649- وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ. الحَديثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
650- وعَنْ سَرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الرُّؤُوسِ، فَقَالَ: ((أَلَيْسَ هَذَا أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟)) الحديثَ، رَوَاهُ أبو دَاوُدَ بإسنادٍ حَسَنٍ.
درجةُ الحديثِ (650):
حَدِيثُ سَرَّاءَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قَالَ المُؤَلِّفُ: رَوَاهُ أبو دَاوُدَ بإِسْنادٍ حَسَنٍ.
وقالَ الشَّوْكَانِيُّ: حَدِيثُ سَرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ والمُنْذِريُّ.
وقالَ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: رِجَالُه رِجَالُ الصَّحِيحِ.
مُفْرَداتُ الحديثَيْنِ:
-يَوْمَ النَّحْرِ: هو اليَوْمُ العَاشِرُ مِن ذِي الحِجَّةِ؛ عِيدُ الأَضْحَى، سُمِّيَ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِمَا يُنْحَرُ فِيهِ مِنَ الهَدْيِ والأَضَاحِيِّ.
-سَرَّاءَ: بفتحِ السِّينِ وتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَها أَلِفٌ مَمْدُودَةٌ، بِنْتِ نَبْهَانَ الغَنَوِيَّةِ، مِن قَبِيلَةِ غَنِيٍّ، قَبِيلَةٌ عَدْنَانِيَّةٌ مُضَرِيَّةٌ.
-يَوْمَ الرُّؤُوسِ: جَمْعُ رَأْسٍ هو اليَوْمُ الحَادِي عَشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ، وهو أَوَّلُ يَوْمٍ مِن أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلاثَةِ، وسُمِّيَ يَوْمَ الرُّؤْوسِ؛ لأنَّهم يَأْكُلُونَ فِي هذا اليومِ غَالِباً رُؤُوسَ الأَضَاحِيِّ والهَدْيَ التي ذُبِحَتْ يَوْمَ النَّحْرِ، ويُسَمَّى يَوْمَ "القَرِّ". بفَتْحِ القافِ وتَشْديدِ الرَّاءِ؛ لأنَّ النَّاسَ قَارُّونَ فِي مِنًى.
-أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: هو ثاني يَوْمِ النَّحْرِ بالاتِّفاقِ، كَمَا قَالَ ابْنُ القَيِّمِ، أي: يَوْمُ الحَادِي عَشَرَ، وهو أَوَّلُ أيَّامِ التَّشْرِيقِ، وأمَّا تَسْمِيَتُهُ في الحَديثِ بأَوْسَطِها، فمِن جَعْلِ الأَوْسَطِ بمعْنَى الأَفْضَلِ، أو لأنَّه ثَانِي يومِ النَّحْرِ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثَيْنِ:
1-أنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ الأُولَى، يَوْمَ النَّحْرِ، والثانيةُ في اليَوْمِ الذي بعدَه مِن أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
2-خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ ليسَتْ خُطْبَةَ عِيدٍ؛ فإنَّهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لَمْ يُصَلِّ صَلاةَ العِيدِ فِي حَجَّتِه، ولا خَطَبَ مِثْلَ خُطْبَةِ العِيدِ، وإِنَّما هي خُطْبَةٌ قَصَدَ بها تَعْلِيمَ الناسِ المَنَاسِكَ.
3- في الحديثَيْنِ مَشروعِيَّةُ هاتيْنِ الخُطبتَيْنِ للإمامِ، أو نَائِبِه، يَعِظُ الناسَ، ويُبَيِّنُ لهم المَناسِكَ ويُرْشِدُهم.
4- مَا أحَقَّ هذا المَشْعَرَ الكَبِيرَ، والمُجْتَمَعَ الإِسْلامِيَّ في مِنًى، للدُّعاةِ المُرْشِدِينَ والمُصْلِحِينَ أَنْ يَسْتَغِلُّوهُ فِي التَّوْجِيهِ الإِسْلامِيِّ الصَّحِيحِ، ومَا أَجْدَرَ وَسَائِلَ الإِعْلامِ: مِن الإِذَاعَةِ والتِّلْفَازِ والصُّحُفِ والنَّشَرَاتِ، مِن البَثِّ فِي هذهِ المُجْتَمَعَاتِ الكَبِيرَةِ، فالقُلوبُ مُفَتَّحَةٌ، والأَنْفُسُ مُطِيعَةٌ، والسُّبُلُ مُمَهَّدَةٌ لنَشْرِ دَعْوَةِ الخَيْرِ والصَّلاحِ، وَفَّقَ اللهُ المُسلمِينَ إلى مَا فيهِ صَلاحُهم.
5-خُطْبَةُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَعْلَى الحِكْمِ والتَّوْجِيهَاتِ، فقَدْ جَاءَ فِيها قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وأَطِيعُوا رَبَّكُمْ إِذَا أَمَرَكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ، أَلاَ فَلْيُبَلِّغْ مِنْكُمُ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَعَلِّي لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟)) فقالوا: نَعَمْ. فقالَ: ((اللَّهُمَّ اشْهَدْ)).
6-أمَّا خُطْبَةُ اليومِ الأوَّلِ مِن أيَّامِ التَّشْرِيقِ، فقَدْ جَاءَ فيها ما يلي:
((أَلاَ لاَ تَظَالَمُوا، إِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، أَلاَ وَإِنَّ رِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ، لاَ يَمْلِكْنَ لأَنْفُسِهِنَّ شَيْئاً، وإِنَّ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ حُقُوقاً، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقًّا: أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً غَيْرَكُمْ، وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لأَحَدٍ تَكْرَهُونَهُ، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا.
أيَّهُا النَّاسُ: إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، لا فَضْلَ لعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ عَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى)).
قالَ عَبْدُ الرحْمَنِ بنُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونَحْنُ في مِنًى، ففُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا، حَتَّى كُنَّا نَسْمَعُ مَا يَقُولُ، ونَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا.
فاللهُ جَلَّ وعَلاَ رَفَعَ صَوْتَهُ، وبَلَّغَ دَعْوَتَهُ، وهو عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.