دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 08:53 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب القراءة في الصلاة

16_ بَابُ القراءةِ في الصَّلاةِ

عن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ: ((لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).
عن أبِي قَتَادةَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: كان النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِن صَلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيةِ، يُسْمِعُ الآيةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ في العَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فى الأُولَى، ويُقَصِّرُ فى الثَّانِيَةِ، وكانَ يُطَوِّلُ فى الرَّكْعَةِ الأُولَى مِن صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فى الثَّانِيَةِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ.
عن جُبيرِ بنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سمعتُ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ.
عن البَرَاءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كانَ فِي سَفَرٍ، فَصلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْن بـ{التِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا –أَو قِرَاءَةً- مِنْهُ.
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا،أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بِـ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. فقالَ: ((سَلُوهُ، لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ )) فَسَأَلُوهُ فقالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمنِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فقالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ تَعَالى يُحِبُّهُ)).
عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ لِمُعَاذٍ: ((فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى}؟ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ، وَالضَّعِيفُ، وَذُو الْحَاجَةِ)).


  #2  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 04:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

جُبَيْرُ بنُ مطعِمٍ بكسْرِ العينِ ووَهِمَ من فَتَحَها .

  #3  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 04:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ القراءةِ في الصلاةِ

الْحَدِيثُ الرابعُ والتسعونَ
عنْ عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: وُجُوبُ قراءةِ الفاتحةِ في كلِّ ركعةٍ من الصلاةِ، وأنَّ الصلاةَ لا تَصِحُّ بدونِهَا معَ القدرةِ عليها.
الثَّانِيَةُ: عمومُ الحديثِ يُفِيدُ وجوبَهَا على كلٍّ من الإمامِ والمَأْمُومِ والمُنْفَرِدِ.

الْحَدِيثُ الخامسُ والتسعونَ
عنْ أبِي قتادةَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيةِ يُسْمِعُ الآيةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فى العَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فى الْأُولَى، ويُقَصِّرُ فى الثَّانِيَةِ، وكانَ يُطَوِّلُ فى الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فى الثَّانِيَةِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: اسْتِحْبَابُ قراءةِ شيءٍ من القرآنِ بعدَ الفاتحةِ في الركعتَيْنِ الأُولَيَيْنِ منْ صلاةِ الظهرِ والعصرِ.
الثَّانِيَةُ: اسْتِحْبَابُ الاقتصـارِ على الفاتحةِ في الركعتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ منهما، وتطويلِ الركعةِ الأُولَى على الثَّانِيَةِ، وتطويلِ الأُولَى على الثَّانِيَةِ في الصبحِ.
الثَّالِثَةُ: اسْتِحْبَابُ الإسرارِ بَهَاتَيْنِ الصلاتَيْنِ معَ جوازِ الجهرِ ببعضِ الآياتِ.

الْحَدِيثُ السادسُ والتسعونَ
عنْ جُبيرِ بنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: سمعتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ.

الْحَدِيثُ السابعُ والتسعونَ
عن البَرَاءِ بنِ عازِبٍ ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْن بـ {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا –أَو قِرَاءَةً- مِنْهُ.

فِيهِمَا مَسَائِلُ:
الأُولَى: جوازُ إطالةِ القراءةِ في صلاةِ المغربِ وتقصيرِهَا في صلاةِ العشاءِ، معَ أنَّ الأفضلَ العكسُ.
الثَّانِيَةُ: تَحْسِينُ الصوتِ بقراءةِ القرآنِ؛ لأنَّهُ يَبْعَثُ على الخشوعِ وحضورِ القلبِ.

الْحَدِيثُ الثامنُ والتسعونَ
عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهَا، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ. فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالَ:(( سَلُوهُ، لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟)) فَسَأَلُوهُ فقالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمنِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَخْبِرُوهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: فَضْلُ سورةِ الإخلاصِ؛ لاشْتِمَالِهَا على صفاتِ اللَّهِ الحُسْنَى.
الثَّانِيَةُ: ثُبُوتُ التَّفَاضُلِ في القرآنِ، لِمَا في التفاضلِ منْ مُمَيِّزَاتِ كمالِ اللَّهِ تَعَالَى.
الثَّالِثَةُ: أنَّ العملَ يَكْثُرُ ثَوَابُهُ بِحَسَبِ ما يُصَاحِبُهُ منْ نِيَّةٍ صالحةٍ، فقدْ أَمَرَ النبيُّ عَلَيْهِ الصـلاةُ والسـلامُ بسؤالِهِ عن القصدِ منْ تكريرِ هذهِ السورةِ.
الرَّابِعَةُ: أنَّ مَنْ أَحَبَّ صِفَاتِ اللَّهِ، فإنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ.

الْحَدِيثُ التاسعُ والتسعونَ
عنْ جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ لِمُعَاذٍ: ((فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى}؟ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ، وَالضَّعِيفُ، وَذُو الْحَاجَةِ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: أنَّ المُتَوَسِّطَ في قراءةِ الصلاةِ هذهِ السُّوَرُ وَأَمْثَالُهَا.
الثَّانِيَةُ: أنَّهُ يُسْتَحَبُّ للإمامِ مراعاةُ الضعفاءِ وذَوِي الحاجاتِ بتخفيفِ الصلاةِ في حالِ ائْتِمَامِهِم بهِ.
الثَّالِثَةُ: رَأْفَةُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ، وسماحُ الدينِ الإسلاميِّ.


  #4  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 05:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ القراءةِ في الصَّلاةِ

مباحثُ هذا البابِ:
الكلامُ على قراءةِ الفاتحةِ في الصَّلاةِ، هلْ تصحُّ الصَّلاةُ بدونِها؟، والكلامُ على المواضعِ التي يُكتفَى فيها بالفاتحةِ، والمواضعِ التي يُشرعُ فيها بعد الفاتحةِ غيرُها، والكلامُ أيضاً على نوعِ القراءةِ بالنسبةِ للصلواتِ، ونحوُ ذلك من البحوثِ المتعلِّقةِ بالقراءةِ.

الحديثُ الرابعُ والتسعونَ
94- عن عُبادةَ بنِ الصامتِ رضيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قالَ:" لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ".
(94) المعنَى الإجماليُّ:
سورةُ الفاتحةِ، هي أُمُّ القرآنِ ورُوحُه، لأنَّهَا جَمَعَتْ أنواعَ المَحامدِ والصِّفَاتِ العُلَى لِلَّهِ تَعَالَى، وإثباتَ المُلكِ والقَهرِ، والمَعادَ والجزاءَ، والعبادةَ والقصدَ، وهذهِ أنواعُ التوحيدِ والتكاليفِ.
ثم اشْتملتْ علَى أَفْضَلِ دُعاءٍ، وأجَلِّ مطلوبٍ، وسؤالِ النَّجاةِ مِنْ سلوكِ طريقِ المُعانِدينَ والضَّالِّينَ، إلَى طريقِ العَالِمين العَامِلينَ، كما أثْبَتتْ كذلك الرِّسالةَ بطريقِ اللزومِ؛
لذا فُرضتْ قِراءتُهَا في كُلِّ ركعةٍ، وأُنيطَتْ صحَّةُ الصَّلاَةِ بقراءتِهَا، ونُفيتْ حقيقةُ الصَّلاَةِ الشَّرعيَّةِ بدونِ قِراءتِهَا. ويؤكِّدُ نَفْيَ حقيقتِهَا الشرعيةِ ما أخرجَهُ ابنُ خُزيمةَ عَنْ أبيِ هُرَيْرَةَ مرفوعاً وهو:" لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ لا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ "

اختلافُ الْعُلَمَاءِ:
تقدَّم أنَّ مذْهَبَ الحنفيَّةِ أنَّ المشروعَ عندَهم قراءةُ الفاتحةِ في الصَّلاَةِ، ولكنَّهم يُجيزونَ الصَّلاَةَ بدونِهَا ولو مِنْ قادرٍ عليهَا.
والصحيحُ ما ذَهبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ تَعيُّنِ الفاتحةِ مع القُدرةِ عليهَا وتقدَّمت أدلَّةُ الفَريقينِ هناك، وأجمَعُوا علَى وجُوبِ قراءتِهَا للإمامِ والْمُنْفَردِ.
واخْْتَلَفُوا في قراءتِهَا للمأمومِ، فذَهَبَتِ الْحَنَابِلةُ والحنفيَّةُ إلَى سُقوطِهَا عَنِ المأمومِ مُطلقاً، سواءٌ أكانَ في صَلاَةٍ سِرِّيةٍ أمْ جَهرِيةٍ.
وذَهَبَتِ الشَّافعيَّةُ وأهلُ الْحَدِيثِ إلَى وجوبِ قراءتِهَا لكلِّ مُصلٍّ، مِنْ إمامٍ، ومأمومٍ، ومنفردٍ.
وذَهَبَتِ المالكيَّةُ إلَى وجوبِ قراءتِهَا علَى المأمومِ في السِّرِّيَّةِ، وسقوطِهَا عَنْهُ في الجَهْريَّةِ، وهو روايةٌ عَنِ الإمامِ أحمدَ، اختارهَا شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ وغيرُه مِنَ المُحقِّقينَ.
استدلَّ الحنفيَّةُ بحَدِيثِ " مَنْ صَلَّى خَلْفَ إِمَامٍ، فَقِرَاءَةُ الإِمَامُ قِرَاءَةٌ لَهُ " وقولِه تَعَالَى:(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ) سورةُ الأعرافِ، أيةُ 204.
وحَدِيثِ:" إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ".
واستدلَّ الشَّافعيَّةُ ومَن وَافقَهم بحَدِيثِ عُبادةَ الذي معنا.
وأجابُوا عَنْ حَدِيثِ:" مَنْ صَلَّى خَلْفَ الإمَامِ…إلخ " بمَا قَالَه ابنُ حجرٍ في أنَّ طُرُقَهُ كُلَّهَا مَعلولةٌ، فلا تقومُ بِهِ حُجَّةٌ.
وأمَّا الآيةُ وحَدِيثُ:" وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " ونَحْوُهما، فهي عُموماتٌ في كُلِّ قراءةٍ، وحَدِيثُ عُبادةَ خاصٌّ بالفاتِحةِ.
قُلْتُ: وَيطمَئِنُّ القلبُ إلَى التفصيلِ الذي ذهبَ إِلَيْهِ الإمامُ مالكٌ والإمامُ أحمدُ في إحدَى الرِّوايتينِ عَنْهُ؛ لأنَّ أدلَّةَ الفريقَينِ تَجتمِعُ فِيهِ، فَيحصلُ العملُ بهَا كُلِّهَا.
ولأنَّ قراءةَ الفاتحةِ تفوتُ المأمومَ في السِّريةِ إذا لم يقرأْهَا ولَم يَسمعْهَا مِنَ الإمامِ، ولا يَكُونُ لِلإمامِ فائدةٌ ما دامَ المأمومُ يَشتغلُ بالقراءةِ عَنِ الإنصاتِ للإمامِ، كما يَتعَيَّنُ قراءةُ الفاتحةِ علَى المأمومِ الذي لا يَسمعُهَا لِبُعْدٍ أوِ لِطرشٍ، علَى ألا يُشْغِلَ ذلك مَنْ بجانبِهِ منِ المُصلِّين المُنصتِينَ.

ما يُؤخذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
وجوبُ قراءةِ الفاتحةِ في كُلِّ ركعةٍ مِنَ الصَّلاَةِ، وأنه لا يُجزئُ غَيرُهَا مع القُدرةِ عليهَا.
بُطلانُ الصَّلاَةِ بِتركِهَا مِنَ المُتعَمِّدِ والجاهلِ والنَّاسي؛ لأنَّه رُكنٌ، والأركانُ لا تَسقطُ مُطلقاً.
لكِنْ تقدَّمَ أنَّ الصحيحَ مِنَ الأقوالِ الثلاثةِ، أنَّهَا تجِبُ علَى المأمومِ في الصَّلاَةِ السِّرِّيةِ، وتَسقطُ عَنْهُ في الجهريَّةِ لسماعِ قراءةِ الإمامِ.
***

الحديثُ الخامسُ والتسعونَ
95- عن أبي قتادةَ الأنصاريِّ رضيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظهْرِ بِفَاتِحةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيةِ، يُسمِعُنَا الآيةَ أحياناً، وكان يقرأُ فى العصرِ بفاتحةِ الكتابِ وسورتينِ، يُطوِّلُ في الأولى، ويُقصِّرُ في الثانيةِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخرَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولى في صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيةِ.

(95) المعنَى الإجماليُّ:
كان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُراعي في صَلاَتِهِ المصلحةَ العامَّةَ للمُصلِّين لذا كانَ مِنْ عادتِهِ أنْ يقرأَ بعدَ سورةِ الفاتحةِ غيرَهَا مِنَ القرآنِ في الرَكْعَتَيْنِ الأوُلَيينِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ والعصرِ، لكونِ الناسِ في أَوَّلِ العِبادةِ أنْشطَ، وفي الرَكْعَتَيْنِ الأُخريينِ يَقتصرُ علَى الفاتحةِ، خَشيةَ السأمِ والمللِ مِنَ المُصلِّينَ لهذهِ الحِكمةِ.
وأيضاً لِيدركَ المُتخلِّفونَ كلَّ الصَّلاَةِ، كأنْ يُطيلَ الرَّكعةَ الأولَى علَى الثانيةِ في كيفيةِ القراءةِ وكَمِّيتِهَا. وإنَّ وراءَ هذا التشريعِ الحكيمِ مِنَ الأسرارِ والحِكمِ والمصالِحِ ما يَجعلُ المؤمِنَ يَطمئِنُّ وتَقرُّ عَينُه. والخضوعُ والطاعةُ لأحكامِ اللَّهِ تَعَالَى هي المَقصِدُ الأسْمَى مِنَ العبادةِ.
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفعلُ ذلك أيضاً في صَلاَةِ الصُّبْحِ، فيُطيلُ قراءةَ الأولَى علَى الثانيةِ.
وكانت قراءَتُه في الظُّهْرِ والعصرِ سِرًّا، إلا أنَّه قد يَجهرُ ببعضِ الآياتِ، أحياناً، لِيعلَموا أنَّه يقرأُ فَيَقْتَدُوا بِهِ.

ما يُؤخذُ مِنَ الْحَدِيثِ مِنَ الأحكامِ:
مشروعيَّةُ القراءةِ بعدَ الفاتحةِ في الرَكْعَتَيْنِ الأوُليينِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ والعصرِ.
استحبابُ الاقتصارِ علَى الفاتحةِ في الرَكْعَتَيْنِ الأخرَيينِ منهما.
تطويلُ الركعةِ الأولَى علَى الثانيةِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ والعصْرِ.
استحبابُ الإسرارِ بهاتينِ الصَّلاَتين.
جوازُ الجَهرِ ببعضِ الآياتِ، وخاصَّةً لِقصدِ التعليمِ.
استحبابُ تطويلِ الرَّكعةِ الأولَى علَى الثانيةِ، مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ.
قَالَ النوويُّ: الوجْهُ الثاني أنَّه يُستحبُّ تطويلُ القراءةِ في الركعةِ الأولَى قَصداً. وهذا الْمُخْتَارُ، وهو المُوافقُ لظاهرِ السُّنَّةِ.
***

الحديثُ السادسُ والتسعونَ
96- عن جُبيرِ بنِ مُطْعِـمٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ قالَ:" سَمِعْـتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ يَقْـرَأُ فِي المَغْـرِبِ بِالطُّـورِ " .

(96) المعنَى الإجماليُّ:
العادَةُ في صَلاَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّه كانَ يُطيلُ القراءةَ في صَلاَةِ الصُّبْحِ، ويَقصرُهَا في المغربِ، ويَتوسَّطُ في غيرِهما مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.
ولكنَّه قد يَتركُ العادةَ فَيقصرُ ما حَقُّه التطويلُ لبيانِ الجوازِ، ولأغراضٍ أُخرَى، كما في هذا الْحَدِيثِ مِنْ أنَّه قَرأَ في صَلاَةِ المغربِ بسُورةِ (الطُّورِ) وهي مِنْ طِوالِ المُفصَّلِ.

ما يُؤخذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
أنَّ المشروعَ، هو الجهرُ في صَلاَةِ المغربِ.
جوازُ إطالةِ القراءةِ فيهَا.
***

الحديثُ السابعُ والتسعونَ
97- عن البراءِ بنِ عازبٍ رضيَ اللَّهُ عنهُما:" أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ كانَ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بـ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ)، فَمَا سَمِعْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صوْتاً – أَوْ قِرَاَءةً – مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ ".

(97) المعنَى الإجماليُّ:
سورةُ (التِّينِ) مِنْ قِصارِ المفَصَّلِ التي تُقرأُ في صَلاَةِ المغربِ.
وقد قرأَ بهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صَلاَةِ الْعِشَاءِ؛ لأنَّه كانَ في سَفرٍ، والسَّفرُ يُراعَى فِيهِ التخفيفُ والتسهيلُ لمشقَّتِه وعنَائِه، ولهذا اسْتُحِبَّ فِيهِ قصرُ الصَّلاَةِ الرُّباعيَّةِ.
ومع كونِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسافراً، فإنَّه لم يَتركْ ما يبعَثُ علَى الخُشوعِ، وإحضارِ القلبِ علَى سماعِ القرآنِ، وهو تَحسينُ الصوتِ في قراءةِ الصَّلاَةِ.

ما يُؤخذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
جوازُ قراءةِ قِصارِ المُفصَّلِ في صَلاَةِ الْعِشَاءِ.
إنَّ الأحسنَ تخفيفُ الصَّلاَةِ في السفرِ، ومراعاةُ حالةِ المُسافرينَ، ولو كانَ عندَ الإمامِ رغبةٌ في التطويلِ.
استحبابُ تحسينِ الصوتِ في القراءةِ ولو في الصَّلاَةِ؛ لأنَّه يَبعثُ علَى الخشوعِ والحضورِ.
***

الحديثُ الثامنُ والتسعونَ
98- عن عائشةَ رضيَ اللَّهُ عنهُا:" أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بِـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)".
فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ، فقالَ: " سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ " فَسَأَلُوهُ فقالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمنِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بها، فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ:" أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبُّهُ ".

(98) المعنَى الإجماليُّ:
أمَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعضَ أصحابِه علَى سَريَّةٍ.
ومِن عادةِ الأُمراءِ أنهم هم الإئِمَّةُ في الصَّلاَةِ، والمُفتونَ لفضلِ عِلْمِهم ودِينِهم، فكان يقرأُ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في الركعةِ الثانيةِ مِنْ كُلِّ صَلاَةٍ.
فلما رَجعُوا مِنْ غَزوتِهم إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكروا لَهُ ذلك فقالَ:" سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ، أَهُوَ لِمَحْضِ الْمُصَادَفَةِ أَمْ لِشَيْءٍ مِنَ الدَّوَاعِي؟ " فقالَ الأميرُ: صَنعتُ ذلك لاشْتِمالِهَا علَى صفةِ الرَّحمنِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأنَا أُحِبُّ تَكريرَهَا لذلك.
فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَخْبِرُوهُ أنَّهُ كَمَا كَرَّر هَذِهِ السُّورَةَ لِمَحَبَّتِهِ لِصِفَةِ الرَّحْمَنِ، فإنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ. وَيا لَهَا مِنْ فَضِيلَةٍ ".

ما يُؤخذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
جوازُ قراءةِ قِصارِ المُفصَّلِ، حتَّى في غيرِ صَلاَةِ المغربِ مِنَ الفرائضِ.
فضلُ سورةِ الإخلاصِ واستحبابُ قراءَتِهَا.
أنَّ تفضيلَ بعضِ القرآنِ علَى بعضٍ عَائِدٌ لِما يَحْتوي عَلَيْهِ المُفصَّلُ مِنْ تَمجيدِ اللَّهِ والثَّناءِ عَلَيْهِ. فهذهِ السورةُ الكريمةُ الجليلةُ تَشملُ تَوحيدَ الاعتقادِ والمَعرفةِ وما يَجبُ إثباتُه للربِّ مِنَ الأحَدِيَّةِ المُنافيةِ للشَّريكِ والصَّمديَّةِ المُثبتةِ لِلَّه تَعَالَى جميعَ صفاتِ الكمالِ ونَفْيِ الوالدِ والولدِ، الذي هو مِنْ لوازمِ غِناه ونَفْيِ الكُفءِ المُتَضمِّنِ نَفْيَ المُشابِهِ والمُماثِلِ والنظيرِ ولذا فهي تعدلُ ثُلثَ القرآنِ.
أنَّ الأعمالَ يُكتبُ ثَوابُهَا بسببِ ما يُصاحبُهَا مِنْ نِيَّةٍ صَالحةٍ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرَ بالسُّؤَالِ عَنِ القصدِ مِنْ تَكريرِهَا.
أنَّه ينبغي أنْ يكونَ أصحابُ الولاياتِ والقياداتِ مِنْ أهلِ الْعِلْمِ والفضلِ والدِّينِ.
أنَّه مَنْ أحبَّ صفاتِ اللَّهِ وتذوَّقَ حَلاوةَ مُناجاتِه بهَا فاللَّهُ يُحبُّه؛ لأنَّ الجزاءَ مِنْ جِنسِ العملِ.
أنَّ إخبارَ الوالِي الأكبرِ عَنْ أعمالِ الأُمراءِ والعُمَّالِ لقصدِ الإصَلاَحِ لا يُعدُّ وِشايةً ولا نَميمةً.
***

الحديثُ التاسعُ والتسعونَ
99- عن جابرٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قالَ لمعاذٍ:" فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)، (وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى)؟ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ، وَالضَّعِيفُ، وَذُو الْحَاجَةِ " .

(99) المعنَى الإجماليُّ:
لَمَّا بلغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ مُعاذاً يُطيلُ القراءةَ حين يَؤمُّ قَومَه، أرْشدَه إلَى التخفيفِ ما دامَ إِماماً، وضرَبَ لَهُ مثلاً بقراءةِ مُتوسِّطِ المُفصَّلِ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)، لأنَّه يأتَمُّ بِهِ الكِبارُ والمُسنُّونَ، والضعفاءُ، وأصحابُ الحاجاتِ ممَنْ يَشقُّ عليهم التطويلُ، فَيحسُنُ الرِّفْقُ بهم وتُستحبُّ مراعاتُهم بالتخفيفِ.
أما إذا كانَ المرءُ المُسْلِمُ الْمُصَلِّي وحدَه، فله أنْ يُطوِّلَ ما شاءَ.

الأحكامُ المأخوذةُ مِنَ الْحَدِيثِ:
أنَّ المُتوسِّطَ في القراءةِ في الصَّلاَةِ هذهِ السُّورُ المذكورةُ في الْحَدِيثِ، وأمْثالُهَا.
أنَّه يُستحبُّ للإمامِ مُراعاةُ الضُّعفاءِ، بتخفيفِ الصَّلاَةِ في حالِ ائْتمَامِهم بِهِ.
أنَّ سياسةَ الناسِ بالرِّفقِ واللِّينِ، هي السِّياسةُ الرَّشيدةُ التي تُحبِّبُ إليهم وُلاتَهم وعُمَّالَهم.
حُسنُ تَعليمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومُلاطَفَتِه، إذْ خَاطَبَ مُعاذاً بصيغةِ العَرْضِ.
رَأْفَتُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِه، لا سيَّما الضُّعفاءُ منهم، وأصحابُ الحاجاتِ.


  #5  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 05:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

بابُ القراءةِ فِي الصَّلاةِ

99 - الحديثُ الأوَّلُ: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).

((عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ)) بنِ قيسِ بنِ أصرمَ أنصاريٌّ، سالميٌّ عَقَبِيٌّ بدريٌّ، يكنَى أبا الوليدِ، تُوفِّيَ بالشَّامِ، وقَبرُه معروفٌ بِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ، يقالُ: تُوُفِّيَ سنةَ أربعٍ وثلاثينَ بالرَّملةِ، وقيل: ببيتِ المقدسِ.
والحديثُ دليلٌ عَلَى وجوبِ قراءةِ الفاتحةِ فِي الصَّلاةِ، ووجهُ الاستدلالِ مِنْهُ ظاهرٌ، إلاَّ أنَّ بعضَ علماءِ الأصولِ اعتقدَ فِي مثلِ هَذَا اللفظِ الإِجمالَ، من حَيْثُ إنَّهُ يدلُّ عَلَى نفْيِ الحقيقةِ، وهيَ غيرُ منتفيةٍ، فيحتاجُ إِلَى إضمارٍ، وَلاَ سبيلَ إِلَى إضمارِ كلِّ مُحتمَلٍ لوجهينِ :
أحدُهما: أنَّ الإِضمارَ إِنَّمَا احتيجَ إِلَيْهِ للضَّرورةِ، والضرورةُ تندفعُ بإضمارِ فردٍ، وَلاَ حاجةَ لإِضمارِ أكثرَ مِنْهُ .
وثانيهمَا: أنَّ إضمارَ الكلِّ قَدْ يتناقضُ، فإنَّ إضمارَ الكمالِ يقتضِي إثباتَ أصلِ الصِّحةِ، ونفيُ الصِّحةِ يعارضُه، وَإِذَا تعيَّنَ إضمارُ فردٍ، فَلَيْسَ البعضُ أولَى منَ البعضِ، فتعيَّنَ الإِجمالُ.
وجوابُ هَذَا أنَّا لاَ نُسلِّمَ أنَّ الحقيقةَ غيرُ منتفيةٍ، وَإِنَّمَا تكونُ غيرَ منتفيةٍ لَوْ حُملَ لفظُ ((الصَّلاةِ)) عَلَى غيرِ عُرْفِ الشَّرعِ، وَكَذَلِكَ لفظُ ((الصِّيامِ)) وغيرُهُ، أمَّا إِذَا حُملَ عَلَى عُرْفِ الشَّرعِ، فيكونُ منتفيًا حقيقةً، وَلاَ يَحتاجُ إِلَى الإِضمارِ المؤدِّي إِلَى الإِجمالِ، ولكنَّ ألفاظَ الشارعِ محمولةٌ عَلَى عُرفِه، لأنَّهُ الغالبُ، ولأنهُ المُحتاجُ إِلَيْهِ فِيْهِ، فإنَّهُ بُعثَ لبيانِ الشَّرعياتِ، لاَ لبيانِ موضوعاتِ اللُّغةِ.
وقولهُ: ((لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)) قَدْ يَستدلُّ بِهِ مَن يرَى وجوبَ قراءةِ الفاتحةِ فِي كلِّ ركعةٍ، بناءً عَلَى أنَّ كلَّ ركعةٍ تُسمَّى صلاةً، وَقَدْ يَستدِلُّ بِهِ مَن يرَى وجوبَهَا فِي ركعةٍ واحدةٍ، بناءً عَلَى أنَّهُ يقتضِي حصولَ اسمِ ((الصَّلاةِ)) عندَ قراءةِ الفاتحةِ، فَإِذَا حصلَ مُسمَّى قراءةِ الفاتحةِ فِي ركعةٍ وجبَ أنْ تحصلَ الصَّلاةُ، والمسمَّى يحصُلُ بقراءةِ الفاتحةِ مرَّةً واحدةً، فوجبَ القولُ بحصولِ مُسمَّى الصَّلاةِ، ويدلُّ عَلَى أنَّ الأمرَ كَمَا يدَّعيهِ أَنَّ إطلاقَ اسمِ الكُلِّ عَلَى الجزءِ مجازٌ، ويُؤيِّدهُ قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَمسُ صلواتٍ كتبهنَّ اللهُ عَلَى العبادِ))، فإنهُ يقتضِي أنَّ اسمَ ((الصَّلاةِ)) حقيقةٌ فِي مجموعِ الأفعالِ، لاَ فِي كلِّ ركعةٍ، لأنهُ لَوْ كَانَ حقيقةً فِي كلِّ ركعةٍٍ لكانَ المكتوبُ عَلَى العبادِ سبعَ عشرةَ صلاةً.
وجوابُ هَذَا أنَّ غايةَ مَا فِيْهِ دلالةُ مفهومٍ عَلَى صحَّةِ الصَّلاةِ بقراءةِ الفاتحةِ فِي ركعةٍ، فَإِذَا دلَّ دليلٌ خارجٌ منطوقٌ عَلَى وجوبِهَا فِي كلِّ ركعةٍ، كَانَ مقدَّمًا عَلَيْهِ. وَقَدْ استُدِلَّ بالحديثِ عَلَى وجوبِ قراءةِ الفاتحةِ عَلَى المأمومِ، لأنَّ صلاةَ المأمومِ صلاةٌ، فتنتفِي عندَ انتفاءِ قراءةِ الفاتحةِ، فإنْ وُجدَ دليلٌ يقتضِي تخصيصَ صلاةِ المأمومِ منْ هَذَا العمومِ قُدِّم عَلَى هَذَا، وَإلاَّ فالأصلُ العملُ بِهِ.
***

100 - الحديثُ الثَّانِي: عن أبِي قتادةَ الأنصاريِّ، رضيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأولَيَيْنِ مِنْ صلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيِة، يُسْمِعُ الآيَةَ أحيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَة، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بأُمِّ الْكِتَابِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِن صلاَةِ الصُّبْحِ، ويُقَصِّرُ فِي الثَّانِيةِ.

((الأُوليانِ)) تثنيةُ الأُولَى، وَكَذَلِكَ ((الأُخريانِ)) وَأَمَّا مَا يُسمَعُ على الألسنةِ مِن ((الأوَّلةِ)) وتثنيتِها بالأوَّلتينِ فمرجوحٌ فِي اللُّغةِ، ويتعلَّقُ بالحديثِ أمورٌ:
أحدُها: يدلُّ عَلَى قراءةِ السُّورةِ فِي الجُملةِ مَعَ الفاتحةِ، وَهُوَ متفقٌ عَلَيْهِ، والعملُ متَّصلٌ بِهِ من الأُمَّةِ، وَإِنَّمَا اختلفُوا فِي وجوبِ ذَلِكَ، أَوْ عدمِ وجوبِه، وَلَيْسَ فِي مجرَّدِ الفعلِ - كَمَا قُلْنَا - مَا يدُلُّ عَلَى الوجوبِ، إلاَّ أنْ يتبيَّنَ أنَّهُ وقعَ بيانًا لمجملٍ واجبٍ، ولم يردْ دليلٌ راجحٌ عَلَى إسقاطِ الوجوبِ، وَقَدْ ادُّعِيَ فِي كثيرٍ مِنَ الأفعالِ التي قُصِدَ إثباتُ وجوبِهَا أنَّها بيانٌ لمجملٍ، وَقَدْ تقدَّمَ لنَا فِي هَذَا بحثٌ، وَهَذَا الموضعُ مِمَّا يَحتاجُ مَنْ سلكَ تلكَ الطريقةَ إِلَى إخراجهِ عن كونِه بيانًا، أَوْ إِلَى أنْ يُفرِّقَ بينَه وبينَ مَا ادُّعيَ فِيْهِ، كونُه بيانًا مِنَ الأفعالِ، فإنَّهُ لَيْسَ معَهُ فِي تلكَ المواضعِ إلاَّ مجردُ الفعِل، وَهُوَ موجودٌ ههنا.
الثَّانِي: اختلفَ العُلماءُ فِي استحبابِ قراءةِ السُّورةِ فِي الركعتينِ الأُخريَيْنِ. وللشافعيِّ قولانِ. وَقَدْ يُستدلُّ بِهَذَا الحديثِ عَلَى اختصاصِ القراءةِ بالأُوليينِ فإنَّهُ ظاهرُ الحديثِ، حَيْثُ فرَّقَ بَيْنَ الأُوليينِ والأخريينِ فيمَا ذكرَهُ مِنْ قراءةِ السُّورةِ وعدمِ قراءتِهَا، وَقَدْ يَحتملُ غيرَ ذَلِكَ، لاحتمالِ اللفظِ لأنْ يكونَ أرادَ تخصيصَ الأُوليَيْنِ بالقراءةِ الموصوفةِ بِهَذِهِ الصِّفةِ، أعنِي التَّطويلَ فِي الأُولَى والتقصيرَ فِي الثانيةِ.
الثَّالثُ: يدلُّ عَلَى أنَّ الجهرَ بالشَّيءِ اليسيرِ مِن الآياتِ فِي الصَّلاةِ السِّرِّيةِ جائزٌ مغتفرٌ لاَ يُوجبُ سهوًا يقتضِي السُّجودَ.
الرابعُ: يدلُّ عَلَى استحبابِ تطويلِ الرَّكعةِ الأُولى بالنِّسبةِ إِلَى الثانيةِ، فيمَا ذُكرَ فِيْهِ، وَأَمَّا تطويلُ القراءةِ فِي الأُولَى بالنِّسبةِ إِلَى القراءةِ فِي الثَّانيةِ، ففيهِ نظرٌ وسؤالٌ عَلَى مَن رأى ذَلِكَ، لكنَّ اللَّفظَ إِنَّمَا دلَّ عَلَى تطويلِ الرَّكعةِ، وَهُوَ مُتردِّدٌ بَيْنَ تطويلِها بمحضِ القراءةِ، وبمجموعٍ، مِنْهُ القراءةُ، فمنْ لَمْ يرَ أنْ يكونَ مَعَ القراءةِ غيرُها، وحَكمَ باستحبابِ تطويلِ الأُولَى، مستدلاًّ بِهَذَا الحديثِ: لمْ يتمَّ لَهُ إلاَّ بدليلٍ مِن خارجٍ، عَلَى أنَّهُ لمْ يكنْ مَعَ القراءةِ غيرُها.
ويمكنُ أنْ يجابَ عَنْهُ بأنَّ المذكورَ هُوَ القراءةُ، والظاهرُ أنَّ التطويلَ والتقصيرَ راجعانِ إِلَى مَا ذُكرَ قبلهُمَا، وَهُوَ القراءةُ.
الخامسُ: فِيْهِ دليلٌ عَلَى جوازِ الاكتفاءِ بظاهرِ الحالِ فِي الأخبارِ، دونَ التوقُّفِ عَلَى اليقينِ، لأنَّ الطَّريقَ إِلَى العِلمِ بقراءةِ السُّورةِ فِي السِّرِّيةِ لاَ يكونُ إلاَّ بسماعِ كلِّها، وَإِنَّمَا يفيدُ اليقينُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الجهريَّةِ، وكأنَّهُ أخَذَ من سماعِ بعضِهَا، مَعَ قيامِ القرينةِ عَلَى قراءةِ باقيِها.
فإنْ قلتَ: قَدْ يكونُ أَخذَ ذَلِكَ بإخبارِ الرَّسولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلتُ: لفظةُ ((كَانَ)) ظاهرةٌ فِي الدَّوامِ والأكثريَّةِ، ومَن ادَّعىَ أنَّ الرَّسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخبرُهمْ عقيبَ الصَّلاةِ دائمًا، أَوْ أكثريًّا بقراءةِ السُّورتينِ، فَقَدْ أبعدَ جدًّا.
***

101 - الحديثُ الثَّالثُ: عن جُبيرِ بنِ مُطْعِمٍ، رضيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ.
102 - الحديثُ الراَّبعُ: عن البراءِ بنِ عازبٍ، رضيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سفرٍ، فصلَّى الْعِشاءَ الآخِرةَ، فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ والزَّيْتُونِ، فَمَا سمِعْتُ أَحدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ.

((جُبيرُ بنُ مُطْعِمٍ)) بنِ عدِّي بنِِ نوفلِ بنِ عبدِ منافٍ، قرشيٌّ نوفَليٌّ، يكنَى أبا محمَّدٍ، ويقالُ: أبو عديٍّ، كَانَ مِنْ حُكماءِ قريشٍ وساداتِهمْ، وَكَانَ يُؤخذُ عَنْهُ النَّسبُ، أسلمَ فيمَا قِيلَ يومَ الفتحِ، وقيلَ: عامَ خيبرَ، وماتَ بالمدينةِ سنةَ سبعٍ وخمسينَ، وقيلَ: سنةَ تسعٍ وخمسينَ، وحديثُه وحديثُ البراءِ الَّذِي بعدَه يتعلَّقانِ بكيفيةِ القراءةِ فِي الصَّلاةِ، وَقَدْ وردَ عنِ النبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ أفعالٌ مختلفةٌ فِي الطُّولِ والقِصَرِ، وصنَّفَ فيها بعضُ الحُفَّاظِ كتابًا مفردًا، وَالَّذِي اختارهُ الشَّافعيَّةُ التطويلُ فِي قراءةِ الصُّبحِ والظهرِ، والتقصيرُ فِي المغربِ، والتوسُّطُ فِي العصرِ والعشاءِ، وغيرُهمْ يوافقُ فِي الصُّبحِ والمغربِ، ويخالفُ فِي الظُّهرِ والعصرِ والعشاءِ، واستمرَّ العملُ مِنَ النَّاسِ عَلَى التَطويلِ فِي الصُّبحِ، والقصرِ فِي المغربِ، وَمَا وردَ عَلَى خلافِ ذَلِكَ مِن الأحاديثِ، فإنْ ظهرتْ لَهُ عِلَّةٌ فِي المُخَالفةِ فَقَدْ يُحملُ عَلَى تلكَ العلَّةِ، كَمَا فِي حديثِ البراءِ بنِ عازبٍ المذكورِ، فإنهُ ذكرَ ((أنهُ فِي السَّفرِ)) فمنْ يختارُ أوساطَ المفصَّلِ لصلاةِ العشاءِ الآخرةِ يحملُ ذَلِكَ عَلَى أنَّ السفرَ مناسبٌ للتَّخفيفِ، لاشتغالِ المسافرِ وتعبِهِ .
والصَّحيحُ عندنَا أنَّ مَا صحَّ فِي ذَلِكَ عنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لمْ يكثُر مواظبتُهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ جائزٌ من غيرِ كراهةٍ، كحديثِ جبيرِ بنِ مُطعمٍ فِي ((قراءةِ الطُّورِ فِي المغربِ)) وكحديثِ قراءةِ ((الأعرافِ)) فيهَا، وَمَا صحَّتِ المواظبَةُ عَلَيْهِ، فَهُوَ فِي درجةِ الرُّجحانِ فِي الاستحبابِ إلاَّ أنَّ غيرَهُ مِمَّا قرأهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرُ مكروهٍ، وَقَدْ تقدَّمَ الفرقُ بَيْنَ كونِ الشَّيءِ مستحبًّا وبينَ كونِ تركهِ مكروهًا، وحديثُ جبيرِ بنِ مطعمٍ المتقدِّمُ مِمَّا سمعَهُ مِن النبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلَ إسلامهِ، لَمَّا قدمَ فِي فداءِ الأُسارَي، وَهَذَا النوعُ مِنَ الأحاديثِ قليلٌ، أعنِي التحمُّلَ قبلَ الإِسلامِ والأداءَ بعدَهُ.
***

103 - الحديثُ الخامسُ: عَنْ عَائِشةَ، رَضِيَ اللهُ عنهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (( سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ صَنَعَ ذَلِكَ؟)) فَسألوهُ، فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنَّا أُحِبُّ أَنْ أَقْرأَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ )).

قولُها: ((فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)) يدلُّ عَلَى أنهُ كَانَ يقرأُ بغيرِهَا، والظاهرُ أَنَّهُ كَانَ يقرأُ ((قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ )) مَعَ غيرِهَا فِي ركعةٍ واحدةٍ، ويختِمُ بِهَا فِي تلكَ الرَّكعةِ، وإنْ كَانَ اللفظُ يَحتمِلُ أن يكونَ يختِمُ بِهَا فِي آخرِ ركعةٍ يقرأُ فيهَا السُّورةَ، وَعَلَى الأوَّلِ يكونُ ذَلِكَ دليلاً عَلَى جوازِ الجمعِ بَيْنَ السُّورتينِ فِي ركعةٍ واحدةٍ، إلاَّ أنْ يَزِيدَ الفاتحةَ معهَا.
وقولهُ: (( إِنَّها صِفَةُ الرَّحْمَنِ )) يَحتملُ أنْ يُرادَ بِهِ أنَّ فيها ذِكْرَ صفةِ الرَّحمنِ، كَمَا إِذَا ذُكِرَ وصفٌ فعُبِّرَ عن ذَلِكَ الذِّكرِ بأنهُ الوصفُ، وإنْ لم يكنْ ذَلِكَ الذِّكرُ نفسَ الوصفِ، ويَحتمِلُ أنْ يُرادَ بِهِ غيرُ ذَلِكَ، إلاَّ أَنهُ لاَ يختصُّ ذَلِكَ بِـ (قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ)، ولعلَّها خُصَّتْ بِذَلِكَ لاختصاصِهَا بصفاتِ الربِّ تَعَالَى دونَ غيرِهَا.
وقولهُ: ((أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ)) يَحتمِلُ أنْ يريدَ بمحبَّتهِ قراءةَ هَذِهِ السُّورةِ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ لما شهدَ بِهِ كلامُه مِن محبَّتهِ لذكرِ صفاتِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، وصحَّةِ اعتقادِه.
***

104 - الحديثُ السَّادسُ: عَنْ جابرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمعاذٍ: (( فلوْلاَ صلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعلَى، والشَّمْسِ وَضُحاهَا، وَ الْلَيلِ إِذَا يغْشَى؛ فإِنَّهُ يُصلِّي وَرَاءَكَ الْكبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ)).

فلمْ يتعيَّنْ فِي هَذِهِ الروايةِ فِي أيِّ صلاةٍ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ عُرِفَ أنَّ صَلاةَ العشاءِ الآخرةِ طَوَّلَ فيهَا معاذٌ بقومِه، فيدلُّ ذَلِكَ عَلَى استحبابِ قراءةِ هَذَا القدرِ فِي العشاءِ الآخرةِ، ومِن الحَسنِ أَيْضًا قراءةُ هَذِهِ السُّورِ بعينِها فيهَا، وَكَذَلِكَ كلُّ مَا وردَ عنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن هَذِهِ القراءةِ المختلِفَةِ، فينبغي أَنْ تُفعَلَ، ولقد أحسنَ مَنْ قَالَ مِنَ العلماءِ: (( اعملْ بالحديثِ وَلَوْ مرَّةً، تكنْ مِنْ أَهْلِهِ )).


  #6  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 05:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

باب القراءة في الصلاة
104- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ".
105- عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب، وسورتين، يطول في الأولى ويقصر في الثانية، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب. وكان يطول في الركعة الأولى في صلاة الصبح، ويقصر في الثانية.

الأول من هذه الأحاديث يتعلق بالطمأنينة، والثاني والثالث يتعلقان بالقراءة في الصلاة.
أما الطمأنينة بضم الطاء فهي السكون في الصلاة والخشوع فيها، والاعتدال، يقال: اطمأن يطمئن طمأنينة واطمئنانا إذا ركد واعتدل وسكنت حركاته، فهذا واجب في الصلاة، بل فرض وركن ، ولا يجوز أن ينقرها في ركوعه وسجوده، وهكذا في الاعتدال بعد الركوع، وهكذا بين السجدتين، والطمأنينة من أهم أركان الصلاة، ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا لم يطمئن قال له عليه الصلاة والسلام: " ارجع فصل " حتى فعلها ثلاث مرات، حتى يطمئن وينتبه ويعرف أخطاءه وأغلاطه، وحتى يكون ذلك أكمل في التعليم وأرسخ في القلب، فذهب الرجل وصلى، ثم عاد، وذهب وصلى ثم عاد، فلما رأى أنه لم يصل كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني)، فاسترشد وطلب أن يُعلم بعد الثلاث، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إذا قمت إلى الصلاة –فكبر- وفي الرواية الأخرى: فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم كبر – ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن – في اللفظ الآخر: ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله – ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)).

هكذا علمه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: تعليم الجاهل، والإنكار عليه، وألا يترك على جهله، فأن العالم وطالب العلم إذا رأى أخاه قد أخل بشيء من أمور الدين فإنه يعلمه ويرشده ولا يسكت.
الفائدة الثانية: الرفق وعدم الشدة والعنف، الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعنفه ولم يسبه، بل علمه برفق.
الفائدة الثالثة: إذا كانت هناك حاجة إلى تكرار الفعل أو القول حتى يفهم المتعلم فإنه يكرر.
والرابعة: أنه إذا سلم الإنسان يُرَد عليه، وإذا عاد فسلم يرد عليه، وإذا عاد فسلم يرد عليه، ولو لم يذهب بعيداً، ولو أنه يراه، فإن الرجل كلما عاد سلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ويعلم أنه لم يطمئن فهو ليس ببعيد عنه فدل ذلك على أنه إذا شغل بالصلاة أو بشيء آخر ثم عاد فسلم فإنه يُرَد عليه، وهكذا جاء الحديث: " إذا سلم أحدكم على أخيه ثم حال بينهما جدار أو شجرة أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه " فالسلام كله خير، وهو مما يُكسِب المودة والألفة.
وفيه من الفوائد أن الطمأنينة لا بد منها، وأنها إذا فقدت بطلت الصلاة، ولهذا أمره بالإعادة.

وفي الحديث الثاني الدلالة على أنه لا بد من قراءة الفاتحة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وهذا يعم الإمام والمأموم والمنفرد جميعا، وقال بعض أهل العلم إن المأموم ليس عليه فرض قراءة الفاتحة بل هو تابع لإمامه، والصواب أن الأمر يعمه، وأنه يلزمه أن يقرأ الفاتحة إلا إذا فاتته القراءة بأن جاء والإمام راكع فإنها تسقط عنه، أو سها عنها، أو اجتهد فرأى أنها لا تجب عليه على قول من قال أنها لا تجب على المأموم، فإذا كان له عذر سقطت عنه، وإلا فالواجب أن يقرأ الفاتحة ولو في الجهرية بأن يقرأها ثم ينصت، لعموم الحديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) ولم يقل: إلا المأموم فإنه مستثنى. وفي اللفظ الآخر قال عليه الصلاة والسلام: "لعلكم تقرؤون خلف إمامكم " قلنا: نعم، قال: " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها "، وهذا صريح في الوجوب على المأموم.

والحديث الثالث يدل على أنه يقرأ في الركعتين الأوليين أطول من الركعتين الأخريين، فإنه صلى الله عليه وسلم كان في صلاة الظهر والعصر يقرأ الفاتحة وسورتين، يطيل الأولى ويقصر في الثانية، يخفف العصر على النصف من الظهر كما في حديث أبي سعيد. ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، وهكذا في الأخريين من العصر يقرأ بفاتحة الكتاب، وهكذا يقرأ في الثالثة في المغرب، ومثله الثالثة والرابعة في العشاء يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، وإن قرأ زيادة في الظهر بعض الأحيان فحسن، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها بعض الأحيان زيادة على فاتحة الكتاب، كما في حديث أبي سعيد أنه كان يقرأ في الأخريين على النصف هذا يدل على أنه يقرأ الفاتحة وزيادة معها في بعض الأحيان.
وكان يطيل في صلاة الصبح أكثر من بقية الصلوات، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالستين إلى المائة، يعني آية، ويقرأ بـ ق ونحوها كالذاريات والطور، وربما قرأ بأقل من ذلك كالمرسلات والتكوير، فالسنة أن يطيل في الصبح في بعض الأحيان ويخفف بعض الشيء في بعض الأحيان تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام، والمغرب تارة وتارة، تارة يقرأ بالطوال، وتارة بالوسط، وتارة بالقصار، فقد قرأ فيها صلى الله عليه وسلم بالطور، وقرأ فيها بالأعراف، وقرأ فيها بالمرسلات، وقرأ فيها بقصار المفصل عليه الصلاة والسلام، فالإمام لا يلزم حالة واحدة، بل يقرأ تارة بقصار المفصل مثل الزلزلة والقارعة وألهاكم والعصر وما أشبهها، وتارة يقرأ بأطول من ذلك كالبلد والضحى، والليل إذا يغشى، والشمس وضحاها، والطارق، والانفطار، وأشباهها، وتارة بأطول من ذلك كالمرسلات والقيامة، والمدثر والمزمل، والطور، وأشباه ذلك.
والإمام يتحرى فعل النبي عليه الصلاة والسلام في صلواته أو ما يقارب ذلك حرصاً على اتباع سنته والموافقة له في فضله عليه الصلاة والسلام، عملاً بقوله عز وجل: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
***

المتن:
106- عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور.
107- عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فصلى العشاء الآخرة فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه صلى الله عليه وسلم.
108- عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ " فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبروه أن الله تعالى يحبه ".
109- عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: " فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة ".

الشرح:
هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالقراءة في الصلاة، والقراءة في الصلاة تلقاها المسلمون عن نبيهم عليه الصلاة والسلام، وهي متفاوتة في الصلاة، وهو صلى الله عليه وسلم كان لا يلزم حالة واحدة، بل ربما أطال، وربما قصر، وربما توسط، وهكذا ينبغي للأئمة أن تكون قراءتهم هكذا، متحرين فيها صلاته صلى الله عليه وسلم وقراءته، لأنه هو الأسوة عليه الصلاة والسلام. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بالطور، من حديث جبير بن مطعم قال: سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور. وكان هذا في آخر سنة اثنين من الهجرة لما قدم جبير من جهة أسارى بدر، قدم المدينة من أجل الأسارى.
وثبت عنه من حديث زيد بن ثابت وحديث عائشة أنه قرأ بالأعراف، قسمها في ركعتين.
وثبت من حديث أم الفضل بن عباس أنه قرأ في المغرب بالمرسلات. وجاء عن ابن عمر أنه قرأ فيها بقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد.
وجاء في حديث أبي هريرة أنه قرأ فيها بقصار المفصل، فدل ذلك على أنه لا يلزم حالة واحدة، بل تارة يطيل، وتارة يقصر، وتارة يتوسط، وهكذا في الظهر ربما أطال، وربما قرأ فيها بنحو قراءة الفجر، وربما قرأ فيها بأخف من ذلك، كالليل إذا يغشى، واقرأ باسم ربك، والشمس وضحاها. والعصر أخف من ذلك، أخف من الظهر، والعشاء كذلك كالظهر يقرأ فيها بأوساط المفصل، مثل ما قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه: ((لولا قرأت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى))، وفي رواية أخرى: ((واقرأ باسم ربك))، وكان معاذ يصلي بأصحابه العشاء، وكان يطيل عليهم، فزجره النبي عن هذا وقال: ((أفتان يا معاذ))؟ وأمره أن يختصر، وأن يقرأ في العشاء من أوساط المفصل، بسبح والغاشية والشمس وضحاها، اقرأ باسم ربك،والبروج والسماء والطارق، وأشباهها.
أما الفجر فكان يطيل فيها صلى الله عليه وسلم فيقرأ فيها بالستين إلى المائة آية، وربما قرأ فيها بـ ق، وربما قرأ فيها بالقصار، كما ثبت في سنن أبي داود أنه قرأ في الفجر بـ إذا زلزلت، كررها في الركعتين، وهذا في بعض الأحيان، والغالب عليه أنه يطيل في الفجر عليه الصلاة والسلام.
وفي حديث البراء الدلالة على أنه صلى الله عليه وسلم ربما قرأ في العشاء بأقل من الأوساط، كالتين والزيتون، فإنه قرأ فيها بالتين والزيتون، قال البراء: فما سمعت أحدا أحسن صوتا، ولا أحسن قراءة منه عليه الصلاة والسلام، فدل على أنه في العشاء لا مانع أن يخفف بعض الأحيان، فيقرأ فيها بالقصار، مثل سورة والتين وسورة ألهاكم والقارعة، وما أشبهها.
وفي حديث عائشة أن جماعة من الأنصار جعلوا عليهم إماما، فكان يصلي بهم، فيقرأ الفاتحة، ويقرأ سورة معها، ثم يقرأ قل هو الله أحد زيادة، وربما قرأ قل هو الله أحد أولا، ثم قرأ بعدها زيادة سورة أخرى، فسألوه: لماذا لا تكتفي بقل هو الله أحد أو بما قرأت معها؟ قال: أنا أحب أن أقرأ هذه السورة، فإن شئتم أممتكم، وإلا فالتمسوا غيري، فكرهوا أن يؤمهم غيره، كانوا يرونه أقرأهم، فشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((اسألوه لماذا يقرأ قل هو الله أحد مع غيرها ولم يكتف بها؟)) فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأها، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أخبروه أن الله يحبه، كما أحب أسماءه وصفاته))، وفي اللفظ الآخر قال: ((حبك إياها أدخلك الجنة)).
فهذا يدل على أنه يجوز أن يقرأ في الركعة بسورتين أو أكثر، لا بأس بذلك، لو قرأ الفاتحة ثم قرأ بعدها: والسماء ذات البروج، والسماء والطارق، أو قرأ فيها: إذا زلزلت والعاديات، أو قرأ فيها العاديات والقارعة، فلا حرج، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في الغالب يقرأ سورة واحدة مع الفاتحة، وجاء عن ابن مسعود ما يدل على أنه ربما قرأ ثنتين، فالأمر في هذا واسع، كما فعله الإمام الأنصاري هنا، لأن الله تعالى قال: ( فاقرؤوا ما تيسر منه ) والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن)). لكن قراءة سورة مستقلة مع الفاتحة اقتداء به صلى الله عليه وسلم في الأغلب أفضل.


  #7  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 08:32 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ:

بسم الله الرحمن الرحيم.
باب القراءة في الصلاة

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).
وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية، يسمعنا الآية أحيانًا. وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب، وكان يطول في الركعة الأولى في صلاة الصبح ويقصر في الثانية.
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد.
في هذا الباب في القراءة في الصلاة، معلوم أن الصلاة عبادة، وأن الصلاة فيها تكلم، هذه العبادة التي يتعبد بها العباد فيها حركات وفيها كلمات وفيها نيات، تشتمل على ذلك فتشتمل على عبادة القلب، وتشتمل على عبادة الأركان، وتشتمل على عبادة اللسان:
فأما عبادة القلب فهي القصد والنية حتى يكون مثابًا على العمل إذا كانت النية خالصة، كذلك من عبادة القلب حضوره بين يدي الرب في هذه العبادة، وتأمله وتعقله لأحكامها ولأقوالها.
وأما عبادة البدن، فالعين لها عبادة والأذن لها عبادة، واليدان لهما عبادة، وكذلك الرجلان وأعضاء السجود والظهر، فانحناؤه في الركوع عبادة، وسجوده على الأعضاء السبعة عبادة، وقيامه في أول الصلاة عبادة، وقبضه ليديه وجعلهما على صدره عبادة, ورفعهما عند الركوع أو عند الرفع منه مثلاً عبادة، فحركاته في هذه الصلاة بأعضائه تعتبر عبادة.
أما اللسان فعبادته بالقول، باللفظ، ولذلك ليس في الصلاة سكوت إلا لاستماع قراءة الإمام أو دعائه ونحو ذلك, وإلا فهو مأمور من حين يكبر إلى أن ينتهي بأن يأتي بأذكار أو بدعوات أو بقراءة ولا يسكت. أذكار الصلاة أو كلامه في الصلاة إما ذكر وإما قراءة وإما دعاء، لا يخلو عن هذه فلا يخلطها بشيء من كلام الناس.
ولأجل ذلك لما تكلم بعض الأعراب في الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم دعاه ونبهه وقال: ((إن هذا الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو الدعاء والذكر وقراءة القرآن)) أو كما قال. فجعل الكلام الذي يأتي به إما ذكر كالتسبيح والتحميد والتهليل والتعظيم والاستغفار ونحو ذلك، وإما دعاء، دعاء بالمغفرة وبالرحمة وبدخول الجنة وبالنجاة من النار ونحو ذلك، وإما قراءة لما تيسر من القرآن كما أمر الله بذلك.
وحيث أن الباب للقراءة فمعلوم أن القراءة لا تكون إلا من هذا القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم, والذي هو معجزته التي تحدى بها الله تعالى البشر، هذه المعجزة هي الباقية التي هي كلام الله الذي هو أشرف الكلام، والذي جعل تلاوته عبادة وقربة تقرب إلى الله. ورد في الحديث أو في بعض الأحاديث: ((أحب ما تقرب به العبد إلى الله ما خرج منه وهو القرآن))، فإذا كان يتعبد به خارج الصلاة فكذلك في الصلاة.
ثم ذكر العلماء أن أعظم سور القرآن سورة الفاتحة، فاتحة الكتاب، وسميت فاتحة الكتاب لأنها كتبت في أوله، افتتح بها القرآن، وقد ثبتت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لها في الصلاة فرضًا ونفلاً، وكذلك ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أكد قراءتها وحث على قراءتها وأخبر بآكديتها، فعندنا هذا الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) ظاهر في أن صحة الصلاة تتوقف على قراءة الفاتحة، وإذا كان كذلك فإنها تعتبر ركنًا، فإن الركن هو الذي يتوقف صحة الصلاة عليه، فعرف بذلك أن قراءتها لا تتم إلا بها.
وقد ذهب إلى ذلك جماهير الأمة وأشهر علماء الأمة فقالوا: لا تصح الصلاة إلا بقراءة الفاتحة، وقد تقدم في حديث المسيء صلاته أن الحنفية أجازوا قراءة قدرها من غيرها فقالوا: إذا قرأ قدر الفاتحة من السور الأخرى اكتفي بذلك، واستدلوا بما في حديث المسيء صلاته حيث قال: ((ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن))، واستدلوا أيضًا بالآية وهي قول الله تعالى: {َفاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}.
ولكن الآية محمولة على ما زاد على الفاتحة، يعني: أكثروا أو أقلوا على حسب ما تيسر. وأما الحديث فقد ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم عَلّم ذلك المسيء صلاته لما أخل به ولما كان يجهله، وقد كان مشتهرًا أن فاتحة الكتاب لا تتم الصلاة إلا بها لكونهم كانوا يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الجهرية ويسمعون قراءته ويعرفون أنها لا تتم إلا بها. فعلى هذا تكون قراءة الفاتحة ركنًا.
وقد ذهب بعض العلماء كالإمام البخاري إلى أنها لا تتم صلاة إمام أو مأموم أو منفرد إلا بفاتحة الكتاب، فاشترطها حتى على المأموم، ولم يفرق بين المأموم في صلاة جهرية أو سرية، لذلك اختلفوا في الصلاة الجهرية هل يقرأ المأموم خلف الإمام أم لا يقرأ؟ وكثر الاختلاف في ذلك. ولعلنا نشير إلى ذلك بعد سماع الأذان إن شاء الله.
ذهب قوم إلى أن كل أحد عليه أن يقرأ الفاتحة إمامًا أو مأمومًا في جهر أو في سر، ودليلهم هذا الحديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))، فإن كلمة ((مَن)) يدخل فيها كل مصل، واستدلوا أيضًا بالحديث الآخر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج خداج خداج غير تمام)) فقال قائل: يا أبا هريرة: إني أحيانًا أكون خلف الإمام فقال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: ((قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين))... إلى آخر الحديث.
فاستدل بأن كل أحد يقرأ الفاتحة ويجيبه الله بقوله: ((حمدني عبدي..أثنى علي عبدي، مجدني عبدي.. هذا بيني وبين عبدي.. هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)) يعني في حديث قسمت الصلاة ذكر الفاتحة، فسمى الفاتحة صلاة، فدل على أن كل أحد ينطق بالفاتحة حتى يجيبه الله تعالى بقوله: ((حمدني عبدي)) إلى آخر ذلك.
فهذا دليل على أن كل أحد عليه أن يقرأ الفاتحة إمامًا أو مأمومًا. وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن المأموم تكفيه قراءة الإمام سواء في سرية أو في جهرية، وجعلوا القراءة إنما هي فرض على الإمام وحده، واستدلوا بحديث يروى بلفظ: ((من كان لـه إمام فقراءته له قراءة)) يعني قراءة الإمام قراءة للمأموم ولكن الحديث فيه مقال، فلأجل ذلك لم يعتمده أكثر العلماء.
وذهب آخرون -ولعله الأقرب - إلى أن الصلاة الجهرية يتحمل فيها الإمام القراءة عن المأموم إذا لم بتيسر للمأموم قراءتها، وأما الصلاة السرية فإن المأموم يأتي بالقراءة فيها كما يأتي بها الإمام، قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} يقول الإمام أحمد: أجمعوا على أنها في الصلاة. يعني أن الإنصات الذي أمرنا به في الصلاة. وكذلك في حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كبر الإمام فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا)) والإنصات هو الاستماع. الذي يقرأ الفاتحة خلف الإمام لا يكون منصتًا يعني مستمعًا لما يقول وذلك لانشغاله بالقراءة، فهذا دليل على أنه مأمور بالإنصات ولو بفاتحة الكتاب.
ولكن ذهب كثير منهم إلى أنه يستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة سكتة خفيفة يقرأ المأمومون فيها الفاتحة، رويت هذه السكتة في حديث عن سمرة وغيره أنه قال: حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم سكتتين، إذا افتتح الصلاة وإذا فرغ من القراءة، ثم قال: وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} سكت هنيهة أو كما قال. وبعض العلماء لم يستحب هذه السكتة ويواصل قراءة السورة بقراءة الفاتحة ويقولوا: إنهم قد اختلفوا فيها فلم يثبتها إلا بعضهم، ولو كانت ثابتة لما اختلفوا فيها، وحيث ورد إثباتها فإنه يعني يستحب أن يسكت ولكن لا يطيلها، وإذا سكت الإمام ابتدر المأموم وقرأ ما قدر عليه من الفاتحة، فإذا ابتدأ الإمام في قراءة السورة بعدها فإن كان قد بقي عليه آية أو آيتان كملهما ولو مع قراءة الإمام وإلا اكتفى بقراءة الإمام ولم يكمل وقطع القراءة، هذا هو الأقرب.
وعلى كل حال فقراءة الفاتحة في حق المأموم فيها هذا الخلاف فنقول: الأولى إذا كنت في سرية كالظهر والعصر والأخيرة من المغرب والأخيرتين من العشاء فإنك تقرأ ولا تسقط عنك القراءة؛ لأن المأموم*لا يسمعك قراءته، وإذا كنت في الجهرية كالأولتين من المغرب والأولتين من العشاء وكصلاة الصبح فإن سكت الإمام فاقرأ الفاتحة، وإن لم يسكت فإنها تسقط عنك، وإن قرأتها سرًا كما قال أبو هريرة جاز ذلك إن شاء الله.
أما الصلاة السرية، صلاة الظهر والعصر، ففي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيهما بسورتين وأنه كان يسمعهم الآية أحيانًا، وأنه يطيل في الأولى ويقصر في الثانية، يعني في صلاة الظهر وصلاة العصر، وأنه يقرأ في الركعتين الأخيرتين الفاتحة فقط، فلأجل هذا الحديث ذهبوا إلى أنه يطيل الركعتين الأوليين أكثر من الأخريين، وقد قدرت القراءة فيهما بأنه يقرأ في الركعتين الأولتين من الظهر بنحو سورة (الم) السجدة التي هي قريب من ورقة ونصف، أي ثلاث صفحات يقرأها يقسمها بين الركعتين، ولكنه يطيل فى الأولى ويقصر في الثانية.
ومعنى ذلك أنه يقرأ في الأولى صفحتين وفي الثانية صفحة أو قريبًا من ذلك. أما إذا شق على المأمومين فإنه يقرأ ما يناسبهم. وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه ذكر إطالة صلاة الظهر وبالأخص الركعة الأولى قال: كانت صلاة الظهر تقام فيذهب أحدنا إلى البقيع خارج المدينة فيقضي حاجته ثم يإتي إلى بيته فيتوضأ ثم يذهب إلى المسجد فيدركهم في الركعة الأولى مما يطيلها، يعني هذه المدة قد تستغرق نحو عشر دقائق في الركعة الأولى مما يدل على أنه كان يطيلها أحيانًا, ولعل ذلك لأجل أن يتداركوها وأن يلحقوا الركعة الأولى أو الصلاة كلها، ولعل ذلك أن صلاة الظهر تقع في شدة الحر والناس مكتنون في بيوتهم فيحتاجون إلى مدة لقضاء حاجة أو لوضوء أو ما أشبه ذلك، فعلى هذا تسن إطالة صلاة الظهر الركعة الأولى أطول من الثانية.
أما الركعتان الأخيرتان فاتفق في هذه الرواية وغيرها على أنه يقتصر فيهما على الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الظهر وكذا الأخيرتان من العصر. الأولتان من العصر يقرأ فيهما بسورتين ولم تقدر تلك السورتان، ولكن في صحيح مسلم في حديث أبي سعيد أنه قدرهما بنحو ورقة ونصف يعني صفحة ونصف أي صفحة ونصف، أي قدر نصف سورة (الم) السجدة. وذلك على وجه التقريب وعلى وجه الحذر.
وهذا يدل على أيضاً على أنه يقرأ فيها بأكثر من الفاتحة وسورة، يعني يقسم السورة بين الركعتين أو يقرأ في كل ركعة سورة وهو الأكثر. وعلى كل حال حيث إن الصلاة سرية فإن للإمام أن يقرأ ما يشاء، يقرأ سورة أو بعض سورة أو بعضًا من سورة أو من وسط سورة أو ما أشبه ذلك، الأمر فيه سعة ؛ وذلك أن هذه الصلاة شرعت سرية ليكون كل إنسان يناجي ربه ويقرأ القرآن لنفسه ويقبل على قراءته ويتأمل ويتعقل فيها، أما النهار فإن الأشغال فيه كثيرة والحرف والأعمال، فالقلب منشغل فلو كان هناك قراءة جهرية لكان الناس غالباً يسهون ويغفلون فلا ينصتون لقراءة الإمام ولا يستفيدون، فإذا قرأ الإنسان بنفسه كان ذلك أدعى إلى أن يتأمل ويتعقل ما يقوله وما يقرأه ويستفيد من قراءته.
أما الليل فشُرعت الجهرية، شُرع الجهر فيه بالقراءة، ولعل ذلك أن الليل غالباً تنقطع فيه الشواغل، فحينئذ يكون القلب متفرغاً فيسمع قراءته ويستفيد، يسمع قراءة الإمام قراءة الفاتحة وقراءة السورة ويتعقلها ويعرضها على قلبه فيستفيد منها، ويستفيد أيضاً تعلم ما كان يجهله عندما يسمع القراءة مرة بعد مرة والسورة مراراً، يحفظها ويتزود من حفظ ما كان لا يحفظه، فيكون ذلك سبباً في التلقي وفي الحفظ، فهذا هو السبب في كون هذه سرية وهذه جهرية.
القراءة الجهرية معروف أنها في الأولتين من المغرب والأولتين من العشاء، وكذلك صلاة الصبح، وكذلك الصلوات العارضة كصلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء، هذه كلها جهرية، ولعل السبب في ذلك أنها عارضة وأنها تجمع حفلاً وجمعاً كثيراً، فشُرع الجهر بها حتى يسمع القرآن،حتى يستفيد منه من لم يكن قد استمعه.
الجمعة تجمع الخلق الكثير، وقد يكون منهم من لم يسمع القراءة كما ينبغى أي لا يسمع إلا قراءة سور قصيرة أو يسمعها محرفة، فإذا سمعها يوم الجمعة استفاد مما يسمع، وهكذا في الصلوات الأخرى.
المشروع في الصلاة القراءة بخشوع وبتأمل وبتعقل وبتدبر ليس العجلة، كما أيضاً أنه يُشرع إطالة القراءة فيها بحسب ما يتحمله الناس، وقد تقدم لنا أنه صلى الله عليه وسلم حث معاذاً على أن يخفف وقال:((أفتان أنت يا معاذ))؟ وقال:((أيكم أمَّ الناس فليخفف؛ فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة )) ولكن التخفيف الذي أراده هو التخفيف النسبي، أي بالنسبة إلى قراءة معاذٍ وما أشبهها، ولأجل ذلك كان صلى الله عليه وسلم يطيل، فإطالته بالنسبة إلى قراءة أئمة زماننا تعتبر إطالة، ويعتبر قراءتهم اختصاراً زائداً، كذلك أيضاً تعتبر صلاته تخفيفًا بالنسبة إلى صلاة المطولين كثيرًا.
فعندنا مثال في هذا الحديث الذي سمعنا أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، سورة الطور من طوال المفصل، المفصل يبدأ من سورة {ق}، فهي الثالثة من سوره، هي من طوال المفصل، نفرض أنه قرأها في الركعتين، يعني قسمها، مع أن الغالب أنه كان يقرأ في كل ركعة سورة كاملة، وكان أحيانًا يقرأ في الركعة سورتين، يقرن بينهما، يقرأ سورة ثم يقرأ سورة أخرى في ركعة واحدة من المفصل، وربما من غير المفصل كما قرأ سورة الواقعة والدخان في ركعة وسورتا الذاريات والقلم {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} في ركعة واحدة، يعني من صلاة الصبح، فسورة الطور قرأها وكان أيضًا يتأنى في قراءته ويرتل قراءته فهذه في صلاة المغرب.
وقد ثبت أيضاً أنه قرأ بأطول من ذلك، قرأ فيها بسورة الأعراف التي هي أكثر من جزء وربع، سورة الأعراف قرأها في صلاة المغرب، قسمها في الركعتين، فهذا دليل على أنه كثيراً ما يطيل في صلاة المغرب التي اعتاد كثير من الناس تخفيفها، فلا يستنكر على من أطال فيها. وكذلك في صلاة العشاء ذكروا أن قراءتها تكون من المتوسط يعني متوسطة بين المغرب التي هي يُخفف فيها وبين الفجر التي يُطول فيها، ولعله يأتينا بقية أمثلة إن شاء الله.

ا هـ.


_______________________
لعل الشيخ يقصد: الإمام وليس المأموم






موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
القراءة, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir