذا تاب توبة نصوحا قالوا أنه ذلك حكم بالظاهر و الأخذ بظاهر النص لا يفيد القطع؛ وغاية ما يفيده غلبة الظن
فقبول التوبة ظني ليس بقطعي.قال أبو المعالي وغيره : فهذه الظواهر إنما تعطي غلبة ظن لا قطعاً على الله بقبول التوبة . اهـ
وقد خالف في ذلك بعض الأشاعرة فقالوا: أن من تاب توبة نصوحا يقطع على الله تعالى بقبول توبته ، كما أخبر عن نفسه عز وجل .
و قال ابن عطية : وكان أبي رحمة الله عليه يميل إلى هذا القول ويرجحه ، و به أقول.اهـ
.
وهو القول الثالث:
وهو قول أهل السنة أن الله تعالى عليه واجبات ومحرمات ؛ لكنه هو الذي أوجبها وحرمها على نفسه لكمال حكمته ورحمته فهو يفعل ما هو واجب ولا يفعل ما هو محرم.
-فلا إيجاب على الله سبحانه وتعالى إلا ما أوجبه الله تعالى هو على نفسه إيجاب فضل ورحمه وكرم على عباده و ليس فوقه سبحانه موجب ؛ وهو سبحانه يفعل لكمال حكمته .
ولا حض للعقل في الإيجاب على الله ولا في المنع على الله ؛ ولا حض له في معرفة وإدراك ما الذي يجب على الله وما الذي يمتنع عليه ؛ بل مرجع ذلك كله إلى السماع .فالنص هو المرجع والحاكم في إثبات ما أوجبه الله على نفسه إيجاب رحمة وفضل ؛ فما دل عليه النص أثبتناه وما لم يدل عليه نسكت عنه
ومنه قوله تعالى :" كتب ربكم على نفسه الرحمه" وقوله :" كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ" وقوله{ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} وقوله "{ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ"}
وفي حديث : " ..وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً)"
فمن تاب توبة نصوحا لله عزوجل نقطع بقبول توبته لأن الله أخبر بذلك لا لكون العقل يدل عليه
لهذا قدر ابن عطية في قوله تعالى " على الله " محذوفا وهو على فضل الله ورحمته لعباده.ليبين أن هذا الإيجاب هو محض فضل من الله ورحمه على عباده ليس بإيجاب موجب
وقال ابن عطية دفاعا على ما ذهب إليه :" والله تعالى أرحم بعباده من أن ينخرم في هذا التائب المفروض معنى قوله تعالى : { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } وقوله { وإني لغفار لمن تاب وآمن }
· المراد بالسوء
و { السوء } في هذه الآية يعم الكفر والمعاصي ذكره ابن عطية
وفي وجه تسمية المعاصي "السوء" قال رشيد رضا:" فالسوء هو العمل القبيح الذي يسوء فاعله إذا كان عاقلا سليم الفطرة كريم النفس أو يسوء الناس ويصدق على الصغائر والكبائر ." اهـ
· المراد "بجاهلة"
في المراد "بجهالة " أقوال:
القول الأول:عمل السوء هو الجهالة ؛ فكل ذنب أصابه الإنسان فهو بجهالة؛ وكل عاص عصى فهم بجهالة وهو قول وابن عباس (68) أبي العالية( 93) ومجاهد ( 104) وعطاء ابن أبي رباح ( 114) و وقتادة ( 117) والسدي ( 127) وابن زيد ( 182) وهو قول مقاتل .(150)
[ ما دلالة هذه الأرقام؟]
قال مقاتل: فكل ذنب يعمله المؤمن فهو جهل منه
وعلى هذا القول يكون معنى الباء في "بجاهلة" المصاحبة ؛ أو الملابسة أي يعملون السوء ملتبسين بالجهالة أو يعلون السوء مصاحبين للجهالة .وعليه يكون قوله "بجهالة" صفة كاشفة وليست قيدا
تخريج الأقوال
قول ابن عباس
أخرجه ابن جرير من طريق أبي صالح عن ابن عباس
قول أبي العالية
- أخرجه ابن جرير وابن المنذر من طريق قتادة وأخرجه عبد ابن حميد كما عند السيوطي.
-وأخرجه عبد ابن حميد في تفسيره و ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الربيع ابن أنس
قول مجاهد
- أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح و عبد بن حميد كما عند السيوطي
-وأخرجه ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق عثمان بن الأسود
قول عطاء
أخرجه عبد الله بن وهب في تفسيره من طريق ابن جريج
قول قتادة
أخرجه عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر
قول السدي
أخرجه ابن جرير من طريق أسباط
قول ابن زيد
أخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب
وجه هذا القول:
1 : اجتماع كلمه السلف على هذا المعنى وذكر لك قتادة
فقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : قال : اجتمع أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم فرأوا أن في كل شيء عصي به تعالى فهو جهالة ، عمدا كان وغير ذلك." اهـ
و أسنَدَه الإمامُ ابن المنذر في "تفسيره" من طريق قتادة، عن أبي العالية الرياحي، قال: "اجتمع رأيُ رهطٍ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ كل ذنب أصابه ابنُ آدم فهي جهالة".
وصرح بالإجماع الإمام القرطبي في تفسيره ونسبه إلى قتادة .قال القرطبي :" رأيتُه يقول: "قال قتادة: أجمَع أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم على أنَّ كلَّ معصيةٍ فهي بجَهالة، عمدًا كانت أو جهلًا؛ وقاله ابنُ عبَّاس وقتادة، والضحَّاك ومجاهد، والسدِّي".
2- أن الآية موافقة لكثير من نظائرها من آيات القران التى فيها إطلاق الجهالة على فعل المعاصي كقوله تعالى :" {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } وكقوله تعالى :" { قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} ؛ وكقوله تعالى :" {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } .
3- أن هذا المعنى موافق لما دل عليه مفهوم قوله تعالى " إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء" وكقوله تعالى :" { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ "
فكل من خشي الله وأطاعه وترك معصيته فهو عالم فإنه لا يخشاه إلا عالم؛ ولا يعصيه إلا جاهل ؛ فكل عَاصٍ لِلَّهِ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَكُلَّ خَائِفٍ خاش مِنْهُ فَهُوَ عَالِمٌ.
وَإِنَّمَا يَكُونُ جَاهِلًا لِنَقْصِ خَوْفِهِ مِنْ اللَّهِ إذْ لَوْ تَمَّ خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ لَمْ يَعْصِ ؛ كما قال ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ:" عَنْهُ كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ جَهْلًا"
قال شيخ الإسلام" فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ يُوجِبُ الْخَشْيَةَ الْحَامِلَةَ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنَاتِ. وِتْرِك السَّيِّئَاتِ. وَكُلُّ عَاصٍ فَهُوَ جَاهِلٌ. لَيْسَ بِتَامِّ الْعِلْمِ. يُبَيِّنُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ أَصْلَ السَّيِّئَاتِ الْجَهْلُ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ. ...)اهـ
4- أن الجاهلة يطلق ويراد بها السفه؛ لأن أساء المعاملة وأقدم على العمل دون روية ؛ فارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة ، لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل. فمن آثار اللذة الفانية عن الحياة الآخرة فهو جاهل وما ذلك إلا لسفهه وقلة حكمته ورجاحة عقله وسماه الزجاج جهل في الاختيار ؛ و قال ابن عاشور :" وهي ما قابل الحِلم"
قال رشيد رضا :" والجهالة الجهل وتغلب في السفاهة التي تلابس النفس عند ثورة الشهوة أو سورة الغضب فتذهب بالحلم وتنسي الحق"
5- أن كل عمل يعصى به الله فصاحبه جاهل فإن كان العاصي متعمدا ، فهو جاهِلٌ بعظَمَة اللهِ سبحانه، وما قدَرَه حقَّ قدره حالَ معصيته. . وإن كان العاصي جاهلا بكون هذا الفعل معصية ، فهو جاهِلٌ بأمر اللهِ ودينه فيما عصاه.
وفي وجه تسمية عمل السوء جهالة يقول ابن عاشور : وذكر هذا القيد هنا لمجرّد تشويه عمل السوء ، فالباء للملابسة ، إذ لا يكون عمل السوء إلاّ كذلك."
6- ولا يصح حمل الجهالة بمعنى الجهل الذي هو ضد العلم لأن يلزم منه كون العامد للمعصية لا توبة له وهذا مخالف للإجماع ولما هو معلوم من الدين بالضرورة.
القول الثاني:الجهالة هو العمد هو قول مجاهد( 104) والضحاك ( 105) .
تخريج الأقوال
قول مجاهد
-وأخرجه ابن جرير و ابن أبي حاتم من طريق جابر
قول الضحاك
أخرجه ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك قال الجهالة العمد وكذا أخرجه ابن أبي حاتم بلفظ.
[؟؟؟]
وجه هذا القول أن من أقدم على المعصية جاهلا بها كان كمن لم يواقع سوءا فليس عليه توبة بل كل ما يجب عليه تعلم الحكم والالتزام به في مستقبل أمره
القول الثالث: الجهالة الدنيا وهو قول عكرمة (105)
وعلى هذا القول يكون الباء في "بجهالة" معناها الظرفية أي يعملون السوء في الدنيا
التخرج
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال" الدنيا كلها جهالة" و في رواية زيادة "الدنيا كلها قريب كلها جهالة"
وقد علق ابن عطية على قول عكرمة بقوله :" يريد الخاصة بها الخارجة عن طاعة الله ، وهذا المعنى عندي جار مع قوله تعالى : { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } وقد تأول قوم قولَ عكرمة "بأنه للذين يعملون السوء في الدنيا ".
فكأن «الجهالة » اسم للحياة الدنيا ، وهذا عندي ضعيف.."
نقاش
وبالنظر إلى نصوص الكتاب والسنة يظهر أن الجهل يطلق ويراد به أحد أمرين ما يضاد ويناقض العلم؛ أو ما يناقض العمل؛ جهلة علم و جهالة عمل
قال ابن القيم :" الْجَهْلُ نَوْعَانِ: عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ النَّافِعِ، وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ وَمُقْتَضَاهُ، فَكِلَاهُمَا جَهْلٌ لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا وَحَقِيقَةً " مدارج السالكين

وقد حمل الزجاج -كما في زاد المسير - الآية على المعنيين قال رحمه الله :وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ يَجْهَلُونَ أَنَّهُ سُوءٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ أَتَى مَا يَجْهَلُهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يُوَاقِعْ سُوءًا؛ وَإِنَّمَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ. (أَحَدُهُمَا) : أَنَّهُمْ عَمِلُوهُ وَهُمْ يَجْهَلُونَ الْمَكْرُوهَ فِيهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أَقْدَمُوا عَلَى بَصِيرَةٍ وَعِلْمٍ بِأَنَّ عَاقِبَتَهُ مَكْرُوهَةٌ وَآثَرُوا الْعَاجِلَ عَلَى الْآجِلِ؛ فَسُمُّوا جُهَّالًا لِإِيثَارِهِمْ الْقَلِيلَ عَلَى الرَّاحَةِ الْكَثِيرَةِ وَالْعَافِيَةِ الدَّائِمَةِ. اهـ
وجهالة علم نوعان: جهل بسيط وهو عدم العلم وجهل مركب وهو علم بما هو مخالف للحقيقة الأمر ؛ وبهذا يصير إطلاقات الجهل ثلاثة أنواع جهل بسيط ؛جهل مركب وجهل العمل ؛ قال الراغب في المفردات :"الجهل على ثلاثة أضرب:
الأول: هو خلوُّ النَّفس من العلم؛ وهذا هو الأصلُ، وقد جعَل ذلك بعضُ المتكلِّمين معنى مقتضيًا للأفعال الخارِجةِ عن النِّظام، كما جعل العلمَ معنًى مقتضيًا للأفعال الجارية على النِّظام.
والثاني: اعتقاد الشَّيء بخلاف ما هو عليه.
والثالث: فعلُ الشيء بخلاف ما حقه أن يُفعَل، سواء اعتقَد فيه اعتقادًا صحيحًا أم فاسدًا؛ كمن يَترك الصلاةَ عمدًا..
وفي وجه تسمية ترك العمل جهلا مع العلم به يقول ابن جرير : "فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثله إلا من جهل عظيم عقاب الله عليه أهله في عاجل الدنيا وآجل الاَخرة ، فقيل لمن أتاه وهو به عالم : أتاه بجهالة ، بمعنى : أنه فعل فعل الجهال به ، لا أنه كان جاهلاً ."
ويقول ابن تيمية :" وسبب ذلك أن العلم الحقيقي الراسخ في القلب يمتنع أن يصدر معه ما يخالفه من قول، أو فعل فمتى صدر خلافه فلا بد من غفلة القلب عنه، أو ضعفه في القلب بمقاومة ما يعارضه وتلك أحوال تناقض حقيقة العلم فيصير جهلا بهذا الاعتبار.اهـ اقتضاء الصراط المستقيم
و يقول ابن القيم في ذلك أيضا :" وَسُمِّيَ عَدَمُ مُرَاعَاةِ الْعِلْمِ جَهْلًا، إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ، فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْجَهْلِ، وَإِمَّا لِجَهْلِهِ بِسُوءِ مَا تَجْنِي عَوَاقِبُ فِعْلِهِ." المدارج

فكل من عصى الله فهو جاهل ..جهالة علم أو جهالة عمل والأول راجع لفساد القوة العلمية والثاني راجع لفساد القوة العملية . عدم العمل و عدم الإرادة..و الكمال الْمُطْلَقُ لِلْإِنْسَانِ هُوَ تَكْمِيلُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ عِلْمًا وَقَصْدًا
وشجرة الإيمان ركائزها العلم والعمل ؛ فالخلل الحاصل في أحدهما ينسحب إلى الإيمان ؛ فما عصى الله عبد مؤمن إلا لضعف إيمانه وقلة بصيرته ..
· المراد " ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ"
في ذلك أقوال:
القول الأول : يتوبون قبل معاينة ملك الموت وهو قول ابن عباس(68) ؛عبد الله ابن عمر(74) ؛ الحسن البصري(110) الضحاك ( 105) ؛محمد بن قيس وأبي مجلز

قال أبو موسى الأشعري : هو أن يتوب قبل موته بفواق ناقة
- عن عبد الله قال: لو غرغر بها يعنى المشرك بالإسلام لرجوت له خيرا كثيرا


تخريج الأقوال
قول ابن عباس أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي ابن أبي حاتم
قول عبد الله بن عمر أخرجه عبد بن حميد من طريق منصور عن رجل عن عبد الله .

قول الحسن البصري أخرجه ابن أبي حاتم من طريق حوشب

قول الضحاك : أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق النضر بن طهمان و أخرجه عبد بن حميد كما عند السيوطي
وأخرجه ابن المنذر مختصرا من طريق أبي ليلى
قول أبي مجلز أخرجه ابن جرير من طريق عمران بن حُدَيـــْر
قول محمد بن قيس أخرجه ابن جرير من طريق أبي معشر
التوجيه
والحجة في ذلك ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ وفي رواية: مَنْ تَابَ إِلَى اللهِ قَبْلَ أَنْ يُغَرْغِرَ، قَبِلَ اللهُ مِنْهُ " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم

القول الثاني: يتوبون قبل الموت وهو قول مجاهد (104) ؛عكرمة (105) ؛ ابن زيد ( 182)وأبي قلابة ...وهو قول مقاتل
قال مقاتل: { ثم يتوبون من قريب } ، يعني قبل الموت .اهـ

تخريج الأقوال
قول مجاهد: أخرجه ابن المنذر من طريق عثمان بن الأسود
قول عكرمة أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق الحكم ابن أبان و أخرجه عبد بن حميد كما عند السيوطي
قول ابن زيد أخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب
قول أبي قلابة : أخرجه ابن أبي شيبة و ابن جرير من طريق قتادة

القول الثالث: يتوبون في صحتهم قبل موتهم وقبل مرضه وهو قول ابن عباس(68) والسدي(127). .
تخريج الأقوال
-قول ابن عباس أخرجه ابن جرير من طريق أبي صالح
-قول السدي أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أسباط




· النقاش
لا تعارض بين ما ذكر من أقوال المفسرين في المراد ب"ثم يتوبون من قريب" فنظر أصحاب القول الثاني والثالث إلى أحسن الأوقات للتوبة وهو ما كان العبد حيا صحيحا لم يهجم عليه المرض بعد ..و نظر أصحاب القول الأول إلى تحديد آخر وقت التوبة ؛ فباب التوبة مفتوح ما لم يغرر العبد ..ما لم يرى ملك الموت بعد
ومما يقوي ذلك النصوص الكثيرة الدالة على ذلك

-عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ». رواه الترمذي وغيره
-أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا وكان مريضا فعرض عليه الإسلام فأجابه .فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ "
رواه أحمد وغيره
- ولما حضرت أبا الطالب الوفاه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ)
وقد علل بعض أهل العلم سبب عدم قبول التوبة عند الغرغرة لأنها توبة اضطرار لا توبة اختيار .
قال ابن القيم ::" وَأَمَّا إِذَا وَقَعَ فِي السِّيَاقِ فَقَالَ: إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَوْبَةُ اضْطِرَارٍ لَا اخْتِيَارٍ، فَهِيَ كَالتَّوْبَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعِنْدَ مُعَايَنَةِ بَأْسِ اللَّهِ." المدارج
وعلل ابن عطية أن وقت الغرغرة يتعذر فيه تحقيق شروط التوبة وهي الندم والعزم على عدم الرجوع إلى الذنب قال رحمه الله بعدما ذكر أن التوبة مقبولة قبل وقت الغرغرة فعلل بقوله :" لأن الرجاء فيه باق ويصح منه الندم والعزم على ترك الفعل في المستأنف ، فإذا غلب تعذرت التوبة لعدم الندم والعزم على الترك
· معنى حرف ا لجر "من" في "من قريب"
قيل "من" لابتداء الغاية ؛ "قريب" أي قريب إلى وقت الذنب .والمراد التعجيل بالتوبة بحيث تكون عقب الذنب ..قال الرازي :" يجعل مبتدأ توبته زمانا قريبا من المعصية لئلا يقع في زمرة المصرين" اهـ
وقيل "من" للتبعيض
والمراد يتوبون في بعض الأزمنة القريبة ؛ والحياة كلها زمن قريب ما دام لم يُعان الموت ؛ أما ما دخل في غم الحشرجة فقد فاته الزمن القريب ؛ ، كأن الآية سمت ما بين وجود المعصية وبين حضور الموت زمانا قريبا؛ ففي أي جزء من أجزاء هذا الزمان أتى بالتوبة فهو تائب من قريب ، وإلا فهو تائب من بعيد.
وقال ابن عطية " ومدة الحياة كلها قريب ، والمبادر في الصحة أفضل ، والحق لأمله من العمل الصالح ."اهـ
· مناسبة ختم الآية ب "وكان الله عليما حكيما"
وختمت الآية بقوله "وكان الله عليما حكيما" لتناسب ما سبق ذكره في الآية
فالله عليم بمن أتى بتلك المعصية لاستيلاء الجهالة عليه ، عليم من يسارع بالتوبة وعليم بمن يؤخر التوبة ؛ عليم بمن توبته نصوح من غيره .. وهو سبحانه حكيم ؛ فعله صادر عن حكمة ؛ فعن حكمة قبل توبة الواحد ولو يوفق الآخر حتى هلك
قال الله تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )
· نزول الآية:
وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر و بن أبي حاتم من طريق الربيع ابن أنس عن أبي العالية في قوله : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ } قال هذه في أهل النفاق
أخرج ابن جرير من طريق أبي جعفر الرازيعن الربيع : { إنّمَا التّوْبَةُ على اللّهِ للّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوء بِجَهالَةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } قال : نزلت الأولى في المؤمنين ، ونزلت الوسطى في المنافقين ، يعني : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ } والأخرى في الكفار ، يعني : { وَلا الّذِينَ يَموتونَ وَهمْ كفّارٌ } .
· المعنى الجملي للآية:
من كان قائما على المعاصي و كبائر الذنوب ثم حضره الموت بحيث آيس من الحياة الدنيا ؛ وعاين ملك الموت وحشرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر وبلغت الحلقوم وغرغرت النفس فهذا ليس له توبة وإن قال إني تبت الآن وكذالك الحال من مات وهو كافر بالله فهذا لا توبة له بل مصيره إلى عذاب أليم .
ونظائر هذه الآية في القران كثير كما هو الحال مع فرون فإنه لما صار في غمرة الماء والغرق أظهر الإيمان
فقال الله عزوجل:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)} .
كما قال تعالى:{ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ]
وكما حكم تعالى بعدم توبة أهل الأرض إذا عاينوا الشمس طالعة من مغربها كما قال تعالى : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا } .
· المراد بالذين يعملون السيئات
لأهل العلم في ذلك أقوال :

أولا: أن المراد بهم المشركين وهو قول ابن عباس (68) ؛ وسفيان الثوري (161) وهو قول مقاتل (150)
التخريج:
قول ابن عباس أخرجه ابن المنذر من طريق عكرمة عن ابن عباس
قول سفيان أخرجه ابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن محمد بن جُحادة
ثانيا: أن المراد بهم المنافقين وهو قول أبي العالية (95) والربيع بن أنس( 139) وسعيد ابن جبير
التخريج:
قول أبي العالية أخرجه عبد ابن حميد وابن المنذر و بن أبي حاتم من طريق الربيع ابن أنس عن أبي العالية .
قول الربيع بن أنس وأخرج ابن جرير من طريق أبي جعفر الرازيعن الربيع ..
الثالث :أن المراد بهم عصاة المسلمين وهو قول سفيان الثوري(161)
التخريج:
قول سفيان الثوري
-الرابع :أن المراد بهم أهل الإيمان ثم نسخت وهو قول ابن عباس(68)
التخريج: قول ابن عباس أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحه عن ابن عباس
النقاش
رجح ابن جرير أن المراد ب"وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ" أهل الإسلام وحجته في ذلك ظاهر الآية وسياقها وسباقها وكذا الدلالة العقلية
قال رحمه الله :" وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ما ذكره الثوري أنه بلغه أنه في الإسلام ، وذلك أن المنافقين كفار ، فلو كان معنيا به أهل النفاق لم يكن لقوله : { وَلا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كفّارٌ } معنى مفهوم ، لأنهم إن كانوا هم والذين قبلهم في معنى واحد من أن جميعهم كفار ، فلا وجه لتفريق أحد منهم في المعنى الذي من أجله بطل أن تكون توبة واحد مقبولة . وفي تفرقة الله جلّ ثناؤه بين أسمائهم وصفاتهم بأن سمى أحد الصنفين كافرا ، ووصف الصنف الأخر بأنهم أهل سيئات ، ولم يسمهم كفارا ما دلّ على افتراق معانيهم ، وفي صحة كون ذلك كذلك صحة ما قلنا ، وفساد ما خالفه ."
والذي يظهر -والعلم عند الله- أن الآية باقية على عمومها ؛ فذكر الله عزوجل حكم عام لكل من عاين الموت وهو مصر على معصيته لم يتب منها ؛ سواء كان تلك المعصية شركا أو نفاقا أو كبيرة من كبائر الذنوب وهذا خاص بأهل الإسلام ؛ فجميعهم إذا تاب حال قبض الروح وقال إني تبت الآن فلا تقبل توبتهم ؛لا توبة لهم عند الله .لأنها توبة اضطرار لا توبة اختيار
وهذا الذي يظهر من صنيع المفسرين أجروا الآية على عمومها ولم يخصوها بصنف دون صنف
ثم قال الله تعالى :" وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ" بيان لحال الكفار أن عدم قبول توبتهم مستمر إلى ما بعد الموت ومعاينة العذاب فحينها لا ينفعهم ندمهم ولا استغاثتهم كما قال تعالى :" {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}
وكقوله :" {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } .
وكقوله :" {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }.
وفي تخصيص الكفار بعدم قبول توبتهم بعد الموت ؛والسكوت على أهل الإيمان في ذلك ؛ في إشارة إلى أن أمرهم راجع إلى مشيئة الله عزوجل إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم وهو سبحانه الحكيم
مناقشة القول بنسخ الآية:
ذهب ابن عباس أن الآية منسوخة [التخريج] قال رضي الله عنه ، قوله : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ المَوْتُ قالَ إنّي تبْتُ الاَنَ وَلا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفّارٌ } فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك : { إنّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ } فحرّم الله تعالى المغفرة على من مات وهو كافر ، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته ، فلم يؤيسهم من المغفرة .
وأورد ابن عطية قولا للربيع مشابها لقول ابن عباس لكن لم أجد تخريجه
رد دعوى النسخ
ذهب طائفة من أهل العلم أن دعوى نسخ الآية غير صحيحة بحجة أن الآية خبر من جملة الأخبار و الأخبار لا تنسخ.
وتعقب ابن عطية هذه الحجة أن الآية و إن كانت من الأخبار إلا أن المراد منها الطلب ؛ مفادها تقرير حكم شرعي ؛وإنما يمتنع النسخ عن الخبر المحض الذي لا يفيد شريعا حكم ؛ وهذا كثير في القران
قوله تعالى : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } ؛ ونحو قوله تعالى . { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين }
-ورد ابن عطية دعوى النسخ ولم يقبلها ؛بحجة النسخ لا يصار إليه إلا حالة تعذر الجمع بين النصوص وحيث أمكن الجمع بين الآيتين فلا نسخ
وحاول الجمع بين الآيتين فذكر رحمه الله أن قوله تعالى :" "وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ" ليس فيها نفي مغفرة الله للعاصي الذي لم يتب من قريب ؛بل فيها نفي التوبة عن الذي تاب لما حضرته الوفاة ؛ وفرق بينهما ؛ فكل من تاب وقت قبول التوبة "من قريب" فتوبته مقبولة قطعا أو ظنا على ما سبق بيانه من مذاهب أهل العقيدة؛وهذا حكم عام لكل الناس مسلمهم وكافرهم ؛ و أما العاصي الذي لم يتب ومات مصرا على معصيته فهو داخل تحت المشيئة وأما الكافر إن مات على كفره فلا توبة له البتة
قال رحمه الله :" فالعقيدة عندي في هذه الآيات : أن من تاب من قريب فله حكم التائب فيغلب الظن عليه أنه ينعم ولا يعذب ، هذا مذهب أبي المعالي وغيره ، وقال غيرهم : بل هو مغفور له قطعاً ، لإخبار الله تعالى بذلك ، وأبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة ، ومن لم يتب حتى حضره الموت فليس في حكم التائبين ، فإن كان كافراً فهو يخلد ، وإن كان مؤمناً فهو عاص في المشيئة ، لكن يغلب الخوف عليه ، ويقوى الظن في تعذيبه ، ويقطع من جهة السمع أن من هذه الصنيفة من يغفر الله له تعالى تفضلاً منه ولا يعذبه وأعلم الله تعالى أيضاً أن { الذين يموتون وهم كفار } فلا مستعتب لهم ولا توبة في الآخرة " اهـ
مرجع اسم الإشارة{ أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً }
ذكر ابن عطية في ذلك قولين
قيل أنه يرجع إلى الذين يموتون وهو كفار فقط ؛ والحجة في ذلك أن العذاب عذاب خلود ولا يكون للعاصي من أهل الإسلام
-وقيل بل يرجع إلى جميع من سبق ذكره في الآية إلى من مات وهو كفار و من لم يتب إلا مع حضور الموت من العصاة..؛ وعليه يكون المراد بالعذاب عذاب ولا خلود معه
معنى "أعدتنا "
[أعتدنا]
قال ابن عطية و { أعتدنا } معناه : يسرناه وأحضرناه
· دلالة قوله "أعتدنا " على خلق النار
دل التعبير بالفعل الماضي " أعدتنا " على أن جهنم مخلوقة الآن
وهو مثل قوله تعالى :" فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ"
قال ابن كثيروقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله : { أُعِدَّتْ }.

*


التقويم: أ+
أحسنتِ وتميزتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 14 ذو القعدة 1441هـ/4-07-2020م, 08:15 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هناء محمد علي مشاهدة المشاركة
تلخيص تفسير قوله تعالى:
{
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16)}

من تفسير الزجاج وابن عطية وابن كثير


🟢 وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)

🔹وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُم
🔺القراءات :
▪قرأ ابن مسعود : يأتين بالفاحشة ، ذكره ابن عطية
وهي لغة ؛ فالعرب تقول أتيت أمرا عظيما وأتيت بأمر عظيم ( وهي قراءة شاذة لا يعمل بها ) *
- وهي قراءة شاذة

🔺مسائل التفسير :
واللاتي : جمع التي وهي اسم موصول للمؤنث
وتجمع على اللاتي واللواتي واللائي ( بإثبات الياء وحذفها في اللاء ) كما ذكر الزجاج وابن عطية *
قال الشاعر : ومن اللواتي والتي واللاتي*
وقال آخر : من اللاء لم يحججن يبغين حسبة
أورد ذلك الزجاج

يأتين الفاحشة أي يفعلنها
- الفاحشة : تطلق على كل معصية . ذكره ابن عطية

- المراد بالفاحشة هنا :*
الزنا خاصة … حاصل ما قاله المفسرون
- بين ابن عطية أن لام التعريف في ( الفاحشة ) للعهد ،*

- ويؤيد ذلك قوله تعالى ( فاستشهدوا عليهن أربعة مِنكُمْ ) والشهود الأربعة إنما هم في جريمة الزنا
*
من نسائكم : أي نسائكم المسلمات … قاله ابن عطية *
وزاد فقال : إذ يصح أن تكون الكافرة من نساء المسلمين بنسب لكنها لا يلحقها هذا الحكم

المراد ب( اللاتي يأتين الفاحشة )
والآية هنا في المسلمات اللاتي يأتين الفاحشة وهي الزنا ، وهو ما يدل عليه لفظ اللواتي ، ولفظ من نسائكم ، وقوله ( لهن سبيلا )

🔺 ومع ذلك اختلف في المراد باللواتي على أقوال ، وسأكتفي هنا بذكر الأقوال على أن أوضحها في الآية الثانية ليكون المعنى أتم :
1-اللفظ خاص للنساء اللواتي يأتين الفاحشة ، ويدخل فيه صنفي النساء الأبكار والثيبات
2- اللفظ للنساء والمراد فيه الثيبات منهن ويدخل معهن الرجال المحصنين ، فالمقصود هنا الرجل والمرأة المحصنين
3- اللفظ عام لكل أصناف الزناة رجالهم ونسائهم ، فحكم الحبس كان عاما لكل من زنا

🔹فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُم*
أمر الله المسلمين بالإشهاد على الزنا بأربعة شهود رأوا الواقعة ، فإن لم يوجد الأربعة ولا الإقرار لم تثبت العقوبة … حاصل ما ذكره المفسرون *

منكم : أي من المسلمين … ذكره الزجاج
فالشهود على الزناة ينبغي أن يكونوا مسلمين
*
🔺و في جعل الشهود على جريمة الزنا أربعة نفر حكم بالغة منها :*
1- ستر على المسلم إن ارتكب الفاحشة ، ذكره ابن عطية
فإن كان قد استتر بفعلته كان من الصعوبة بمكان إثباتها عليه بأربعة شهود ، إذ لا يكاد يجتمع أربعة يشهدون واقعة كهذه إلا ان يكون الواقع فيها مجاهرًا بها*

2- وفي ذلك تغليظ على المدعي ، ذكره ابن عطية
فلا تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، ولا يستسهل أحد قذف عفيف بالزنا ، إذ يعلم أن عليه جلب ثلاثة شهود معه*
ولذلك قال رسول الله لهلال بن أمية عندما جاءه يدعي على امرأته قبل نزول اللعان : البينة أو حد في ظهرك، أي إما شهودك أو تحد حد القذف

3- وذكر ابن عطية تعليلا آخر ضعفه هو في جعل الشهود أربعة على الزنا وهو ليكون لكل من الفاعلين شاهدين اثنين وهو كما قال ضعيف*

🔹فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ
فإن شهدوا : أي شهد الشهود الأربعة على رؤيتهم لواقعة الزنا فثبتت الواقعة*

فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت
- الإمساك أي الحبس … حاصل ما ذكره المفسرون
- وقال الزجاج أن حكم الزناة كان قبل أن ينزل الجلد ويؤمر بالرجم هو أن يحبس الزانيان أبدا … وذكر مثله ابن عطية
- قال ابن كثير : كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة ( إما باربعة شهود أو بإقرارها ) ، أن تحبس في بيت فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت

🔺والفرق بين ما بينه الزجاج وابن عطية وما بينه ابن كثير ، أن ابن كثير بين أن الحبس كان حكما للنساء خاصة ، بينما ذكر الزجاج وابن عطية أن الحبس كان حكم الزناة ابتداء

🔹أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً*
سبيلًا : أي مخرجا من الحبس بأوامر الشرع … ذكره ابن عطية
وهذا المخرج كما بين المفسرون الثلاثة هو الحد الذي نسخ الحبس *

⁃ قال البخاري في صحيحه في تفسير سورة النساء : قال ابن عباس ( لهن سبيلًا ) : يعني الرجم للثيب والجلد للبكر*
📌وحديث ابن عباس هذا وصله عنه عبد بن حميد بإسناد صحيح كما ذكر ذلك ابن حجر في تغليق التعليق

فقد اتفقوا على نسخ الحبس كما بين ابن عطية وذكر مثله ابن كثير
- ونسب ابن كثير قول النسخ لكل من عكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطاء وابي الحسن وقتادة وزيد بن اسلم والضحاك
*
📌تخريج ذلك :
- أما قتادة فروى عنه قوله بالنسخ عبد الرزاق ، وابن جرير ؛ وابن الجوزي في نواسخه وذكر السيوطي أن عبد بن حميد أخرج له كذلك

- كما روى عنه العبدي عنه وعن همام بن يحيى البصري في الآية : قال كان هذا بدء عقوبة الزنا كانت المرأة تحبس ، فيؤذيان جميعا فيعيران بالقول جميعا في الشتيمة بعد ذلك ثم أن الله عز وجل نسخ ذلك بعد في سورة النور فجعل لهن سبيلا فقال : {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} وصارت السنة فيمن أحصن جلد مائة ثم الرجم بالحجارة وفيمن لم يحصن جلد مائة ونفي سنة هذا سبيل الزانية والزاني

- وأما الضحاك فروى عنه الطبري قوله : نسخ الحد هذه الآية

- وقد أخرج الطبري القول بالنسخ للسدي من طريق أسباط ؛ ولابن زيد من طريق ابن وهب
- كما روي القول بالنسخ عن مجاهد فأخرج له الطبري قوله ( كل ذلك نسخته الحدود ) و البيهقي ( كان يؤمر بالحبس فنسختها ( فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة )

- وذكر ابن أبي حاتم انه قد روي عن الحسن وعكرمة وابي صالح وقتادة وعطاء وزيد بن أسلم والضحاك أنها منسوخة ولم يسند لهم

- ولم أجد فيما وقفت عليه للباقين تصريحهم بكلمة النسخ بسند ، لكن تفسيرهم للسبيل الذي جعل بعد الحبس دل على قولهم بالنسخ ؛ وأن الحبس استمر حتى نزل حد سورة النور فكان الزاني يجلد ويرسل ولا يحبس

🔺واختلف في الناسخ على أقوال :*
1⃣ القول الأول وهو أعدل الأقوال وأقربها للصواب أن الناسخ للحبس هو* الحد بالجلد الذي بينته أية سورة النور ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ) وبالرجم للثيب كما بينته السنة*
وهو حاصل ما ذكره المفسرون الثلاثة *
وذكروه عن ابن عباس و مجاهد وقتادة والضحاك والسدي وغيرهم ممن قال بأن الحد هو الناسخ للحبس كما مر .

⁃ وكما في قول رسول الله في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه و أحمد في مسنده وأبو داود في سننه وابن ماجه والدرامي والترمذي بطرقهم عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ؛ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ ". واللفظ لمسلم
قال الترمذي حديث حسن صحيح … ذكر الحديث ابن عطية وابن كثير *

⁃ كما رواه أحمد بطريقه عن قبيصة بن حريث عن سلمة بين المحبة [بن المحبق] عن رسول الله ، وفي إسناده ضعف … ذكره ابن كثير *

- قال ابن عباس : كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور بنسخها بالجلد أو الرجم ) ذكره ابن كثير

📌 وأخرج له قوله :
- ابن أبي حاتم والطبري في تفسيرهما والبيهقي في سننه والهيثمي في مجمع الزوائد*

- كما أخرج له النحاس عن مجاهد عنه قال : فكانت المرأة إذا زنت حبست ماتت أو عاشت حتّى نزلت في سورة النّور {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} ونزلت سورة الحدود فكان من عمل سوءًا جلد وأرسل» وروى مثله ابن الجوزي عن علي بن أبي طلحة عنه …

2⃣ الثاني : أن الناسخ ابتداء هو الآية التالية أي الأذى ثم نسخت إلى الحد *
وذكر هذا القول ابن عطية وقال أنه قول عن عبادة والحسن ومجاهد : حتى نسخ بالأذى بعده ثم نسخ بآية النور وبالرجم في الثيب
- والقائل بذلك يجعل الآية الأولى عامة في الزناة رجالا ونساء محصنين وغير محصنين ، وكذلك الثانية ؛ ويجعل الحكم الأول حبسا حتى الموت لهما جميعا ثم النسخ إلى الأذى لهما جميعا ثم النسخ إلى الحد

🔺قال أبو جعفر النحاس في هذا القول : وهذا القول مذهب عكرمة وهو مرويٌّ عن الحسن عن حطّان بن عبد اللّه الرّقاشيّ عن عبادة بن الصّامت
وعلق أن حديث عبادة يبين أن الآية لم تنسخ قبل ذلك ،
وكما مر أن مجاهدا قال أن الناسخ للحبس هو الحد لا الأذى ... والله أعلم

3⃣ الثالث : وذكر ابن عطية قولا ذكر أن ابن فورك ذكره عن فرقة : أن الأذى كان هو أول عقوبة ، ثم نسخ إلى الحبس ، وأن في الآيات تقديم وتأخير …*
وهو قول فيه تكلف وتعسف ولا داعي له

🔺ملحوظة :
- ذكر ابن كثير عن الطبراني بسنده عن ابن لهيعة قول ابن عباس : لمّا نزلت سورة النّساء قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا حبس بعد سورة النّساء».
وذكره السيوطي عن الطبراني والبيهقي بلفظ ( لما نزلت الفرائض في سورة النساء … )*

📌وقد وجدت هذا الاثر لابن عباس في السنن الكبرى للبيهقي رواه بسنده عن ابن لهيعة عمن سمع عن عكرمة عن ابن عباس في كتاب الوقف باب من قال لا حبس عن فرائض الله*
- والأثر ليس في حبس النساء وإنما في حبس أصل المال أي في الوقف ؛ حيث أورد في الباب نفسه ما رواه عن عطاء بن السائب قال : أتيت شريحا في زمن بشر بن مروان ، وهو يومئذ قاض ، فقلت : يا أبا أمية أفتني ، فقال : يا ابن أخي ، إنما أنا قاض ولست بمفت ، قال فقلت : إني والله ما جئت أريد خصومة ، إن رجلا من الحي جعل داره حبسا ، قال عطاء : فدخل من الباب الذي في المسجد في المقصورة ، فسمعته حين دخل وتبعته وهو يقول لحبيب الذي يقدم الخصوم إليه : أخبر الرجل أنه لا حبس عن فرائض الله عز وجل
- وكذلك أورده ابن حزم في المحلى في باب الوقف
-*هذا عدا ما فيه من ضعف لأنه لم يرو لابن عباس إلا عن ابن لهيعة وهو ضعيف*
- قال البيهقي قال علي ( هو الدارقطني ) لم يسنده غير ابن لهيعة عن أخيه وهما ضعيفان ، قال الشيخ وهذا اللفظ انما يعرف من قول شريح القاضي

🟢 وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16)}

🔹 وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا*
🔺القراءات :*
- قرأ ابن كثير المكي بتشديد النون في اللذانّ عوضا عن النون المحذوفة هذان وفذانك وهاتين شددها جميعا ؛ وشدد ابو عمرو فذانك وحدها ؛ وخفف الباقون … ذكره ابن عطية

🔺مسائل التفسير :
واللذان : مثنى الذي ؛ وهي مرفوعة على الابتداء … ذكره ابن عطية *
والقياس فيها على ( اللذيان ) ،
- وحذفها كما نقل ابن عطية عن أبي علي قال : حذفت الياء تخفيفا إذ قد أمن من اللبس في اللذان، لأن النون لا تنحذف ونون التثنية في الأسماء المتمكنة قد تنحذف مع الإضافة في رحياك ومصطفيا القوم، فلو حذفت الياء لاشتبه المفرد بالاثنين …

يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ
- يأتيانها : أي الفاحشة ، وهي الزنا*
- منكم أي من المسلمين خاصة*

🔺واختلف في المراد ب( اللذان يأتيانها ) وعلى من تقع العقوبة بالأذى :*
1- الأول : وهو ما يذهب إليه لفظ الآية أن اللذان هو حكم الزناة من الرجال ؛ ولفظ التثنية ( اللذان ) يدل على الصنفين محصنين وغير محصنين ومن قال بذلك قال أن الآية الاولى في من زنت من النساء محصنات وغير محصنات ، فقال كن يحبسن حتى الموت ،… فعقوبة الرجال الأذى ، وعقوبة النساء الحبس … وهو قول مجاهد كما ذكر ذلك ابن عطية

📌تخريج قول مجاهد :
- رواه الطبري وابن أبي حاتم عن مجاهد قال في ( واللذان يأتيانها ) : الرجلان الزانيان
*
🔸وحجة هذا القول :
- ما ذكره ابن عطية من أنه قول يقتضيه اللفظ ؛ فمن جهة اللفظ قوله في الأولى من نسائكم ؛ وقوله في الثانية منكم …
أنه قول يستوفي أصناف الزناة عليه ، فقد بين حكم الزانيات من النساء بصنفيهما ، وحكم الزناة من الرجال بصنفيهما

-:ويؤيده كذلك ما رواه أبو جعفر النحاس بسنده عن علي بن أبي طلحة ابن عباس أنه قال: " وقوله جلّ وعزّ {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ) وكانت المرأة إذا زنت تحبس في البيت حتّى تموت ثمّ أنزل اللّه جلّ وعزّ بعد ذلك {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} فإن كانا محصنين رجما فهذا السّبيل الّذي جعله اللّه جلّ وعزّ لهما "
قال وقوله: {واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما} كان الرّجل إذا زنى أوذي بالتّعيير وضرب النّعال فأنزل اللّه عزّ وجلّ بعد هذا {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مائة جلدةٍ} فإن كانا محصنين رجما في سنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم


2- الثاني : أن اللذان هنا في الرجل والمرأة البكرين إن زنيا ؛ ومن قال ذلك جعل الآية الأولى وإن كان لفظها في النساء لكن أدخل فيها الرجل ؛ فهي فيمن أحصن من النساء والرجال جميعا ، ذكره ابن عطية من قول قتادة والسدي ، وذكر معناه الزجاج دون ان يحدد نسبته فقال : قيل الحبس للثيبين والأذى للبكرين …
وذكره ابن كثير من قول السدي : ( واللذان يأتيانها منكم ) : نزلت في الفتيان قبل أن يتزوجوا

قال ابن عطية : ومعنى هذا القول تام لكن لفظ الاية يقلق عنه

📌تخريج الأقوال :
- أما السدي فروى عنه الطبري وابن أبي حاتم ( ذكر الجواري والفتيان الذين لم ينكحوا فقال ( واللذان يأتيانها منكم )

- وكذلك أخرج عنه الطبري قوله ( كانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنفان ويعيران حتى يتركا ذلك )

- وروى هذا القول كذلك ابن وهب والطبري عن زيد بن أسلم أنها في البكرين اللذين لم يتزوجا
كما رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه في البكرين اللذين لم يحصنا …

🔸وحجة هذا القول :
ذكر ابن عطية أن الطبري رجحه ؛ ووجه ترجيح الطبري له :
- ما ذكره من أنه لو كان المقصود بيان حكم الرجال الزناة كما بين في الآية السابقة حكم النساء الزواني لقيل : والذين يأتونها منكم ؛ أو والذي يأتيها منكم ، فقوله ( اللذان ) دل على أنهما صنفان مختلفان إذ إن العرب لو أرادت بيان الوعيد على فعل أتت بالجمع أو المفرد الدال على جنس المتوعد ، أما التثنية لا تكون إلا إن كان الفعل لا يكون إلا من اثنين مختلفين كالزنا لا يقع إلا بزان وزانية ، فإن كان كذلك ثني وعني به الفاعل والمفعول به …

- كما بين الطبري أنه لما تبين أن ( اللذان ) هنا هي في الرجل والمرأة لا في الرجلين ؛ فلا بد أن يكون المحكوم عليه مختلفا عن الآية السابقة ، ولما كانت العقوبة في الآية السابقة ( واللاتي يأتين الفاحشة ) عقوبة غليظة وهي الحبس حتى الموت فهذا لا بد يتناسب مع غلظ الجريمة ومع ما نسخت إليه

فالحبس حتى الموت نسخ بالرجم وهذا للثيب
والأذى نسخ بالجلد والنفي وهذا للأبكار

وعليه فالآية الأولى للثيب من الرجال والنساء ، والثانية للأبكار منهما جميعا …
والله أعلم . *

ورد النحاس على قول الطبري في كتابه الناسخ والمنسوخ فبين أن :
- أن جعل ( اللذان ) دالة على الرجل والمرأة يجوز في العربية على المجاز ، ولا يحمل الشيء على المجاز ومعناه صحيح في الحقيقة

- أن قوله أن العرب لا توعد اثنين إلا أن يكونا شخصين مختلفين فهذا إن صح فهما شخصان مختلفان لأنه إن كانت للرجلين البكر والثيب فهما مختلفان
ولا يلزم قوله ( الذين ) لو أراد أصناف الرجال لأن العرب تحمل على اللفظ وعلى المعنى كقوله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) ومثل هذا كثير

وهو قول له وجاهته وقوته لقول أكثر من واحد به من المفسرين به ؛ ولاستيفائه أصناف الزناة جميعا ولمناسبة غلظة العقوبة وشدتها … والله أعلم …

3- الثالث : أن اللذان هما الرجل والمرأة إذا زنيا دون التفريق بين محصن وغير محصن … ذكر ذلك ابن كثير من قول عكرمة وعطاء والحسن وعبدالله ابن كثير :

📌 تخريج الأقوال :
- أما عطاء فروى عنه الطبري قال اللذان : الرجل والمرأة *
- وروى له ولعبد الله بن كثير الطبري كذلك كليهما بنفس الإسناد قولهما : هذه للرجل والمرأة جميعا .
- وأما عكرمة والحسن فروى عنهما الطبري قولهما : فذكرالرجل بعد المرأة ثم جمعهما جميعا فقال ( واللذان يأتيانها منكم )

4- الرابع : ما ورد عن مجاهد أنها في الرجلين إذا فعلا فعل قوم لوط عليه السلام … ذكره ابن كثير*
وعقب بعده بحديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به )
*
📌تخريج قول مجاهد :*
روى عنه الطبري قوله هذا ( الرجلان الفاعلان لا يكني) ولكنه أورد هذا القول تحت القول الثاني وهو أنهما الرجلان الزانيان ؛ وروى له قولا آخر بذلك

فآذوهما :*
- واختلف في الأذى المأمور به ، فقيل :*
1- هو التعيير والتوبيخ أي هو أذى بالقول ؛ ذكره ابن عطية من قول عبادة والسدي ومثله ذكر الزجاج فقال : يوبخان فيقال لهما زنيتما وفجرتما وانتهكتما حرمات الله*

📌تخريج الأقوال :
لم أجد قولا لعبادة ، ولكني وجدته لقتادة والسدي
-أما قتادة فرواه عنه الطبري قال يؤذيان بالقول جميعا
- وأما السدي فرواه عنه الطبري كذلك ( يعنفان ويعيران )
- وكذلك رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن الأذى باللسان بالتعيير والكلام القبيح لهما بما عملا *

2- وقيل هو النيل باللسان واليد والضرب بالنعال وما أشبههذكره ابن عطية من قول ابن عباس ؛ وابن كثير ونسبه إلى ابن جبير مع ابن عباس
📌 وقد روى الطبري وابن ابي حاتم عن ابن عباس بذلك

3- هو السب والجفاء دون تعييرذكره ابن عطية عن فرقة لم يسمها
- وقد رواه الطبري والهمذاني وابن الجوزي عن مجاهد أن الأذى سب باللسان قال : فآذوهما يعني سبا

🔸والأقوال متقاربة ويقع الأذى بها جميعا سواء بالقول بالسب والشتم أو التعيير أو بأحدهما أو بالتعنيف والتوبيخ أو باليد، فكله داخل في الأذى وكله يصلح عليه لفظ الأذى المأمور به

🔺مسألة : هل نسخ الأذى كما الحبس ؟*
اتفق الفقهاء كما مر على نسخ الحبس للزانية بما أنزله الله من بيان حد الزنا للمحصنة وغير المحصنة*
- ولكن اختلفوا في نسخ الأذى ، فقال بعضهم أن الأذى نسخ كما الحبس ، وقال البعض الأذى باق إذ لا تعارض من بقائه مع الحد

من قال أن الأذى نسخ :*
- وهو حاصل ما ذكره المفسرون الثلاثة ، أن الحكم بالأذى قد نسخ بالحد كما الحبس*
- بل قال ابن عطية أن الإجماع على ذلك ، وذكر عن الحسن ومجاهد وغيرهما قولهم أن*هاتين الآيتين منسوختان بآية الجلد في سورة النور*
- وقد ذكر مكي القول بالنسخ عن قتادة كذلك
*
📌تخريج الأقوال :
- أما قتادة فقد روى عنه عبد الرزاق والطبري قوله أن هذه الآية نسختها الحدود
- وأما مجاهد فقد روى الطبري وابن الجوزي عنه من طريق ابن أبي نجيح ومن طريق ابن جريج وكذلك الهمذاني في قوله ( واللذان يأتيانها منكم ) قال كل ذلك نسخته الآية التي في النور بالحد المفروض
- وأما الحسن وعكرمة فقد روى عنهما الطبري كذلك قولهما في ( واللذان يأتيانها منكم ) نسخ ذلك بآية الجلد *
- وكذلك روى الطبري عن ابن زيد بنسخها

من قال أن الأذى باق لم ينسخ :*
- ذكر الزجاج دون أن يسمي القائل :*الأذى لا ينبغي أن يكون منسوخا عنهما إلا أن يتوبا،*وإن قوله عزّ وجلّ:*{وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}*هو من التوبيخ لهما بأن يفضحا على رؤوس الملأ*».*

- وذكر ابن عطية عمن خالف الإجماع بالنسخ : إلا من*قال:«إن الأذى والتعيير باق مع الجلد لأنهما لا يتعارضان بل يتحملان على شخص واحد، وأما الحبس فمنسوخ بإجماع ... ) ولم يذكر القائل

🔺وقد ذكر الزجاج أن حكم الزانيين في هذه الآيات استغني عنه ، وبقيت فائدة الإشهاد على الزنا بأربعة شهداء

🔹 فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا*
فإن تابا وأصلحا :*
التوبة هي الرجوع عن الذنب والندم على فعله*
- وتابا : أي تركا ما كانا عليه من فعل الفاحشة ورجعا إلى الله وأصلحا أعمالهما وحسنت توبتهما*
وذكر ابن عطية ان هذه العقوبة من الحبس والأذى كانت رجاء توبة الزاني*

فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا*
أي دعوا أذاهما واتركوا تعنيفهما بكلام قبيح … ذكره ابن عطية وابن كثير
فأمر المسلمون بكف الأذى عن الزانيين إن تابا وأصلحا ؛
قال ابن كثير : لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له*…

🔺ذكر ابن عطية أن في اختيار لفظ ( أعرضوا ) في الأمر بكف الأذى عن الزناة بعد توبتهم غض من الزناة وإن تابوا ، لأن تركهم إنما هو إعراض ، فهي متاركة معرض وفي ذلك احتقار لهم بحسب معصيتهم ، و بحسب جهالتهم كم في قوله تعالى ( وأعرض عن الجاهلين )*

- وهذا التعليل مردود- والله أعلم- لأن التوبة تجب الخطايا ،
فقد قال تعالى ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) وقال ( إن الحسنات يذهبن السيئات )
وكما قال ابن كثير التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وأيد ابن كثير ذلك بما ورد في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا) أي لا يعيرها بما صنعت بعد الحد فهو كفارة لفعلها

- ويؤيد هذا حديث رسول الله في ماعز والغامدية*
فقد ورد في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه في قصة رجم ماعز قوله ( فَقَالَ : " اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ ". قَالَ : فَقَالُوا : غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ ".

- وكذلك ما رواه مسلم من حديث رجم الغامدية ( ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ، فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ : " مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ". ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ. )*


- فلم يكن من شأن رسول الله تحقيرهما او التقليل منهما بعد توبتهما وطلبهما التطهير ورجمهما بل أمر الأمة ان تكف عنهما وذكر أن توبتهما كانت توبة نصوحا وهذا ما يستقيم مع قوله سبحانه ( إن الله كان توابا رحيما )، وهذا فيمن زنا وهو محصن فتاب ؛ فكيف بمن كان ذنبه وعقوبته أقل غلظة وشدة وهما البكران إن زنيا …
*
🔹 إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا*
أي يتوب عمن أذنب فتاب ورجع عن ذنبه ومعصيته ويرحمه
*
🔶 مسائل استطرادية :
🔹هل تنسخ السنة القرآن ؟!*
لا خلاف في أن القرآن ينسخ القرآن ،
وإنما اختلف علماء الأمة فيما إن كانت السنة تنسخ القرآن أم لا*
1- قال*ابن عطية : الذي عليه الأئمة أن السنة المتواترة تنسخ القرآن إذ هما جميعا وحي من الله ويوجبان جميعا العلم والعمل وإنما اختلفا في أن السنة نقص منها الإعجاز

2- وذكر ابن عطية عن طائفة قالت أن السنة المتواترة لا تنسخ القرآن وإنما يكون القرآن موقفا ثم تأتي السنة مستأنفة من غير أن تتناول نسخا
ثم عقب بقوله : أن هذا لا يستقيم لأنا نجد السنة ترفع بحكمها ما استقر من حكم القرآن على حد النسخ ولا يرد ذلك نظر ولا ينخرم منه أصل

🔺ومعرفتنا للخلاف في هذه المسألة يفيد في المسألة التالية وهي هل يثبت الجلد للثيب مع الرجم أم يكتفى برجمه دون الجلد

فقد اختلف الفقهاء في :
🔹هل يجمع للثيب الجلد مع الرجم
🔺ومما سبب الاختلاف :
1 - أن آية حد الزاني في سورة النور عممت الحد ولم تفرق بين الثيب والبكر فقد أطلقت اللفظ في الزاني والزانية وهذا يحتمل أن يشمل البكر والثيب معا فقال تعالى ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة )*
ذكر ابن عطية عن البعض أن آية الجلد عامة في المحصن وغير المحصن*

2- والثاني : حديث عبادة بن الصامت الذي ورد في صحيح مسلم والسنن في بيان السبيل الذي جعله الله للزاني ( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ؛ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ )*
فجمع هذا الحديث الرجم مع الجلد للثيب
- ومثله الحديث الذي ذكره ابن كثير عن ابن مردويه بإسناده عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، عن أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «البكران يجلدان وينفيان، والثّيّبان يجلدان ويرجمان، والشّيخان يرجمان». وقال : هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.

3- الثالث : حديث ماعز و الغامدية الذي ورد في الصحيحين حيث رجمهما رسول الله ولم يأمر بجلدهما قبل الرجم ،
كما ورد في حديث الذي في الصحيحين في الأعرابي الذي اختصم لرسول الله في ابنه*؛ فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ - لِرَجُلٍ - فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا ". فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا.

🔺وعليه اختلف الفقهاء :*
1- فذهب الإمام أحمد إلى القول بمقتضى حديث عبادة وهو الجمع بين الجلد والرّجم في حقّ الثّيّب الزّاني… ذكره ابن كثير
- وبين ابن عطية أن من أخذ بجمع الجلد إلى الرجم للثيب اعتبر السنة وإن تواترت لا تنسخ القرآن وإنما تستأنف عليه دون نسخ
- وقال : هاتان الآيتان أعني الجلد والرجم لو لم يقع بيان من الرسول لم يجب أن تنسخ إحداهما الأخرى، إذ يسوغ اجتماعهما على شخص واحد، وحديث عبادة المتقدم يقوي جميعهما، وقد أخذ به علي رضي الله عنه في شراحة جلدها ثم رجمها*وقال : أجلدها بكتاب الله وأرجمها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبذلك قال الحسن وإسحق بن راهويه… ذكر ذلك ابن عطية

2- وذهب الجمهور إلى أنّ الثّيّب الزّاني إنّما يرجم فقط من غير جلدٍ، قالوا: لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجم ماعزًا والغامديّة ، ولم يجلدهم قبل ذلك، فدلّ على أنّ الجلد ليس بحتمٍ، بل هو منسوخٌ على قولهم، واللّه أعلم … ذكر ذلك ابن كثير*

🔺وذكر ابن عطية أن حديث عبادة الوارد في صحيح مسلم والسنن أنه وإن كان صحيحا إلا أنه حديث آحاد ، وقد ثبت بالتواتر أن رسول الله رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما قبل رجمهما*
والسنة المتواترة تنسخ القرآن وهذا ما عليه أهل السنة ، وعليه ففعل رسول الله بالرجم للثيب دون الجلد دل على نسخ الجلد للثيب وأن حكمه بمثابة قوله ارجموا الثيب ولا تجلدوه


🔹وعلى القول بأن عقوبة الجلد للثيب الزاني قد نسخت إلى الرجم ،
- فهل الناسخ في هذه النازلة هو القرآن أم السنة المتواترة ؟
ذكر ابن عطية أن الذي نسخ الجلد للزاني الثيب هو ما ثبت أنه نزل من القرآن ثم نسخ لفظه وبقي حكمه وهو قوله ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) فهو نص في الرجم
ففي رواية مسلم عن عمر بن الخطاب أنه قال : إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ*الرَّجْمِ، قَرَأْنَاهَا، وَوَعَيْنَاهَا، وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ،

▪*قال ابن عطية : ويصح أن نعترض من ينسخ بالسنة في هذه النازلة فنقول: الناسخ من شروطه أن يستقل في البيان بنفسه، وإذا لم يستقل فليس بناسخ، وآية الرجم بعد أن يسلم ثبوتها لا تستقل في النسخ بنفسها، بل تنبني مع الجلد وتجتمع، كما تضمن حديث عبادة بن الصامت، لكن إسقاط الرسول الجلد هو الناسخ، لأن فعله في ذلك هو بمنزلة قوله: لا تجلدوا الثيب، وأما البكر فلا خلاف أنه يجلد

- فقال أنه بجمع ذلك يكون الناسخ لجلد الثيب هو القرآن الذي نزل فيه الرجم و اتفقت الأمة على رفع لفظه ، والمبين لذلك السنة*

🔹وثمة مسالة ثانية اختلف فيها الفقهاء وهي :
هل يلزم نفي البكر بعد جلده*؟
لا خلاف في ان البكر يجلد وذلك في الحد الذي نزل في سورة النور
واختلفوا في نفيه،
1- فقال الخلفاء الأربعة وابن عمر ومالك والشافعي وجماعة: لا نفي اليوم،
2- وقالت جماعة: ينفى وقيل: نفيه سجنه،
ولا تنفى المرأة ولا العبد، هذا مذهب مالك وجماعة من العلماء،
ذكر ذلك ابن عطية

هذا والله أعلم

* أعتذر عن الإطالة ؛ أعلم أن المطلوب تلخيص المسائل لا بحثها ، لكن عند تخريج الأقوال وجدت في التخريج توضيحات ما استطعت أن أوردها دون أي تعقيب ، ووجدت مسائل الآيتين متشابكة ومتداخلة ولكونها تتعلق بحكم فقهي عليه خلاف ، وقد حاولت أن لا أطيل وأن أكتفي بذكر المسائل الخلافية باختصار ، مع ما أورده المفسرون من تعقيب عليها ، أما ما تعلق بتفسير الآية من خلاف حول المراد والمقصود بحكمها فوجدتني مضطرة إلى شيء من التوضيح للأقوال …
[لا بأس في ذلك أبدًا، بل هو الأفضل والمطلوب، إذ أن هذا التلخيص بمثابة أصل علمي لك في تفسير الآيات فكلما وجدتِ فائدة أضفتِ إليه، وليس مجرد واجب في المعهد]

التقويم: أ+
أحسنتِ، وتميزتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثاني

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir