باب ذكر الآية السّابعة والعشرين
قال جلّ وعزّ: {لا إكراه في الدّين} [البقرة: 256] فمن العلماء من قال: هي منسوخةٌ لأنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلّا بالإسلام
فممّن قال بذلك سليمان بن موسى قال:
نسخها {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين} [التوبة: 73]
وقال زيد بن أسلم أقام رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بمكّة عشر سنين يدعو النّاس إلى الإسلام ولا يقاتل أحدًا فأبى المشركون إلّا قتاله فاستأذن اللّه عزّ وجلّ في قتالهم فأذن له
وقال بعض العلماء ليست منسوخةً ولكن {لا إكراه في الدّين} [البقرة: 256] نزلت في أهل الكتاب لا يكرهون على الإسلام إذا أدّوا الجزية والّذين يكرهون أهل الأوثان فهم الّذين نزلت فيهم {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين} [التوبة : 73]
وممّا يحتجّ به لهذا القول
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/99]
ما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال أخبرنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال سمعت عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه يقول لعجوزٍ نصرانيّةٍ: " أسلمي أيّتها العجوز تسلمي، إنّ اللّه جلّ وعزّ بعث محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ، فقالت: أنا عجوزٌ كبيرةٌ وأموت إلى قريبٍ، فقال عمر اللّهمّ اشهد، ثمّ تلا {لا إكراه في الدّين} [البقرة: 256] "
وممّن قال إنّها مخصوصة ابن عبّاسٍ
كما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن محمّد بن بشّارٍ، عن ابن أبي عديٍّ، في حديثه عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كانت المرأة تجعل على نفسها إن عاش لها ولدٌ أن تهوّده فلمّا أجليت بنو النّضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالت الأنصار: لا ندع أبناءنا فأنزل اللّه جلّ وعزّ {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ} [البقرة: 256] "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/100]
قول ابن عبّاسٍ في هذه الآية أولى الأقوال لصحّة إسناده وأنّ مثله لا يؤخذ بالرّأي فلمّا خبّر أنّ الآية نزلت في هذا وجب أن يكون أولى الأقوال وأن تكون الآية مخصوصةً نزلت في هذا، وحكم أهل الكتاب كحكمهم
فأمّا دخول الألف واللّام في الدّين فللتّعريف لأنّ المعنى لا إكراه في الإسلام
وفي ذلك قول آخر يكون التّقدير لا إكراه في دين الإسلام والألف واللّام عوضٌ من المضاف إليه مثل {يصهر به ما في بطونهم والجلود} [الحج: 20] أي وجلودهم
واختلف العلماء أيضًا في الآية الثّامنة والعشرين، فقال بعضهم هي ناسخةٌ وقال بعضهم نزلت في شيءٍ بعينه غير ناسخةٍ وقال بعضهم هي عامّةٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/101]