دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع (المجموعة الثانية)

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 6 ذو الحجة 1441هـ/26-07-2020م, 02:16 AM
آسية أحمد آسية أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 420
افتراضي

1: استخلص عناصر الباب الأول: كيفية نزول القرآن وتلاوته وذكر حفاظه في ذلك الأوان.
بدء نزول القرآن:
1- نزول القرآن في شهر رمضان:
-قال الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}
-وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}
-وقال جلت قدرته: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}
فليلة القدر هي الليلة المباركة وهي في شهر رمضان جمعا بين هؤلاء الآيات؛ إذ لا منافاة بينها.

-الأدلة على أن الليلة التي أنزل فيها القرآن (القدر) في شهر رمضان، والرد على من قال أنها في ليلة النصف من شعبان:
دلت الأحاديث الصحيحة على أن ليلة القدر في شهر رمضان، من ذلك:
-أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتماسها في العشر الأخير منه،
-ولا ليلة أبرك من ليلة، هي خير من ألف شهر. فتعين حمل قوله سبحانه: {في ليلة مباركة}؛ على ليلة القدر.
-وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}، فهو موافق لمعنى تسميتها بليلة القدر؛ لأن معناه التقدير،

وقيل:
أن الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان
وأن قوله تعالى: {أنزل فيه القرآن} معناه: أنزل في شأنه وفضل صيامه وبيان أحكامه،
وأن ليلة القدر توجد في جميع السنة لا تختص بشهر رمضان، بل هي منتقلة في الشهور على ممر السنين، واتفق أن وافقت زمن إنزال القرآن ليلة النصف من شعبان.
ولكن هذا القول باطل لأن:
1-الأحاديث الصحيحة الواردة في بيان ليلة القدر. وصفاتها وأحكامها تبين أنها في رمضان.
2-ويدل على ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما، سأله عطية بن الأسود فقال: إنه قد وقع في قلبي الشك في قول الله عز وجل: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، وقوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}، وقد أنزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة... يعني وغير ذلك من الأشهر، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام.
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من شهر رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان)

المقصود بالإنزال الخاص في ليلة القدر:
وفي المقصود بالإنزال الخاص المضاف إلى ليلة القدر أقوال:
أحدها: أنه ابتدئ إنزاله فيها، وهو قول الشعبي.
والثاني: أنه أنزل فيها جملة واحدة، وهو قول ابن عباس وابن جبير، وقال به البيهقي.
قال عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، وقرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}.
وقال ابن جبير: نزل القرآن كله من السماء العليا إلى السماء السفلى ثم فصل في السماء السفلى في السنين التي نزل فيها.
-وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم، وكان الله عز وجل ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض، قال الله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا}،
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين، قال: وتلا الآية: {فلا أقسم بمواقع النجوم}، قال: نزل متفرقا.
والثالث: أنه أنزل في عشرين ليلة من عشرين سنة، وهو قول مقاتل
قال مقاتل: أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا، فكان ينزل ليلة القدر من الوحي على قدر ما ينزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة كلها إلى مثلها من العام القابل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر، ونزل به جبريل على محمد عليهما الصلاة والسلام في عشرين سنة.

القول الرابع: نزل عرضه وإحكامه في رمضان من كل سنة.
عن داود بن أبي هند قال: قلت للشعبي: قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، أما نزل عليه القرآن في سائر السنة إلا في شهر رمضان؟ قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض محمدا عليهما السلام بما ينزل عليه في سائر السنة في شهر رمضان.
عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن القرآن كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كل عام مرة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين، قال ابن سيرين: فيرون أو يرجون أن تكون قراءتنا هذه أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة.
عن عبيدة السلماني قال: القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه هي القراءة التي يقرأها الناس اليوم.

والقول الثاني هو الأرجح لورود الآثار عن ابن عباس أنه نزل جملة إلى سماء الدنيا،
- و عن ابن عباس قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم ويرتله ترتيلا
و عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} قال: رفع إلى جبريل في ليلة القدر جملة فرفع في بيت العزة ثم جعل ينزل تنزيلا.
وعن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم نجوما عشرين سنة، فذلك قوله عز وجل: {فلا أقسم بمواقع النجوم}.
ويمكن الجمع بين الأقوال فيقال : الجمع بين الأقوال:
، ويجوز أن يكون قوله: {أنزل فيه القرآن} إشارة إلى كل ذلك، فأول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، وذلك بحراء عند ابتداء نبوته وكونه أنزل جملة إلى السماء الدنيا وأول نزوله إلى الأرض وعرضه وإحكامه في شهر رمضان، فقويت ملابسة شهر رمضان للقرآن، إنزالا جملة وتفصيلا وعرضا وإحكاما، فلم يكن شيء من الأزمان تحقق له من الظرفية للقرآن ما تحقق لشهر رمضان، فلمجموع هذه المعاني قيل: {أنزل فيه القرآن}.

نزول القرآن جملة الى بيت يقال له بيت العزة في السماء الدنيا:
- نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت، يقال له بيت العزة، فحفظه جبريل عليه السلام، وغشي على أهل السماوات من هيبة كلام الله، فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا: {ماذا قال ربكم قالوا الحق}، يعني القرآن، وهو معنى قوله: {حتى إذا فزع عن قلوبهم}، فأتى به جبريل إلى بيت العزة، فأملاه جبريل على السفرة الكتبة، يعني الملائكة، وهو قوله تعالى: {بأيدي سفرة * كرام بررة}.

الحكمة من إنزاله أولاً جملة الى السماء الدنيا:
لأن فيه تفخيم لأمره وأمر من أنزل عليه، وذلك
-بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب، المنزل على خاتم الرسل لأشرف الأمم، قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لم نهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله تعالى باين بينه وبينها فجمع له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقا.
وهذا من جملة ما شرف به نبينا صلى الله عليه وسلم، كما شرف بحيازة درجتي الغني الشاكر والفقير الصابر، فأوتي مفاتيح خزائن الأرض، فردها واختار الفقر والإيثار بما فتح الله عليه من البلاد، فكان غنيا شاكرا وفقيرا صابرا صلى الله عليه وسلم.
هل نزل جملة الى السماء الدنيا قبل النبوة أم بعدها؟:
الظاهر أنه قبلها، وكلاهما محتمل،
فإن كان بعدها، فالأمر على ما ذكرناه من التفخيم له ولمن أنزل عليه،
وإن كان قبلها، ففائدته أظهر وأكثر؛ لأن :
فيه إعلام الملائكة بقرب ظهور أمة أحمد المرحومة الموصوفة في الكتب السالفة، وإرسال نبيهم خاتم الأنبياء
كما أعلم الله سبحانه وتعالى الملائكة قبل خلق آدم بأنه جاعل في الأرض خليفة، وكما أعلمهم أيضا قبل إكمال خلق آدم عليه السلام بأنه يخرج من ذريته محمد وهو سيد ولده،
وعلى ذلك حملنا قوله صلى الله عليه وسلم: ((كنت نبيا وآدم بين الماء والطين))،
وكان العلم بذلك حاصلا عند الملائكة،
ألا ترى أن في حديث الإسرى، لما كان جبريل يستفتح له السماوات سماء سماء؟ كان يقال له: من هذا؟ فيقول: جبريل، يقال: من معك؟ فيقول: محمد، فيقال: وقد بعث إليه؟ فيقول: نعم.
وقيل:
- أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا تسليما منه للأمة ما كان أبرز لهم من الحظ بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت رحمة، فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا، ووضعت النبوة في قلب محمد صلى الله عليه وسلم وجاء جبريل عليه السلام بالرسالة ثم الوحي، كأنه أراد تبارك وتعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من الله تعالى إلى الأمة، ثم أجرى من السماء الدنيا الآية بعد الآية عند نزول النوائب، قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقال عز وجل: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}، وهو قول :
- وقيل: في ذلك تكريم بني آدم، وتعظيم شأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله عز وجل بهم ورحمته لهم، ولهذا المعنى أمر سبعين ألفا من الملائكة لما أنزل سورة الأنعام أن تزفها، وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل عليه السلام بإملائه على السفرة الكرام البررة عليهم السلام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له.

هل قوله تعالى "{إنا أنزلناه في ليلة القدر}" من جملة القرآن الذي نزل جملة؟
هل من جملة القرآن الذي نزل جملة، أم لا؟ فإن لم يكن منه فما نزل جملة، وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة؟
له وجهان:
أحدهما أن يكون معنى الكلام: إنا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به، وقدرناه في الأزل، وأردناه، وشئناه، وما أشبه ذلك.
والثاني أن لفظه لفظ الماضي، ومعناه الاستقبال، وله نظائر في القرآن وغيره، أي ننزله جملة في ليلة مباركة، هي ليلة القدر،
واختير لفظ الماضي لأمرين:
أحدهما تحققه وكونه أمرا لا بد منه.
والثاني أنه حال اتصاله بالمنزل عليه، يكون الماضي في معناه محققا؛ لأن نزوله منجما كان بعد نزوله جملة واحدة،

نزول القرآن منجماً:
نزل القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم حسب الوقائع والأحداث مفرقاً وذلك خلال عشرين سنة، قال تعالى: ( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث قال قتادة: كان بين أوله وآخره عشرون سنة، ولهذا قال: {لتقرأه على الناس على مكث}.
فرقناه أي أنزلناه مفرقا، {على مكث} على تؤدة وترسل {ونزلناه تنزيلا}: أي نجما بعد نجم، وقيل: جعلناه منازل ومراتب ينزل شيئا بعد شيء ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا.
وقال ابن عباس: (إنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام.)
و رسلاً أي رفقًا، وقوله على مواقع النجوم، أي على مثل مواقع النجوم، ومواقعها مساقطها، يريد أنزل مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق، فقوله على مواقع النجوم في موضع نصب على الحال، ورسلا أي ذا رسل يريد مفرقا رافقا.
الحكمة من إنزاله منجماً
تولى الله سبحانه الجواب عن هذا فقال في كتابه العزيز: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة}، يعنون كما أنزل على من كان قبله من الرسل، فأجابهم الله تعالى بقوله: {كذلك} أي أنزلناه كذلك مفرقا {لنثبت به فؤادك} أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك عليه وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة نزول جبريل عليه السلام عليه فيه على ما سنذكره.
وقيل: معنى {لنثبت به فؤادك}، أي لتحفظه فيكون فؤادك ثابتا به غير مضطرب، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أميا لا يكتب ولا يقرأ، ففرق عليه القرآن ليتيسر عليه حفظه، ولو نزل جملة لتعذر عليه حفظه في وقت واحد على ما أجرى الله تعالى به عوائد خلقه، والتوراة نزلت على موسى عليه السلام مكتوبة وكان كاتبا قارئا، وكذا كان غيره، والله أعلم.
فإن قلت: كان في القدرة إذا أنزله جملة أن يسهل عليه حفظه دفعة واحدة.
قلت: ما كل ممكن في القدرة بلازم وقوعه، فقد كان في قدرته تعالى أن يعلمه الكتابة والقراءة في لحظة واحدة، وأن يلهمهم الإيمان به، ولكنه لم يفعل، ولا معترض عليه في حكم. {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى}، {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد}.
-وأيضا في القرآن ما هو جواب عن أمور سألوه عنها، فهو سبب من أسباب تفريق النزول،
- ولأن بعضه منسوخ وبعضه ناسخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا.

مدة نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم:
وكان بين نزول أول القرآن وآخره عشرون أو ثلاث وعشرون أو خمس وعشرون سنة، وهو مبني على الخلاف في مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة، فقيل: عشر، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: خمس عشرة، ولم يختلف في مدة إقامته بالمدينة أنها عشر، والله أعلم.

أكثر ما كان الوحي قبل وفاته صلى الله عليه وسلم:
وعن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك أن: (الله تعالى تابع الوحي على رسوله قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي)،ولمسلم: (إن الله عز وجل تابع الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته حتى توفي)، وأكثر ما كان الوحي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: يعني عام وفاته أو حين وفاته، يريد أيام مرضه كلها، كما يقال: يوم الجمل ويوم صفين، وكانت أياما، والله أعلم.

حفظ القرآن:
الله تكفل لنبيه حفظ القرآن وبيانه:
وكان الله تعالى قد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم حفظ القرآن وبيانه، وضمن له عدم نسيانه
بقوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه}، أي علينا أن نجمعه في صدرك فتقرؤه فلا ينفلت عنك منه شيء،
-وقال تعالى: {سنقرئك فلا تنسى}، أي غير ناس له.
-وفي الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه، فكان ذلك يعرف منه، فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} أخذه {إن علينا جمعه وقرآنه}، إن علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرؤه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، قال: أنزلناه فاستمع له {ثم إن علينا بيانه} أن نبينه بلسانك، فكان إذا أتاه جبريل عليه السلام أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله تعالى).
وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فأنزل الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه}، قال: جمعه في صدرك ثم تقرؤه {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، قال: فاستمع وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه.
أول ما نزل وآخر ما نزل:
أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن أول سورة: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، نزل ذلك عليه بحراء عند ابتداء نبوته ثم نزل {يا أيها المدثر} ثم صار ينزل منه شيء فشيء بحسب الوقائع والنوازل مكيا، ومدنيا حضرا وسفرا، وآخر ما نزل من الآيات: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية، وقيل: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} إلى آخرها،
وقيل: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين، وقيل آيات الربا، وهو الموافق للقول الأول؛ لأن {واتقوا يوما} هي آخرهن، ونزل يوم عرفة في حجة الوداع: {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية.
قال: قال ابن عباس: آخر آية أنزلت من القرآن: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}، قال: زعموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكث بعدها تسع ليال، وبدئ به يوم السبت ومات يوم الاثنين.
وعن ابن شهاب قال: آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين.
قلت: يعني من آيات الأحكام، والله أعلم.

كتابة القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين التنزيل:
عن البراء بن عازب قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين ... والمجاهدون في سبيل الله}، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ادع لي زيدا، وليجئ باللوح والدواة والكتف)) -أو الكتف والدواة- ثم قال: ((اكتب: {لا يستوي القاعدون ...} )
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كلما نزل من القرآن شيء أمر بكتابته ويقول في مفرقات الآيات: ((ضعوا هذه في سورة كذا)
عن عثمان -رضي الله عنهم- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء منه دعا بعض من كان يكتب فيقول: ((ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا))، وإذا نزلت عليه الآية يقول: ((ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا)
فصل السورة :
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه "بسم الله الرحمن الرحيم". وفي رواية: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل {بسم الله الرحمن الرحيم}، فإذا نزلت علموا أن السورة قد انقضت.
عرض القرآن على جبريل:
كان يعرض جبريل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كل عام مرة، وعرض عليه عام وفاته مرتين.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل عليه السلام كان يلقاه كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة
وعرض عليه في العام الذي توفي فيه مرتين:
عن فاطمة -رضي الله عنها-: أسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (أن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة، وأنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي).
وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض)).

كتبة الوحي والحفاظ من الصحابة:
وحفظه في حياته جماعة من أصحابه، وكل قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة، أقلهم بالغون حد التواتر، ورخص لهم قراءته على سبعة أحرف توسعة عليهم.
سأل أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد. وفي رواية: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه)، وفي رواية: أحد عمومتي.
ما نسخ من القرآن:
ما نسخ من القرآن فعلى ثلاثة أضرب:
- منه ما نسخت تلاوته وبقي حكمه.
- ومنه ما نسخت تلاوته وحكمه، وزانك كآيتي الرجم والرضاع.
ففي صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: ((إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها)).
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: ((كان مما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن)). ثم نسخن بـ"خمس معلومات يحرمن"، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن.
قال الحافظ البيهقي: فالعشر مما نسخ رسمه وحكمه، والخمس مما نسخ رسمه بدليل أن الصحابة حين جمعوا القرآن لم يثبتوها رسما، وحكمها باق عندنا.
قال: وقولها "... وهن مما يقرأ من القرآن"، يعني عند من لم يبلغه نسخ تلاوته قرآنا.
الضرب الثالث: ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته كآية عدة الوفاة
جمع القرآن:
جمع القرآن لم يكن مرة واحدة، فقد جمع بعضه بحضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم جمع بعضه بحضرة أبي بكر الصديق، والجمع الثالث -وهو ترتيب السور- كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان، رضي الله عنهم أجمعين.

ترتيب الآيات والسور:
ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله سبحانه ورتبه عليه رسوله من آي السور، لم يقدم من ذلك مؤخر، ولا أخر منه مقدم، والأمة ضبطت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترتيب آي كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها، كما ضبطت عنه نفس القرآن وذات التلاوة، وأنه قد يمكن أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد رتب سوره على ما انطوى عليه مصحف عثمان، كما رتب آيات سوره، ويمكن أن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده، ولم يتول ذلك بنفسه صلى الله عليه وسلم

[COLOR="Red"]حرّر القول في المراد بالأحرف السبعة.
[/COLOR]الأول:
-أي سبع لغات من لغات العرب، و هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه نزل بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحدة، وهو قول أبو عبيد القاسم بن سلام، و سهل بن محمد السجستاني، وغيرهم.
الدليل:
قالوا: ومما يبين ذلك:
- قول ابن مسعود رضي الله عنه: "إني سمعت القراءة فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم هلم وتعال"،
-وكذلك قال ابن سيرين: "إنما هو كقولك هلم وتعال وأقبل"، ثم فسره ابن سيرين فقال: في قراءة ابن مسعود (إن كانت إلا زقية واحدة)، وفي قراءتنا: {صيحة واحدة}، فالمعنى فيهما واحد، وعلى هذا سائر اللغات.
- أن عثمان رحمة الله عليه قال للرهط القرشيين الثلاثة حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف:(ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم).
- و عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن.
واعترض على هذا القول بأن اللغات في القبائل كثير عددها،
وبأنه غير جائز أن يكون في القرآن لغة تخالف لغة قريش لقوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}، إلا أن يكون القائل لهذا أراد ما وافق من هذه اللغات لغة قريش.
ورد عليه بأن معنى قوله تعالى: {إلا بلسان قومه} أراد العرب كلهم، فالكل لغات العربي ولم يخرج عن كونه لسان عربي.
الثاني:
أي سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل وتعال وهلم، وعلى هذا أكثر أهل العلم.
ويدل على ذلك:
-حديث أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقرئت القرآن فقلت: على حرف أو حرفين، فقال لي الملك الذي عندي: على حرفين، فقلت: على حرفين أو ثلاثة، فقال الملك: على ثلاثة، فقلت: على ثلاثة، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف وليس منها إلا شاف كاف، غفورا رحيما، عليما حكيما، عزيزا حكيما، أي ذلك قلت فإنه كذلك) زاد بعضهم (ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب).
-وحديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا، ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة).
- وحديث أبي جهيم الأنصاري:"أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن المراء كفر).
قالوا "وهذه الآثار كلها تدل على أنه لم يعن به سبع لغات
-وقد جاء عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ: {للذين آمنوا انظرونا}، مهلونا، أخرونا، أرجئونا، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه}، مروا فيه، سعوا فيه، كل هذه الحروف كان يقرأ بها أبي بن كعب،
الثالث :
و ذهب قوم إلى أنها سبعة أنحاء وأصناف، فمنها زاجر، ومنها آمر، ومنها حلال، ومنها حرام، ومنها محكم، ومنها متشابه،
واحتجوا بحديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).
واعترض على هذا القول
-بأن الحديث لم يثبت، قال أبو عمر بن عبد البر:
"هذا حديث عند أهل العلم لم يثبت، وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود، وابنه سلمة ليس ممن يحتج به، وهذا الحديث مجتمع على ضعفه من جهة إسناده، وقد رده قوم من أهل النظر"
-وعلى فرض ثبوته فإنه لا يدل على الأحرف السبعة التي نزل القرآن بها لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه، أو يكون حلالا لا ما سواه؛ لأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله، أو حرام كله، أو أمثال كله.
-ثم أن أصنافه أكثر من سبعة، منها الإخبار، والاستخبار على وجه التقرير والتقريع، ومنها الوعد، والوعيد، والخبر بما كان وبما يكون، والقصص، والمواعظ، والاحتجاج، والتوحيد، والثناء، وغير ذلك.
الرابع:
وقيل السبعة الأحرف منها ستة مختلفة الرسم، كانت الصحابة تقرأ بها إلى خلافة عثمان -رضي الله عنهم-، نحو الزيادة، والألفاظ المرادفة، والتقديم، والتأخير، نحو (إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي)، (وجاءت سكرة الحق بالموت)، (صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين)، (يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)، (والعصر ونوائب الدهر)، (وله أخ أو أخت من أمه)، (وما أصابك من سيئة فمن نفسك إنا كتبناها عليك)، و(إن كانت إلا زقية واحدة)،ونظائر ذلك، فجمعهم عثمان على الحرف السابع الذي كتبت عليه المصاحف.
الخامس:
وجوه الاختلاف في القراءة وهي سبعة: منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، مثل {هن أطهر لكم} , (أطهر لكم)، {ويضيق صدري} (ويضيق صدري) بالرفع والنصب فيهما، ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولا تتغير صورته، مثل (ربنا باعد بين أسفارنا) و {ربنا باعد بين أسفارنا}، ومنا ما يتغير معناه بالحروف واختلافها باللفظ ولا تتغير صورته في الخط، مثل (إلى العظام كيف ننشرها) بالراء والزاي، ومنها ما تتغير صورته ولا يتغير معناه، مثل {كالعهن المنفوش} و(كالصوف المنفوش)، ومنها ما تتغير صورته ومعناه، مثل {وطلح منضود} "وطلع منضود". ومنها التقديم والتأخير، مثل {وجاءت سكرة الموت بالحق} "وجاء سكرة الحق بالموت"، ومنها الزيادة والنقصان، نحو "نعجة أنثى"، و"من تحتها" في آخر التوبة، و"هو الغني الحميد" في الحديد.
السادس:
وقيل هو الاختلاف الواقع في القرآن ويجمع ذلك سبعة أوجه:
الجمع والتوحيد، كقوله تعالى: {وكتبه} "وكتابه"،
والتذكير والتأنيث، كقوله تعالى: {لا يقبل} و"لا تقبل"،
والإعراب، كقوله تعالى: "المجيد" و {المجيد}،
والتصريف، كقوله تعالى: "يعرشون" و {يعرشون}،
والأدوات التي يتغير الإعراب لتغيرها، كقوله تعالى: "ولكن الشياطين" {ولكن الشياطين}، واللغات، كالهمز وتركه، والفتح، والكسر، والإمالة، والتفخيم، وبين بين، والمد، والقصر، والإدغام، والإظهار،
وتغيير اللفظ والنقط بالتفاق الخط، كقوله تعالى: "ننشرها" و {ننشزها}، ونحو ذلك".
السابع:
معنى ذلك سبعة معان في القراءة:
"أحدها: أن يكون الحرف له معنى واحد، تختلف فيه قراءتان تخالفان بين نقطة ونقطة مثل {تعملون} و"يعملون".
"الثاني: أن يكون المعنى واحدا وهو بلفظتين مختلفتين، مثل قوله تعالى: {فاسعوا} و"فامضوا".
"والثالث: أن تكون القراءتان مختلفتين في اللفظ، إلا أن المعنيين متفرقان في الموصوف، مثل قوله تعالى: "ملك" و {مالك}.
"والرابع: أن تكون في الحرف لغتان، والمعنى واحد وهجاؤها واحد، مثل قوله تعالى: "الرشد" والرشد".
"والخامس: أن يكون الحرف مهموزا وغير مهموز، مثل "النبيء" و {النبي}.
"والسادس: التثقيل والتخفيف، مثل {الأكل} و"الأكل".
"والسابع: الإثبات والحذف، مثل "المنادي" و {المناد} ".
الثامن:
أن المعنى أن القرآن محيط بجميع اللغات الفصيحة، وتفصيل ذلك أن تكون هذه اللغات السبع على النحو التالي:
-فأول ذلك تحقيق الهمز وتخفيفه في القرآن كله، في مثل {يؤمنون}، و"مؤمنين"، {والنبيين}، و {النسيء}، وما أشبه ذلك، فتحقيقه وتخفيفه بمعنى واحد، وقد يفرقون بين الهمز وتركه بين معنيين، في مثل {أو ننسها} من "النسيان" "أو ننسأها" من "التأخير"،
-ومنه إثبات الواو وحذفها في آخر الاسم المضمر، نحو: "ومنهمو أميون" .
-ومنه أن يكون باختلاف حركة وتسكينها، في مثل {غشاوة}، و"غشوة"، و {جبريل}، و {ميسرة}، و {البخل}، و {سخريا} ".
-ومنه أن يكون بتغيير حرف، نحو "ننشرها"، و"يقض الحق"، و {بضنين} ".
-ومنه أن يكون بالتشديد والتخفيف، نحو {يبشرهم}، و"يبشرهم".
-ومنه أن يكون بالمد والقصر، نحو "زكرياء" و {زكريا} ".
"ومنه أن يكون بزيادة حرف من "فعل" و"أفعل"، مثل (فاسر بأهلك)، و {نسقيكم} ".
وهذا القول يشابه القول الذي قبله
التاسع:
قيل أنه مشكل لا يدرى معناه؛ لأن العرب تسمي الكلمة المنظومة حرفا، وتسمي القصيدة بأسرها كلمة، والحرف يقع على الحرف المقطوع من الحروف المعجمة، والحرف أيضا المعنى والجهة كقوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف}. وهو قول أبو جعفر النحوي,
والقول الأول هو الأقرب للصواب وبيان ذلك:
أن القرآن أنزل بلغة قريش ومن جاورهم من فصحاء العرب، ثم أباح للعرب المخاطبين به المنزل عليهم أن يقرءوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف بعضهم الانتقال من لغة إلى غيرها لمشقة ذلك عليهم، ولأن العربي إذا فارق لغته التي طبع عليها يدخل عليه الحمية من ذلك، فتأخذه العزة، فجعلهم يقرءونه على عاداتهم وطباعهم ولغاتهم منا منه عز وجل لئلا يكلفهم ما يشق عليهم، فيتباعدوا عن الإذعان،

وجاء عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: ((نزل القرآن بلغة كل حي من أحياء العرب)). وفي رواية عن ابن عباس: ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرئ الناس بلغة واحدة، فاشتد ذلك عليهم، فنزل جبريل فقال: يا محمد، أقرئ كل قوم بلغتهم)).

3: هل القراءات السبع هي الأحرف السبعة؟
لا هي ليست كذلك، لأن الاختلاف بينها شيء يسير لا يكاد يصل الى نوع الاختلاف بين قراءات مصحف ابن مسعود وأبي بن كعب مثلا وابن عباس كما في مصحف ابن مسعود:
(إن كانت إلا زقية واحدة) و(كالصوف المنفوش) وقراءة أبي رضي الله عنه: (أن بوركت النار ومن حولها)، (من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار)، وكقراءة ابن عباس رضي الله عنهما: (وعلى كل ضامر يأتون).
وأما ما اختلف فيه أئمة القراءة بالأمصار من النصب والرفع والتحريك والإسكان والهمز وتركه والتشديد والتخفيف والمد والقصر وإبدال حرف بحرف يوافق صورته فليس ذلك بداخل في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف).
قال مكي: "وكيف يكون ذلك والكسائي إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون، وغيره كان السابع وهو يعقوب الحضرمي فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة أو نحوها الكسائي في موضع يعقوب"؟.
"وكيف يكون ذلك والكسائي إنما قرأ على حمزة وغيره، وإذا كانت قراءة حمزة أحد الحروف السبعة فكيف يخرج حرف آخر من الحروف السبعة؟".
أما مقدرا ما في هذه القراءأت من الأحرف السبعة فقيل /
أن القراءت السبعة، هي جزء من الأحرف السبعة
وقال ابن جرير انها حرف واحد من الأحرف السبعة، وهو قول الطحاوي أيضا

"فإن قيل: فأين السبعة الأحرف التي أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن القرآن أنزل عليها في قراءتكم هذه المشهورة؟
"قلت: هي متفرقة في القرآن، وجملة ذلك سبعة أوجه:
"الأول: كلمتان تقرأ بكل واحدة في موضع الأخرى، نحو {يسيركم} و"ينشركم"، و {لنبوئنهم} و"لنثوينهم"، و {فتبينوا} و"فتثبتوا".
"الثاني: زيادة كلمة، نحو "من تحتها"، و {هو الغني} ".
"الثالث: زيادة حرف، نحو {بما كسبت} و"فبما كسبت"، -يعني في سورة الشورى".
"الرابع: مجيء حرف مكان آخر، نحو {يقول} و"نقول"، و {تبلو} و"تتلو".
"الخامس: تغيير حركات، إما بحركات أخر، أو بسكون، نحو {فتلقى آدم من ربه كلمات}، و"ليحكم أهل الإنجيل".
"السادس: التشديد والتخفيف، نحو {تساقط} و"بلد ميت وميت".
"السابع: التقديم والتأخير، نحو {وقاتلوا وقتلوا}، (وقتلوا وقاتلوا).

4: بيّن سبب اختلاف القراء بعد ثبوت المرسوم في المصحف.
لخلو تلك المصاحف من الشكل والإعجام وحصر الحروف المحتملة على أحد الوجوه فكان أهل كل ناحية من النواحي التي وجهت إليها المصاحف معهم من الصحابة معلمون، فانتقلوا عما بان لهم أنهم أمروا بالانتقال عنه مما كان بأيديهم، وثبتوا على ما لم يكن في المصاحف الموجهة إليهم مما يستدلون به على انتقالهم عنه
فانتشر القراء وتفرقوا وخلفهم بعدهم أمم، فمنهم المحكم للتلاوة عارف بالرواية والدراية، ومنهم المقصر في ذلك، فكثر الاختلاف وقل الضبط والتبس الحق بالباطل.
5: ما هي شروط قبول القراءة واعتبارها؟ وما حكم ما خالف هذه الشروط؟
شروطها ثلاثة:
صحة النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
موافقة رسم المصحف العثماني.
مجيئها على الفصيح من لغة العرب.

حكم ما خالف هذه الشروط :
لا تجوز القراءة بشيء منه، ولا في الصلاة، قال مالك:
"من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف، لم يصل وراءه".
وإذا قرأ بها قارئ فإن كان جاهلا بالتحريم عرف به وأمر بتركها.
وإنما نقلها من نقلها من العلماء لفوائد فيها تتعلق بعلم العربية، لا للقراءة بها.

6: تكلّم بإيجاز عن وجوب العناية بفهم القرآن وتدبّره، والثمرة المتحصّلة من ذلك.
يجب على من يقرأ القرآن أن يعتني بتدبر القرآن وفهمه ولا يصرف همه الى التلاوة وتحسين الصوت فحسب، فالأهم هو التدبر والفهم ومن ثم العمل بما في القرآن والوقوف عند حدوده وتشريعاته وأوامره ونواهيه والاتعاظ بما فيه من المواعظ والوعد والوعيد وفهم الامثال والتفكر فيها

ومما يعين على التدبر الترسل والتأني في القراءة :
- وعن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة، فأدبرها وأرتلها، أحب إلي من أن أقرأ كما تقول.
وسئل مجاهد عن رجل قرأ البقرة وآل عمران، ورجل قرأ البقرة، قيامهما واحد وركوعهما واحد وسجودهما واحد وجلوسهما واحد، أيهما أفضل؟ فقال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}.
- وعن مجاهد في قوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا}، قال: ترسل فيه ترسلا.

ومما يعين على التدبر الترديد وتكرار الآيات،
ولنا في رسول الله قدوة حسنة فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي يقرأ آية واحدة الليل كله، حتى أصبح، بها يقوم وبها يركع وبها يسجد: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}.
وكذلك كان الصحابة يفعلون:
فعن تميم الداري: أنه أتى المقام ذات ليلة، فقام يصلي، فافتتح السورة التي تذكر فيها الجاثية، فلما أتى على هذه الآية: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}، لم يزل يرددها حتى أصبح.
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه يردد: {وقل رب زدني علما}، حتى أصبح.
- وعن عامر بن عبد قيس: أنه قرأ ليلة من سورة المؤمن فلما انتهى إلى قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين}، لم يزل يرددها حتى أصبح.
- وعن هشام بن عروة عن عبد الوهاب بن يحيى بن حمزة عن أبيه عن جده قال: افتتحت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما "سورة الطور" فلما انتهت إلى قوله تعالى: {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}. ذهبت إلى السوق في حاجة ثم رجعت، وهي تكررها: {ووقانا عذاب السموم}، قال: وهي في الصلاة.
- وعن سعيد بن جبير: أنه ردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}.
وعنه أنه استفتح بعد العشاء الآخرة بسورة: {إذا السماء انفطرت} فلم يزل فيها، حتى نادى منادي السحر.
وافتتحت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما "سورة الطور" فلما انتهت إلى قوله تعالى: {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}. ذهبت إلى السوق في حاجة ثم رجعت، وهي تكررها: {ووقانا عذاب السموم}، قال: وهي في الصلاة.
وعن محمد بن كعب قال: لأن أقرأ {إذا زلزلت} و {القارعة}، أرددهما وأتفكر فيهما، أحب إلي من أن أهذ القرآن.

ومن مظاهر التدبر الخشوع والبكاء عند تلاوته وهو من ثمرة العلم به فالله تعالى نعت العلماء فقال: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}.

وثمرة التدبر هو العمل والاتباع، وقد أثنى الله تعالى على من يلتوا القرآن ويتبعه قال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته}، أي يتبعونه حق إتباعه،

وترك العمل به هو من النبذ قال تعالى : قوله تعالى: {فنبذوه وراء ظهورهم}، قال الشعبي: أما إنه ما كان بين أيديهم، ولكن نبذوا العمل به.
وعن ابي الدرداء قال : (إنما جمع القرآن من سمع له وأطاعه)
وعن الحسن: أن أولى الناس بالقرآن من اتبعه وإن لم يكن يقرؤه.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, التاسع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir