دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الجامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 محرم 1430هـ/25-01-2009م, 05:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب الذكر والدعاء (1/19) [بيان فضل ذكر الله تعالى]


بابُ الذِّكْرِ والدُّعَاءِ
عنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ)). أَخْرَجَهُ ابنُ مَاجَهْ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، وذَكَرَهُ البخاريُّ تَعليقًا.
وعنْ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)). أَخْرَجَهُ ابنُ أبي شَيْبَةَ والطبرانيُّ بإسنادٍ حسَنٍ.
وعنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْ بِهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)). أَخْرَجَهُ مسلمٌ.
وعنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). أَخْرَجَهُ التِّرمذيُّ وقالَ: حسَنٌ.


  #2  
قديم 29 محرم 1430هـ/25-01-2009م, 09:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بَابُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ

الذِّكْرُ: مَصْدَرُ ذَكَرَ، وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: ذِكْرُ اللَّهِ تعالى. وَالدُّعَاءُ: مَصْدَرُ دَعَا، وَهُوَ الطَّلَبُ، وَيُقالُ عَلَى الْحَثِّ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ، نَحْوُ: دَعَوْتُ فُلاناً، اسْتَعَنْتَهُ، وَيُقَالُ: دَعَوْتُ فُلاناً اسْتَغَثْتَ بِهِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّعَاءَ ذِكْرُ اللَّهِ وَزِيَادَةٌ، فَكُلُّ حَدِيثٍ فِي فَضْلِ الذِّكْرِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِدُعَائِهِ، فَقَالَ: {وَقَالَ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ قَرِيبٌ يُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي، فَقَالَ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، وَسَمَّاهُ مُخَّ الْعِبَادَةِ؛ فَفِي الْحَدِيثِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعاً: ((الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ)).
وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْضَبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَدْعُهُ؛ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً: ((مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ))، وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعاً: ((سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ)).
وَالأَحَادِيثُ فِي الْحَثِّ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ، وَالاعْتِرَافَ بِغِنَى الرَّبِّ تعالى، وَافْتِقَارِ الْعَبْدِ، وَقُدْرَتِهِ تَعَالَى، وَعَجْزِ الْعَبْدِ، وَإِحَاطَتِهِ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً.
فَالدُّعَاءُ يَزِيدُ الْعَبْدَ قُرْباً مِنْ رَبِّهِ تعالى، وَاعْتِرَافاً بِحَقِّهِ؛ وَلِذَا حَثَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الدُّعَاءِ، وَعَلَّمَ اللَّهُ عِبَادَهُ دُعَاءَهُ بِقَوْلِهِ: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} الآيَةَ، وَنَحْوَهَا.
وَأَخْبَرَنَا بِدَعَوَاتِ رُسُلِهِ وأَنْبِيائِهِمْ وَتَضَرُّعِهِمْ، فَقَالَ أَيُّوبُ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
وَقَالَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلامُ: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً}، وَقَالَ: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا}.
وَقَالَ أَبُو الْبَشَرِ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} الآيَةَ.
وَقَالَ يُوسُفُ: {رَبِّ قَدْ آتَيْتنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} الآيَةَ بتَمَامِهِ، إلَى قَوْلِهِ: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}.
وَقَالَ يُونُسُ: {لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
وَدَعَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاقِفَ لا تَنْحَصِرُ، عِنْدَ لِقَاءِ الأَعْدَاءِ وَغَيْرِهَا، وَدَعَوَاتُهُ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا مَعْرُوفَةٌ. فَالْعَجَبُ مِن الاشْتِغَالِ بِذِكْرِ الْخِلافِ بَيْنَ مَنْ قَالَ: التَّفْوِيضُ وَالتَّسْلِيمُ أَفْضَلُ مِن الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّ قَائِلَ هَذَا مَا ذَاقَ حَلاوَةَ الْمُنَاجَاةِ لِرَبِّهِ، وَلا تَضَرُّعِهِ وَاعْتِرَافِهِ بِحَاجَتِهِ وَذَنْبِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ مَرْفُوعاً: ((إِنَّهُ لا يَضِيعُ الدُّعَاءُ، بَلْ لا بُدَّ مِنْ إِحْدَى خِلالٍ ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا)). وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
وَلِلدُّعَاءِ شَرَائِطُ، وَلِقَبُولِهِ مَوَانِعُ، قَدْ أَوْدَعْنَاهَا أَوَائِلَ الْجُزْءِ الثَّانِي مِن التَّنْوِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرْنَا فَائِدَةَ الدُّعَاءِ مَعَ سَبْقِ الْقَضَاءِ.
1/1453 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي، وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ)). أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقاً.
(وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي، وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقاً).
وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)).
وَهَذِهِ مَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ تُفِيدُ عَظَمَةَ ذِكْرِهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ مَعَ ذَاكِرِهِ بِرَحْمَتِهِ وَلُطْفِهِ وَإِعَانَتِهِ وَالرِّضَا بِحَالِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: مَعْنَاهُ: أَنَا مَعَهُ بِحَسَبِ مَا قَصَدَهُ مِنْ ذِكْرِهِ لِي، ثُمَّ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ، أَوْ بِاللِّسَانِ، أَوْ بِهِمَا مَعاً، أَوْ بِامْتِثَالِ الأَمْرِ، وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ، قَالَ: وَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الأَخْبَارُ أَنَّ الذِّكْرَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَقْطُوعٌ لِصَاحِبِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْخَبَرُ.
وَالثَّانِي: عَلَى خَطَرٍ، قَالَ: وَالأَوَّلُ: مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}، وَالثَّانِي مِن الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ: ((مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْداً))، لَكِنْ إنْ كَانَ فِي حَالِ الْمَعْصِيَةِ يَذْكُرُ اللَّهَ لِخَوْفٍ وَوَجَلٍ؛ فَإِنَّهُ يُرْجَى لَهُ.
2/1454 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلاً أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)). أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
(وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلاً أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ).
الْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ فَضْلِ الذِّكْرِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْ مَخَاوِفِ عَذَابِ الآخِرَةِ، وَهُوَ أَيْضاً مِن الْمُنْجِيَاتِ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَمَخَاوِفِهَا؛ وَلِذَا يَقْرِنُ اللَّهُ تعالى الأَمْرَ بِالثَّبَاتِ لِقِتَالِ الأعْدَاءِ وَجِهَادِهِمْ بِالأَمْرِ بِذِكْرِهِ، قَالَ عَزَّ قَائِلاً كَرِيماً: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً}، وَغَيْرُهَا مِن الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ وَالأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي مَوَاقِفِ الْجِهَادِ.

3/1455 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
دَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالذَّاكِرِينَ، وعلى فَضِيلَةِ الاجْتِمَاعِ عَلَى الذِّكْرِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ: ((إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْماً يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا)) الْحَدِيثَ. وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ، تَحْضُرُهَا الْمَلائِكَةُ بَعْدَ الْتِمَاسِهِمْ لَهَا.
وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ: التَّسْبِيحُ، والتَّهْلِيلُ، والتَّكْبِيرُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَتِلاوَةُ الْقُرْآنِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ الْبَزَّارِ: ((إِنَّهُ تَعَالَى يَسْأَلُ مَلائِكَتَهُ: مَا يَصْنَعُ الْعِبَادُ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، فَيَقُولُونَ: يُعَظِّمُونَ آلاءَكَ، وَيَتْلُونَ كِتَابَكَ، وَيُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّكَ، وَيَسْأَلُونَكَ لآخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ)).
وَالذِّكْرُ حَقِيقَةٌ فِي ذِكْرِ اللِّسَانِ، وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ النَّاطِقُ، وَلا يُشْتَرَطُ اسْتِحْضَارُ مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ لا يَقْصِدَ غَيْرَهُ، فَإِن انْضَافَ إلَى الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ، فَهُوَ أَكْمَلُ، وَإِن انْضَافَ إلَيْهِمَا اسْتِحْضَارُ مَعْنَى الذِّكْرِ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَنَفْيِ النَّقَائِصِ عَنْهُ، ازْدَادَ كَمَالاً، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ مِمَّا فُرِضَ مِنْ صَلاةٍ أَوْ جِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَكَذَلِكَ، فَإِنْ صَحَّ التَّوَجُّهُ، وَأُخْلِصَ لِلَّهِ تعالى، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْكَمَالِ.
وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: الْمُرَادُ بِذِكْرِ اللِّسَانِ الأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ، وَالذِّكْرُ بِالْقَلْبِ: التَّفَكُّرُ فِي أَدِلَّةِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، وَفِي أَدِلَّةِ التَّكَالِيفِ مِن الأَمْرِ وَالنَّهْيِ، حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى أَحْكَامِهِ، وَفِي أَسْرَارِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ.
وَالذِّكْرُ بِالْجَوَارِحِ هُوَ أَنْ تَصِيرَ مُسْتَغْرَقَةً بِالطَّاعَاتِ، وَمِنْ ثَمَّةَ سَمَّى اللَّهُ تعالى الصَّلاةَ ذِكْراً فِي قَوْلِهِ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَنَّ الذِّكْرَ عَلَى سَبْعَةِ أَنْحَاءٍ؛ فَذِكْرُ الْعَيْنَيْنِ بِالْبُكَاءِ، وَذِكْرُ الأُذُنَيْنِ بِالإِصْغَاءِ، وَذِكْرُ اللِّسَانِ بِالثَّنَاءِ، وَذِكْرُ الْيَدَيْنِ بِالْعَطَاءِ، وَذِكْرُ الْبَدَنِ بِالْوَفَاءِ، وَذِكْرُ الْقَلْبِ بِالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَذِكْرُ الرُّوحِ بِالتَّسْلِيمِ وَالرِّضَاءِ.
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ جَمِيعِهَا، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعاً: ((أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟)) قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ((ذِكْرُ اللَّهِ)).
وَلا تُعَارِضُهُ أَحَادِيثُ فَضْلِ الْجِهَادِ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِن الذِّكْرِ؛ لأَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ الأَفْضَلِ مِن الْجِهَادِ ذِكْرُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَالتَّفَكُّرُ فِي الْمَعْنَى، وَاسْتِحْضَارُ عَظَمَةِ اللَّهِ تعالى، فَهَذَا أَفْضَلُ مِن الْجِهَادِ، وَالْجِهَادُ أَفْضَلُ مِن الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ فَقَطْ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّهُ مَا مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ إلاَّ وَالذِّكْرُ مُشْتَرَطٌ فِي تَصْحِيحِهِ، فَمَنْ لَمْ يَذْكُر اللَّهَ عِنْدَ صَدَقَتِهِ أَوْ صِيَامِهِ أوْ صَلاتِهِ أَوْ حَجِّهِ، فَلَيْسَ عَمَلُهُ كَامِلاً، فَصَارَ الذِّكْرُ أَفْضَلَ الأَعْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ حَدِيثُ: ((نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ)).
4/1456 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَداً، لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ.
(وَعَنْهُ)؛ أَيْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَداً، لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ).
زَادَ: ((فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ)). وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ: ((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً، لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِم تِرَةً، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَمْشِي طَرِيقاً، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً، وَمَا مِنْ رَجُلٍ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً)).
وَفِي رِوَايَةٍ: ((إِلاَّ كَانَ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ)). وَالتِّرَةُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ مَكْسُورَةٍ فَرَاءٍ بِمَعْنَى: الْحَسْرَةِ. وَقَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: هِيَ النَّقْصُ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الذِّكْرِ للَّهِ، وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لوُرُودِ الوَعِيدِ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ، سِيَّمَا مَعَ تَفْسِيرِ التِّرَةِ بِالنَّارِ أَو الْعَذَابِ؛ فَقَدْ فُسِّرَتْ بِهِمَا؛ فَإِنَّ التَّعْذِيبَ لا يَكُونُ إلاَّ لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الذِّكْرُ للَّهِ تعالى وَالصَّلاةُ عَلَى النبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعاً.
وَقَدْ عُدَّتْ مَوَاضِعُ الصَّلاةِ عَلَى النبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَتْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ مَوْضِعاً، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَعْنَى صَلاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَلائِكَتِهِ، وَمَعْنَى صَلاةِ الْمَلائِكَةِ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ لَهُ بِحُصُولِ الثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ. وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ، هَذَا أَجْوَدُهَا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الصَّلاةُ مِنْهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْرِيفٌ، وَزِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ، وَالصَّلاةُ عَلَى مَنْ دُونَ النَّبِيِّ رَحْمَةٌ، فَمَعْنَى قَوْلِنَا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ: عَظِّمْ مُحَمَّداً.

وَالْمُرَادُ بِالتَّعْظِيمِ: إعْلاءُ ذِكْرِهِ، وَإِظْهَارُ دِينِهِ، وَإِبْقَاءُ شَرِيعَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ بِإِحْرَازِ مَثُوبَتِهِ، وَتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ، وَالشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى لِلْخَلائِقِ أَجْمَعِينَ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ. وَمُشَارَكَةُ الآلِ وَالأَزْوَاجِ بِالْعَطْفِ يُرَادُ بِهِ فِي حَقِّهِم التَّعْظِيمُ اللاَّئِقُ بِهِمْ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ اخْتِصَاصِ الصَّلاةِ بِالأَنْبِيَاءِ اسْتِقْلالاً دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَيَتَأَيَّدُ هَذَا بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ: ((إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَصَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي))، فَجَعَلَ الْعِلَّةَ الْبَعْثَةَ، فَتَكُونُ مُخْتَصَّةً بِمَنْ بُعِثَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَعْلَمُ الصَّلاةَ تَنْبَغِي لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، إِلاَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحُكِيَ الْقَوْلُ بهِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: مَا تَعَبَّدْنَا بِهِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْجَوَازِ، قَالَ: وَأَنَا أَمِيلُ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِن الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ.
قَالُوا: يُذْكَرُ غَيْرُ الأَنْبِيَاءِ بِالتَّرَضِّي، لا بالصَّلاةِ وَالْغُفْرَانِ، وَالصَّلاةُ عَلَى غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ، يَعْنِي اسْتِقْلالاً، لَمْ تَكُنْ مِن الأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ فِي دَوْلَةِ بَنِي هَاشِمٍ؛ يَعْنِي الْعُبَيْدِيِّينَ.
وَأَمَّا الْمَلائِكَةُ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ والتَّحِيَّةُ والإِكْرَامُ، فَلا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثاً، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُمْ رُسُلاً.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لا تَجُوزُ اسْتِقْلالاً، وَتَجُوزُ تَبَعاً فِيمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ؛ كَالآلِ وَالأَزْوَاجِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي النَّصِّ غَيْرَهُمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ خَاصًّا، وَلا يُقَاسُ عَلَيْهِم الصَّحَابَةُ وَلا غَيْرُهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُدْعَى لِلصَّحَابَةِ وَنَحْوِهِمْ بِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تعالى مِنْ أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ، وَبِالْمَغْفِرَةِ كَمَا أَمَرَ بِها رَسُولَهُ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.
وَأَمَّا الصَّلاةُ عَلَيْهِم اسْتِقْلالاً فَلَمْ تَرِدْ. وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلافٌ مَعْرُوفٌ، فَقَالَ بِجَوَازِهِ الْبُخَارِيُّ، وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، كما أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ.
وَوَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى. فَمَنْ قَالَ: بِجَوَازِهَا اسْتِقْلالاً عَلَى سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَهَذَا دَلِيلُهُ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}. وَمَنْ مَنَعَ قَالَ: هَذَا وَرَدَ مِن اللَّهِ، وَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَرِد الإِذْنُ لَنَا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمَلائِكَةِ وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الإِجْمَالِ، وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ لِشَخْصٍ مُفْرَدٍ، بِحَيْثُ يَصِيرُ شِعَاراً، لا سِيَّمَا إذَا تُرِكَ فِي حَقِّ مِثْلِهِ أو أَفْضَلَ مِنْهُ، كَمَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ، فَلَو اتَّفَقَ وُقُوعُ ذَلِكَ مُفْرَداً فِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتَّخَذَ شِعَاراً، لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَأْسٌ.
اخْتَلَفُوا أَيْضاً فِي السَّلامِ عَلَى غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ بَعْدَ الاتِّفَاقِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي تَحِيَّةِ الْحَيِّ، فَقِيلَ: يُشْرَعُ مُطْلَقاً، وَقِيلَ: تَبَعاً وَلا يُفْرَدُ بِوَاحِدٍ؛ لِكَوْنِهِ صَارَ شِعَاراً لِلرَّافِضَةِ، وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَن الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ.
قُلْتُ: هَذَا التَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ صَارَ شِعَاراً، لا يَنْهَضُ عَلَى الْمَنْعِ. وَالسَّلامُ عَلَى الْمَوْتَى قَدْ شَرَعَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ))، وَكَانَ ثَابِتاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
عَلَيْكَ سَلامُ اللَّهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ = وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا
فَمَا كَانَ قَيْسٌ مَوْتُهُ مَوْتَ وَاحِدٍ = وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا

  #3  
قديم 29 محرم 1430هـ/25-01-2009م, 09:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


باب الذكر
مقدمة

قال أبو حامد الغزالي: ليس بعد تلاوة كتاب الله عز وجل عبادة تؤدي باللسان أفضل من ذكر الله تعالى, ويدل على فضل الذكر: قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِيأَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله عز وجل: أنا مع عبدي ما ذكرني, وتحركت شفتاه بي)) رواه أحمد (10585) وإسناده صحيح.
وقال ابن القيم في (مدارج السالكين): ومن منازل {إياك نعبد وإياك نستعين}: منزلة الذكر, وهي منزلة القوم, والذكر عبودية القلب واللسان, وهي غير مؤقتة, بل هم يأمرون بذكر معبودهم, ومحبوبهم, في كل حال.
والذكر جلاء القلوب وصقالها, وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده, ما لم يغفله العبد بغفلته, وهو روح الأعمال, فإذا خمل العبد عن الذكر, كان كالجسد الذي لا روح فيه.
والذكر ثلاثة أنواع:
ذكر يتواطأ عليه القلب واللسان وهو أعلاه, وذكر بالقلب وحده وهو بالدرجة الثانية, وذكر باللسان المجرد وهو بالدرجة الثالثة.
وأنواع الذكر ثلاثة ثناء, ودعاء, ورعاية, والأذكار النبوية تجمع الأنواع الثلاثة؛ فإنها متضمنة للثناء على الله, والتعرض للدعاء, ومتضمنة لكمال الرعاية, ومصلحة القلب, وفيها تعليم القلب مناجاة الرب؛ تعلقا, وتضرعا, واستعطافا, وغير ذلك من أنواع المناجاة.
1344-عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا مع عبدي ما ذكرني, وتحركت بي شفتاه)) أخرجه ابن ماجه, وصححه ابن حبان, وذكره البخاري تعليقا.
*درجة الحديث:
صحيح الإسناد.
صححه ابن حبان, وذكره البخاري تعليقا؛ كما قال المؤلف.
قال البوصيري في (زوائد ابن ماجه): في إسناده محمد بن مصعب القرقساني, قال فيه صالح بن محمد: ضعيف, لكن رواه ابن حبان في صحيحه من طريق أيوب بن سويد, وهو ضعيف, وذكره المنذري في (الترغيب), وسكت عنه.
والحديث هو معنى الحديث الذي في البخاري (7405) ومسلم (2675) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا عند ظن عبدي بي, وأنا معه إذا ذكرني, فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفس, وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)) وله شاهد قال الحافظ العراقي أخرجه الحاكم (1/673) من حديث أبي الدرداء وقال: صحيح الإسناد.
* * * *
1345-وعن معاذ بن جبل-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما عمل ابن ادم عملا أنجى له من عذاب الله, من ذكر الله)) أخرجه ابن أبي شيبة, والطبراني بإسناد حسن.
*درجة الحديث:
الحديث حسن.
قال الحافظ العراقي: أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف), والطبراني من حديث معاذ, بإسناد حسن.
وكذلك حسنه المصنف هنا.
وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
*مفردات الحديث:
-أنجى: نجا من كذا ينجو نجاء ونجاة: خلص, والمراد هنا: أن ذكر الله تعالى منج ومخلص من عذابه.
* * * * *
1346-وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله فيه, إلا حفتهم الملائكة, وغشيتهم الرحمة, وذكرهم الله فيمن عنده)) أخرجه مسلم.
*مفردات الحديث:
-حفتهم الملائكة: يقال: حف القوم بالبيت: طافوا به, والمراد: أحدقت بهم الملائكة, واستدارت عليهم.
-غشيتهم الرحمة: من التغشي بالثوب, ومعناه: غطتهم, وجللتهم الرحمة وسترتهم.
* * * * *
1347-وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا الله فيه, ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم, إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة)) أخرجه الترمذي, وقال: حسن.
*درجة الحديث:
الحديث حسن.
صححه الحاكم, ووافقه الذهبي.
وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه الترمذي, وقال: حسن.
وقال الحافظ العراقي: أخرجه الترمذي, وحسنه من حديث أبي هريرة.
وللحديث طريقان عن أبي هريرة عند أحمد, وابن حبان, ورجالهما رجال صحيح.
*مفردات الحديث:
-حسرة: يقال: حسر عليه: تلهف وأسف, فالحسرة هي: شدة التلهف, والتأسف, والحزن على ما فرط فيه.
*ما يؤخذ من الأحاديث:
1-هذه الأحاديث الشريفة كلها في بيان فضل ذكر الله تعالى:
فإن الحديث رقم (1344) يدل على إن الله تعالى مع عبده بالعون والتسديد والتوفيق, ما دام عبده يذكره في قلبه, ويعلم قربه منه, ومراقبته إياه, واستماعه لذكره, وقربه من مناجاته, وما دامت شفتاه تنطقان بذكره, وترفان بتمجيده.
2-وأما الحديث رقم (1345) فإنه يدل على أن أنجى عمل ينجي العبد من عذاب الله هو ذكر الله تعالى؛ فانه وقاية تامة, وحصن حصين من العذاب يوم القيامة, فملازمة ذكر الله تعالى أمان من عذاب الله, وحرز من غضبه ونقمته.
3-وأما الحديث رقم (1346) فيدل على فضل مجالس الذكر, وإنها المجالس التي تحفها الملائكة وتحضرها, رضا بها, ومحبة لأهلها, وليخبروا ربهم عنها, وهو أعلم بها منهم, ويذكرهم الله تعالى فيمن عنده في الملأ الأعلى, فيباهي بهم ملائكته, ويشهدهم على أنه غفر لعباده, وأعطاهم سؤالهم من مرضاته, وأنجاهم مما حذروا منه من عذابه, وأعطاهم ما أملوه من جنته.
4- وأما الحديث رقم (1347) فإنه يدل على ندامة وخسارة القوم الذي يقعدون مقعدا, ثم يقومون منه, ولم يجر على قلوبهم ولا على ألسنتهم ذكر الله تعالى, ولا ذكر رسوله والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذه المجالس الخالية من ذكر الله, والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, ستكون عليهم حسرة يوم القيامة؛ لأنهم خسروه, ولم يستفيدوا منه.
هذا إن كان مجلسا مباحا لم تجر فيه غيبة, ولا سب ولا شتم, ولم يؤت فيه بألفاظ محرمة.
وأما إن كان مجلس شر ولهو, فهي الطامة الكبرى على أهله.
5-معية الله تعالى مع خلقه نوعان: عامة وخاصة:
فأما المعية العامة: فهي التي بمعنى الإحاطة, والاطلاع, والمراقبة, والعلم, وهذه هي المعية التي مع جميع خلقه.
وأما المعية الخاصة: فهي التي بمعنى النصر, والحفظ, والإعانة؛ وهذه معية خاصة بعباده المؤمنين.
6-ومذهب أهل السنة والجماعة: أن معية الله تعالى لا تقتضي أن يكون الله تعالى حالاً في أمكنة من هو معهم، ولا أنه مختلط بهم؛ فهذا معنى باطل يذهب إليه الحلولية.
فأهل السنة يرون أنه تعالى: عال على عرشه، بائن من خلقه، له العلو الكامل: علو الذات، وعلو الصفة، وعلو القدر، ولا تكاد تحصر أدلة هذه المسألة.
7- أن أفضل الذكر هو ما نطق به اللسان، واستحضره القلب، وإلا فيكون ذكر في القلب فقط, أو في اللسان فقط, ولكن هذا هو أفضلها.
8-إن ذكر الله تعالى من أقوى الأسباب في النجاة من عذاب الله.
9-يدل الحديث (1345) على أن أفعال العباد من الطاعات والمعاصي وغيرها, إنها كلها واقعة بإرادتهم وقدراتهم, وإنهم لم يجبروا عليها, بل هم الذين فعلوها بما خلق الله لهم من القدرة, والإرادة, والاعضاء.
وأن الأمور كلها واقعة بقضاء الله وقدره, فلا يخرج شيء عن مشيئته, وإرادته, فما شاء الله كان, وما لم يشأ الله كان, وما لم يشأ لم يكن.
وأنه لا منافاة بين الأمرين, فالحوادث كلها بمشيئة الله وإرادته, والعباد هم القائمون بأفعالهم المختارون لها.
10- ويدل الحديث رقم (1346) على أن ملائكة يطوفون في الأرض لسماع القرآن، وحضور مجالس الذكر، وإعلام ربهم عن ذلك لحكمته، وإلا فهو أعلم منهم بخلقه، وأنهم يحفون مجالس الخير، وحلق العلم، وبيوت الله تعالى.
11- ويدل الحديث علي فرح الله تعالى بطاعة خلقه له، وعبادتهم إياه، مع غناه عنهم وعن عباداتهم، ولكنه يرضي ذلك لعباده؛ لكمال فضله ورحمته بعباده, وتحقيق حكمته من خلق عباده.
12-ويدل الحديث رقم: (1347) على فضل ذكر الله تعالى, وفضل الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم, وأن المجلس الذي يفقد ذلك, فهو مجلس مشؤوم على أهله, وبال عليهم.
13-ويدل على حفظ الوقت والحرص عليه, وعدم إضاعته فيما لا ينفع ولا يفي, وأن الواجب هو المحافظة عليه، و أن لا يمر إلا بحصول فائدة وإيداعها فيه، وأن أفضل ما تنفق فيه الأوقات، ويصرف فيه هو ذكر الله تعالى وأن من ذكر الله: مجالس العلم، وتعلم أحكام الله تعالى من أصول الدين وفروعه.

فوائد ذكر الله تعالى

هذه الفوائد ملخصة من كتاب (الوابل الصيب) لابن القيم، رحمه الله تعالى:
1- أنه يطرد الشيطان، ويقمعه، ويكسره.
2- أنه يرضي الرحمن، عز وجل.
3- أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
4- أنه يجلب للقلب الفرح، والسرور، والنشاط، والحبور.
5- أنه يقوي القلب والبدن.
6- أنه ينور القلب والوجه.
7- أنه يجلب الرزق.
8- أنه يكسو الذاكر الجلالة، والمهابة، والنضرة.
9- أنه يورث المحبة التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة؛ فقد جعل الله لكل شيء سبباً، وجعل سبب المحبة دوام الذكر؛ فمن أراد أن ينال محبة الله، فليلهج بذكره.
10- أنه يورث الإنابة، وهي الرجوع إلى الله، فمن أكثر الرجوع إلى الله بذكره، أورثه ذلك رجوعه بقلبه في كل أحواله، فيبقى الله عز وجل مفزعه، وملجأه، وملاذه، ومهربه عند النوازل والبلايا.
11- أنه يورث القرب من الله تعالى، فعلى قدر ذكره لله يكون قربه منه، وعلى قدر غفلته يكون بعده عنه.
12- أنه يفتح له باباً من أبواب المعرفة، وكلما أكثر من الذكر، ازداد من المعرفة.
13- أنه يورث ذكر الله لعبده؛ كما قال تعالى: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: 152].
ولو لم يكن الذكر إلا هذه وحدها، لكفى به شرفاً وفضلاً.
14- أنه يحط الخطايا ويذهبها؛ فإنه من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات.
15- أنه يزيل الوحشة التي بين العبد وربه، وهي لا تزول إلا بالذكر.
16- أنه منجاة من عذاب الله، وأنه سبب نزول السكينة وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذكر.
17- أنه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل، وسائر معاصي اللسان؛ فمن عود لسانه ذكر الله، صان لسانه عن الباطل واللغو، ومن يبس لسانه عن ذكر الله، ترطب بكل لغو وباطل وفحش، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي حديث أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل كلام ابن آدم عليه إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله)) رواه الترمذي (2412) وابن ماجه (3974) وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
18- أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها، وأفضلها، وأكرمها على الله؛ فإن حركة اللسان أخف حركات الجوارح، ولو تحرك عضو من أعضاء الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة اللسان، لشق عليه غاية المشقة، بل لا يمكنه ذلك.
19- أنه غراس الجنة؛ ففي حديث ابن مسعود يرفعه: ((إن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وإنها قيعان، وإن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) رواه الترمذي (3462) وقال: حديث حسن غريب.
وعند الترمذي (3464) من حديث جابر مرفوعاً: ((من قال: سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة)) وقال: حديث صحيح.
20- أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غره من الأعمال؛ كما دلت على ذلك أحاديث فضل التسبيح، والتحميد، والتهليل، وغيرها.
21- أن دوام ذكر الرب يوجب الأمان من نسيانه الذي هو شقاء العبد في معاشه ومعاده؛ قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون} [الحشر:19]، فلو لمن يكن في فوائد الذكر وإدامته إلا هذه الفائدة، لكفى بها.
قال في (الكلم الطيب): سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، يعني: ذكر الله وامتلاء القلب بمحبته، والفرح والسرور به.
ففيه: ثواب عاجل، وجنة حاضرة، وعيشة مرضية، لا نسبة لعيش الملوك إليها ألبته، وفي النسيان والإعراض عنه: هموم، وغموم، وأحزان، وضيق، وعقوبات عاجلة، ونار دنيوية، وجهنم حاضرة، أعاذنا الله منها.
22- أن الإتيان بالذكر عمل يسير يأتي به العبد، وهو قاعد على فراشه، وفي سوقه، وفي حال صحته وسقمه، وفي حال نعيمه، ولذته، ومعاشه، وقيامه،؛ وقعوده، واضطجاعه، وسفره، وإقامته، فليس في الأعمال شيء يعم الأوقات والأحوال مثله؛ حتى إنه يسير على العبد، وهو نائم على فراشه، فيسبق القائم مع الغفلة؛ وذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء.
23- أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس لهم في مجالس الدنيا مجلس إلا هذا المجلس؛ وفيه حديث أبي هريرة في البخاري (6408) ومسلم (2689) وفيه: ((هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)).
ومجالس الغفلة مجالس الشيطان، وكل يضاف إلى شكله وأشباهه.
24- أن الله عز وجل يباهي ملائكته بالذاكرين؛ كما في حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم، وهذه المباهاة دليل على شرف الذكر عنده، ومحبته له، وأن له مزية على غيره من الأعمال.
25- أن جميع الأعمال إنما شرعت لإقامة ذكر الله؛ فالمقصود بها تحصيل ذكر الله؛ قال تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} [طه:14]، والأظهر: أنها لام التعليل، أي: لأجل ذكري.
26- أن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء أكانت بدنية، أو مالية، أو بدنية مالية؛ كحج التطوع، وقد جاء ذلك صريحاً في حديث أبي هريرة وفيه: ((ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى)) رواه البخاري (843) ومسلم (595)؛ فجعل الذكر فيه عوضاً لهم عما فاتهم من الحج، والعمرة، والجهاد، والصدقة، أنهم يسبقون بهذا الذكر.
27- أن الذكر يسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق، فقلما ذكر الله على صعب إلا هان، ولا عسير إلا تيسر، ولا مشقة إلا خفت، ولا شر إلا زال، ولا كربة إلا انفرجت، فذكر الله هو الفرج بعد الشدة، واليسر بعد العسر، والفرج بعد الهم أو الغم.
28- أن الذكر يذهب عن القلب مخاوفه، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي اشتد خوفه أنفع من ذكر الله، حتى كأن المخلوق يجدها أمانا له, والغافل خائف مع أمنه, حتى كأن ما هو فيه من الأمن كله مخاوف، ومن له أدنى حس شعر بهذا؛ فقد جرب هذا.
29- أن الذكر يعطي الذاكر قوة؛ حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه.
قال ابن القيم: وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية –قدس الله روحه- أمراً عجيباً؛ فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيماً، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وعلياً التسبيح، والتكبير، والتحميد، كل واحد منها ثلاثاً وثلاثين، لما شكت إليه ما تلقى من الطحن، والسقي، والخدمة، وقال: ((إن خير لكما من خادم)).
30- أن في دوام الذكر في الطريق، والبيت، والحضر، والسفر، والبقاع، تكثير الشهود للعبد يوم القيامة؛ قال تعالى: {يومئذ تحدث أخبارها} [الزلزلة:4]، وفي حديث أبي هريرة يرفعه: ((أخبارها: أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا)) أخرجه الترمذي (2429) وقال: الحديث حسن صحيح.
إلى غير ذلك من الفوائد.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الذكر, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir