دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > الأطعمة والأشربة واللباس

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 08:10 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الصيد

بَابُ الصَّيْــدِ
عن أبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: (( أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَومٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ في آنِيَتِهِمْ؟ وفي أَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي المُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لي؟ قَالَ: ((أَمَّا مَا ذَكَرْتَ –يعنِي : مِن آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلاَ تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ: فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ، فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ)) .
عن هَمَّامِ بنِ الحارِثِ، عن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: (( قُلْتُ يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّي أُرْسِلُ الْكِلاَبَ المُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ، وَأَذْكُرُ اسْمَ اللهِ؟ فقالَ: (( إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ)) قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ ؟ قالَ: ((وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرِكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا)) قُلْتُ لَهُ: فإِنِّي أَرْمِي بِالمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ؟ فقالَ: ((إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ، فَخَزَقَ: فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعُرْضٍ : فَلاَ تَأْكُلْهُ)) .
وحديثُ الشَّعْبِي عن عَدِيٍّ نحوَهُ، وفيهِ: ((إِلاَّ أَنْ يأكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلاَبٌ مِن غَيْرِهَا فَلاَ تَأكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ)) .
وَفِيه ِ: ((إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبكَ المُكَلَّبَ : فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَأَدْرَكتَهُ حَيًّا، فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَد قَتَلَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ: فَكُلْهُ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاتُهُ)) .
وَفِيهِ أيضًا : ((إِذا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ)) .
وَفِيهِ : ((فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ - وفي روايَةٍ : الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ - فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلاَّ أَثَرَ سَهْمِكَ : فَكُلْ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا في المَاءِ: فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي: المَاءُ قَتَلَهُ، أَو سَهْمُكَ ؟)) .
عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ بن عمرَ، عن أبيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ يقولُ: ((مَن اقْتَنَى كَلْبًا - إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ، أَو مَاشِيَةٍ- فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِن أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ)) .
قالَ سالمٌ : وكانَ أبو هُرَيْرَةَ يقولُ : ((أَو كَلْبَ حَرْثٍ، وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ)) .

  #2  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 03:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

ومن كتابِ الصَّيْدِ إلى آخِرِ الكتابِ

حديثُ عديٍّ قولُه فيه :(( فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ )).
هذه الزيادةُ ليست في هذه الروايةِ وإنما ذكَرَها مسلِمٌ في روايةٍ أُخْرَى عَقِبَ هذه من هذا الوجهِ فكان يَنبغي أن يقولَ وفيه .
وقولُه : ((فَإِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُكَلَّبَ)).
لم يَذْكُرْ مسلِمٌ في روايتِه ((الْمُكَلَّبَ)) وليس في روايتِه هذه ((فَإِنَّ أَكْلَ الْمُكَلَّبِ ذَكَاتُهُ)) وقولُه : ((وَإِنْ غَابَ)) إلى آخِرِه لفظُ مسلِمٍ نحوُه وقالَ عبدُ الحقِّ : لم يَقُلْ البخاريُّ في شيءٍ من طرُقِه ((فَأَدْرَكْتَهُ حَياًّ فَاذْبَحْهُ)) ولم يَذكُرْ أيضاً قولَه : (( فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ )) .

  #3  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 03:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

الشَّعبيُّ: بفتْحِ الشينِ وسكونِ العينِ عامرُ بنُ شراحيلَ من شَعْبِ هَمْدَانَ .
قالَه الشيخُ في ترجمتِه ، وأُنْكِرَ ذلك عليه وإنما هو منسوبٌ إلى شَعبانَ بنِ عمرِو بنِ قيسِ بنِ معاويةَ يَنتهي نسَبُه إلى حِميرَ وهَمْدَان من ولَدِ كَهلانَ أخي حِمْيرَ .

قالَ بعضُ أهلِ النسَبِ : إن أهلَ مِصْرَ إذا نَسَبُوا إلى شعبانَ قالوا:شَعْبُوبِيٌّ وأهلَ الكوفةِ قالوا : شَعْبِيٌّ وأهلَ الشامِ قالوا: شَعبنانيٌّ وأهلَ اليمنِ قالوا : من أهلِ ذي شَعْبينَ وكلُّهم يريدُ شَعبانَ هذا .

  #4  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 03:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ الصيْدِ

الْحَدِيثُ الواحدُ والثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ أبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَومٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ في آنِيَتِهِمْ؟ وفي أَرْضٍ ، أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي المُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لي؟ قَالَ: ((أَمَّا مَا ذَكَرْتَ –يعنِي: مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ: فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ، فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَه فَكُلْ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: إباحةُ استعمالِ أَوَانِي الكُفَّارِ وَثِيَابِهِم بعدَ غَسْلِهَا عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهَا.
الثَّانِيَةُ: إباحةُ الصيدِ بالقوسِ وبالكلبِ المُعَلَّمِ على الصيدِ بشرطِ ذِكْرِ اللَّهِ عندَ إرسالِهِ، فإنْ تَرَكَهُ عَمْدًا لم يُبَحْ، فإنْ كانَ الكلبُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ لَمْ يُبَحْ.
الثَّالِثَةُ: ظاهرُ الحديثِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ الجَارِحُ بِجُرْحِهِ أوْ بِصَدْمِهِ.
الرَّابِعَةُ: بعضُ العلماءِ ذَكَرَ صفةً لتعليمِ الجارحِ، والصوابُ أنَّ مَرَدَّهُ العُرْفُ، فما عَدَّهُ الناسُ مُتَعَلِّمًا فهوَ حلالُ الصيدِ، وما لا فَلَا.

الْحَدِيثُ الثَّانِي والثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ هَمَّامِ بنِ الحارِثِ، عنْ عَدِيِّ بنِ حاتمٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((قُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّي أُرْسِلُ الْكِلَابَ المُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ، وَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ؟ فقالَ: ((إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ)) قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قالَ: ((وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا)) قُلْتُ لَهُ: فإِنِّي أَرْمِي بِالمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ؟ فقالَ: ((إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ، فَخَزَقَ: فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعُرْضٍ: فَلَا تَأْكُلْهُ)).

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ والثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
وحديثُ الشَّعْبِيِّ، عنْ عَدِيٍّ نحوَهُ، وفِيهِ: ((إِلَّا أَنْ يأكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ)).
وَفِيه: ((إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبكَ المُكَلَّبَ: فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا، فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَد قَتَلَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ: فَكُلْهُ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاتُهُ)).
وَفِيهِ أيضًا: ((إِذا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ)).
وَفِيهِ: ((فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ- وفي روايَةٍ: الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ- فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ: فَكُلْ إِنْ شِئْتَ، فإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا في المَاءِ: فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي: المَاءُ قَتَلَهُ، أَو سَهْمُكَ؟)).

فِيهِمَا مَسَائِلُ:
الأُولَى: فِيهِ دليلٌ على أنَّهُ ما صَادَهُ الكلبُ ونحوُهُ كالفَهْدِ أو الصَّقْرِ إذا كانَ مُعَلَّمًا، وَذُكِرَ اسمُ اللَّهِ تَعَالَى عندَ إرسالِهِ أُبِيحَ.
الثَّانِيَةُ: تَحْرِيمُ الصيدِ الذي اشْتَرَكَ فِيهِ الكلبُ المُعَلَّمُ وغيرُ المُعَلَّمِ.
الثَّالِثَةُ: أنَّهُ لا بُدَّ من التَّسْمِيَةِ عندَ إرسالِ السَّهْمِ؛ لِكَوْنِ التَّسْمِيَةِ مُشْتَرَطَةً في الذي يَقْتُلُهُ المُعَلَّمُ.
الرَّابِعَةُ: أنَّ ما أَدْرَكْتَهُ منْ صيدِ السلاحِ أو الجَارِحِ حَيًّا، فلا بُدَّ منْ تَذْكِيَتِهِ وإنْ كانَ مَيِّتًا فَمُبَاحٌ.
الْخَامِسَةُ: إذا جَرَحْتَ الصيدَ فَوَقَعَ في ماءٍ واشْتَبَهَ عليكَ هلْ ماتَ منْ سَهْمِكَ أوْ مِن الماءِ فهوَ حرامٌ تَغْلِيبًا للحَظْرِ، أمَّا إذا غَلَبَ الظنُّ على أنَّهُ ماتَ من السَّهْمِ، كَكَوْنِ الماءِ قَلِيلًا والجُرْحِ مُوحِيًا فحلالٌ.
السَّادِسَةُ: أنَّ المِعْرَاضَ وغيرَهُ من السلاحِ إنْ قُتِلَ الصيدُ بِحَدِّهِ وَنُفُوذِهِ فهوَ مُبَاحٌ وإنْ قَتَلَهُ بِصَدْمَةٍ فلا يُبَاحُ.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ والثَّمَانُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ سالمِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ، عنْ أبيهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُم قالَ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَن اقْتَنَى كَلْبًا- إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَو مَاشِيَةٍ- فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ)).
قالَ سالمٌ: وكانَ أبو هُرَيْرَةَ يقولُ: ((أَو كَلْبَ حَرْثٍ، وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: تحريمُ اقتناءِ الكلابِ، ونَقْصُ أجرِ صاحبِهِ؛ لِمَا في اقتنائِهِ من المفاسدِ والمَضَارِّ منْ بُعْدِ الملائكةِ عن المكانِ الذي هوَ فِيهِ والتَّرْوِيعِ والنَّجَاسَةِ.
الثَّانِيَةُ: إنْ كانَ في اقْتِنَائِهِ مَصْلَحَةٌ كَحِرَاسَةِ الغَنَمِ والزرعِ والصيدِ أُبِيحَ لهذهِ المُسَوِّغَاتِ.

  #5  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 03:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بَابُ الصَّيْدِ(210)
الحديثُ الثالثُ والثمانونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
383- عَنْ أَبِي ثَعْلَبَة الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَومٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأَكُلُ في آنِيَتِهِمْ ؟ وفي أَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمِ، وَبِكَلْبِي المُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي ؟ قَالَ:((أَمَّا مَا ذَكَرْتَ - يَعْنِي - مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ: فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلِّمِ، فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ)) .(211)

الحديثُ الرابعُ والثمانونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
384- عن هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّي أُرْسِلُ الْكِلَابَ المُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ، وَأَذْكُرُ اسْمَ اللهِ ؟ فَقَالَ : إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ)) قُلْتُ : وَإِنْ قَتَلْنَ ؟ قال :((وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرِكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا)) قُلْتُ : فإِنِّي أَرْمِي بِالمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ ؟ فقَالَ : ((إِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ، فَخَرَقَ : فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعُرْضِهِ: فَلَا تَأْكُلْهُ)) .
الحديثُ الخامسُ والثمانونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
385- وحديثُ الشَّعْبِيِّ عَن عَدِيٍّ نَحْوَهُ، وَفِيهِ :((إِلَّا أَنْ يأكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأكُلْ، فَإِنَّما سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ)) .
وَفِيهِ :((إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ المُكَلَّبَ : فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ عليهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا، فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ: فَكُلْهُ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاتُهُ)) .
وَفِيهِ أَيْضًا :((إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ عليهِ)) .
وَفِيهِ :((وَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ - وَفِي رِوَايَةٍ : الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ - فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ : فَكُلْ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا في المَاءِ : فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي : المَاءُ قَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُكَ ؟)) .(212)
الحديثُ السادسُ والثمانونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
386- عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا - إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ - فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ)) .
قَالَ سَالِمٌ : وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ :((أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ، وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ)) .(213)
_____________________
(210) الصيدُ : يُطلقُ عَلَى المصدرِ، أي التصيُّدُ . ويطلقُ : عَلَى اسمِ المفعولِ وَهُوَ المصيدُ.
قال ابنُ فارسٍ : وَهُوَ رُكوبُ الشيءِ رأسَهُ ومُضِيُّه، غيرَ مُلتفِتٍ ولا مائلٍ .
واشتقاقُ الصيدِ من هَذَا، وذلكَ أنْ يَمُرَّ مَرًّا لا يُعَرِّجُ .
وتعريفُهُ شَرْعًا : هُوَ اقتناصُ حيوانٍ حلالٍ متوحشٍ طبعًا، غيرِ مملوكٍ ولا مقدورٍ عليهِ .
والأصلُ فِي إباحةِ الصيدِ الكتابُ، وَالسنَّةُ، وَالإجماعُ .
أَمَّا الكتابُ، فَقَوْلُهُ تعالى : (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) وقولُهُ تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ ) . وغيرُهما من الآياتِ .
وأَمَّا السنَّةُ فشهيرةٌ، ومنها الأحاديثُ الآتيةُ فِي البابِ :
وأجمعَ العلماءُ عليهِ .
هو من الهواياتِ المحبَّبَةِ، وكان العربُ مُولِعِينَ بهِ، ويعدُّونَهُ من اللذاتِ التي يتنافسُ عليها مُلُوكُهُمْ وأمراؤُهم .
ولكن لا ينبغي جعلُهُ مَلْهَاةً؛ لأنَّ طلبَهُ لهَذَا القصدِ ضياعٌ لأوقاتِ العُمُرِ الثمينةِ، التي تُدْرَكُ بها طاعةُ اللهِ تعالى، وما ينفعُ الإنسانَ فِي حياتِهِ، ويَنْفَعُ مجتمعاتِهِ .
وإزهاقُ نفسِ الحيوانِ لغيرِ قصدِ أكلِه أيضًا لا يجوزُ؛ لأنَّهُ إتلافٌ لهُ بلا مسوغٍ، وَقَدْ جعلَ اللهُ تعالى فِي بقائِهِ فوائدَ ومنافعَ كثيرةً .
(211) الغريبُ :
الخُشَنِيُّ : بضمِّ الخاءِ المعجمةِ وفتحِ الشينِ، بعدها نونٌ ثُمَّ ياءٌ، منسوبٌ إِلَى خُشَيْنَةَ بطنٍ من قُضاعةَ، قبيلةٌ قحطانِّيَةٌ .
بِقَوْسِي : آلةُ رميٍ قديمةٌ معروفةٌ، وهي بفتحِ القافِ، وسكونِ الواوِ، وَكسرِ السينِ، بعدها ياءُ المتكلمِ .
كلبي المعلَّمَ : وَهُوَ المدرَّبُ عَلَى الصيدِ، وتأتي كيفيةُ تعليمِهِ .
المعنى الإجماليُّ :
ذَكَرَ أبو ثعلبةَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهم مُبْتَلُونَ بمجاورةِ أهلِ الكتابِ، وَالمرادُ بهم اليهودُ أَو النصارى .
فهلْ يحلُّ لهم أنْ يَأْكُلُوا فِي أوانِيهم مَعَ الظنِّ بنجاستِها ؟
فأفتاهُ بجوازِ الأكلِ فيها، وَمِن بابِ أولى، استعمالُها فِي غيرِ الأكلِ بشرطينِ .
1- أنْ لا يجدوا غيرَها . 2- وأن يغسلُوها .
وذَكَرَ لهُ أَنَّهم بأرضِ صيدٍ، وأَنَّهُ يصيدُ بقوسِهِ وبكلبِهِ المعلَّمِ عَلَى الصيدِ وآدابِهِ، وبكلبِهِ الذي لم يَتَعَلَّمْ . فما يَصْلُحُ لهُ ويحلُّ من صيدِ هذهِ الآلاتِ .
فأفتاهُ بأنَّ ما صادَهُ بقوسِهِ فهو حلالٌ، بشرطِ أنْ يَذْكُرَ اسمَ اللهِ تعالى عِنْدَ إرسالِ السهمِ .
وأَمَّا ما تصيدُهُ الكلابُ، فما كَانَ منها معلَّمًا وذُكِرَ اسمُ اللهِ عِنْدَ إرسالِهِ فهو حلالٌ أيضًا .
وأَمَّا الذي لم يَتَعَلَّمْ، فلا يحلُّ صيدُهُ إلَّا أن يجدَهُ الإنسانُ حيًّا ويُذَكِّيَهُ الذكاةَ الشرعيَّةَ .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- إباحةُ استعمالِ أواني الكفارِ، ومثلُها ثيابُهم، عِنْدَ عدمِ غيرِها، وذلكَ بعد غسلِها .
2- هنا تعارضُ الأصلِ الذي هُوَ [الأصلُ فِي الأشياءِ الطهارةُ ] بغلبةِ الظنِّ، الذي هُوَ ـ هنا ـ [عدمُ تَوَقِّيهم النجاسةَ] فرجحَ غَلَبَةُ الظنِّ حيثُ قَوِيَتْ .
3- إباحةُ الصيدِ بالقوسِ، وبالكلبِ المعلَّمِ بشرطِ ذِكْرِ اسمِ اللهِ عِنْدَ إرسالِهما، فإنْ تَرَكَهَا عمدًا أَوْ سهوًا لم يُبَحْ وإنْ تَرَكَهَا سهوًا أَوْ جهلًا أُبيحَ وهَذَا هُوَ المشهورُ من المذاهبِ، وَالصوابُ أنَّهُ إنْ تَرَكَهَا سهوًا أَوْ جهلًا أُبِيحَ . وَهُوَ روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ .
4- ظاهرُ الحديثِ حِلُّ أكلِ ما صيدَ، سواءً أقتلَهُ الجارحُ بجرحِهِ أم بصدمِهِ وَهُوَ مذهبُ الشافعيِّ، وروايةٌ عن الإمامِ أحمدَ، اختارَها من أصحابِهِ ابنُ حامدٍ، وأبو محمدٍ الجوزيُّ، وَهُوَ ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ لعمومِ الآيةِ .
أَمَّا المشهورُ من المذاهبِ، فلا يحلُّ إذا ماتَ الصيدُ بخنقِهِ أَوْ صدمِهِ .
5- إنَّ صيدَ الكلبِ الذي لم يُعَلَّمْ لا يحلُّ إلَّا إنْ أدركَهُ الإنسانُ فذكَّاهُ قبلَ موتِهِ .
6- صفةُ تعليمِ الجارحِ عَلَى مذهبِ الحنابِلَةِ، إنْ كَانَ الجارحُ كلبًا، أَوْ فهدًا ونَحْوَهُمَا من ذواتِ النابِ فبثلاثةِ أشياءَ :
1- أنْ يَسترسلَ إذا أُرسلَ .
2- ويَنْزَجِرَ إذا زُجرَ .
3- وأنْ لا يأكلَ إذا أَمسكَ .
وإِنْ كَانَ ذا مخلبٍ، كالصقرِ، وَالبازي، فبشيئينِ .
1- يسترسلُ إذا أُرسلَ .
2- وينزجرُ إذا زُجرَ، ولا يشترطُ الثالثُ .
وبعضُ العلماءِ جعلَ مَردَّ التعليمِ وتحديدَهُ إِلَى العُرْفِ، فما عدَّه الناسُ مُتَعَلِّمًا عارفًا لآدابِ الصيدِ، فهو المتعلِّمُ، ويكونُ حلالَ الصيدِ، وما لا، فلا وَهُوَ قولٌ جَيِّدٌ؛ لأنَّ الشارعَ أطلقَ تعليمَهُ، وما أَطْلَقَهُ فالذي يَحُدُّهُ العُرْفُ .
7- فضلُ العلمِ عَلَى الجهلِ؛ إِذْ أبيحَ صيدُ الكلبِ المعلَّمِ دونَ الكلبِ الذي لم يُعَلَّمْ فقد أَثَّرَ العلمُ حتى فِي البهائمِ، قالَهُ ((ابنُ القيِّمِ)) رَحِمَهُ اللهُ .
(212) الغريبُ :
المعراضُ : بكسرِ الميمِ وسكونِ العينِ، وبعدَ الألفِ ضادٌ معجمةٌ .
قال الشيخُ : عصًا رأسُها مَحْنيَّةٌ . وَالذي ذكرَهُ أهلُ اللغةِ : أنَّهُ سهمٌ لا ريشَ عليهِ، وجمعُهُ، معاريضُ .
فَخَرَقَ : قَالَ ابنُ فارسٍ : الخاءُ وَالراءُ وَالقافُ أصلٌ، وَهُوَ يدلُّ عَلَى نفاذِ الشيءِ المرميِّ بهِ، فالمرادُ - هنا - أصابَ الرميةَ ونفذَ فيها .
الشَّعْبِيُّ : بفتحِ الشينِ وسكونِ العينِ، عامرُ بنُ شَرَاحِيلَ المحدِّثُ الرَّاوِيَةُ المشهورُ .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- فيه دليلٌ عَلَى حلِّ ما صادَهُ الكلبُ ونحوُهُ كالفهدِ، أَو الصقرُ ونحوُهُ كالبازِي، إذا كَانَ معلَّمًا وذُكِرَ اسمُ اللهِ تعالى عِنْدَ إرسالِهِ، ويستوي فيه أن يدركَ صاحبُهُ الصيدَ حيًّا أَوْ مَيِّتًا .
2- تحريمُ الصيدِ الذي اشتركَ فيه الكلبُ المعلَّمُ وغيرُ المعلَّمِ؛ لأنَّهُ اجتمعَ فيه مبيحٌ - وَهُوَ المعلَّمُ - وحاظِرٌ - وَهُوَ غيرُ المعلَّمِ- فيُتركُ من (بابِ تركِ الأمورِ المُشْتَبِهَةِ ) .
3- أَنَّهُ لَا بُدَّ من التسميةِ عِنْدَ إرسالِ السهمِ، وَالمرادُ بالسهمِ السلاحُ الذي صُنِعَ للرميِ من البنادقِ بأنواعِهَا وأسمائِهَا، وتسقطُ التسميةُ سهوًا وجهلًا وتَقَدَّمَ .
4- لكونِ التسميةِ مشترطةً؛ فإنَّهُ لا يَحِلُّ الصيدُ الذي اشتركَ فِي قتلِهِ المعلَّمُ وغيرُهُ؛ لأنَّ غيرَ المعلَّمِ لم يُذْكَر اسمُ اللهِ عِنْدَ إرسالِهِ .
5- لكونِ النيَّةِ وَالتعليمِ مقصوديْنِ فِي الجارحِ؛ فإنَّهُ لا يَحلُّ الصيدُ الذي أَكَلَ منه؛ خشيةَ أنْ يكونَ صادَهُ لنفسِهِ ولم يَصِدْهُ لصاحبِهِ .
6- إنَّ ما أدركتَهُ من صيدِ السلاحِ، أَو الجارحِ حيًّا، فَلَا بُدَّ من تذكيتِهِ، وإِنْ كَانَ ميتًا فرميُهُ أَوْ قتلُ الجارِحِ إِيَّاهُ، هُوَ ذكاتُهُ .
7- إذا جرحْتَ الصيدَ فوقعَ فِي ماءٍ، وَاشتبهَ عليكَ : هَلْ ماتَ من سهمِكَ أَوْ من الماءِ ؟ فهو حرامٌ؛ خشيةَ أنْ يكونَ ماتَ من الغَرَقِ وهَذَا إذا كَانَ فيه اشتباهٌ قَوِيٌّ .
أَمَّا إذا غلبَ عَلَى الظنِّ أنَّهُ ماتَ من السهمِ؛ لكونِ الماءِ قليلًا، وَالجرحِ موحيًا فهو حلالٌ .
وهَذَا الحكمُ عامٌّ فِي كلِّ ما اجتمعَ فيه مبيحٌ وحاظرٌ .
8- إنَّ المِعْرَاضَ وغيرَهُ من السلاحِ، إنْ قتلَ الصيدَ بحدِّهِ ونفوذِهِ، فهو مباحٌ؛ لأنَّه مما أَنْهَرَ الدمَ . وإنْ قَتَلَهُ بصدمِهِ وثقلِهِ، فلا يُباحُ؛ لأنَّهُ من المَيْتَةِ [المَوْقُوذَةِ] .
(213) المعنى الإجماليُّ :
الكلبُ من البهائمِ الخسيسةِ القذرةِ؛ ولهَذَا نهى الشرعُ الشريفُ الطاهرُ عن اقتنائِهِ لما فيه من المضارِّ وَالمفاسدِ: من ابتعادِ الملائكةِ الكرامِ البررةِ عن المكانِ الذي هُوَ فيه؛ ولما فيه من الإخافةِ وَالترويعِ وَالنجاسةِ وَالقذارةِ؛ ولما فِي اقتنائِهِ من السفهِ .
ومَن اقتناهُ نَقَصَ من أجرِهِ كلَّ يومٍ شيءٌ عظيمٌ [قُرِّبَ معناهُ بالقيراطيْنِ وَاللهُ أعلمُ قدرَ ذلكَ ] لأنَّ هَذَا عصى اللهَ باقتنائِهِ وإصرارِهِ عَلَى ذلكَ .
فإذا دعتِ الحاجةُ إليهِ لبعضِ ما فيه من منافعَ ومصالحَ كحراسةِ الغنمِ التي يُخشى عليها من الذئبِ وَالسارقينَ، ومثلُ ذلكَ اقتناؤُهُ للحرثِ، وكذلكَ إذا قُصدَ بهِ الصيدُ؛ فلهَذِه المنافعِ يسوغُ اقتناؤُهُ وتزولُ اللائمةُ عن صاحبِهِ .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- تحريمُ اقتناءِ الكلبِ، ونقصُ أجرِ صاحبِهِ كلَّ يومٍ قيراطينِ، وهما قدرٌ عظيمٌ، عِنْدَ الله تعالى علمُه ومَبلغُه .
2- ومُنِعَ اقتناؤُه؛ لِمَا فيه من المفاسدِ وَالمضارِّ الكثيرةِ من بُعْدِ الملائكةِ عن المكانِ الذي هُوَ فيهِ؛ ولِمَا فيهِ من الإخافةِ وَالترويعِ، فقد ثبتَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ الملائكةَ لا تَدْخُلُ بيتًا فيه كلبٌ؛ ولِمَا فيه من النجاسةِ الغليظةِ التي لا يُزيلُها إلَّا تكريرُ الغَسْلِ وغسلُهُ بالترابِ .
3- أنَّهُ يباحُ اقتناؤُه لمصلحةٍ : وذلكَ بأنْ يكونَ لحراسةِ غنمٍ، أَوْ حرثٍ، أَوْ لأجلِ صيدٍ، فهَذِه منافعُ، تُسوِّغُ اقتناءَهُ .
4- بهَذَا تعلمُ مبلغَ ما لدى الغربيِّينَ من السفاهةِ وقلةِ البصيرةِ؛ إذ فُتنوا باقتنائِها لغيرِ فائدةٍ، ويُطعمونَها أحسنَ مأكولٍ، ويَعتنونَ بها بالتغسيلِ وَالتنظيفِ وغيرِ ذلكَ، ويُلابسونَها، ويُقَبِّلُونَها، فهل بعدَ هَذَا من سفهٍ ؟!
والْعَجَبُ أنَّ مثلَ هَذِه العاداتِ وَالأعمالِ القبيحةِ سَرَتْ إِلَى المستغربينَ منا من الإمَّعاتِ المقلِّدينَ الذين عَبدُوا الغربيِّينَ، وتَدَيَّنُوا بأعمالِهم، وعَشِقُوا كُلَّ سَفَالةٍ عندَهم فإنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعونَ .

  #6  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 03:27 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

-بابُ الصَّيْدِ-
390 - الحديثُ الأوَّلُ: عن أبِي ثَعْلَبةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنهُ قالَ: أَتَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ. فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ. أَفَنَأْكُلُ في آنِيَتِهِمْ ؟ وفي أَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي المُعَلَّمِ. فَمَا يَصْلُحُ لِي ؟ قال: ((أَمَّا مَا ذَكَرْتَ -يعنِي مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ- فإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلوا فِيهَا، وإِنْ لَمْ تجِدُوا فاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا. وَمَا صِدْتَ بِقْوسِكَ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ المُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ)).
"أبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ" بضمِّ الخاءِ وفتحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، منسوبٌ إلى بنِي خُشَيْنٍ، بَطْنٍ من قُضَاعَةَ. وهوَ وائلُ بنُ نَمِرِ بنِ وَبْرَةَ بنِ تَغْلِبَ -بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ- بنِ حلوانَ بنِ عِمْرَانَ بن إلحافِ بنِ قُضَاعَةَ. و"خُشَيْنٌ" تصغيرُ أَخْشَنَ مُرَخَّمًا.قيلَ: اسمُهُ جُرْثُومُ بنُ ناشبٍ. أعنِي اسمَ أبِى ثَعْلَبَةَ. وفي الحديثِ مسائلُ.
الأولَى: أنَّه يَدُلُّ على أنَّ استعمالَ أوانِي أهلِ الكتابِ يتوقَّفُ على الْغَسْلِ، واختلفَ الفقهاءُ في ذلكَ، بناءً على قاعدةِ تَعَارُضِ الأصلِ والغالبِ. وذكرُوا الخلافَ فيمَن يَتَدَيَّنُ باستعمالِ النَّجاسةِ من المشركينَ وأهلِ الكتابِ كذلكَ، وإنْ كانَ قد فَرَّقَ بينهُمْ وبينَ أولئكَ؛ لأنَّهم يَتَدَيَّنُونَ باستعمالِ الخمرِ، أو يكثرُونَ مُلَابَسَتِهَا. فَالنَّصَارَى: لا يِجْتَنِبُونَ النَّجاساتِ. ومنهُمْ مَن يَتَدَيَّنُ بِمُلَابَسَتِهَا كَالرُّهْبَانِ. فلا وجهَ لإخراجِهِمْ ممَّن يَتَدَيَّنُ باستعمالِ النَّجاساتِ. والحديثُ جارٍ على مُقْتَضَى ترجيحِ غَلَبَةِ الظَّنِّ. فإنَّ الْمُسْتَفَادَ من الغالبِ راجحٌ على الظَّنِّ المستفادِ من الأصلِ.
الثَّانيةُ: فيهِ دليلٌ على جوازِ الصَّيْدِ بِالْقَوْسِ والكلبِ معًا. ولم يَتَعَرَّضْ في الحديثِ للتَّعليمِ الْمُشْتَرَطِ. والفقهاءُ تَكَلَّمُوا فيهِ. وجعلُوا المعلَّمَ: مَا يَنْزَجِرُ بالِانْزِجَارِ، وَيَنْبَعِثُ بالإِشْلَاءِ. ولهُمْ نَظَرٌ في غيرِ ذلكَ من الصِّفاتِ. والقاعدةُ: أنَّ مَا رَتَّبَ عليْهِ الشَّرْعُ حُكْمًا، ولم يَحُدَّ فيهِ حَدًّا: يُرْجَعُ فيهِ إلى الْعُرْفِ.
الثَّالثةُ: فيهِ حُجَّةٌ لمَن يشترطُ التَّسميَةَ على الإرسالِ. لأنَّه وَقَفَ الإذنَ في الأكلِ على التَّسميةِ. والْمُعَلَّقُ بالوصفِ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ عِنْدَ القائلِينَ بالمفهومِ. وفيهِ ههُنَا زيادةٌ على كونِهِ مفهومًا مُجَرَّدًا. وهوَ أنَّ الأصلَ تحريمُ أكلِ الْمَيْتَةِ. ومَا أخرجَ الإذنُ منهَا إلَّا مَا هوَ موصوفٌ بكونِهِ مُسَمًّى عليْهِ، فغيرُ الْمُسَمَّى عليْهِ يبقَى على أصلِ التَّحريمِ، داخلًا تَحْتَ النَّصِّ الْمُحَرِّمِ لِلْمَيْتَةِ.
الرَّابعةُ: الحديثُ يَدُلُّ على أنَّ المَصِيدَ بالكلبِ الْمُعَلَّمِ لا يتوقَّفُ على الذَّكَاةِ؛ لأنَّهُ فَرَّقَ بينَهُ وبينَ غيرِ الْمُعَلَّمِ في إدراكِ الذَّكَاةِ. فإذَا قَتَلَ الكلبُ الصَّيدَ بِظُفْرِهِ أو نَابِهِ حَلَّ. وإنْ قتلَهُ بِثِقْلِهِ، ففيهِ خلافٌ في مذهبِ الشَّافعيِّ. وقد يُؤْخَذُ من إطلاقِ الحديثِ جوازُ أكلِهِ. وفيهِ بعضُ الضَّعفِ. أعنِي أخْذَ الْحُكْمِ من هذا اللَّفظِ.
الخامسةُ: شَرَطَ عليهِ السَّلامُ في غيرِ الْمُعَلَّمِ إذا صادَ: أنْ تُدْرَكَ ذَكَاةُ الصَّيْدِ. وهذا الإدراكُ يتعلَّقُ بأمريْنِ:
أَحَدُهُمَا: الزَّمَنُ الَّذي يُمْكِنُ فيهِ الذَّبْحُ. فإنْ أَدْرَكَهُ ولم يُذْبَحْ فهوَ مَيْتَةٌ. ولو كانَ ذلكَ لأجلِ الْعَجْزِ عمَّا يُذْبَحُ بهِ: لم يُعْذَرْ في ذلكَ.
الثَّاني: الحياةُ المستقرَّةُ. كمَا ذكرَهُ الفقهاءُ. فإنْ أَدْرَكَهُ وقد أخرجَ حُشْوَتَهُ، أو أصابَ نابُهُ مَقْتَلًا، فلا اعتبارَ بالذَّكَاةِ حِينَئِذٍ، هذا على مَا قالَهُ الفقهاءُ.
391 - الحديثُ الثَّانِي: عن هَمَّامِ بنِ الحارثِ، عن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ، قالَ: قلْتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أُرْسِلُ الكلابَ الْمُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ، وَأَذْكُرُ اسمَ اللهِ، فقالَ: ((إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ)). قُلْتُ: وإنْ قَتَلْنَ ؟ قالَ: ((وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لم يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا)). قلْتُ: فإنِّي أرمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ، فَأُصِيبُ، فقالَ: ((إِذَا رميْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ)) وحديثُ الشَّعْبِيِّ عن عَدِيِّ نحوَهُ، وفيهِ: ((إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ. فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. وِإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ)) وفيهِ ((إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُكَلَّبَ فَاذْكُر اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قُتِلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ؛ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاتُهُ)) وفيهِ أيضًا ((إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُر اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)) وفيهِ ((وَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ)) وفي روايةٍ ((الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ إِنْ شِئْتَ، فَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي: المَاءُ قَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُكَ؟)).
فيهِ دليلٌ على اشْتراطِ التَّسْمِيَةِ، كمَا ذَكَرْنَاهُ في الحديثِ السَّابقِ. وهوَ أقوَى في الدِّلَالَةِ من الأوَّلِ. لِأَنَّ هذا مفهومُ شرطٍ. والأوَّلَ مفهومُ وَصْفٍ. ومفهومُ الشَّرطِ أقوَى من مفهومِ الوصفِ.
وفيهِ تصريحٌ بأكلِ مَصِيدِ الكلبِ إذا قُتِلَ، بخلافِ الحديثِ الماضِي. فإنَّه إنَّما يُؤْخَذُ هذا الْحُكْمُ منهُ بطريقِ المفهومِ. وهذا الحديثُ يَدُلُّ على أَكْلِ مَا قتلَهُ الكلبُ بِثِقْلِهِ، بخلافِ الدلالةِ الماضيةِ الَّتي اسْتَضْعَفْنَاهَا في الحديثِ الْمُتَقَدِّمِ.
وفيهِ دليلٌ على أنَّه إذا شاركَ الكلبَ كلبٌ آخرُ: لم يُؤْكَلْ. وقد وَرَدَ مُعَلَّلًا في حديثٍ آخرَ "فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِكَ".
و"الْمِعَرَاضُ" بكسرِ الميمِ وسكونِ العينِ الْمُهْمَلَةِ وبالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وبعدَ الألفِ ضادٌ مُعْجَمَةٌ: عصًا رأسُهَا مُحَدَّدٌ. فإنْ أصابَ بِحَدِّهِ أُكِلَ؛ لأنَّه كالسَّهمِ. وإن أصابَ بِعَرْضِهِ لم يُؤْكَلْ. وقد عُلِّلَ في الحديثِ بأنَّهُ وَقِيذٌ. وذلكَ؛ لأنَّه ليسَ في معنَى السَّهمِ. وهوَ في معنَى الْحَجَرِ وغيرِهِ من الْمُثْقَلَاتِ.
و"الشَّعْبِيُّ" بفتحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وسكونِ العينِ الْمُهْمَلَةِ: اسمُهُ عامرُ بنُ شَراحِيلَ من شِعْبِ هَمْدَانَ.
وإذا أكلَ الكلبُ من الصَّيْدِ ففيهِ قولانِ للشَّافعيِّ.
أحدُهُما: لا يُؤْكَلُ لهذا الحديثِ. ولِمَا أشارَ إليهِ من الْعِلَّةِ. فإنَّ أكلَهُ دليلٌ ظاهرٌ على اختيارِ الإمساكِ لنفسِهِ.
والثَّانِي: أنَّه يُؤْكَلُ. لحديثٍ آخَرَ وَرَدَ فيهِ من روايةِ أبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ.
وحُمِلَ هذا النَّهْيُ في حديثِ عَدِيٍّ على التِّنْزِيهِ: وربَّما عُلِّلَ بأنَّه كانَ من الْمَيَاسِيرِ فَاخْتِير لهُ الحَمْلُ على الْأَوْلَى، وأنَّ أبَا ثَعْلَبَةَ كانَ على عكسِ ذلكَ. فأخذَ لهُ بِالرُّخْصَةِ. وهوَ ضعيفٌ؛ لأنَّه عَلَّلَ عدمَ الأكلِ بخوفِ الإمساكِ على نفسِهِ. وهذه عِلَّةٌ لا تناسبُ إلَّا التَّحريمَ، أعنِي تَخَوُّفَ الإمساكِ على نفسِهِ.
اللَّهُمَّ إلَّا أن يُقَالَ: إنَّه عُلِّلَ بخوفِ الإمساكِ، لا بحقيقةِ الإمساكِ. فَيُجَابُ عن هذا: بأنَّ الأصلَ التَّحريمُ في الْمَيْتَةِ. فإذا شَكَكَنْا في السَّببِ المبيحِ: رَجَعْنَا إلى الأصلِ. وكذلكَ إذا شَكَكْنَا في أنَّ الصَّيْدَ ماتَ بِالرَّمْيِ، أو لوجودِ سببٍ آخَرَ يجوزُ أن يُخَالَ عليهِ الموتُ لم يَحِلَّ، كالوقوعِ في الماءِ مثلًا.
بل وقد اختلَفُوا فيما هوَ أشدُّ من ذلكَ. وهوَ مَا إذا غابَ عنهُ الصَّيْدُ ثم وجدَهُ مَيِّتًا، وفيهِ أثرُ سهمِهِ، ولم يعلمْ وجودَ سببٍ آخَرَ. فمَن حَرَّمَهُ اكتفَى بمجردِ تَجْوِيزِ سببٍ آخَرَ. فقد ذكرْنَا مَا دَلَّ عليهِ الحديثُ من المنعِ إذا وجدَهُ غريقًا. لأنَّه سببٌ للهلاكِ. ولا يعلمُ أنَّه ماتَ بسببِ الصَّيْدِ. وكذلكَ إذا تَرَدَّى من جبلٍ لهذه الْعِلَّةِ. نعمْ يُسَامَحْ في خَبْطِ الأرضِ إذا كانَ طائرًا؛ لأنَّه أمرٌ لا بدَّ منهُ.
392 - الحديثُ الثَّالثُ: عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ عن أبيهِ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ يقولُ: ((مَن اقْتَنَى كَلْبًا -إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَو مَاشِيَةً- فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ)) قالَ سالمٌ: وكانَ أبُو هُرَيْرةَ يقولُ: "أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ" وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ.
فيهِ دليلٌ على منعِ اقتناءِ الكلابِ إلَّا لهذهِ الأغراضِ المذكورةِ، أعنِي: الصَّيْدَ، والماشيةَ، والزَّرعَ، وذلكَ لمَا في اقْتِنَائِهَا من مَفَاسِدِ التَّرْوِيعِ، وَالْعَقْرِ لِلْمَارَّةِ. ولعلَّ ذلكَ لمجانبةِ الملائكةِ لِمَحَلِّهَا، ومجانبةُ الملائكةِ: أمرٌ شديدٌ، لمَا في مُخَالَطَتِهِمْ من الإلهامِ إلى الخيرِ، والدُّعاءِ إليهِ.
وفيهِ دليلٌ على جوازِ الاقتناءِ لهذهِ الأغراضِ. واختلفَ الفقهاءُ: هل يُقَاسُ عليْهَا غرضُ حراسةِ الدُّرُوبِ أم لا؟
واسْتَدَلَّ المالكيَّةُ بجوازِ اتخاذِهَا للصَّيْدِ من غيرِ ضرورةٍ: على طهارتِهَا. فإنَّ مُلَابَسَتَهَا -مع الِاحْتَرَازِ عن مسِّ شيءٍ منهَا- شاقٌّ، والإذنُ في الشَّيءِ: إذنْ في مُكَمِّلَاتٍ مقصودةٍ، كمَا أنَّ الْمَنْعَ من لوازمِهِ مناسبٌ للمنعِ منهُ.
وقولـُهُ "وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ" محمولٌ على أنَّه أرادَ ذِكْرَ سببِ العنايةِ بهذا الْحُكْمِ، حتَّى عَرَفَ منهُ مَا جَهِلَ غيرُهُ. والْمَحْتَاجُ إلى الشَّيءِ أكثرُ اهتمامًا بمعرفةِ حُكْمِهِ من غيرِهِ.

  #7  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 03:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

......................

  #8  
قديم 17 محرم 1430هـ/13-01-2009م, 02:49 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ: الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:


باب الصيد

عن أبي ثعلبة الخشني, قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب, أفنأكل في آنيتهم ؟ وفي أرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم ، وبكلبي المعلم , فما يصح لي؟ قال: ((أما ما ذكرت - يعني من آنية أهل الكتاب - فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ، فإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها , وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل .

الشيخ: مما أحله الله تعالى الصيد الحلال , قال الله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} .

الجوارح: التي تعلم ويصاد بها , فمن الجوارح الكلاب المعلمة ، ومن الجوارح الطيور المعلمة .الله تعالى اشترط التعليم {تعلمونهن مما علمكم الله} , فيعلم الكلب أو نحوه يعلم كيفية الإرسال ، وكيفيه الإمساك ، وكذلك الطير الذي يصاد به كالبازي ،والشاهين ، والباشق ، والصقر ونحوها من الطيور التي تتعلم وترسل فتصيد .
فأباح الله تعالى هذا الاصطياد ، وأباح أكل هذا الصيد . الأمر في قوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} أمر إباحة , ومنع من الصيد في حالة الإحرام {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} {وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرما} , فدل على أنه إذا لم يكن هناك إحرام فإن الصيد حلال . وكذلك يحرم الاصطياد في داخل البيت .. في داخل مكة ؛ لأن مكة حرم كما تقدم لا ينفر صيدها , أو يعني لا يصطاد ولا يطرد . أما بقية البلاد غير الحرمين فإنه يصيد فيه غير المحرم .

نبدأ بذكر الحديث , هذا الحديث عن أبي ثعلبة جرهم بن ناشد الخشنيرضي الله عنه , ذكر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالين: سؤال يتعلق بآنية الكفار ، وسؤال يتعلق بالصيد ، فأما آنية [1]الكتاب فذكر أنهم يحتاجون لها , فما حكم الأكل والطبخ والشرب فيها , وكأنه توقف فيها ؛ لأن أهل الكتاب الذين هم النصارى أو اليهود كانوا يستحلون الخمر ...


الوجـه الثانـي
... فيشربون في آنيتهم الخمور، فتكون تلك الآنية قد تلوثت بهذا الشراب المحرم ، وكانوا يطبخون في قدورهم الميتة , ويطبخون فيها لحم الخنزير وهو محرم , فتكون تلك القدور بعد الطبخ فيها شيء من آثار ذلك المطبوخ ، فما حكم طبخنا فيها أو شربنا فيها هل ذلك جائز أم لا ؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يتوقف فيها إذا وجد غيرها ((إذا وجدتم آنية غير آنية الكفار فلا تأكلوا ولا تشربوا فيها)) . مخافة أن يكون فيها شيء من الأثر الذي هو أثر نجاسة , وقد يكون ذلك لأجل قطع المنة لهم , لا يكون لهم منة على المؤمن ، فيكون ذلك سببا لمحبتهم ومودتهم وموالاتهم وتقريبهم , بل لا تأخذوا منهم شيئا وأنتم تجدونه عند غيرهم , فإذا لم تجدوا غيرها , غير تلك الآنية , فإن لكم رخصة في أن تأكلوا أو تشربوا أو تطبخوا فيها , ولكن بعد التطهير , بعدما تغسلوها وترحبوها بالماء وتنظفوها حتى يزول ما يخاف فيها من آثار النجاسة . هذا حكم السؤال الأول .

أما السؤال الثاني عن الصيد , فذكر أن الصيد يكون بالرمي, ويكون بالكلب , والكلب قد يكون معلما , وقد يكون غير معلم ، ويلحق بالكلب أيضا الصيد الجارح , الجوارح التي ذكرها الله تعالى في القرآن: {وما علمتم من الجوارح}, فالطيور المعلمة تسمى جوارح ؛ وما ذاك إلا أنها تجرح الصيد إذا صادته ، فأباح الله تعالى صيد الجورح المعلمة , وأباح أيضا صيد الكلاب المعلمة , فقوله تعالى: {مكلبين} يعني متخذين هذه الكلاب تعلمونهن مما علمكم الله .

فإذن الصيد بالكلب المعلم حلال بشرط أن يكون معلما ، ومتى يكون معلما ؟ هو الذي إذا أرسلاسترسل ، ,وإذا زجر انزجر ، وإذا أمسك لم يأكل , هذا حد المعلم . وبقية الكلام بعد الأذان .
علم الله أن الإنسان قد يحتاج إلى الاصطياد من هذه الدواب المباحة , هذه الدواب المنتشره في الأرض , منها ماهو حلال ومنها ماهو حرام , وللحرام علامات يعرف بها , وقد ذكرنا بعضا من العلامات التي يتميز بها الحلال من الحرام , فمنها ما يكون بالغذاء , ومنها ما يكون بوصف اتصف به , فالصيد من هذه الدواب المباح قد سبق ذكر بعضه , فتقدم ذكر الضب وأنه أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم , إذن فهومن الصيد . وذكر الأرنب وأن الصحابة أنفجوا أرنبا وأمسكها أنس وذبحها أبو طلحة , وأهدى .. أو أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها , فقبله , فدل على أنها من الصيد .

وتقدم في الحج ذكر حمار الوحش وأنه من الصيد , وهو دابة أكبر من الظبي ..وأكبر من الوعل أو قريب منه ، أو نوع من الوعول , فهو من الصيد , حمر الوحش والظباء والوعول والإيل والتيتل والأروى من أنواع الصيد , وكذلِكَ أنواع من الصيدِ المتوحشِ في البراري كالوبر واليربوعِ وما يلحق به , هذه من أنواع الصيود التي تعيش في البراري ، وتتقوت من القوت الحلال , فترعى من الرعي الذي ينبت في الأرض ، وتشرب إذا وردت ماء أو تعيش بدون ماء فتعيش كما يعيش غيرها .

كذلك أيضا أباح الله الكثير من الطيور المباحة ، فالحمام بأنواعه من الطيور الحلال ,وكذلك الحجل من الطيور المباحة ،وهكذا الحبارة من الطيور المباحة ؛ وذلك لأن قوتها وغذاءها حلال أو من الطيب , وأما الأشياء المستقذرة فإنها محرمة:

حرم النبي صلى الله عليه وسلم كل ذي ناب من السباع , وكل ذي مخلب من الطير , فحرم ذوات المخالب , فالصقر ولو كان مما يعلم فإنه حرام ؛ لأنه ذو مخلب , وكذلك العقاب ، والغراب , والباشق،والعقاب , والرخم, ونحوه , والنسور التي تأكل الجيف والقاذورات , هذه ليست من الصيد بل هي من المحرمات ؛ لأنها تتغذى بالجيف ، وتأكلها وتأكل الأقذار , بخلاف الذي يتغذى بالأعشاب ، الطيور التي تتغذى بالحبوب وبالأعشاب كالحمام ونحوه , هذه من الطيبات , فعرفنا بذلك الفرق بين ما هو حلال من الطيور وما هو حرام .

وكذلك من الوحوش , فذوات الأنياب كالذئب والنمر والأسد والدب وما أشبهه ، ومثله أيضا ما يأكل الجيف:الكلاب بأنواعها , هذه كلها محرمة , محرم أكلها ولو كانت أليفة , فليست من الصيد الذي أباحه الله في قوله تعالى .. في قوله: {وإذا حللتم فاصطادوا} , وفي قوله: {وحرم صيد البر ما دمتم حرما} , وفي قوله:{فكلوا مما أمسكن عليكم} , إنما المراد ما أمسكت من الصيد الحلال , هذا الصيد الذي يقتنصه المقتنصون , يقتنصونه ؛ لأنه طعام لذيذ ولحم شهي كسائر اللحوم .

الله تعالى أباح اللحوم الطيبة, فأباح بهيمة الأنعام: لحم الإبل والبقر , والغنم بأنواعها ، أباح الله لحمها , وكذلك كما تقدم لحم الخيل أيضا مباح ؛ لأنه من الطيبات , وهكذا لحوم الصيود ، وكذلك لحوم الأسماك ، دواب البحر لقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم} , وتقدم أيضا إباحة أكل الجراد , وهو من اللحوم المباحة , وإن تقذره بعض مَن لم يألفه.

وبكل حال هذه الصيود جعل الله .. وهذه الوحوش جعل الله لها ماتتحصن به , فمنها ما يتحصن عن الاصطياد بجناحيه, فيطير حتى يحرز نفسه , ويمنع نفسه عن أن يدركه مَن يطلبه , فالحمام وما أشبهه من الحجلات والعصافير بأنواعها هذه تتحصن وتتحرز بأجنحتها: بأن تطير حتى تؤمن نفسها ، والظباء ونحوها جعل الله لها حصنا بشدة السير والسعي , فهي تسعى سعيًا شديدا ؛ حتى لا يدركها الإنسان ، ولا يدركها إلا جارح قوي سابق مِن الكلاب ونحوها ، وكذلك ما يتحصن من الطيور كالحبارة وما أشبهها .

لا شك أن هذه كلها من التي جعل الله لها سلاحا تتوقى به حتى تحصن نفسها ، ولكن إذا غلبها الإنسان بأن اصطادها بشبكة أو اصطادها بجارح ، أو اصطادها بسهم رماها به ، فهي من الطيبات التي أحلها الله ، وجعل أكلها من نعمه التي أنعم بها على عباده, يأكلها المصطاد سواء أكل تفكه وتلذذ وتنعم , وإن لم يكن جائعا ,وإن كان اللحم موجودا. أو أكل غذاء , قد يكون هناك من ليس لهم كسب , وليس لهم غذاء إلا الاصطياد , ليس لهم حرفة ولا صنعة , وليس لهم مورد إلا الاصطياد , أن يصطادوا .
وكان من أولهم إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام , ما كان له حرفة إلا أنه يذهب فيصيد , يصيد بالنبل ، يعني يرمي السهام فيصيد من الطيور المباحة ، ومن الوحوش المباحة ونحوها , فيكون ذلك غذاء له ، وغذاء لأولاده .
وهكذا نعرف أو نسمع أن كثيرا من الناس ماكان لهم غذاء إلا ما يصطادونه مما أباحه الله تعالى من هذه الصيود , التي امتن بإحلالها في قوله تعالى: {أحل لكم} , {قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله} .

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنك إذا أمسك عليك الكلب فإما أن يكون الكلب معلما ، وإما أن يكون غير معلم , وقد عرفت المعلم الذي إذا أرسل استرسل ، وإذا زجر انزجر ، وإذا أمسك لم يأكل على صاحبه , أمسك على صاحبه ، ولم يأكل من الصيد , هذا هو الكلب المعلم . ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((فإن أكل فلا تأكل ؛ فإني أخاف أنه أمسك على نفسه)) . يعني لم يمسك لك إنما أمسك لنفسه , فعلامة المعلم أنه يمسك الأرنب مثلا, ثم إذا أمسكها بأنيابه حتى يأتي صاحبه فيقبضها ، فإن وجدها ميتة وإلا ذكاها ، أو يذكيها بكل حال .

ثم اختلفوا فيما إذا قتلها الكلب , عادة أنه إذا أمسكها فإنه يمسكها بأنيابه , وقد يكون صاحبه بعيدا فلا يدركه إلا وقد ماتت في فمه , فالأكثرون على أنه يأكل , على أنها تؤكل لعموم قوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} , ولكن بشرط أن تسمي عند الإرسال , إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله بأن تقول: بسم الله والله أكبر , فإذا أمسك عليك حتى ولو قتل بعضه أو بتحامله , تحامل على ذلك الصيد حتى مات بثقله , فالصحيح أنه يباح ؛ وذلك لكونه داخلا فيما أباحه الله: {فكلوا مما أمسكن عليكم} .

والحديث لم يفصِّلْ في الكلب المعلَّمِ , يقول: ((إذا أرسلت كلبك المعلم فكل)) . لم يقل: إن وجدته حيا , بل أطلق ذلك بشرط ذكر اسم الله تعالى , أن الكلب المعلم إذا قتل فإن قتله حلال بشرط التسمية عند الإرسال , ولو لم يجرح , ولكن إذا وجدت الصيد حيَّا فلابد من ذبحه وتذكيته حتى يخرج الدم ، وإذا وجدته أيضا قد مات فلابد من قطع رأسه وحلقومه , ولو لم يخرج منه دم ؛ حتى تتحقق التذكية ظاهرا , فهذا حكم الكلب المعلم .

أما الكلب غير المعلم , كلب من سائر الكلاب استرسل وأمسك , وجدت الصيد في فمه قد مات فلا تأكل ؛ وذلك لأنه أمسك لنفسه , إن وجدت الصيد حيا لميمت وذكيته فإنه مباح ؛ وذلك لدخوله في قوله تعالى: {إلا ما ذكيتم}, والتذكية: هي أن تذبحه في حلقه حتى تقطع الحلقوم والمريء والوديين ويخرج الدم المتحجر في بدنه . أباح الله المذكى بقوله:[إلاما ذكيته][2] , وأباحه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله: ((فوجدته حيا فذبحته .. أو ذكيته فكل)) . أما إذا لم يكن معلما وقتل فلا تأكل .

كذلك إذا أكل ,إذا وجدت الكلب قد أكل من الصيد , سواء كان معلما ، أو غير معلم , فلا تأكل ؛ فإنه أمسك على نفسه , كأنه اصطاد لنفسه لم يصطد لصاحبه ؛ لأن الله تعالى يقول: {فكلوا مما أمسكن عليكم} , {أمسكن عليكم }, يعني: أمسكن لكم ، فأما إذا أكل فإنه لم يمسك عليك ,وإنما أمسك على نفسه .

أما بالنسبة للجوارح: الصقر والبازي والشاهين والباشق ونحوها من الجوارح , فهذه الأصل أنها تجرح ؛ وذلك لأن صيدها يكون بمخالبها , فهيتجرح الأرنب مثلا بمخلبها حتى تفري ظهرها ، وتشق جلدها ، وكذلك الحبارىتجرحها , تضربها بمخالبها مع ظهرها حتى تمزق ظهرها وأجنحتها , فهذا لا شك أنه جرح وأنه تحل به هذه الصيود ، ولكن يغلب عليها أنها تأكل , الطيور الجوارح الغالب أنها تأكل , فلأجل ذلك يجوز أكل ما بقي, لو وجدت الصقر قد أكل من الصيد فلا مانع من أن تأكل ما بقي ، أما إذا وجدته حيا فلابد من تذكيته , فإن وجدته قد مات فهو حلال , سواء أكل منه الجارح أولم يأكل ، هذا بالنسبة بالنسبة إلى صيد الجوارح .

أما بالنسبة إلى صيد السهام , فالسهم هو الرصاص الذي يرمى به , وقديما كان السهم يتخذ من الأعواد , يبرى قطع من أعواد السلم ، ويكون محددا ، ثم يرمى به في القوس ، وإذا كانت الرمية شديدة فإنه يخرقها كما في قوله: ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) . يعني يضرب الظبي من جانب ويخرج من جانب يسبق الفرث والدم , فالأصل أن هذا السهم يخرق يصيب غالبا بحده فيقتل .

فهذا دليل على أنه حلال , إذا وجدت السهم قد خرق الجلد وخرق اللحم وماتت الرمية فإنها حلال بشرط وهو أن تسمي عند الرمي. ومثله أيضا الرصاص الموجود الآن في البندقية فإنه محدد , وهو يخرقها وينفذ فيها , ولذلك يقول بعضهم:
(وما ببندق الرصاص صيد) يعني حصل الصيد به , فإنه مباح استفيد..فحله استفيد .
أفتى به والدنا الأواه وانعقد الإجماع من فتواه .
فالحاصل إنه يعني يحل أكل ما صيد بهذا الرصاص ونحوه .

أما ما صيد بالحجر أو صيد بالعصا ، أوصيد بالقوس , بالسهم , ولكن أصابه بعرضه , فلا يؤكل بل يدخل في الوقيذ , الموقوذة التي ذكر الله أنها من المحرمات هي التي تضرب حتى تموت ،ولا تنجرح بالضرب , فإذا رميت عصفورا مثلا بحجر وذلك الحجر كبير فشدخه ولم يجرحه ومات فلا تأكل , فإن وجدته قد جرحه فأسال الدم فكل إذا سميت عند الرمي ، وهكذا إذا رميته بعصا وأصابته العصا بحدها وبرأسها فنفذت فيه وجرحته فإنه حلال إذا سميت عند الرمي ، وأما إذا أصابته بعرضها فمات فإنه من الموقوذة, فلا يؤكل . هذا ما يتعلق بالصيد بالقوس وكذلك بالجوارح .

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد . قال المؤلف رحمه الله تعالى:
وعن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي وأذكر اسم الله . فقال: ((إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك)) . قلت: وإن قتلن . قال: ((وإن قتلن, مالم يشركها كلب ليس منها)) . قلت له: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب . فقال: ((إذا رميت بالمعراض فخرق فكل , وإن أصابه بعرضه فلا تأكل)) .

وحديث شعبي عن عدي نحوه ، وفيه: ((إلا أن يأكل الكلب , فإن أكل فلا تأكل ؛ فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل , فإنما سميت على كلبك ، ولم تسم على غيره)) .
وفيه: ((إذا أرسلت كلبك المكلب ، فاذكر اسم الله ، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه ،وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله , فإنَّ أخذ الكلب ذكاته)) .
وفيه أيضا:((إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه)) . وفيه:((وإن غاب عنك يوما أو يومين))- وفي رواية: اليومين والثلاثة - فلم تجد فيه إلا أثر سهامك فكل إن شئت ، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل ؛ فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك)) .

الشيخ:في هذا تعليم من النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الصيد: الذي هو اقتناص حيوان متوحش طبعا غير مقدور عليه ،واصطياده بواسطة الكلاب ، أو بواسطة السهام ، أو بواسطة المعراض , وقد أباح الله تعالى جنس ذلك بقوله: {وإذاحللتم فاصطادوا} , وحرم ذلك في حالة الإحرام بقوله: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} أفاد بأنهم إذا لم يكونوا حرما فإنه مباح لهم هذا الاصطياد .

وقد عرفنا أن المراد بالصيد ما يمكن اقتناصه من الدواب المتوحشة التي هي حلال مباح أكلها ، وهي معروفة ومشهورة , وقد جعل الله سلاحها الذي تتوقى به مختلفا , فمنها ما سلاحه الأجنحة بحيث يطير حتى ينجو بنفسه ، وقد جعل الله في طبعها الهروب من الإنسان , حيث عرفت بأنه إذا أمسكها ذبحها وأكلها , فإذا رأته هربت , فإن كانت ذات أجنحة نفرت وطارت لتنجو بنفسها ، وإن كانت من غير الطير سعت بجهدها حتى تنجو بنفسها ، ومنها ما يتحصن في رؤوس الجبال كالوعول ونحوها , ومنها ما يتحصن بحفر في الأرض ويعمق حفره ، كالضب ونحوه .

فهذه الدواب وهذه الصيود أباح الله تعالى اصطيادها واقتناصها , فهي تعيش في البراري وتتوالد كما قدَّر الله , وتأكل من نبات الأرض ، ومما تجده مما يناسبها . ويمسكها الإنسان فيأكل منها ماهو مباح مما أحله الله , ويتجنب ما ليس بمباح مما ليس من الطيبات .
ا هـ .


عمدة الأحكام
شريط (65) للشيخ: ابن جبرين
... ويمسكها الإنسان فيأكل منها ماهو مباح , مما أحله الله ، ويتجنب ماليس بمباح ، مما ليس من الطيبات . قد ذكر الله تعالى الاصطياد بالكلاب , فقال تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} , الجوارح يصدق على الطير الذي يسمى الصقر ، أو البازي ، أو الشاهين ، أو الباشق , الطيور التي تسمى جوارح، والتي تجرح الصيد بمخالبها ، ويدخل فيه الكلاب المعلمة ، ولهذا قال: {مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله} أي متخذين لهذه الكلاب المعلمة .

وقد عرف أن الكلب لا يجوز اقتناؤه ، إلا إذا كان محتاجا إليه ، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من اقتنى كلبا نقص من أجره كل يوم قيراط, إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية)). أباح إمساك هذا النوع , كلب الصيد الذي يعدو ويصيد ، وكلب الماشية الذي يحفظها ويحرسها من الذئاب والسباع ، وكذا كلب الحرث الذي يحرس الحرث ؛ لأن أهله قد ينامون ويغيبون ، فالكلب يكون حوله ؛ حتى لا تأتيه المواشيلتأكل من ذلك الزرع ونحوه ، وكذلك تحرسه من اللصوص ونحوهم , فيجوز اتخاذها للحراسة في مثل هذه الأشياء ،وأما ما عداها فلا يجوز اقتناؤه .
وبكل حال الذي يصيد هو الكلب المعلم ، صيده حلال ، لقول الله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} , فاشترط أن يكون معلمابقوله: {تعلمونهن مما علمكم الله} , قد ذكرنا أن المعلم هو الذي إذا أرسل استرسل ، وإذا زجر انزجر ، وإذا أمسك لم يأكل ، فهذا هو الذي درب وعلم ، يعلمه أهله ، إذا رأوا الصيد فإنهم يشيرون إليه ، ويدعونه باسمه ، ثم إنه يعدو خلف ذلك الصيد ، وإذا رأوه مثلا تثاقل زجروه ، فانزجر وزاد في العدو ، وإذا أمسك وأكل ضربوه فلم يعد , ليس تعليمهم بالكلام ،وإنما بالفعل , فيدربونه على أنه يمسك ولا يأكل , وإذا أمسك وضربوه مرة لم يعد يأكل ، أو أشاروا إليه ، فهذا هو الكلب المعلم .

في هذه الأحاديث تعليمات لحل الصيد بالكلب المعلم ، وكذلك حل الصيد بالسهم وما أشبهه:
فأولا: ذكر أنه إذا كان .. إذا أرسله فإنه يسمي ؛ لقوله تعالى: {واذكروا اسم الله عليه} يبدأ باسم الله ، فيذكر اسم الله بقوله: بسم الله ، أو بسم الله والله أكبر ، على هيئة ما يقوله عند الذبح , ذبح الحيوان المباح .
ثانيا: أن الكلب إذا أمسك أمسكه حتى يأتيه صاحبه ، ثم يتسلمه منه ، إما أن يمسكه بفمه أو بيديه ويتثاقل عليه .
ثالثا: لو قتله الكلب , في هذا الحديث أنه يجوز ، وأن تسميتك وإرسالك للكلب يعتبر ذكاة , الكلب مثلا قد يعضه, قد يعض الأرنب حتى تموت ، أو يكسر أضلاعها ، قد يتأخر صاحبه فلا يأتي إليه إلا وقد ماتت ، فيكون إمساكه لها تذكية له .

وقد ذكر بعضهم خلافا فيما إذا قتله الكلب بثقله , فابن كثير _ رحمه الله _ تكلم على المسألة في أول تفسير سورة المائدة على هذه الآية ، وهو قوله تعالى: {تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم} , وهي الآية الرابعة من السورة ، وكأنه يميل إلى أنه لا يؤكل إذا قتله بثقله ، ولكن ظاهر الحديث أنه يؤكل ؛ لقوله في هذا الحديث: ((وإن قتل))يعني: وإن قتل الكلب فكل , ثم الدليل عليه أنه قال: ((وإن وجدت مع كلبك كلبا آخر أو كلابا فلا تأكل ؛ فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره)) , فدل على أنه إذا سمى على كلبه وقتل فإنه يأكله ،وإذا لم يسم فلا يأكل ، وإذا وجد مع كلبه كلبا آخر وقد قتل ، فإنه لا يأكل ؛ مخافة أن يكون الكلاب اجتمعت عليه فقتلته , ولا يدرىأيها قتله , هل المسمى عليه أو الذي لم يسم عليه ؟

والدليل أيضا أنه قال: إن وجدته حيا فاذبحه ، إذا أدركت ذكاته ، وجدت الصيد لم يزل حيا ، لم تزل مثلا الأرنب أو اليربوع ، أو الطير كالحبارة أو نحوه , لم يزل فيها حياة ، فإنك تذبحه بالسكين ؛ وذلك لأنك إذا تركته حتى يموت فقد فرطت . ومثل ذلك القتل أيضا بالسهم .

وبعد فالله سبحانه امتن بذلك وجعله من المباحات ، لما ذكر المحرمات بقوله: {حرمت عليك الميتة والدم} إلى آخر الآية , ذكر ما أحل لهم ، بقوله: {قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} أي: وصيد ما علمتم من الجوارح {مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله} فأفاد بأن هذا مما أحله الله تعالى ، وجعله من الطيبات ، هذه الوحوش الظباء والوعول , الظبي والوعل , والأنثى منه وهي الأروى ، والكبير من الوعول الذي هو التيتل ، وحمر الوحش ، وبقر الوحش ، وغنم الوحش ، يعني دواب تشبه هذه ،وهي أنواع من الوعول , وكذلك ما يشبهها مما هو حلال طيب داخل في قوله:{اليوم أحل لكم الطيبات} .

واصطيادها وإمساكها له ، أو للإنسان , فيه طرق ومسالك يسلكها , يتوصل بها إلى إمساكها بأية وسيلة ، لكن لابد أن تكون تلك الوسيلة مباحة ، نسمع أن كثيرا يأتون إلى الضب مثلا وهو في جحره فيحرقونه ، أو يوقدون عليه ، حتى ربما احترق في جحره من الدخان وخرج ميتا ، أو مات في جحره ، مثل هذا تعذيب لا يجوز ؛ وذلك لأن تعذيب الحيوان بالإحراق إفساد له ، وتعذيب له بغير حق . أما إغراقه , يعني صب الماء فيه إلى أن يشعر بالماء ثم يخرج لئلا يغرق ، فهذا من المباحات ، وكثيرا ما يحصل خروجها من جحرها بواسطة نزول السيل ودخوله في جحارتها , فعند ذلك تخرج , فيلحق بذلك ما إذا صب في جحره من السيل أو من الماء حتى يخرج , ذلك أيضا من المباحات .وأما ما يفعله بعضهم من إيقاد عليه, أو عمل من الأعمال الجديدة في إحراقه بالسيارات أو نحوها ، فنرى أن ذلك من التعذيب ، ومن الأذى.

أما الصيد بالمعراض , فالمعراض: هو العصا التي ليست بمحددة, ولكن قد يكون رأسها يخرق ، فإذا رمى صيدا ولو صغيرا كعصفور مثلا أو حمرة أو حمامة أو نحو ذلك ، إذا رماه بهذا المعراض , فإن كان المعراض قتله بثقله فلا يحل ، شبهه بأنه وقيذ , داخل في الموقوذة التي هي من جملة المحرمات . والموقوذة: هي التي تضرب إلى أن تموت ، تضرب بحصا أو بحجارة إلى أن تموت , دون أن تذكى: تذبح , يعني لو مثلا استعصت , استعصت شاة أو ناقة ، أو ثور استعصى ، لم يجز قتله بالمثقل، لم يجد أن يضرب بالحجارة ، ولا بالعصي إلى أن يموت ، لكن يجوز رميه بالسهام إذا نفر وهرب . في حديث رافع بن خديج ذكر أنهم كانوا في سفر فندَّ بعير ، يعني هرب ، ولما هرب رماه رجل بسهم فأثبته , ذلك السهم لما رماه خرق جلده ، وخرق بدنه وجوفه ، فسقط ذلك البعير من آثار ذلك السهم ، فأباح النبي صلى الله عليه وسلم أكله ، وقال: ((إن لهذه الدواب أوابد كأوابد الوحش ، فما ندمنها فافعلوا به هكذا)) .
أما كونه يضرب بعصي إلى أن يموت ، فإن هذا وقيذ , شبه النبي صلى الله عليه وسلم ما قتل بالمعراض بالوقيذ ، إذا رميت بهذه العصا صيدا طائرا ، أو حيوانا كيربوع أو أرنب أو ضب , فقتله بالثقل ، فلا تأكل . وكذلك لو رماه بحجر ، حجر ثقيل شدخه ولم يجرحه ، فمات من آثار هذا الحجر ، ألحق بالوقيذ ، فلا يحل أكله ، ولو سمى عليه ؛ وذلك لعدم الجرح فيه , ولا يلحق بالكلاب ؛ لأن الله أباحه بقوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم} , فلا يدخل في إمساك الجوارح ونحوها.

أما الذي يقتل بالسهمِ فالسهمُ هو الذي يُرمى به ، كانوا يجعلون السهام وهي النبال محددةً رؤوسها ، تقطع من شجر العضاةِ ، ثم تحدد حتى تكون كرأس السكينِ ، فإذا رموا بالسهم توجَّه إلى الرمية وطعنها ؛ لأنه يذهب على حده ، فينفذ في الرمية ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في صفة الخوارج:((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة)). أي من المرمي كالظبي ونحوه . فهذا السهم قد يقتل ، تأتي إلى الصيد وقدْ قتله ذلك السهم ، سواء ظبيا أو حماما أو حُبارى أيًّا كان ، إذا وجدته قد قتله وكنت قد سميت عند الرمي فإنه مباح ، وحلال أكله , أما إذا أدركته حيا فلابد من ذكاته ؛ لأنك قدرت على الذكاة فلابد أن تذبحه ، ولا يجوز تركه والحال هذه بدون ذكاة ؛ فإنه يعتبر مفرطا . كذلك لا يجوز تجاوزه وهو حي. إذا رميته وهو حي, أدركته وهو حي, فلا تتجاوزه وتذهب لغيره ، بل عليك أن تذكية ، فإن تركته حتى مات اعتبرت مفرطا ، فلا تأكل .

يُذكر أن بعض الصيادين إذا طردوا الظباء ونحوهم رموا واحدا ,وأثبتوه فسقط ، ثم واصلوا السير ليرموا الثاني ، فيرجعون إلى الأول وقد مات . منهم من أفتى بأكله ؛ لأنه مات من أثر السهم ، ومنهم من قال: لا يؤكل ، ما دام أنهم قدروا على ذكاته وتجاوزوه . ولعله إذا عرفوا أن السهم لا يقتله في تلك الحال ، بل يبقى مثلا ساعة أو نصف ساعة , ففرطوا ولم يذبحوه ، أنه لا يؤكل . وأما إذا عرفوا أن السهم سوف يقتله ولا يبقى إلا ثوان ، كما لو أصابه السهم في رأسه، أو في نحره ، ففي هذه الحال لهمْ أن يأكلوا إن شاء الله .وبكل حال إباحته من نعم الله تعالى ؛ حيث أن الإنسان يشتاق إلى مثل هذه الصيود التي فيها منفعة ولها لذة ، ولو كان اللحم متوفرا.

ذكر أنه إذا وجدته وقد مات من أثر سهمك ، ولم تر فيه أثرا غير أثر سهمك ،ولوبعد يوم أو نصف يوم ، فلك أن تأكله ، لكن إن وجدته وقد أنتن فإن الأولى عدم أكله ؛ وذلك لتغيره . ذكر أنك لو وجدته وقد سقط في ماء فلا تأكل ؛ لأنك لا تدري هل موته بسبب سهمك ، أو بسبب سقوطه في الماء . ومثل ذلك أيضا لو سقط من شاهق ، لو رميته وهو في رأس جبل ، فتدحرج من رأسِ الجبلِ ، ولم يصل إلى الأرض إلا وقد ماتَ ، فالأصل أنه ما ماتَ من السهم ، وإنما مات من تدحرجه ، حيث ضربته هذه الحجارة ، أو سقط من أعلى جبل ، ومن آثار سقوطه .. من شدة سقوطه على الأرض مات ، فيكون موته لا بسبب السهم ، ولكن بسبب السقوط . فأفاد أنه إذا تعاون على موته مبيح وغير مبيح ، غُلِّب غير المبيح ، يعني احتياطا ؛ حتى لا يأكل إلا ما هو حلال ، ليس في حله شبهة .

ففي هذه التعليمات الاحتياط من النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم أمته ما يحل لهم ، وما لا يحل لهم ، كما أمر بالاحتياط في الأمور المشتبهةبقوله: ((فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه)) .

القارئ: الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما , قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من اقتنى كلبا, إلا كلب صيد أو ماشية , فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان)) . قال سالم: وكان أبو هريرة يقول:((أو كلب حرث)). وكان صاحب حرث .
وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفه من تهامة ، فأصاب الناس جوع ، فأصابوا إبلا وغنما , وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات القوم ، فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت ، ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير ، فند منها بعير ، فطلبوه فأعياهم . وكان في القوم خيل يسيرة ، فأهوى رجل منهم بسهم فحبسه الله , فقال: ((إن لهذه البهائم ، أوابد كأوابد الوحش , فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا)). قال: قلت: يارسول الله إنا لاقوا العدو غدا ، وليست معنا مدى, أفنذبح بالقصب؟ قال:((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ، ليس السن والظفر ، وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعض ، وأما الظفر فمدى الحبشة)) .

الشيخ:أورد الحديث الأول للدلالة على جواز اقتناء كلب الصيد ، الذي يقتنص به . وقد دل عليه أيضا من القرآن قول الله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} , قوله:{مكلبين} يعني متخذين كلاب صيد {تعلمونهن مما علمكم الله}. فالكلب معروف بشدة السعي ، وبشدة العدو ، ومن آثار اشتداده في السير وفي العدو يدرك ما يدركه من الصيد ، قد يدرك بعض الظباء ، وقد يدرك الأرنب ونحوه ، فلأجل ذلك سار من كلاب الصيد ، ومما يجوز اقتناؤه للصيد ، هذا هو وجه الاستشهاد بهذا الحديث .

هذا الحديث فيه تحريم اقتناء الكلاب التي لا ينتفع بها ، ولا يحتاج إليها ، وأن الذي يقتنيها ينقص أجره ، ينقص من أجره كل يوم قيراط ، يعني ينقص من عمله ، ينقص ثواب عباداته ، ثواب صلاته ، وثواب صدقاته ، وثواب قراءاته ، وثواب حسناته ، ينقص منه كل يوم قيراط ، والقيراط: جزء من الثواب والأجر , الله أعلم بمقدراه .
ولا شك أن هذا دليل على تحريم اقتناء الكلاب لغير حاجة ، وقد ورد في الكلاب الأمر بقتلها أولا , وذلك عندما ورد الحديث أن الملائكه لا تدخل البيت الذي فيه الكلب ، ذكروا أن جبريل وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه ، فتأخر عليه ، ولما أبطأ عنه خرج النبي صلى الله عليه وسلم من البيت فنزل عليه جبريل ، وقال: ما منعني أن أدخل البيت إلا أن فيه جرو كلب . وكان هناك جرو كلب تحت السرير لأحد أولاد فاطمة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بقتل الكلاب لما قال: إنا لا ندخل بيت فيه كلب . فصاروا يقتلونها ، ولكن بعد ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال: ((مالكم ولها .. مالكم ولهذه الكلاب ، فإنها أمة من الأمم ، تعيش على ما يرزقها ربها)) .
هذه الكلاب لا شك أنه تتوالد كما يشاء الله ، وأنها تعيش على ما يسقط من الناس ، تأكل جيفا وتأكل أنتانا ، وتأكل لحوما ، وتأكل ما تجده مما يتساقط من الناس . والله تعالى هو الذي تكفل برزقها ، وبرزق غيرها، داخلة في قوله تعالى: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم} , فلأجلِ ذلك لا يجوز قتلها مالم تكن مؤذية معتدية. إذا كانت مؤذية كالكلب العقور فقد أذن بقتله ، أذن بقتله حتى في مكة ، وحتى حالة الإحرام ...

الوجـه الثانـي
... ؛ وذلك لضرره واعتدائه بعدوه على الناس ، وشقه ثيابهم ، وعضهم وجرحهم ، وهو معنى تسميته كلبا عقورا. وأما بقية الكلاب فلا يعتدى عليها ، ولا تقتل ، ولكن لا تقتنى ، لا تقتني الكلب لغير حاجة , لماذا ؟

أولا: أنه نجس , نجس العينِ ، لو غسل ثم غسل لم يطهر ، فهو نجس العين , لا يطهر بإزالة نجاسته ، ولا تزول أبدا. ولأجل ذلك أمر بغسل الإناء الذي يلغ فيه سبعا إحداهن بالتراب ، أو الثامنة ، كما تقدم ، أمر بأن يغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب ، فذلك دليل على نجاسته .
ثانيا: أنه يمنع دخول الملائكة كما ذكرنا , لا تدخل الملائكة البيت الذي فيه كلب ؛ وذلك أو لعل ذلك لنجاسته العينية ، والملائكة إنما تدخل الأماكن النظيفة السالمة من الأقذار ، ومن النجاسات ، ومن المحرمات ونحوها .
وثالثا: أن فيه ترويع الناس ، أن الذي يقتنيه ويدخله في بيته كأنه يروع من دخل بيته ، أو من أتى إليه , فلأجل ذلك أثم بهذا الإثم .
رابعا: أنه على الأصل لا حاجة إليه ، إذا لم يكن مما فيه منفعة .
رخص في ثلاثة:
الأول كلب الصيد الذي يعدو ويصيد , يصيد من الصيد الحلال ، الذي ذكرنا أنه يعدو إليه ويطرده حتى يدركه ، قد أباح الله ذلك بقوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} . ومعروف أنه يعدو حتى يدرك الأرنب مثلا ، أو اليربوع ، وقد يدرك أيضا غيرها مما يصاد كالوبر ، أو نحوه , ثم يمسكه على صاحبه لقوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم} حتى يأتيه صاحبه ، ويستلمه ، ويذكية إن وجده حيا .
الثاني: كلب الماشية, المواشي التي هي الغنم ، لا شك أنها بحاجة إلى حراستها من السباع . ومعلوم أن أهلها في الليل قد يغلبهم النوم ، وقد تأتي السباع في حالة نومهم ، فتفترس ما تقدر عليه من أغنامهم ، فلأجل ذلك أبيح لهم أن يتخذوا الكلاب التي تحرس الدواب أغنامهم ، وتطرد عنها هذه السباع {يعلمونهن} يعلمونهن الحراسة .والكلب فيه خفة في نومه ، وكذلك الذئاب ،كما يقول بعضهم في الذئب:
ينام بإحدىمقلتيه ويتقي = بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم
فالكلب أيضا سريع الانتباه ، ينتبه بأدنى حركة ، فإذا أحس بحركة السبع وقد وصل إلى الأغنام ونحوها انتبه وطرده وعاداه ، يخدشه ويخمشه إلى أن يطرده ، وينتبه ، أوقد ينتبه لذلك الأهالي ، فيجتمعون على طرده .
وبكل حال أبيح أن يتخذ لحراسه الغنم ، وما أشبهها ؛ لأن الغنم ليس لها من القدرة على مقاومة السبع ، ما للسبع.
هذا هو الذي حفظه عبد الله بن عمر ، حفظ كلب الصيد ، وكلب الماشية . أبو هريرة رضي الله عنه كان صاحب حرث فحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أو كلب حرث)) ، ولعله سأل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك لأن الإنسان يهتم بالأشياء التي له فيها مصلحة ، فلما كان له حرث اهتم وبحث وسأل , حتى حفظ أنه استثنى أيضا كلب الحرث.فإذا كان عند الإنسان حرث ، يعني كزرع أو نحوه , يحتاج إلى ما يحرسه من الأكباش التيتعيث فيه ، والتي تفسده، فإن له أن يتخذ كلبا . والكلب إذا أحس بأن هناك أبقار أو أغنام جاءت لتأكل من هذا الزرع أو نحوه انتبه وطردها . وبعد الأذان نكمل الحديث .



[1] لعل الشيخ يقصد: أهل الكتاب .

[2] الآية هي: {إلا ما ذكيتم} .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الشيخ, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir