دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > فضائل القرآن > كتاب فضائل القرآن من صحيح البخاري

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ربيع الثاني 1431هـ/3-04-2010م, 07:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل


باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل
قال ابن عباس: المهيمن: الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله
4978و4979 - حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة قال أخبرتني عائشة وابن عباس رضي الله عنهم قالا لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشر سنين

4980 - حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا معتمر قال سمعت أبي عن أبي عثمان قال أنبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة فجعل يتحدث فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة من هذا أو كما قال: قالت هذا دحية فلما قام قالت والله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل أو كما قال: قال أبي قلت لأبي عثمان ممن سمعت هذا قال من أسامة بن زيد
4981 - حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة
4982 - حدثنا عمرو بن محمد حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه أن الله تعالى تابع على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
4983 - حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال سمعت جندبا يقول اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله عز وجل {والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى}

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1431هـ/3-04-2010م, 08:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي فتح الباري شرح صحيح البخاري


باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل قال ابن عباس المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله
الشرح‏:‏
‏(‏باب فضائل نزل الوحي وأول ما نزل‏)‏ كذا لأبي ذر ‏"‏ نزل ‏"‏ بلفظ الفعل الماضي، ولغيره ‏"‏ كيف قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل‏)‏ كذا لأبي ذر ‏"‏ نزل ‏"‏ بلفظ الفعل الماضي، ولغيره ‏"‏ كيف نزول الوحي ‏"‏ بصيغة الجمع، وقد تقدم البحث في كيفية نزوله في حديث عائشة ‏"‏ إن الحارث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي ‏"‏ في أول الصحيح، وكذا أول نزوله في حديثها ‏"‏ أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ‏"‏ لكن التعبير بأول ما نزل أخص من التعبير بأول ما بدئ لأن النزول يقتضي وجود من ينزل به، وأول ذلك مجيء الملك له عيانا مبلغا عن الله بما شاء من الوحي، وإيحاء الوحي أعم من أن يكون بإنزال أو بإلهام، سواء وقع ذلك في النوم أو في اليقظة‏.‏
وأما انتزاع ذلك من أحاديث الباب فسأذكره إن شاء الله تعالى عند شرح كل حديث منها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ المهيمن الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله‏)‏ تقدم بيان هذا الأثر وذكر من وصله في تفسير سورة المائدة، وهو يتعلق بأصل الترجمة وهي فضائل القرآن، وتوجيه كلام ابن عباس أن القرآن تضمن تصديق جميع ما أنزل قبله، لأن الأحكام التي فيه إما مقررة لما سبق وإما ناسخة - وذلك يستدعي إثبات المنسوخ - وإما مجددة، وكل ذلك دال على تفضيل المجدد‏.‏
ثم ذكر المصنف في الباب ستة أحاديث‏:‏
الحديث‏:‏
حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة قال أخبرتني عائشة وابن عباس رضي الله عنهم قالا لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشر سنين
الشرح‏:‏
الأول والثاني حديثا ابن عباس وعائشة معا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشر سنين‏)‏ كذا للكشميهني، ولغيره ‏"‏ وبالمدينة عشرا ‏"‏ بإبهام المعدود، وهذا ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم عاش ستين سنة إذا انضم إلى المشهور أنه بعث على رأس الأربعين، لكن يمكن أن يكون الراوي ألغى الكسر كما تقدم بيانه في الوفاة النبوية، فإن كل من روي عنه أنه عاش ستين أو أكثر من ثلاث وستين جاء عنه أنه عاش ثلاثا وستين، فالمعتمد أنه عاش ثلاثا وستين، وما يخالف ذلك إما أن يحمل على إلغاء الكسر في السنين، وإما على جبر الكسر في الشهور، وأما حديث الباب فيمكن أن يجمع بينه وبين المشهور بوجه آخر، وهو أنه بعث على رأس الأربعين، فكانت مدة وحي المنام ستة أشهر إلى أن نزل عليه الملك في شهر رمضان من غير فترة، ثم فتر الوحي، ثم تواتر وتتابع، فكانت مدة تواتره وتتابعه بمكة عشر سنين من غير فترة، أو أنه على رأس الأربعين قرن به ميكائيل أو إسرافيل فكان يلقي إليه الكلمة أو الشيء مدة ثلاث سنين كما جاء من وجه مرسل، ثم قرن به جبريل فكان ينزل عليه بالقرآن مدة عشر سنين بمكة‏.‏
ويؤخذ من هذا الحديث مما يتعلق بالترجمة أنه نزل مفرقا ولم ينزل جملة واحدة، ولعله أشار إلى ما أخرجه النسائي وأبو عبيد والحاكم من وجه آخر عن ابن عباس قال ‏"‏ أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة‏.‏
وقرأ ‏(‏وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث‏)‏ الآية ‏"‏ وفي رواية للحاكم والبيهقي في الدلائل ‏"‏ فرق في السنين ‏"‏ وفي أخرى صحيحة لابن أبي شيبة والحاكم أيضا ‏"‏ وضع في بيت العزة في السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وإسناده صحيح، ووقع في ‏"‏ المنهاج للحليمي ‏"‏‏:‏ أن جبريل كان ينزل منه من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى السماء الدنيا قدر ما ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة إلى ليلة القدر التي تليها، إلى أن أنزله كله في عشرين ليلة من عشرين سنة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وهذا أورده ابن الأنباري من طريق ضعيفة ومنقطعة أيضا وما تقدم من أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم أنزل بعد ذلك مفرقا هو الصحيح المعتمد وحكى الماوردي في تفسير ليلة القدر أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة وأن جبريل نجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة، وهذا أيضا غريب، والمعتمد أن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان بما ينزل به عليه في طول السنة، كذا جزم به الشعبي فيما أخرجه عنه أبو عبيد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وسيأتي مزيد لذلك بعد ثلاثة أبواب‏.‏
وقد تقدم في بدء الوحي أن أول نزول جبريل بالقرآن كان في شهر رمضان، وسيأتي في هذا الكتاب أن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في شهر رمضان، وفي ذلك حكمتان‏:‏ إحداهما تعاهده، والأخرى تبقية ما لم ينسخ منه ورفع ما نسخ، فكان رمضان ظرفا لإنزاله جملة وتفصيلا وعرضا وأحكاما‏.‏
وقد أخرج أحمد والبيهقي في ‏"‏ الشعب ‏"‏ عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ أنزلت التوراة لست مضين من رمضان‏.‏
والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه، والزبور لثمان عشرة خلت منه، والقرآن لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان‏"‏‏.‏
وهذا كله مطابق لقوله تعالى ‏(‏شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن‏)‏ ولقوله تعالى ‏(‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏)‏ فيحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة، فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ ويستفاد من حديث الباب أن القرآن نزل كله بمكة والمدينة خاصة، وهو كذلك، لكن نزل كثير منه في غير الحرمين حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر حج أو عمرة أو غزاة، ولكن الاصطلاح أن كل ما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعد الهجرة فهو مدني، سواء نزل في البلد حال الإقامة أو في غيرها حال السفر، وسيأتي مزيد لذلك في ‏"‏ باب تأليف القرآن‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا معتمر قال سمعت أبي عن أبي عثمان قال أنبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة فجعل يتحدث
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة من هذا أو كما قال قالت هذا دحية فلما قام قالت والله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر خبر جبريل أو كما قال قال أبي قلت لأبي عثمان ممن سمعت هذا قال من أسامة بن زيد
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا معتمر‏)‏ هو ابن سليمان التيمي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أنبئت أن جبريل‏)‏ فاعل ‏"‏ قال ‏"‏ هو أبو عثمان النهدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنبئت‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول، وقد عينه في آخر الحديث‏.‏
ووقع عند مسلم في أوله زيادة حذفها البخاري عمدا لكونها موقوفة ولعدم تعلقها بالباب وهي‏:‏ عن أبي عثمان عن سلمان قال ‏"‏ لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ‏"‏ الحديث موقوف، وقد أورده البرقاني في مستخرجه من طريق عاصم عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال لأم سلمة‏:‏ من هذا‏)‏ ‏؟‏ فاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، استفهم أم سلمة عن الذي كان يحدثه هل فطنت لكونه ملكا أو لا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو كما قال‏)‏ يريد أن الراوي شك في اللفظ مع بقاء المعنى في ذهنه، وهذه الكلمة كثر استعمال المحدثين لها في مثل ذلك‏.‏
قال الداودي‏.‏
هذا السؤال إنما وقع بعد ذهاب جبريل، وظاهر سياق الحديث يخالفه‏.‏
كذا قال، ولم يظهر لي ما ادعاه من الظهور، بل هو محتمل للأمرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت هذا دحية‏)‏ أي ابن خليفة الكلبي الصحابي المشهور، وقد تقدم ذكره في حديث أبي سفيان الطويل في قصة هرقل أول الكتاب، وكان موصوفا بالجمال، وكان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم غالبا على صورته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما قام‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم أي قام ذاهبا إلى المسجد، وهذا يدل على أنه لم ينكر عليها ما ظنته من أنه دحية اكتفاء بما سيقع منه في الخطبة مما يوضح لها المقصود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما حسبته إلا إياه‏)‏ هذا كلام أبي سلمة، وعند مسلم ‏"‏ فقالت أم سلمة أيمن الله ما حسبته إلا إياه ‏"‏ وأيمن من حروف القسم، وفيها لغات قد تقدم بيانها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخبر بخبر جبريل أو كما قال‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ يخبرنا خبرنا ‏"‏ وهو تصحيف نبه عليه عياض، قال النووي‏:‏ وهو الموجود في نسخ بلادنا‏.‏
قلت‏:‏ ولم أر هذا الحديث في شيء من المسانيد إلا من هذا الطريق فهو من غرائب الصحيح‏.‏
ولم أقف في شيء من الروايات على بيان هذا الخبر في أي قصة، ويحتمل أن يكون في قصة بني قريظة، فقد وقع في ‏"‏ دلائل البيهقي ‏"‏ وفي ‏"‏ الغيلانيات ‏"‏ من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ‏"‏ عن عائشة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يكلم رجلا وهو راكب، فلما دخل قلت‏:‏ من هذا الذي كنت تكلمه، قال‏:‏ بمن تشبهينه‏؟‏ قلت‏:‏ بدحية بن خليفة، قال‏:‏ ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبي‏)‏ بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة، والقائل هو معتمر بن سليمان، وقوله ‏"‏فقلت لأبي عثمان، أي النهدي الذي حدثه بالحديث، وقوله ‏"‏ممن سمعت هذا‏؟‏ قال من أسامة بن زيد ‏"‏ فيه الاستفسار عن اسم من أبهم من الرواة ولو كان الذي أبهم ثقة معتمدا، وفائدته احتمال أن لا يكون عند السامع كذلك، ففي بيانه رفع لهذا الاحتمال، قال عياض وغيره‏:‏ وفي هذا الحديث أن للملك أن يتصور على صورة الآدمي‏.‏
وأن له هو في ذاته صورة لا يستطيع الآدمي أن يراه فيها لضعف القوى البشرية إلا من يشاء الله أن يقويه على ذلك، ولهذا كان غالب ما يأتي جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الرجل كما تقدم في بدء الوحي ‏"‏ وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا ‏"‏ ولم ير جبريل على صورته التي خلق عليها إلا مرتين كما ثبت في الصحيحين‏.‏
ومن هنا يتبين وجه دخول حديث أسامة هذا في هذا الباب‏.‏
قالوا وقيه فضيلة لأم سلمة ولدحية، وفيه نظر، لأن أكثر الصحابة رأوا جبريل في صورة الرجل لما جاء فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، ولأن اتفاق الشبه لا يستلزم إثبات فضيلة معنوية، وغايته أن يكون له مزية في حسن الصورة حسب، وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن قطن حين قال إن الدجال أشبه الناس به فقال ‏"‏ أيضرني شبهه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏"‏
الحديث‏:‏
حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو أبو سعيد المقبري كيسان، وقد وقع سعيد المقبري الكثير من أبي هريرة وسمع من أبيه عن أبي هريرة، ووقع الأمران في الصحيحين، وهو دال على تثبت سعيد وتحريه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما من الأنبياء نبي إلا أعطى‏)‏ هذا دال على أن النبي لا بد له من معجزة تقتضي إيمان من شاهدها بصدقه، ولا يضره من أصر على المعاندة‏.‏
من الآيات‏)‏ أي المعجزات الخوارق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما مثله آمن عليه البشر‏)‏ ما موصولة وقعت مفعولا ثانيا لأعطى، ومثله مبتدأ، وآمن خبره، والمثل يطلق ويراد به عين الشيء وما يساويه، والمعنى أن كل نبي أعطى آية أو أكثر من شأن من يشاهدها من البشر أن يؤمن به لأجلها، وعليه بمعنى اللام أو الباء الموحدة، والنكتة في التعبير بها تضمنها معنى الغلبة، أي يؤمن بذلك مغلوبا عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه، لكن قد يجحد فيعاند، كما قال الله تعالى ‏(‏وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما‏)‏ وقال الطيبي‏:‏ الراجع إلى الموصول ضمير المجرور في عليه وهو حال، أي مغلوبا عليه في التحدي، والمراد بالآيات المعجزات وموقع المثل موقعه من قوله‏:‏ ‏(‏فأتوا بسورة مثله‏)‏ أي على صفته من البيان وعلو الطبقة في البلاغة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ آمن ‏"‏ وقع في رواية حكاها ابن قرقول ‏"‏ أومن ‏"‏ بضم الهمز ثم واو‏.‏
وسيأتي في كتاب الاعتصام‏.‏
قال وكتبها بعضهم‏.‏
بالياء الأخيرة بدل الواو‏.‏
وفي رواية القابسي ‏"‏ أمن ‏"‏ بغير مد من الأمان، والأول هو المعروف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي‏)‏ أي إن معجزتي التي تحديت بها الوحي الذي أنزل علي وهو القرآن لما اشتمل عليه من الإعجاز الواضح، وليس المراد حصر معجزاته فيه ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتي من تقدمه، بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اختص بها دون غيره، لأن كل نبي أعطي معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيره تحدى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه كما كان السحر فاشيا عند فرعون فجاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السحرة لكنها تلقفت ما صنعوا، ولم يقع ذلك بعينه لغيره وكذلك إحياء عيسى الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لكون الأطباء والحكماء كانوا في ذلك الزمان في غاية الظهور، فأتاهم من جنس عملهم بما لم تصل قدرتهم إليه، ولهذا لما كان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في الغاية من البلاغة جاءهم بالقرآن الذي تحداهم أن يأتوا بسورة مثله فلم يقدروا على ذلك‏.‏
وقيل المراد أن القرآن ليس له مثل لا صورة ولا حقيقة، بخلاف غيره من المعجزات فإنها لا تخلو عن مثل‏.‏
وقيل المراد أن كل نبي أعطي من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله صورة أو حقيقة، والقرآن لم يؤت أحد قبله مثله، فلهذا أردفه بقوله ‏"‏ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا‏"‏‏.‏
وقيل المراد أن الذي أوتيته لا يتطرق إليه تخييل، وإنما هو كلام معجز لا يقدر أحد أن يأتي بما يتخيل منه التشبيه به، بخلاف غيره فإنه قد يقع في معجزاتهم ما يقدر الساحر أن يخيل شبهه فيحتاج من يميز بينهما إلى نظر، والنظر عرضة للخطأ، فقد يخطئ الناظر فيظن تساويهما‏.‏
وقيل المراد أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم فلم يشاهدها إلا من حضرها، ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرقه للعادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات، فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه، وهذا أقوى المحتملات، وتكميله في الذي بعده‏.‏
وقيل المعنى أن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر، لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده، والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمرا‏.‏
قلت‏:‏ ويمكن نظم هذه الأقوال كلها في كلام واحد؛ فإن محصلها لا ينافي بعضه بعضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة‏)‏ رتب هذا الكلام على ما تقدم من معجزة القرآن المستمرة لكثرة فائدته وعموم نفعه، لاشتماله على الدعوة والحجة والإخبار بما سيكون، فعم نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد ومن سيوجد، فحسن ترتيب الرجوى المذكورة على ذلك، وهذه الرجوى قد تحققت، فإنه أكثر الأنبياء تبعا، وسيأتي بيان ذلك واضحا في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏
وتعلق هذا الحديث بالترجمة من جهة أن القرآن إنما نزل بالوحي الذي يأتي به الملك لا بالمنام ولا بالإلهام‏.‏
وقد جمع بعضهم إعجاز القرآن في أربعة أشياء‏:‏ أحدها حسن تأليفه والتئام كلمه مع الإيجاز والبلاغة، ثانيها صورة سياقه وأسلوبه المخالف لأساليب كلام أهل البلاغة من العرب نظما ونثرا حتى حارت فيه عقولهم ولم يهتدوا إلى الإتيان بشيء مثله مع توفر دواعيهم على تحصيل ذلك وتقريعه لهم على العجز عنه، ثالثها ما اشتمل عليه من الإخبار عما مضى من أحوال الأمم السالفة والشرائع الداثرة مما كان لا يعلم منه بعضه إلا النادر من أهل الكتاب، رابعها الإخبار بما سيأتي من الكوائن التي وقع بعضها في العصر النبوي وبعضها بعده‏.‏
ومن غير هذه الأربعة آيات وردت بتعجيز قوم في قضايا أنهم لا يفعلونها فعجزوا عنها مع توفر دواعيهم على تكذيبه، كتمني اليهود الموت، ومنها الروعة التي تحصل لسامعه، ومنها أن قارئه لا يمل من ترداده وسامعه لا يمجه ولا يزداد بكثرة التكرار إلا طراوة ولذاذة‏.‏
ومنها أنه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا، ومنها جمعه لعلوم ومعارف لا تنقضي عجائبها ولا تنتهي فوائدها‏.‏
ا هـ ملخصا من كلام عياض، وغيره‏.‏
الحديث‏:‏
حدثنا عمرو بن محمد حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه أن الله تعالى تابع على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمرو بن محمد‏)‏ هو الناقد، وبذلك جزم أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج‏"‏‏.‏
وكذا أخرجه مسلم عن عمرو بن محمد الناقد وغيره عن يعقوب بن إبراهيم‏.‏
ووقع في الأطراف لخلف ‏"‏ حدثنا عمرو بن علي الفلاس ‏"‏ ورأيت في نسخة معتمدة من رواية النسفي عن البخاري ‏"‏ حدثنا عمرو بن خالد ‏"‏ وأظنه تصحيفا، والأول هو المعتمد، فإن الثلاثة وإن كانوا معروفين من شيوخ البخاري، لكن الناقد أخص من غيره بالرواية عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، ورواية صالح بن كيسان عن ابن شهاب من رواية الأقران، بل صالح بن كيسان أكبر سنا من ابن شهاب وأقدم سماعا، وإبراهيم بن سعد قد سمع من ابن شهاب كما سيأتي تصريحه بتحديثه له في الحديث الآتي بعد باب واحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الله تابع على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية أبي ذر ‏"‏ إن الله تابع على رسوله الوحي قبل وفاته ‏"‏ أي أكثر إنزاله قرب وفاته صلى الله عليه وسلم، والسر في ذلك أن الوفود بعد فتح مكة كثروا وكثر سؤالهم عن الأحكام فكثر النزول بسبب ذلك‏.‏
ووقع لي سبب تحديث أنس بذلك من رواية الدراوردي عن الإمامي عن الزهري ‏"‏ سألت أنس بن مالك‏:‏ هل فتر الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت‏؟‏ قال‏:‏ أكثر ما كان وأجمه ‏"‏ أورده ابن يونس في ‏"‏ تاريخ مصر ‏"‏ في ترجمة محمد بن سعيد بن أبي مريم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى توفاه أكثر ما كان الوحي‏)‏ أي الزمان الذي وقعت فيه وفاته كان نزول الوحي فيه أكثر من غيره من الأزمنة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد‏)‏ فيه إظهار ما تضمنته الغاية في قوله ‏"‏ حتى توفاه الله‏"‏، وهذا الذي وقع أخيرا على خلاف ما وقع أولا، فإن الوحي في أول البعثة فتر فترة ثم كثر، وفي أثناء النزول بمكة لم ينزل من السور الطوال إلا القليل، مما بعد الهجرة نزلت السور الطوال المشتملة على غالب الأحكام، إلا أنه كان الزمن الأخير من الحياة النبوية أكثر الأزمنة نزولا بالسبب المتقدم، وبهذا تظهر مناسبة هذا الحديث للترجمة لتضمنه الإشارة إلى كيفية النزول‏.‏
الحديث‏:‏
حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال سمعت جندبا يقول اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله عز وجل والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري، وقد تقدم شرح الحديث قريبا في سورة والضحى، ووجه إيراده في هذا الباب الإشارة إلى أن تأخير النزول أحيانا إنما كان يقع لحكمة تقتضي ذلك لا لقصد تركه أصلا، فكان نزوله على أنحاء شتى‏:‏ تارة يتتابع، وتارة يتراخى‏.‏
وفي إنزاله مفرقا وجوه من الحكمة‏:‏ منها تسهيل حفظه لأنه لو نزل جملة واحدة على أمة أمية لا يقرأ غالبهم ولا يكتب لشق عليهم حفظه‏.‏
وأشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله ردا على الكفار ‏(‏وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة، كذلك - أي أنزلناه مفرقا - لنثبت به فؤادك‏)‏ وبقوله تعالى ‏(‏وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث‏)‏ ‏.‏
ومنها ما يستلزمه من الشرف له والعناية به لكثرة تردد رسول ربه إليه يعلمه بأحكام ما يقع له وأجوبة ما يسأل عنه من الأحكام والحوادث‏.‏
ومنها أنه أنزل على سبعة أحرف، فناسب أن ينزل مفرقا، إذ لو نزل دفعة واحدة لشق بيانها عادة‏.‏
ومنها أن الله قدر أن ينسخ من أحكامه ما شاء، فكان إنزاله مفرقا لينفصل الناسخ من المنسوخ أولى من إنزالهما معا‏.‏
وقد ضبط النقلة ترتيب نزول السور كما سيأتي.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, كيف

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:33 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir