دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الأطعمة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1431هـ/25-05-2010م, 03:35 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الصيد

بابُ الصيدِ
لا يَحِلُّ الصيدُ المقتولُ في الاصطيادِ إلا بأربعةِ شُروطٍ:
( أحدُها ) أن يكونَ الصائدُ من أهلِ الذكاةِ.
( الثاني ) الآلةُ وهي نوعان: مُحَدَّدٌ يُشترَطُ فيه ما يُشترَطُ في آلةِ الذبْحِ، وأن يَجْرَحَ فإن قَتَلَه بثِقَلِه لم يُبَحْ، وما ليسَ بِمُحَدَّدٍ كالبُنْدُقِ والعصا والشبَكَةِ والفخِّ لا يَحِلُّ ما قُتِلَ به، والنوعُ الثاني الجارحةُ فيُباحُ ما قَتَلَتْهُ إن كانتْ مُعَلَّمَةً.
( الثالثُ ) إرسالُ الآلةِ قاصدًا، فإن استرسَلَ الكلبُ أو غيرُه بنفسِه لم يُبَحْ إلا أن يَزْجُرَه فيَزيدَ في عَدْوِه في طَلَبِه فيَحِلَّ.
( الرابعُ ) التسميةُ عندَ إرسالِ السهمِ أو الجارحةِ، فإن تَرَكَها عَمْدًا أو سَهْوًا لم يُبَحْ.
و ( يُسَنُّ ) أن يَقولَ معها: " اللهُ أكبرُ " كالذكاةِ.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.....................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


بابُ الصَّيْدِ
هو اقْتِنَاصُ حيوانٍ حَلالٍ مُتَوَحِّشٍ طَبْعاً غيرِ مقدورٍ عليه، ويُطْلَقُ على المَصِيدِ. و (لا يَحِلُّ الصَّيْدُ المقتولُ في الاصطيادِ إلاَّ بأربعةِ شُروطٍ: أَحَدُها: أنْ يكونَ الصائدُ من أهلِ الذَّكَاةِ)، فلا يَحِلُّ صَيْدُ مَجُوسِيٍّ أو وَثَنِيٍّ ونحوِهِ، وكذا ما شَارَكَ فيه. الشرطُ الثاني: (الآلةُ، وهي نوعانِ:) أحدُهما: (مُحَدَّدٌ يُشْتَرَطُ فيه ما يُشْتَرَطُ في آلَةِ الذَّبْحِ، و) يُشْتَرَطُ فيه أيضاًً (أنْ يَجْرَحَ) الصَّيْدَ، (فإنْ قَتَلَه بِثِقَلِهِ، لم يُبَحْ)؛ لمفهومِ قولِه عليه السلامُ: ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ)).
(وما ليسَ بِمُحَدَّدٍ كالبُنْدُقِ والعَصَى والشَّبَكَةِ والفَخِّ لا يَحِلُّ ما قُتِلَ به)، ولو معَ قَطْعِ حُلْقُومٍ ومَرِيءٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وإنْ أَدْرَكَه وفيه حياةٌ مستقِرَّةٌ فذَكَّاهُ، حَلَّ، وإنْ رَمَى صيداً بالهواءِ أو على شجرةٍ فسَقَطَ فماتَ، حَلَّ، وإنْ وَقَعَ في ماءٍ ونحوِهِ، لم يَحِلَّ.
(والنوعُ الثاني: الجارِحَةُ، فيُبَاحُ ما قَتَلَتْهُ) الجارحةُ (إنْ كانَتْ مُعَلَّمَةً)، سواءٌ كانَتْ مِمَّا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ مِن الطيرِ أو بِنَابِهِ مِن الفُهُودِ والكلابِ؛ لقولِهِ تعالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} إلاَّ الكَلْبَ الأسودَ البَهِيمَ، فيَحْرُمُ صَيْدُهُ واقتناؤُهُ، ويُبَاحُ قَتْلُهُ. وتعليمُ نحوِ كَلْبٍ وفَهْدٍ أنْ يَسْتَرْسِلَ إذا أُرْسِلَ، ويَنْزَجِرَ إذا زُجِرَ، وإذا أَمْسَكَ لم يَأْكُلْ، وتعليمُ نحوِ صقرٍ أنْ يَسْتَرْسِلَ إذا أُرْسِلَ، ويَرْجِعَ إذا دُعِيَ، لا بِتَرْكِ أكلِهِ.
الشرطُ (الثالثُ: إرسالُ الآلَةِ قَاصِداً) للصَّيْدِ، (فإذا اسْتَرْسَلَ الكلبُ أو غيرُه بنفسِهِ لم يُبَحْ) ما صَادَهُ، إلاَّ أنْ يَزْجُرَهُ فيَزِيدَ في عَدْوِهِ بِطَلَبِهِ، فيَحِلُّ) الصيدُ؛ لأنَّ زَجْرَهُ أَثَرٌ في عَدْوِهِ، فصارَ كما لو أَرْسَلَهُ، ومَن رَمَى صَيْداً فأصابَ غيرَه، حَلَّ.
الشرطُ (الرابعُ: التسميَةُ عندَ إرسالِ السَّهْمِ أو) إرسالِ (الجارحةِ، فإنْ تَرَكَها)؛ أي: التسميةَ (عَمْداً أو سَهْواً، لم يُبَحِ) الصيدُ؛ لمفهومِ قولِهِ عليه السلامُ: ((إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ولا يَضُرُّ إنْ تَقَدَّمَتِ التَّسْمِيَةُ بِيَسِيرٍ، وكذا إنْ تَأَخَّرَتْ بكثيرٍ في جارِحٍ إذا زَجَرَهُ فانْزَجَرَ، ولو سَمَّى على صيدٍ فأصابَ غيرَه، حَلَّ، لا على سهمٍ أَلْقَاهُ ورَمَى بغيرِهِ، بخلافِ ما لو سَمَّى على سِكِّينٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ، وذَبَحَ بِغَيْرِها.
(ويُسَنُّ أنْ يقولَ معَها)؛ أي: معَ بسمِ اللَّهِ: (اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كما في الذكاةِ)؛ لأنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ إذا ذَبَحَ يقولُ: ((بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ))، وكانَ ابنُ عُمَرَ يقولُه. ويُكْرَهُ الصيدُ لَهْواً. وهو أفضلُ مَأْكُولٍ. والزراعةُ أفضلُ مُكْتَسَبٍ.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 03:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


باب الصيد([1])

وهو: اقتناص حيوان حلال([2]) متوحش طبعا([3]) غير مقدور عليه([4]) ويطلق على المصيد([5]) و(لا يحل المصيد المقتول في الاصطياد، إلا بأربعة شروط، أحدها: أن يكون الصائد من أهل الذكاة)([6]).


فلا يحل صيد مجوسي، أو وثني نحوه([7]) وكذا ما شارك فيه([8]) الشرط (الثاني الآلة([9]) وهي نوعان) أحدهما (محدد([10]) يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح([11]) و) يشترط فيه أيضا (أن يجرح) الصيد (فإن قتله بثقله لم يبح)([12]) لمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكل»([13]).


(وما ليس بمحدد، كالبندق([14]) والعصا والشبكة([15]) والفخ لا يحل ما قتل به) ولو مع قطع حلقوم، ومريء، لما تقدم([16]) وإن أدركه وفيه حياة مستقرة، فذكاه حل([17]) وإن رمى صيدا بالهواء، أو على شجرة فسقط فمات، حل([18]).


وإن وقع في ماء ونحوه لم يحل([19]) (والنوع الثاني: الجارحة([20]) فيباح ما قتلته) الجارحة (إن كانت معلمة)([21]) سواء كانت مما يصيد بمخلبه من الطير([22]) أو بنابه من الفهود والكلاب([23]).


لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ([24]) تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ}([25]) إلا الكلب الأسود البهيم، فيحرم صيده([26]) واقتناؤه ويباح قتله([27]).


وتعليم نحو كلب وفهد: أن يسترسل إذا أرسل، وينزجر إذا زجر([28]) وإذا أمسك لم يأكل([29]) وتعليم نحو صقر([30]) أن يسترسل إذا أرسل ويرجع إذا دعي، لا بترك أكله([31]) الشرط (الثالث: إرسال الآلة قاصدا) للصيد([32]).


(فإن استرسل الكلب، أو غيره بنفسه لم يبح) ما صاده([33]) (إلا أن يزجره فيزيد في عدوه بطلبه، فيحل) الصيد([34]) لأن زجره أثر في عدوه، فصار كما لو أرسله([35]) ومن رمى صيدا فأصاب غيره
حل([36]) الشرط (الرابع: التسمية عند إرسال السهم أو) إرسال (الجارحة([37])

فإن تركها) أي التسمية (عمدا أو سهوا لم يبح) الصيد([38]) لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل» متفق عليه([39]).
ولا يضر إن تقدمت لتسمية بيسير([40]) وكذا إن تأخرت بكثير، في جارح، إذا زجره فانزجر([41]) ولو سمى على صيد فأصاب غيره حل([42]) لا على سهم ألقاه ورمى بغيره([43]) بخلاف ما لو سمى على سكين ثم ألقهاها وذبح بغيرها([44]).
(ويسن أن يقول معها) أي مع باسم الله (الله أكبر كـ) ما في (الذكاة)([45]) لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح يقول «بسم الله والله أكبر» وكان ابن عمر يقوله([46]) ويكره الصيد للهو([47]) وهو أفضل مأكول([48]) والزراعة أفضل مكتسب([49]).


([1]) والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، واتفقوا على أن قوله {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} أمر إباحة لا أمر وجوب.
([2]) أي الصيد بالمعنى المصدري، وإلا فهو في الأصل: مصدر صاد بصيد صيدا فهو صائد، ثم أطلق بمعنى المفعول، يعني اقتناص المصيد، تسمية للمفعول بالمصدر.
([3]) فاقتناص نحو ماند، من إبل وبقر، وما تأهل من نحو غزلان، أو ملك منها ليس صيدا.
([4]) بدون اقتناص كمتأهل.
([5]) فالمصيد: حيوان مقتنص حلال، متوحش طبعا، غير مملوك ولا مقدور عليه فخرج الحرام كالذئب والإنسي كالإبل ولو توحشت والمملوك والمقدور عليه، لكسر شيء منه ونحوه.
([6]) أي ممن تحل ذبيحته، لقوله صلى الله عليه وسلم فإن أخذ الكلب ذكاة، متفق عليه، والصائد بمنزلة المذكي، فيشترط فيه الأهلية، إلا ما لا يفتقر إلى ذكاة، كحوت وجراد، فيباح إذا صاده من لا تحل ذبيحته.
([7]) كدرزي أو متولد بينه وبين كتابي، كولد مجوسية من كتابي.
([8]) أي نحو مجوسي: كتابيا في قتل الصيد، سواء وقع سهمهما فيه، دفعة واحدة، أو وقع فيه سهم أحدهما قبل الآخر، لقوله «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل، وإن وجدت معه غيره فلا تأكل، فإنك إن سميت على كلبك ولم تسم على غيره» متفق عليه، ولأنه اجتمع في قتله مبيح ومحرم، فغلب جانبا الحظر وإن كان أصابه سهم من كان من أهل الذكاة دون الآخر، فالحكم له وبالعكس.
([9]) أي التي يقتل بها الصيد.
([10]) ينهر الدم بحده.
([11]) لأن جرحه قائم مقام ذكاته، فاعتبر له ما يعتبر في آلة الذكاة، وهي أن يكون بمحدد غير السن والظفر.
([12]) كشبكة وفخ وعصى، وحجر لا حد له، وإن كان له حد فكمعراض إن قتله بحده حل، وإن قتله بعرضه لم يحل، والمعراض: يشبه السهم، بحذف به الصيد، فإن قتل بحده، بأن خرق وقتل حل، بلا نزاع للخبر، وربما أصاب بعرضه فوقيذ وفاقا.
([13]) فدل على أن ما ليس بمحدد، لا يحل ما قتل، سواء كان بعرضه أو ثقله.
([14]) وهو ما يرمي به، وقيل: من الرصاص وهو المعروف الآن، وفي شرح الغاية؛: وهو حصى صغار، يرمى به، وكان فيما سبق حصى صغار يرمى به من القوس، أي فلا يحل ما قتل به، وأما بندق الرصاص، فقال بعض المالكية هو أقوى من كل محدد، فيحل به الصيد، وقال عبد القادر:
وما ببندق الرصاص صيدا = جواز أكله قد استـفيدا
أفـتى به والـدنـا الأواه = وانعقد الإجماع من فتواه.
([15]) وهي شركة الصياد، فلا يحل ما قتل به.
([16]) من أنه لا بد أن يكون بمحدد، يجرح الصيد، والفخ آلة يصاد بها، غير محدد يجرح وإنما يقتل بثقله.
([17]) لحصول إزهاقه بالذبح، وإن أدركه وإنما فيه حركة كحركة مذبوح حل، ولم يحتج إلى ذكاة، وكذا إن كان فيه حياة مستقرة، فوق حركة المذبوح ولكن لم يتسع الوقت لتذكيته حل، فعند الجمهور، مالك والشافعي، وأحمد وغيرهم أنه إذا لم يقدر على ذبحه، من غير تفريط، حتى مات، أبيح أكله على الإطلاق، وإن اتسع الوقت لتذكيته لم يبح إلا بها، لأنه حيوان لا يباح بغير التذكية.
([18]) وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي، لأن سقوطه بالإصابة، وزهوق روحه بالرمي، لا بالوقوع، وإن غاب ما عقره، أو أصيب يقينا ولو ليلا، ثم وجده، ولو بعد يوم ميتا حل لقوله «وإن تغيب عنك ما لم تجد فيه غير سهمك» رواه أبو داود.
([19]) أي: وإن وقع الصيد المرمى في الهواء، في ماء، أو وقع المرمي على شجرة في ماء، أو على ما يقتله مثله أو تردى من جبل، أو تردى ترديا يقتله مثله، لم يحل أكله، وحكاه الوزير إجماعا، لجواز أن يكون نحو الماء أو الجبل، هو الذي قتله وإن وقع في ماء ورأسه خارجه، أو كان من طير الماء، أو كان التردي لا يقتل مثل ذلك الحيوان، حل قال في المبدع: لا خلاف في إباحته، لأن التردي والوقوع إنما حرم خشية أن يكون قاتلا، أو معينا على القتل وهذا منتف هنا.
([20]) أي والنوع الثاني من نوعي الآلة الجارحة، أي المفترسة، من السباع والطير.
([21]) للصيد قال الوزير: اتفقوا على أنه يجوز الاصطياد بالجوارح المعلمة، إلا الأسود البهيم، هذا المذهب، والجمهور أبو حنيفة ومالك والشافعي، على جازه لإطلاق الشارع.
([22]) أي سواء كانت الجارحة المعلمة، مما يصيد بمخلبه، أي ظفره، من الطير، كالبازي والصقر، والعقاب والشاهين، ونحوها.
([23]) أي: أو سواء كان مما يصيد بنابه، من الفهود جمع فهد، وهو نوع من السباع، بين الكلب والنمر، قوائمه أطول من قوائم النمر، وهو منقط بنقط سود لا يتكون منها حلق كالنمر، أو من الكلاب، وهي أقبل للتأديب، وكلما أمكن الاصطياد به.
([24]) أي وأحل لكم صيد {مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} وهن الكلاب المعلمة، والبازي وكل طير يعلم للصيد، والجارح هي الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها والمراد الكواسب من سباع البهائم، والطير، مكلبين أي: في حال تكليبكم هذه الجوارح، أي إغرائكم إياها على الصيد بها.
([25]) أي تؤد بونهن آداب أخذ الصيد، من العلم الذي علمكم الله، وذلك أنه إذا أرسله استرسل، وإذا أشلاه استشلى، وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه، حتى يجيء إليه، ولا يمسكه لنفسه، ثم قال: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ} وتقدم.
([26]) لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، وقال: «إنه شيطان»، رواه مسلم قال الموفق: وأباح صيده مالك والشافعي، وأبو حنيفة لعموم الآية والخبر، والقياس على غيره من الكلاب فالله أعلم.
([27]) أي ويحرم اقتناء الكلب الأسود البهيم، قولا واحدا، وتعليمه الصيد للأمر بقتله، وعبارة الإقناع، ويسن قتله، للأمر به، وعبارة المنتهى، يباح؛ وروي عنه لا بأس به، وكان الأمر بقتله الابتداء، قال النووي: وهو الآن منسوخ؛ وقال أبو المعالي: الأمر بقتل الكلاب منسوخ؛ وصح أنه أمر به ثم نهى عنه، واستقر الشرع على التفصيل، مثل أن كان عقورا، ويجب قتل كل عقور.
وقال غير واحد: اتفقوا على أنه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة، مثل أن يقتني كلبا إعجابا بصورته، أو للمفاخرة به، فهذا حرام بلا خلاف، والترخيص لثلاثة الزرع, والماشية والصيد، وهذا جائز بلا خلاف.
([28]) لا في حال مشاهدته الصيد.
([29]) لقوله صلى الله عليه وسلم «فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أنما أمسك على نفسه» متفق عليه؛ وقال الموفق: لا أحسب هذه الخصال تعتبر في غير الكلب، والفهد لا يجيب داعيا، وإن عد متعلما، فيكون التعليم في حقه بترك الأكل خاصة أو بما يعده أهل العرف متعلما.
وقال الشيخ: التحقيق أن المرجع في تعليم الفهد إلى أهل الخبرة، فإن قالوا إنه من جنس تعليم الصقر بالأكل ألحق به، وإن قالوا: إنه يعلم بترك الأكل كالكلب، ألحق به، وإذا كان الكلب بعد تعلمه، لم يحرم ما تقدم من صيده، ولم يبح ما أكل منه.
([30]) وعقاب وشاهين، وباشق.
([31]) أي: فاشتراط ترك الأكل في الكلب خاصة، وقال الوزير: اتفقوا على أن من شرط تعليم سباع البهائم، إذا أرسله استرسل، وإذا زجره انزجر، واشترط الجمهور، أبو حنيفة والشافعي وأحمد ترك الأكل، ولم يشترطه مالك، واتفقوا على أن سائر الجوارح سوى الكلب، لا يعتبر في حد تعليمه ترك الأكل مما صاده، وإنما تعليمه هو: أن يرجع إلى صاحبه إذا دعاه.
([32]) وفاقا، فلو سقط السيف من يده، فعقر الصيد، لم يحل، لأن قصده شرط في إباحته.
([33]) لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه فكل»، متفق عليه، فدل على أن إرسال الجارحة بمنزلة الذبح، وإن زجره ولم يزد عدوه لم يحل، لأن الزجر لم يزد شيئا عن استرسال الجارح بنفسه.
([34]) أو زجره ولم يقف، لكنه زاد في عدوه باشلائه فيحل الصيد.
([35]) لأن فعل الآدمي إذا انضاف إلى فعل البهيمة، كان الاعتبار بفعل الآدمي.
([36]) أو رمى صيدا فقتل جماعة، حل الجميع قال في الإنصاف: بلا نزاع أعلمه، وكذا إذا أرسل كلبه على صيد فصاد غيره، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي: أو وقع سهمه في حجر، فرده على الصيد فقتله، حل وإن قصد صيدا بعينه فرماه بسهم فأصابه فاتفقوا على أنه يحل، وإن أرسل كلبه، أو سهمه إلى هدف فقتل صيدا، أو رمى حجرا ونحوه، يظنه صيدا أو بهيمة، فأصاب صيدا لم يحل لما تقدم من أن قصد الصيد شرط في إباحته.
ووعد الشارح في باب الآنية، بذكر الطريدة، في الصيد وأنسيها، وهي: الصيد يقع بين قوم، لا يقدرون على ذكاته، ويقطع كل واحد منه حتى يؤتى عليه وهو حي، قال الحسن: لا بأس بالطريدة، كان المسلمون يفعلون ذلك في مغازيهم واستحسنه أحمد، وكذا الناد، من إبل ونحوها، توحشت ولم يقدر على تذكيتها.
([37]) وهو مذهب الجمهور لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}.
وللأخبار لأن إرسال الآلة من نحو سهم، أو معراض، وكذا نصب نحو منجل وإرسال الجارحة، هو الفعل الموجود من المرسل، فاعتبرت التسمية عنده كما اعتبرت عند الذبح، لكن لا بد من إشارة أخرس لقيامها مقام نطقه وتصح التسمية ولو بغير العربية.
([38]) وكذا جهلا، فلا تسقط بحال، بخلاف الذكاة، فإن التسمية تسقط فيها سهوا، والفرق بينهما: كثرة الوقوع وتكرره، بخلاف الصيد.
([39]) فمفهومه: إذا لم تذكر اسم الله عليه فلا تأكل.
([40]) أي ولا يضر تقديم التسمية عند إرسال السهم، أو الجارحة بزمن يسير عرفا، كالعبادات، وكذا لو تأخرت بزمن يسير عرفا.
([41]) عند التسمية إقامة لذلك مقام ابتداء إرساله.
([42]) أي المصاب ولو كانت التسمية على غيره.
([43]) فلا يحل المصيد، لأنه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه، اعتبرت على آلته.
([44]) فيحل لأن التسمية في جانب الصيد واقعة على السهم، لا على الصيد
لعدم حضوره بين يديه، بل قد لا يصاب وفي جانب الذكاة، التسمية واقعة على الذبيحة نفسها، لا على السكين فلا يضر الذبح بغيرها.

([45]) أي كما يسن مع التسمية عند الذكاة قول الله أكبر.
([46]) أي ويسن أن يقول عند إرسال الآلة، أو الجارحة بسم الله والله أكبر كما يسن ذلك عند الذبح، قياسا عليه، وتقدم في الهدي والأضاحي.
([47]) لأنه عبث، وإن كان فيه ظلم للناس، بالعدوان على زروعهم، وأموالهم فحرام، والصيد لحاجة الإنسان جائز، وتقدم، أن الله حرم صيد الحرم، وأن المحرم لا يباح له أن يصيد، ولا يحل له أكل ما صيد لأجله.
([48]) لأنه حلال، لا شبهة فيه.
([49]) لأنها أقرب إلى المتوكل من غيرها، وأقرب للحل، وفيها عمل اليد، والنفع العام، لابد أن يؤكل منها بلا عوض، وقيل: عمل الرجل بيده، لحديث «أفضل الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور»، وتقدم، وقيل التجارة، ولعله يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، ويسن التكسب، ومعرفة أحكامه ويباح كسب الحلال، لزيادة المال والجاه، والترفه والتنعم، والتوسعة على العيال، مع سلامة الدين والعرض، والمروءة وبراءة الذمة، ويجب على من لا قوت له، وعلى من تلزمه مؤونته، ويكره تركه، والاتكال على الناس.
وقال بعض أهل العلم: الكسب الذي لا يقصد به التكاثر، وإنما يقصد به التوسل إلى طاعة الله من الصلة والتعفف، فهو أفضل، حتى من التفرغ للعبادة، ويستحب الغرس والحرث، واتخاذ الغنم، للخبر.

  #5  
قديم 11 ربيع الثاني 1432هـ/16-03-2011م, 11:58 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

بَابُ الصَّيْدِ
..................................................
قوله: «الصيد» الصيد مصدر يراد به الفعل، ويراد به المفعول، فيراد به الفعل مثل أن يقول القائل: إنني سأصيد صيداً، مثل: أكيد كيداً على أنه فعل، ويراد به المفعول كقوله تعالى: {{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ}} [المائدة: 96] أي: مصيده.
فأما على الأول فالصيد يعرّف بأنه اقتناص حيوان، مأكول، متوحش.
فقولنا: «اقتناص» خرج به الذكاة، فإنها ليست اقتناصاً؛ لأن الإنسان يذكي الحيوان وهو مطمئن، وعلى سهولة ويسر.
وقولنا: «حيوان مأكول» احترازاً من غير المأكول، فإن الإنسان وإن صاده بالسلاح فليس بصيد شرعاً.
وقولنا: «متوحش» احترازاً من غير المتوحش، إلا أنه سبق لنا أن ما ندَّ من الأهلي فحكمه حكم الصيد، أي: حكم المتوحش.
وهل الصيد حلال أو حرام؟
نقول: الصيد يقع على ثلاثة أوجه:
الأول: أن يُصطاد للحاجة إليه والأكل، فهذا لا شك في جوازه، وهو مما أحله الله ـ عزّ وجل ـ في كتابه، وثبتت به السنة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأجمع عليه المسلمون.
الثاني: أن يصطاد على سبيل اللهو والعبث، وليس بحاجة إلى الأكل، وإذا صاد الصيد تركه، فهذا مكروه، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه؛ لأنه عبث، وإضاعة مال، وإضاعة وقت.
الثالث: أن يصطاد على سبيل يؤذي الناس، مثل أن يستلزم صيدُهُ الدخولَ في مزارع الناس، وإيذاءَهم، وربما يكون فيه انتهاك لحرماتهم، كالتطلع إلى نسائهم في أماكنهم، فهذا يكون حراماً؛ لما يستلزمه من الأذية للمسلمين.
هذا بالنسبة للصيد من حيث هو صيد، أما آثار الصيد فإن الصيد يبهج النفس ويسرها، ويعطي الإنسان نشاطاً وحيوية لا يعرفها إلا أهل الصيد، فتجدهم يجدون لذةً، وسروراً، ومتعة، وإن كانوا يتعبون، ويطاردون الطيور، والحيوانات، ويخرجون إليها في الليالي القارسة، والأيام الحارة.
كذلك ـ أيضاً ـ في الصيد مصلحة تعلم الرمي، وتعلم الرمي من الأمور المشروعة، قال الله تعالى: {{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}} [الأنفال: 60] ، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» [(90)]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا» [(91)].
المؤلف ـ رحمه الله ـ في هذا الباب لا يريد أن يتكلم على هذه الناحية، لكن يريد أن يتكلم على شرط حل الصيد، متى يحل الصيد إذا صاده الإنسان؟ فقال:

لاَ يَحِلُّ الصَّيْدُ الْمَقْتُولُ فِي الاصْطِيَادِ إِلاَّ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، الثَّانِي: الآلَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ: مُحَدَّدٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي آلَةِ الذَّبْحِ، وَأَنْ يَجْرَحَ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ لَمْ يُبَحْ، وَمَا لَيْسَ بِمُحَدَّدٍ كَالْبُنْدُقِ، وَالْعَصَا، وَالشَّبَكَةِ، وَالْفَخِّ لاَ يَحِلُّ مَا قُتِلَ بِهِ.
«لا يحل الصيد المقتول في الاصطياد إلا بأربعة شروط: أحدها: أن يكون الصائد من أهل الذكاة» هذا هو الشرط الأول، وهو أن يكون الصائد من أهل الذكاة، وهو المميز العاقل المسلم، أو الكتابي، فصيد غير الكتابي من الكفار لا يحل، كما لا يحل ذبحه.
وصيد غير العاقل لا يحل، ويتفرع على هذا أن يكون قاصداً، فلو أن رجلاً يرمي على هدف، من خرق، أو عمود، أو ما أشبه ذلك، فإذا بصيد يمر فقتله، فلا يحل؛ لأنه ما قصده، لكن لو سمى على صيد فأصاب غيره حل؛ لأنه قصد الصيد، مثل أن يرى طيراً على غصن شجرة، فيرميه قاصداً هذا الطير، فإذا هو يصيد آخر على غصن آخر، فإنه يحل؛ ولهذا لو أنه رمى على فِرْق من الطير، وأصاب عشرة جميعاً تحل؛ لأنه قصد الصيد.

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الجَارِحَةُ، فَيُبَاحُ مَا قَتَلَتْهُ إِذَا كَانَتْ مُعَلَّمَةً.
قوله: «الثاني: الآلة: وهي نوعان» أي: الشرط الثاني: الآلة، فلا بد أن يكون الصيد بآلة، وباب الصيد آلته أوسع من باب الذبح؛ لأن آلة الصيد هنا نوعان، بينما هي في الذبح نوع واحد فقط.
قوله: «محدد يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح» فالنوع الأول آلة محددة، كالسهم، والرصاصة، فيشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح، وسبق أن آلة الذبح يشترط فيها أن تكون غير سن، ولا ظفر، فلو أخذ سناً ورمى به وقتل بجرحه فإنه لا يحل؛ لعموم قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل إلا السن والظفر، أما السن فعظم، وأما الظفر فمُدى الحبشة» [(92)]، فعلى هذا يشترط ألا تكون الآلة سناً ولا ظفراً.
ولا يشترط أن تكون حلالاً، فلو جعل سهماً من الذهب حل، وكذلك لو غصب سهماً ورمى به حل، على ما سبق؛ لأن هذه الآلة جارحة.
قوله: «وأن يجرح» أي: ويشترط ـ أيضاً ـ أن يجرح الصيد، بحيث يكون قتله للصيد بالجرح، وضد ذلك أن يكون بالثِّقل، فإذا كان بالثقل فسيأتي ـ إن شاء الله ـ أنه لا يحل، والدليل ما سبق: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل» فإنه شامل للذبح والصيد، إلا أن الصيد يختلف عن الذبح بأنه في الذبح يشترط قطع الحلقوم والمريء، أو الودجين، على حسب الخلاف السابق، أما هنا فيكون في أي موضع، وهذا مما يوسع فيه في باب الصيد على باب الذبائح، أن محل إنهار الدم في الذبائح الرقبة، أما هذا فليس بمعين المكان.
قوله: «فإن قتله بثقله لم يُبح» يعني الذي ضُرب الصيد به لا يجرح، لكنه ثقيل، فمن أجل ثقله مات الصيد، فإن الصيد لا يحل؛ لأنه لا بد من الجرح، ويدل لذلك حديث عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ أنه سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الصيد بالمعراض ـ يعني شيئاً مثل العصا ـ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن خزق فكل، وإن أصاب بعرضه فلا تأكل» [(93)]، وقوله: «خزق» يعني نفذ، وجرح، وشق، وعلى هذا فإذا كان مع الإنسان عصا لها رأس محدد فرماها على الصيد، فأصاب الصيد بهذا المحدد حل، وإن أصابه بالعرض لم يحل ولو مات، لكن لو أنه حبسه ثم أدركه وفيه حياة، يعني لما ضربه بعرضه انكسر مثلاً، أو انهارت قواه، حتى أدركه حياً فذبحه فإنه يكون حلالاً، والدليل قوله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}} [المائدة: 3] فاستثنى المذكى، فإذا أدركته وفيه حياة وذبحته فإنه يحل.
لكن ما علامة الحياة؟ قيل: علامة الحياة أنني إذا ذبحته تحرك، وقيل: علامة الحياة أن يجري منه الدم الأحمر الحار، فإذا سال منه الدم الأحمر الحار وإن لم يتحرك فهو حي فيحل، وإن لم يسل منه، أو سال منه دم أسود بارد فإنه قد مات، وهذا هو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الصحيح؛ لأنه إذا خرج الدم الأحمر الحار فقد أنهر الدم فيكون حلالاً.
مسألة: إذا جرح لكنه لم يمت، ثم أدركته حياً ومات بعدما أدركته، فهنا ينظر: فإن كان الجرح مُوحياً ـ أي: قاتلاً له ـ كأن يكون الجرح في قلبه فهو حلال؛ لأن الحركة التي أدركته عليها حركة مذبوح، كما أن المذبوح إذا ذبحته فإنه يبقى مدة يتحرك.
أما إن كان الجرح غير موحٍ، بمعنى أنه أصابه في فخذه، أو أصابه في أي عضو من أعضائه، فهذا لا يحل إلاّ بذكاة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل؛ فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك» [(94)]، وإذا كان الجرح موحياً، والحركة حركة مذبوح فقد علمت أن الذي قتله سهمي فيحل.
قوله: «وما ليس بمحدد كالبندق، والعصا، والشبكة، والفخ لا يحل ما قُتل به» «ما ليس بمحدد» أي: من الآلة.
والبندق عبارة عن طين يُدور، وييبس، والغالب أنه يكون من الفخار، وهو يقتل بثقله؛ لأنه لا ينفُذ، فلو صدت طائراً بالبندق سواء حذفت باليد، أو حذفت بالمقلاع فقتلته لم يحل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عنها، وقال: «إنها لا تنكأ عدواً ولا تصيد صيداً، وإنما تفقأ العين، وتكسر السن» [(95)]، أي: أنه لا فائدة منها، فالعدو لا تدفعه، والصيد لا تصيده؛ لأنه لا يحل الصيد بها، إلاّ إذا أدركتَهُ حياً فذكَّيتَهُ.
وهل مثل البندق الرصاص؟ لا؛ لأن الرصاص نوعان: رصاص مدبب، فهذا كالسهم تماماً، ورصاص غير مدبب لكنه لا يقتل بثقله، وإنما يقتل بنفوذه فيكون جارحاً.
وقد اختلف العلماء أول ما ظهر بندق الرصاص، فمنهم من حرمه، وقال: إن الصيد به لا يجوز، ولا يحل، ولكنهم في آخر الأمر أجمعوا على حل صيده، قال الناظم:
وما ببندق الرصاص صِيدا
جواز أكله قد استفيدا
أفتى به والدنا الأوَّاه
وانعقد الإجماع من فتواه
وقوله: «والعصا» مثل: إنسان أقبل عليه طير ومعه عصا، فضربه فسقط الطائر ميتاً فلا يحل؛ لأنه ليس بجرح.
وقوله: «والشبكة» وعندنا نسميها شَرَكاً، يحفرون بالجدار حفرة صغيرة، ويضعون فيها تمرة، ويستحسن أن يكون فيها حب بر، ثم يضعون على فم الحفرة خيطاً أو حبلاً يكون تِكَّة، فإذا جاء العصفور وأدخل رأسه يأكل التمرة، أمسكه الحبل واشتد على رقبته، فأحياناً يدركه الإنسان قبل أن يموت فيأخذه ويذبحه، وأحياناً يموت قبل أن يدركه، فإذا مات فلا يحل؛ لأنه خُنِقَ خنقاً.
وقوله: «والفخ لا يحل ما قُتل به» فالفخ ـ حسب ما أعرف ـ عبارة عن قنو نخلة يكون مقوساً، ويوضع في طرفيه حبل، وهذا الحبل يُبرم، ويجعل في وسطه عود ثم يوضع قنو النخلة فوق هذا العود، بحيث إن أي شيء يحرك العود يجعل القنو يطبق عليه.
فالفخ إذا أصاب الصيد فإنه سيموت بغير جرح، فلا يحل ما قُتِل به؛ لأنه يكون خنقاً. والحاصل أنه يشترط في آلة الصيد شرطان:
الأول: ما يشترط في آلة الذبح وهو أن تكون محددة غير سن ولا ظفر.
الثاني: أن تجرح فإن أصابت الصيد بعرضها فلا يحل الصيد لأنه وقيد كما في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
قوله: «والنوع الثاني: الجارحة» أي: النوع الثاني من آلة الصيد الجارحة، وهي اسم فاعل من جَرَح، وجَرَح بمعنى كسب، قال الله تبارك وتعالى: {{وَهُوَ الَّذِي يَتَوفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}} [الأنعام: 60] أي: ما كسبتم، وقال تعالى: {{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}} [المائدة: 4] {{الْجَوَارِحِ}} يعني الكواسب، فالجارحة هي الكاسبة، وهي نوعان:
الأول: جارحة تعدو، يعني تكسب عن طريق العدو والجري بسرعة، وهذا النوع يصيد بنابه.
الثاني: جارحة تطير، يعني تكسب عن طريق الطيران، وهذا النوع يصيد بمخلبه.
فالأول كالكلب، والثاني كالصقر، والبازي، وما أشبه ذلك، أما الكلب فقد ثبت بالنص والإجماع، وأما الطير فالصواب حل ما قتله، كما سنذكر إن شاء الله.
قوله: «فيباح ما قتلته إذا كانت معلَّمة» المؤلف يقول: «ما قتلته» ولم يقل: ما جرحته، بشرط إن كانت معلمة، يعني إن كان صاحبها قد علمها، كما قال تعالى: {{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}} [المائدة: 4] .
وكيف نعرف أنها معلمة؟ بالنسبة لما يصيد بنابه فنعرف أنه معلم بثلاثة أمور:
الأول: أن يسترسل إذا أرسل.
الثاني: أن ينزجر إذا زُجر.
الثالث: إذا أمسك لم يأكل.
فقولنا: «يسترسل إذا أرسل» بمعنى أنه إذا رأى الصيد ما يذهب بنفسه، بل لا يذهب إلا إذا أرسلته، يعني أغريته بالصيد، وطريق الإغراء يختلف من جماعة إلى جماعة، فقد يكون طريق الإغراء أن تذكره باسمه الذي لقبته به وتغريه، وقد يكون بالصفير، وقد يكون بأي سبب، حسب اصطلاح المعلمين لهذه الجوارح.
وقولنا: «ينزجر إذا زجر» يعني إذا قلت: قف، باللغة التي علمته يقف.
وقولنا: «إذا أمسك لم يأكل» لأن الله تعالى قال: {{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}}؛ لأنه إذا أكل فإنما أمسك على نفسه، حتى ولو أكل شيئاً قليلاً. فلا يعد معلماً.
وقال بعض العلماء: الذي يشترط أن يكون معلماً، وأما ألاَّ يأكل فهذا يرجع إلى العادة، فإذا أكل الشيء القليل الذي لا بد للسبع من أكله من فريسته فإن ذلك لا يضر، ولا ينافي أن يكون أمسك عليك؛ لأنه لو أمسك على نفسه لأكلها كلها، لا سيما إذا كانت صغيرة، ولكن الصواب القول الأول.
وفصَّل بعض العلماء فقال: إن كان جائعاً فأكل فإن ما بقي يحل، وإن كان غير جائع فإنه لا يحل، ونعرف أنه جائع أو غير جائع من إطعامه إياه، فإن كان أكله من الصيد بعد تناوله العشاء مثلاً فإنه شبعان، لكن إن كان له يومان لم يأكل وأكل من الصيد فإنه جائع، وهذا لا يسلم منه شيء من الجوارح، ولكن ظاهر الأحاديث يدل على أنه إذا أكل فلا تأكل، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما أمسك على نفسه» [(96)]، وهناك أحاديث أخرى لكنها أقل صحة من هذا الحديث، قيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: آكل مما أمسك؟ قال: «كُل» قال: أكل أو لم يأكل؟ قال: «أكل أو لم يأكل» [(97)] فمن العلماء من استدل بهذا الحديث على أنه لا يشترط ألاّ يأكل، ومن العلماء من فصل وجعل الحديثين يتنزلان على حالين، يكون أكل أم لم يأكل في حال الجوع، واشتراط ألا يأكل في حال الشبع، وهذا في الحقيقة جمع بين الدليلين.
وبعض العلماء جمع بينهما فقال: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يخاطب في الأول رجلاً غنياً، فقال: «فإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه» ، وفي الثاني يخاطب رجلاً فقيراً، لكن هذا ليس بصواب؛ لأن المدار على هذه الآلة، وهل فعلت مفعولها أو لا؟ ولا فرق بين كون الآكل غنياً أو فقيراً، لكن تنزيله على حالين باعتبار الآلة لا شك أنه جمع قوي.
أما الثاني الذي يصيد بمخلبه فيقول العلماء: إنه يعرف أنه مُعلَّم بشيئين فقط:
الأول: أن يسترسل إذا أرسل.
الثاني: أن ينزجر إذا دعي.
ولا يشترط ألا يأكل؛ لأن هذا شيء لا يمكن بالنسبة لما يصيد بمخلبه إذ لا بد أن يأكل، وعلى هذا فإننا نقول: إن قوله تعالى: {{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ}} مطلق، فيكون التعليم في كل شيء بحسبه، وهذا يرجع إلى أهل العرف.
وقوله تعالى: {{مُكَلِّبِينَ}}؟ قيل: معناه معلِّمينهن الكَلَب، يعني الأخذ والقتل، وقيل: معناه مُغْرين لهن.
فعلى الأول يكون قوله: {{مُكَلِّبِينَ}} حالاً مؤكدة لعاملها، وهو قوله: {{وَمَا عَلَّمْتُمْ}} فكأنه قال: وما علمتم معلمين، والفائدة منها الإشارة إلى أن هذا المعلِّم لا بد أن يكون عنده علم وحذق في تعليم هذه الجوارح، فيكون مكلِّباً، يعني ذا علم بالتكليب.

الثَّالِثُ: إِرْسَالُ الآلَةِ قَاصِداً، فَإِنِ اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ أَوْ غَيْرُهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يُبَحْ، إِلاَّ أَنْ يَزْجُرَهُ فَيَزِيدَ فِي عَدْوِهِ فِي طَلَبِهِ فَيَحِلُّ.
قوله: «الثالث: إرسال الآلة قاصداً» أي: الشرط الثالث إرسال الآلة بنوعيها، سواء كانت بالمحدَّد كالسهم، أم بالمعلَّم كالكلب والصقر.
وقوله: «إرسال الآلة» من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، يعني أن يرسل الصائد الآلة.
وقوله: «قاصداً» هذه حال من الفاعل المحذوف، وعامله المصدر «إرسال» .
قلنا: إن الفاعل محذوف، ولم نقل: مستتر؛ لأن المصدر جامد، فلا يتحمل الضمير.
وقوله: «قاصداً» هل المعنى قاصداً الإرسال، أو قاصداً الصيد؟ كلا المعنيين، يعني يرسلهما قاصداً الإرسال، وقاصداً للصيد، وعلى هذا فكيفية ذلك إذا رأى الصيد رمى بسهم، وإذا رأى الصيد أرسل الكلب، وإذا رأى الصيد أرسل الصقر؛ لأنه لا بد من القصد.
قوله: «فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح، إلا أن يزجره فيزيد في عدوه في طلبه فيحل» إذا استرسل الكلب أو الصقر مثلاً بنفسه لم يحل؛ ولقوله تعالى: {{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}}، فإن قوله: {{مُكَلِّبِينَ}} إذا قلنا: إن معناه مغرين، فهذا يدل على أنه لا بد من قصد الإرسال، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعدي بن حاتم رضي الله عنه: «إذا أرسلت كلبك» [(98)].
مثال ذلك: رجل معه كلب صيد ويمشي ولم ينتبه للصيد إلا والكلب يعدو على الصيد، فهو ما أرسله، لكن كيف يحل؟ نقول: ازجره، يعني حُثَّه على الصيد، فإن زاد في عدوه في طلبه حلَّ؛ لأن زيادته في العدو تدل على أنه قصد أن يمسك عليك، فحينئذٍ يحل، وهذه حيلة سهلة.
فإن زجرتُهُ أريد أن يسرع في العدو، لكنه بقي على ما هو عليه لم يحل؛ لأن زجري إياه لم يؤثر عليه، وهو إنما انطلق أولاً لنفسه.
لو قال قائل: قد يكون هذا الكلب من كثرة تعليمه أنه تعود هذا، وأنه إنما ذهب بالنيابة عن صاحبه، وهذا ممكنٌ.
لكننا نقول: ويمكن ـ أيضاً ـ أنه إنما أراد أن يأخذ لنفسه، وإذا اجتمع سببان: مبيح وحاظر، غُلب جانب الحظر.
وهذا باعتبار تنزيل هذه المسألة على القواعد، أما باعتبار النص فالمسألة واضحة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: «إذا أرسلت كلبك» فما دام الكلب هو الذي ذهب، وراح بدون علم مني، ولا أمر مني، فأنا ما صدت في الحقيقة، وإنما الذي صاد الكلب.
لو وكلته وكالة عامة، وقلت: كلما رأيت صيداً فأنت وَكِيلي في الإرسال فهذا لا يصح؛ لأنه غير عاقل، ولا يصح تصرفه، والعجماء كما قال عليه الصلاة والسلام: «العجماء جُبار» [(99)]، فإذا كانت لا تضمن فإنه يدل على أن تصرفاتها باطلة.
فإن قيل: وما حكم الصيد بالكلب الأسود البهيم؟ نقول: نذكر في الشروط أن يكون غير أسود، والعلماء مختلفون في هذه المسألة. فمنهم من قال لا يحل لأن الكلب الأسود شيطان ولأن الأسود لا يحل اقتناؤه فلا يرخص بحل صيده. ومنهم من قال: يحل صيده لعموم قوله تعالى: {{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}} [المائدة: 4] والقول الأول هو الأقرب أنه لا يحل صيده ما دام ورد في الشرع النهي عن اقتنائه والله أعلم.

الرَّابِعُ: التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إِرْسَالِ السَّهْمِ أَوِ الْجَارِحَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا عَمْداً أَوْ سَهْواً لَمْ يُبَحْ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ مَعَهَا: اللهُ أَكْبَرُ، كَالذَّكَاةِ.
قوله: «الرابع: التسمية» أي: الشرط الرابع التسمية، بأن يقول: باسم الله، وسبق لنا في باب الذكاة أنه لا بد أن نضيف كلمة اسم إلى لفظ الجلالة الله، وأنه لو أضافها إلى «الرحمن»، أو «العزيز»، أو«الجبار»، أو ما أشبه ذلك، مما لا يسمى به إلا الله، لم يصح، وذكرنا أن الصحيح جواز ذلك، وأن قوله: باسم الله، أي: باسم هذا المسمى، فإذا أضيفت كلمة «اسم» إلى ما يختص بالله ـ عزّ وجل ـ فلا فرق بين لفظ الجلالة وغيره.
قوله: «عند إرسال السهم أو الجارحة» عند إرساله لا عند تعبئته، فلو أن رجلاً عند تعبئة السهم سمَّى، وعند إرساله عند الرمي ما سمى، فإن ذلك لا يحل؛ لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أرسلت سهمك وذكرت اسم الله عليه» [(100)] أي: عند الإرسال، فالواو هنا تقتضي الاشتراك والاجتماع في الزمن، بل قد نقول: إن قوله: «وذكرت» لولا أن الواو لمطلق الجمع لقلنا: إنها تقتضي أن يكون الذكر بعد الإرسال، ولكن ليس الأمر كذلك، بل الذكر عند الإرسال.
أما الذكر عند التعبئة فإنه لا يفيد، والدليل القياس، فلو أن الإنسان حد شفرته، وسمى الله عند حدها، وذبح بها، وكان بين الفعلين زمن طويل، فلا ينفع.
وكذلك نقول في رجل يكتب على مُديته، وعلى سهمه باسم الله، فلا ينفع؛ إذْ لا بد من النطق، فإن جعل عنده مسجلاً فيه التسمية وعند الذبح شغل المسجل، أو عند الإرسال فلا ينفع؛ لأن التسجيل حكاية صوت، وليس إنشاء صوت. ومثل ذلك عمل الذين يضعون مسجلاً قد سجلوا فيه الأذان، فإذا دخل وقت الصلاة وضعوه أمام مكبر الصوت فهذا لا يجزئ.
قوله: «فإن تركها عمداً أو سهواً لم يبح» أي: إن ترك التسمية سهواً، أو عمداً لم يبح؛ لأن الله يقول: {{وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}} [الأنعام: 121] ، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا أرسلت سهمك وذكرت اسم الله عليه» ، فعلى هذا لو نسي هذا الصائد أن يقول: باسم الله عند إرسال السهم، أو عند إرسال الجارحة، فإنها لا تحل وتكون ميتة.
وقد مر علينا أن المؤلف ـ رحمه الله ـ في باب الذكاة قال: «فإن تركها سهواً أبيحت» ، والحقيقة أنه لا فرق بين البابين كما سبق، فإن اشتراط التسمية موجود في الذكاة، كما هو موجود في الصيد، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل» [(101)]، وأيضاً فإن الصيد قد يكون الصائد أعذر من الذابح في نسيان التسمية، فتجده عندما يرى الصيد ينفعل ويجد في نفسه إشفاقاً عظيماً أن يفوته هذا الصيد، فيأخذ البندق بسرعة، أو يرسل الجارح بسرعة، ويذهل، ويغفل، فهو إلى النسيان أقرب من الذابح الذي يأتي بهدوء، ويضجع الذبيحة، أو يعلقها إذا كانت بعيراً ويذبح، فهذا يبعد النسيان في حقه بخلاف الصائد، ومع ذلك المؤلف ـ رحمه الله ـ لم يعذره.
والحقيقة أنه مصيب في عدم عذره؛ لأن الآية عامة: {{وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}}، ولأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أرسلت سهمك وذكرت اسم الله عليه فكل» [(102)]، فكما أن الجارحة إذا استرسلت بنفسها لا يحل الصيد، فكذلك إذا لم يسم.
قوله: «ويسن أن يقول معها: الله أكبر كالذكاة» الواجب التسمية، أما التكبير فسنة، ودليل ذلك أنه ثبت من حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ في الصحيح، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أراد أن يذبح أضحيته سمى وكبر[(103)].
ولكن هل يقول: اللهم تقبل مني؟ لا؛ لأن هذا ليس ذبح عبادة. بل يقول: بسم الله والله أكبر.
مسألة: لو صلى على النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقد قال العلماء: إنه ليس بسنة؛ لأنه غير مناسب، كالذكاة.
وهل نشترط في الصيد ما اشترطناه في الذكاة، ألا يذكر اسم غير الله؟ نعم يشترط، ويكون هذا شرطاً خامساً.
وهل يشترط ألا يصيده لغير الله؟ نعم، يعني لو أنه صاد تعظيماً لملك، أو رئيس، أو وزير، أو ما أشبه ذلك، فلا يحل؛ لأنه لغير الله، فيكون هذا شرطاً سادساً.
لو قال قائل: الصعب بن جثَّامة رضي الله عنه ذهب واصطاد الحمار الوحشي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
نقول: هذا تكريم للرسول عليه الصلاة والسلام، وليس من باب التعظيم له، أي: التقرب إليه بالتعظيم.
ومما يشترط في الصيد ـ أيضاً ـ أن يكون الصيد مأذوناً فيه، فإن صاد صيداً بمكة داخل حدود الحرم، أو صاده وهو محرم، فإنه لا يحل.
ولا يشترط أن يكون غير مملوك للغير، ويترتب على ذلك لو أن رجلاً ذهب يتتبع في البلد حمامَ عبادِ الله يصطاده، فإنه يحل من حيث الحكم العام، لكن حرام عليه ذلك يعني: يحل مع الإثم، إلا على القول الثاني في مسألة الذبح[(104)] فهو يجري هنا.
فإن قيل: ما حكم الاصطياد في الوقت الذي تمنع فيه الدولة الاصطياد؟
فالجواب: يجب علينا طاعة ولي الأمر، إلا في المعصية، فلا طاعة، وبناءً على هذا فلا يجوز الاصطياد في الزمان أو المكان الذي تمنع الدولة الاصطياد فيه، ولا يحل الصيد إذا صيد. والله أعلم.

------------------------

[90] أخرجه مسلم في الإمارة /باب فضل الرمي (1917) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
[91] أخرجه أحمد (4/144)، والنسائي في الخيل/ باب تأديب الرجل فرسه (6/223)، وأبو داود في الجهاد/ باب في الرمي (2513)، والترمذي في فضائل الجهاد/ باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله (1637)، وابن ماجه في الجهاد/ باب الرمي في سبيل الله (2811)، والدارمي في الجهاد/ باب فضل الرمي والأمر به (2298)، والحاكم (2/104) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
[92] سبق تخريجه ص(55).
[93] أخرجه البخاري في التوحيد/ باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها (7397)، ومسلم في الصيد والذبائح/ باب الصيد بالكلاب المعلمة (1929) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، وهذا لفظ مسلم.
[94] سبق تخريجه ص(69).
[95] أخرجه البخاري في الذبائح والصيد/ باب الخذف والبندقة (5479)، ومسلم في الصيد والذبائح/ باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد... (1954) عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه.
[96] رواه الترمذي في أبواب الصيد/ باب في من يرمي الصيد فيجده في الماء (1496).
[97] أخرجه البيهقي (9/237).
[98] سبق تخريجه ص(87).
[99] أخرجه البخاري في الزكاة/ باب في الركاز الخمس (1499)، ومسلم في الحدود/ باب جرح العجماء والمعدن والبحر جبار (1710) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[100] سبق تخريجه ص(87).
[101] سبق تخريجه ص(55).
[102] سبق تخريجه ص(87).
[103] سبق تخريجه ص(94).
[104] انظر: الشرط الثامن من شروط الذكاة.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الشيخ, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir