تلخيص الدرس الرابع والثلاثون من الأربعين النووية
عَنْأَبي سعيدٍ الخُدريِّرَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (( مَنْ رَأَى مِنْكُمْمُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ،فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ )).رواهمسلِمٌ.
العناصر:
• تخريج الحديث
• موضوع الحديث
• قصة الحديث
• منزلة الحديث
• الشرح الإجمالي للحديث
• شرح قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرًا..."
• معنى قوله (رأى)
• أنواع الرؤية
• معنى قوله (منكرًا)
• ضابط إنكار المنكر.
• مسألة: هل وجوب الإنكار متعلق بالانتفاع؟
• مسألة: ما الشروط الواجب توفرها في المنكِر؟
• معنى قوله (فليغيره)
• مراتب تغيير المنكر
• معنى قوله: (فليغيره بيده)
• مسألة: من يقوم بإنكار المنكر اليد.
• معنى قوله: (فإن لم يستطع فبلسانه)
• معنى قوله: (فإن لم يستطع فبقلبه)
• معنى قوله: (وذلك أضعف الإيمان)
• مسألة: ما حكم تغيير المنكر؟
• أحوال المنكر عليهم بعد الإنكار.
• دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• فوائد من الحديث.
التلخيص:
• تخريج الحديث:
- هذا الحديث خرّجه مسلم من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد.
- ومن رواية إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد.
• موضوع الحديث:
وجوب تغيير المنكر.
• قصة الحديث:
عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك.
فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثم ذكر الحديث.
• منزلة الحديث:
هذا الحديث عظيم الشّأن؛ لأنّه نصّ على وجوب إنكار المنكر، وهذا كما قال النّوويّ: (باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث، عمّ العقاب الصّالح والطّالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظّالم أوشك أن يعمّهم الله بعذابٍ: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}، فينبغي لطالب الآخرة، الساعي في تحصيل رضى الله عز وجل، أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم) اه.
• الشرح الإجمالي للحديث:
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم)) يا معشر المكلفين ((منكرًا)): شيئًا أنكره الشرع ومنع عنه، ومعرفة المنكر ومراتبه ومراتب الإنكار عنه يحتاج إلى علم كثير.
((فليغيره بيده)) إن كان مما يمكن تغييره باليد؛ غيرةً لله تعالى، وقيامًا بحقه، ((فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع)) إنكاره بلسانه لعجزه، ((فبقلبه)) فلينكره بقلبه، وليكرهه كراهةً شديدةً من حيث إن فيه مخالفة رب الأرباب، ((وذلك)) الرجل الذي لا يقدر إلا على الإنكار بالقلب، ((أضعف)) أهل ((الإيمان)) إيمانًا، حيث لم يمكنه ربه من وظائف أرباب الكمال.
وقد زيد في بعض الروايات: ((وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان)).
• شرح قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرًا فليغيره..."
• معنى قوله: (رأى منكم)
"مَنْ رَأَى": المراد من علم وإن لم يرَ بعينه فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبربيقين وما أشبه ذلك، وإن كان ظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه.
"منكم": أي من أمة الإجابة الذين يطبقون الأوامر، ويتركون النواهي، ويدعون إلى العمل الذي عملوه فهم قدوة، ولا يأمرون بالشيء الذي يتركونه، ولا ينهون عن شيء يقعون فيه. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} [الصف: 2]، وقال: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم...} [البقرة 44].
وفي الحديث: ((يؤتى بالرجل يوم القيامة فتندلق أقتابه فيدور كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم ولا آتيه، وأنهاكم وآتيه)) الحديث.
• أنواع الرؤية
الرؤية رؤيتان:
o بصرية: وتشترك فيها جميع المخلوقات، وهي بالعينين.
o وقلبية: وتسمى بصيرةً أو رؤيةً علميةً يقينيةً، وهذه للمؤمنين الذين يؤمنون بالغيب، ويمتثلون أوامر الله ويعملون بها؛ ولذا يعملون للآخرة كأنما يرونها. فتكون الرؤية بصريةً بالبصر، أو علميةً بالعلم اليقيني بإخبار الثقات.
• معنى قوله: (منكرًا)
المنكر: هو ما نهى الله عنه ورسوله، لأنه ينكر على فاعله أنيفعله.
• ضابط إنكار المنكر:
لابد أن يكون المنكر
- ظاهرًا معلومًا، وليس للآمر البحث والتفتيش والتجسس وتسور جدران البيوت واقتحامها بحجة البحث عن المنكر.
- مجمع على أنه منكر أي ليس فيه خلاف.
- منكر في حق فاعله.
• مسألة: هل وجوب الإنكار متعلق بالانتفاع؟
وجوب الإنكار متعلق بالقدرة بالإجماع، ومتعلق بظن الانتفاع عند كثير من أهل العلم.
قال طائفة من العلماء:إنما يجب الإنكار إذا غلب على ظنه أن ينتفع المنكر عليه باللسان فيما لا يدخل تحت ولايته، أما إذا غلب على ظنه أنه لا ينتفع فإنه لا يجب الإنكار، وذلك لظاهر قول الله جل وعلا: {فذكر إن نفعت الذكرى} فأوجب التذكير بشرط الانتفاع، وهذا ذهب إليه جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
ودل عليه عمل عدد من الصحابة -رضوان الله عليهم- كابن عمر وابن عباس وغيرهما لما دخلوا على الولاة وأمراء المؤمنين في بيوتهم وكان عندهم بعض المنكرات في مجالسهم فلم ينكروها، وذلك لغلبة الظن أنهم لا ينتفعون بذلك؛ لأنها من الأمور التي أقروها وسرت فيما بينهم، وهذا خلاف قول الجمهور.
والجمهور على أنه يجب مطلقاً، سواءً غلب على الظن أم لم يغلب على الظن؛ لأن إيجاب الإنكار لحق الله جل وعلا، وهذا لا يدخل فيه غلبة الظن.
• مسألة: ما الشروط الواجب توفرها في المنكِر؟
يشترط في المُنكِر أمور، وهي:
1- الإسلام.
2- التكليف؛ لرفع القلم عن غير المكلف.
3- الاستطاعة، وهي الواردة في الحديث.
4- العدالة.
5- وجود المنكر ظاهرا.
6- العلم بما ينكر وبما يأمر.
• معنى قوله: (فليغيره)
"فليغيره":يعني فليغير المنكر، فلا يدخل في الحديث عقاب فاعل المنكر؛ لأن فاعل المنكر تكتنفه أبحاث أو أحوال متعددة فقد يكون الواجب معه الدعوة بالتي هي أحسن، وقد يكون التنبيه، وقد يكون الحيلولة بينة وبين المنكر والاكتفاء بزجره بكلام ونحوه، وقد يكون بالتعزير، إلى آخر أحوال ذلك المعروفة في كل مقام بحسب ذلك المقام وما جاء فيه من الأحكام.
• مراتب تغيير المنكر:
لتغيير المنكر ثلاث مراتب:
o الإنكار باليد.
o الإنكار باللسان ويدخل فيه الكتابة.
o الإنكار بالقلب.
• معنى قوله: (فليغيره بيده)
"بيده": اليد تطلق على الجارحة ويراد بها اليمنى واليسرى، وهي من رؤوس الأصابع إلى الكتف، وخصت؛ لأنها قوة الإنسان في الأخذ والعطاء والكف والمدافعة،
• مسألة: من يقوم بإنكار المنكر اليد.
وإنكار المنكر باليد من قبل ولي الأمر صاحب السلطة لقوته وهيبته، والأب على أولاده، والسيد على عبده، وهذا الإنكار هو أقوى درجات الإنكار؛ لأنه إزالة للمنكر بالكلية وزجر عنه.
ولا يكون هذا التغيير ممن لا يملك سلطةً؛ لترتب المفاسد العظيمة على ذلك؛ إذ قد ينكر منكراً فيقع فيما هو أنكر، وليس ذلك من الحكمة.
وقد علق الإنكار باليد على الاستطاعة، وهذه الدرجة الأولى لولي الأمر في الولاية العامة والخاصة.
• معنى قوله: (فإن لم يستطع فبلسانه)
"فإن لم يستطع فبلسانه": هذه الدرجة الثانية من درجات تغيير المنكر، وهو التغيير باللسان عند من لا يملك سلطةً، وهذا التغيير بالقول من تذكير وترغيب وترهيب، وهو في مقدور أهل العلم الذين هم أئمة العقول والأفكار، ولا يعذر عنه إلا من لا يملك القدرة الكلامية، أو لا يستطيع التغيير لوجود موانع تمنعه، وحاجة الناس لهذه المرتبة شديدة جدًا؛ لكثرة الأخطاء، ووجود الغفلة وقسوة القلوب وكثرة الفتن وانغماس الناس في الدنيا ونسيان الآخرة.
• معنى قوله: (فإن لم يستطع فبقلبه)
"فإن لم يستطع فبقلبه": هذه الدرجة الثالثة لتغيير المنكر، وهي واجبة على الجميع؛ إذ هي تغيير داخلي لا يتعدى صاحبها، وهي تألم القلب لهذا المنكر وكراهيته له ولأهله وتمني زواله والدعاء لصاحبه بالسلامة منه، وهذه أضعف درجة؛ إذ ليس بعدها شيء من الإيمان.
• معنى قوله: (وذلك أضعف الإيمان)
"وذلك أضعف الإيمان":سميت الدرجة الثالثة ضعفاً؛ لأن كتم الإنكار وعدم إظهاره يدل على الضعف وعدم وجود الغيرة، والكراهية لهذا المنكر يدل على الإيمان.
• مسألة: ما حكم تغيير المنكر؟
- إنكار المنكر باليد واللسان له حالتان:
1- فرض كفاية: قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصديةً لهذا الشأن) اه.
وقال ابن العربي في تفسيره لهذه الآية: (في هذه الآية والتي بعدها - يعني {كنتم خير أمة أخرجت للناس…}- دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة الدين بإقامة الحجة على المخالفين) اه.
2- فرض عين:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه))، دل عموم هذا الحديث على وجوب إنكار المنكر على كل فرد مستطيع علم بالمنكر أو رآه.
قال القاضي ابن العربي: (وقد يكون فرض عين إذا عرف المرء من نفسه صلاحية النظر والاستقلال بالجدال، أو عرف ذلك منه)اه.
وقال ابن كثير: وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في (صحيح مسلم): عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من رأى منكم منكرًا فليغيره…))، ثم ساق الحديث.
وقال النووي: ثم إنه قد يتعين - يعني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في معروف.
- أما إنكار المنكر بالقلب فمن الفروض العينية التي لا تسقط مهما كانت الحال، فالقلب الذي لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر قلب خرب خاو من الإيمان.
• مسألة: حكم جلوس المنكِر في مكان المنكَر بعد الإنكار.
• أحوال المنكر عليهم بعد الإنكار.
للناس في ذلك أربع أحوال وضحها ابن القيم مع ذكر حكم إنكار المنكر في كل حالة في قوله: "لو أتيت إلى أناس يلعبون لعبًا محرمًا، أو يشتغلون بكتب مجون فإن أنكرت عليهم ذلك فإنه يكتنفه أحوال:
الأول: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكر منه، فهذا حرام بالإجماع يعني يخرج من لهوه بالكتب إلى الاتصال بالنساء مباشرة، أو إلى رؤية النساء مباشرة، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا منكر أشد منه، فبقاؤه على المنكر الأول أقل خطراً في الشريعة من انتقاله إلى المنكر الثاني.
الحالة الثانية: أن ينتقل إلى ما هو خير ودين، فهذا هو الذي يجب معه الإنكار.
والثالث: أن ينتقل منه إلى منكر يساويه، فهذا محل اجتهاد.
والرابع: أن ينتقل منه إلى منكر آخر."
وفي الرابع ينظر هل هو أشد منه أو دونه وبحسب ذلك يكون الإنكار.
• دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوافع كثيرة منها:
1- كسب الثواب والأجر، وذلك أن من دل الناس على المعروف وقاموا به يكون له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)).
2- خشية عقاب الله.
3- الغضب لله.
4- النصح للمؤمنين والرحمة بهم رجاء إنقاذهم.
5- إجلال الله وإعظامه ومحبته.
• فوائد من الحديث.
1. أن للقلب عملاً، لقوله: "فَإن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ"عطفاً على قوله: "فَليُغَيرْهُ بيَدِهِ"وهوكذلك.
2. يدل الحديث أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان.
3. وجوب تغيير المنكر.
4. التأكد من وجود المنكر عند إنكاره.
5. بيان مراتب تغيير المنكر.
6. عدم صلاح المجتمع إلا بزوال المنكر.