المجموعة الخامسة:
س1: هل تعدّ البسملة من آيات السور؟
- كان الصحابة يكتب البسملة في فواتح السور ماعدا سورة براءة ، كما عدوها آية من كتاب الله ، وكتبوها في سطر منفصل ، ولكن لم يعدوها من آيات السور وليست منها ،
كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: « كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم » رواه أبو داوود
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فيه أنها نزلت للفصل، وليس فيه أنها آية منها، و {تبارك الذي بيده الملك} ثلاثون آية بدون البسملة؛ ولأن العادين لآيات القرآن لم يعدّ أحد منهم البسملة من السورة)ا.هـ.
وقال في موضع آخر: (توسّط أكثر فقهاء الحديث كأحمد ومحققي أصحاب أبي حنيفة، فقالوا: كتابتها في المصحف تقتضي أنها من القرآن؛ للعلم بأنهم لم يكتبوا فيه ما ليس بقرآن، لكن لا يقتضي ذلك أنها من السورة، بل تكون آية مفردة أنزلت في أول كل سورة، كما كتبها الصحابة سطرا مفصولا، كما قال ابن عباس: " كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم".
فعند هؤلاء: هي آية من كتاب الله في أول كل سورة كتبت في أولها، وليست من السورة. وهذا هو المنصوص عن أحمد في غير موضع. ولم يوجد عنه نقل صريح بخلاف ذلك. وهو قول عبد الله بن المبارك وغيره. وهو أوسط الأقوال وأعدلها)ا.هـ.
- قالَ أبو بكرٍ البيهقيُّ (ت:458هـ): (لم يختلف أهل العلم في نزول {بسم الله الرحمن الرحيم} قرآنا، وإنما اختلفوا في عدد النزول).
ثم قال: (وفي إثبات الصحابة رسمها حيثُ كتبوها في مصاحفهم دلالةٌ على صحةِ قولِ من ادَّعى نزولَها حيث كُتِبَت، والله أعلم)ا.هـ.
- وهناك قول منكر نشير إليه وهو ما قاله إبراهيم بن يزيد القرشي: قلت لعمرو بن دينار: (إنَّ الفضلَ الرقاشي زعم أن {بسم الله الرحمن الرحيم} ليس من القرآن!
قال: سبحان الله ما أجرأ هذا الرجل!! سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عباس يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزلت عليه{بسم الله الرحمن الرحيم} علم أن تلك السورة قد ختمت وفتح غيرها). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
إ
براهيم بن يزيد متروك الحديث، والفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي قَدَريٌّ مُنكَر الحديث؛ مُجمَعٌ على تركِه، قال فيه حماد بن زيد: (كان من أخبث الناس قولاً). فلا يلتفت إلى قوله.
س2: ما تقول في دعوى أنّ عمر بن الخطاب جمع القرآن في خلافته؟
لم يصحّ أنّ عمر جمع القرآن في مصحف في خلافته، وقد رُوي في ذلك أخبار منكرة لا تصحّ، منها:
- ما رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة فقال: «إنا لله وأمر بالقرآن فجمع، وكان أول من جمعه في المصحف».
والأثر ضعيف ومخالف لما صحّ من أنّ أوّل من جمع المصحف أبو بكر رضي الله عنه، وأنّ عمر بن الخطاب هو أوّل من أشار بذلك.
- وما رواه ابن أبي داوود عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن، فقام في الناس فقال: (من كان تلقَّى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان فقتل وهو يجمع ذلك إليه؛ فقام عثمان بن عفان فقال: من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} إلى آخر السورة قال عثمان: فأنا أشهد أنهما من عند الله فأين ترى أن نجعلهما؟ قال: اختم بها آخر ما نزل من القرآن فختمت بها براءة).
وهذا الخبر ضعيف الإسناد معلول المتن، ، ومتنه مخالف لسياق روايات الثقات.
س3: ما تقول فيما يُذكر من ترتيب السور في مصحف أبيّ بن كعب ومصحف ابن مسعود ؟
- كان للصحابة مصاحفهم التي تخصهم ومنهم من كتب مصحفه قبل جمع عثمان ومنهم من كتبه بعد جمعه ، ومن كتب مصحفه قبل الجمع فقد اختلف ترتيب السور به حسب اجتهاد كل قارئ فلم يكن واجبا عليهم ترتيب السور في التلاوة ، ولكن بعد جمع عثمان أصبح هناك التزام بترتيب المصحف على المصحف الإمام وانعقد الإجماع على ذلك ، وممن كان لهم مصاحف مكتوبة قبل الجمع العثماني : أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود رضي الله عن الجميع .
-
أما مصحف أبي : فلم يكن يسع أبي بعد الجمع العثماني أن يخالف ترتيب المصحف ولكنه سلم مصحفه مع من سلموا مصاحفهم ولو كان امتنع عن ذلك وأبقى مصحفه لكان اشتهر ذلك كما اشتهر أمر بن مسعود في ذلك .
- وقد وجدت مصاحف كثيرة نسبت لأبي بن كعب ولكن لم تثيبت صحة نسبتها له .
أما ما نقله السيوطي في الإتقان عن بن أشته تلميذ ابن مجاهد صاحب «السبعة في القراءات»
أنه قال: (أنبأنا محمد بن يعقوب حدثنا أبو داود حدثنا أبو جعفر الكوفي قال: هذا تأليف مصحف أبيّ: الحمد، ثم البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم الأعراف، ثم المائدة، ثم يونس، ثم الأنفال، ثم براءة، ثم هود، ثم مريم، ثم الشعراء، ثم الحج، ثم يوسف، ثم الكهف، ثم النحل، ثم الأحزاب، ثم بني إسرائيل، ثم الزمر أولها حم، ثم طه، ثم الأنبياء، ثم النور، ثم المؤمنون، ثم سبأ، ثم العنكبوت، ثم المؤمن، ثم الرعد، ثم القصص، ثم النمل، ثم الصافات، ثم ص، ثم يس، ثم الحجر، ثم حم عسق، ثم الروم، ثم الحديد، ثم الفتح، ثم القتال، ثم الظهار، ثم تبارك الملك، ثم السجدة، ثم إنا أرسلنا نوحا، ثم الأحقاف، ثم ق، ثم الرحمن، ثم الواقعة، ثم الجن، ثم النجم، ثم سأل سائل، ثم المزمل، ثم المدثر، ثم اقتربت، ثم حم الدخان، ثم لقمان، ثم حم الجاثية، ثم الطور، ثم الذاريات، ثم ن، ثم الحاقة، ثم الحشر، ثم الممتحنة، ثم المرسلات، ثم عم يتساءلون، ثم لا أقسم بيوم القيامة، ثم إذا الشمس كورت، ثم يا أيها إذا طلقتم النساء، ثم النازعات، ثم التغابن، ثم عبس، ثم المطففين، ثم إذا السماء انشقت، ثم والتين والزيتون، ثم اقرأ باسم ربك، ثم الحجرات، ثم المنافقون، ثم الجمعة، ثم لم تحرم، ثم الفجر، ثم لا أقسم بهذا البلد، ثم والليل، ثم إذا السماء انفطرت، ثم والشمس وضحاها، ثم والسماء والطارق، ثم سبح اسم ربك، ثم الغاشية، ثم الصف، ثم سورة أهل الكتاب وهي لم يكن، ثم الضحى، ثم ألم نشرح، ثم القارعة، ثم التكاثر، ثم العصر، ثم سورة الخلع، ثم سورة الحفد، ثم ويل لكل همزة، ثم إذا زلزلت، ثم العاديات، ثم الفيل، ثم لإيلاف، ثم أرأيت، ثم إنا أعطيناك، ثم القدر، ثم الكافرون، ثم إذا جاء نصر الله، ثم تبت، ثم الصمد، ثم الفلق، ثم الناس)ا.هـ.
أبو جعفر الكوفي من شيوخ أبي داوود السجستاني، وما ذكره من الترتيب إنما هو على ما اطّلع عليه من المصاحف المنسوبة إلى أبيّ بن كعب.
أما ابن مسعود : فقد عارض فكرة الجمع العثماني في بداية الأمر ثم رجع عن رأيه بعد ذلك إلى ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم من الاجتماع على حرف واحد ومصحف إمام لا تختلف فيه هذه الأمة.
فما كان له بعد ذلك إلا أن أقام مصحفَه على المصحف الإمام الذي بعث به عثمان إلى الكوفة، وأمر أن يقيموا مصاحفهم عليه، وأن تترك القراءة بما خالفه، وأن تسلّم المصاحف المخالفة للرسم العثماني.
-قال كثير بن هشام الكلابي: عن عبد الأعلى بن الحكم الكلابي قال: أتيت دار أبي موسى الأشعري، فإذا حذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري فوق إجَّار لهم، فقلت: هؤلاء والله الذين أريد؛ فأخذت أرتقي إليهم؛ فإذا غلام على الدرجة؛ فمنعني فنازعته؛ فالتفت إليَّ بعضهم، قال: خلِّ عن الرجل؛ فأتيتهم حتى جلستُ إليهم؛ فإذا عندهم مصحف أرسل به عثمان، وأمرهم أن يقيموا مصاحفهم عليه؛ فقال أبو موسى: (ما وجدتم في مصحفي هذا من زيادة فلا تنقصوها، وما وجدتم من نقصان فاكتبوه)
فقال حذيفة: كيف بما صنعنا؟!! والله ما أحدٌ من أهل هذا البلد يرغَب عن قراءة هذا الشيخ، يعني ابنَ مسعود، ولا أحدٌ من أهل اليمن يرغَب عن قراءة هذا الشيخ، يعني أبا موسى الأشعري).
قال عبد الأعلى: (وكان حذيفة هو الذي أشار على عثمان رضي الله عنه بجمع المصاحف على مصحف واحد، ثم إن الصلاة حضرت؛ فقالوا لأبي موسى الأشعري: تقدم فإنا في دارك، فقال: لا أتقدم بين يدي ابن مسعود، فتنازعوا ساعة، وكان ابن مسعود بين حذيفة وأبي موسى فدفعاه حتى تقدَّم فصلَّى بهم). رواه عمر بن شبة وابن أبي داوود.
ويجوز أن تكون بعض هذه المصاحف قد بقيت ولم تتلف ولكنها افتقرت إلى المراجعة والتوثيق وأمن الخطأ بخلاف المصاحف العثمانية .
وهي مصاحف ملغاة إجماعاً، لا يُعتدّ بها في القراءة لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ترك القراءة بما خالف المصحف الإمام.
وقد بقيت مصاحف منسوبة إلى ابن مسعود رضي الله عنه لا يوقف لها على إسناد متّصل إلى ابن مسعود، وهي تعد من الآثار الضعيفة، ولا يُؤمن أن تكون من قراءته ولا إملائه .
ومن الآثار الواردة في ترتيب مصحف ابن مسعود :
- روى الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة أنه قال: قال عبد الله: «لقد تعلمت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤهن اثنين اثنين، في كل ركعة»
فقام عبد الله ودخل معه علقمة، وخرج علقمة فسألناه، فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود، آخرهن الحواميم: حم الدخان وعم يتساءلون). رواه البخاري ومسلم.
وهذه الرواية مختصرة، وقد استُشكل فيها عدّ حم الدخان من المفصّل، وهذا الإشكال تدفعه الروايات الأخرى.
- قال مهدي بن ميمون: حدثنا واصل الأحدب، عن أبي وائل، قال: غدونا على عبد الله، فقال رجل: قرأت المفصل البارحة!
فقال: «هذّا كهذّ الشِّعْر إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القرناء التي كان يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم، ثماني عشرة سورة من المفصل، وسورتين من آل حم» رواه البخاري ومسلم.
فأخرج آل حم من المفصّل، ولذلك فقول بعض أهل العلم في الرواية الأولى: (ظاهرُهُ أن الدخان من المفصل) مدفوع بهذه الرواية المبيّنة.
- وروى أبو داوود في سننه من طريق إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق السبيعي عن علقمة والأسود قالا: أتى ابنَ مسعود رجلٌ، فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذا كهذ الشعر، ونثرا كنثر الدقل، «لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة، الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم بيوم القيامة في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة».
قال أبو داود: «هذا تأليف ابن مسعود رحمه الله»
قال ابن رجب: (وليس في هذه الرواية من آل حم سوى سورة الدخان، وهذا يخالف رواية مسلم المتقدمة: وسورتين من آل حم).
ورواية إسرائيل عن جدّه بعد الاختلاط، فلذلك ضعّف بعضُ أهل الحديث ما في هذه الرواية من سرد أسماء السور، لكن روى ابن خزيمة هذا الخبر من طريق أبي خالد عن الأعمش عن أبي وائل، وزاد فيه: قال الأعمش: (وهي عشرون سورة على تأليف عبد الله أوَّلهن: الرحمن وآخرتهن الدخان: الرحمن والنجم، والذاريات والطور، هذه النظائر، واقتربت والحاقة، والواقعة ون، والنازعات وسأل سائل، والمدثر والمزمل، وويل للمطففين وعبس، ولا أقسم وهل أتى، والمرسلات وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت والدخان). رواه ابن خزيمة في صحيحه.
- وقال حصين بن عبد الرحمن: حدثني إبراهيم عن نهيك بن سنان السلمي: أنه أتى عبد الله بن مسعود فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة، فقال: هذّاً مثل هذِّ الشِّعْرِ، أو نثراً مثل نثر الدقل؟!، إنما فُصِّلَ لتفصّلوا، لقد علمت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن عشرين سورة: الرحمن والنجم، على تأليف ابن مسعود، كل سورتين في ركعة، وذكر الدخان وعم يتساءلون في ركعة). رواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار وزاد:
فقلت لإبراهيم: أرأيت ما دون ذلك! كيف أصنع؟
قال: ربما قرأتُ أربعاً في ركعة).
قال الطحاوي: (قول ابن مسعود رضي الله عنه بعد ذلك: "إنما سمي المفصل لتفصلوه"؛ فإنَّ ذلك لم يذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يحتمل أن يكون ذلك من رأيه؛ فإن كان ذلك من رأيه؛ فقد خالفه في ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه لأنه كان يختم القرآن في ركعة)ا.هـ.
وروى الإمام أحمد من طريق حماد بن سلمة قال: حدثنا عاصم عن زر: أن رجلا قال لابن مسعود: كيف تعرف هذا الحرف: "ماء غير" ياسن أم "آسن"؟ فقال: كل القرآن قد قرأت؟، قال: إني لأقرأ المفصل أجمع في ركعة واحدة!، فقال أهذ الشعر لا أبا لك؟!، قد علمت قرائن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كان يقرن قرينتين قرينتين، من أول المفصل. وكان أول مفصل ابن مسعود. {الرحمن}).
قال بدر الدين العيني: (قوله: (على تأليف ابن مسعود) أراد به أن سورة النجم كان بحذاء سورة الرحمن في مصحف ابن مسعود، بخلاف مصحف عثمان).
- قال منصور بن صقير البغدادي: حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم ابن بهدلة عن زر قال: (كان أول مفصل ابن مسعود: الرحمن) رواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار، ومنصور هذا قال فيه أبو حاتم الرازي: ليس بقوي، وفي حديثه اضطراب، وقال ابن حبان: لا يحتجّ به إذا انفرد.
وقد تقدّم قول زرّ بن حبيش في ذلك.
وذكر ابن حجر عن الداودي أنّ أوّل مفصّل ابن مسعود الجاثية،
وذكر ابن الملقّن أنّ أوّل مفصّل ابن مسعود القتال.
ولا أعلم لهذين القولين مستندا.
وقال السيوطي: (قال ابن أشتة أيضا: وأخبرنا أبو الحسن بن نافع أن أبا جعفر محمد بن عمرو بن موسى حدثهم قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم حدثنا علي بن مهران الطائي حدثنا جرير بن عبد الحميد قال: تأليف مصحف عبد الله بن مسعود:
طوال البقرة والنساء وآل عمران والأعراف والأنعام والمائدة ويونس.
والمئين: براءة والنحل وهود ويوسف والكهف وبني إسرائيل والأنبياء وطه والمؤمنون والشعراء والصافات.
والمثاني: الأحزاب والحج والقصص وطس النمل والنور والأنفال ومريم والعنكبوت والروم ويس والفرقان والحجر والرعد وسبأ والملائكة وإبراهيم وص والذين كفروا ولقمان والزمر والحواميم حم المؤمن والزخرف والسجدة وحمعسق والأحقاف والجاثية والدخان وإنا فتحنا لك والحشر وتنزيل السجدة والطلاق ون والقلم والحجرات وتبارك والتغابن وإذا جاءك المنافقون والجمعة والصف وقل أوحي وإنا أرسلنا والمجادلة والممتحنة ويا أيها النبي لم تحرم.
والمفصل: الرحمن والنجم والطور والذاريات واقتربت الساعة والواقعة والنازعات وسأل سائل والمدثر والمزمل والمطففين وعبس وهل أتى والمرسلات والقيامة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وإذا السماء انفطرت والغاشية وسبح والليل والفجر والبروج وإذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك والبلد والضحى والطارق والعاديات وأرأيت والقارعة ولم يكن والشمس وضحاها والتين وويل لكل همزة وألم تر كيف ولإيلاف قريش وألهاكم وإنا أنزلناه وإذا زلزلت والعصر وإذا جاء نصر الله والكوثر وقل يا أيها الكافرون وتبت وقل هو الله أحد وألم نشرح وليس فيه الحمد ولا المعوذتان).
وهذا التأليف كما تقدّم إنما هو في مصاحف منسوبة إلى ابن مسعود غير متحقق صحّة نسبتها.
س4: ما تقول فيما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أنزل الله عز وجل هذا الحرف على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم [ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه] فلصقت إحدى الواوين بالأخرى فقرأ لنا: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه} ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد) ؟
روى فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أنزل الله عز وجل هذا الحرف على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم [ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه] فلصقت إحدى الواوين بالأخرى فقرأ لنا: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه} ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد).
فكان ميمون يقول: (إن على تفسيره لنورا؛ قال الله عزَّ وجلَّ: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا}). رواه ابن منيع كما في المطالب العالية، وذكر السيوطي أنّ أبا عبيد وابن المنذر وابن مردويه أخرجوه، ولعله فيما فُقِدَ من كتبهم.
- وهذا الإسناد ضعيف جداً لا يصحّ عن ابن عباس؛ فالفرات بن السائب الجزري متروك الحديث، قال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث.
- وقال ابن حبان: (كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، ويأتي بالمعضلات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه، ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاختبار)ا.هـ.
وأما قوله: (ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد) فهذا من الكذب البيّن على ابن عباس، وذلك أنّ القضاء على نوعين:
•
قضاء كوني قدري، وهذا حتمي وقوعه لنفاذ مشيئة الله تعالى، ومنه قوله تعالى: {وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين}، وقوله: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}
•
وقضاء شرعي ديني؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} وقوله: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه..} الآية
• فالقضاء الشرعي من الأوامر الشرعية التي يحبها الله تعالى ويحب امتثالها ولكن من العباد من لا يأتي بها ويمتثلها
ومن لم يفرّق بين القضاء الكوني والشرعي فقد وقع في ضلالات في باب القضاء والقدر، وما كان التفريق بينهما ليخفى على حبر الأمة ؛ فنسبة ما تقدّم من القول إليه مما يُقطع بأنه كذب عليه، وهو مكذوب أيضا على ميمون بن مهران؛ فإنّه كان ممن ناظر المرجئة وحجَّهم.
• وقد روى ابن جرير نحو هذا الخبر في تفسيره عن الضحاك بن مزاحم الهلالي من طريق هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأها: [وَوَصَّى رَبُّكَ] وقال: (إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصارت قافا).
- وهذا الخبر لا يصحّ عن الضحاك؛ فأبو إسحاق الكوفي متروك الحديث، قال فيه أبو زرعة: (واهي الحديث)، وقال أبو حاتم: (ليس بشيء)، وقال يحيى بن معين: (أبو إسحاق الكوفي الذي يروي عنه هشيم، هو عبد الله بن ميسرة، وهو ضعيف الحديث).
ومن الجدير بالذكر هنا ؟أنه قد صحت القراءة عن ابن عباس رضي الله عنهما بما يوافق قراءة العامّة، ولا قد يكون هذا الحرف (ووصّى ربّك) قد قرىء به قبل الجمع العثماني، لكنه على فرض ثبوته ترك بعد الجمع ، والذي لا يقبل هو الطعن في القراءة المتواترة.
ذكر ابن جرير: عن ابن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، قال: أعطاني ابن عباس مصحفاً؛ فقال: هذا على قراءة أبيّ بن كعب، قال أبو كريب: قال يحيى: رأيت المصحف عند نُصير فيه: «ووصى ربّك» يعني: وقضى ربك). رجاله ثقات لكنّه مختصر، وقد قطّعه ابن جرير في تفسيره، ولم أقف على أصله.
والخلاصة أنّ القدح في قراءة (وقضى ربّك) لا يصحّ عن ابن عبّاس، وأما قراءة [ووصّى ربّك] فمروية من طرق معلولة عنه وعن غيره من الصحابة .
س5: بيّن أهمّ الفوائد التي استفدتها من دراستك لدورة "جمع القرآن"
- لمثل هذه الدورات فوائد عديدة لطلبة العلم ولا سيما لطلبة علم التفسير منها :
1- بيان حقيقة مسألة جمع القرآن والتحقق من سلامة جمعه ومن ثم زيادة اليقين في ثبوته وحجته .
2- تفنيد الأدلة الواردة في هذا الباب وبيان حجتها وعللها وطرقها مما يزيل أي ريب .
3- معرفة كيفية الرد على المتشككين في ثبوت القرآن وسلامة جمعه .
4- التعرف على جهود الصحابة ودورهم في جمع كتاب الله وتفانيهم في ذلك وعدم رؤيتهم أنفسهم وأن جل همهم هو إعلاء كلمة الدين من خلال المحافظة على كتابهم .
5- شهود فضل الله تعالى علينا الآن من توافر الأحبار والأوراق والمصاحف والتقنية الحديثة المؤهلة لكل خير والمعينة على كل طاعة وشكره عليها .
6- التعرف على مابذله الصحابة في تعلمهم لكتاب الله وإتقانهم له و في إقراء الناس وتعليمهم إياه .
7- بروز أهمية الكتابة والتقييد وعدم الاكتفاء بما تحويه الذاكرة مهما بلغت قوتها ولنا في رسول الله أسوة حسنة فقد تكفل الله بحفظه وتعليمه كتابه ومع ذلك حرص على تقييده وكتابته .