دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 ذو القعدة 1429هـ/20-11-2008م, 02:25 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شروط صحة صلاة الجمعة

( فصلٌ )
يُشْتَرَطُ لصِحَّتِها شُروطٌ ليس منها إذنُ الإمامِ: أحَدُها الوقتُ، وأَوَّلُه أوَّلُ وَقتِ صلاةِ العِيدِ وآخِرُه آخِرُ وَقتِ صلاةِ الظهْرِ، فإنْ خَرَجَ وقْتُها قَبلَ التحريمةِ صَلَّوا ظُهْرًا وإلا فجُمُعَةً.
الثاني: حُضورُ أربعينَ من أهلِ وُجُوبِها.
الثالثُ: أن يكونوا بقريةٍ مسْتَوْطِنِينَ، وتَصِحُّ فيما قارَبَ البُنيانَ من الصَّحْراءِ، فإن نَقَصُوا قبلَ إتمامِها اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا، ومَن أَدْرَكَ مع الإمامِ منها رَكعةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً وإن أَدْرَكَ أَقَلَّ من ذلك أَتَمَّهَا ظُهْرًا إذا كان نَوَى الظُّهْرَ، ويُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ.


  #2  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 07:51 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

....................

  #3  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 07:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

فَصْلٌ
(يُشْتَرَطُ لصِحَّتِهَا)؛ أي: صِحَّةِ الجُمُعَةِ أَرْبَعَةُ (شُرُوطٍ, لَيْسَ مِنْهَا إِذْنُ الإمامِ)؛ لأنَّ عَلِيًّا صَلَّى بالنَّاسِ وعُثْمَانُ مَحْصُورٌ, فلم يُنْكِرْهُ أَحَدٌ, وصَوَّبَهُ عُثْمَانُ. رواه البُخَارِيُّ بمَعْنَاهُ.
(أَحَدُهَا)؛ أي: أحَدُ الشُّرُوطِ: (الوَقْتُ)؛ لأنَّها صَلاةٌ مَفْرُوضَةٌ, فاشتُرِطَ لها الوَقْتُ؛ كبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ, فلا تَصِحُّ قَبْلَ الوَقْتِ ولا بَعْدَهُ إِجْمَاعاً، قالَهُ في (المُبْدِعِ).(وأَوَّلُه أَوَّلُ وَقْتِ صَلاةِ العِيدِ)؛ لقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ سِيدَانَ: شَهِدْتُ الجُمُعَةَ معَ أَبِي بَكْرٍ, فكَانَت خُطْبَتُه وصَلاتُه قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، ثُمَّ شَهِدْتُهَا معَ عُمَرَ فكَانَتْ خُطْبَتُه وصَلاتُهُ إلى أنْ أَقُولَ: قَد انتَصَفَ النَّهَارُ. ثُمَّ شَهِدْتُهَا معَ عُثْمَانَ, فكَانَتْ خُطْبَتُه وصَلاتُه إلى أنْ أَقُولَ: قَدْ زَالَ النَّهَارُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً عَابَ ذَلِكَ ولا أَنْكَرَهُ.رواهُ الدَّارَ قُطْنِيُّ وأَحْمَدُ واحتَجَّ بهِ قالَ: وكذلكَ رُوِيَ عَن ابنِ مَسْعُودٍ وجَابِرٍ وسَعِيدٍ ومُعَاوِيَةَ أنَّهُم صَلَّوْا قَبْلَ الزَّوَالِ ولم يُنْكَرْ.(وآخِرُه آخِرُ وَقْتِ صَلاةِ الظُّهْرِ) بلا خلافٍ, قالَهُ في (المُبْدِعِ)، وفِعْلُها بعدَ الزَّوَالِ أَفْضَلُ, (فإن خرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ)؛ أي: قبلَ أَنْ يُكَبِّرُوا للإحرامِ بالجُمُعَةِ, (صَلَّوا ظُهْراً), قالَ في (الشَّرْحِ): لا نَعْلَمُ فيه خِلافاً. (وإلاَّ) بأَن أَحْرَمُوا بها في الوَقْتِ (فجُمُعَةٌ) كسَائِرِ الصَّلَوَاتِ, تُدْرَكُ بتَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ في الوَقْتِ, ولا تَسْقُطُ بشَكٍّ في خُرُوجِ الوَقْتِ, فإِن بَقِيَ مِنَ الوَقْتِ قَدْرُ الخُطْبَةِ والتَّحْرِيمَةِ, لَزِمَهُمْ فِعْلُهَا, وإلاَّ لم تَجُزْ.
(الشَّرْطُ الثَّانِي: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِن أَهْلِ وُجُوبِهَا), وتَقَدَّمَ بَيَانُهُم في الخُطْبَةِ والصَّلاةِ.قالَ أَحْمَدُ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ مُصْعَبَ بنَ عُمَيْرٍ إِلَى أَهْلِ المَدِينَةِ, فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ, جَمَّعَ بِهِم وكَانُوا أَرْبَعِينَ وَكَانَت أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَت بالمَدِينَةِ.وقالَ جَابِرٌ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقُ, جُمُعَةً وأَضْحَى وفِطْراً. رَواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ, وفيهِ ضَعْفٌ, قالَهُ في (المُبْدِعِ).
(الشَّرْطُ الثَّالِثُ): أَنْ يَكُونُوا (بقَرْيَةٍ مُسْتَوْطِنِينَ) بها مَبْنِيَّةٍ بما جَرَتْ به العَادَةُ، فلا تَتِمُّ مِن مَكَانَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ، ولا تَصِحُّ مِن أَهْلِ الخِيَامِ وبُيُوتِ الشَّعَرِ ونَحْوِهِم؛ لأنَّ ذلكَ لم يُقْصَدْ للاستِيطَانِ غَالِباً، وكَانَتْ قَبَائِلُ العَرَبِ حَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ولم يَأْمُرْهُم بها، وتَصِحُّ بقَرْيَةٍ خَرَابٍ عَزَمُوا على إِصْلاحِهَا والإقَامَةِ بها.(وتَصِحُّ) إِقَامَتُهَا (فيما قَارَبَ البُنْيَانَ مِن الصَّحْرَاءِ)؛ لأنَّ أَسْعَدَ بنَ زُرَارَةَ أَوَّلُ مَن جَمَّعَ في حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ, أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والدَّارَقُطْنِيُّ، قالَ البَيْهَقِيُّ: حَسَنُ الإسنَادِ صَحِيحٌ.قالَ الخَطَّابِيُّ: حَرَّةُ بَنِي بَيَاضَةَ على مِيلٍ مِنَ المَدِينَةِ. وإذا رَأَى الإِمَامُ وَحْدَهُ العَدَدَ فنَقَصَ, لم يَجُزْ أن يَؤُمَّهُم, ولَزِمَهُ استِخْلافُ أَحَدِهِم، وبالعَكْسِ لا تَلْزَمُ وَاحِداً مِنْهُم.(فإن نَقَصُوا) عَن الأَرْبَعِينَ (قَبْل إِتْمَامِهَا) لم يُتِمُّوهَا جُمُعَةً؛ لفَقْدِ شَرْطِهَا, و(استَأْنَفُوا ظُهْراً) إن لم تُمْكِنْ إِعَادَتُهَا جُمُعَةً، وإن بَقِيَ مَعَهُ العَدَدُ بَعْدَ انفِضَاضِ بَعْضِهم ولو مِمَّن لم يَسْمَعِ الخُطْبَةَ, ولَحِقُوا بهم قَبْلَ نَقْصِهِم, أَتَمُّوا جُمُعَةً.
(ومَن)
أَحْرَمَ في الوَقْتِ و(أَدْرَكَ معَ الإمامِ مِنْها)؛ أي: مِن الجُمُعَةِ (رَكْعَةً, أَتَمَّها جُمُعَةً)؛ لحديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً: ((مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ)) رواه الأَثْرَمُ.
(وإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِن ذَلكَ)؛ بأنْ رَفَعَ الإِمَامُ رَأْسَهُ مِن الثَّانِيَةِ ثُمَّ دَخَلَ مَعَهُ, (أَتَمَّهَا ظُهْراً)؛ لمَفْهُومِ مَا سَبَقَ, (إذا كانَ نَوَى الظُّهْرَ) ودَخَلَ وَقْتُه؛ لحديثِ: ((وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)), وإلاَّ أَتَمَّهَا نَفْلاً.
ومَن أَحْرَمَ معَ الإمامِ ثُمَّ زُحِمَ عَن السُّجُودِ, لَزِمَهُ السُّجُودُ على ظَهْرِ إِنْسَانٍ أو رِجْلِهِ، فإنْ لم يُمْكِنْهُ, فإذا زَالَ الزِّحَامُ.
وإن أَحْرَمَ ثُمَّ زُحِمَ وأُخْرِجَ عَن الصَّفِّ فصَلَّى فذًّا, لم تَصِحَّ، وإن أُخْرِجَ في الثَّانِيَةِ نَوَى مُفَارَقَتَهُ وأَتَمَّها جُمُعَةً.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ وأَشَارَ إليه بقَوْلِه: (ويُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ)؛ لقَوْلِه تعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.والذِّكْرُ هو الخُطْبَةُ؛ ولقَوْلِ ابنِ عُمَرَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وهو قَائِمٌ, يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بجُلُوسٍ). مُتَّفَقٌ عليه. وهما بَدَلُ الرَّكْعَتَيْنِ, لا مِنَ الظُّهْرِ.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 07:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

فصل([1])
يشترط لصحتها أي صحة الجمعة أربعة (شروط ليس منها إذن الإمام) ([2]) لأن عليا صلى بالناس وعثمان محصور، فلم ينكره أحد، وصوبه عثمان، رواه البخاري بمعناه([3]) (أحدها) أي أحد الشروط (الوقت) لأنها صلاة مفروضة، فاشترط لها الوقت، كبقية الصلوات([4]) فلا تصح قبل الوقت ولا بعده إجماعا، قاله في المبدع([5]).(وأوله أول وقت صلاة العيد) ([6]) لقول عبد الله بن سيدان: شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار([7]) ثم شهدتها مع عمر، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول قد انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول قد زال النهار([8]) فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره([9]) رواه الدارقطني وأحمد واحتج به ([10]).قال: وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعد ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال، ولم ينكر([11]) (وآخرها آخر وقت صلاة الظهر) بلا خلاف، قاله في المبدع([12]) وفعلها بعد الزوال أفضل([13]) (فإن خرج وقتها قبل التحريمة) أي قبل أن يكبروا للإحرام بالجمعة (صلوا ظهرا) قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا([14]) (وإلا) بأن أحرموا بها في الوقت فـ (جمعة) كسائر الصلوات، تدرك بتكبيرة الإحرام في الوقت([15]) ولا تسقط بشك في خروج الوقت([16]) فإن بقي من الوقت قدر الخطبة والتحريمة لزمهم فعلها([17]) وإلا لم تجز([18]).
الشرط (الثاني حضور أربعين من أهل وجوبها) وتقدم بيانهم([19]) الخطبة والصلاة([20]) قال أحمد: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم، وكانوا أربعين، وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة([21]) وقال جابر: مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة وإضحى وفطر، رواه الدارقطني وفيه ضعف، قاله في المبدع([22]).
الشرط (الثالث أن يكونوا بقرية مستوطنين) بها([23]) مبنية بما جرت به العادة([24]) فلا تتم من ممكانين متقاربين([25]). ولا تصح من أهل الخيام وبيوت الشعر ونحوهم([26]) لأن ذلك لم يقصد للاستيطان غالبا([27]) وكانت قبائل العرب حوله عليه السلام، ولم يأمرهم بها([28]) وتصح بقرية خراب، عزموا على إصلاحها والإقامة بها([29]) (وتصح) إقامتها (فيما قارب البنيان من الصحراء) ([30]) لأن أسعد بن زرارة أول من جمع في حرة بني بياضة، أخرجه أبو داود والدارقطني، قال البيهقي حسن الإسناد صحيح([31]). قال الخطابي: حرة بني بياضة على ميل من المدينة([32]) وإذا رأى الإمام وحده العدد فنقص، لم يجز أن يؤمهم([33]) ولزمه اسخلاف أحدهم([34]) وبالعكس لا تلزم واحدًا منهم ([35]) (فإن نقصوا) عن الأربعين (قبل إتمامها) لم يتموها جمعة، لفقد شرطها([36]).
و(استأنفوا ظهرا) إن لم تمكن إعادتها جمعة([37]) وإن بقي معه العدد بعد انفضاض بعضهم، ولو ممن لم يسمع الخطبة، ولحقوا بهم قبل نقصهم أتموا جمعة([38]) (ومن) أحرم في الوقت و(أدرك مع الإمام منها) أي من الجمعة (ركعة أتمها جمعة) ([39]) لحديث أبي هريرة مرفوعًا، «من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة»، رواه الأثرم([40]) (وإن أدرك أقل من ذلك) بأن رفع الإمام رأسه من الثانية، ثم دخل معه (أتمها ظهرًا) لمفهوم ما سبق([41]) (إذا كان نوى الظهر) ودخل وقته([42]) لحديث «وإنما لكل امرئ ما نوى»([43]) وإلا أتمها نفلاً([44]) ومن أحرم مع الإمام، ثم زحم عن السجود، لزمه السجود على ظهر إنسان أو رجله([45]).فإن لم يمكنه فإذا زال الزحام([46]) وإن أحرم ثم زحم وأخرج عن الصف، فصلى فذا لم تصح([47]) وإن أخرج في الثانية نوى مفارقته وأتمها جمعة([48]) الشرط الرابع: تقدم خطبتين، وأشار إليه بقوله: (ويشترط تقدم خطبتين)([49]). لقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} والذكر هو الخطبة([50]) ولقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس، متفق عليه([51]) وهما بدل ركعتين لا من الظهر([52])


([1]) في شروط صحة الجمعة، وما يتعلق بها.
([2]) أي ليس من شروط الجمعة إذن الإمام في إقامتها، وفاقا لمالك والشافعي وليس لمن ولاه السلطان إقامتها أن يؤم في الصلوات الخمس، ولا بالعكس.
([3]) ولفظ الأثرم وغيره: إنه قد نزل بك ما ترى، وأنت إمام العامة، فقال: الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم، وصلى ابن مسعود بالناس لما أبطأ الوليد، وأبو موسى الأشعري حين أخرها سعيد بن العاص، وقال أحمد: وقعت الفتنة في الشام تسع سنين، وكانوا يجمعون ولأن المسلمين في الأمصار النائية يقيمونها بعد موت الأئمة ولم ينكر، فكان إجماعا وحكي أنها لا تصح إلا خلف السلطان أو نائبه أو بإذنه، وقال النووي: شاذ باطل.
([4]) ولم يقل: دخول الوقت كما مر، لأن الجمعة لا تفعل بعد وقتها، بخلاف بقية الصلوات، وبدأ بالوقت لأنه آكد الشروط.
([5]) وحكاه الوزير والموفق والزركشي وغـيرهم لـقوله: إن الـصلاة كانت{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا *} أي مفروضا في الأوقات، وقال عمر: لها وقت لا يقبلها الله إلا به.
([6]) نصا فلا تصح قبله إجماعا، وتفعل فيه جوازا ورخصة، وتجب بالزوال.
([7]) فدل على جواز فعلها قبل الزوال، قال شمس الحق، وهو قول جماعة من السلف.
([8]) أي زالت الشمس.
([9]) فصار إجماعا، وفعلها ابن الزبير في وقت العيد، وصوبه ابن عباس وأبو هريرة، وابن سيدان بكسر السين المهملة، أو سندان المطرودي، قال البخاري: لا يتابع على حديثه، وقال النووي: اتفقوا على ضعفه.
([10]) يعني أحمد: ولحديث جابر: كان يصلي الجمعة، ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس، رواه مسلم، ولهما ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به، ولهما من حديث سهل قال: ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن قتيبة لا يسمى قائلة ولا غذاء بعد الزوال.
([11]) فروى الإمام عن ابن مسعود أنه كان يصلي الجمعة ضحى، ويقول: إنما عجلت بكم خشية الحر عليكم، وعن معاوية نحوه، رواه سعيد، وكذا روي عن علي وسعيد بن زيد وغيرهما، أخرجها ابن أبي شيبة وغيره، وإذا صلى هؤلاء مع من يحضرهم من الصحابة ولم ينكر، فهو إجماع ولأنها صلاة عيد، فجازت قبل الزوال، والمراد أول وقت الجواز، وتقدم إراحتهم جمالهم وانصرافهم وليس للحيطان ظل يستظل به، ولو كانت خطبته وصلاته بعده لكان لها ظل، قال الزركشي، والتقديم ثبت رخصة بالسنة والآثار اهـ، وأما وقت الوجوب فزوال الشمس إجماعا وعن أحمد، وقتها كالظهر وفاقا، ولا ينافي ما تقدم، لأنا وسائر المسلمين لا يمنعون ذلك بعد الزوال.
([12]) وحكاه الزركشي وغيره، إلحاقا لها بها، لوقوعها موضعها.
([13]) لحديث سلمة بن الأكوع، قال: كنا نصلي الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، متفق عليه، وفي الصحيح عن أنس: حين تميل الشمس، وللخروج من الخلاف، فإن الإجماع منعقد على أن وقتها بعد الزوال، ولأنه الوقت الذي كان يصليها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر أوقاته، فالأولى فعلها بعد الزوال صيفا وشتاء، حين تميل الشمس، لاجتماع الناس لها، وانتظار الإبراد يشق عليهم.
([14]) وحكاه غير واحد إجماعا، فلا يعيدون الجمعة، لفوات الشرط ولأنها لا تقضى.
([15]) هذا المذهب قياسا على بقية الصلوات، ولأن الوقت إذا فات لم يمكن استدراكه، فسقط اعتباره في الاستدامة للعذر، وكالجماعة في حق المسبوق، فإن قيل: لم اعتبر في الوقت الإدراك بالتكبيرة فقط، وفي الجماعة بالركعة؟ قيل: الوقت شرط، ولكنه خارج عن الماهية، والجماعة شرط داخل في الماهية،وما كان داخل الماهية أقوى مما كان خارجها، وقال في الإقناع: وإن خرج قبل ركعة بعد التحريمة استأنفوا ظهرا، قال ابن منجا: وهو قول أكثر الأصحاب، لأنه عليه الصلاة والسلام خص إدراكها بالركعة، وقال شيخ الإسلام: مضت السنة أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، فهو مدرك للجمعة، كمن أدرك ركعة من العصر، أو الفجر وتقدم، ومذهب الشافعي إذا خرج وقتها وهم فيها يتمونها ظهرا، وعند أبي حنيفة يستأنفون الظهر.
([16]) لأن الأصل بقاؤه، والوجوب محقق، وإن علموا إحرامهم بعد خروج الوقت قضوا ظهرا، لبطلان جمعتهم.
([17]) لأنها فرض الوقت، وقد تمكنوا من فعلها، وتقدم أنها لا تدرك بأقل من ركعة.
([18]) أي وإن لم يبق من الوقت قدر التحريمة والخطبة لم تجزئ، ويصلونها ظهرا، لأنها لا تقضى وتقدم.
([19]) يعني أهل وجوبها، في قوله: تلزم كل ذكر حر مكلف مسلم إلخ، ولو كان بعضهم خرسا أو صما، لا إن كان الكل كذلك، واختار الشيخ أن هذا الشرط للوجوب لا للصحة وقال الشيخ عبد اللطيف، وهذا من أحسن الأقوال، وبه يتفق غالب كلام المتأخرين.
([20]) أي حضور العدد المعتبر حال الخطبة والصلاة.
([21]) رواه أبو داود عن كعب بن مالك قال: أول من صلى بنا الجمعة في نقيع الخصُمات أسعد بن زرارة وكنا أربعين صححه ابن حبان والبيهقي والحاكم قال بعض الأصحاب: ولم ينقل أنها صليت بدون ذلك، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم حين انفضوا عنه بدون ذلك، مع أنه لا يقتضي أنها لا تصح بدون ذلك، وحديثهم إنما كان يدل على أنه كان مبدأ الجمعة، وقال الحافظ وغيره، لا يصح في عدد الجمعة شيء، وقاله السيوطي وغيره، وقال الحافظ: وردت أحاديث تدل على الاكتفاء بأقل من أربعين وجمعت بتشديد الميم أي صليت جماعة ومصعب بن عمير هو ابن هاشم بن عبد مناف، أحد السابقين، استشهد في أحد ومعه اللواء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه لهم مفقها.
([22]) وإذا قال الصحابي ذلك، كـان لـه حكـم الرفـع ولكـنه لم يصـح ولا يقاوم حديث جابر وغيره، وقال حافظ عصره الشيخ سليمان بن عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى: هذا حديث ساقط، لا يحتج به، لأنه من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن، وهو ضعيف، قال البيهقي: هذا حديث لا يحتج به، ثم لو صح فليس فيه حجة، ويقال: اشتراط الأربعين العقلاء الحاضرين الذكور الأحرار تحكم بالرأي بلا دليل، وإسقاط للجمعة عمن دون الأربعين، وقد ثبت وجوب الجمعة بعموم الآية والأحاديث والإجماع على كل أحد فمن أراد إخراج أحد عن وجوبها فعليه الدليل، واتفق المسلمون على اشتراط الجماعة لها، واختلفوا في العدد المشترط لها، وذكر الأقوال، ونص أحمد على أنها تنعقد بثلاثة، اثنان يستمعان وواحد يخطب، اختاره الشيخ الإسلام.
قال الشيخ سليمان: وهذا القول أقوى، وهو كما قال، شرعا ولغة وعرفا، لقوله تعالى: {فَاسْعَوْا} وهذا صيغة جمع وأقل الجمع ثلاثة، وفي الحديث الصحيح إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، فأمرهم بالإمامة، وهو عام في إمامة الصلوات كلها، الجمعة والجماعة، ولأن الأصل وجوب الجمعة على الجماعة المقيمين، فالثلاثة جماعة تجب عليهم الجمعة، ولا دليل على إسقاطها عنهم أصلا،وإسقاطه عنهم تحكم بالرأي الذي لا دليل عليه من كتاب، ولا سنة ولا إجماع، ولا قول صاحب ولا قياس صحيح اهـ. قال شيخنا: وما سوى هذا القول يحتاج إلى برهان، ولا برهان يخرجه من هذا العموم، فدل على أنها تنعقد بالجمع، والجمع أقله ثلاثة، ويقال: لو كانت الأربعون شرطا لما جاز أن يسكت عنه الشارع صلى الله عليه وسلم ولا يبينه، وحكى النووي وغيره إجماع الأمة على اشتراط العدد، وأنها لا تصح من منفرد، وأن الجماعة شرط لصحتها وقال الشيخ: تنعقد الجمعة بثلاثة، واحد يخطب، واثنان يستمعان، وهو إحدى الروايات عن أحمد، وقول طائفة من العلماء قال: وتصح ممن دون الأربعين، لأنه انتقال إلى أعلى الفرضين، وفوق بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة، ونية معناها.
([23]) استيطان إقامة، لا يرحلون عنها صيفا ولا شتاء، والقرية الضيعة والمصر الجامع، أو كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارا، وجمع الناس وتقع على المدن وغيرها، والجمع قرى، وليس من شرطها المصر، فإن قيل، هذا مكرر مع ما تقدم من اعتبار الاستيطان، قيل: ما تقدم إنما سيق لبيان من تجب عليه وما هنا لبيان صحتها.
([24]) من حجر أو لبن، أو طين أو قصب، أو شجر أو سعف، لأنه عليه الصلاة والسلام كتب إلى قرى عرينة أن يصلوا الجمعة، وتقدم التجميع بقرية جواثي وغيرها، وتعبير بعضهم بالأبنية للجنس، فيشمل البناء الواحد إذا حصل به العدد، وللغالب، إذ نحو الغيران والسراديب في نحو الجبل كذلك.
([25]) أي فلا تتم الأربعون من بلدين متقاربين لم يشملهما اسم واحد، في كل منهما دون الأربعين، لفقد شرطها، حتى قالوا: لا يصح تجميع أهل بلد كامل فيه العدد، في بلد ناقص، وإن الأولى مع تتمة العدد في بلدين فأكثر متقاربة تجميع كل قوم في بلدهم، إظهارا لشعائر الإسلام، وقد كانت المدينة قرى، فيها المساكن، وحولها النخل كل قرية لقبيلة، فبنوا مالك في قريتهم، وبنوا مازن، وبنوا سالم، وسائر بطون الأنصار كذلك، كل قبيلة في قرية ومع ذلك الاتساعوكثرة القرى لم يجمع كل أهل قرية في محلتهم، وهذا مع عدم المشقة، وإلا فقد قال في الفصول، وإن كان البلد قسمين بينهما بائرة، كان عذرا أبلغ من مشقة الازدحام ويأتي جواز تعددها لحاجة.
([26]) كالخراكي ونحوها، الذين ينتجعون في الغالب مواضع القطر، وينتقلون في البقاع، وينقلون بيوتهم معهم.
([27]) ولا يقع عليهم اسم الاستيطان، هذا مذهب جمهور العلماء، وإن كان أهل الخيام مستوطنين في خلال الأبنية لزمتهم.
([28]) وذلك لأنهم ليسوا من أهل المدينة، قال تعالى: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ} فجعلهم قسمين، مستوطنين وأعرابًا.
([29]) وأتى عليهم يوم الجمعة قبل ذلك، وجبت عليهم الجمعة، لأن حكمها باق في إقامة الجمعة بها، لعدم ارتحالهم، أشبهوا المستوطنين، لا إن عزموا على النقلة منها، ولا تجب ببلد يسكنها أهلها بعض السنة دون بعض، لعدم الاستيطان.
([30]) ولو بلا عذر فلا يشترط لها البنيان.
([31]) وتقدم تصحيح ابن حبان والحاكم، وقال الحافظ: إسناده حسن، وأسعد بن زرارة هو ابن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، أبو أمامة الأنصاري الخزرجي النجاري، شهد العقبة، وكان نقيبًا على قبيلته، مات في السنة الأولى، أول من صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
([32]) في غربيها، وفيه: في هزم النبيت من حرة بني بياضة، وهي قرية في الحرة، أي جمع في قرية يقال لها هزم النبيت، وهي كانت في حرة بني بياضة، والمعنى أنه يجوز إقامتها في القرى، كالمدن والأمصار، وللدارقطني وغيره عن أم عبد الله الدوسية مرفوعًا، «الجمعة واجبة على كل قرية، وإن لم يكن فيها إلا أربعة»، من طرق ضعيفة، لكنه لا يضر من استدل به على فرضيتها في القرى، لأنه قد ثبت أداؤها بأقل من أربعين، وصحة أدائها في القرى من عموم الآية، وتقدم إقامتها بجواثي، وكانت تقام في القرى بين مكة والمدينة في عهد السلف، وكما هو فرض عين في الأمصار، فهكذا في القرى، من غير فرق.
([33]) أي إذا رأى الإمام اشتراط العدد دون المأمومين لم يجز أن يؤمهم لاعتقاده البطلان.
([34]) ليصلي بهم فيؤدوا فرضهم.
([35]) أما الإمام فلعدم من يصلي معه، وأما المأمومون فلاعتقاد بطلان جمعتهم لوجوب العدد عندهم، هذا مقتضى كلام الأصحاب وغيرهم عفا الله عنهم، والتقليد والاعتقاد في مثل هذه المسائل الظاهرة بعد وضوح الوجه الشرعي خطأ مخالف للشرع، ولما عليه الأئمة رضوان الله عليهم، وتقدم تحقيق مذاهبهم.
([36]) كالطهارة على ما ذهبوا إليه، وتقدم وجوبها بمسمى الجماعة.
([37]) بشروطها، فإن أمكن إعادتها جمعة وجبت، لأنها فرض الوقت.
([38]) بلا نزاع، وقال أبو المعالي: سواء كانوا سمعوا الخطبة أو لحقوا قبل نقصهم بلا خلاف، كبقائه من السامعين، وجزم به غير واحد، ولحديث جابر وفيه: لم يبق إلا اثنا عشر رجلا، رواه مسلم ولوجود الشرط، وانفضاض بفاء أي تفرق بعضهم، و(لحقوا بهم)، جملة فعليه في محل نصب على الحالية، والمراد: لحقوا بمن كان مع الإمام.
([39]) إجماعًا إلا ما حكي عن عطاء وطاوس، واتفقوا على أنه ليس من شرط إدراك الجمعة إدراك الخطبة، ومن صلى الجمعة فقد صحت له الجمعة، وإن لم يدرك الخطبة، واتفقوا على أن الفضيلة في إدراك الخطبة والاستماع لها.
([40]) ورواه البيهقي عن ابن مسعود وابن عمر، وأصله في الصحيحين، وقال شيخ الإسلام: مضت السنة أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة اهـ أي لم تفته تلك الصلاة، ومن لم تفته الجمعة صلاها ركعتين، لقوله «فليصل إليها أخرى»، ولا بد من إدراك المسبوق ركعة بسجدتيها.
([41]) من قوله «من أدرك ركعة»، الحديث وهو من مفهوم المخالفة، وإلا فالجمعة لا تقضى، ولو لم يدرك إلا التشهد دخل معه، وتشهد حكاه أبو بكر عن الصحابة إجماعا، وقاله ابن مسعود، وكذلك فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
([42]) وفاقا لمالك والشافعي، لأن دخول الوقت شرط، والظهر لا تتأدى بنية الجمعة ابتداء.
([43]) أي فإنه إذا كان إنما نوى جمعة، ولم ينو الظهر لم يصح، وإن نواه صح.
([44]) أي وإن لم يدخل وقت الظهر، أو دخل ولم ينوه، بل نوى جمعة، أتمها نفلا، أما الأولى فكمن أحرم بفرض، فبان قبل وقته، فإنه لا يصح إتمامها جمعة، لعدم إدراكه لها بدون ركعة، لمفهوم الأخبار، وأما الثانية فلحديث «إنما الأعمال بالنيات»، وهو لم ينو ظهرا، فيتمها نفلا.وقال ابن إسحاق: ينوى جمعة تبعا لإمامه، ويتمها ظهرا، وذكره القاضي المذهب إذا كان دخل وقت الظهر.
([45]) لقول عمر: إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه، رواه أبو داود وغيره: وقاله بمحضر من الصحابة وغيرهم، ولم يظهر له مخالف، وهو قول جمهور العلماء، مالك والشافعي وغيرهما، ولأنه يأتي بما يمكنه حال العجز، فوجب وصحت كالمريض.
([46]) أي فإن لم يمكنه السجود على ظهر إنسان أو رجله ونحو ذلك، قال في الإنصاف، بلا نزاع فإذا زال الزحام سجد بالأرض، ولحق إمامه للعذر، إلا أن يغلب على ظنه فوت الثانية، فإن غلب على ظنه فوتها تابعة فيها، ويتمها جمعة، وهو قول مالك والشافعي، وجماهير العلماء، فإن لم يتابعه عالما بطلت صلاته بلا نزاع، لتركه متابعة إمامه بلا عذر، وإن كان جاهلا ثم أدركه في التشهد بعد أن سجد سجدتي الأولى، أتى بركعة ثانية بعد سلام إمامه، وصحت جمعته.
([47]) لترك متابعة إمامه عمدا، وترك متابعة إمامه عمدا يبطلها وفاقا، وإن تابع إمامه فذا فتقدم قول شيخ الإسلام.
([48]) لإدراكه ركعة مع إمامه، وكذا لو تخلف عنه لمرض أو نوم أو سهو ونحوه وإن أقام على متابعة إمامه وأتمها معه فذا صحت جمعته.
([49]) أي ويشترط لصحة صلاة الجمعة تقدم خطبتين، وفاقا لمالك والشافعي وجماهير العلماء، وحكاه النووي إجماعا، إلا أن أبا حنيفة يقول: إذا قال: الحمد لله كفاه ومشروعيتهما مما استفاضت به السنة، وقال في الشرح: والخطبة شرط لا تصح بدونها، ولا نعلم مخالفا إلا الحسن، وقال في الفروع: ومن شرطهما يعني الخطبتين تقديمهما وفاقا، والخطبة بضم الخاء، وهي الكلام المؤلف، المتضمن وعظا وإبلاغا، يقال: خطب يخطب خطبة بضم الخاء وخطابة بفتحها، وأما خطبة المرأة وهي طلب نكاحها فبالكسر.
([50]) وهذا قول كثير من أهل التفسير فأمر بالسعي إليه، فيكون واجبا، إذ لا يجب السعي لغير واجب، ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما.
([51]) هذا لفظ النسائي والدارقطني وغيرهما، ولفظ البخاري: يخطب خطبتين يقعد بينهما، ولهما: يخطب قائما ثم يقعد ثم يقوم، وللشافعي وغيره عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يقعد، ثم يقوم فيخطب وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
([52]) أي لا يقال إنهما بدل ركعتين من الظهر، لأن الجمعة ليست بدلا عن الظهر، بل الجمعة مستقلة، وإنما الظهر البدل عنها إذا فاتت فظاهره أن الجمعة في الأصل أربع، قامت الخطبتان مقام ركعتين منها، لا أنها ظهر مقصورة ولهذا يصلي من فاتته أربعا، وعن عمر وعائشة، قصرت الصلاة من أجل الخطبة، فهما بدل ركعتين، فالإخلال بإحداهما إخلال بإحدى الركعتين، واشترط تقديمهما لفعله صلى الله عليه وسلم وخلفائه والمسلمين.


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 06:31 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا شُرُوطٌ لَيْسَ مِنْهَا إِذْنُ الْإٍمَامِ........
قوله: «يشترط لصحتها شروط»
الشروط: جمع شرط، وهو في اللغة: العلامة.
وفي الشرع: ما يتوقف عليه الشيء، إن كان شرطاً للوجوب فهو ما يتوقف عليه الوجوب، وإن كان شرطاً للصحة فهو ما تتوقف عليه الصحة، وإن كان شرطاً للإجزاء فهو ما يتوقف عليه الإجزاء، هذه ثلاثة أنواع كلها موجودة في شروط الحج.وهنا يجب أن تعرف الفرق بين شروط الشيء والشروط في الشيء، فمنها:
1 ـ شروط الشيء موضوعة من قبل الشرع، فلا يمكن لأحد إسقاطها، والشروط في الشيء موضوعة من قبل العبد فيجوز لمن هي له أن يسقطها.
2 ـ شروط الشيء ما يتوقف عليه الشيء صحة أو وجوباً أو إجزاء، أو وجوداً في أمور العقليات، والشروط في الشيء ما يتوقف عليه لزوم الشيء.
مثال ذلك: العلم بالمبيع شرط للصحة، فلو باع مجهولاً لم يصح البيع ولو رضي الطرفان؛ لأنه من وضع الشرع.
مثال آخر:باع شخص بيتاً، واشترط سكناه لمدة سنة، فهذا شرط في البيع لو أسقطه من له الشرط جاز، ولو لم يشترط البائع سكنى الدار لم يثبت له سكنى الدار، فهو لم يثبت إلا من وضع البشر، لمن له الحق أن يسقطه. فشروط صحة الجمعة ما يتوقف عليها صحة الجمعة، أي: إذا فقد واحد من الشروط لم تصح الجمعة.
قوله: «ليس منها إذن الإمام» ، إذا قال العلماء: (إمام) فهو صاحب أعلى سلطة في البلد، سواء سمي إماماً أو خليفة أو أميراً أو رئيساً أو شيخاً أو غير ذلك. أي: لو صلى الناس بدون إذن الإِمام فصلاتهم صحيحة.
فإذا قال قائل: لماذا نص المؤلف على نفي هذا الشرط، مع أن السكوت عنه يقتضي انتفاءه؟
فالجواب: لأن في ذلك خِلافاً، فالمذهب: لا يشترط إذن الإمام.
وقال بعض العلماء: لا تقام الجمعة إلا بإذن الإمام؛ وذلك لأنها صلاة جامعة لكل أهل البلد، فلا يجوز أن تقام إلا بإذن الإمام، والإمام إذا استؤذن يجب عليه أن يأذن، ولا يحل له أن يمنع، فلو فرض أنه امتنع ومنعهم من إقامة الجمعة مع وجوبها فحينئذٍ يسقط استئذانه.ولكن لو قيل بالتفصيل، وهو: أن إقامة الجمعة في البلد لا يشترط لها إذن الإمام، وأنه إذا تمت الشروط وجب إقامتها، سواء أذن أم لم يأذن، وأما تعدد الجمعة فيشترط له إذن الإمام؛ لئلا يتلاعب الناس في تعدد الجمع، فلو قيل بهذا القول لكان له وجه، والعمل عليه عندنا لا تقام الجمعة إلا بعد مراجعة دار الإفتاء، وهذا القول لا شك أنه قول وسط يضبط الناس؛ لأننا لو قلنا: إن كل من شاء من أي حي أقام الجمعة بدون مراجعة الإمام، أو نائبه؛ لأصبح الناس فوضى، وصار كل عشرة في حي، ولو صغيراً يقيمون الجمعة.

أَحَدُهَا: الوَقْتُ وَأَوَّلُهُ أَوَّلُ وَقْتِ صَلاَةِ العِيدِ وَآخِرُهُ آخِرُ وَقْتِ صَلاَةِ الظُّهْرِ .....
قوله: «أحدها الوقت» ، هذا هو الشرط الأول وبدأ به المؤلف؛ لأن الوقت آكد شروط الصلاة، سواء هنا أو في أوقات الصلوات الخمس، ولهذا إذا دخل الوقت يصلي الإنسان على حسب حاله، ولو ترك ما لا يقدر عليه من الشروط والأركان، فلو دخل الوقت والإنسان عارٍ ليس عنده ما يستر عورته، أو ليس عنده ماء ولا تراب، أو لا يستطيع أن يتطهر، أو لا يستطيع القيام، أو لا يستطيع التوجه إلى القبلة، أو ببدنه نجاسة لا يستطيع غسلها، فلا نقول: انتظر حتى تتحقق الشروط، بل يصلي إذا خاف فوت الوقت على حسب الحال. والمؤلف قال هنا: «أحدها الوقت» ، وفي شروط الصلاة، قال: «دخول الوقت» ، فهل هذا اختلاف تعبير لا يختلف به الحكم، أو اختلاف تعبير يختلف به الحكم؟
الجواب: الثاني، أي: أنه اختلاف حكم؛ لأن الشرط السابق في شروط الصلاة هو: دخول الوقت، فتصح الصلاة ولو بعد وقتها، أما هنا فلا تصح الصلاة إلا في وقتها، فلو خرج الوقت ولم يصل ولو لعذر كالنسيان والنوم، فإنه لا يصلي الجمعة، بل يصلي ظهراً، والصلاة قبل الوقت في الجمعة وغيرها لا تصح؛ لأنه في غير الجمعة نقول: لم يدخل الوقت، وفي الجمعة نقول: ليست في الوقت، والصلاة بعد خروج الوقت في غير الجمعة صحيحة إما مطلقاً، وإما لعذر على القول الراجح، وصلاة الجمعة بعد الوقت لا تصح مطلقاً.والدليل على اشتراط الوقت: الإِجماع على أنها لا تصح إلا فيه، فلا تصح قبله ولا بعده.
قوله: «وأوله أول وقت صلاة العيد» هذه إحالة على معدم؛ لأن طالب العلم الذي ابتدأ الكتاب، ومشى عليه لم يعرف وقت صلاة العيد، فباب صلاة العيدين بعد صلاة الجمعة، فإذاً تكون الإِحالة على معدم.
وإن قلنا: إن باب العبادات يعتبر شيئاً واحداً فالإحالة على مليء؛ لأن أول العبادات وآخرها واحد.وعلى كلِّ حال فالذي ينبغي لمن يؤلف أن لا يحيل إلا على شيء معلوم سابق، فلا يحيل على شيء لم يأت بعد.وعلى كل حال، أول وقت صلاة الجمعة بعد ارتفاع الشمس قِيد رمح أي: قدر رمح، والرمح حوالي متر، فلنا أن نصليها من حين أن ترتفع الشمس قدر رمح.
ولو قال قائل: لماذا خص الوقت بما بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، ولم يكن من حين طلوع الشمس؟
فالجواب: لأن الشمس كما أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو الصادق المصدوق: «تطلع بين قرني شيطان ـ أي: الشيطان يقارنها حقيقة ـ فإذا رآها المشركون سجدوا». فاهتز الشيطان طرباً، وقال: سجدوا لي، مع أنهم إنما يسجدون للشمس، لكنهم في الحقيقة إذا سجدوا للشمس فقد أطاعوا الشيطان، فنهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الصلاة حين طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، وقدره عشر دقائق إلى ربع ساعة، وفي هذه المدة يكون سجود المشركين للشمس قد انتهى، وكل هذا من أجل البعد عن مشابهة المشركين، حتى في العبادات يجب أن نبتعد عن مشابهتهم، وإن كان الوارد الذي يرد على القلب في المشابهة في العبادات أمراً بعيداً، فإذا كنا نهينا أن نتشبه بالمشركين في العبادات التي يكون التشبه فيها بعيداً، فالعادات من باب أولى؛ ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من تشبه بقوم فهو منهم» ، وإسناد الحديث جيد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه ـ الذي هو من أفيد ما يكون، ولا سيما في الوقت الحاضر ـ «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم»: (أقل أحوال هذا الحديث التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم)؛ لأنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» فظاهره أنه كافر، لكن هو منهم فيما تشبه به فيهم، فيكون هذا الحديث دالًّا على التحريم، وهو القول الراجح الذي لا شك فيه أن التشبه بالكفار حرام، ولكن لا بد أن نعرف ما هو التشبه، وهل يشترط قصد التشبه؟
فالجواب: أن التشبه أن يأتي الإنسان بما هو من خصائصهم بحيث لا يشاركهم فيه أحد كلباس لا يلبسه إلا الكفار، فإن كان اللباس شائعاً بين الكفار والمسلمين فليس تشبهاً، لكن إذا كان لباساً خاصاً بالكفار، سواء كان يرمز إلى شيء ديني كلباس الرهبان، أو إلى شيء عادي لكن من رآه قال: هذا كافر بناء على لباسه فهذا حرام.
وهل يشترط قصد التشبه أو لا؟
الجواب: قد يقول قائل: إنه يشترط قصد التشبه؛ لأنه قال: «من تشبه» وتفعّل تقتضي فعلاً وقصداً، ولكن من نظر إلى العلة عرف أنه متى حصل التشابه ثبت الحكم، ولهذا نص شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ على أنه متى حصلت المشابهة، ولو بغير قصد، ثبت الحكم؛ وذلك لأن العلة لا تختلف بالقصد وعدمه، فالعلة أن من رأى هذا الرجل قال: هذا كافر، وهذا لا يشترط فيه القصد.لكن لو فرض أن الإنسان في بلد ليس فيه من الكفار من يلبس هذا اللباس، وهو لا يعرف عن لباس الكفار في بلادهم، ولبس لباساً يشبه لباس الكفار في بلادهم، وهو لم يقصد، فهنا قد نقول: إنه لا تشبه؛ لأن العلة قد زالت تماماً.
فإن قال قائل: على قولكم حرموا قيادة الطائرات التي تحمل الصواريخ، وما أشبه ذلك؛ لأن الذين يقودونها كفار؟
فالجواب: أن هذه ليست من أزيائهم التي يتحلون بها، ويتخذونها شعاراً لهم، فهذه آلة يقودها الكفار، ويقودها المسلمون، والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما فتحوا البلاد ركبوا السفن التي يصنعها الكفار، والتي هم بها أدرى، ولم يقولوا: إذا ركبنا السفينة صرنا متشبهين.
قوله: «وآخره آخر وقت صلاة الظهر» ، أي آخر وقت صلاة الجمعة، آخر وقت صلاة الظهر، وذلك إذا كان ظل الشيء كطوله بعد فيء الزوال.
وعلامة ذلك: أن الشمس إذا طلعت يكون لكل شاخص ـ أي: لكل شيء قائم ـ ظل من جهة المغرب، ثم لا يزال هذا الظل ينقص شيئاً فشيئاً، كلما ارتفعت الشمس نقص إلى أن يقف، فإذا وقف وزاد أدنى زيادة زالت الشمس، فاجعل علامة على المحل الذي بدأ يزيد منه وسيزداد الظل، فإذا كان من العلامة التي زالت عليه الشمس إلى منتهى الظل طول الشاخص، فهنا يخرج وقت الظهر، ويدخل وقت العصر.
فإن قيل: ما هو الدليل على هذا التحديد ابتداء وانتهاء؟ فالجواب: أن عندنا قاعدة مفيدة (أن كل تحديد بمكان أو زمان أو عدد، فإنه لا بد له من دليل)؛ لأن التحديد يحتاج إلى توقيف، فمثلاً: الذين حددوا الحيض بأن أقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً فلا بد لهم من الدليل، وإلا فلا قبول، والذين حددوا مسافة القصر بيومين لا بد لهم من الدليل، والذين حددوا الإقامة التي تقطع حكم السفر بأربعة أيام لا بد لهم من الدليل، والذين حددوا الفطرة بصاع لا بد لهم من الدليل، والذين حددوا دخول وقت الجمعة بارتفاع الشمس بقيد رمح نقول: أين الدليل؟ لأن المعروف أن الجمعة تكون عند الزوال، أو بعد الزوال، فحديث أبي هريرة: «من اغتسل، ثم راح في الساعة الأولى، ثم قال: في الثانية، ثم قال: في الثالثة، ثم قال: في الرابعة، ثم الخامسة» ، يدل على أن هناك فسحة طويلة بين طلوع الشمس ووقت الصلاة، وعليه فالدليل على ابتداء وقت صلاة الجمعة أثر عبد الله بن سيدان ـ رحمه الله ـ قال: «شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: قد انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: قد زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره» . رواه الدارقطني، وأحمد، واحتج به. ولكن هذا الحديث لا يستقيم الاستدلال به على أن وقت صلاة الجمعة يكون من ارتفاع الشمس قيد رمح لما يلي:
أولاً: الأثر ضعيف كما قاله النووي وغيره، وراويه يقول عنه البخاري: إنه لا يتابع على حديثه.
ثانياً: لو صح هذا الأثر فليس فيه دليل على دخول وقت الجمعة بارتفاع الشمس قيد رمح؛ لأن قوله: «كانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار» ، يدل على أنها قريبة من النصف وهو الزوال، ولو كانت في أول النهار لقال: كانت صلاته وخطبته في أول النهار، فهناك فرق بين أن يقال: قبل النصف وأن يقال: من أول النهار؛ لأن قبل النصف يعني أنها قريبة؛ ولهذا قال: «ثم شهدتها مع عمر، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: قد انتصف النهار ثم شهدتها مع عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: قد زال النهار» ، وهذا يدل على أن صلاة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ كانت قريبة من الزوال، والقول بأن صلاة الجمعة تصح قبل الزوال هو المذهب، وهو من المفردات.
القول الثاني: أنها لا تصح إلا بعد الزوال، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة.
القول الثالث: أنها تصح في الساعة السادسة قبل الزوال بساعة استناداً إلى حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: «من راح في الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» ، فيكون حضور الإمام على مقتضى حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في الساعة السادسة، ولهذا رجح الموفق ـ رحمه الله ـ في المغني ـ وهو من أكابر أصحاب الإمام أحمد ـ أنها لا تصح قبل السادسة، ولا في أول النهار كما ذهب إليه كثير من الأصحاب، ومنهم الخرقي، وهذا القول هو الراجح أنها لا تصح في أول النهار، إنما تصح في السادسة، والأفضل على القول بأنها تصح في السادسة، أن تكون بعد الزوال وفاقاً لأكثر العلماء.

فَإِن خَرَجَ وَقْتُها قَبلَ التَّحْرِيمَةِ صَلَّوا ظُهْراً، وَإِلاَّ فَجُمُعَةً.
قوله: «فإن خرج وقتها قبل التحريمة صلوا ظهراً، وإلا فجمعة» ، أي: إن خرج وقت الجمعة قبل أن يدركوا تكبيرة الإحرام في الوقت فإنهم يصلون ظهراً، وهذه المسألة تكاد تكون فرضية لا واقعية؛ لأنه يبعد أن يترك أهل بلد كامل صلاة الجمعة إلى ألا يبقى من الوقت إلا مقدار ما يجب من الخطبة وتكبيرة الإحرام.
وأيضاً من الذي يقدر أنه بقي مقدار تحريمة قبل أن يصير ظل الشاخص مثله، فهذا صعب جداً، وفي الزمن السابق ليس عندهم دقة هذا الحساب، فهذه المسألة في الحقيقة من الأمور التي تكون فرضية، ولكن الفقهاء ـ رحمهم الله وجزاهم عن أمة محمد خيراً ـ يفرضون المسائل المتوقعة خوفاً من أن تقع ولو في ألف سنة مرة؛ من أجل تمرين الذهن على تطبيق المسائل على أصولها، وهذا من حسن التربية والتعليم أن يذكر المعلم الأصول، ثم يفرع عليها التفريعات، وإن كانت نادرة الوقوع أو فرضية الوقوع، فقول المؤلف: «إذا خرج وقتها قبل أن يكبروا تكبيرة الإحرام صلوها ظهراً» ؛ لأن الظهر تقضى والجمعة لا تقضى، ولكن لا بد أن يتقدم تكبيرةَ الإحرام واجبٌ الخطبة أي: خطبتان بأركانهما، ثم تكبيرة الإحرام، هذا ما ذهب إليه المؤلف بناء على أن إدراك تكبيرة الإحرام معتبر كما هو المذهب. والمذهب جميع الإدراكات تعتبر تكبيرة الإحرام إلا إدراكاً واحداً، وهو إدراك الرجل صلاة الجمعة لا يكون إلا بإدراك ركعة كاملة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والصحيح: أن جميع الإدراكات لا تكون إلا بركعة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» ، هذا منطوق الحديث، ومفهومه أن من لم يدرك ركعة لم يدرك الصلاة، وهذا عام في جميع الإدراكات، فمن ذلك:
1 ـ لو حاضت المرأة بعد غروب الشمس بمقدار تكبيرة الإحرام، فعلى المذهب أدركت المغرب، وعلى القول بأنه لا بد من ركعة لم تدرك، وينبني عليه هل إذا طهرت من الحيض تقضي هذه الصلاة أو لا تقضيها؟
والجواب: على المذهب أنها تقضيها، وعلى القول الثاني لا تقضيها.
وهناك قول ثالث في هذه المسألة بالذات: أنه لا قضاء عليها إلا إذا أخرت الصلاة حتى ضاق وقتها، ثم حاضت فحينئذٍ يلزمها القضاء، ويعللون ذلك: بأن هذه المرأة لها الحق في تأخير الصلاة إلى أن يضيق الوقت عن فعلها، فهي إذا أخرت غير آثمة، فإذا جاءها المانع في وقت هي غير آثمة فيه فإنها لا تعد مفرطة، ثم الظاهر من نساء الصحابة أنهن إذا حضن في الوقت لا يقضين صلاة الوقت، وإن كان يحتمل أنهن عند تحري الحيض يقدمن الصلاة في أول الوقت خشية أن يحدث لهن حيض، فالله أعلم.
2 ـ امرأة طهرت من الحيض قبل غروب الشمس بمقدار تكبيرة الإحرام؟فعلى المذهب يلزمها صلاة العصر، وكذلك الظهر أيضاً؛ لأنها تجمع إليها.وعلى القول الثاني لا تلزمها صلاة العصر ولا الظهر؛ لأن الظهر تلزمها تبعاً ولا تلزمها صلاة العصر؛ لأنها لم تدرك من الوقت مقدار ركعة.
مسألة: امرأة طهرت من الحيض قبل غروب الشمس بمقدار ركعة فتلزمها صلاة العصر على القولين.
والصحيح: أن صلاة الظهر لا تلزمها.
قوله: «فإن خرج وقتها قبل التحريمة صلوا ظهراً، وإلا فجمعة» ، «إن خرج وقتها» أي: وقت الجمعة.
«قبل التحريمة» أي: قبل تكبيرة الإحرام، فإنهم يصلونها ظهراً؛ لأن الوقت قد فات، فإن الوقت لا يدرك إلا بتكبيرة الإحرام، فمن فاتته تكبيرة الإحرام قبل خروج الوقت فقد فاته الوقت، وهذا الذي مشى عليه المؤلف ـ رحمه الله ـ مبني على أن الإدراك يكون بتكبيرة الإحرام.
والصحيح: أن الإدراك لا يكون إلا بركعة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة» . وعلى هذا فنقول: إن خرج وقتها قبل إدراك ركعة قبل خروجه فإنهم يصلون ظهراً.
مسألة: إذا بقي من الوقت مقدار الواجب من الخطبة فماذا تصلي؟
الجواب: تصلي ظهراً؛ لأنه لا يمكن إقامة الجمعة؛ لأن الجمعة لا بد أن يتقدمها خطبتان، فإذاً لا بد أن يبقى من وقت الجمعة مقدار الواجب من الخطبتين، ومقدار تكبيرة الإحرام على قول المؤلف، أو ركعة على القول الذي رجحناه.
ولو قال قائل: هل يمكن أن يخرج وقت صلاة الجمعة على الناس جميعاً؟
فالجواب: يمكن، لكنه نادر، وصورة إمكانه: أن يكون الجو ملبداً بالغيوم، وليس عندهم ساعات، فيظنون أن الوقت مبكر، ثم تتجلى الغيوم وإذا هم قرب صلاة العصر.

الثاني: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِها.
قوله: «الثاني: حضور أربعين من أهل وجوبها» ، يعني أن الشرط الثاني لصحة الجمعة حضور أربعين، والمراد حضورهم الخطبتين والصلاة، وسبق بيان من هم أهل الوجوب، فلو حضر ثلاثون من أهل الوجوب الخطبة دون الصلاة لم تصح، ولو حضروا الصلاة دون الخطبة لم تصح الصلاة.وسبق بيان من هم أهل وجوبها، وهو: كل ذكر، حر، مكلف، مسلم، مستوطن ببناء ليس بينه وبين المسجد أكثر من فرسخ ـ ستة شروط ـ فلا بد أن يكون هؤلاء الأربعون متصفين بهذه الصفات.فإن حضر تسعة وثلاثون حراً وعبد، فإنها لا تصح؛ لأن العبد ليس من أهل الوجوب، وبه تمام الأربعين، فإن حضر تسعة وثلاثون مستوطناً ومسافر مقيم فلا تصح؛ لأن المسافر المقيم غير مستوطن، ونحن اشترطنا أن يكون مستوطناً، فإن حضرت امرأة وتسعة وثلاثون رجلاً فلا تصح؛ لأنها ليست من أهل الوجوب، ولو اجتمع في بلد من بلاد الكفار طلبة يبلغون مائة، وليس فيهم أحد من أهل البلد، فإنهم لا يقيمون الجمعة؛ لأنهم غير مستوطنين.واستدلوا على اشتراط الأربعين بما يلي:
1 ـ قال أحمد: «بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين، وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة» ، ويجاب: إن صح هذا الأثر فإنه لا يصح الاستدلال به؛ وذلك لأن بلوغهم هذا العدد وقع اتفاقاً لا قصداً، فلم يقل: إنهم أمروا أن يجمعوا فلما بلغوا أربعين أقاموا جمعة، فلو كان لفظ الحديث هكذا لكان فيه شيء من الاستدلال.
2 ـ قال جابر: «مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة، وأضحى، وفطراً» .لكن هذا الحديث لا يصح، وبهذا يتبين أن دليل المؤلف إما صريح غير صحيح مثل حديث جابر، وإما صحيح غير صريح مثل حديث مصعب بن عمير، والحديث الذي تثبت به الأحكام لا بد أن يكون صحيحاً وصريحاً؛ لأن الضعيف ليس بحجة، وكذا الصحيح غير الصريح يكون محتملاً، ومن القواعد المقررة عند العلماء في الاستدلال «أنه إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال»، وعلى هذا فاشتراط الأربعين لإقامة الجمعة غير صحيح؛ لأن ما بني على غير صحيح فليس بصحيح، ثم يقال: إنه ثبت في صحيح مسلم «أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لما قدمت العير من الشام إلى المدينة وكانوا في شفقة لقدومها لشدة حاجتهم انفضوا إليها، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب، ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً ـ أقل من الأربعين ـ وبقي مقيماً لصلاة الجمعة».
لكن قالوا: لعل هؤلاء الذين خرجوا رجعوا فوراً قبل أن يمضي النبي صلّى الله عليه وسلّم في خطبته.
ويجاب: أن هذا الاحتمال خِلاف الأصل والظاهر. فهو خلاف الأصل؛ لأن الأصل أن من خرج لا يعود حتى يثبت دليل أنه عاد. وخلاف الظاهر؛ لأنه ليس من الظاهر أنهم يخرجون ينظرون فقط، ثم يرجعون، بل سيبقون هناك يشترون من المتاع الذي حضر؛ ولهذا عاتبهم الله عزّ وجلّ فقال: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] ، فصعبٌ على النفوس أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يترك {قائماً} فيهم يعظهم، ويرشدهم ثم يتركونه قبل فراغ الخطبة، فوبخهم بما هو أشد في قوله: {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
القول الثاني: أنه لا بد من اثني عشر رجلاً من أهل الوجوب.واستدلوا: بحديث جابر السابق، وأجيب: بأن هذا وقع اتفاقاً فلم يكن قصداً، فربما يبقى أكثر، وربما يبقى أقل، [ولا يصح الاستدلال به].
القول الثالث: أنه يشترط أربعة رجال، [إمام وثلاثة يوجه إليهم الخطاب]، وهذا مذهب أبي حنيفة؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: 9] و«آمنوا» جمع، وأقل الجمع ثلاثة، والإمام هو الذي يُسعى لخطبته.
وأجيب: بأن الاستدلال ليس بصحيح؛ لأن قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الجمعة: 9] وإن كان جمعاً، فالمراد به الجنس، ولهذا يؤمر بالحضور إلى الجمعة، ولو كان واحداً.
القول الرابع: أنه يشترط أن يكونوا ثلاثة: خطيب ومستمعان، واستدلوا:
1 ـ أن الثلاثة أقل الجمع.
2 ـ أنه روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان» ، والصلاة عامة تشمل الجمعة وغيرها، فإذا كانوا ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الصلاة، فإن الشيطان قد استحوذ عليهم، وهذا يدل على وجوب صلاة الجمعة على الثلاثة، ولا يمكن أن نقول: تجب على الثلاثة، ثم نقول: لا تصح من الثلاثة؛ لأن إيجابها عليهم ثم قولنا: إنها غير صحيحة تضاد، معناه: أمرناهم بشيء باطل، والأمر بالشيء الباطل حرام، هذا القول قوي، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
القول الخامس: أن الجمعة تجب على اثنين فما فوق؛ لأن الاثنين جماعة فيحصل الاجتماع، ومن المعلوم أن صلاة الجماعة في غير الجمعة تنعقد باثنين بالاتفاق، والجمعة كسائر الصلوات، فمن ادعى خروجها عن بقية الصلوات، وأن جماعتها لا بد فيها من ثلاثة فعليه الدليل، وهذا مذهب أهل الظاهر، واختاره الشوكاني في شرح المنتقى، وهو قول قوي، لكن ما ذهب إليه شيخ الإسلام أصح؛ إذ لا بد من جماعة تستمع، وأقلها اثنان، والخطيب هو الثالث، وحديث أبي الدرداء يؤيد ما قاله الشيخ.
القول السادس: أن الجمعة تصح حتى من واحد؛ لأن الجمعة فرض الوقت، فما الفرق بين الجماعة والواحد، كما أن الظهر فرض الوقت ولا فرق بين الواحد والجماعة، ومن ادعى شرطية العدد في الجمعة فعليه الدليل، ولكن هذا قول شاذ، وهناك أقوال أخرى. وأقرب الأقوال إلى الصواب: أنها تنعقد بثلاثة، وتجب عليهم، وعلى هذا فإذا كانت هذه القرية فيها مائة طالب، وليس فيها من مواطنيها إلا ثلاثة فتجب على الثلاثة بأنفسهم، وعلى الآخرين بغيرهم، وإذا كان فيها مواطنان ومائة مسافر مقيم لا تجب عليهم.
مسألة: إذا حضر تسعة وثلاثون، والإمام يرى أن الواجب أربعون، والتسعة والثلاثون يرون أن الواجب ثلاثة فنقول: الإمام لا يصلي بهم، ويصلي واحد من هؤلاء الذين لا يرون الأربعين، ثم يلزم الإمام أن يصلي؛ لأنها أقيمت صلاة الجمعة.وإذا كان بالعكس الإمام لا يرى العدد أربعين، والتسعة والثلاثون يرون العدد أربعين فلا يصلون جمعة؛ لأن التسعة والثلاثين يقولون: نحن لن نصلي فيبقى واحد، فلا تنعقد به الجمعة فيصلون ظهراً. وهذه المسألة التي ذكرها العلماء -رحمهم الله- تدلنا على أن الإنسان ينبغي أن يكون واسع الأفق، فالعلماء أسقطوا الجمعة من أجل الخلاف، وأوجبوها من أجل الخلاف، فالمسائل الخلافية التي يسوغ فيها الاجتهاد لا ينبغي للإنسان أن يكون فيها عنيفاً بحيث يضلل غيره، فمن رحمة الله عزّ وجلّ أنه لا يؤاخذ بالخلاف إذا كان صادراً عن اجتهاد، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، وأهل السنة والجماعة من هديهم وطريقتهم ألا يضللوا غيرهم ما دامت المسألة يسوغ فيها الاجتهاد، حتى إنهم قالوا: الخلفاء أربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي من خالف ترتيبهم في الخلافة فهو ضال، أي من قال: إن علياً أولى من أبي بكر بالخلافة فهو ضال، حتى قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: «هو أضل من حمار أهله»، ومن خالف في التفضيل بين عثمان وعلي، فقال: علي أفضل من عثمان فإنه لا يضلل؛ لأن هذه مسألة فيها خلاف بين أهل السنة، لكن استقر أمر أهل السنة على تفضيل عثمان تبعاً للخلافة، فإذا كان يرى أن الأحاديث الواردة في فضل علي -رضي الله عنه- تفوق الأحاديث الواردة في فضل عثمان ـ رضي الله عنه ـ فلا يضلل، لكن من فضَّل عليًّا على أبي بكر وعمر فقد قدح في علي نفسه؛ لأن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ يقول على منبر الكوفة، وهو يخطب الناس: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر».

الثالث: أَنْ يَكُونُوا بِقَرْيَةٍ مُسْتَوْطِنِينَ.
قوله: «الثالث أن يكونوا بقرية مستوطنين» ، أي: يشترط لصحة صلاة الجمعة أن يكون العدد المشروط مستوطنين بقرية، وهذا هو الشرط الثالث لصحة صلاة الجمعة، فإن كانوا في خيام كالبادية، فإنه لا جمعة عليهم، ولا تصح منهم الجمعة.ودليل هذا: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر البدو الذين حول المدينة بإقامة جمعة؛ لأنهم ليسوا مستوطنين، فربما يكونون هذا العام في هذا المكان، وفي العام الثاني أو الثالث في مكان آخر؛ لأنهم يتبعون الربيع والعشب.والقرية في اللغة العربية: تشمل المدينة والمصر؛ لأنها مأخوذة من الاجتماع. وانظر إلى مكة أم القرى سماها الله قرية، قال الله تعالى: {وَكَأَيِّن مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} [محمد: 13] ، مع أن الله قال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: 7] .والقرية في اللغة غير المفهوم في عرفنا.فالمراد بالقرية: المدينة سواء كانت صغيرة أو كبيرة.
وقوله: «مستوطنين» ، أي: لا بد أن يكونوا مستوطنين، أي: متخذيها وطناً، سواء كانت وطنهم الأول أم وطنهم الثاني، فالمهاجرون من النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه اتخذوا المدينة وطناً ثانياً.
وضد المستوطن: المسافر والمقيم، فالمسافر هو الذي على جناح سفر مرَّ في البلد، ليقضي حاجة ويمشي، والمقيم من أقام يوماً أو ثلاثة أيام، أو خمسة أيام، أو أكثر لشغل ثم يرجع، ومن أقام بقرية وهو عازم على السفر، فهل هو مقيم أو مسافر؟
الجواب: شيخ الإسلام يرى أنه مسافر، ويقول: ليس في الكتاب ولا في السنة تقسيم الناس إلى مستوطن ومقيم ومسافر، وليس فيهما إلا مسافر ومستوطن، والمستوطن هو المقيم.

وَتَصِحُّ فِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانَ مِن الصَّحْرَاءِ ....................
قوله: «وتصح» أي: الجمعة.
قوله: «فيما قارب البنيان من الصحراء» .أي: إن أهل القرية لو أقاموا الجمعة خارج البلد في مكان قريب، فإنها تصح، فلا يشترط أن تكون في نفس البلد، بشرط أن يكون الموضع قريباً، مثل: مصلى العيد يكون في الصحراء من البلد؛ لأنّهم في الحقيقة لم يخرجوا من القرية.
وقول المؤلف ـ رحمه الله ـ: «فيما قارب البنيان من الصحراء» يفهم منه أن ما كان بعيداً لا تصحُّ فيه الجمعة، أي: لو أن أهل القرية خرجوا في نزهة بعيداً عن البلد، وأقاموا الجمعة هناك في مكان النزهة البعيد عن البلد، فإنها لا تجزئ؛ لأنهم انفصلوا عن البلد.
فإذا قال قائل: هل القرب هنا محدد بالعرف أو محدد بالمسافة؟
فالجواب: أن العلماء إذا أطلقوا الشيء، ولم يحددوه يرجع في ذلك إلى العرف، كما (أن الكتاب والسنة إذا أطلق الشيء فيهما، وليس له حد شرعي فإن مرجعه إلى العرف) هذه قاعدة مفيدة، وعلى ذلك قال الناظم:

وكل ما أتى ولم يحدد
=
بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
وقول الناظم: (كالحرز) أي حرز الأموال، فمثلاً: أودعتك وديعة، ووضعتها في مكان غير محرز، وسرقت فعليك الضمان، فإذا قال الناس: هذا الرجل مفرط في وضعه المال في هذا المكان، فهذا غير محرز فعليه الضمان، [والذي يدلنا على أن المكان محرز أو غير محرز العرف].وفي السرقة أيضاً يشترط للقطع أن تكون من حرز، فلو سرقها من غير حرز فلا قطع عليه؛ لأن المفرط صاحب المال. مثاله: وضع الدراهم عند باب الدكان، ونسي أن يدخلها الدكان، فجاء رجل بالليل وسرقها فلا تقطع يده؛ لأنه ليس من حرز.ولو وضعها داخل البيت على الصندوق، لكن لم يدخلها، والبيت دائماً مفتوح الباب فسرقت، فهو مفرط، لا سيما إذا ضعف الأمن، والحرز يختلف باختلاف الأمن، فقد تكون السلطة ضعيفة فيتجرأ السراق، وقد تكون السلطة قوية فيرتدع الناس.فالمؤلف هنا أطلق القرب من البنيان، وإذا أطلق يرجع فيه إلى العرف، فلو أن أهل القرية ـ مثلاً ـ ذهبوا إلى عشرة كيلومترات وأقاموا الجمعة فإن هذا بعيد، ولا ينسب إلى البلد، لكن لو أقاموها على طرف البنيان، فكل يعرف أن هؤلاء هم أهل البلد.
وقال بعض العلماء: لا يجوز أن تقام الجمعة إلا في البنيان فلو خرجوا قريباً من البنيان فإنها لا تجزئ، لكن ما ذهب إليه المؤلف هو الصحيح، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى.

فَإِن نَقَصُوا قَبْلَ إِتْمَامِها اسْتَأْنَفُوا ظُهْراً .......
قوله: «فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً» ، «نقصوا» الضمير يعود على العدد المشترط أي: إن نقصوا واحداً فأكثر استأنفوا ظهراً، أي: بطلت صلاتهم، ووجب عليهم أن يستأنفوا ظهراً. مثاله:دخلوا في الجمعة على أنهم أربعون، ثم أحدث أحدهم وخرج فيستأنفون ظهراً؛ لأنه يشترط أن يكون العدد المطلوب من أول الصلاة إلى آخرها.
وقوله: «استأنفوا ظهراً» يستثنى من ذلك ما إذا كان الوقت متسعاً لإعادتها جمعة، فإن اتسع الوقت لإعادتها جمعة بحيث حضر الرجل الذي ذهب ليتوضأ، والوقت متسع فإنه يلزمهم إقامتها جمعة؛ لأن الجمعة فرض الوقت، وقد أمكن إقامتها، فكلام المؤلف ليس على إطلاقه، [بل نقيده بما إذا لم تمكن إعادتها جمعة].
وقال بعض العلماء: بل يتمونها جمعة؛ لأن الصلاة انعقدت على وجه صحيح، فإبطالها بعد انعقادها يحتاج إلى دليل، وإذا لم يكن هناك دليل فإنه يبنى آخرها على أولها.
القول الثالث: قول وسط ـ والغالب أن الوسط من أقوال العلماء هو الصحيح الراجح ـ أنهم إن نقصوا بعد أن أتموا الركعة الأولى أتموا جمعة، فإذا كان النقص في الركعة الثانية فما بعد أتموا جمعة، وإن نقصوا في الركعة الأولى استأنفوا ظهراً ما لم يمكن إعادتها جمعة، وهذا اختيار الموفق ـ رحمه الله ـ، وهذا القول هو الراجح.ودليله قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»، وكما أنه لو أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة مع أنه يصلي الثانية وحده.أما القول بأنهم يتمونها جمعة مطلقاً؛ لأنهم ابتدؤوا الصلاة على وجه صحيح فنحتاج إلى دليل على بطلانها.
فجوابه: أن هذه الصلاة من شرط صحتها العدد، فإذا فقد الشرط في أثنائها بطلت، كما لو أحدث في أثنائها، أو انكشفت عورته، أو ما أشبه ذلك.

وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَتَمَّهَا ظُهْرا...........
قوله: «ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة» «مع الإمام» أي: إمام الجمعة.
«منها» أي: الجمعة.
«ركعة» أي: ركعة تامة بسجدتيها أتمها جمعة.
ودليله: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة».
قوله: «وإن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهراً» ، أي: بأن جاء بعد رفع الإمام رأسه من ركوع الركعة الثانية فهنا لم يدرك ركعة فيتمها ظهراً لما سبق من الحديث.
إِذَا كَانَ نَوَى الظُّهْرَ .........
قوله: «إذا كان نوى الظهر» أي: يشترط لإتمامها ظهراً أن ينوي الظهر، وأن يكون وقتها قد دخل، وإنما أضفنا هذا الشرط؛ لأن فيه احتمالاً أن تُصلَّى الجمعة قبل الزوال، فإذا صليت قبل الزوال وأدرك منها أقل من ركعة فإنه لا يتمها ظهراً، بل يتمها نفلاً، ثم إذا دخل وقت الظهر صلى الظهر، فيشترط إذاً لمن أدرك مع الإمام أقلّ من ركعة لإتمامها ظهراً شرطان هما:
1 ـ أن ينوي الظهر.
2 ـ أن يكون وقت الظهر قد دخل.
فإن لم ينو الظهر بأن دخل مع الإمام بنية الجمعة؛ لأنه يظن أن هذه هي الركعة الأولى، وذلك بأن جاء والإمام قد قال: «سمع الله لمن حمده» في الركعة الثانية، فظن أنها الركعة الأولى، ثم تبين أنها الركعة الأخيرة، فعلى كلام المؤلف يتمها نفلاً؛ لأنه لم ينو الظهر، وعلى هذا يحتاج المسبوق إذا جاء إلى الجمعة وهو لا يدري هل هي الركعة الأولى أو الثانية؟ أن ينتظر فإن جلس الإمام للتشهد دخل معه بنية الظهر، وإن قام دخل معه بنية الجمعة.
القول الثاني: أنه إذا دخل معه بنية الجمعة، فتبين أنه لم يدرك ركعة، فلينوها ظهراً بعد سلام الإمام، وهذا هو الذي لا يسع الناس إلا العمل به، خصوصاً العامة؛ لأن العامي ولو علم أنها الركعة الثانية وقد فاته ركوعها، فإنه سينوي الجمعة، ثم إذا سلم الإمام، فمن العامة من يتمها جمعة أيضاً، ومنهم من يتمها ظهراً، لكن لا ينوي الظهر إلا بعد أن يسلم الإمام، وهذا القول هو الصحيح؛ لأن الظهر فرع عن الجمعة، فإذا انتقل من الجمعة إلى الظهر، فقد انتقل من أصل إلى بدل، وكلاهما فرض الوقت، وفي هذه المسألة قد تنخرم القاعدة التي يقال فيها: (إن الانتقال من معين إلى معين يبطل الأول، ولا ينعقد الثاني به).مثاله: إنسان دخل في الصلاة بنية الظهر ناسياً، ثم ذكر أنه في وقت العصر، وأنه قد صلى الظهر من قبل، وفي أثناء الصلاة نواها عصراً.فنقول: الظهر بطلت؛ لأنك أبطلتها، والعصر لم تنعقد؛ لأنك لم تنوها عصراً من أولها، والمعين لا بد أن تنويه من أوله، ولكن نقول: هذه المسألة يمكن أن تستثنى من القاعدة بناء على أن الظهر بدل عن الجمعة إذا فاتت فهي فرع لها، وهو لم ينتقل من شيء مغاير من كل وجه.
مسألة مهمة تعتري الناس في أيام موسم الحج والعمرة في المسجد الحرام وهي: ما إذا زحم الإنسان عن السجود. قال في الروض: «ومن أحرم مع الإمام، ثم زحم عن السجود لزمه السجود على ظهر إنسان أو رجله». مثاله: إنسان دخل مع إمام الجمعة، لكن الناس متضايقون، فلما أراد السجود ما وجد مكاناً يسجد فيه، نقول: يجب عليك أن تسجد على ظهر إنسان، أو على رجله.
وقال بعض العلماء: إذا زحم فإنه ينتظر حتى يقوم الناس، ثم يسجد، ويكون التخلف هنا عن الإمام لعذر.
وقال بعض العلماء: يومئ إيماء أي: يجلس ويومئ بالسجود إيماء؛ لأن الإيماء في السجود قد جاءت به السنة عند التعذر بخلاف التخلف عن الإمام فإنه لم يأت إلا لعذر، وهذا القول أرجح، ويليه القول بأنه ينتظر، ثم يسجد، بعد الإمام، وأما القول بأنه يسجد على ظهر إنسان أو رجله فإنه ضعيف؛ لما يلزم عليه من التشويش التام على المسجود عليه، وقد يقاتل المسجود عليه الساجد، وقد يكون الذي أمامه امرأة.
وأيضاً السجود على ظهر إنسان لا تتأتى معه صورة السجود، لعلو الإنسان في السجود فيكون وجهه محاذياً لرجليه، وهنا الساجد أيضاً يكون رفيعاً. قال في الروض: «وإن أحرم، ثم زحم، وأخرج عن الصف فصلى فذاً لم تصح» أي: لو أنه زحم، وعجز عن أن يطيق الوقوف في الصف حتى خرج، فإنه على المذهب لا تصح صلاته؛ لأنه فذ.
والصحيح: أن صلاته تصح؛ لأنه معذور في الفذية. فإذا كان قد صلى الركعة الأولى في الصف فإنه إذا زحم حتى خرج من الصف ينوي الانفراد ويتمها جمعة؛ لأنه أدرك ركعة كاملة فيتمها جمعة هذا على المذهب، والقول الراجح أنه يتمها جمعة مع الإمام؛ لأن انفراده هنا للعذر.

وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ ........
قوله: «ويشترط تقدم خطبتين» ، بضم الخاء؛ لأن الخِطبة بالكسر: خطبة النكاح أي: أن يخطب الرجل المرأة، والخُطبة بالضم: خطبة الوعظ، وما أشبه ذلك.
أي: يشترط لصحة الجمعة أن يتقدمها خطبتان، وهذا هو الشرط الرابع ، فإن لم يتقدمها خطبتان لم تصح. ولو تأخرت الخطبتان بعد الصلاة لم تصح والدليل على اشتراط تقدم الخطبتين ما يلي:
1 ـ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] ، فأمر بالسعي إلى ذكر الله من حين النداء، وبالتواتر القطعي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أذن المؤذن يوم الجمعة خطب، إذاً فالسعي إلى الخطبة واجب، وما كان السعي إليه واجباً فهو واجب؛ لأن السعي وسيلة إلى إدراكه وتحصيله، فإذا وجبت الوسيلة وجبت الغاية.
2 ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة، والإمام يخطب فقد لغوت» ، وهذا يدل على وجوب الاستماع إليهما، ووجوب الاستماع إليهما يدل على وجوبهما.
3 ـ مواظبة النبي صلّى الله عليه وسلّم عليهما مواظبة غير منقطعة، فلم يأتِ يوم من أيام الجمعة لم يخطب فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا الدوام المستمر صيفاً وشتاءً، شدةً ورخاءً يدل على وجوبهما.
4 ـ أنه لو لم تجب لها خطبتان لكانت كغيرها من الصلوات، ولا يستفيد الناس من التجمع لها، ومن أهم أغراض التجمع لهذه الصلاة الموعظة وتذكير الناس.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
صحة, شروط

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir