دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الحج

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 02:38 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب دخول مكة وغيره

بَابُ دُخُـولِ مَكَّـةَ وَغَيْرِهِ

عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: ((اقْتُلُوهُ)).
عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم دَخَلَ مَكَّةَ مِن كَدَاءَ، مِن الثَّنِيَّةِ العُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ، وَخَرَجَ مِن الثَّنيَّةِ السُّفْلَى.
عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم البَيْتَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلاَلٌ، وَعُثمانُ بنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ البَابَ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَن وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلاَلاً، فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؟ قالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ.
عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّهُ جَاءَ إلى الحَجَرِ الأسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، وقال: إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ وفدٌ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فأَمَرَهُم النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أَنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْواطَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ.
عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم –حِينَ يَقْدُمُ مَكَّةَ- إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ، يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ.
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: طَافَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ.
المِحْجَنُ: عَصًا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ.
عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَسْتَلِمُ مِن البَيْتِ إِلاَّ الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَّيْنِ.

  #2  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 09:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

ابنُ خَطَلٍ .
بالخاءِ المُعجَمةِ والطاءِ المهمَلةِ المفتوحتين .
واسمُه هلالُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ مَنافٍ وقيلَ : عبدُ اللهِ وقيلَ: عبدُ الْعُزَّى .
ذكَرَه الدارَقُطْنِيُّ في (سُنَنِه) واقتَصَرَ الشيخُ في شَرْحِه على الأخيرِ وليس كذلك وإنما عبدُ العُزَّى هو ابنُ عبدِ مَنافٍ وهو عمُّ ابنِ خَطَلٍ أخو تأبيه عبدِ اللهِ وكأن يُقالَ لهما: الْخَطَلان أعْنِي عبدَ اللهِ وعَبْدَ العُزَّى ابْنَيْ عبدِ مِنافٍ .
ومن الفوائدِ الحديثيَّةِ أن الذي قتَلَه أبو بَرْزَةَ الأسلميُّ .
قالَه ابنُ طاهِرٍ .
قولُه : من كَدَا بفتْحِ الكافِ والدالِ .
ويَجوزُ صرْفُه على إرادةِ الموضِعِ وتَرْكُه على إرادةِ البُقعةِ .
قولُه يَخُبُّ .
هو بضمِّ الخاءِ المُعجَمةِ من الْخَبَبِ وهو السيْرُ السريعُ .

  #3  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 09:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ دخولِ مكَّةَ والبيتِ

الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: ((اقْتُلُوهُ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: كونُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ تَقْدِيمًا للمصلحةِ العامَّةِ على الخاصَّةِ.
الثَّانِيَةُ: أنَّ فِعْلَ الأسبابِ لا يُنَافِي التَّوَكُّلَ على اللَّهِ تَعَالَى.
الثَّالِثَةُ: جوازُ إقامةِ الحدودِ في الحرمِ.
الرَّابِعَةُ: كونُ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً.


الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا، ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءَ، مِن الثَّنِيَّةِ العُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ، وَخَرَجَ مِن الثَّنيَّةِ السُّفْلَى)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (كَدَاءَ) بفتحِ الكافِ والمدِّ: اسمٌ للثَنِيَّةِ المُسَمَّاةِ (رَبْعَ الحَجُونِ).
قَوْلُهُ: (الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى): هيَ المُسَمَّاةُ الآنَ (رَبْعَ الرسامِ).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: كونُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ منْ أعلاهَا، وخَرَجَ منْ أسفلِهَا؛ لأنَّ هذا أَسْمَحُ خروجِهِ.
الثَّانِيَةُ: يَنْبَغِي لكلِّ أهلِ جهةٍ أنْ يكونَ دخولُهُم منْ حيثُ أَتَوْا.


الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: ((دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البَيْتَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلَالٌ، وَعُثمانُ بنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ البَابَ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مِنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلَالًا، فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: اسْتِحْبَابُ دخولِ الكعبةِ والدعاءِ والصلاةِ فيها.
الثَّانِيَةُ: دخولُهَا ليسَ من المَنَاسِكِ لكن فِيهِ فضلٌ.

بابُ الطوافِ وآدابِهِ

الْحَدِيثُ التاسعَ عشرَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أَنَّهُ جَاءَ إلى الحَجَرِ الأسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، وقال: ((إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: اسْتِحْبَابُ تَقْبِيلِ الحجرِ الأسودِ للطائِفِينَ عندَما يُحَاذُونَهُ إنْ أَمْكَنَ بلا مشقَّةٍ على أحدٍ.
الثَّانِيَةُ: أنَّ تَقْبِيلَهُ عبادةٌ للَّهِ وحدَهُ، فليسَ لنفعٍ أوْ ضررٍ في الحجرِ.
الثَّالِثَةُ: أنَّ العباداتِ مَبْنِيَّةٌ على الاتباعِ، فليستْ بالرأْيِ والاستحسانِ.
الرَّابِعَةُ: تَبْيِينُ ما يُوهِمُ العامَّةَ منْ مشاكلِ العلمِ.


الْحَدِيثُ العشرونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: ((قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وفدٌ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فأَمَرَهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْواطَ كُلَّهَا، إِلَّا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ)).


الْحَدِيثُ الحادي والعشرونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ- إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ، يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (وَهَنَتْهُمْ). بتخفيفِ الهاءِ، أيْ: أَضْعَفَتْهُم.
قَوْلُهُ: (يَثْرِبَ). منْ أسماءِ المدينةِ في الجاهليَّةِ.
قَوْلُهُ: (أنْ يَرْمُلُوا). هوَ الإسراعُ في المَشْيِ معَ تَقَارُبِ الخُطَى.
قَوْلُهُ: (الأَشْوَاطَ). جمعُ شَوْطٍ: وهو الجَرْيةُ الواحدةُ إلى الغايةِ، والمرادُ هنا الطوافُ حولَ الكعبةِ.
قَوْلُهُ: (الإبقاءُ). بِكَسْرِ الهمزةِ والمدِّ، أي: الرِّفْقُ بهم.
قَوْلُهُ: (يَخُبُّ). الخَبَبُ هوَ الرَّمَلُ.

فِيهِمَا مَسَائِلُ:
الأُولَى: أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابَهُ رَمَلُوا في الأشواطِ الثلاثةِ الأُوَلِ، مَا عَدَا الرُّكْنَيْنِ، فَرَخَّصَ لهم في تركِهِ شفقةً بهم، وذلكَ في عُمْرَةِ القضاءِ، ثمَّ كلِّ الثلاثةِ في حجَّةِ الوداعِ فيكونُ هذا نَاسِخًا للأَوَّلِ.
الثَّانِيَةُ: اسْتِحْبَابُ العملِ في طوافِ القدومِ فقطْ للرجالِ خاصَّةً.
الثَّالِثَةُ: المَشْيُ في الأربعةِ الأشواطِ الباقيةِ.
الرَّابِعَةُ: أصلُ الرملِ إغاظةُ أعداءِ الدينِ، وإظهارُ القوَّةِ أمامَهُم، فَيَنْبَغِي طَلَبُ هذا في كلِّ شيءٍ لِتَوْهِينِهِم.
الْخَامِسَةُ: استلامُ الحجرِ الأسودِ في ابتداءِ الطوافِ وعندَ محاذاتِهِ في كلِّ طوفةٍ لمَن سَهُلَ عَلَيْهِ.


الْحَدِيث الثاني والعشرونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: ((طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ)).
المِحْجَنُ: عَصًا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: جوازُ الطوافِ راكبًا معَ العذرِ.
الثَّانِيَةُ: اسْتِحْبَابُ استلامِ الركنِ باليَدِ إنْ أَمْكَنَ، وإلَّا فَبِعَصًا ونحوِهِ، إنْ لم يُؤْذِ بهِ.
الثَّالِثَةُ: إظهارُ العالِمِ أَعْمَالَهُ لِتَحْصُلَ بهِ القُدْوَةُ.
الرَّابِعَةُ: طهارةُ بولِ ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ.


الْحَدِيثُ الثالثُ والعشرونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: ((لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِن البَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَّيْنِ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: اسْتِحْبَابُ استلامِ الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَّيْنِ.
الثَّانِيَةُ: عدمُ مَشْرُوعِيَّةِ استلامِ غيرِهِمَا منْ جوانبِ الكعبةِ.

  #4  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 09:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بَابُ دُخْولِ مَكَّةَ والبيتِ

الْحَدِيثُ السابعَ عشرَ بعد الْمِائَتَيْنِ
- عن أنسِ بنِ مالكٍ رضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جاءَهُ رَجُلٌ فقالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: “ اقْتُلُوهُ “.(15)
الْحَدِيثُ الثامنَ عشَرَ بعدَ الْمِائَتَيْنِ
- عن عبدِ اللَّهِ بنِ عُمرَ رضِيَ اللَّهُ عنهما، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءَ، مِن الثَّنِيَّةِ العُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ، وَخَرَجَ مِنَ الثَّنيَّةِ السُّفْلَى. (16)
الْحَدِيثُ التاسعَ عشرَ بعدَ الْمِائَتَيْنِ
عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رضِيَ اللَّهُ عنهما قالَ: دَخَلَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البَيْتَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلاَلٌ، وَعُثمانُ بنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ البَابَ، فَلَمَّا فَتَحُوا البَابَ كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلِقيتُ بِلاَلًا، فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمانِيَّيْنِ.(17)
بَابُ الطَّوافِ وأدَبِهِ

الْحَدِيثُ العشرونَ بعدَ الْمِائَتَيْنِ
عن عمرَ رضِيَ اللَّهُ عنهُ، أَنَّهُ جاءَ إلَى الحَجَرِ الأسْوَدِ وقَبَّلَهُ، وقالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ.(18)
الْحَدِيثُ الحادِي والعشرونَ بعدَ الْمِائَتَيْنِ
- عن عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللَّهُ عنهما قالَ: قَدِمَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مكَّةَ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فأَمَرَهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْواطَ كلَّهَا، إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ.(19)





الْحَدِيثُ الثانِي والعِشْرُونَ بعدَ الْمِائَتَيْنِ
عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: رَأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا استَلَمَ الرُّكنَ الْأَسْوَدَ أوَّلَ مَا يَطُوفُ، يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أشْوَاطٍ.(20)

الْحَدِيثُ الثالثُ والعِشْرُونَ بعدَ الْمِائَتَيْنِ
- عن عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللَّهُ عنهما قالَ: طَافَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ.
المِحْجَنُ: عصًا محنيَّةُ الرأسِ.(21)

الْحَدِيثُ الرابعُ والعِشْرُونَ بعدَ الْمِائَتَيْنِ
عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رضِيَ اللَّهُ عنهما قالَ: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنَ البَيْتِ إِلاَّ الرُّكْنَيْنِ اليمانِيَّيْنِ.(22)
_____________________
( 15 ) الغريبُ:
المِغْفَرُ: بوزنِ مِنْبَر، زَرْدٌ يُنْسَجُ من حديدٍ علَى قدرِ الرأسِ، وِقايَةً لَهُ من وقْعِ السيفِ ( ابنُ خَطَلٍ ): بالخاءِ المُعجَمَةِ، والطاءِ المُهمَلةِ المفتوحتيْنِ، اختُلفَ في اسمِهِ. قيلَ: هلالٌ، وقيلَ غيرُ ذلك، وقاتِلُهُ أبو بَرْزةَ الأسلميُّ.
المعنَى الإجماليُّ:
كان بينَ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وبين كفَّارِ قريشٍ حروبٌ كثيرةٌ ممَّا أوغرَ صدورَهم.
فلمَّا كانَ فتْحُ مكَّةَ، دخلَهَا صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في حالةِ حِيطةٍ وحَذَرٍ، فوضعَ علَى رأسِهِ المِغْفَرَ.
وكان صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قد حضَّ علَى أُناسٍ من المشركينَ أنْ يُقْتَلُوا، ولو وُجِدُوا في أستارِ الكعْبَةِ، وسمَّى منهم ( ابنَ خَطَلٍ ) الذي أسلمَ، ثم قتَلَ مُسْلِمًا, وارتدَّ عن الإسلامِ، وذهبَ إلَى الكفَّارِ، فجعَلَ جوارِيَه يُغَنِّينَ بهجاءِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.
فلمَّا وضعت الحربُ أوزارَهَا ذلك اليومَ، وأمَّنَ أهلَ مكَّةَ، واستأمنَ منهم، ووضَعَ المِغْفَرَ، وجدَ بعضُ الصحابةِ ( ابنَ خَطَلٍ ) متعلِّقًا بأستارِ الكعبةِ، عائذًا بحُرمتِهَا من القتلِ؛ لِمَا يعلمُ من سُوءِ صنيعِهِ، وقُبْحِ سابقتِهِ، فتحَرَّجُوا من قتْلِهِ قبلَ مراجعةِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ. فلما راجعُوهُ قال: اقتلُوهُ. فقُتِلَ بين الحِجْرِ والمقامِ.
ما يُؤخذُ من الحديثِ:
1- كوْنُ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ دخلَ مكَّةَ غيرَ مُحرِمٍ، إذْ دخلَ وعلَى رأسِهِ المغفرُ، وعليهِ أيضًا عمامةٌ سوداءُ، كما في صحيحِ مسلمٍ، فيجوزُ دخولُهَا في مثلِ هذهِ الحالِ بلا إحرامٍ.
2- تقديمُ الجهادِ علَى النُّسُكِ؛ لأنَّ مصالحَ الأوَّلِ أعمُّ وأنفعُ.
3- كوْنُ مكَّةَ فُتِحتْ عَنوةً، كما هو مذهبُ الأئمَّةِ الثلاثةِ، لا صُلحًا, كما هو مذهبُ الشافعيِّ.
4- جوازُ فعلِ الأسبابِ المُباحةِ الواقيةِ، وأنَّ ذلك لا يُنافي التوكُّلَ علَى اللَّهِ تعالَى.
5- فيهِ جوازُ إقامةِ الحدودِ في الحرمِ, ولو بالقتْلِ؛ لأنَّ قتْلَ ابنِ خَطَلٍ، كانَ بعد انتهاءِ القتالِ الذي أُبيحَ في ساعةِ الدخولِ. واللَّهُ أعلمُ.

( 16 ) الغريبُ:
كَدَاء: بفتحِ الكافِ والمدِّ، اسمٌ للثنيَّةِ التي في أعلَى مكَّةَ، وهي ( رَيْعُ الحَجونِ ) وتقولُ العامَّةُ: ( الحجولُ ) وهو تحريفٌ.
الثنيَّةُ السفلَى: الثَّنِيَّةُ هي الطريقُ بين الجبليْنِ.
والمرادُ بهَا، الطريقُ الذي يخرجُ من المحلَّةِ المسمَّاةِ ( حارةَ البابِ ) وتُسمَّى الثنيَّةَ الآنَ ( رَيْعُ الرسَّامِ ). وتُسمَّى الثنيَّةُ السفلَى: كُدًى - بضمِّ الكافِ وقصْرِ الألفِ.
المعنَى الإجماليُّ:
حجَّ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حجَّةَ الوداعِ، فباتَ ليلةَ دخولِهِ بـ ( ذي طَوًى ) لأربعٍ خَلَوْنَ من ذي الحجَّةِ.
وفي الصباحِ دخلَ مكَّةَ من الثنيَّةِ العُليا، التي تأتي من بينِ مقابرِ مكَّةَ؛ لأنَّهُ أسهلُ لدخولِهِ، إذا أتَى من المدينةِ.
فلما فرغَ من مناسكِهِ خرجَ من مكَّةَ إلَى المدينةِ من أسفلِ مكَّةَ، وهي الطريقُ التي تأتِي علَى ( جَرْوَلٍ ).
ولعلَّ في مخالفةِ الطريقيْنِ تكثيرًا لمواضعِ العبادةِ، كما فعلَ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في الذَّهابِ إلَى عرفةَ والإيابِ منهَا، ولصلاةِ العيدِ والنفْلِ، في غيرِ موضعِ الصلاةِ المكتوبةِ، لَتشْهَدَ الأرضُ علَى عمَلِهِ عَليهَا يومَ تُحَدِّثُ أخبارَهَا، أو لكوْنِ مَدْخَلِهِ ومَخْرَجِهِ مناسبيْنِ لمَن جاءَ من المدينةِ، وذهبَ إليهَا، واللَّهُ أعلمُ.

( 17 ) المعنَى الإجماليُّ:
لمَّا فتحَ اللَّهُ تباركَ وتعالَى مكَّةَ، وطهَّرَ بيتَهُ من الأصنامِ والتماثيلِ والصُّوَرِ، دخلَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الكعبةَ المشرَّفةَ، ومعَهُ خادِمَاهُ: بلالٌ وأسامةُ، وحاجبُ البيتِ عثمانُ بنُ طلحةَ.
فأغلَقُوا عليهم البابَ؛ لئلاَّ يتزاحمَ الناسُ عند دخولِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فيهَا ليَرَوْا كيفَ يتعبَّدُ، فَيشْغَلوهُ عن مقصدِهِ في هذا الموطنِ، وهو مُناجاةُ ربِّهِ وشكرُهُ علَى نعمِهِ؛ فلمَّا مكثُوا فيهَا طويلاً، فتَحوا البابَ.
وكان عبدُ اللَّهِ بنُ عمرَ حريصًا علَى تتبُّعِ آثارِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، والأمكنةِ التي يأتِيهَا ولو لغيرِ عبادةٍ، ولذا فإنَّهُ كانَ أوَّلَ داخلٍ لمَّا فُتِحَ البابُ.
فسألَ بلالاً: هل صلَّى فيهَا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؟ قال: نعمْ، بين العموديْنِ اليمانيَّيْنِ، وكانت الكعبةُ المشرَّفةُ – إذ ذاكَ – علَى ستَّةِ أعمدةٍ، فجعلَ ثلاثةً خلفَ ظهرِهِ، واثنيْنِ عن يمينِهِ، وواحدًا عن يسارِهِ، وجعلَ بينَهُ وبين الحائطِ ثلاثةَ أذرعٍ، فصلَّى ركعتيْنِ، ودعا في نواحيها الأربعِ.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1- استحبابُ دخولِ الكعبةِ المشرَّفةِ، والصلاةِ فيهَا، والدعاءِ في نواحِيهَا. وذكرَ ابنُ تيميَّةَ أنَّ دخولَهَا ليس فرضًا, ولا سُنَّةً، ولكنَّهُ حسنٌ.
2- أنَّ دخولَهَا ليسَ من مناسِكِ الحجِّ، وإنَّما هي فضيلةٌ في ذاتِها، ولهذا فإنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لم يَدْخُلْهَا في حجَّتِهِ، وإنَّما دخلَهَا في عامِ الفتحِ.
وهذا هو التحقيقُ، في أنَّهُ لم يدخلْهَا إلا مرَّةً واحدةً.
اختلافُ العُلماءِ:
الجمهورُ علَى جوازِ صلاةِ النافلةِ في الكعبةِ المشرَّفةِ وفوقَهَا، إلا ما حُكِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ، وإنَّما الخلافُ في جوازِ الفرضِ فيهَا. وفوقَ سطحِهَا، ومثلُهَا الحِجْرُ.
فذهبَ الإمامُ أحمدُ، ومالكٌ في المشهورِ عنهُ إلَى أنَّهَا لا تصحُّ، مستدلِّينَ بقولِهِ تعالَى: ( وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) والمُصلِّي فيهَا أو علَى سطحِهَا غيرُ مستقبلٍ لجهتِهَا. وأمَّا النافلةُ فمبنَاهَا علَى التخفيفِ. فتجوزُ فيهَا وعليهَا. وبما رُوِيَ عن ابنِ عمرَ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نهَى أنْ يُصَلَّى في سبعٍ:
1- المَزْبَلةُ 2- والمَجْزَرةُ 3- والمَقْبَرةُ 4- وقارعةُ الطريقِ 5- والحمَّامُ 6- ومَعاطِنُ الإبلِ 7- وفوقَ ظهرِ بيتِ اللَّهِ. رواهُ الترمذيُّ.
وذهبَ الإمامانِ: أبو حنيفةَ والشافعيُّ، إلَى صحَّةِ الفريضةِ فيهَا وفوقَهَا، وكذلك في الحِجْرِ، ودليلُهم علَى ذلك صلاةُ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فيهَا.
وما ثبتَ في حقِّ النفلِ، يثبُتُ في حقِّ الفرضِ بلا فرقٍ إلا بدليلٍ، ولا دليلَ.
ولو سُلِّمَ استدلالُنَا بالآيةِ، علَى عدمِ صحَّةِ الفرضِ، لكانَ دليلاً علَى عدمِ النافلةِ أيضًا. وأمَّا حديثُ ابنِ عمرَ، فلو صحَّ، لكانَ عامًّا للفريضةِ والنافلةِ، ولكن ضعَّفَهُ مُخْرِجُهُ، وهو الترمذيُّ. وقال البخاريُّ: فيهِ رجلٌ متروكٌ.
واستدلُّوا بحديثِ: " جُعِلتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا "، والكعبةُ المشرَّفةُ أوْلَى الأرضِ بذلك. واللَّهُ أعلمُ.

( 18 ) المعنَى الإجماليُّ:
الأمكنةُ والأزمنةُ وغيرُهَا من الأشياءِ، لا تكونُ مقدَّسةً مُعظَّمةً تعظيمَ عبادةِ اللَّهِ لذاتِهَا، وإنَّما يكونُ لهَا ذلك بشرعٍ.
ولهذا جاءَ عمرُ بنُ الخطَّابِ رضيَ اللَّهُ عنهُ إلَى الحجَرِ الأسودِ وقبَّلَهُ بين الحجيجِ، الذين هم حديثُو عهدٍ بعبادةِ الأصنامِ وتعظيمِهَا, وبَيَّنَ أنَّهُ ما قَبَّلَ هذا الحجَرَ وعظَّمَهُ من تلقاءِ نفسِهِ، أو لأنَّ الحجَرَ يحصلُ منهُ نفعٌ أو مضرَّةٌ، وإنَّما هي عبادةٌ تلقَّاهَا من المُشرِّعِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقد رآهُ يُقَبِّلُهُ فَقَبَّلَهُ، تَأَسِّيًا واتِّبَاعًا، لا رأيًا وابتداعًا.
ما يُؤخذُ من الحديثِ:
1- مشروعيَّةُ تقبيلِ الحجرِ الأسودِ للطائفينَ عندَما يُحاذونَهُ، إنْ أمكنَ بسهولةٍ.
2- أنَّ تقبيلَهُ ليسَ لنفعِهِ أو ضرِّهِ أو ضررِهِ، وإنَّما هو عبادةٌ لِلَّهِ تعالَى، تلقَّيْنَاهَا عن النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.
3- أنَّ العباداتِ توقيفيَّةٌ، فلا يُشْرَعُ منهَا إلا ما شرَعَهُ اللَّهُ ورسولُهُ، ومعنَى هذا أنَّ العباداتِ لا تكونُ بالرأيِ والاستحسانِ، وإنَّما تُتلقَّى عن المشرِّعِ، وهذِهِ قاعدةٌ عظيمةٌ نافعةٌ، تُؤْخَذُ من كلامِ المُحدَّثِ المُلهَمِ، أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رضي اللَّهُ عنهُ وأرضاهُ.
4- تبيُّنُ ما يُوهِمُ العامَّةَ من مشاكلِ العِلْمِ حتَّى لا يَعْتَقِدوا غيرَ الصوابِ.
5- أنَّ فعلَ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من سُنَّتِهِ المتَّبعَةِ، فليس هناك خصوصيَّةٌ إلا بدليلٍ.
6- أنَّهُ إذا صحَّ عن الشارعِ عبادةٌ، عُمِلَ بهَا, ولو لم تُعْلَمْ حكمتُهَا، علَى أنَّ إذعانَ الناسِ وطاعتَهم في القيامِ بهَا من الحِكَمِ المقصودةِ.
7- قال شيخُ الإسلامِ: ويُستحبُّ للطائفِ أنْ يذكُرَ اللَّهَ تعالَى ويدْعُوَهُ بما يُشْرَعُ من الأدعيَةِ والأذكارِ، وإنْ قرأَ سرًّا فلا بأسَ. وليس للطوافِ ذكرٌ محدَّدٌ عن النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، لا بأمرِهِ ولا بقولِهِ، ولا بتعليمِهِ، بل يدعُو فيهِ بسائرِ الأدعيَةِ الشرعيَّةِ، وما يذكرُهُ كثيرٌ من الناسِ من دعاءٍ معيَّنٍ تحتَ الميزابِ, ونحوَ ذلك فلا أصلَ لهُ.
وكان صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يَخْتِمُ طوافَهُ بينَ الركنيْنِ بـ: ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِـرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ).

( 19 ) الغريبُ:
وَهَنَتْهُمْ: بتخفيفِ الهاءِ، أيْ: أَضْعَفَتْهم.
يَثْرِب: من أسماءِ المدينةِ النبويَّةِ في الجاهليَّةِ.
أنْ يَرْمُلُوا: بضمِّ الميمِ ( الرَّمَلُ ) هو الإسراعُ في المشيِ مع تقاربِ الخُطَا.
الأشْوَاطُ: بفتحِ الهمزةِ، جمعُ شَوطٍ بفتحِ الشينِ، وهو الجريَةُ الواحدةُ إلَى الغايةِ.
والمرادُ هنا، الطَّوْفةُ حولَ الكعبةِ.
الإبقاءُ عليهم: بكسرِ الهمزةِ والمدِّ، الرفقُ بهم، والشفقةُ عليهم.
المعنَى الإجماليُّ:
جاءَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ سَنَةَ ستٍّ من الهجرةِ إلَى مكَّةَ مُعْتَمِرًا، ومعهُ كثيرٌ من أصحابِهِ. فخرجَ لقتالِهِ وصدِّهِ عن البيتِ كفَّارُ قريشٍ، فحصلَ بينهم صُلحٌ، من مَوادِّهِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وأصحابَهُ يَرْجِعونَ هذا العامَ، ويأتونَ في العامِ القابلِ مُعتمرِينَ، ويُقيمونَ في مكَّةَ ثلاثةَ أيَّامٍ:
فجاءُوا في السَّنَةِ السابعةِ [لعُمرةِ القضاءِ].
فقالَ المشركوْنَ، بعضُهم لبعضٍ ـ تَشَفِّيًا وشَماتةً ـ: إنَّهُ سيَقْدَمُ عليكم قومٌ، وقد وَهَنَتْهُم وأضعفتْهُم حُمَّى يثربَ.
فلمَّا بلغَ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالتُهم، أرادَ أنْ يَرُدَّ قولَهم ويَغِيظَهم.
فأمرَ أصحابَهُ أنْ يُسْرِعُوا إلا فيما بين الرُّكْنِ اليمانيِّ، والركنِ الذي فيهِ الحَجَرُ الأسودُ فيَمْشُوا، رفقًا بهم، وشفقةً عليهم، حين يكونونَ بين الركنيْنِ لا يراهم المشركونَ، الذين تسلَّقوا جبلَ [ قُعَيْقِعانَ ] لينظرُوا إلَى المسلمينَ, وهم يطوفونَ، فغاظَهم ذلك حتَّى قالُوا: إنْ هُم إلا كالغِزلانِ.
فكانَ هذا الرَّمَلُ سُنَّةً مُتَّبعةً في طوافِ القادمِ إلَى مكَّةَ، تذكُّرًا لواقعِ سلفِنا الماضينَ، وتأسِّيًا بهم في مواقفِهم الحميدِةِ، ومصابرتِهِم الشديدةِ، وما قامُوا فيهِ من جليلِ الأعمالِ، لنُصرةِ الدِّينِ، وإعلاءِ كلمةِ اللَّهِ. رزَقَنا اللَّهُ اتَّباعَهم، واقتفاءَ أثَرِهم.
ما يُؤخذُ من الحديثِ:
1- أنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وأصحابَهُ، رمَلُوا في الأشواطِ الثلاثةِ الأُوَلِ ما عدَا ما بينَ الركنيْنِ، فقد رخَّصَ لهم في تركِهِ, إبقاءً عليهم، وذلك في عُمرةِ القضاءِ.
ويأتي استحبابُهُ في كلِّ الثلاثةِ، وتحقيقُ البحثِ في الحديثِ الذي بعدَ هذا إنْ شاءَ اللَّهُ تعالَى.
2- استحبابُ الرَّمَلِ في كلِّ طوافٍ وقعَ بعدَ قدومٍ، سواءٌ أكانَ لنُسكٍ أم لا، ففي صحيحِ مسلمٍ: ( كَانَ ذلك إذا طافَ الطوافَ الأوَّلَ ).
3- إظهارُ القوَّةِ والجَلَدِ أمامَ أعداءِ الدِّينِ، إغاظةً لهم، وتوهينًا لعزمِهم، وفَتًّا في أعضادِهم.
4- أنَّ من الحكمةِ في الرَّمَلِ الآنَ تذكُّرَ حالِ سلفِنا الصالحِ في كثيرٍ من مناسكِ الحجِّ، كالسعيِ، وَرَمْيِ الجمارِ، والهَدْيِ، وغيرِهَا.
5- الرَّمَلُ مختصٌّ بالرجالِ دونَ النساءِ؛ لأنَّهُ مطلوبٌ منهنَّ التستُّرُ.
6- لو فاتَ الرَّمَلَ في الثلاثةِ الأُوَلِ، فإنَّهُ لا يقضِيهِ؛ لأنَّ المطلوبَ في الأربعةِ الباقيةِ المشيُ، فلا يُخْلِفُ هيئتَهُنَّ، فتكونَ سُنَّةً فاتَ محلُّهَا.

( 20 ) الغريبُ:
يَخُبُّ - الخَبَبُ: نوعُ مِن الْعَدْوِ، وقِيلَ: هو الرَّمَلُ، وعلَى هذا فهُما مترادفانِ.
المعنَى الإجماليُّ:
كانَ ابنُ عمرَ رضي اللَّهُ عنهما من الحريصينَ علَى تتبُّعِ أفعالِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ومعرفتِهَا، والبحثِ عنهَا، ولذا فإنَّهُ يَصِفُ طوافَ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الذي يكونُ بعدَ قدومِهِ بأنَّهُ يَرْمُلُ في الأشواطِ الثلاثةِ كلِّهَا بعد أنْ يَسْتَلِمَ الحَجَرَ الأسودَ، الذي هو مُبْتَدَأُ كلِّ طوافٍ، تذكُّرًا لحالِهم السابقةِ، يومَ كانوا يفعلونَهُ إغاظةً للمشركينَ.
ما يُؤخذُ من الحديثِ:
1- استحبابُ الخَبَبِ، وهو الرَّمَلُ، في الأشواطِ الثلاثةِ الأُوَلِ كلِّهَا، في طوافِ القدومِ.
2- المشيُ في الأربعةِ الباقيةِ منهَا، ولو فاتَهُ بعضُ الرملِ أو كلُّهُ في الثلاثةِ الأُوَلِ؛ لأنَّهَا سُنَّةٌ فاتَ محلُّهَا. فالأربعةُ الأخيرةُ لا رَمَلَ فيهَا.
3- الخببُ في الأشواطِ الثلاثةِ الأُوَلِ كلِّهَا، هو فعلُ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بعد عُمرةِ القضاءِ، فيكونُ ناسخًا للمشيِ بين الركنيْنِ في عُمرةِ القضاءِ؛ لأنَّهُ متأخِّرٌ، ولأنَّ الضعفَ المانعَ من الرَّمَلِ فيهَا قد زالَ.
4- رَمَلَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بعدَ زوالِ سببِهِ، لتذكُّرِ تلك الحالِ التي كانوا عليهَا. فنحنُ نرمُلُ إحياءً لتلك الذكرَى.
5- استلامُ الحَجَرِ الأسودِ في ابتداءِ كلِّ طوافٍ، وعند محاذاتِهِ في كلِّ طوفةٍ لمَن سهُلَ عليهِ ذلك، وتقدَّمَ مشروعيَّةُ تقبيلِهِ.

( 21 ) الغريبُ:
المِحْجَنُ: بكسرِ الميمِ وسكونِ الحاءِ المُهمَلةِ، وفتحِ الجيمِ، عصًا محنيَّةُ الرأسِ.
المعنَى الإجماليُّ:
طافَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في حجةِ الوداعِ، وقد تكاثرَ عليهِ الناسُ. منهم: مَن يريدُ النظرَ إلَى صفةِ طوافِهِ. ومنهم: مَن يريدُ النظرَ إلَى شخصِهِ الكريمِ، فازْدحمُوا عليهِ. ومِن كمالِ رأفتِهِ بأُمَّتِهِ ومُساواتِهِ بينهم: أنْ ركِبَ علَى بعيرٍ, فأخَذَ يطوفُ عليهِ ليتساوَى الناسُ في رؤيتِهِ، وكان معَهُ عصًا محنيَّةُ الرأسِ، فكانَ يَسْتَلِمُ بهَا الركنَ, ويُقبِّلُ الحَجَرَ, كما جاءَ في روايةِ مسلمٍ لهذا الحديثِ.

ما يُؤخذُ من الحديثِ:
1- جوازُ الطوافِ راكبًا مع العُذْرِ؛ لأنَّ المشيَ أفضلُ، وإنَّما ركِبَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ للمصلحةِ. قال ابنُ دقيقِ العيدِ: وهو أنَّ الشيءَ قد يكونُ راجحًا بالنظرِ إلَى محلِّهِ، فإذا عارضَهُ أمْرٌ آخرُ أرجحُ منهُ قُدِّمَ علَى الأوَّلِ، من غيرِ أنْ تزولَ فضيلةُ الأوَّلِ، فإذا زالَ المعارِضُ الراجحُ عادَ الحكمُ الأوَّلُ.
2- استحبابُ استلامِ الركنِ باليدِ، إنْ أمكنَ، وإلا فبعصًا ونحوِهَا، بشرطِ ألاَّ يُؤذِيَ بِهِ الناسَ.
3- جاءَ في مسلمٍ زيادةُ: " وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ "، وأخرجَ مسلمٌ عن ابنِ عمرَ مرفوعًا: " أنَّهُ اسْتَلَمَ الحَجَرَ بيدِهِ, ثم قبَّلَهَا "، قال في فتْحِ البارِي: وبهذا قال الجمهورُ، إنَّ السُّنَّةَ أنْ يستلمَ الركنَ بيدِهِ ويقبِّلَهُ، وإذا لم يستطعْ أنْ يستلِمَهُ بيدِهِ استلمَهُ بشيءٍ وقبَّلَ ذلك الشيءَ.
4- إظهارُ العَالِمِ أفعالَهُ مع أقوالِهِ؛ لتَحْصُلَ بِهِ القدوةُ الكاملةُ، والتعليمُ النافعُ.
5- قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: واسْتُدِلَّ في الحديثِ علَى طهارةِ بوْلِ ما يُؤكلُ لحمُهُ، من حيثُ إنَّهُ لا يُؤْمَنُ بولُ البعيرِ في أثناءِ الطوافِ في المسجدِ.
ولو كانَ نجِسًا، لم يُعَرِّضِ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المسجدَ للنجاسةِ، وقد مُنِعَ - لتعظيمِ المساجدِ - ما هو أخفُّ من هذا، والأصلُ الطهارةُ إلا بدليلٍ، والدليلُ هنا أيَّدَ الأصلَ.
6- قال شيخُ الإسلامِ: والإكثارُ من الطوافِ بالبيتِ من الأعمالِ الصالحةِ، فهو أفضلُ من أنْ يخرجَ الرجلُ من الحَرَمِ ويأتِيَ بعُمرةٍ مكيَّةٍ، فإنَّ هذا لم يكنْ من أعمالِ السابقينَ الأوَّلِينَ من المهاجرينَ والأنصارِ، ولا رَغِبَ فيهِ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.

( 22 ) الغريبُ:
الْيَمَانِيَّيْنِ: نسبةً إلَى اليمنِ تغليبًا، كالقمريْنِ، للشمسِ والقمرِ، والعُمَريْنِ، لأبي بكرٍ وعمرَ، والأبويْنِ للأبِ والأُمِّ.
والمرادُ بهما: الركنُ اليمانيُّ، والركنُ الشرقيُّ، الذي فيهِ الحَجَرُ الأسودُ.
المعنَى الإجماليُّ:
للبيتِ أربعةُ أركانٍ، فللركنِ الشرقيِّ منهَا فضيلتانِ:
1- كونُهُ علَى قواعدِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ.
2- وكوْنُ الحَجَرِ الأسودِ فيهِ.
والركنُ اليمانيُّ لهُ فضيلةٌ واحدةٌ، وهو: كونُهُ علَى قواعدِ إبراهيمَ.
وليس للشاميِّ والعراقيِّ شيءٌ من هذا؛ فإنَّ تأسيسَهُما داخلٌ علَى أساسِ إبراهيمَ، حيثُ أُخْرِجَ الحَجَرُ من الكعبةِ من جهتِهِمَا.
ولهذا فإنَّهُ يُشرعُ استلامُ الحَجَرِ الأسودِ وتقبيلُهُ، ويُشْرَعُ استلامُ الركنِ اليمانيِّ بلا تقبيلٍ. ولا يُشْرَعُ في حقِّ الركنيْنِ الباقييْنِ استلامٌ ولا تقبيلٌ. والشرعُ مبناهُ علَى الاتِّباعِ، لا علَى الإحداثِ والابتداعِ. ولِلَّهِ في شرعِهِ حِكَمٌ وأسرارٌ.
ما يُؤخذُ من الحديثِ:
1- استحبابُ استلامِ الركنيْنِ اليمانيَّيْنِ.
والمستحبُّ في حقِّ الطائفِ استلامُ وتقبيلُ الحَجَرِ الأسودِ، إنْ أمكنَ بلا مشقَّةٍ، فإنْ لم يُمْكِنْ، استلَمَهُ فقطْ بيدِهِ، وقَبَّلَ يدَهُ، وإنْ لم يُمْكِنِ استلَمَهُ بعصًا ونحوِهَا، وقَبَّلَ ما استلَمَهُ بِهِ، فإنْ آذَى وشقَّ علَى نفسِهِ أو غيرِهِ، أشارَ إليهِ, ولم يُقَبِّلْ يدَهُ.
والركنُ اليمانيُّ إنْ تمكَّنَ من استلامِهِ استلَمَهُ، وإنْ لم يتمكَّنْ لم يُشِرْ إليهِ؛لأنَّهُ لم يَرِدْ، والشرعُ في العباداتِ نقْلٌ وسماعٌ.
قال شيخُ الإسلامِ: وأمَّا الركنُ اليمانيُّ فلا يُقَبَّلُ علَى الصحيحِ. وأمَّا سائرُ جوانبِ البيتِ والركنانِ الشاميَّانِ، ومقامُ إبراهيمَ، فلا يُقبَّلُ، ولا يُتَمَسَّحُ بِهِ، باتِّفاقِ المسلمينَ المُتَّبعِينَ للسُّنَّةِ المتواتِرةِ عن النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، واتَّفقُوا علَى أنَّهُ لا تُقَبَّلُ الحُجْرةُ النبويَّةُ، ولا يُتمسَّحُ بهَا؛ لئلاَّ يُضاهِيَ بيتُ المخلوقِ بيتَ الخالِقِ. فإذا كانَ هذا في قبرِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقبرُ غيرْهِ أوْلَى أنْ لا يُقَبَّلَ ولا يُسْتَلَمَ، وأمَّا الطوافُ بشيءٍ من ذلك فهو من أعظمِ البِدَعِ المُحرَّمَةِ.
2- عدمُ مشروعيَّةِ استلامِ غيرِ الركنيْنِ اليمانيَّيْنِ من أركانِ الكعبةِ، ولا غيرِهَا من المقدَّسَاتِ، كمقامِ إبراهيمَ، وجبلِ الرَّحمةِ في ( عَرَفَةَ ) والمشعرِ الحرامِ في ( مُزدلِفَةَ )، وروضةِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الشريفةِ، وصخرةِ بيتِ المقدسِ، وغيرِهَا.
فإنَّ الشرْعَ يُؤخذُ من الشارعِ بلا زيادةٍ ولا غُلُوٍّ، ولا نُقصانٍ، ولا جفاءٍ.
ومَن شرَّعَ عبادةً لم يُشَرِّعْهَا اللَّهُ ورسولُهُ، فقد كذَّبَ اللَّهَ سبحانَهُ في قولِهِ: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )، واستدركَ علَى رسالةِ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الذي يقولُ: " تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا ".
وإنَّنَا لَنرَى مَن يُخِلُّ بصلاةِ الفَرْضِ، فيُسَلِّمُ مع الإمامِ أو قبلَهُ؛ لِيكونَ الأوَّلَ في تقبيلِ الحجَرِ الأسودِ. وكلُّ هذا من آثارِ الجهلِ، وقلَّةِ الناصحينَ والمُرْشِدينَ.
فلقد انْصَرَفْنَا إلَى حُبِّ الدنيا، الذي هو رأسُ كلِّ خَطيئةٍ، وترَكْنَا أوامرَ اللَّهِ تعالَى وراءَ ظهورِنا. فإنَّا لِلَّهِ، وإنَّا إليهِ راجعونَ.

  #5  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 09:15 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

بابُ دخولِ مكَّةَ وغيرِهِ

223 - الحديثُ الأولُ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: اقْتُلُوهُ)).
ثبتَ من قولِ ابنِ شهابٍ فِي روايةِ مالكٍ: ((أنَّ النبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمْ يكنْ مُحْرِمًا ذلكَ اليومَ)) وظاهرُ كونِ ((المغفرِ)) على رأسِه، يقتضِي ذلكَ، ولكنَّهُ محتمِلٌ أن يكونَ لعُذرٍ، وأُخِذَ مِن هذَا أن المريدَ لدُخولِ مكةَ إذا كانَ مُحَارِبًا يباحُ لهُ دخولُهُا بغيرِ إحرامٍ، لحاجةِ المحارِبِ إِلَى التَّستُّرِ بما يقيِهِ وَقْعَ السِّلاحِ.
((وابنُ خَطَلٍ)) بفتحِ الخاءِ والطاءِ اسمُه عبدُ العُزَّى. وإباحةُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقتلِه قد يُتَمَسَّكُ بهِ فِي مسألةِ إباحةِ قتلِ المُلتجِىءِ إِلَى الحرَمِ.
ويجابُ عنه بأنَّ ذَلِك محمولٌ على الخصوصيَّةِ التي دلَّ عليهَا قولُه عليهِ السَّلامُ: ((ولم تَحِلَّ لأحدٍ قبلي، ولا تحلُّ لأحدٍ بعدي، وإنَّما أُحِلَّتْ لي ساعةً من نهارٍ)).

224 - الحديثُ الثَّاني: عنْ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا، ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ، وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى)).
((كَدَاءٌ)) بفتحِ الكافِ والمدِّ. و((الثنيةُ السُّفلَى)) المعروفُ فيهَا ((كُدًى)) بضمِّ الكافِ والقصرِ. وثَمَّ موضعٌ آخرُ يقالُ له: ((كُدَىٌّ)) بضمِّ الكافِ وفتحِ الدَّالِ وتشديدِ الياءِ، وليسَ هو السُّفلى على المعروفِ. و((الثنيةُ)) طريقٌ بينَ الجبليْنِ. والمشهورُ: استحبابُ الدُّخولِ مِن كَدَاءٍ، وإن لم تكنْ طريقَ الداخلِ إِلَى مكَّةَ، فيُعَرِّجُ إليهَا. وقيلَ: إنما دخلَ النبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهَا؛ لأنهَا على طريقِه. فلا يُسْتَحَبُّ لمن ليستْ على طريقِهِ. وفيهِ نظرٌ.

225 - الحديثُ الثالثُ: عن عبدِ اللهِِ بنِ عُمرَ، رضيَ اللهُ عنهُمَا، قَالَ: ((دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ البَابَ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلالًا، فَسَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ)).
فيهِ أمرانِ:
أحدُهما: قبولُ خبرِ الواحدِ. وهو فردٌ من أفرادٍ لا تُحصَى، كما قدَّمناهُ. وفيه جوازُ الصَّلاةِ فِي الكعبةِ. وقد اختُلِفَ فِي ذلكَ. ومالكٌ فرَّقَ بينَ الفرضِ والنَّفلِ، فكرِهَ الفرضَ أو منعَهُ. وخفَّفَ فِي النفلِ؛ لأنهُ مَظِنَّةُ التخفيفِ فِي الشُّروطِ.
وَفِي الحديثِ: دليلٌ أيضًا على جوازِ الصلاةِ بينَ الأَساطينِ والأعمدةِ، وإن كانَ يُحْتَمَلُ أن يكونَ صلَّى فِي الجهةِ التى بينَهمَا، وإن لم يكنْ فِي مَسامتَتِهمَا حقيقةً، وقد وردتْ فِي ذلكَ كراهةٌ، فإن لمْ يصحَّ سندُها قُدِّمَ هذا الحديثُ وعُمِلَ بحقيقةِ قولِهِ: ((بينَ العمودينِ)) وإن صحَّ سندُها: أُوِّلَ بما ذكرناهُ: أنه صلَّى فِي سَمتِ ما بينهمَا, وإن كانتْ آثارًا فقطْ: قُدِّم المسندُ عليهَا.

226 - الحديثُ الرابعُ: عَنْ عُمَرَ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، ((أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الأسْوَدِ، فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ)).
فيهِ دليلٌ على استحبابِ تقبيلِ الحجرِ الأسودِ, وقولُ عمرَ هذَا الكلامَ فِي ابتداءِ تقبيلهِ؛ ليُبَيِّنَ أنه فعلَ ذلكَ اتِّباعًا؛ وليُزيلَ بذلكَ الوهمَ الَّذِي كانَ ترتَّبَ فِي أذهانِ النَّاسِ فِي أيَّامِ الجاهليَّةِ. ويُحقِّقَ عدمَ الانتفاعِ بالأحجارِ من حيثُ هيَ هيَ، كمَا كانتِ الجاهليَّةُ تعتَقِدُ فِي الأصنامِ.
227 - الحديثُ الخامسُ: عنْ عبدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ((لمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ، وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ الثَّلاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأشْوَاطَ كُلَّهَاإِلا الإبْقَاءُ عَلَيْهِمْ)).
قيلَ: إنَّ هذا القدومَ لمْ يكنْ فِي الحجَّةِ، وإنَّما كانَ فِي عمرةِ القضاءِ، فأُخِذَ من هذا: أنه نُسِخَ منهُ عدمُ الرَّمَلِ فيما بينَ الركنيْنِ، فإنهُ ثبتَ أنَّ النبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَل مِن الحجَرِ إِلَى الحجَرِ وذُكِرَ أنه كانَ فِي الحجِّ فيكونُ متأخِّرًا، فيُقدَّمُ علَى المتقدِّمِ.
وفيه دليلٌ على استحبابِ الرَّمَلِ, والأكثرونَ على استحبابِهِ مطلقًا فِي طوافِ القدومِ فِي زمنِ النبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعدَهُ،وإن كانتِ العلَّةُ التي ذكرَهَا ابنُ عباسٍ قد زالتْ. فيكونُ استحبابُه فِي ذلكَ الوقتِ لتلكَ العلَّةِ، وفيمَا بعدَ ذلكَ تأسِّيًا واقتداءً بما فُعِلَ فِي زمنِ الرَّسولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي ذلكَ من الحِكمةِ: تذكُّرُ الوقائعِ الماضيةِ للسَّلفِ الكرامِ، وَفِي طَيِّ تذكُّرِها مصالحُ دينيَّةٌ؛ إذ يَتَبيَّنُ فِي أثناءِ كثيرٍ منهَا ما كُانوا عليهِ مِن امتثالِ أمرِ اللهِ تَعَاَلى، والمبادرةِ إليهِ، وبذلِ الأنفُسِ فِي ذلكَ. وبهذِه النُّكتةِ يظْهرُ لكَ أنَّ كثيرًا مِن الأعمالِ التي وقعتْ فِي الحجِّ، ويقالُ فيهَا: ((إنها تَعبُّدٌ)) ليستْ كما قيلَ. ألا تَرَى أنَّا إذا فَعَلْناهَا وتذكَّرْنا أسبابَهَا حصلَ لنَا مِن ذلكَ تعظيمُ الأوَّلِينَ، وما كانُوا عليهِ من احتمالِ المشاقِّ فِي امتثالِ أمرِ اللهِ، فكانَ هذا التذكُّرُ باعثًا لنا على مثلِ ذلكَ، ومقرِّرًا فِي أنفسِنَا تعظيمَ الأوَّلينَ، وذلكَ معنىً معقولٌ.
مثالُهُ: السَّعيُ بينَ الصَّفا والمروةِ. إذا فَعَلْناهُ وتذكَّرْنَا أنَّ سببَهُ قِصَّةُ هاجرَ مع ابنِها، وتَرْكُ الخليلِ لهمَا فِي ذلكَ المكانِ المُوحِشِ منفردَيْنِ منقطِعَيْ أسبابِ الحياةِ بالكليَّةِ، معَ ما أظهرهُ اللهُ تعالى لهمَا من الكرامةِ، والآيةِ فِي إخراجِ الماءِ لهُمَا - كانَ فِي ذلكَ مصالحُ عظيمةٌ. أي: فِي التذكُّرِ لتلكَ الحالِ. وكذلكَ ((رميُ الجمارِ)) إذا فَعَلْنَاهُ، وتذكَّرْنَا أنَّ سببَهُ رميُ إبليسَ بالجمارِ فِي هذِه المواضِعِ عندَ إرادةِِ الخليلِ ذبحَ ولدِه حصلَ مِن ذلكَ مصالحُ عظيمةُ النَّفعِ فِي الدِّينِ.
وفي الحديثِ: جوازُ تسميةِ الطَّوافاتِ بالأشواطِ؛ لقولِهِ: ((فأَمَرَهُمْ أن يرمُلُوا الأشواطَ الثَّلاَثةَ)) ونُقِلَ عن بعضِ المتقدِّمِينَ، وعن الشافعيِّ أنهما كَرِهَا هذهِ التسميةَ. والحديثُ على خلافِه.
وإنَّماذُكرَ فِي هذا الحديثِ: ((أَنَّهمْ لم يَرمُلوُا بينَ الرُّكنينِ اليمانيَيْنِ))؛لأن المُشركينَ لمْ يكونُوا يَرَوْنَ المسلمينَ إذا كانُوا فِي هذا المكانِ.

228 - الحديثُ السادسُ: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأسْوَدَ - أَوَّلَ مَا يَطُوفُ - يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَشْوَاطٍ)).
فيهِ دليلٌ على الاستلامِ للرُّكنِ. وذكرَ بعضُ مصنفِي الشَّافعيَّةِ المتـأخِّرينَ أنَّ أستلامَ الرُّكنِ يُستحبُّ مع استلامِ الحجرِ أيضًا، وله متمسَّكٌ بهذا الحديثِ، وإن كانَ يحتملُ أن يكونَ مَعنى قولِه: ((استلمَ الرُّكنَ)) استلمَ الحجرَ. وعبَّرَ بقولهِ: ((استلمَ الرُّكْنَ)) عن كونهِ استلمَ الحجرَ، فإنَّ الحجرَ بعضُ الرُّكنِ. كما أنهُ إذا قالَ: ((استلمَ الرُّكْنَ)) إنما يريدُ بعضَهُ. وفيه دليلٌ على ((الْخَبَبِ)) فِي جميعِ الأشواطِ الثَّلاثِ, وفيه دليلٌ على تقديمِ الطَّوافِ فِي ابتداءِ قدومِ مَكَّةَ.

229 - الحديثُ السَّابعُ: عَنِ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ)). المِحْجَنُ: عَصًا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ.
فيه دليلٌ على جوازِ الطَّوافِِ راكبًا. وقيلَ: إنَّ الأفضلَ المشيُ. وإنَّما طافَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكبًا لِتَظْهَرَ أفعالُهُ، فَيُقْتدَى بِهَا، وهذا يُؤْخذُ منهُ أصْلٌ كبيرٌ. وهو أنَّ الشَّيءَ قد يكونُ راجِحًا بالنَّظرِ إِلَى محلِّهِ من حيثُ هو. فإذا عارضهُ أمرٌ آخرُ أرجحُ منهُ قُدِّمَ على الأوَّلِ من غيرِ أن تزولَ الفضيلةُ الأولى، حتى إذا زالَ ذلك المعارِضُ الرَّاجحُ عادَ الحكمُ الأولُ من حيثُ هوَ هو. وهذا إنما يقْوَى إذا قامَ الدَّليلُ على أنَّ ترْكَ الأوَّلِ إنما هو لأجلِ المُعارِضِ الرَّاجحِ. وقد يُؤْخَذُ ذلك بقرائنَ ومناسباتٍ. وقد يُضَعَّفُ، وقد يُقَوَّى بحسبِ اختلافِ الموَاضعِ. وههنا يَصْطَدِمُ الظَّاهرُ معَ المُتَّبعينَ لِلْمعانِي.
واستُدِلَّ بالحديثِ على طهارةِ بولِ ما يُؤْكَلُ لحمُهُ، مِن حيثُ إنَّه لا يُؤْمَنُ بولُ البعيرِ فِي أثناءِ الطَّوافِ فِي المسجدِ. ولو كانَ نجِسًا لم يُعَرِّضِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجدَ للنَّجَاسَةِ. وقد منَعَ لتعظيمِ المساجدِ ما هو أخفُّ مِن هذا.
وَفِي الحديثِ دليلٌ على الاسْتلامِ بالمِحْجَنِ، إذا تعذَّر الوصولُ إِلَى الاستلامِ باليدِ, وليسَ فيهِ تَعَرُّضٌ لتقبيلِهِ.

230 - الحديثُ الثَّامنُ: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ((لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنَ الْبَيْتِ إِلا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ)).
اختلفَ النَّاسُ: هل تُعَمُّ الأركانُ كلُّهَا بالاستلامِ، أم لا؟ والمشهورُ بينَ عُلماءِ الأمصارِ ما دلَّ عليه هذا الحديثُ. وهو اختصاصُ الاستلامِ بالرُّكنينِ اليَمانيَّينِ وعلَّتُهُ. أنَّهما على قواعدِ إبراهيمَ عليهِ السلامُ. وأمَّا الرُّكنانِ الآخرانِ فاستَقْصرَا عن قواعدِ إبراهيمَ. كذَا ظنَّ ابنُ عمر. وهو تعليلٌ مناسبٌ. وعن بعض الصَّحابةِ أنه كانَ يَسْتَلِمُ الأركانَ كلَّها، ويقولُ: ((ليسَ شيءٌ من البيتِ مهجورًا)) واتِّباعُ ما دلَّ عليهِ الحديثُ أولَى. فإنَّ الغالبَ على العباداتِ الاتِّباعُ، لا سيَّما إذا وقعَ التَّخْصيصُ مع توهُّمِ الاشتراكِ في العلَّة ِ،وهنا أمرٌ زائدٌ، وهو إظهارُ معنىً للتخصيصِ غيرِ موجودٍ فيما تُرِكَ فيهِ الاستلامُ.

  #6  
قديم 14 ذو القعدة 1429هـ/12-11-2008م, 09:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

الحديث الثاني حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلة مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر.
المغفرة آلة توضع في الرأس تستره عن السلاح، تسمى المغفر وهذا يدل على أنه غير محرم، دخلها وليس بمحرم، إنما جاء لقتال قريش وفتح مكة للمسلمين، فلهذا لم يحرم، فدل ذلك على أن من جاء مكة ليس لقصد الحج والعمرة لا بأس أن يدخلها من غير إحرام. ولذلك في حديث ابن عباس لما ذكر المواقيت قال صلى الله عليه وسلم: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن فمن أراد الحج أو العمرة، و أما الذي ما أراد الحج أو العمرة فلا يلزمه الإحرام. كمن يأتي للتجارة أو الزيارة الأقارب، أو لخصومة، فليس عليه إحرام , لكن إن أراد العمرة أحرم، وإن لم يردها فلا شيء عليه.
وفيه من الفوائد ( حديث أنس ) أنه يجوز قتل من ألحد في الحرم. أما الذي يأتي من الخارج يجب أن يؤمن، ومن دخله كان آمنا , لكن الذي يفعل الفساد في الحرم يقتل، وإذا زنى وهو محصن رجم، وإذا سرق يقطع، وإذا سب الدين أو سب الرسول يقتل لأنه جنى في الحرم، فيجازى في الحرم، ولهذا لما سرقت بعض نساء بني مخزوم أمر النبي بقطع يدها، وهكذا ابن خطل لما كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم ويهجوه أمر النبي بقتله لردته.
الحديث الثالث يدل على شرعية دخول مكة من اعلاها، وهو قرب المسفلة، يدخلها من أعلاها، من كداء بالفتح، الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى، هذا هو الأفضل. كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث الرابع حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح الله عليه مكة دخل الكعبة يوم الفتح وصلى فيها ركعتين، وكان معه بلال بن رباح وأسامة بن زيد، مولاه عتيقه وابن عتيقه، وعثمان بن طلحة الحاجب من بني شيبة، كانوا معه لما دخل عليه الصلاة والسلام، دخل الكعبة وأغلقوا عليهم الباب، وصلى ركعتين في غربي الكعبة بين العمودين اليمانيين، أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، كان فيها ستة أعمدة ذاك الوقت، وجعل الجدار الغربي أمامه، بينه وبينه ثلاثة اذرع، فلما فتحوا الباب دخل ابن عمر فسأل: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدلوه على محل النبي فصلى فيه.
وفي حديث ابن عباس أنه دخل الكعبة وكبر في نواحيها ودعا، هذا يدل على استحباب دخول الكعبة، وأنه يستحب إذا تيسر دخول الكعبة أن يدخلها ويصلي فيها، ويدعوا الله ويكبر، كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا تيسر له دخول الكعبة من دون مشقة ولا زحمة ولا أذى فلا بأس. ليس من سنة العمرة وليس من سنة الحج، إنما هو مستحب مستقل، من دخلها فلا بأس، ومن تركها فلا بأس. وإذا كان دخولها يترتب عليه زحمة، أو اختلاطه بالنساء وفتنة فالذي ينبغي له ترك ذلك، لكن إذا تيسر بدون ذلك دخل وصلى ركعتين أو أكثر، ودعا في نواحيها وكبر تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام.
وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
" يستلم الركن بحجن "
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا البيت إلا الركنين اليمانيين.
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله من اهتدى بهداه.
أما بعد / فهذه الأحاديث مسائل الحج والعمرة.
الأول: حديث عمر رضي الله عنه، وهو عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي، الإمام المشهور، الخليفة الراشد، أفضل الصحابة بعد الصديق رضي الله عن الجميع، أنه قبل الحجر ثم قال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولو لا أني رأيت النبي يقبلك ماقبلتك.
مقصوده رضي الله عنه البيان أنه لم يقبل لاعتقاد فيه أنه ينفع أو يضر كاعتقاد الجاهلية في أصنامها أنها تشفع لهم أو أنها كذا. إنما قبلته تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام. ولهذا قال: إني لأعلم، اللام هذه لام الابتداء، إني لأعلم، يعني إني أعلم، أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، لو لأني رأيت النبي يقبلك ما قبلتك، لو لا التأسي ما فعلت هذا، ليعلم الناس أنه ليس للاعتقاد كما يعتقد الكفار في أصنامهم، وإنما هو اتباع وتأسٍِّ بالنبي عليه الصلاة والسلام. ولا يمنع ذلك من كونه يشهد لمن استلمه بحق في الحديث الآخر، أنه يأتي يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان ينطق به، يشهد لمن استلمه بحق، هذه نعمة من الله عز وجل لأهل الإيمان يشهد لهم هذا الحجر بالحق إذا كانوا استلموه بحق، بإيمان وهدى وإسلام.
وفيه شرعية التقبيل، وأنه يستحب تقبيل الحجر في طواف العمرة وطواف الحج وطواف التطوع، يستحب تقبيله إذا تيسر، من دون مزاحمة، أما إذا عليه مزاحمة فلا، لا يزاحم عليه، لا يشق على نفسه، إذا تيسر من دون مشقة، وإلا فليمض، يشير إليه ويمضى إذا قابله، وإذا حاذاه يشير إليه هكذا، يقول الله أكبر ويمضى، يشير بيده ويمضي كما كان النبي يفعل صلى الله عليه وسلم، كان إذا طاف في بعض الأحيان أشار إليه وكبر عليه الصلاة والسلام.
وفي الحديث الثاني حديث ابن عباس في قصة طوافه في عمرة القضاء أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا مابين الركنين، وذلك لأن المشركين قالوا: إنه يقدم عليكم قوم قد أوهتهم حمى يثرب. قال بعضهم لبعض: يقدم عليكم، يعني يرد إليكم، يقال: قدِم يقدَم، أي من السفر ونحوه، قدِم يقدَم كفرح يفرح وتعب يتعب، أما قدَم يقدُم فهذا معناه تقدم القوم، صار أماههم، قدَم يقدُم من باب نصر ينصر إذا صار أمام القوم. ومنه قوله تعالى في قصة فرعون ( يقدُم قومه يوم القيامة ) يقدمهم يعني يكون امامهم قائداً لهم، نسأل الله العافية. وأما قدُم يقدُم فمعناه القدم، يقال: قدُم هذا الشيء يقدُم إذا صار قديما، مضى عليه دهر، من باب، كرُم يكرُم، قدُم يقدُم. هذا له ثلاثة تصرفات: فَعِل يفعَل إذا قدم من السفر ونحوه، فَعَل يفعُل إذا تقدم القوم، فَعُل يعني صار قديما.
وقد أوهنتهم: أضعفتهم، حمى يثرب: حمى المدينة، تسمى يثرب عندهم، فلما أسمع النبي هذا الكلام أمرهم أن يرملوا حتى يظهروا للعدو نشاطهم وقوتهم، لأن نشاط المسلمين وقوتهم مما يحزن العدو ويغيظه، ولهذا أمرهم أن يرملوا حتى يعلم العدو نشاطهم وكذب قولهم إن الحمى أوهنتهم، وأن يمشوا بين الركنين، لأنهم إذا كانوا بين الركنين اختفوا عن المشركين، المشركون كانوا من جهة فعينقاع، من جهة الحجر. فإذا كان الطواف بين الركنين ما رأوهم ذلك الوقت.
قال: ولم يمنعهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا بقاء، لعل النصب أولى، مفعول لأجله، ولم يمنعهم إلا من أجل الإبقاء، لم يمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا الإبقاء، يعني إلا من أجل الإبقاء، النصب أولى.
والحديث الثالث حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير يستلم الركن بمحجن. هذا يدل على أنه يجوز الطواف على البعير والعربانه، ولكن الطواف بالمشي أولى وأفضل، فإن طاف على بعير أو عربانه جاز له ذلك. وقال قوم: لا يجوز إلا من علة كالمرض والصواب أنه يجوز وكذلك السعي يجوز، إذا كان أرفق به، أو لكثرة الزحام طاف من بعيد، فلا بأس ، لأنه طاف على بعير عليه الصلاة والسلام لما كثر عليه الناس. وهكذا سعى عليه الصلاة والسلام، لكن كونه يمشي مع القدرة أولى وأفضل.
وفيه أنه يستلم الركن بمحجن، المحجن عصا لها رأس محدوب كان يمده هكذا ويقبل المحجن، وهكذا إذا استلمه بيده يقبل يده. فإن تيسر تقبيله قبله كما تقدم في حديث عمر، وإذا ما تيسر استلمه بيده أو بمحجن وقبله، فإن لم يتيسر ذلك أشار.
فالأحوال ثلاثة: الحال الأولى يتمكن ويقبل بدون مشقة، السنة أن يقبل ويكبر، يقبله بفمه ويقول: الله أكبر ويستلم.
الحاله الثانية: أن لا يستطيع إلا باليد، يستلمه بيده ويقبل يده ويكبر.
الحاله الثالثة: أن لا يستطيع بيده ولا بفمه، لكن بالعصى، يمدها ويستلمه بها ويقبل طرفها إذا تيسر ذلك، أما إن كان في ذلك جهاد للناس أو مشقة فلا يؤذي الناس، بل يجيء من بعيد، الحالة الرابعة: يشير ويكبر من دون مس، وهكذا حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم خب ثلاثة أشواط ومشى أربعة. السنة أنه في طواف القدوم أن يخب ثلاثة أشواط، أي يعجل فيها، يهرول، والأربعة الباقية يمشي مشياً، هذا في طواف القدوم خاصة، العمرة والحج، أما بقية الأطوفة، طواف الإفاضة، طواف الوداع، الأطوفة الأخرى يعني فلا يهرول وإنما يمشي مشيا، إلا طواف القدوم ، للرجال خاصة، أما النساء فلا يهرولن بل يمشين مشيا، لأنهن عورة.
وهكذا الاضطباع وهو أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وأطرفه على عاتقه، هذا في طواف القدوم خاصة، وما سواه يجعل الرداء هكذا على كتفيه ويلفه على صدره، هذا السنة، وفي الرداء، دائما حالة واحدة، إلا في طواف القدوم عند الطواف فإنه يجعل وسطه تحت إبطه الأيمن ويبدي ضبعه الأيمن، ويجعل طرفه على عاتقه الأيسر وهكذا الرمل في طواف القدوم في الأشواط الثلاثة الأول. أما بقية الأطوفة فليس فيها رمل وليس فيها اضطباع.
الحديث الأخير حديث ابن عمر أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من الكعبة إلا الركنين اليمانيين. هذا السنة، استلام الركنين اليمانيين، الذي فيه الحجر، واليماني فقط ا الركنان اللذان ينصلان بالحجر فالسنة أن لا يستلمها ولا يكبر عندهما، لأنهما عل ذلك عليه والصلاة والسلام وإنما الاستلام للركنين اليمانيين، وهما الركن الذي فيه الحجر الأسود، والثاني الذي قبله، هذان ستلمان، أما التقبيل فيختص بالحجر الأسود، لا يقبل إلا الأسود خاصة. أما الاستلام فلهما جميعا والتكبير لهما جميعا عند الاستلام، فإن لم يتيسر ، أشار إلى الحجر الأسود، ولم يشر إلى الركن اليماني لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير إليه، وما يوجد في بعض المناسك بأنه يشار إليه ليس عليه دليل أما الركنان الآخران الذان على حافة الحجر فلا يستلمان ولا يقبلان ولا يشار إليهما.
وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, دخول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:52 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir