دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > الناسخ والمنسوخ > الناسخ والمنسوخ للنحاس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 29 رجب 1432هـ/30-06-2011م, 05:17 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية السّابعة والعشرين

قال جلّ وعزّ: {لا إكراه في الدّين} [البقرة: 256] فمن العلماء من قال: هي منسوخةٌ لأنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلّا بالإسلام
فممّن قال بذلك سليمان بن موسى قال:
نسخها {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين} [التوبة: 73]
وقال زيد بن أسلم أقام رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بمكّة عشر سنين يدعو النّاس إلى الإسلام ولا يقاتل أحدًا فأبى المشركون إلّا قتاله فاستأذن اللّه عزّ وجلّ في قتالهم فأذن له
وقال بعض العلماء ليست منسوخةً ولكن {لا إكراه في الدّين} [البقرة: 256] نزلت في أهل الكتاب لا يكرهون على الإسلام إذا أدّوا الجزية والّذين يكرهون أهل الأوثان فهم الّذين نزلت فيهم {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين} [التوبة : 73]
وممّا يحتجّ به لهذا القول
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/99]
ما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال أخبرنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال سمعت عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه يقول لعجوزٍ نصرانيّةٍ: " أسلمي أيّتها العجوز تسلمي، إنّ اللّه جلّ وعزّ بعث محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم بالحقّ، فقالت: أنا عجوزٌ كبيرةٌ وأموت إلى قريبٍ، فقال عمر اللّهمّ اشهد، ثمّ تلا {لا إكراه في الدّين} [البقرة: 256] "
وممّن قال إنّها مخصوصة ابن عبّاسٍ
كما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن محمّد بن بشّارٍ، عن ابن أبي عديٍّ، في حديثه عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كانت المرأة تجعل على نفسها إن عاش لها ولدٌ أن تهوّده فلمّا أجليت بنو النّضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالت الأنصار: لا ندع أبناءنا فأنزل اللّه جلّ وعزّ {لا إكراه في الدّين قد تبيّن الرّشد من الغيّ} [البقرة: 256] "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/100]
قول ابن عبّاسٍ في هذه الآية أولى الأقوال لصحّة إسناده وأنّ مثله لا يؤخذ بالرّأي فلمّا خبّر أنّ الآية نزلت في هذا وجب أن يكون أولى الأقوال وأن تكون الآية مخصوصةً نزلت في هذا، وحكم أهل الكتاب كحكمهم
فأمّا دخول الألف واللّام في الدّين فللتّعريف لأنّ المعنى لا إكراه في الإسلام
وفي ذلك قول آخر يكون التّقدير لا إكراه في دين الإسلام والألف واللّام عوضٌ من المضاف إليه مثل {يصهر به ما في بطونهم والجلود} [الحج: 20] أي وجلودهم
واختلف العلماء أيضًا في الآية الثّامنة والعشرين، فقال بعضهم هي ناسخةٌ وقال بعضهم نزلت في شيءٍ بعينه غير ناسخةٍ وقال بعضهم هي عامّةٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/101]

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 29 رجب 1432هـ/30-06-2011م, 05:18 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية الثّامنة والعشرين

قال جلّ وعزّ {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} [البقرة: 280] فمن قال إنّها ناسخةٌ احتجّ بأنّ الإنسان في أوّل الإسلام كان إذا أعسر من دينٍ عليه بيع حتّى يستوفي المدين دينه منه فنسخ اللّه جلّ وعزّ ذلك بقوله جلّ ثناؤه {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} [البقرة: 280]
ويدلّك على هذا القول
أنّ أحمد بن محمّدٍ الأزدي حدّثنا، قال حدّثنا إبراهيم بن أبي داود، قال حدّثنا يحيى بن صالحٍ الوحاظيّ، قال حدّثنا مسلم بن خالدٍ الزّنجيّ، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرّحمن بن البيلمانيّ، قال: " كنت بمصر فقال لي رجلٌ ألا أدلّك على رجلٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقلت بلى فأشار إلى رجلٍ فجئته فقلت من أنت رحمك اللّه؟ فقال: أنا سرّقٌ فقلت: سبحان اللّه ما ينبغي لك أن تسمّى بهذا الاسم وأنت رجلٌ من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم سمّاني سرّقًا فلن أدع ذلك أبدًا قلت: ولم سمّاك سرّقًا؟ قال لقيت رجلًا من أهل البادية ببعيرين له يبيعهما فابتعتهما منه وقلت انطلق معي حتّى أعطيك فدخلت بيتي ثمّ خرجت من خلفٍ خرج لي وقضيت بثمن البعيرين حاجتي وتغيّبت حتّى ظننت أنّ الأعرابيّ قد خرج
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/102]
فخرجت والأعرابيّ مقيمٌ فأخذني فقدّمني إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته الخبر فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ما حملك على ما صنعت قلت قضيت بثمنها حاجتي يا رسول اللّه قال: «فاقضه» قال: قلت ليس عندي قال: «أنت سرّقٌ، اذهب به يا أعرابيّ فبعه حتّى تستوفي حقّك» قال فجعل النّاس يسومونه بي ويلتفت إليهم فيقول ما تريدون؟ فيقولون نريد أن نبتاعه منك قال، فواللّه إنّ منكم أحدًا أحوج إليه منّي اذهب فقد أعتقتك "
قال أحمد بن محمّدٍ الأزديّ ففي هذا الحديث بيع الحرّ في الدّين وقد
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/103]
كان ذلك في أوّل الإسلام يباع من عليه دينٌ فيما عليه من الدّين إذا لم يكن له مالٌ يقضيه عن نفسه حتّى نسخ اللّه جلّ وعزّ ذلك فقال عزّ وجلّ {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} [البقرة: 280]
فذهب قومٌ إلى أنّ هذه الآية إنّما أنزلت في الرّبا وأنّه إذا كان لرجلٍ على رجلٍ دينٌ ولم يكن عنده ما يقضيه إيّاه حبس أبدًا حتّى يوفّيه واحتجّوا بقول اللّه جلّ وعزّ: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58] هذا قول شريحٍ، وإبراهيم النّخعيّ
كما حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن محمّد بن سيرين، في قول اللّه جلّ وعزّ {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} [البقرة: 280] قال: " خاصم رجلٌ إلى شريحٍ في دينٍ له فقال آخر يعذّر صاحبه إنّه معسرٌ وقد قال اللّه تعالى {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} [البقرة: 280] فقال شريحٌ كان هذا في الرّبا وإنّما كان في الأنصار وإنّ اللّه تعالى قال: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/104]
وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل} [النساء: 58] ولا يأمرنا اللّه جلّ وعزّ بشيءٍ ثمّ نخالفه احبسوه إلى جنب السّارية حتّى يوفّيه"
وقال جماعةٌ من أهل العلم فنظرةٌ إلى ميسرةٍ عامّةٍ في جميع النّاس وكلّ من أعسر أنظر وهذا قول أبي هريرة، والحسن وجماعةٍ من الفقهاء
وعارض في هذه الأقوال بعض الفقهاء بأشياء من النّظر والنّحو واحتجّ بأنّه لا يجوز أن يكون هذا في الرّبا قال لأنّ الرّبا قد أبطل فكيف يقال فيه {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ وأن تصدّقوا خيرٌ لكم} [البقرة: 280]
واحتجّ من النّحو بأنّه لو كان في الرّبا لكان وإن كان ذا عسرةٍ لأنّه قد تقدّم ذكره فلمّا كان في السّواد وإن كان ذو عسرةٍ علم أنّه منقطعٌ من الأوّل
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/105]
عامٌّ لكلّ من كان ذا عسرةٍ وكانت كان بمعنى وقع وحدثٌ كما قال [البحر الطويل]
فدًى لبني ذهل بن شيبان ناقتي = إذا كان يومٌ ذو كواكب أشهب
قال أبو جعفرٍ: وهذا الاحتجاج ظاهره حسنٌ فإذا فتّشت عنه لم يلزم وذلك أنّ قوله الرّبا قد أبطله اللّه تعالى فالأمر في قوله قد أبطله اللّه تعالى صحيحٌ إن كان يريد ألّا يعمل به وإلّا فقد قال {فلكم رءوس أموالكم} فما الّذي يمنع أن يكون الإعسار في مثل هذا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/106]
وأمّا احتجاجه بالنّحو فلا يلزم قد يجوز أن يكون التّقدير وإن كان منهم ذو عسرةٍ وقد حكى النّحويّون المرء مقتولٌ بما قتل به إن خنجرٌ فخنجرٌ وإن كان يجوز فيه غير هذا
وأحسن ما قيل في الآية قول عطاءٍ والضّحّاك قالا:
«هي في الرّبا والدّين في كلّه» فهذا قولٌ يجمع الأقوال لأنّه يجوز أن تكون ناسخةً عامّةً نزلت في الرّبا ثمّ صار حكم غيره كحكمه
ولاسيّما وقد روى يزيد بن أبي زيادٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال:
نزلت في الرّبا
وهذا توقيفٌ من ابن عبّاسٍ بحقيقة الأمر ممّا لا يجوز أن يؤخذ بقياسٍ ولا رأيٍ لأنّه خبّر أنّها نزلت فيه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/107]
فأمّا {وأن تصدّقوا خيرٌ لكم} [البقرة: 280] فجعله قتادة على الموسر والمعسر، وقال السّدّي على المعسر وهذا أولى لأنّه يليه
واختلفوا في الآية التّاسعة والعشرين فجاء الاختلاف فيها عن الصّدر الأوّل والثّاني
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/108]

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 29 رجب 1432هـ/30-06-2011م, 05:21 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية التّاسعة والعشرين

قال جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه} [البقرة: 282] الآية فافترق العلماء فيها على ثلاثة أقوالٍ فمنهم من قال: لا يسع مؤمنًا إذا باع بيعًا إلى أجلٍ أو اشترى إلّا أن يكتب كتابًا ويشهد إذا وجد كاتبًا ولا يسع مؤمنًا إذا اشترى شيئًا أو باعه إلّا أن يشهد ولا يكتب إذا لم يكن إلى أجلٍ واحتجّوا بظاهر القرآن
وقال بعضهم: هذا على النّدب والإرشاد لا على الحتم وقال بعضهم هو منسوخٌ
فممّن قال هو واجبٌ من الصّحابة ابن عمر وأبو موسى الأشعريّ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/109]
ومن التّابعين محمّد بن سيرين، وأبو قلابة، والضّحّاك، وجابر بن زيدٍ، ومجاهدٌ ومن أشدّهم في ذلك عطاءٌ قال:
" أشهد إذا بعت وإذا اشتريت بدرهمٍ أو نصف درهمٍ أو ثلث درهمٍ أو أقلّ من ذلك فإنّ اللّه تعالى يقول: {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282] "
وحدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال حدّثنا شجاعٌ، قال حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: «أشهد إذا بعت وإذا اشتريت ولو دستجة بقلٍ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/110]
وممّن كان يذهب إلى هذا محمّد بن جريرٍ وأنّه لا يحلّ لمسلمٍ إذا باع أو اشترى إلّا أن يشهد وإلّا كان مخالفًا كتاب اللّه جلّ وعزّ وكذا إن كان إلى أجلٍ فعليه أن يكتب ويشهد إن وجد كاتبًا واحتجّ بحججٍ سنذكرها في آخر الأقوال في الآية
فممّن قال إنّها منسوخةٌ من الصّحابة أبو سعيدٍ الخدريّ
كما حدّثنا محمّد بن جعفرٍ بالأنبار، قال حدّثنا إبراهيم بن ديسمٍ الخراسانيّ، قال حدّثنا عبيد اللّه بن عمر، قال حدّثنا محمّد بن مروان، قال حدّثنا عبد الملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، " أنّه تلا: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه} [البقرة: 282] إلى {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283]، قال: «نسخت هذه ما قبلها»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/111]
قال أبو جعفرٍ: وهذا قول الحسن، والحكم، وعبد الرّحمن بن زيدٍ
وممّن قال إنّها على النّدب والإرشاد لا على الحتم الشّعبيّ ويحكى أنّ هذا قول مالكٍ والشّافعيّ وأصحاب الرّأي
واحتجّ محمّد بن جريرٍ في أنّها أمرٌ لازمٌ وأنّه واجبٌ على كلّ من اشترى شيئًا إلى أجلٍ أن يكتب ويشهد وإن اشتراه بغير أجلٍ أن يشهد بظاهر الآية وأنّه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/112]
فرضٌ لا يسع تضييعه لأنّ اللّه تبارك وتعالى أمر به وأمر اللّه سبحانه لازمٌ لا يحمل على النّدب والإرشاد إلّا بدليلٍ، ولا دليل يدلّ على ذلك ولا يجوز عنده أن يكون هذا نسخًا؛ لأنّ معنى النّاسخ أن ينفي حكم المنسوخ ولم تأت آيةٌ فيها لا تكتبوا ولا تشهدوا فيكون هذا ناسخًا واحتجّ بأنّه لا معنى لقول من قال: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283] ناسخٌ للأوّل، لا معنى له لأنّ هذا حكمٌ غير ذاك وإنّما هذا حكم من لم يجد كاتبًا أو كتابًا قال جلّ وعزّ: {ولم تجدوا كاتبًا فرهانٌ مقبوضةٌ فإن أمن بعضكم بعضًا} [البقرة: 283] أي فلم يطالبه برهنٍ فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته
قال: ولو جاز أن يكون هذا ناسخًا للأوّل لجاز أن يكون قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} [النساء: 43] الآية ناسخًا لقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة} [المائدة: 6] الآية ولجاز أن يكون قوله: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} [النساء: 92] ناسخًا لقوله تعالى: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} [النساء: 92]
قال أبو جعفرٍ: فهذا كلامٌ بيّنٌ غير أنّ الفقهاء الّذين تدور عليهم الفتيا وأكثر النّاس على أنّ هذا ليس بواجبٍ وممّا يحتجّون فيه أنّ المسلمين
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/113]
مجمعون على أنّ رجلًا لو خاصم رجلًا إلى الحاكم فقال باعني كذا فقال ما بعته ولم تكن بيّنةٌ أنّ الحاكم يستحلفه
ويحتجّون أيضًا بحديث الزّهريّ عن عمارة بن خزيمة بن ثابتٍ عن عمّه وكان من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
" أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ابتاع فرسًا من أعرابيٍّ ثمّ استتبعه ليدفع إليه ثمنه فأسرع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المشي فساوم قوم الأعرابيّ بالفرس ولم يعلموا فصاح الأعرابيّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتبتاعه منّي أم أبيعه فقال: «أليس قد ابتعته منك؟» قال: لا واللّه ما ابتعته منّي فأقبل النّاس يقولون له ويحك إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لا يقول إلّا حقًّا، فقال: هل من شاهدٍ فقال: خزيمة أنا أشهد فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بم تشهد؟» قال: أشهد بتصديقك، فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شهادة خزيمة شهادة رجلين "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/114]
فاحتجّوا بهذا الحديث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ابتاع بغير إشهادٍ
فأمّا ما احتجّ به محمّد بن جريرٍ فصحيحٌ غير أنّ ثمّ وجهًا يخرّج منه لم يذكره وهو:
أنّ عليّ بن أبي طلحة روى عن، ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها} [البقرة: 106] قال ننسها نتركها، هكذا يقول المحدثون والصّواب نتركها
قال أبو جعفرٍ: وفي هذا معنًى لطيفٌ شرحه سهل بن محمّدٍ على مذهب ابن عبّاسٍ وبيّن معنى ذلك
قال ننسخها نزيل حكمها بآيةٍ غيرها و {ننسها} [البقرة: 106] نزيل حكمها بأن نطلق لكم تركها كما قال تعالى: {يا أيّها النّبيّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين} [الممتحنة: 12] الآية ثمّ أطلق للمسلمين ترك ذلك من غير آيةٍ نسختها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/115]
فكذا {إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه} [البقرة: 282] وكذا {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282]
قال أبو جعفرٍ: فأمّا النّسخ فكما قال محمّد بن جريرٍ، وأمّا النّدب فلا يحمل عليه الأمر إلّا بدليلٍ قاطعٍ
وأمّا قول مجاهدٍ: لا يجوز الرّهن إلّا في السّفر لأنّه في الآية كذلك، فقولٌ شاذٌّ، الجماعة على خلافه
قال أبو جعفرٍ وقرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن يوسف بن حمّادٍ، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، عن هشامٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال «توفّي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ودرعه مرهونةٌ عند يهوديٍّ بثلاثين صاعًا من شعيرٍ لأهله»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/116]
قال أبو جعفرٍ: وليس كون الرّهن في الآية في السّفر ممّا يحظر غيره
وأمّا {إذا تداينتم بدينٍ} [البقرة: 282] والفائدة في {بدينٍ} [البقرة: 282] وقد تقدّم {تداينتم} [البقرة: 282] فالجواب عنه أنّ العرب تقول تداينّا أي تجازينا وتعاطينا الأخذ بيننا فأبان اللّه جلّ وعزّ بقوله {بدينٍ} [البقرة: 282] المعنى الّذي قصد له
واختلف العلماء في الآية الّتي هي تتمّة ثلاثين آيةً من هذه السّورة فمنهم من قال: هي منسوخةٌ ومنهم من قال: هي محكمةٌ عامّةٌ ومنهم من قال: هي محكمةٌ خاصّةٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/117]

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 30 رجب 1432هـ/1-07-2011م, 04:52 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية الّتي هي تتمّة ثلاثين آيةً

قال جلّ وعزّ {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} [البقرة: 284] الآية فعن ابن عبّاسٍ فيها ثلاثة أقوالٍ:
إحداهنّ: أنّها منسوخةٌ بقوله تعالى: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة: 286] وسنذكره بإسناده
والثّاني: أنّها غير منسوخةٍ وأنّها عامّةٌ يحاسب المؤمن والكافر والمنافق بما أبدى وأخفى فيغفر للمؤمنين ويعاقب الكافرون والمنافقون
والثّالث: أنّها مخصوصةٌ وأنّها في كتمان الشّهادة وإظهارها كذا روى يزيد بن أبي زيادٍ عن مقسمٍ عن ابن عبّاسٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/118]
فأمّا الرّواية عن، عائشة، فإنّها قالت «ما همّ به العبد من خطيئةٍ عوقب على ذلك بما يلحقه من الهمّ والحزن في الدّنيا»
فهذه أربعة أقوالٍ
وقرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج عن يحيى بن سليمان، قال: حدّثنا إسماعيل ابن عليّة، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} [البقرة: 284] فقال: «هذا في الشّكّ واليقين»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/119]
وهذه الأقوال الخمسة يقرب بعضها من بعضٍ فقول مجاهدٍ في الشّكّ واليقين قريبٌ من قول ابن عبّاسٍ إنّها لم تنسخ وإنّها عامّةٌ، وقول ابن عبّاسٍ الّذي رواه عنه مقسمٌ إنّها في الشّهادة يصحّ على أنّ غير الشّهادة بمنزلتها وقول عائشة إنّها ما يلحق الإنسان في الدّنيا على أن تكون عامّةً أيضًا
فأمّا أن تكون منسوخةً فيصحّ من جهةٍ ويبطل من جهةٍ فأمّا الجهة الّتي تبطل منها فإنّ الأخبار لا يكون فيها ناسخٌ ولا منسوخٌ ومن زعم أنّ في الأخبار ناسخًا ومنسوخًا فقد ألحد أو جهل فأخبر اللّه تعالى أنّه يحاسب من أبدى شيئًا أو أخفاه فمحالٌ أن يخبر بضدّه وأيضًا فإنّ الحكم إذا كان منسوخًا فإنّما ينسخ بنفيه وبآخر ناسخٌ له نافٍ له من كلّ جهاته فلو كان {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها} [البقرة: 286] ناسخًا لنسخ تكليف ما لا طاقة به وهذا منفيٌّ عن اللّه عزّ وجلّ أن يتعبّد به كما قال تعالى {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا ما آتاها} [الطلاق: 7]
وصحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه كان يلقّن أصحابه إذا بايعوا «فيما استطعتم»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/120]
فأمّا الوجه الّذي يصحّ منه وهو الّذي ينبغي أن يتبيّن ويوقف عليه لأنّ المعاند ربّما عارض بقول الصّحابة والتّابعين في أشياء من الأخبار ناسخةٌ ومنسوخةٌ فالجاهل باللّغة إمّا أن يحيّر فيها وإمّا أن يلحد فيقول في الأخبار ناسخٌ ومنسوخٌ وهو يعلم أنّ الإنسان إذا قال قام فلانٌ ثمّ نسخ هذا فقال لم يقم فقد كذب وفي حديث ابن عبّاسٍ تبيين ما أراد
كما حدّثنا محمّد بن جعفرٍ الأنباريّ، قال: حدّثنا صالح بن زيادٍ الرّقّيّ، قال: حدّثنا يزيد، قال أخبرنا سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، عن سالمٍ، أنّ عبد اللّه بن عمر، تلا {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} [البقرة: 284] فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عبّاسٍ فقال: " يرحم اللّه أبا عبد الرّحمن صنع كما صنع أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم حين أنزلت ونسختها الآية الّتي بعدها {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة: 286] معنى
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/121]
نسختها نزلت بنسختها سواءً وليس هذا من النّاسخ والمنسوخ في شيءٍ "
قرئ على عبد اللّه بن الصّقر بن نصرٍ، عن زياد بن أيّوب، قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرنا شيبان، عن الشّعبيّ، قال: لمّا نزلت {وإن تبدوا ما في
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/122]
أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} [البقرة: 284] لحقتهم منها شدّةٌ حتّى نسخها ما بعدها "
وفي هذا معنًى لطيفٌ وهو أن يكون معنى نسختها نسخت الشّدّة الّتي لحقتهم أي أزالتها كما يقال نسخت الشّمس الظّلّ أي أزالته
ومن حسن ما قيل في الآية وأشبهه بالظّاهر قول ابن عبّاسٍ إنّها عامّةٌ يدلّك على ذلك
ما حدّثناه أحمد بن عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا زهيرٌ وهو ابن حربٍ، قال: أخبرنا إسماعيل وهو ابن عليّة عن هشامٍ وهو الدّستوائيّ، عن قتادة، عن صفوان بن محرزٍ، قال: قال رجلٌ لابن عمر: كيف سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول في النّجوى؟ قال: سمعته يقول: " يدني المؤمن من ربّه تعالى حتّى يضع عليه كنفه فيقرّره بذنوبه فيقول: هل تعرف؟ فيقول: ربّ أعرف، قال: فإنّي سترتها عليك في الدّنيا وإنّي أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، فأمّا الكفّار والمنافقون فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤلاء الّذين كذبوا على اللّه جلّ وعزّ " ففي هذا الحديث حقيقة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/123]
معنى الآية وأنّه لا نسخ فيها وإسناده إسنادٌ لا يدخل القلب منه لبسٌ وهو من أحاديث أهل السّنّة والجماعة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/124]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السّور, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir