دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 جمادى الآخرة 1438هـ/15-03-2017م, 02:33 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي المجلس الرابع: مجلس مذاكرة القسم الخامس عشر من تفسير سورة البقرة من الآية 204 إلى الآية 218

مجلس مذاكرة القسم الخامس عشر من تفسير سورة البقرة
الآيات (204 - 218)

تنبيه:
مجالس مذاكرة التفسير بدءاً من هذا القسم ستكون مختلفة بإذن الله تعالى؛ لتشمل التمرّن على جملة من المهارات التي درست في الدورات السابقة كدورة مهارات التفسير، وتلخيص التفسير، وأساليب التفسير، وإعداد دروس التفسير، ليصاغ لكل درس ملخّصٌ وافٍ ومحرَّر بعمل جماعي منظم.

تعليمات خاصة:
- يتوزع طلاب المستوى السادس على مجموعات خاصة لا يزيد أعضاء كلّ مجموعة على ثلاثة.
- يرشّح أعضاء كلّ مجموعة واحداً منهم ليكون هو قائد المجموعة، ومن يتولى توزيع المهام بين أعضاء مجموعته.
- يُسمح بالتناوب على قيادة المجموعة بحسب رغبة أعضائها كلّ أسبوع لتحصل فائدة التمرّن على إدارة المشروعات العلمية وقيادة العمل فيها.
- تتولّى كلّ مجموعة تلخيص درس واحد فقط من دروس هذا الأسبوع تلخيصاً مستوفياً للعناصر المبيّنة في تلخيص دروس التفسير، وإعداد الرسائل التفسيرية بأسلوب التقرير العلمي.
- أسلوب التقرير العلمي هو الأصل ثم يضاف ما يتيسر من خصائص الأساليب الأخرى دون تطويل.
- يجتمع أعضاء كلّ مجموعة فيما بينهم لتنظيم إعداد الملخّص وتوزيع المهام، ومراجعة الملخّص قبل اعتماده ونشره، وينشره قائد المجموعة، ويكون باسمهم جميعاً.
- ستكون الدرجة موحدة لجميع أعضاء المجموعة.
- تراعى الخطوات المشروحة في إعداد الرسالة التفسيرية، وتلخيص دروس التفسير.
- في الحالات الخاصة لمن لديهم أعذار عارضة تمنعهم من الانتظام في أداء المهام أو لم يمكنهم الانضمام لأيّ مجموعة فيكون الطالب مستقلا؛ ويلخّص نصف درس بعمل فردي.
- آخر موعد لنشر المشاركات صباح يوم الأحد.

وفقكم الله وسددكم.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 جمادى الآخرة 1438هـ/17-03-2017م, 07:18 PM
هلال الجعدار هلال الجعدار غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 608
افتراضي مجلس المذاكرة الرابع مجلس مذاكرة القسم الخامس عشر من تفسير سورة البقرة الآيات (204 – 218)

مجلس المذاكرة الرابع
مجلس مذاكرة القسم الخامس عشر من تفسير سورة البقرة
الآيات (204 – 218)
المطلوب الأول: تلخيص الدرس الأول:
قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)}.


قائمة المسائل:


قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)}.


سبب نزول الآية. ج ، ط ، ك
القراءة في قولهِ: {ويشهد اللّه على ما في قلبه}. ج ، ط ، ك


المسائل التفسيرية:
معنى: {ويشهد اللّه على ما في قلبه}. ج ، ط ، ك
مراد قوله تعالى: {ما في قلبه}.ط
معنى قوله: {ألدّ الخصام}. ج ، ط ، ك


المسائل اللغوية:
إعراب (من) . ج


قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)}.


القراءة في قوله تعالى: {وَيُهْلِكَ}. ط


المسائل التفسيرية:
مراد الآية. ك
معنى { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى } ط ، ك
مرجع الضمير في قوله { وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ }. ط
معنى الحرث. ط
معنى النسل. ط
المراد بـ{ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ}. ج ، ط ، ك
معنى قوله تعالى: {واللّه لا يحبّ الفساد}. ط ، ك
عاقبة الفساد في الأرض. ج ، ط ، ك


قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)}.
مرجع الضمير في {وَإِذَا قِيلَ لَهُ}. ط
المراد بقوله: {قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ}. ك
معنى العزة. ط ، ك
المراد بالعزة. ط
معنى الباء في قوله: {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}. ط ، ك
معنى {حسبه}. ط ، ك
معنى {المهاد}. ط

خلاصة أقوال المفسّرين في كل مسألة
سبب نزول الآية.
- ورد في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال:
الأول:قال السدي: أنها نزلت في الأخنس بن شريق الثّقفيّ، جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وأظهر له الإسلام، وكان يُظهر له الجميل وفي باطنه خلاف ذلك، وقال: الله يعلم أني صادق، ثم هرب بعد ذلك، فمر بقوم من المسلمين، فأحرق لهم زرعا، وقتل حمرا، فنزلت فيه هذه الآيات. ذكره الزجاج وابن عطيه وابن كثير
- قد أعترض ابن عطيه على هذا القول، وقال: ما ثبت قط أن الأخنس أسلم.
الثاني:قال ابن عباس: أنها نزلت في قوم من المنافقين تكلموا في الذين قتلوا في غزوة الرجيع عاصم بن ثابت وخبيب وابن الدثنة وغيرهم قالوا: ويح هؤلاء القوم لا هم قعدوا في بيوتهم ولا أدوا رسالة صاحبهم.ذكره ابن عطيه وابن كثير
الثالث: أنها عامة، ونزلت هذه الآيات في كل مبطن كفر أو نفاق أو كذب أو إضرار وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك، ويؤيده ما جاء في الترمذي أن في بعض كتب الله تعالى: "أن من عباد الله قوما ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين، يقول الله تعالى: أبي يغترون وعلي يجترون؟ حلفت لأسلطن عليهم فتنة تدع الحليم منهم حيران"وهو قول قتادة ومجاهد والرّبيع ابن أنسٍ ، وغيرهم،ذكره ابن عطيه وابن كثير وقال:وهو الصّحيح.
القراءة في قولهِ: {ويشهد اللّه على ما في قلبه}.
ورد فيها ثلاث قراءات:
الأولى:قرأ أبو حيوة وابن محيصن: {ويَشهد اللهُ} بفتح الياء، وضمّ الجلالة، بإسناد الفعل إلى اسم الجلالة، المعنى يعجبك قوله والله يعلم منه خلاف ذلك. ذكره الثلاثة
الثانية: قرأ أبي وابن مسعود {ويستشهد الله على ما في قلبه}. ذكره ابن عطية
الثالثة: قراءة الجمهور بضمّ الياء، ونصب الجلالة {ويشهد اللّه على ما في قلبه} ومعناه: أنّه يظهر للنّاس الإسلام ويبارز اللّه بما في قلبه من الكفر والنّفاق. ذكره ابن عطية وابن كثير
- قال ابن عطية: والقراءة التي للجماعة أبلغ في ذمه، لأنه قوى على نفسه التزام الكلام الحسن ثم ظهر من باطنه خلافه.
معنى قوله : {ويشهد اللّه على ما في قلبه}.
بناءً على ما ورد من قراءات في { ويشهد الله}، فيكون فيها ثلاث معاني:
الأول:ويَشهد اللهُ: أي أنه إن أظهر الحيل وعمل بالجميل في الظاهر فإن الله لا يخفى عليه ما في باطنه، فهو سبحانه يعلم منه خلاف ما يُظهر، كما قال تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول اللّه واللّه يعلم إنّك لرسوله واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1]ذكره الثلاثة
الثاني:ويستشهد الله على ما في قلبه: أي أنّه إذا أظهر للنّاس الإسلام حلف وأشهد اللّه لهم: أنّ الذي في قلبه موافقٌ للسانه. وهذا المعنى قاله عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جريرٍ، وعزاه إلى ابن عبّاسٍ، وحكاه عن مجاهدٍ، ذكره عنهم ابن كثير
الثالث:وُيشهد اللّهَ على ما في قلبه: أي أنه يُظهر للناس الإسلام ويبارز اللّه بما في قلبه من الكفر والنّفاق، كقوله تعالى: {يستخفون من النّاس ولا يستخفون من اللّه} الآية [النّساء: 108].و هذا المعنى رواه ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، ذكره ابن عطية وابن كثير
- وخُلاصة هذا كله أنه يُظهر الخير والإسلام ويبطن خلاف ذلك، وهو الشر والكفر أو النفاق، والله سبحانه يعلم سره كما يعلم علانيته، فهو أعلم به من نفسه. مفهوم من كلام الثلاثة
مراد قوله تعالى: {ما في قلبه}.
ورد في المراد بما في قلبه قولان:
الأول: أن المراد هو الشر الباطن. وهذا على قراءة فتح الياء وضم لفظ الجلالة
الثاني: أن المراد هو الخير الذي يظهر هو في قلبه بزعمه. وهذا على قراءة الجمهور. ذكره ابن عطية
معنى قوله: {ألدّ الخصام}. ج ، ط ، ك
الألدّ في اللّغة هو: الأعوج، {وتنذر به قومًا لدًّا} [مريم:97] أي: عوجًا، وهو مشتق من لديدي العنق، وهما صفحتا العنق، وهوالشديد الخصومة الصعب الشكيمة الذي يلوي الحجج في كل جانب أي خصمه في أي وجه أخذ - من يمين أو شمال - من أبواب الخصومة غلبه في ذلك، وهو ذم، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم))، و ثبت في الصّحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: ((آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))، ويقال: لددته بفتح العين ألده بضمها إذا غلبته في الخصام، والخصام في الآية مصدر خاصم، وقيل جمع خصم ككلب وكلاب، فكان الكلام وهو أشد الخصماء والدهم، وهذه كلها صفات المنافق، ومعناه أنه شديد الخصومة كثير الجدل أعوج الطريقة. وهذا خُلاصة ما ذكره الثلاثة


المسائل اللغوية:
إعراب (من) .
قال الزجاج:موضع (من) رفع على ضربين:
1- على الابتداء.
2-وبالعامل في (من).

قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)}.
القراءة في قوله تعالى: {وَيُهْلِكَ}.
ذكر ابن عطية في هذه المسألة أربعة أقوال:
1- {يُهلِكَ} بضم الياء وكسر اللام وفتح الكاف عطفا على ليفسد، وفي مصحف أبي بن كعب {وليُهلِكَ}. و أكثر القراء على هذه القراءة.
2- وقرأ قوم {ويهلكُ} بضم الكاف، إما عطفا على يعجبك وإما على سعى، لأنها بمعنى الاستقبال، وإما على القطع والاستئناف.
3- {ويَهلِكُ} بفتح الياء وكسر اللام وضم الكاف ورفع {الحرثُ} و {النسلُوهي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق وأبو حيوة وابن محيصن، ورواه ابن سلمة عن ابن كثير وعبد الوارث عن أبي عمرو، وحكى المهدوي أن الذي روى حماد بن سلمة عن ابن كثير إنما هو {ويُهلكُ} بضم الياء والكاف {الحرثَ} بالنصب.
4- وقرأ قوم {ويَهلَك} بفتح الياء واللام ورفع {الحرثُ} وهي لغة هلك يهلك، تلحق بالشواذ كركن يركن. خُلاصة ما ذكره ابن عطية


المسائل التفسيرية:
مراد الآية.
بيان حال المنافق وأنه ليس له همّةٌ إلّا الفساد في الأرض، وإهلاك الحرث، فهو أعوج المقال، سيّئ الفعال، فذلك قوله، وهذا فعله: كلامه كذب، واعتقاده فاسدٌ، وأفعاله قبيحةٌخُلاصة ما ذكره ابن كثير .
معنى { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى }
ورد فيها معنيان:
الأول: أن التولي والسعي هنا فعل الجوارح، فيكون معناه أنه أدبر ونهض عنك يا محمد، وقصد في الأرض الفساد، فيكون المراد هو المعنى الظاهر، وهذا قول ابن عباس وغيره، ذكره ابن عطية، وابن كثير واستدل له بقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه} [الجمعة: 9] أي: اقصدوا واعمدوا ناوين بذلك صلاة الجمعة، فإنّ السّعي الحسّيّ إلى الصّلاة منهيٌّ عنه بالسّنّة النّبويّة: ((إذا أتيتم الصّلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار)).
الثاني: أن التولي والسعي يُراد به أفعال القلب، فيكون بمعنى ضل وغضب وأنف في نفسه فسعى بحيله وإرادته الدوائر على الإسلام. وهذا قول ابن جريج وغيره، ذكره عنه ابن عطية، واستدل له بقول الله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى} [النجم: 39]، وقوله: {وسعى لها سعيها} [الإسراء: 19].
مرجع الضمير في قوله { وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ }.
ذكر ابن عطية في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: أن المراد هو الأخنس في إحراقه الزرع وقتله الحمر. وهذا قول الطبري
الثاني: أن المراد أن الظالم يفسد في الأرض فيمسك الله المطر فيهلك الحرث والنسل. وهذا قول مجاهد
الثالث: أن المراد أن المفسد يقتل الناس فينقطع عمار الزرع والمنسلون.
- قال ابن عطية: والظاهر أن الآية عبارة عن مبالغة في الإفساد، إذ كل فساد في أمور الدنيا، فعلى هذين الفصلين يدور.
معنى الحرث.
الحرث في اللغة شق الأرض للزراعة، ويسمى الزرع حرثا للمجاورة والتناسب، ومنه قول عز وجل: {إذ يحكمان في الحرث} [الأنبياء: 78]، ذكره ابن عطية، وقالوا في الحرث هو ما تعرفه من الزرع.ذكره ازجاج
معنى النسل.
النّسل مأخوذ من نسل ينسل إذا خرج متتابعا، ومنه نسال الطائر ما تتابع سقوطه من ريشه، ومنه قوله تعالى: {وهم من كلّ حدبٍ ينسلون} [الأنبياء: 96].ذكره ابن عطية
المراد بـ{ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ}.
ورد في المراد بالحرث والنسل هنا معنيان:
الأول: أن المراد بالحرث النساء، وبالنسل الأولاد ، وأصله إنما هو في الزرع، وكل ما حرث.قاله الزجاج وذكره ابن عطيه عنه
الثاني: أن المراد بالحرث محل نماء الزّروع والثّمار، والمراد بالنسل نتاج الحيوانات الّذين لا قوام للنّاس إلّا بهما.ذكره ابن كثير، ويُفهم من كلام ابن عطية
معنى قوله تعالى: {واللّه لا يحبّ الفساد}.
أي لا يحب وقوع الفساد، ولا يحب من هذه صفته. خُلاصة ما ذكره ابن عطية وابن كثير
عاقبة الفساد في الأرض.
يُفهم من كلام المفسرين أن الفساد هو سبب هلاك الحرث والنسل، فهو سبب لمنع المطر، وسبب في منع الولد أيضاً، والبركة فيه، كما أنه سبب لغضب الله على أهل الأرض وإهلاكهم. مفهوم من كلام الثلاثة


قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)}.
مرجع الضمير في {وَإِذَا قِيلَ لَهُ}.
يعود الضمير هُنا إلى الكافر أو المنافق، فهذه صفاتهم. ذكره ابن عطية
المراد بقوله: {قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ}.
أي إذا وعظ، فالمراد الموعظة. ذكره ابن كثير
معنى العزة.
العزة هي المنعة وشدة النفس، وهي الحميّة والغضب. خُلاصة ما ذكره ابن عطية وابن كثير
المراد بالعزة.
المراد بالعزة هنا هي الاعتزاز بنفسه وتكبره عن سماع الحق، وقال بعض العلماء: كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه اتق الله فيقول له: عليك نفسك، مثلك يوصيني؟.خُلاصة ما ذكره ابن عطية


معنى الباء في قوله: {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}.
ورد فيها معنيان:
الأول: أنها بمعنى مع، فيكون المعنى أخذته العزة مع الإثم. ذكره ابن عطية
الثاني: أنها سببية، فيكون المعنى أخذته الحمية والغضب بسبب ما اشتمل عليه من الآثام. ذكره ابن كثير
- وذكر ابن عطية أن العزة هي سبب وقوعه في الإثم، فقال: أي اعتز في نفسه وانتخى فأوقعته تلك العزة في الإثم حين أخذته به وألزمته أباه.
معنى {حسبه}.
حسبه أي كافيه عقاباً وجزاء جهنم.خُلاصة ما ذكره ابن عطية
معنى {المهاد}.
المهاد هو ما مهد الرجل لنفسه كأنه الفراش. ذكره ابن عطية

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 جمادى الآخرة 1438هـ/18-03-2017م, 08:02 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي

رسالة تفسيرية
في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)
فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}.

تقديم مجموعة الزهراوين:
(فاطمة الزهراء أحمد،هبة الديب ميسر ياسين)


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)
}


يخاطب المولى عز وجل في هذه الآية الكريمة عباده المؤمنين ويأمرهم بما يصلح حالهم في دنياهم وآخرتهم ، وينجيهم من كيد عدوهم المبين.

وجاء في سبب نزولها روايتين :

الأولى هي قول ابن عباس: «نزلت الآية في أهل الكتاب»، والمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد كافة، ورجح هذا القول ابن كثير .

والثانية :هي قول عكرمة أنّها نزلت في نفرٍ ممّن أسلم من اليهود وغيرهم، كعبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة وأسد بن عبيد وطائفةٍ استأذنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أن يسبتوا، وأن يقوموا بالتّوراة ليلًا. فأمرهم اللّه بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عمّا عداها.وعلق على هذا ابن كثير رحمه الله فقال : وفي ذكر عبد اللّه بن سلامٍ مع هؤلاء نظرٌ، إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السّبت، وهو مع تمام إيمانه يتحقّق نسخه ورفعه وبطلانه، والتّعويض عنه بأعياد الإسلام.ذكر هذا ابن كثير .


" يأيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة "
-
 المخاطب في هذه الآية:

المخاطب فيها سيكون على حسب حمل اللفظ ،فإذا قلنا أن معنى السلم هو الإسلام، فالمخاطبون هم:جميع المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويكون المعنى هو : أمرهم بالثبوت فيه والزيادة من التزام حدوده، وبذلك يشمل كافة المؤمنين وجميع أجزاء الشرع، فتكون الحال من شيئين، وذلك جائز، نحو قوله تعالى: فأتت به قومها تحمله [مريم: 27]، إلى غير ذلك من الأمثلة.


2- أن يكون : المخاطب من آمن بالنبي من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره». وذلك أنهم ذهبوا إلى تعظيم يوم السبت وكرهوا لحم الجمل وأرادوا استعمال شيء من أحكام التوراة وخلط ذلك بالإسلام فنزلت هذه الآية فيهم، فكافة على هذا لإجزاء الشرع فقط. قاله عكرمة ،وذكره ابن عطية .

- 
القراءات في السلم :
وردت قراءات في السِلم ، فقرأ ابن كثير ونافع والكسائي «السلم» بفتح السين، وقرأ الباقون بكسرها في هذا الموضع، فقيل: هما بمعنى واحد، يقعان للإسلام وللمسالمة.
وقال أبو عمرو بن العلاء: «السّلم بكسر السين الإسلام، وبالفتح المسالمة»، وأنكر المبرد هذه التفرقة، ورجح الطبري حمل اللفظة على معنى الإسلام.
ويقال: السّلم، والسّلم، والسّلم، وقد قرئ به:{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}.

- وفِي المراد بالسلم أقوال :

1- ما جاء عن العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وطاوسٍ، والضّحّاك، وعكرمة، وقتادة، والسّدّي، وابن زيدٍ، في قوله: {ادخلوا في السّلم} يعني: الإسلام .

2- وقال الضّحّاك، عن ابن عباس، وأبو العالية، والربيع بن أنس: {ادخلوا في السّلم} يعني: الطّاعة.
3- وقال قتادة أيضًا: الموادعة.
و الدخولُ نقيض الخروج، ويستعمل ذلك في المكان والزمان، ويقال: دخل مكان كذا؛ قال تعالى: ﴿ ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ ﴾ [البقرة: 58]، ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32][1].

- 
ومعنى الدخول في السلم على قولين :

1- من يرى أنه الإسلام :
فيجوزأن يكون معنى ادخلوا في السلم أي:ادخلوا في السلم كله، أي: في جميع شرائعه.
وقيل :ادخلوا في شرائع دين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا تدعوا منها شيئًا وحسبكم بالإيمان بالتّوراة وما فيها.

2-وأما من يراها المسالمة فيقول: أمرهم بالدخول في أن يعطوا الجزية، .
ورجح الطبري حمل اللفظة على معنى الإسلام، لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالانتداب إلى الدخول في المسالمة، وإنما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجنح للسلم إذا جنحوا لها، وأما أن يبتدىء بها فلا.كما ذكر ذلك ابن كثير .
ومعنى كافة والمراد بها :
كافة : نعت لمصدر محذوف، كأن الكلام: دخله كافة، فلما حذف المنعوت بقي النعت حالا. 
و المراد بها :الجماعة التي تكف مخالفها.كما ذكر ابن عطية رحمه الله.


" ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين "


(خطوات}جمع خطوة، وفيها ثلاث لغات:
خطوات، وخطوات، وخطوات. 
وجاءت الألف واللام في الشّيطان للجنس، فاللفظ يشمل جميع الشياطين .
والمراد بالنهي عن اتباع الشيطان : 
العمل بالطاعة واجتناب آثاره ونزغاته ، واتباعه يكون بترك شيىء من شرائع الإسلام وأوامره وإتيان نواهيه وزواجره .
والعدو يقع على الواحد والاثنين والجميع، ومبينٌ يحتمل أن يكون بمعنى أبان عداوته وأن يكون بمعنى بان في نفسه أنه عدو، وذلك لأن العرب تقول: بان الأمر وأبان بمعنى واحد). كما ذكر ابن عطية .


- مناسبة وصف الشيطان بأنه مبين :

لأنه عدو ظاهر العداوة . قال مطرّف: أغشّ عباد اللّه لعبيد اللّه الشيطان.ذكره ابن كثير.

- 
ولهذه الآية فوائد جليلة منها :


⁃
إرشاد الله عباده للدخول في دينه واتباع شرائعه وهديه

.
⁃
الأمر بالاجتماع على طاعة الله والالتزام بجماعة المؤمنين.


⁃
التحذير من اتباع خطوات الشيطان ،وبيان أن له خطوات وبذلك يستدرج العبد للوقوع في حباله.


⁃
بيان أن الشيطان عدو ظاهر بانت عداوته لبني ءادم ،وأنه لا يريد منهم إلا الزيغ والضلال.

••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
لما بيّن تعالى الأدلة على عظمته واستحقاقه للتوحيد ،وذكر نماذج من أصناف الناسن وحذّر من اتباع طريق الشيطان بإيضاح الطريق الصحيح السليم لهم،بيّن أنّ هناك أمر محتمل وقوعه حيث قال جل وعلا:
{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ}.

- معنى الزلل في اللغة :

الزلل من زلّ يزلّ زلا وزللا جميعا، ومزلّة، وزل - في الطين ليلا،وأصله الزلَق :أي اضطراب القدَم وتحركها في الموضع المقصود إثباتها به،و تستعمل هذه اللفظة في الاعتقادات والآراء وغير ذلك،وهو حاصل قول الزجاج وابن عطية وابن عاشور.
ولها في القراءات وجهان:
1: بفتح اللام «زللتم» وهي قراءة جمهور من الناس.
2: بكسر اللام «زللتم» قرأها أبو السمال.

- المراد بالزلل .
فـي تأويـل قوله:{ فإنْ زَلَلْتُـمْ} قولان:
1: أي :ضللتم ؛ذكره السدي عن أسباط عن عمرو عن موسى بن هارون ؛ذكر ذلك الطبري.
2: أي : الشرك؛ وهو قول ابن عباس وذكره الطبري.
و المعنى إن تنحيتم وأخطأتم وضللتم عن القصد والشرائع اللذان هما الحق الذي أنزل من عند الله تعالى فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم .

- بلاغة التعبير بقوله زللتم :
ذكر ابن عاشور وجه البلاغة في استعمال لفظة الزلل فبيّن أنّه اسُتعمل مجازا في الضُّر الناشىء عن اتباع الشيطان، وهو من باب بناء التمثيل على التمثيل؛ فقال:( لما شبهت هيئة من يعمل بوسوسة الشيطان بهيئة الماشي على أثر غيره شبه ما يعتريه من الضر في ذلك المشي بزلل الرجل في المشي في الطريق المزلقة، وقد استفيد من ذلك أن ما يأمر به الشيطان هو أيضاً بمنزلة الطريق المزلقة على طريق المكنية وقوله: {زللتم} تخييل وهو تمثيلية فهو من التخييل الذي كان مجازاً والمجاز هنا في مركبه.) اهـ.

وأما المجيء بالشرط (إن) في قوله تعالى:{ فإن زللتم }فله احتمالين:
1:إما لندرة حصول هذا الزلل من الذين آمنوا .
2:أو لعدم رغبة المتكلم في حصوله وذلك إن كان الخطاب لمن آمن بظاهره دون قلبه.

-المراد بالبينات.
قال تعالى:{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ}،أي ظهرت لكم الأدلة والمعجزات،فالمراد بالبينات هنا على قولين بحسب المخاطب في الآية :
* القول الأول: محمد وآياته ومعجزاته بما فيها القرآن؛ إذا كان الخطاب أولا لجماعة المؤمنين .قاله السّدي وابن جريج .
* القول الثاني: ما ورد في شرائع أهل الكتاب من الإعلام بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم والتعريف به؛وهذا إن كان الخطاب لأهل الكتاب. ذكر هذه الأقوال الطبري و ابن عطية .
وبما أنّ الآية عامة لكل من شمله اسم الإيـمان، فلا وجه لـخصوص بعض بها دون بعض كما بيّنه الطبري ؛فالمراد شامل للمعنيين.

أضاف ابن عاشور حول هذه الآية ما نقله الفخر عن «تفسير القاضي عبد الجبار» فقال:[دلالة لاية على أن المؤاخذة بالذنب لا تحصل إلاّ بعد البيان، وأن المؤاخذة تكون بعد حصول البينات لا بعد حصول اليقين من المكلف، لأنه غير معذور في عدم حصول اليقين إن كانت الأدلة كافية.] اهـ.

- مناسبة ختم الآية بقوله تعالى:{ فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم }.

أشار البقاعي في تفسيره نظم الدرر مناسبة رائعة لختام هذه الآية ؛حيث بيّن أنّ الخوف حاملاً قويا على لزوم طريق السلامة،فكان من المناسب قوله جلّ وعلا: {فاعلموا}وذلك لأن العلم أعون شيء على المقاصد التي يسعى لها العبد .

ومن صور البلاغة في قوله تعالى:{فاعلموا}ما ذكره ابن عاشور أنّه (تنزيلاً لعلمهم منزلة العدم؛ لعدم جريهم على ما يقتضيه من المبادرة إلى الدخول في الدين أو لمخالفة أحكام الدين أو من الامتعاض بالصلح الذي عقده الرسول)اهـ.

ثم أخبر تعالى أنّ من عدل عن الطريق الحق الذي أوضحه لعباده فإنه تعالى عزيز في انتقامه ممن خالفه فلايعجزه شيء ولا يعجزونه لأن العزة صفة مقتضية للقدرة؛وهو تعالى حكيم في أفعاله وشرائعه،أي محكم فيما يعاقبكم به لزللكم.
قال أبو العالية وقتادة والرّبيع بن أنسٍ: عزيزٌ في نقمته، حكيمٌ في أمره.
وقال محمّد بن إسحاق: العزيز في نصره ممّن كفر به إذا شاء، الحكيم في عذره وحجّته إلى عباده.ذكر ذلك ابن كثير
حكى النقاش ما يناسب ختام هذه الآية ؛أن كعب الأحبار لما أسلم كان يتعلم القرآن، فأقرأه الذي كان يعلمه: فاعلموا أن الله غفور رحيم، فقال كعب: إني لأستنكر أن يكون هكذا، ومر بهما رجل، فقال كعب: كيف تقرأ هذه الآية؟، فقرأ الرجل: فاعلموا أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ، فقال كعب: هكذا ينبغي).
ومثل ذلك ما ذكره الطيبي عن الأصمعي قال كنت أقرأ: والسارق والسارقةُ فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم، ويجنبي أعرابي فقال كلامُ مَنْ هذا؟ قلت كلامُ الله، قال: ليس هذا كلامُ الله فانتبهتُ فقرأت { والله عزيز حكيم } [المائدة: 38] فقال أصبتَ هذا كلام الله فقلت أتقرأ القرآن؟ قال لا قلت من أين علمت؟ قال يا هذا عزّ فحكم فقطعَ ولو غفر ورحم لما قطع.

- من فوائد هذه الآية:
- لو ترك الناس لعقولهم لفسدت الأرض ولكن من رحمة الله أن أرسل لعباده البينة لتكون حجة عليهم،{فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات}.
- العلم بأسماء الله وما تضمنته من صفات وتدبرها في سياق الآيات دافع قوي للعمل ،لأنّ العلم وحده لا يكفي دون عمل .{فاعلموا أنّ الله عزيو حكيم}.
- {فاعلموا} فيه من الوعيد الشديد على من زلّ بعد ما جاءته البينات .


•••••••••••••••••••••••••••••••••••
تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}
-قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ} :

المخاطب في الآية هو النبي صلى الله عليه.
و(هل )من حروف الابتداء كأما والغرض منها هو التهديد .ذكره ابن عطية وابن كثير
ومعنى (ينظرون ):ينتظرون والمراد هؤلاء الذين يزلونذكره ابن عطية

في تفسير قوله تعالى { إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ }عدة أقوال وهي:

1-قول أهل اللغة بأن الله سيأتيهم بما وعدهم من العذاب،والوعيد والحساب كما قال: {فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا} أي: آتاهم بخذلانه إياهم.
2-أن يأتيهم حكم الله وأمره ونهيه وعقابه إياهم، وأن هذا التوعد هو بما يقع في الدنيا،قاله ابن جريج وغيره
3-أن الله سيأتي يوم القيامة، لفصل القضاء بين الأوّلين والآخرين، فيجزي كلّ عاملٍ بعمله، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، اومما يؤيد هذا القول قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربّك أو يأتي بعض آيات ربّك يوم يأتي بعض آيات ربّك} الآية [الأنعام: 158].كما يؤيده حديث الإمام أبو جعفر بن جرير حديث الصّور عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. : "أنّ النّاس إذا اهتمّوا لموقفهم في العرصات تشفّعوا إلى ربّهم بالأنبياء واحدًا واحدًا، من آدم فمن بعده، فكلّهم يحيد عنها حتّى ينتهوا إلى محمّدٍ، صلوات اللّه وسلامه عليه، فإذا جاؤوا إليه قال: أنا لها، أنا لها. فيذهب فيسجد للّه تحت العرش، ويشفع عند اللّه في أن يأتي لفصل القضاء بين العباد، فيشفّعه اللّه، ويأتي في ظلل من الغمام بعد ما تنشقّ السّماء الدّنيا، وينزل من فيها من الملائكة، ثمّ الثّانية، ثمّ الثّالثة إلى السّابعة، وينزل حملة العرش والكروبيّون، قال: وينزل الجبّار، عزّ وجلّ، في ظلل من الغمام والملائكة، ولهم زجل من تسبيحهم يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ربّ العرش ذي الجبروت سبحان الحيّ الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبّوح قدّوسٌ، ربّ الملائكة والرّوح، قدّوسٌ قدّوسٌ، سبحان ربّنا الأعلى، سبحان ذي السّلطان والعظمة، سبحانه أبدًا أبدًا".
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن أبي العالية أن الملائكة يجيئون في ظللٍ من الغمام، واللّه تعالى يجيء فيما يشاء .ذكره ابن كثير

-معنى قوله تعالى :{فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}:
{ظلل} :جمع ظلّة. وهي ما أظل من فوق،وقال عكرمة: ظللٍ طاقات ذكره ابن عطية
وقرأ قتادة والضحاك «في ظلال»،ذكره ابن عطية
الغمام فيها أقوال ،فهو أرق السحاب وأصفاه وأحسنه، وهو الذي ظلل به بنو اسرائيل ذكره ابن عطية وقال النقاش: «هو ضباب أبيض»، وفي قراءة ابن مسعود «إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام»، وقال زهير بن محمّدٍ، : ظللٌ من الغمام، منظومٌ من الياقوت مكلّل بالجوهر والزبرجد.وقال مجاهدٍ أنه غير السّحاب، ولم يكن قطّ إلّا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا.كما ذكر ابن عطية

-أما الملائكة فيها قراءتان: فمن قرأها بالضم فالمعنى ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه والملائكة، ومن قرأها بالكسر فالمعنى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وظلل من الملائكة، والرفع هو المشهور المختار عند أهل اللغة في القراءة كما ذكر الزجاجوالوعيد بالملائكة هو بإتيانهم عند الموت ذكره ابن عطية

-معنى قوله تعالى : (وقضي الأمر ):
أي وقع الجزاء وعذب أهل العصيان .وفرغ لهم ما كانوا يوعدون.ابن عطية وابن كثير
وقرأمعاذ بن جبل «وقضاء الأمر»، وقرأ يحيى بن يعمر «وقضى الأمور» بالجمع، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «ترجع» على بناء الفعل للفاعل، وقرأ الباقون «ترجع» على بنائه للمفعول، ذكره ابن عطية.

-سبب تخصيص رجوع الأمور يوم القيامة وهي راجعة إليه تعالى قبل وبعد:

1-الإعلام في أمر الحساب والثواب والعقاب، أي إليه تصيرون فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء.ذكره الزجاج.
2-أن الملوك تفقد ماكانت تت
متع به من بعض أمر في الدنيا فيزول في هذا اليوم ويعود الأمر كله لله .ذكره ابن عطية.

-من فوائد هذه الآية :
في هذه الآية نستشعر عظمة الله وجلّ قدره فتقشعر الأبدان من المنظر المهيب لعظمة الله وجلاله يوم القيامة،حيث يرجع الأمر كله إليه،لا مفرّ ولا ملجأ، فيعقد القلب عهدََا على أن يحمل همّ ذلك اليوم، فهمّه يفوق سائر هموم الدنيا ،فسبحانك ربنا ما قدرناك حق قدرك.

- هذا والله تعالى وأعلم -

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20 جمادى الآخرة 1438هـ/18-03-2017م, 09:37 PM
كوثر التايه كوثر التايه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 787
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى: { سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُالدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْافَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)
مجموعة ( كوثر التايه-نبيلة الصفدي-هناء هلال)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ باالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وبعد..
جاءت هذه الآية الكريمة في سياق توبيخ بني اسرائيل على عنادهم واعراضهم عن أمر الله تعالى مع كثرة الأدلة والبينات التي جاءتهم من الله تعالى، الدالة على صدق الرسل ، فأعرضوا عنها مع أنهم عرفوها وتيقنوها.
وبدأت الآية بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم أولاً ثم لسائر المؤمنين وسؤالهم عن الآيات التي جاءتهم لبيان الحق والصدق، وبدأ السؤال بـ(كم التكثيرية) التي تكشف عن كثية الآيات البينة الشرعية والكونية التي جاءته، لأن المقصود اقرارهم لمخالفتهم –ولا يسعهم الانكار- فلم يقابلوا نعمة الله بالشكر الواجب عليهم، بل بدلوا نعمة كفرا.
فقد جاءهم موسى عليه السلام -سلف المخاطبين-بالبينات الدالة على صدق نبوته كيده وعصاه وفلقه للبحر وضربه الحجر وإنزال المن والسلوى وغيره، وجاءتهم التوراة فيها صدق ونور، ومع ذلك أعرضوا وحرفوا الكلم عن مواضعه، والحاضرون من اليهود ثبتت لهم الخصال التي لسلفهم، فكما أن الآيات التي تناقلوها من سلفهم قد أتتهم ،كذلك حرفوا الكلم من بعد مواضعه، وأنكروا ما أنزله الله عليهم وأمرهم به ، قال تعالى : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ * يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا )، فلما جاءتهم البينات الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وعندهم في كتبه وصفه –وكان هذا من نعم الله عليهم حيث قال: ( وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ) - ( مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ) أي بعد ما فيها من الوضوح والمشاهدة والتمكن أنكروا ذلك وحرفوا المعاني وصرفوا اللفظ عن مراد الله تعالى لما يتوافق وأهوائهم ، وبدلوا نعمة الله كفرا، فاستبدلوا التوراة التي جاءتهم بالهدى والنور والحق والإيمان، فبدلوها وحرفوها ورضوا بالكفر والاعراض، ولم يقبلوا نعمة الله تعالى عليهم، فجحدوا أعظم النعم -الاسلام- وصار الكفر بدل الايمان ، فهم عن سواها أجحد!!! وهذا مثل قوله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) ابراهيم-28
ولذلك استحقوا أن ينزل عليهم عقاب الله تعالى ويحرمهم من ثوابه، فجاء قوله تعالى: ( فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب) فإظهار اسم الجلالة موضع الاضمار لإدخال الروع في ضمير السامع وتربية المهابة، فهو خبر يقتضي الوعيد الشديد لمن يفعل ذلك ، والعقاب : مأخوذ من العقب ، كأن المعاقب يمشي بالمجازاة له في آثار عقبه ، فهو يقع عقب الذنب مؤاخذة به.
وفي الآية الكثير من الفوائد والهدايات، ومنها:
1-بيان كثرة ماأعطاه الله تعالى بني اسرائيل من الآيات البينات الدالة على صدق رسله، قال تعالى: ( سل بني اسرائيل كم آتيناهم من آية بينة)
2-أن الله تعالى جعل الرسل – عليهم السلام – حجة على أقوامهم بإرسالهم وما معهم من البينات ، قال تعالى: ( كم أتيناهم من آية بينة) ، وهو كقوله تعالى: ( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء 165
3-تقريع بني اسرائيل وتوبيخهم على الكفر وتبديل نعمة الله، لأن السؤال سؤال تقريع لا يسعهم انكاره.
4-آيات الله من نعم الله على عباده لما فيه من الوضوح والكشف مما يحمل الناس على الإيمان( وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ) فمجيء الآيات يستلزم وضوحها وكشفها.
5-آيات الله تعالى تبين ما أراده الله تعالى لعباده ، فالآيات في التوراة فيها من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم لما يحملهم على معرفته واتباعه.
5-التحذير من تبديل نعمة الله تعالى وكفر هذه النعمة، وهذا مضاد لما أراده الله من بيانها وكشفها، قال تعالى: ( وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ)
6-اتباع الخلف وموافقتهم على ضلالات السلف هو اثبات لترتيب العقوبة على الخلف، (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ) فالمقصود السلف ويصح اثباتها للخلف لترتيب الآثار على الجميع.
7-من تمام عدل الله تعالى اثبات شديد العقاب لمن بدل نعمة الله كفرا بعد بيانها ووضوحها، ( فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)
ثم تبدأ الآية التي تليها بالرجوع إلى أحوال العرب المعنيين من الآيات السابقة قصداً وتعريضاً، فيخبر الله تعالى عن الذين كفروا ولم يؤمنوا بالله وآياته ورسله، ولم ينقادوا لشرعه ورضوا بالحياة الدنيا وما اشتملت عليه من اللذات والمتع، فاطمأنوا بها، فصارت أهواؤهم وإراداتهم وأعمالهم كلها لها، فأقبلوا عليها، وأكبوا على تحصيلها، وعظموها، وشغلتهم ، واحتقروا المؤمنين واستهزؤا بهم حتى قالوا عنهم كما حكى الله عنهم : ( وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ ) الأنعام ، وهذا من ضعف عقولهم وانشغالهم بالحاضر واغفالهم الغيب,
وبدأت الآية الكريمة بالفعل الذي لم يسم فاعله ( زُين) .
فالمزين فيه قولان:وكلاهما صحيح:
1-هو الله تعالى، بما جعل في هذه الحياة والمعيشة من المناظر الجميلة والمباهج المفرحة، قال تعالى: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ) –آل عمران، فالغاية من التزيين هو كما قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ )-الملك، فالمؤمن ينشغل بهذه الطيبات بما يرضي الله تعالى ويوافق شرعه، ولا يتعدى إلى ما حرمه الله، قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ) -الأعراف ، وخص الله تعالى بقوله: ( لِلَّذِينَ كَفَرُوا) لقبولهم التزيين واقبالهم على الدنيا واعراضهم عن الآخرة، وفيه ذم لهذا الفعل ومن فعله.
ويكون التزيين من الله تعالى أيضاَ باعتبار التقدير، وهو كقوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ) -النمل، ولا منافاة بين الأمرين ، فالله سبحانه خالق الناس وخالق أعمالهم، ويجازي كل بعمله، فمن أعرض عن الحق أوكله الله إلى نفسه، قال تعالى: ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) –الأنعام، وكقوله تعالى: ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) –الصف
2-المزين هو الشيطان لأنه هو الذي باشر التزيين وووسوس لهم وأعظم الدنيا في عيونهم فامتلأت قلوبهم بحبها، وأعرضوا عن دعوة الله إليه بالزهد فيها وعدم الانشغال بها بما يأخذ المرء المراد الحقيقي من وجوده وهو عبادة الله تعالى، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)-الذاريات
والتزيين: وهو جعل الشيء مزيناً بهياَ في عين من يراه .
ثم بيّن الله تعالى من عجب هؤلاء الذين زُينت لهم الدنيا ، وتناهى بهم الغرور فلم يقتصروا بافتتانهم بها وانشغالهم بزخرفها، بل انتقل بهم الحال إلى أن يسخروا ممن لم يسر على منهجهم ولم يكن على منوالهم وديدنهم، فتركوا الحياة الدنيا وأخذوا منها ما يعينهم على طاعة ربهم ويبلغهم مرضاته كأمثال بلال بن رباح وصهيب وابن مسعود رضي الله عنهم، فكأن حالهم مع حبهم للدنيا وطلبها يسخرون ممن هو على عكس ذلك، وفيه وصف لشدة اغترارهم بما وصلوا إليه، وهو كقوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) –المطففين ، بل وصل بهم الحال أن طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرفهم عنه إن كان أرادهم أن يجلسوا يستمعوا إليه، فقال تعالى راداَ قولهم وصاداً لرأيهم ناقضاً له: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )-الكهف
ثم بين الله تعالى حال الذين آمنوا : ( وَالَّذِينَ اتَّقَوْافَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، فقد جمعت هذه الآية جميع أنواع الفوقية والتشريف ورفعة القدر للذين اتقوا، وقيدت بيوم القيامة لأنه مبدأ الحياة الأبدية، وبيان حال الاستقرار والدوام،وماسواه من الحياة فلا قيمة له مهما بلغ فيه الانسان وجمع، فالذين اتقوا فوقهم في الدرجة والقدر والرفعة فهم يوم القيامة لهم الأجر والثواب ومن النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكما قال تعالى: ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) –الفرقان، والكافرون وإن زعموا أنه لو كان هناك معاد ورجعة إلى الله فسيكون لهم الحظ الأوفر، فهذا لابرهان لهم ، ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا(78) كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) –مريم
وحالهم كحال صاحب الجنتين حيث حكى عنه رب العزة: ( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا)-الكهف
ونعيم الجنة فوق ما هؤلاء فيه ، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ: لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ»
والمتقين ومقرهم الجنة هم في عليين ، قال تعالى: ( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ) أما الكفار الفجرة فهم أسفل سافلين، قال تعالى: ( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ) –المطففين، فهم في ضيق وسفل فهي مستقرهم ومعادهم، وفي هذا بيان قبيح فعلهم حيث ارتضوا بالدون وأعرضوا عن الفوز العظيم .
ولما كانت الأرزاق الأخروية والدنيوية لا تحصل إلى بتقدير الله، ولا يمكن أن تُنال إلا بمشيئته وإرادته، قال تعالى: ( وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) فالرزق الدنيوي حاصل للمؤمن والكافر، قال تعالى: ( كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) –الاسراء
ولكن رزق القلوب والتقوى والهداية اختص به من هو أهل له ، ( وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)
وربط الله تعالى الرزق في الآية بأنه بغير حساب، حيث أنه تعالى يعطي من رزقه بغير حساب، ويكون ( بِغَيْرِ حِسَابٍ ) صفة للرزق، فهو سبحانه يتصرف في ملكه كيفما شاء، وقد بين تعالى أن المؤمنين يوم القيامة يأتيهم رزقهم غير ممنون ولا منقطع ، ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ )-فصلت، أما في قوله تعالى في سورة النبأ : ( جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ) فالحساب في الجزاء والمثوبة، لأنهما معادة، وأما غير الحساب فهو التفضل والانعام، ويكون أيضا كقولهم : أعطاني فأحسبني- أي واكثر علي حتى قلت حسبي- .
ويكون معنى –بغير حساب أيضاً -أن رزق الله يأتي للمرزوقين من حيث لا يحتسبون لا يخطر لهم على بال، قال تعالى: ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ) –الطلاق.
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وفي الآية الكثير من الفوائد والهدايات، ومنها:
1-انخداع الكافرين بالحياة الدنيا وانشغالهم بها، ( زين للذين كفروا الحياة الدنيا)
2-الانشغال بالدنيا والانغماس فبما فيها يُشغل عن الآخرة ويُنسيها، ولذلك وصل الحال بالكفار للسخرية من المؤمنين لأنهم لم يأخذوا من الدنيا، ( ويسخرون من الذين آمنوا)
3-سخرية الكافرين من المؤمين على مر العصور ، لافادة الفعل المضارع ( ويسخرون) التكرار والدوام.
4-العبرة بكمال النهايات لأن الله تعالى جعل الآخرة هي الدار التي ترفع من يستحق ذلك ، قال تعالى:
( ...فوقهم يوم القيامة)
5-حقارة الدنيا عند خالقها حيث لم يجعل الميزان الحقيقي فيها، بل جعله في الآخرة ، قال تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) الزخرف/ 33- 35 .
6-في الآية بشارة وتثبيت للمؤمين على طلب رضى الله والسعي للآخرة، ( والذين اتقوا فوقهم ..)
7-رزق الله تعالى لا حد له ولا حساب، ( والله يرزق من يشاء بغير حساب)

المراجع:
معاني القرآن للزجاج
تفسير ابن عطية - المحرر الوجيز
تفسير ابن كثير
تفسير الجلالين
تفسير الطاهر بن عاشور-التحرير والتنوير
تفسير السعدي
تفسير ابن عثيمن - الكنز الثمين

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21 جمادى الآخرة 1438هـ/19-03-2017م, 12:12 AM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)}

المجموعة الخامسة
منيرة محمد - مضاوي الهطلاني - عابدة المحمدي


▪ تفسير قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}:

هذه الآية الكريمة نزلت ضمن التشريعات العديدة التي نزلت في هذه السورة المباركة التي تعنى بإعداد الأمة لعمارة الأرض والقيام بدين الله،فقال تعالى ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ )) وقد بين سبحانه في الأية السابقة أن دخول الجنّة منوط بعد رحمة الله تعالى بالصبر على ما قد يصيب الإنسان من مكاره هذه الدنيا،وذكر بعدها الإنفاق على من ذكر، ليطهر النفس من الشّح والجشع، ناسب أن يأمر بعدها ببذل النفس التى هي أغلى مايملك في سبيله،وما ذاك إلا تربية له وإصلاحاً لحاله،وإظهاراً للحق ودحراً للباطل،وقد عرفنا أن هذا الأمر قد سبقه مراحل من التهيئة والتدرج فقد كان غير مأذون به في مكة،ثم أذن الله لرسوله في قتال من يقاتله من المشركين،ثمّ عمم قتالهم،بعدها أوجب الله الجهاد،فقال تعالى (( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ)) وفي هذا تعليماً لنابالتدرج في الأمور
- وللعلماء فيها أقوال:،فمنهم من يرى وجوبه على الكلّ كلّ فرد بعينه،وذلك من دلالة لفظة الآية،وذكر عطاء أنه يكفي العمل به مرةً واحدة، ومنهم من قال أن هذا الوجوب خاصٌ بأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم،ويعارض هذا القول كما ذكر "القرطبي" قوله تعالى : ( كتب عليكم القصاص )وقوله ( كتب عليكم الصيام ) .
- القول الثاني: أنه من فروض الكفايات ، إلا أن يدخل الكفار ديار المسلمين فإنه يتعين عندها على الكلّ،وهذا القول هو الذي عليه جمهور الأمة،ويشهد له كما ذكر "القرطبي " قوله تعالى ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) وقوله تعالى في سورة الحديد :( وكلا وعد الله الحسنى ) فلو كان القاعد مضيعا فرضا ما كان وعده الله بالحسنى ، إلا إن كان قد اسقطه عن نفسه بسبب قيام البعض به،فهذا يخشى أن يشمله ما ورد في الحديث الصّحيح "من مات ولم يغز، ولم يحدّث نفسه بغزوٍ مات ميتةً جاهليّةً". وقال عليه السّلام يوم الفتح: "لا هجرة، ولكن جهادٌ ونيّة، إذا استنفرتم فانفروا"

- وقوله تعالى:((وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ )) وقرئت بالفتح ،وقال "الزّجاج" كل ما في كتاب الله عزّ وجلّ من الكره فالفتح جائز فيه، إلا هذا الحرف فقد ذكر أبو عبيدة- أن الناس مجمعون على ضمه، والمعنى ذو كره - تنفر منه النفوس وشديداً عليها بجبلة الطبع، وإن علمت أن أمر الله لا يكون به إلا الخير والصلاح، وذلك لما فيه من المشقة البالغة والتعرض للقتل،ومن هنا نلحظ أن دين الإسلام يلامس الفطرة البشرية ولا يصادمها،بل يسعى إلى النهوض بها وتزكيتها وربطها بالعليم الخبير الذي يقدر عن علم ولطّف ....
- وقوله (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ..)
(عَسَى) منهم من قال أن الأولى للإشفاق والثانية للترجي ،وذكر الشيخ "ابن عثيمين" رحمه الله تعالى
أنها هنا تأتي للتوقع ،أوللترجية- لا للترجي - لأن الله عز وجل لا يترجى، كل شيئ عنده هين ، والمعنى أنه يريد من المخاطب أن يرجو هذا،أي افعلوا ما أمركم به عسى أن يكون خيراً،...
ونلحظ أنه عز وجل مثل لنا بأشد ما يكون على العبد وهو بذل نفسه في سبيل الله ليكون مادونه أولى بهذا
فما على العبد إلا الرضا والتسليم والإنقياد سواءً علم الحكمة من ذلك أم غابت عنه وذلك ليقينه بحكمته وسعة علمه ولطفه بعبده،فتحصل عندها الطمأنينة في النفس والسكينة للقلب وتقديم محاب الله على شهوات نفسه...

والمقصود من الآية تعليم العبد تلقي أمر الله بالإذعان والقبول واعتقادأنهاالخير والصلاح،وأن لم تتبين له صفته،لأنه هو العليم بما فيه صلاحه وحسن عاقبة أمره ...
وليست الآية كما ذكر السعدي - حصراً على القتال وحده بل هي شاملة لكلّ ما تحب النفس من أفعال الشّر لما تتوهمه من الرّاحة فيها،وما تكرهه من أفعال الخير لما تجده من المشقة فيها .
....... ..... .................................................
.
قوله تعالى :{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}البقرة[217]

مناسبة الآية
لما نزل الأمر بوجوب جهاد العدو و قتاله ، وهو أمر شديد وشاق ،كما قال تعالى{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }البقرة[216]
ثم جاءت هذه الآية، قوله تعالى :{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ }الآية البقرة[217] بعدها لتبين الجرم الكبير والأمر العظيم الذي، يستحق أن تبذل المهج وتزهق الأنفس وتنفق الأموال والأرواح ،في سبيله وهو القضاء على الكفر وأهله ، ونشر التوحيد ،وإعلاءه في الأرض، ليكون الدين كله لله ،فكتب الله أن يقتل مسلم مشركا في الشهر الحرام ،ليثير ويهيج الناس ليستشعروا عظم هذا الفعل وكبر هذا الجرم وهو القتل في الشهر الحرام مما جعلهم يسألون عن حكم هذا الفعل فردّ الله عليهم في الآية ليبين ماهو أكبر جرماً واعظم ذنباً منه عنده،
سبب نزول الآية
-قيل : أن رسول صلى الله عليه وسلم بعث سرية عليها عبدالله بن جحش الأسدي ، مقدمه من بدر الأولى، فلقوا عمرو بن الحضرمي ومعه عثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل المخزوميان والحكم بن كيسان في آخر يوم من رجب على ما ذكر ابن إسحاق، وفي آخر يوم من جمادى الآخرة على ما ذكره الطبري عن السدي وغيره. والأول أشهر قاله ابن عطية، على أن ابن عباس قد ورد عنه أن ذاك كان في أول ليلة من رجب والمسلمون يظنونها من جمادى، وأن القتل في الشهر الحرام لم يقصدوه، وأما على قول ابن إسحاق فإنهم قالوا إن تركناهم اليوم دخلوا الحرم فأزمعوا قتالهم، فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وأسر عثمان بن عبد الله والحكم، وفر نوفل فأعجزهم، واستسهل المسلمون هذا في الشهر الحرام خوف فوتهم، فقالت قريش: محمد قد استحل الأشهر الحرم، وعيروا بذلك، وتوقف النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم، فنزلت هذه الآية. ذكر ذلك ابن عطية وابن كثير رحمهما الله.

-وقال العوفي عن ابن عباس: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } ، وذلك أن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوه عن المسجد في شهر حرام، قال: ففتح الله على نبيّه في شهر حرام من العام المقبل، فعاب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال في شهر حرام، فقال الله تعالى: { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } من القتال فيه، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث سرية فلقوا (عمرو بن الحضرمي) وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى، وأول ليلة من رجب، وأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى، وكانت أول رجب ولم يشعروا، فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه، وأن المشركين أرسلوا يعيِّرونه بذلك، فقال الله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ } إخراج أهل المسجد الحرام أكبر من الذي أصاب أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم، والشرك أشد منه. ذكره ابن كثير وقال:وهكذا روى أبو سعد البقال ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنها أنزلت في سرية عبد الله بن جحش ، وقتل عمرو بن الحضرمي .
-وقيل :أن سبب هذه الآية أن عمرو بن أمية الضمري قتل رجلين من بني كلاب في رجب فنزلت، ذكره المهدوي
قال ابن عطية : وهذا تخليط من المهدوي. وصاحبا عمرو كان عندهما عهد من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمرو قد أفلت من قصة بئر معونة
.

-أثر هذه الحادثة على الناس
هيّجت هذه الحادثة الناس ،سواء المسلمين أو المشركين أو اليهود ،فأما أصحاب القصة من المسلمين ،فأسقط في أيديهم وظنوا أنهم قد هلكوا، لما قال لهم رسول صلى الله عليه وسلم :"ما أمرتكم بقتالٍ في الشهر الحرام "
فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً.،وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا،
وأما يهود فقالت: تفاءل بذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: عمرو بن الحضرميّ قتله واقد بن عبد اللّه: عمرٌو: عمرت الحرب، والحضرميّ: حضرت الحرب، وواقد بن عبد اللّه: وقدت الحرب. فجعل اللّه عليهم ذلك لا لهم. ذكره ابن كثير

وأما المشركين فقد قالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال.فركب وفدٌ من كفّار قريشٍ حتّى قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة فقالوا: أيحلّ القتال في الشّهر الحرام؟ فأنزل اللّه: {يسألونك عن الشّهر الحرام [قتالٍ فيه]} الآية. وقد استقصى ذلك الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ في كتاب "دلائل النّبوّة".ذكره ابن كثير

قوله تعالى :{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}البقرة[217]
القراءات :
-وردت في مصحف عبد الله بن مسعود «يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه» بتكرير عن، وكذلك قرأها الربيع والأعمش،
-وقرأ عكرمة «عن الشهر الحرام قتل فيه قل قتل» دون ألف فيهما،


نسخ الآية:
وقال الزهري ومجاهد وغيرهما: قوله {قل قتالٌ فيه كبيرٌ} منسوخ بقوله {وقاتلوا المشركين كافّةً} [التوبة: 36]، وبقوله: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5].
وقال عطاء: «لم تنسخ، ولا ينبغي القتال في الأشهر الحرم»، ذكره ابن عطية وقال وهذا ضعيف .

المراد بسؤالهم عن الشهر الحرام :
أي عن القتال في الشهر الحرام ، لأن العرب قد جعل الله لها الشهر الحرام ،قواما تعتدل عنده، فكانت لاتغير فيه على أحد ولا تسفك الدماء في الأشهر الحرم ،وهي الأربعة التي ذكرها الله في كتابة (ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب )
وقوله :{قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ}
المسائل اللغوية
{قتال} مرتفع بالابتداء، و {كبير} خبره،
-معنى {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ}
أي : قتال عظيم ، أي لا يحل ، ولكن ما صنعتم أيها المشركون أكبر من القتل في الشهر الحرام.

قوله تعالى :{وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ}
-مسائل لغوية:
-وصد : مبتدأ مقطوع مما قبله ، وخبره {أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ} و{ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } معطوف على {سَبِيلِ اللَّهِ}
والمعنى : ثم عدد الله صنائعهم و أفعالهم التي أكبر من القتل في الشهر الحرام ،فقال :وصد عن سبيل اللّه، وكفر به، وإخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر عند اللّه، أي: أعظم إثما وجرماً.
-وقال الفراء: {صدٌّ }عطف على {كبيرٌ.}
وخطأه ابن عطية لأن هذا القول يلزم منه أن يكون {وَكُفْرٌ بِهِ } عطف على {كبيرٌ.} فيكون المعنى : أن إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر عند الله ، وهذا بين فساده.
ومعنى الآية :
إنكم ياكفار قريش تعيبون علينا وتستعظون القتال في الشهر الحرام ، وما تفعلونه من الصد عن دين الله لمن أراد الدخول فيه ، ومن كفركم بالله و إخراج أهل المسجد عنه ، وكما فعلوا بالرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه بإخراجهم من مكة ، أكبر وأعظم جرما وإثماً عند الله من القتل في الشهر الحرام. ثم أضاف لأفعالهم وجرائمهم جريمة أخرى .

فقال:{وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ}
المراد بالفتنة في الآية:
اختلف في المراد بالفتنة هنا على أقوال وهي:
-قيل: الفتنة التي تفتنون بها المسلمين عن دينهم ،حتى تردوهم إلى الكفر بعد إيمانهم.قاله جمهور المفسرين ،ذكره ابن عطية وابن كثير
-وقيل:أي فعلكم بكل إنسان بفتنته أشد من فعلنا . ذكره ابن عطية
-وقيل : هذه الأشياء كفر ،والكفر أكبر من القتل. قاله الزجاج
-وقيل :الفتنة هنا الكفر أي كفركم أشد من قتل أولئك ،قاله مجاهد وغيره ذكره الزجاج وابن عطية.


-دلالة قوله:{وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ}
فدل ذلك على عظم وشدة كفرهم وفتنتهم للناس بصدهم عن دينهم أو بإخراجهم منه كلها أشد وأعظم من القتل

قال تعالى:{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ}
-المقصود من الآية:
قال ابن عطية :في هذه الآية : خبر من الله وتحذير منه للمؤمنين من كيد الكفار .
بعد أن بين الله عظم جريمة الكفر وعظم ما صنعه الكفار بالمؤمنين عنده ،
بين شدة عداوة الكفار للمؤمنين ، ومداومتهم على عدواتهم، تحذيرا لهم منهم ،وتهييج للمسلمين لجهادهم وقتالهم وقطع دابرهم قبل أن يحققوا مطامعهم ،ويفتنوهم عن دينهم ،فخير البرية محمد صلى الله عليه وسلم لولا تثبيت الله له لكادوا أن يفتنوه ،فكيف بمن هو دونه ،وكيف بضعيف الإيمان ،
قال تعالى:{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا [73]وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قليلاً}[74]الإسراء
فهم يداومون على إيذاء المؤمنين ،ليفتنوهم عن دينهم ،ويرجعونهم إلى الكفر ،ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فعداوتهم لا تنقطع ،بمرور الأزمان وتعاقب الليالي و الأيام ،فغايتهم وأهدافهم منصبة على السعي لرد المسلمين كفارا ،فعلى المسلمين أن يأخذوا حذرهم ولا يأمنوا جانب الكفار مهما ألانوا جانبهم وأظهروا محبتهم وموالاتهم فهم العدو فاحذرهم ،

-دلالة قوله {إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ}
يدل على استبعاد استطاعتهم رد المسلمين عن دينهم ،قاله الزمخشري. وهذا الاستبعاد لمن وَقرَ الإيمان في قلبه وخالطه بشاشته ،ويدل على ذلك ،قول هرقل لأبي سفيان :(وسألتك: هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه , فزعمت أن لا , فكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد) رواه البخاري
وإما ضعيف الإيمان ،ومن كان يعبد الله على حرف ،فإنه لا يأمن الفتنة والنكوص على عقبيه ،ومن فعل ذلك فله الجزاء العظيم في الدنيا والآخرة ،

قال تعالى :{ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
قوله:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}

-القراءات
{يَرْتَدِدْ} بفك التضعيف فيرتدد جزم بالشرط، والتضعيف يظهر مع الجزم، لسكون الحرف الثاني - وهو أكثر في اللغة -
وفي هذا الموضع لا يجوز فيه إلا {من يرتدد }لإطباق أهل الأمصار على إظهار التضعيف وكذلك هو في مصاحفهم، والقراءة سنة لا تخالف، إذا كان في كل المصحف الحرف على صورة لم تجز القراءة بغيره.
وقرئ: {يا أيها الذين امنوا من يرتدّ} بالإدغام والفتح وهي قراءة الناس إلا أهل المدينة فإن في مصحفهم من يرتدد وكلاهما صواب.
ويجوز أن تقول: من يرتدّ منكم فتكسر لالتقاء السّاكنين إلا أن الفتح أجود لانفتاح التاء، وإطباق القراء عليه). ذكره الزجاج

-معنى{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}
أي من يرجع عن دين الإسلام إلى الكفر .

{فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ }
-القراءات
قرأ أبو السماك {حبٓطٓت}بفتح الباء في جميع القرآن.

-معنى : حبط العمل
إذا انفسد في آخر فبطل . قاله ابن عطية.

-عظم ذنب الكفر
وبهذا يتبين أن ذكر هذه الآية بعد فرض الجهاد وإيجابه على المسلمين ،ليبين أهمية الجهاد ،لأن أعظم الذنوب الكفر بالله والشرك قال تعالى : {إن الشرك لظلم عظيم } والجهاد هو للقضاء على الكفر ونشر التوحيد.
والشرك هو الذنب الذي لا يغفر لصاحبه إن مات عليه ،إما القاتل فهو تحت المشيئة ،قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}النساء[116]
-جزاء من مات مرتداً
وممايدل على عظم جرم الكفر بالله ،أنه من إرتد عن دينه ،ومات كافراً ،فإنه يحبط جميع عمله ، هذا جزاء الآخرة ،
-جزاء المرتد في الدنيا
أما في الدنيا فقد ذكر الفقهاء أحكام للمرتد منها :
-استتابة المرتد :
اختلف العلماء في استتابة المرتد على أقوال:
-قيل : يستتاب المرتد فإن تاب وإلا قتل.قالته طائفة من العلماء
-وقيل :يقتل دون أن يستتاب ،قاله عبيد بن عمير وطاوس والحسن- على خلاف عنه- والشافعي في أحد قوليه: ، وروي نحو هذا عن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل.
ووجه قولهم ابن عطية فقال : ومقتضى قولهما إنه يقال له للحين: راجع، فإن أبى ذلك قتل،
-وقيل : «إن كان المرتد ابن مسلمين قتل دون استتابة وإن كان أسلم ثم ارتد استتيب»، قاله عطاء ابن أبي رباح وذلك لأنه يجهل من فضل الإسلام ما لا يجهل ابن المسلمين، ذكر هذه الأقوال ابن عطية رحمه الله
واختلف القائلون بالاستتابة:
-قيل :يستتاب ثلاثة أيام. قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه.
-وقيل : «يدعى إلى الإسلام فإن تاب وإلا قتل».قاله الزهري
-وروي عن علي أبي طالب رضي الله عنه أنه استتاب مرتدا شهرا فأبى فقتله،
قيل : يستتاب محبوسا أبدا، قاله النخعي والثوري ،
قال ابن المنذر: واختلفت الآثار عن عمر في هذا الباب.
قال ابن عطية رحمه الله: كان رضي الله عنه ينفذ بحسب جرم ذلك المرتد أو قلة جرمه المقترن بالردة.
وكذلك اختلفوا في ميراث المرتد :
قيل: ميراث المرتد لورثته من المسلمين، قاله علي بن أبي طالب والحسن والشعبي والحكم والليث وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه
وقيل : ميراثه في بيت المال، قاله مالك وربيعة وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور

وأجمع الناس على أن ورثته من أهل الكفر لا يرثونه إلا شذوذا، روي عن عمر بن عبد العزيز وعن قتادة، وروي عن عمر بن عبد العزيز خلافه). ذكر هذه الأقوال ابن عطية رحمه الله
-فضل الإيمان بالله على أهل السريّة:
من فضل الله عليهم أن غنموا ، وطمعوا أن يكتب لهم الجهاد
فإنه لما نزلت هذه الآيات ،سريّ عن المؤمنين وأصحاب السريّة ما أصابهم ،غنموا ما أخذه اصحاب السرية من المشركين ،فقسم رسول الله تلك الغنيمة ، بعد أن قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العير والأسيرين، وبعثت إليه قريشٌ في فداء عثمان بن عبد اللّه، والحكم بن كيسان، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا نفديكموهما حتّى يقدم صاحبانا -يعني سعد بن أبي وقّاصٍ وعتبة ابن غزوان -فإنّا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم. فقدم سعدٌ وعتبة، فأفداهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منهم.
فأمّا الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه، وأقام عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدًا. وأمّا عثمان بن عبد اللّه فلحق بمكّة، فمات بها كافرًا.
وقد ذكر عن بعض آل عبد اللّه [بن جحشٍ] أنّ اللّه قسم الفيء حين أحلّه، فجعل أربعة أخماسٍ لمن أفاءه، وخمسًا إلى اللّه ورسوله. فوقع على ما كان عبد اللّه بن جحشٍ صنع في تلك العير.فكانت هي أوّل غنيمةٍ غنمها المسلمون. وعمرو بن الحضرميّ أوّل من قتل المسلمون، وعثمان بن عبد اللّه، والحكم بن كيسان أوّل من أسر المسلمون. ذكره ابن كثير عن ابن هشام عن زياد عن ابن اسحاق.

-ولسعة فضل الله على أهل الإيمان ، ما جعل أصحاب السريّة ،يطمعون بفضل الله ،أن يكتب لهم أجر الجهاد في هذه السريّة، فقالوا: يا رسول اللّه، أنطمع أن تكون لنا غزوةٌ نعطى فيها أجر المجاهدين [المهاجرين] ؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ:
{إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه أولئك يرجون رحمة اللّه واللّه غفورٌ رحيمٌ} فوضعهم اللّه من ذلك على أعظم الرّجاء.
قال ابن إسحاق: والحديث في هذا عن الزّهريّ، ويزيد بن رومان، عن عروة.ذكره ابن كثير وأيضا روي من طرق أخرى

وبهذا يتبين إن أعظم ذنب الكفر ، وأن الصدّ عن الدين وعن المسجد الحرام ، كفر وهو أعظم عند الله من القتال ،في الشهر الحرام ،وإن كان القتال في الشهر المحرم لا يحل .
.....................................................................


قوله تعالى :

نَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (218)
- سبب نزول الآية :

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا تَجَلَّى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ، طَمعُوا فِي الْأَجْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ نُعطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهِدِينَ [الْمُهَاجِرِينَ] ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَوَضَعَهُمُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرَّجَاءِ.ذكره ابن كثير .
- معنى الهجرة :
من انتقل نقلة إقامه من موضع إلى موضع وقصد ترك الأول إيثارا للأخر.ذكره ابن عطية .
وقد رد ابن عطية من قال أن الهجرة الانتقال من الحاضرة إلى البادية وذلك لكثرة وقوعها في العرب ولا يعد من قال ذلك أهل مكة من المهاجرين .
- معنى جاهد :
جاهد مفاعله من جهد إذا استخرج الجهد . ذكره ابن عطية
- معنى يرجون :
أي يطمعون ويستقربون . ذكره ابن عطية

- أحوال الرجاء مع الخوف :-
قيل أن الرجاء مقترن معه خوف دائما ، كما أن الخوف معه رجاء.
وقديأتي أحيانا الرجاء بمعنى ما يقارنه من الخوف تجوزا ، كما قال الهذلي: [الطويل]
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها ... وحالفها في بيت نوب عوامل .

- وقيل :إذا اقترن حرف النفي بالرجاء كان بمعنى الخوف ، ، كقوله عز وجل: لا يَرْجُونَ لِقاءَنا [سورة يونس والمعنى لا يخافون.
- وقيل: إن الرجاء في الآية على بابه، أي لا يرجون الثواب في لقائنا، وذلك خوف العقاب .
- وقيل : اللفظة من الأضداد دون تجوز في إحدى الجهتين، وقد رد ابن عطية هذا القول واستشهد بقول الجاحظ في كتاب البلدان: «إن معنى قوله لم يرج لسعها أي لم يرج برء لسعها وزواله، فهو يصبر عليه» ذكره ابن عطية .

- معنى الآية :
جمع الله في هذه الآية أعظم الأعمال الصالحة التي تكون سببا من أسباب رحمة الله تعالى وسعادة العبد فالإيمان بالله تعالى هو الفيصل بين أهل السعادة وأهل الشقاء والهجرة في سبيل الله دليل على ترك الدنيا ومحابها من مال وولد ووطن ابتغاء مرضاة الله ونصرة لدينه, والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام ورفع راية الإسلام وحماية للإسلام والمسلمين وبذل للنفس رخيصة في سبيل الله ,فاستحقوا بذلك رحمت الله تعالى ومغفرته

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21 جمادى الآخرة 1438هـ/19-03-2017م, 10:05 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

رسالة تفسيرية في الآيات ( 204 ) إلى ( 207 ) من سورة البقرة
( شيماء طه - تماضر - الشيماء وهبه )

قال تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207 )

قوله تعالى :(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام(٢٠٤) ).
يخبر الله تعالى في هذه الآية عن الصنف الذي يستحسنهم من يراهم ويحادثهم فيعجب بفصاحتهم ومنطقهم بما يتعلق بأمور الدنيا التي لا تنفع في الآخرة .

وقد اختلف في سبب نزول هذه الآية الكريمة على عدة أقوال :
الأول : أن رجلا من ثقيف كان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم كلامه ويظهر له من الجميل خلاف ما في نفسه . ذكره الزجاج
الثاني : وقيل أنها نزلت في الأخنس بن شريق وذلك أنه جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فأظهر الاسلام وقال الله يعلم أني صادق ثم هرب بعد ذلك فمر بقوم من المسلمين فأحرق لهم زرعا وقتل حمرا فنزلت فيه الآيات. رواه ابن عطية عن السدي ثم علق عليه فقال : ما ثبت قط أن الأخنس أسلم.
الثالث : وقال ابن عباس نزلت في قوم من المنافقين تكلموا في الذين قتلوا في غزوة الرجيع عاصم بن ثابت وخبيب وابن الدثنة وغيرهم ، قالوا ويح هؤلاء القوم لا هم قعدوا في بيوتهم ولا أدوا رسالة صاحبهم فنزلت الآيات في صفات المنافقين. ذكره ابن عطية
الرابع : وقال آخرون الآيات عامة نزلت في كل مبطن كفرا أو نفاق أو كذب أو اضرار وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك. رواه ابن عطية عن قتادة ومجاهد
ورجح ابن عطية هذا القول الرابع وقال : وهيتشبه ما ورد في الترمذي أن في بعض كتب الله تعالى: أن من عباد الله قوماألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس جلود الضأن مناللين، يجترون الدنيا بالدين، يقول الله تعالى: أبي يغترون وعلي يجترون؟حلفت لأسلطن عليهم فتنة تدع الحليم منهم حيران.

أما معنى قوله تعالى (ويشهد الله على ما في قلبه ) فقد اختلف في معناها بحسب اختلاف قراءتها :
1- قرأ ابن محيصن "ويَشهَد الله." بإسناد الفعل إلى اسم الجلالة، والمعنى والله يعلم منه خلاف ما قال فهو وإن أظهر لكم الحيل لكن الله يعلم بقبح قلبه وهذا كقولهتعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول اللّه واللّه يعلم إنّكلرسوله واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون} ذكره ابن عطية وابن كثير
2- القراءة بضم الياء ونصب الجلالة وهي قراءة الجمهور وتحتمل معنيان :
الأول : أنه يظهر للناس الاسلام ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق وهو كقوله تعالى: {يستخفون من النّاس ولا يستخفون من اللّه}. هذا معنى ما رواه ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍذكره ابن كثير
والثاني : أنّهإذا أظهر للنّاس الإسلام حلف وأشهد اللّه لهم: أنّ الذي في قلبه موافقٌللسانه. قاله عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابنجريرٍ، وعزاه إلى ابن عبّاسٍ، وحكاه عن مجاهدٍ، واللّه أعلم. ذكره ابن كثير وقال وهذا المعنى صحيحٌ.
وكذا رجح ابن عطية قراءة الجمهور وقال : القراءة التي للجماعة أبلغ في ذمه.

وقوله (ألد الخصام) الألد في اللغة الشديد الخصومة والجدل واشتق من لديد العنق ويقال رجل ألد وامرأة لداء وقوم لد.
ولددت فلان إذا غلبته وجادلته ، وقيل الألد الأعوج لقوله تعالى (قوما لدا) والخصام جمع خصم.

وهذه الآية بيان لحال المنافق في خصومته يكذب ويزور عن الحق ولا يستقيم معه بل يفتري ويفجر وقد ذم الله المنافقين الذين يخالف قولهم فعلهم ولا توافق سريرتهم علانيتهم، والذم موصول لكل من اتصف بهذ الصفة.
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات المنافقين أنه قال :"آية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا عاهد غدر واذا خاصم فجر". وقال البخاري عن عائشة ترفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم :"أبغض الرجال الألد الخصم."

وقَالَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: " إِنَّ النَّاسَ قَد أَحسَنُوا القَولَ كُلُّهُم، فَمَن وَافَقَ قَولُهُ فِعلَهُ فَذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ حَظَّهُ، وَمَن خَالَفَ قَولُهُ فِعلَهُ فَإِنَّمَا يُوبِّخُ نَفسَهُ ".
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه جاءه رجل فقال: يا ابن عباس، إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، قال: أوبلغت؟ قال: أرجو، قال: فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله عز وجل فافعل، قال: وما هن؟ قال: قوله عز وجل (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة:44] أحكمت هذه الآية؟ قال: لا، قال: فالحرف الثاني؟ قال: قوله عز وجل لم (لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصَّف:2-3] أحكمت هذه الآية؟ قال: لا، قال: فالحرف الثالث؟ قال: قول العبد الصالح شعيب عليه السلام (مَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) [هود:88] أحكمت هذه الآية؟ قال: لا، قال: فابدأ بنفسك

قوله تعالى :(وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد(٢٠٥) )
ثم قال الله تعالى في هذه الآية واصفًا حاله بعد خروجه من عند النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يسعى ويقصد الأرض بفساده فيها فكما أن اعتقاده فساد وكلامه كذلك فأفعاله أيضًا فاسدة وقبيحة .

وفي قوله تعالى (ويهلك الحرث والنسل) اختلاف في القراءات :
١- فأكثر القراء على (يُهلِكَ) بضم الياء وكسر اللام وفتح الكاف عطفا على ليفسد.
٢- وفي مصحف أبي بن كعب «وليهلك».
٣-وقرأ قوم «ويهلكُ» بضم الكاف، إما عطفا على يعجبك وإما على سعى، لأنها بمعنى الاستقبال، وإما على القطع والاستئناف.
٤-وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأبو حيوة وابن محيصن «ويَهلِكُ» بفتح الياء وكسر اللام وضم الكاف ورفع «الحرثُ» و «النسلُ»، وكذلك رواه ابن سلمة عن ابن كثير وعبد الوارث عن أبي عمرو، وحكى المهدوي أن الذي روى حماد بن سلمة عن ابن كثير إنما هو «ويُهلكُ» بضم الياء والكاف «الحرثَ» بالنصب.
٥- وقرأ قوم «ويهلك» بفتح الياء واللام ورفع «الحرث» وهي لغة هلك يهلك، تلحق بالشواذ كركن يركن.

أما المراد بالسعي فهو القصد ، ومنه قوله تعالى إخبارا عن فرعون (ثم أدبر يسعى)، وقوله :(فاسعوا الى ذكر الله) أي اقصدوا واعمدوا ناوين بذلك صلاة الجمعة. ذكره ابن كثير
{ ليفسد فيها } يقول ابن جرير الطبري -رحمه الله-: اختلف أهل التأويل في معنى الإفساد الذي أضافه الله -جل وعلا- إلى هذا المنافق الذي ذكره الله في الآية، فقيل: هو قاطع الطريق. وقيل: الذي يسفك دم المسلمين، إلى آخره. ويدخل في الإفساد جميع المعاصي.

وقوله تعالى :( وإذا تولى سعى ) يحتمل معنيين :
١-أن تكون فعل قلب فيجيء : تولى بمعنى غضب وضل وأنف في نفسه، فسعى بحيله وإرادته الدوائر على الإسلام ومن هذا السعي قوله تعالى :(وأن ليس للانسان الا ما سعى) ومنه (وسعى لها سعيها) ،ذكر هذا المعنى ابن جريج.
٢-أن يكونا فعل شخص :فيجيء تولى بمعنى أدبر ونهض عنك يا محمد ، وسعى يجيء معناها بقدميه فقطع الطريق وأفسدها. ذكر هذا القول ابن عباس.

وأما المراد بالحرث والنسل في اللغة :
فالحرث في اللغة شق الأرض للزراعة. ومنه قوله تعالى "اذ يحكمان في الحرث."
والنسل : مأخوذ من نسل ينسل إذا خرج متتابعا ، ومنه نسال الطائر ما تتابع سقوطه من ريش. ومنه قوله تعالى :(وهم من كل حدب ينسلون). ذكره ابن عطية

واختلف في المراد بالحرث والنسل :
فقيل معنى الحرث في هذه الآية : النساء والنسل الأولاد. وهذا غير منكر لأن المرأة تسمى حرثا قال تعالى "نساؤكم حرث لكم." وبه قال الزجاج.
وقالوا في الحرث: هو ما تعرفه من الزرع. وقال الطبري المراد به :الأخنس في احراقه الزرع وقتله الحمر.
وقال مجاهد: أن الظالم يفسد في الأرض فيمسك الله المطر فيهلك الحرث والنسل ، كما في قوله تعالى :(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)
وقيل: أن المراد المفسد يقتل الناس فينقطع الزرع والنسل بسبب فعله . ذكره ابن عطية
وسمي الزرع حرث ، للمجاورة والتناسب ويدخل في ذلك سائر الشجر والغرس ، وسبب تسمية النساء حرثا حملا على التشبيه.

وختم الآية بقوله : "والله لا يحب الفساد" أي لا يحب من هذه صفته ولامن يصدر منه ذلك وإن كان ظاهر قوله يعجب الناس. ذكره ابن كثير
يقول القرطبي -رحمه الله-: في قوله تعالى: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} قَالَ الْعَبَّاسُ ابْنُ الْفَضْلِ: الْفَسَادُ هُوَ الْخَرَابُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: قَطْعُ الدَّرَاهِمِ مِنَ الْفَسَادِ في الأرض.

وقد جاءت آيات كثيرة في كتاب الله -عز وجل- تنهى عن الإفساد في الأرض، قال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا}(الأعراف : 56).
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: “قال أكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل، وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله؛ فإن عبادة غير الله ، والدعوة إلى غيره، والشرك به، هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به، ومخالفة أمره، قال تعالى: {ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم : 41).

وبالجملة فالشرك والدعوة إلى غير الله، وإقامة معبود غيره، ومطاع متبع غير رسول الله هو أعظم الفساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا أن يكون الله وحده هو المعبود، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والاتباع لرسوله ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة، فإن الله أصلح الأرض برسوله صلى الله عليه وسلم ، ودينه، وبالأمر بتوحيده، ونهى عن إفسادها بالشرك به، وبمخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض فسببه توحيد الله، وعبادته، وطاعة الرسول ، وكل شر في العالم، وفتنة، وبلاء، وقحط، وتسليط عدو، وغير ذلك، فسببه مخالفة الرسول والدعوة إلى غير الله .

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)}
مازال السياق في ذكر صفات المنافقين ، فمن صفاتهم أنه إذا قيل لأحدهم اتق الله تكبر واعتز بنفسه واغتر بها وأبى وامتنع عن اتباع الحق ، قال بعض العلماء: كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه اتق الله فيقول له: عليك نفسك، مثلك يوصيني؟
فهذا من أشد الآثام ودليل كبر وغرور في النفس والمؤمن خلاف ذلك تمامًا لأن من صفات المؤمن التواضع والإنقياد للحق وفعل الطاعة على خوف ورهبة ورجاء ما عند الله كما قال تعالى { والَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }
فإن وقع المؤمن في معصية كان خجلًا من نفسه لما يذكره أحد بالله فيخشع ويخشى ويذعن للحق كما قال تعالى { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } .

والعزة هنا تحتمل معنيان :
1- المنعة وشدة النفس . ذكره ابن عطية
2- الحمية والغضب . ذكره ابن كثير

والأخذ أصله تناول الشيء باليد ، واستعمل مجازا مشهورا في عدة معان ذكرها ابن عاشور في التحرير والتنوير :
1- الاستيلاء كما قال تعالى {وخذوهم واحصروهم} .
2- وفي القهر نحو {وأخذناهم بالبأساء والضراء } .
3- .وفي التلقي مثل{ أخذ الله ميثاق النبيين} ومنه أخذ فلان بكلام فلان .
4- وفي الاحتواء والإحاطة يقال أخذته الحمى و{ أخذتهم الصيحة }
ومنه قوله هنا{ أخذته العزة } أي احتوت عليه عزة الجاهلية ، فأخذ العزة له كناية عن عدم إصغائه لنصح الناصحين .

وفي معنى قوله تعالى { أخذته العزة بالإثم } أقوال تختلف حسب معنى الباء:
الأول : أن العزة أوقعته في الإثم حيث أخذت به وألزمته أباه . ذكره ابن عطية
الثاني : أن الباء فيه للمصاحبة أي أخذته العزة الملابسة مع الإثم . ذكره ابن عطية وابن عاشور
الثالث : أن الباء بمعنى اللام فأخذته الحمية والغضب بسبب ما اشتمل عليه قلبه من الآثام . ذكره ابن كثير والقرطبي .
وقال قتادة : المعنى إذا قيل له مهلا ازداد إقداما على المعصية. ذكره القرطبي

ولهذا اشتد وعيد الله تعالى لمن كان صفته هكذا فالكبر باب الكفر والجزاء من جنس العمل فكما اشتد كبر ذلك الكافر في الدنيا واعتز بمعاصيه وأبى الانقياد للحق اشتد بؤسه في الآخرة ولاقي الخزي والذل والصغار في قعر جهنم المحيطة به من كل جانب فلا مفر منها ولا خلاص فقال تعالى {فحسبه جهنّم ولبئس المهاد}
و{حسبه} أي كافيه معاقبة وجزاء، كما تقول للرجل كفاك ما حل بك، وأنت تستعظم وتعظم عليه ما حل به. ذكره ابن عطية
والمهاد ما مهد الرجل لنفسه كأنه الفراش ومنه مهد الطفل . ذكره ابن عطية والقرطبي

سبب تسمية جهنم بالمهاد:
- تهكما وسخرية لأن العصاة يلقون فيها فتصادف جنوبهم وظهورهم . ذكره ابن عاشور
- لأنها مستقر الكفار ولأنها بدل لهم من المهاد . ذكره القرطبي
وهذه الآية شبيهةٌ بقوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّناتٍ تعرف في وجوه الّذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبّئكم بشرٍّ من ذلكم النّار وعدها اللّه الّذين كفروا وبئس المصير} [الحجّ: 72] ذكره ابن كثير

ثم قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)}
في مقابلة صفات ذلك الكافر والمنافق يصف لنا الله تبارك وتعالى الصنف الآخر من الناس كما هي طريقة القرآن في ذكر الفريقين فبعد أن وصف فريق أهل النفاق عرج بالذكر لفريق المؤمنين الذين غاية آمالهم رضا ربهم تبارك وتعالى عنهم فهم الذين يستحقون الرأفة والرحمة حقًا من الرحمن جل وعلا فقال تعالى (ومن الناس من يشري نفسه....).

و في سبب نزول هذه الآية عدة أقوال :
القول الأول : أنها في صهيب رضي الله عنه وروي في ذلك عدة روايات منها :
- قال أهل التفسير: هذا رجل كان يقال له صهيب بن سنان أراده المشركون مع نفر معه على ترك الإسلام، وقتلوا بعض النفر الذين كانوا معه فقال لهم صهيب: أنا شيخ كبير، إن كنت عليكم لم أضركم " وإن كنت معكم لم أنفعكم فخلوني وما أنا عليه، وخذوا مالي فقبلوا منه ماله، وأتى المدينة فلقيه أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه فقال له: ربح البيع يا صهيب، فرد عليه وأنت فربح بيعك يا أبا بكر وتلا الآية عليه. ذكره الزجاج
- قال عكرمة وغيره: هذه في طائفة من المهاجرين، وذكروا حديث صهيب أنه خرج من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعته قريش لترده، فنثر كنانته، وقال لهم: تعلمون والله إني لمن أرماكم رجلا، والله لأرمينّكم ما بقي لي سهم، ثم لأضربن بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، فقالوا له: لا نتركك تذهب عنا غنيا وقد جئتنا صعلوكا، ولكن دلنا على مالك ونتركك، فدلهم على ماله وتركوه، فهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال له: «ربح البيع أبا يحيى»، فنزلت فيه هذه الآية . ذكره ابن عطية
القول الثاني : من قال إن الآيات المتقدمة هي في منافقين تكلموا في غزوة الرجيع قال: هذه الآية في شهداء غزوة الرجيع . ذكره ابن عطية
القول الثالث : من قال أن الآيات المتقدمة في الأخنس قال: هذه في الأنصار والمهاجرين المبادرين إلى الإيمان. ذكره ابن عطية
القول الرابع : من قال قصد بالآيات الأول العموم قال في هذه الآية كذلك بالعموم . ذكره ابن عطية ورجحه فقال : الآية تتناول كل مجاهد في سبيل الله أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر، والظاهر من هذا التقسيم أن تكون الآيات قبل هذا على العموم في الكافر بدليل الوعيد بالنار ويأخذ العصاة الذين فيهم شيء من هذا الخلق بحظهم من وعيد الآية.

ويؤكد عموم تلك الآية ما روي في تأويل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم في مغيري المنكر
- قال علي وابن عباس: اقتتل الرجلان، أي قال المغير للمفسد: اتق الله، فأبى المفسد وأخذته العزة، فشرى المغير نفسه من الله تعالى وقاتله فاقتتلا.
- وروي أن عمر بن الخطاب كان يجمع في يوم الجمعة شبابا من القراءة فيهم ابن عباس والحر بن قيس وغير هما فيقرؤون بين يديه ومعه، فسمع عمر ابن عباس رضي الله عنهم يقول: اقتتل الرجلان، حين قرأ هذه الآية، فسأله عما قال، ففسر له هذا التفسير، فقال له عمر: «لله تلادك يا ابن عباس».
- وقال أبو هريرة وأبو أيوب حين حمل هشام بن عامر على الصف في القسطنطينية فقال قوم: ألقى بيده إلى التهلكة، ليس كما قالوا، بل هذا قول الله تعالى: ومن النّاس من يشري نفسه. ذكره ابن عطية

والمعنى كما قال تعالى: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} [التّوبة: 111]. ذكره ابن كثير

وقد اختلف القراء في قوله تعالى (ابتغاء مرضاة الله) :
فوقف حمزة على مرضات بالتاء والباقون بالهاء. قال أبو علي:وجه وقف حمزة بالتاء إما أنه على لغة من يقول طلحت وعلقمت، ومنه قول الشاعر: [الرجز] بل جوز تيهاء كظهر الحجفت
وإما أنه لما كان المضاف إليه في ضمن اللفظة ولا بد أثبت التاء كما تثبت في الوصل ليعلم أن المضاف إليه مراد. ذكره ابن عطية

أما معنى الشراء في قوله تعالى { ومن الناس من يشري نفسه } ففيه قولان :
الأول : أن المعنى بيع النفس . قاله أهل اللغة ذكره الزجاج وبه قال ابن عطية
الثاني : أن المعنى شراء النفس ويقصدون بذلك قصة صهيب رضي الله عنه حيث اشترى نفسه بالمال ولم يبعها، اللهم إلا أن يقال إن عزم صهيب على قتالهم بيع لنفسه من الله تعالى فتستقيم اللفظة على معنى باع.. ذكره ابن عطية
والمعنى الأول هو الراجح عند أغلب المفسرين لعموم وروده في لغة العرب والله أعلم، ومن ذلك
قال الشاعر في شريت بمعنى بعت :
وشريت بردا ليتني... من بعد برد كنت هامه
وقال الآخر: [الكامل] يعطى بها ثمنا فيمنعها = ويقول صاحبه ألا تشري

ووجه الإعراب في قوله تعالى { ابتغاء } نصب ابتغاء مفعول من أجله والمعنى يشريها لابتغاء مرضاة اللّه. ذكره الزجاج وابن عطية
وقوله تعالى: (واللّه رؤفٌ بالعباد) أي والله ذو رحمة خاصة بعباده المؤمنين فهي ترجية تقتضي الحض على امتثال ما وقع به المدح في الآية كما في قوله تعالى:( فحسبه جهنّم) تخويف يقتضي التحذير مما وقع به الذم في الآية. ذكره ابن عطية.

ومن تلك الآيات الكريمة نستخلص بعض الفوائد السلوكية :
١- تشير الآيات إلى أهمية الإخلاص وعمل القلب وما يكمن فيه من النوايا ، فإنه محل نظر الله سبحانه وتعالى ولا يقبل العمل إلا ما كان خالصا لله ولو أعجب الناس ما يرونه من الظاهروهذا يظهر جليًا في المقابلة بين المنافق في قوله تعالى ( ويشهد الله على ما في قلبه)وبين المؤمن في قوله تعالى (ابتغاء مرضات الله) .
٢-في الآية ذم الجدال والخصومة والفساد في الإرض بالمعاصي وغيرها ، ومن أراد محبة الله اجتنب ما يبغضه واتصف بما يحبه تعالى.
٣-ذم الكبر والغرور لأنه طريق لرد الخير والنصيحة كما قال تعالى (أخذته العزة بالإثم).
٤-رد النصيحة من صفات المنافقين فهم الذين لا يقبلونها ، أما المؤمن الصالح فيفرح بها ويعمل بها لأنه يريد ما يصوبه في طريق الحق ويوصله إلى الغاية الكبرى وهو رضا الله والجنة.
٥-غاية المؤمن في الدنيا هو رضا الله لأنه الطريق الوحيد لدخول الجنة والفوز بها(ايتغاء مرضات الله) .
٦-من صفات أهل الإيمان بذل الغالي والنفيس وتقديم الآخرة على حظوظ النفس والدنيا لأجل الفوز برضا الله والجنة ، ومن كانت هذه صفته عامله الله برأفته ورحمته التي وسعت كل شيء ، جعلنا الله ووالدينا من أهلهااللهم آمين .

هذا والله أعلى وأعلم

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21 جمادى الآخرة 1438هـ/19-03-2017م, 11:36 PM
ريم الحمدان ريم الحمدان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 447
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}


( زين للذين كفروا الحياة الدنيا )
يبين الله تعالى حقيقة هذه الدنيا والاغترار بها ،والتزيين هنا فيه قولان :
1/ أن الله قد جعل في الحياة الدنيا أنواعاً من المباهج والملذات ،وزينها للمؤمن والكافر ليختبر عباده ،قال تعالى :( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ) .
فالكافر أقبل على هذه الملذات ونسي العمل لليوم الآخر، وأما المؤمن فيأخذ من الدنيا ما يعينه على آخرته، قال تعالى: (زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة)،
1/ أن الشيطان زين الدنيا بوسوسته وإغوائه ، قال تعالى :( لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ) .

وقوله ( للذين كفروا ) تخصيص للكافرين بالذكر ،ذلك لأنهم أقبلوا على الدنيا وتركوا العمل للآخرة ، لا يعرفون حلالًا ولا حراماًً ،ولا يقيمون حدود الله ، وأشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً ،ولم يصدقوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته ، ولم يشكروا نعم الله عليهم في الدنيا بالإنفاق في سبيل الله وإعطاء الفقراء والمساكين ، قال تعالى :( ولا يحضون على طعام المسكين ).

( ويسخرون من الذين آمنوا )
ثم بين عز وجل شيئاً من أعمالهم وتصرفاتهم تجاه المؤمنين ، فقد كانوا يستهزئون بفقراء المسلمين كصهيب وبلال وابن مسعود ،وذلك لأن ميزانهم دنيوي ،فهم يعجبون بصاحب المال ويحتقرون من كان ضعيف الحال . وفي قوله تعالى :(من الذين آمنوا) إثبات الإيمان لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وتكريم لهم فإن الله لا ينظر إلى المال أو الجمال أو الوجاهة ،إنما ينظر إلى قلوب العباد .

( والذين آمنوا فوقهم يوم القيامة )
قابل الله سخريتهم للمؤمنين بإثبات الكرامة لعباده المؤمنين ، ووصفهم بأنهم فوقهم يوم القيامة ، فالفوقية هنا ،لها عدة معان :
1/ الدرجة والفضل :
أ- أن المؤمنين في الدرجات العليا في الجنة ،والكافرين في أسافل جهنم . وهو مذهب الكوفيون الذين يجيزون التفضيل حيث لا اشتراك.
ب-أن المؤمنين في نعيمهم الأخروي لهم أضعاف ماللكافرين في الدنيا من ملذات ونعم ،وهو مذهب سيبويه والخليل في أن التفضيل إنما يجيء فيما فيه اشتراك .
2/ المكان :
والمعنى أن المؤمنين في الجنة في السماء ، والكافرين في أسفل النار ، نسأل الله السلامة والعافية .
3/ فيما يتضمنه قول الكافرين :
فقد زعم الكافرون أنهم لو بعثوا لأدخلهم الله الجنة وكان لهم من النعيم أكثر مما للمؤمنين .
( والله يرزق من يشاء بغير حساب )
رزق الله لا حد له ولا مانع ،فهو الكريم الذي إذا أعطى أدهش ، ورزقه يعطيه من يشاء من عباده ، والرزق هنا يحتمل عدة معاني :
1- في الدنيا يرزق الله من يحب ومن لا يحب ،فإن الرزق الدنيوي غير مرتبط بالإيمان ، أما في الآخرة فإن رزق الآخرة مبني على الإيمان ودرجاته ، فالله يرزق المؤمن رزقاً وافراً عظيماً ، وكلما زاد الإيمان زادت الدرجات والنعيم والرزق . ورزق الله يتجلى فيه كرم الرب جل وعلا ،فهو يشكر لعبده العمل القليل بالأجر الوفير ، وفي الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم :(يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )، رواه البخاري ومسلم .
2/أن الله سيرزق فقراء المسلمين الذين سخر منهم الكافرون نعيماً ويعلي منزلتهم في الآخرة .
3/أن تكون ( بغير حساب ) صفة لرزق الله ، فهو الكريم الجواد الذي لا حد لعطائه وجوده .
4/أن الله يرزق عباده بلا احتساب منهم ولا توقع له ،كما قال تعالى في سورة الطلاق :( يرزقه من حيث لا يحتسب)، وهذا لا يتعارض مع الآية التي في سورة النبأ :( عطاء حساباً ) ،فالمعنى لحساباً هنا محتسباً ، فالمقصود هنا عطاء الله وكرمه وليس عد الجزاء والثواب .
- رزق الله لعبده المؤمن في الدنيا مرتبط بإنفاق العبد في وجوه الخير ، ومن الأدلة التي تحث على الإنفاق :
1/قوله تعالى: {وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه} سبأ: 39 .
2/ حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة :( أنفق يا ابن آدم أنفق عليك ) رواه البخاري ومسلم .
3/ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مامن يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللّهمّ أعط منفقًا خلفًا. ويقول الآخر: اللّهمّ أعط ممسكا تلفًا)متفق عليه .
وهناك الكثير من الأدلة ولكنا اكتفينا بالمذكور لبيان الأمر .

استغفر الله وأتوب إليه

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 جمادى الآخرة 1438هـ/20-03-2017م, 12:14 AM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي الآيات من 213 -215

رسالة تفسيرية في:
تفسير قول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) }

تفسير قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)}
لما أمر الله تعالى بالإكثار من ذكره ، وخصوصاً في الأوقات الفاضلة {واذكروا الله في أيام معدودات} ،أخبر الله تعالى عن أحوال الناس تجاة الذكر ،فمن الناس من يتكلم بلسانه ، ويخالف فعله قوله -لأن الكلام أما يرفع صاحبه أو يخفضه -،فقال تعالى :{ ومن الناس من يعجبك قوله في الحيا الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه} ،ومن الناس من يتقي الله ويخافه فيما يقول ويفعل ،فقال تعالى :{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد} ،ثم أمر جميع المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الدين ولا يتركوا منه شئ،ثم هددهم بالوعيد الشديد إذا خالفوا أمره،ووعدالمتقين بالرزق الحسن الذي ليس له حساب في الآخرة ،والعلو على الكافرين في الدنيا،ثم بين الله سبحانه وتعالى حال الناس منذ بدأالخليقة، أي منذ نزول آدم من الجنة إلى نوح عليهم السلام -نحو عشرة قرون -وأنهم كانوا مجتمعين على الهدى والتوحيد ودين الله الحق ،فلما اختلفوا في دين الله فمنهم من ظل على الإيمان ومنهم من كفر ،وحصل النزاع فبعث الله الرسل مبشرين من أطاع الله بجزاء الطاعة ،ومنذرين من عصاه بمغبة المعصية ،وكان من لوازم أرسال الرسل ،إنزال الكتب بالحق الواضح المبين وبالحجج والبراهين على صدق هؤلاء الرسل ،وفيها من الأخبار الصادقة،والأوامر العادلة ،ليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه،وكان هذا مظنة اتفاق كل الناس الذين أنزل إليهم الكتاب ولكنهم اختلفوا أيضا فيه وكذبت الأمم بكتب بعض،ومنّ الله تعالى على هذه الأمة ،-أمة محمد صلى لله عليه وسلم -بالهداية إلى الحق بإذنه تعالى ومنّه ورحمته لهم وذلك لأن الله هو الهادي إلى الصراط المستقيم.
وفي هذه الآية عدة مسائل تكلم فيها المفسرون:
القراءات
قراءة عبد اللّه: "كان النّاس أمّةً واحدةً فاختلفوا".
وكذلك أبي ابن كعب .
ماذا أفاد التعبير ب "كان"في قوله "كان الناس"
أفادت الثبوت لا تختص بالمضي فقط.

المراد بالناس :اختلف المفسرون في المراد بالناس على عدة أقوال:
القول الأول: بنو آدم حين أخرجهم الله نسما من ظهر آدم، أي كانوا على الفطرة، قاله أبي ابن كعب وذكره ابن عطية وابن كثير.
القول الثاني : آدم وحده ،قاله مجاهد وذكره ابن عطية.
القول الثالث : آدم وحواء ،قالهقوم من العلماء ،وذكره ابن عطية.
القول الرابع: قرون التي كانت بين آدم ونوح، وهي عشرة، كانوا على الحق حتى اختلفوا فبعث الله تعالى نوحا فمن بعده،قاله بن عباس وقتادة وذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير ،وهو الراجح.
القول الخامس :نوح ومن في سفينته، كانوا مسلمين،ذكره ابن عطية.
القول السادس: مدة نوح حين بعثه الله وكانوا كفاراً ذكره ابن عباس وذكره ابن عطية.
القول السابع: الجنس كله، أي الناس كلهم في خلوهم عن الشرائع وجهلهم بالحقائق ،ذكره ابن عطية .
معنى الأمة:
الأمة في اللغة النعمة والخير.
واختلف المفسرون في المراد بالأمة على أقوال:
القول الأول:الأمةهي الدين،وهو المراد في هذه الآية،ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
القول الثاني:الأمة هي القامة، يقال فلان حسن الأمّة، أي حسن القامة،ذكره الزجاج.
القول الثالث:الأمة القرن من الناس، يقولون قد مضت أمم أي قرون،ذكره الزجاج.
القول الرابع:الأمة الرجل الذي لا نظير له ،وإن كان منفردوكان قصده مختلف عن قصد الناس.
ومنه قوله عزّ وجلّ - {إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا للّه حنيفا}،ذكره الزجاج.
معنى مبشرين:بالثواب على الطاعة،
معنى منذرين : بالعقاب على المعاصي،
المقصود ب "الكتاب"
القول الأول:الكتاب األف واللام للجنس، اسم الجنس، والمعنى جميع الكتب،ذكره ابن عطية وهو الراجح لإبقاء الآية على عمومها أولى.
القول الثاني:الألف واللام في الكتاب للعهد،راجع إلى كتاب معين والمراد التوراة،ذكره الطبري وابن عطية.

معنى "ليحكم":
القول الأول : ليحكم الكتاب، إسناد مجازي ،قاله الجمهوروذكره ابن عطية.
القول الثاني : ليحكم الله،ذكره ابن عطية.
مرجع الضميرفي قوله تعالى:{فيما اختلفوا فيه}
مرجع ضمير فيه إلى فيما
{وما اختلف فيه}
القول الأول :مرجع الضمير في فيه إلى الكتاب.
القول الثاني :أوإلى الضميرالذي قبله في الآية .
المقصود ب "أوتوه"
أي أرباب العلم به والدراسة له .
ومرجع الضمير علي الكتاب.
ودلالة تخصيصهم بالذكر :
تنبيها منه تعالى على الشنعة في فعلهم والقبح الذي واقعوه،ذكره ابن عطية.
المقصودب "البينات" :
الدلالات والحجج.
معنى "بغياً":
التعدي بالباطل.
معنى "هدى" :
أرشد وذلك بخلق الإيمان في قلوبهم .
المراد" بالذين أمنوا ":
من أمن بمحمد صلى الله عليه وسلم.
والدليل:
عن أبي هريرة في قوله: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه} قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة، نحن أوّل النّاس دخولًا الجنّة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهدانا اللّه لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا له فالنّاس لنا فيه تبعٌ، فغدًا لليهود، وبعد غدٍ للنّصارى".
المراد " بالحق" :
الإسلام .
ماذا أفاد تقديم لفظ الخلاف على لفظ الحق :
للأهتمام ،إذ العناية إنما هي بذكر الاختلاف .
المراد ب"إذنه"
اختلف المفسرون في معنى الإذنه على أقوال:
القول الأول: بعلمه ،والإذن هو العلم والتمكين ،قاله الزجاج وابن عطية وابن كثير.
القول الثاني :بأمره وهو الحق الذي أمر به،قاله الزجاج و ابن عطية.

وإذن الله ينقسم إلى :1- إذن شرعي 2- إذن كوني
وفي الآية يصلح الأثنان.
أوجه الاختلاف بين هذه الأمةوالأمم السابقة:
قال ابن وهبٍ، عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قوله: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه} فاختلفوا في يوم الجمعة، فاتّخذ اليهود يوم السّبت، والنّصارى يوم الأحد. فهدى اللّه أمّة محمّدٍ ليوم الجمعة. واختلفوا في القبلة؛ فاستقبلت النّصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للقبلة. واختلفوا في الصّلاة؛ فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلّي وهو يتكلّم، ومنهم من يصلّي وهو يمشي، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك. واختلفوا في الصّيام، فمنهم من يصوم بعض النّهار، ومنهم من يصوم عن بعض الطّعام، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك. واختلفوا في إبراهيم، عليه السّلام، فقالت اليهود: كان يهوديًّا، وقالت النّصارى: كان نصرانيًّا، وجعله اللّه حنيفًا مسلمًا، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك. واختلفوا في عيسى، عليه السّلام، فكذّبت به اليهود، وقالوا لأمّه بهتانًا عظيمًا، وجعلته النّصارى إلهًا وولدًا، وجعله اللّه روحه، وكلمته، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم للحقّ من ذلك.
من فوائد الآية السلوكية:
وجوب دعاء الله عزوجل بالهداية لما اختلف فيه الناس ،
والدليل :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتأول هذه الآية ،
ففي صحيح البخاريّ ومسلمٍ عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا قام من اللّيل يصلّي يقول: "اللّهمّ، ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ"
وأيضا ما ورد في الدّعاء المأثور: اللّهمّ، أرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا ووفّقنا لاجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضلّ، واجعلنا للمتّقين إمامًا).


قال تعالى {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}

مناسبة الآية لماقبلها:
لما بين سبحانه وتعالى في الآية السابقة حال الذين اختلفوا في الكتاب بعدما أوتوه وضلوا عن الصراط المستقيم بسبب البغي والحسد فيما بينهم وفي ضمن ذلك تحذير المؤمنين من هذا المسلك القبيح واأنه سبحانه وتعالى قد امتن عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم وهو دين الإسلام أتبع ذلك بالتحريض على الإقتداء بالمهتدين من الأمم السابقة من الأنبياء والرسل وأتباعهم في حال تمسكهم بالصراط المستقيم ودعوة الناس إليه كما ستبينها الآية وترشد إليها فيما يأتي
مقصد الآية:
تكشف الآية للمؤمنين حقيقة قد تغيب عنهم وتصحح مفهوما هاما لهم ألا وهو سنة الإبتلاء في الخلق والحكمة منه خاصة لأهل الإيمان الذين تصدوا لحمل الدين ونشر التوحيد ليتميز الصادق من الكاذب كما قال تعالى {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله}، كما تبث روح الأمل وقرب النصر على الأعداء بسلوك الطريق القويم طريق من صبروا وتحملوا الأذى في سبيل الله كما أشارت إليه الآية
سبب النزول:
ذكر ابن عطية في تفسيره أن أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت في قصة الأحزاب حين حصر وا رسول الله وأصحابه في المدينة ،وهو قول قتادة والسدي
وقالت فرقة :نزلت الآية تسلية للمهاجرين الذين أصيبت أموالهم بعدهم في بلادهم وفتنوا قبل ذلك

وقولهم نزلت في كذا لايعني بالضرورة أن يكون هذا هو السبب للنزول وإنما قد تكون هذه الحادثة في معنى الآية وتدخل فيها كما يدخل غيرها كثير كما جاء في الحديث الصحيح عن خباب بن الأرت قال :قلنا :يارسول الله ،ألا تستنصر لنا ؟ألا تدعو الله لنا ؟ فقال :إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص غلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بامشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لايصرفه ذلك عن دينه ثم قال:والله ليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون
قال تعالى {أم حسبتم ان تدخلوا الجنة }
أم:بمعنى بل وهى تأتي في اللغة بمعنى الإضراب الإنتقالي وبمعنى همزة الإستفهام وقد جاءت هنا للغرضين معا
أى أتحسبون أن تدخلوا الجنة ..وهو استفهام غرضه الإنكار على حسبان مالا ينبغي اعتقاده
حسبتم: من الحسبان وأصله من الحساب واستعمل في الظن تشبيها لجولان النفس في استخراج علم ما يقع بجولان اليد في الأشياء لتعيين عددها ،ذكره ابن عاشور
والخطاب هنا للمسلمين الذين جاء الخبر عنهم في الآية السابقة في قوله {فهدى الله الذين آمنوا}
وهذا الحسبان المشار إليه هو ظنهم أن يدخلوا الجنة من غير حصول ابتلاءات ومحن ليظهر الصادق من الكاذب ولذا قال{أن تدخلوا الجنة }أى دخولا سالما غير مسبوق بتعب ولاعناء ولاجهاد
فليس الأمر كذلك وليست هذه سنة الله في عباده فانظروا لمن سبقكم من الأنبياء وأتباعهم المؤمنين الذين جرت سنة الله عليهم وعلى كل من آمن ودعا إلى الإيمان فإن البلاءات كواشف تكشف الخبايا والسرائر فقال {ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم}
قوله :لما :أصلها لم ،ما
{لم }تدل على النفي و{ما }أفادت توكيد النفي وتشعر السامع بترقب حصول الفعل المنفي بها عن قريب ،أى لا تظنوا أن تدخلوا الجنة من قبل أن يأتيكم الإبتلاء والإختبار على صدق إيمانكم وسيأتيكم كما أتى من قبلكم من الأمم فقال {مثل الذين خلوا من قبلكم} والمثل الشبه في الهيئة والحال والمعنى ولم يأتكم الحال الذي يشبه حال من سبقكم وسيأتي لا محالة
خلوا:بمعنى انقرضوا وخلا منهم المكان
مستهم :والمس الحلول والإصابة والمعنى حلت بهم البأساء : وهو البلاء في الأموال والمراد الفقر ،والضراء: وهو ابتلاء الأبدان بالأمراض والأسقام
أي أن هؤلاء الذين خلوا من قبلكم أصابتهم صنوف من البلاءات من البلاء في الأموال والأبدان
وزلزلوا:أى أزعجوا واضطربوا من شدة الخوف والفزع
وقد حصلت مثل هذه الحال للمؤمنين في أول ظهور الإسلام كما في حديث خباب السابق وكما حصل لهم في غزوة الخندق كما قال تعالى {إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا}
حتى:غاية للمس والزلزلة أى بلغ الأمر وشدته إلى غاية يقول الرسول ومن معه متى نصر الله ؟
وقوله تعالى {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه}
أكثر أهل العلم على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين وأن هذا القول منهم لا لشك أو ارتياب إنما لطلب استعجال النصر وهذه قراءة النصب للعشرة إلا نافع وأبو جعفر {حتى يقول} ،ذكره ابن عطية
وقيل المراد بالرسول رسول المزلزلين أو كل رسول لأمة سبقت وهي قراءة الرفع قرأ بها نافع وأبو جعفر،ذكره ابن عاشور
وقالت طائفة :في الكلام تقديم وتأخير والتقدير {حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله} فيقول الرسول {ألا إن نصر الله قريب}ذكره ابن عطية وقال وهذا تحكم وحمل الكلام على وجهه غير متعذر
وقوله تعالى {ألا إن نصر الله قريب}الراجح أنه كلام الله تعالى وقوله للمؤمنين الذين استبطأوا النصر لما اشتد بهم البلاء والقلاقل فأتاهم الله بالبشرى والبشارة بأن النصر من عنده وحده وهو القادر عليه لذا قال{نصر الله }،{قريب }فكل ما هو آت قريب وقيل فيه إشارة إلى فتح مكة
وهذه الآية العظيمة لها وقعها وصداها في كل زمان يضعف فيه شوكة المسلمين وتصيبهم المحن والخطوب الجسيمة فإذا تحلوا بالصبر والإيمان وتوطنت أنفسهم وتهيأت على الصبر على البلاء وتقوى الله فإن النصر موعود لهم لا يتخلف عنهم أبدا {وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن اكثر الناس لا يعلمون}

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَاينْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}
ومجمل معنى الآية
أن المؤمنين كانو يسألون من ينبغي أن يفضلوا وكيف ينفقون - فأعلم اللّه عزّ وجل أن أول من تفضّل عليه الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين وبن السبيل أي: اصرفوها في هذه الوجوه
واليتم :فقد الأب قبل البلوغ ذكره بن عطية

ثم بين تعالى مهما صدر منكم من فعل معروفٍ، فإنّ اللّه يعلمه، وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء؛ فإنّه لا يظلم أحدًا مثقال ذرّة).
كما جاء في الحديث: "أمّك وأباك، وأختك وأخاك، ثمّ أدناك أدناك". وتلا ميمون بن مهران هذه الآية، ثمّ قال: هذه مواضع النّفقة ما ذكر فيها طبلًا ولا مزمارًا، ولا تصاوير الخشب، ولا كسوة الحيطان.ذكره بن كثير
وفى هذه الأية الكريمة عدة مسائل تكلم فيها المفسرون
معنى ماذا فى اللغةوذكر فيه قولان

الأول:
أن يكون " ذا " في معنى الذي ويكون ينفقون من صلته، المعنى يسألونك أي شيء الذي ينفقون كأنه أي شيء وجه الذي ينفقون، لأنهم يعلمون ما المنفق ولكنهم أرادوا علم اللّه وجهه.

ومثل جعلهم " ذا " في معنى الذي قول الشاعر:
عدس ما لعبّاد عليك إمارة... أمنت وهذا تحملين طليق
والثانى:
أن يكون: " ما " " مع " " ذا " بمنزلة اسم واحد، ويكون الموضع نصبا بـ (ينفقون).
المعنى: يسألونك أي شيء ينفقون، مثل جعلهم ذا بمنزلة اسم واحد، قول
الشاعر:
دعي ماذا علمت سأتقيه... ولكن بالمغيب فنبئيني
ذكره بن عطيه والزجاج وذكر بن عطية إجماعاً من النحويين على القولين
هل فى هذه الأيه نسخ ؟
القول الأول :أن فيها نسخ

قال قوم: هذه الآية في الزكاة المفروضة، وعلى هذا نسخ منها الوالدان ومن جرى مجراهما من الأقربين.
وقال السدي: «نزلت هذه الآية قبل فرض الزكاة، ثم نسختها الزكاة المفروضة»
وذكر بن عطيه أن المهدوي وهم على السدي في هذا فنسب إليه أنه قال إن الآية في الزكاة المفروضة، ثم نسخ منها الوالدان
وذكر بن كثير أن فى قول السدى نظر
القول الثانى:أن الآيه ليس فيها نسخ

هذه الآية في نفقة التّطوّع على هذا لا نسخ فيها ذكره بن عطيه عن جريج وبن كثير عن مقاتل

معنى قوله تعالى{وما تفعلوا من خيرٍ فإنّ اللّه به عليمٌ}

القراءات فى ( تفعلوا )
قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «يفعلوا» بالياء على ذكر الغائب
مجمل معنى الآية ومقصدها
ظاهر الآية الخبر، وفيها معنى يحصيه، وإذا أحصاه جازى عليه وهي تتضمن الوعد بالمجازاة وهو حاصل ماذكر الزجاج وبن عطيه وبن كثير

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 جمادى الآخرة 1438هـ/20-03-2017م, 02:06 AM
مها شتا مها شتا غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 655
افتراضي

مجموعة نور الوحيين (أمل يوسف -عائشة أبو العينين- مها شتا)

رسالة تفسيرية في:
تفسير قول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) }

تفسير قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)}
لما أمر الله تعالى بالإكثار من ذكره ، وخصوصاً في الأوقات الفاضلة {واذكروا الله في أيام معدودات} ،أخبر الله تعالى عن أحوال الناس تجاة الذكر ،فمن الناس من يتكلم بلسانه ، ويخالف فعله قوله -لأن الكلام أما يرفع صاحبه أو يخفضه -،فقال تعالى :{ ومن الناس من يعجبك قوله في الحيا الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه} ،ومن الناس من يتقي الله ويخافه فيما يقول ويفعل ،فقال تعالى :{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد} ،ثم أمر جميع المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الدين ولا يتركوا منه شئ،ثم هددهم بالوعيد الشديد إذا خالفوا أمره،ووعدالمتقين بالرزق الحسن الذي ليس له حساب في الآخرة ،والعلو على الكافرين في الدنيا،ثم بين الله سبحانه وتعالى حال الناس منذ بدأالخليقة، أي منذ نزول آدم من الجنة إلى نوح عليهم السلام -نحو عشرة قرون -وأنهم كانوا مجتمعين على الهدى والتوحيد ودين الله الحق ،فلما اختلفوا في دين الله فمنهم من ظل على الإيمان ومنهم من كفر ،وحصل النزاع فبعث الله الرسل مبشرين من أطاع الله بجزاء الطاعة ،ومنذرين من عصاه بمغبة المعصية ،وكان من لوازم أرسال الرسل ،إنزال الكتب بالحق الواضح المبين وبالحجج والبراهين على صدق هؤلاء الرسل ،وفيها من الأخبار الصادقة،والأوامر العادلة ،ليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه،وكان هذا مظنة اتفاق كل الناس الذين أنزل إليهم الكتاب ولكنهم اختلفوا أيضا فيه وكذبت الأمم بكتب بعض،ومنّ الله تعالى على هذه الأمة ،-أمة محمد صلى لله عليه وسلم -بالهداية إلى الحق بإذنه تعالى ومنّه ورحمته لهم وذلك لأن الله هو الهادي إلى الصراط المستقيم.
وفي هذه الآية عدة مسائل تكلم فيها المفسرون:
القراءات
قراءة عبد اللّه: "كان النّاس أمّةً واحدةً فاختلفوا".
وكذلك أبي ابن كعب .
ماذا أفاد التعبير ب "كان"في قوله "كان الناس"
أفادت الثبوت لا تختص بالمضي فقط.

المراد بالناس :اختلف المفسرون في المراد بالناس على عدة أقوال:
القول الأول: بنو آدم حين أخرجهم الله نسما من ظهر آدم، أي كانوا على الفطرة، قاله أبي ابن كعب وذكره ابن عطية وابن كثير.
القول الثاني : آدم وحده ،قاله مجاهد وذكره ابن عطية.
القول الثالث : آدم وحواء ،قالهقوم من العلماء ،وذكره ابن عطية.
القول الرابع: قرون التي كانت بين آدم ونوح، وهي عشرة، كانوا على الحق حتى اختلفوا فبعث الله تعالى نوحا فمن بعده،قاله بن عباس وقتادة وذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير ،وهو الراجح.
القول الخامس :نوح ومن في سفينته، كانوا مسلمين،ذكره ابن عطية.
القول السادس: مدة نوح حين بعثه الله وكانوا كفاراً ذكره ابن عباس وذكره ابن عطية.
القول السابع: الجنس كله، أي الناس كلهم في خلوهم عن الشرائع وجهلهم بالحقائق ،ذكره ابن عطية .
معنى الأمة:
الأمة في اللغة النعمة والخير.
واختلف المفسرون في المراد بالأمة على أقوال:
القول الأول:الأمةهي الدين،وهو المراد في هذه الآية،ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
القول الثاني:الأمة هي القامة، يقال فلان حسن الأمّة، أي حسن القامة،ذكره الزجاج.
القول الثالث:الأمة القرن من الناس، يقولون قد مضت أمم أي قرون،ذكره الزجاج.
القول الرابع:الأمة الرجل الذي لا نظير له ،وإن كان منفردوكان قصده مختلف عن قصد الناس.
ومنه قوله عزّ وجلّ - {إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا للّه حنيفا}،ذكره الزجاج.
معنى مبشرين:
أي مبشرين المؤمنين بالثواب على الطاعة،
معنى منذرين :
أي منذرين العصاة بالعقاب على المعاصي،

المقصود ب "الكتاب"
القول الأول:الكتاب األف واللام للجنس، اسم الجنس، والمعنى جميع الكتب،ذكره ابن عطية وهو الراجح لإبقاء الآية على عمومها أولى.
القول الثاني:الألف واللام في الكتاب للعهد،راجع إلى كتاب معين والمراد التوراة،ذكره الطبري وابن عطية.

معنى "ليحكم":
القول الأول : ليحكم الكتاب، إسناد مجازي ،قاله الجمهوروذكره ابن عطية.
القول الثاني : ليحكم الله،ذكره ابن عطية.
مرجع الضميرفي قوله تعالى:{فيما اختلفوا فيه}
مرجع ضمير فيه إلى فيما
{وما اختلف فيه}
القول الأول :مرجع الضمير في فيه إلى الكتاب.
القول الثاني :أوإلى الضميرالذي قبله في الآية .
المقصود ب "أوتوه"
أي أرباب العلم به والدراسة له .
ومرجع الضمير علي الكتاب.
ودلالة تخصيصهم بالذكر :
تنبيها منه تعالى على الشنعة في فعلهم والقبح الذي واقعوه،ذكره ابن عطية.
المقصودب "البينات" :
الدلالات والحجج.
معنى "بغياً":
التعدي بالباطل.
معنى "هدى" :
أرشد وذلك بخلق الإيمان في قلوبهم .
المراد" بالذين أمنوا ":
من أمن بمحمد صلى الله عليه وسلم.
والدليل:
عن أبي هريرة في قوله: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه} قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "نحن الآخرون الأوّلون يوم القيامة، نحن أوّل النّاس دخولًا الجنّة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهدانا اللّه لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا له فالنّاس لنا فيه تبعٌ، فغدًا لليهود، وبعد غدٍ للنّصارى".
المراد " بالحق" :
الإسلام .
ماذا أفاد تقديم لفظ الخلاف على لفظ الحق :
للأهتمام ،إذ العناية إنما هي بذكر الاختلاف .
المراد ب"إذنه"
اختلف المفسرون في معنى الإذنه على أقوال:
القول الأول: بعلمه ،والإذن هو العلم والتمكين ،قاله الزجاج وابن عطية وابن كثير.
القول الثاني :بأمره وهو الحق الذي أمر به،قاله الزجاج و ابن عطية.

وإذن الله ينقسم إلى :1- إذن شرعي 2- إذن كوني
وفي الآية يصلح الأثنان.
أوجه الاختلاف بين هذه الأمةوالأمم السابقة:
قال ابن وهبٍ، عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قوله: {فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه} فاختلفوا في يوم الجمعة، فاتّخذ اليهود يوم السّبت، والنّصارى يوم الأحد. فهدى اللّه أمّة محمّدٍ ليوم الجمعة. واختلفوا في القبلة؛ فاستقبلت النّصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للقبلة. واختلفوا في الصّلاة؛ فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلّي وهو يتكلّم، ومنهم من يصلّي وهو يمشي، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك. واختلفوا في الصّيام، فمنهم من يصوم بعض النّهار، ومنهم من يصوم عن بعض الطّعام، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك. واختلفوا في إبراهيم، عليه السّلام، فقالت اليهود: كان يهوديًّا، وقالت النّصارى: كان نصرانيًّا، وجعله اللّه حنيفًا مسلمًا، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ للحقّ من ذلك. واختلفوا في عيسى، عليه السّلام، فكذّبت به اليهود، وقالوا لأمّه بهتانًا عظيمًا، وجعلته النّصارى إلهًا وولدًا، وجعله اللّه روحه، وكلمته، فهدى اللّه أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم للحقّ من ذلك.
من فوائد الآية السلوكية:
وجوب دعاء الله عزوجل بالهداية لما اختلف فيه الناس ،
والدليل :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتأول هذه الآية ،
ففي صحيح البخاريّ ومسلمٍ عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا قام من اللّيل يصلّي يقول: "اللّهمّ، ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشّهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ"
وأيضا ما ورد في الدّعاء المأثور: اللّهمّ، أرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا ووفّقنا لاجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضلّ، واجعلنا للمتّقين إمامًا).


قال تعالى {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}

مناسبة الآية لماقبلها:
لما بين سبحانه وتعالى في الآية السابقة حال الذين اختلفوا في الكتاب بعدما أوتوه وضلوا عن الصراط المستقيم بسبب البغي والحسد فيما بينهم وفي ضمن ذلك تحذير المؤمنين من هذا المسلك القبيح واأنه سبحانه وتعالى قد امتن عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم وهو دين الإسلام أتبع ذلك بالتحريض على الإقتداء بالمهتدين من الأمم السابقة من الأنبياء والرسل وأتباعهم في حال تمسكهم بالصراط المستقيم ودعوة الناس إليه كما ستبينها الآية وترشد إليها فيما يأتي
مقصد الآية:
تكشف الآية للمؤمنين حقيقة قد تغيب عنهم وتصحح مفهوما هاما لهم ألا وهو سنة الإبتلاء في الخلق والحكمة منه خاصة لأهل الإيمان الذين تصدوا لحمل الدين ونشر التوحيد ليتميز الصادق من الكاذب كما قال تعالى {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله}، كما تبث روح الأمل وقرب النصر على الأعداء بسلوك الطريق القويم طريق من صبروا وتحملوا الأذى في سبيل الله كما أشارت إليه الآية
سبب النزول:
ذكر ابن عطية في تفسيره أن أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت في قصة الأحزاب حين حصر وا رسول الله وأصحابه في المدينة ،وهو قول قتادة والسدي
وقالت فرقة :نزلت الآية تسلية للمهاجرين الذين أصيبت أموالهم بعدهم في بلادهم وفتنوا قبل ذلك

وقولهم نزلت في كذا لايعني بالضرورة أن يكون هذا هو السبب للنزول وإنما قد تكون هذه الحادثة في معنى الآية وتدخل فيها كما يدخل غيرها كثير كما جاء في الحديث الصحيح عن خباب بن الأرت قال :قلنا :يارسول الله ،ألا تستنصر لنا ؟ألا تدعو الله لنا ؟ فقال :إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص غلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بامشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لايصرفه ذلك عن دينه ثم قال:والله ليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون
قال تعالى {أم حسبتم ان تدخلوا الجنة }
أم:بمعنى بل وهى تأتي في اللغة بمعنى الإضراب الإنتقالي وبمعنى همزة الإستفهام وقد جاءت هنا للغرضين معا
أى أتحسبون أن تدخلوا الجنة ..وهو استفهام غرضه الإنكار على حسبان مالا ينبغي اعتقاده
حسبتم: من الحسبان وأصله من الحساب واستعمل في الظن تشبيها لجولان النفس في استخراج علم ما يقع بجولان اليد في الأشياء لتعيين عددها ،ذكره ابن عاشور
والخطاب هنا للمسلمين الذين جاء الخبر عنهم في الآية السابقة في قوله {فهدى الله الذين آمنوا}
وهذا الحسبان المشار إليه هو ظنهم أن يدخلوا الجنة من غير حصول ابتلاءات ومحن ليظهر الصادق من الكاذب ولذا قال{أن تدخلوا الجنة }أى دخولا سالما غير مسبوق بتعب ولاعناء ولاجهاد
فليس الأمر كذلك وليست هذه سنة الله في عباده فانظروا لمن سبقكم من الأنبياء وأتباعهم المؤمنين الذين جرت سنة الله عليهم وعلى كل من آمن ودعا إلى الإيمان فإن البلاءات كواشف تكشف الخبايا والسرائر فقال {ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم}
قوله :لما :أصلها لم ،ما
{لم }تدل على النفي و{ما }أفادت توكيد النفي وتشعر السامع بترقب حصول الفعل المنفي بها عن قريب ،أى لا تظنوا أن تدخلوا الجنة من قبل أن يأتيكم الإبتلاء والإختبار على صدق إيمانكم وسيأتيكم كما أتى من قبلكم من الأمم فقال {مثل الذين خلوا من قبلكم} والمثل الشبه في الهيئة والحال والمعنى ولم يأتكم الحال الذي يشبه حال من سبقكم وسيأتي لا محالة
خلوا:بمعنى انقرضوا وخلا منهم المكان
مستهم :والمس الحلول والإصابة والمعنى حلت بهم البأساء : وهو البلاء في الأموال والمراد الفقر ،والضراء: وهو ابتلاء الأبدان بالأمراض والأسقام
أي أن هؤلاء الذين خلوا من قبلكم أصابتهم صنوف من البلاءات من البلاء في الأموال والأبدان
وزلزلوا:أى أزعجوا واضطربوا من شدة الخوف والفزع
وقد حصلت مثل هذه الحال للمؤمنين في أول ظهور الإسلام كما في حديث خباب السابق وكما حصل لهم في غزوة الخندق كما قال تعالى {إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا}
حتى:غاية للمس والزلزلة أى بلغ الأمر وشدته إلى غاية يقول الرسول ومن معه متى نصر الله ؟
وقوله تعالى {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه}
أكثر أهل العلم على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين وأن هذا القول منهم لا لشك أو ارتياب إنما لطلب استعجال النصر وهذه قراءة النصب للعشرة إلا نافع وأبو جعفر {حتى يقول} ،ذكره ابن عطية
وقيل المراد بالرسول رسول المزلزلين أو كل رسول لأمة سبقت وهي قراءة الرفع قرأ بها نافع وأبو جعفر،ذكره ابن عاشور
وقالت طائفة :في الكلام تقديم وتأخير والتقدير {حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله} فيقول الرسول {ألا إن نصر الله قريب}ذكره ابن عطية وقال وهذا تحكم وحمل الكلام على وجهه غير متعذر
وقوله تعالى {ألا إن نصر الله قريب}الراجح أنه كلام الله تعالى وقوله للمؤمنين الذين استبطأوا النصر لما اشتد بهم البلاء والقلاقل فأتاهم الله بالبشرى والبشارة بأن النصر من عنده وحده وهو القادر عليه لذا قال{نصر الله }،{قريب }فكل ما هو آت قريب وقيل فيه إشارة إلى فتح مكة
وهذه الآية العظيمة لها وقعها وصداها في كل زمان يضعف فيه شوكة المسلمين وتصيبهم المحن والخطوب الجسيمة فإذا تحلوا بالصبر والإيمان وتوطنت أنفسهم وتهيأت على الصبر على البلاء وتقوى الله فإن النصر موعود لهم لا يتخلف عنهم أبدا {وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن اكثر الناس لا يعلمون}

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَاينْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}
ومجمل معنى الآية
أن المؤمنين كانو يسألون من ينبغي أن يفضلوا وكيف ينفقون - فأعلم اللّه عزّ وجل أن أول من تفضّل عليه الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين وبن السبيل أي: اصرفوها في هذه الوجوه
واليتم :فقد الأب قبل البلوغ ذكره بن عطية

ثم بين تعالى مهما صدر منكم من فعل معروفٍ، فإنّ اللّه يعلمه، وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء؛ فإنّه لا يظلم أحدًا مثقال ذرّة).
كما جاء في الحديث: "أمّك وأباك، وأختك وأخاك، ثمّ أدناك أدناك". وتلا ميمون بن مهران هذه الآية، ثمّ قال: هذه مواضع النّفقة ما ذكر فيها طبلًا ولا مزمارًا، ولا تصاوير الخشب، ولا كسوة الحيطان.ذكره بن كثير
وفى هذه الأية الكريمة عدة مسائل تكلم فيها المفسرون
معنى ماذا فى اللغةوذكر فيه قولان

الأول:
أن يكون " ذا " في معنى الذي ويكون ينفقون من صلته، المعنى يسألونك أي شيء الذي ينفقون كأنه أي شيء وجه الذي ينفقون، لأنهم يعلمون ما المنفق ولكنهم أرادوا علم اللّه وجهه.

ومثل جعلهم " ذا " في معنى الذي قول الشاعر:
عدس ما لعبّاد عليك إمارة... أمنت وهذا تحملين طليق
والثانى:
أن يكون: " ما " " مع " " ذا " بمنزلة اسم واحد، ويكون الموضع نصبا بـ (ينفقون).
المعنى: يسألونك أي شيء ينفقون، مثل جعلهم ذا بمنزلة اسم واحد، قول
الشاعر:
دعي ماذا علمت سأتقيه... ولكن بالمغيب فنبئيني
ذكره بن عطيه والزجاج وذكر بن عطية إجماعاً من النحويين على القولين
هل فى هذه الأيه نسخ ؟
القول الأول :أن فيها نسخ

قال قوم: هذه الآية في الزكاة المفروضة، وعلى هذا نسخ منها الوالدان ومن جرى مجراهما من الأقربين.
وقال السدي: «نزلت هذه الآية قبل فرض الزكاة، ثم نسختها الزكاة المفروضة»
وذكر بن عطيه أن المهدوي وهم على السدي في هذا فنسب إليه أنه قال إن الآية في الزكاة المفروضة، ثم نسخ منها الوالدان
وذكر بن كثير أن فى قول السدى نظر
القول الثانى:أن الآيه ليس فيها نسخ

هذه الآية في نفقة التّطوّع على هذا لا نسخ فيها ذكره بن عطيه عن جريج وبن كثير عن مقاتل

معنى قوله تعالى{وما تفعلوا من خيرٍ فإنّ اللّه به عليمٌ}

القراءات فى ( تفعلوا )
قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «يفعلوا» بالياء على ذكر الغائب
مجمل معنى الآية ومقصدها
ظاهر الآية الخبر، وفيها معنى يحصيه، وإذا أحصاه جازى عليه وهي تتضمن الوعد بالمجازاة وهو حاصل ماذكر الزجاج وبن عطيه وبن كثير

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 25 جمادى الآخرة 1438هـ/23-03-2017م, 02:29 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

أحسنتم جميعاً بارك الله فيكم ونفع بكم.



1. هلال الجعدار: أ
- أحسنت بارك الله فيك في استخلاص المسائل وتحريرها وعرضها.
- فاتتك بعض المسائل؛ كالمخاطَب في الآية الأولى، وسبب التنصيص على الحياة الدنيا.
- كون معنى الآية عام لا ينفي نزولها بسبب.
- (أخذته العزة بالإثم) الأقرب أنّ الباء للمصاحبة، أي عزّة مصحوبة بإثم، احترازاً من العزة المصحوبة بالبرّ والحقّ لأنها محمودة غير مذمومة.

2. هبة الديب، فاطمة الزهراء، ميسر ياسين: ب+
- أحسنتم بارك الله فيكم، ونفع بكم، وقد أجدتم إلى درجة ما في استخلاص المسائل وتحريرها، وبقيت عليكم أمور يسيرة آمل منكم التنبه لها والعناية باستكمالها.
- من المهمّ العناية بالمراجعة اللغوية قبل نشر الملخّص.
- الآثار والأحاديث لا يكفي أن يقال فيها: "ذكرها ابن كثير"، فابن كثير يذكر من أخرجها من الأئمة المصنفين؛ فقول ابن اعباس في نزول قول الله تعالى: {ادخلوا في السلم كافة} ذكره ابن كثير معزواً إلى ابن أبي حاتم بإسناده إلى ابن عباس؛ فيمكن أن يقال في هذه المرحلة: رواه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير.
وهذه الدرجة من التحقق من النسبة مهمّة جداً في جميع الأحاديث والآثار التي يذكرها المفسّرون معزوّة إلى من رواها بإسناده من الأئمة المتقدمين.
- المخاطب بقوله تعالى: {" يأيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة } فيه قول ثالث مروي عن ابن عباس، وهو لأهل الكتاب.
- (وفِي المراد بالسلم أقوال..) الأقوال تعزى إلى من ذكرها.
- مسائل الاعتقاد يُتجنب النقل فيها عن أئمة أهل البدع، فما نقل عن القاضي عبد الجبار وهو من كبار المعتزلة في مسألة المؤاخذة بالذنب وإن كان كلامه فيه مجملاً إلا أن تقريره إياه على طريقة المعتزلة، ولا حاجة إلى النقل عنه مع وضوح دلالة الآية، ووجود كلام لأئمة أهل السنة في هذه المسألة يغني عن النقل عنه.


يتبع بإذن الله ...

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 10 رجب 1438هـ/6-04-2017م, 11:30 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

تقويم مجلس مذاكرة القسم الخامس عشر من تفسير سورة البقرة


أحسنتم ، بارك الله فيكم ونفع بكم.
يُرجى من الجميع مراجعة هذه المحاضرة (
أصول في دراسة مسائل التفسير) ، خاصة ما يتعلق بالتحقق من صحة نسبة الأقوال لقائليها ، ومراعاة ذلك في التلخيصات القادمة بإذن الله.
وملخص المراد من الإحالة على المحاضرة :
نسبة الأقوال إلى قائليها ، لا يكفي أن نذكر أن المفسر قال بكذا ، خاصة إن كان يظهر أنه ليس رأيًا خاصًا به وإنما نقله عن السلف ، وكتابة الرسائل التفسيرية تختلف عن تلخيص الدرس ؛ فالأولى ينبغي أن نرجع فيها إلى تفاسير متعددة ، وقد علمتم أن التفاسير على أصناف من حيث مصادرها ؛ تفاسير أصيلة وبديلة وناقلة ، والمطلوب التحقق من نسبة القول لقائله ، فإذا ذكر ابن عطية مثلا عددا من الأقوال دون نسبتها ، يمكن أن نرجع لتفسير ابن كثير سنجد أنه ذكرها ضمن عدد من الروايات عن السلف ، ونقلها عن تفاسير أصيلة كتفسير ابن جرير الطبري.
والمطلوب في هذه المرحلة فقط هو التحقق من أن هذا القول ورد بإسناد عمن نُسب إليه ، ثم التحقق من صحة هذا الإسناد يأتي في مرحلة لاحقة.
وإذا كان هذا هو الحد الأدنى المطلوب ؛ فكيف إذا اكتفينا بقول ، قاله ابن عطية ، دون نسبته لقائله أصلا من السلف !

3: كوثر التايه ، نبيلة الصفدي ، هناء هلال : أ

- أحسنتم ، بارك الله فيكم ونفع بكم ، ومن أفضل ما أحسنتم فيه الجمع بين الأقوال المتشابهة بعبارة واحدة ، والجمع بين الأقوال المتعددة - التي مدارها على خلاف التنوع - ، كما أحسنتم صياغة الرسالة بأسلوب رائع بحيث بدا واضحًا الترابط بين مسائل الآيتين ، وأحسنتم كذلك باستيعاب الرسالة لأكثر مسائل الآيتين ، وفاتكم مسائل يسيرة جدًا مثل فائدة الالتفات من ضمير الجمع في قوله : " آتيناهم " للمفرد في قوله : " ومن يبدل " ، وبعض المسائل اللغوية.
- الملحوظات :
1: لأن الأسلوب المعتمد في الرسالة هو أسلوب التقرير العلمي؛ ينبغي الاهتمام بإبراز مسائل الآيات وما ذُكر فيها من أقوال ثم بيان الراجح ولو كان الترجيح هو الجمع بين هذه الأقوال.
مثلا :
الخلاف في المقصود بالآية ؛ أحسنتم الجمع بين القول بأنها الآيات التي جاءت في أسلافهم ، وبين الآيات التي نزلت في اليهود الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن التفريق بين القولين وبيان القائل بكل قول ، ثم بيان الترجيح ووجهه مهم في أسلوب التقرير العلمي.
2: كذلك لا ينبغي عرض الأقوال دون نسبتها لقائليها ، وكذلك لا يصح إغفال ذكر القول المرجوح في المسألة.

3: الأخطاء اللغوية المتعددة في الرسالة ، مثلا :
- همزة القطع في موضع همزة الوصل ، والعكس.
الاضمار = تصحيحها : " الإضمار )
- الإعراب :

" والمتقين ومقرهم الجنة هم في عليين " ، التصحيح = والمتقون - ومقرهم الجنة.
-
" ولما كانت الأرزاق الأخروية والدنيوية لا تحصل إلى بتقدير الله " ، التصحيح = إلا بتقدير الله.

4:
منيرة محمد - مضاوي الهطلاني - عابدة المحمدي: ب

- أحسنتم ، بارك الله فيكم ونفع بكم ، ومن أوجه الإحسان أنكم ذكرتم مناسبة الآيات لما قبلها ، ونسبة الأقوال لقائليها في أغلب المواضع.
من الملحوظات :
1: توضيح أن مرجع الضمير في قوله : { وهو كرهٌ لكم } أنه القتال ؛ لاحتمالية أن يُفهم أن فرض القتال والأمر به هو المكروه ، وهو مستبعد في حق المؤمنين.
2: إبراز مسائل الآيات عند التفسير ؛ مثلا نقول : " وهو كرهٌ لكم " ووجه كونه كره للمسلمين أن فيه كذا وكذا ..
" وهو خيرٌ لكم " والمراد بكونه خير أن فيه كذا وكذا ، وعلى العكس فإن القعود عن القتال فيه كذا وكذا ؛ فناسب أن يأتي بعدها قوله تعالى :{ وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم }
وناسب ختام الآية بقوله تعالى :{ والله يعلم وأنتم لا تعلمون } لما فيه من تعليم المؤمنين التسليم لأمر الله .... إلى آخر ما ذكرتم.
مثال آخر : عند تفسير قوله تعالى :{ ولا يزالون يقاتلونكم ... }
وناسب قوله { ولا يزالون يقاتلونكم .. } بعد بيان حكم القتال في الشهر الحرام ، وحكم ما حصل من قتل المسلمين لمشرك فيه ، أن يبين شدة عداوة المشركين ....
وعبر بقوله { ولا يزالون } ليدل على ...
3: ذكر المسائل الاستطرادية بين مسائل الآيات الرئيسة ، وهذا يضعف الترابط بين مسائل الرسالة ، والمسائل اللغوية - مثل مسائل الإعراب - ، والفقهية - مثل أحكام المرتد - إذا لم يكن لها رابط مباشر بمعنى الآية يُفضل تأخيرها في نهاية تفسير الآية ، أو الاستغناء عنها في الرسائل التفسيرية.
أما إذا كان لها رابط وثيق بمعنى الآية فتذكر مع بيان هذا الرابط ، مثلما فعلتم في بيان تفسير قوله تعالى :{ وصدٌ عن سبيل الله وكفرٌ به .. }
4: تحرير المسائل الخلافية:
سبق ودرستم طريقة تحرير المسائل الخلافية وتنظيم عرض الأقوال فيها ، وأهمية نسبة الأقوال لقائليها ، ثم من ذكرها من المفسرين.
وابن كثير نسب الأقوال لقائليها لكنها ضمن حكايته لسبب نزول الآية ، مثلا تجدون قوله: " والشرك أشد من القتل " ضمن حكايته لقول ابن عباس فيما ذكره عنه العوفي.
فنستخلص هذه الأقوال ونذكر نسبتها لقائليها ، وفي الغالب نعرف نسبة الأقوال من تفسير ابن كثير ، لأنه إما أن يذكر إسنادها أو ينسبها لمن ذكر إسنادها من المفسرين مثل إسناده للطبري في كثير من المواضع.
ومن الملحوظات أيضًا أن لا نكرر أقوالا متعددة متفقة لفظًا ومعنى بل نصوغها بعبارة واحدة ، ومن ذلك أن القول الثالث والرابع فيما ذكرتم عند تحرير الخلاف في قوله { والفتنة أكبر من القتل } واحد.
5: فاتكم عدد من المسائل في تفسير الآيات ، ربما لم تكن واضحة في التفاسير الثلاثة المقررة ، لكن لا يمنع هذا أن نلجأ لبعض التفاسير الأخرى والاستفادة منها إن كنا بصدد كتابة رسالة تفسيرية ، وليس مجرد تلخيص للدرس.
6: يُفضل البدء بذكر المعنى الإجمالي للآية قبل تفصيل المسائل.
7: الصياغة والعرض:
- يظهر في مواضع كثيرة اعتمادكم على النسخ من التفاسير ، وقد نسبتم بعضها لقائليها ، والبعض دون نسبة ، لكن المهم ألا نعتمد على النسخ وإنما نكتب بأسلوبنا ؛ فالغرض من كل هذه الواجبات هو اكتساب مهارة ، وليس مجرد نسخ أقوال العلماء.
- من الأخطاء الإملائية :
شيئ = شيء؛ بهمزة على سطر لأن الياء ساكنة.
الإنقياد = الانقياد؛ بألف وصل لأنه مصدر خماسي.
وبعض الأخطاء ناتجة عن سرعة الكتابة ؛ فيرجى المراجعة قبل الاعتماد.
- التنسيق : كان من الممكن تنسيق الرسالة بشكل أفضل ، وتوحيد لون الآيات ، ولون آخر ثابت لعناوين المسائل وهكذا ..


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 10 رجب 1438هـ/6-04-2017م, 12:26 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي


يُتبع بإذن الله ..

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 10 رجب 1438هـ/6-04-2017م, 11:24 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي


5: شيماء طه - تماضر - الشيماء وهبه : أ

أحسنتم ، بارك الله فيكم ونفع بكم ، ومن أوجه الإحسان ، استيعاب أغلب مسائل الآيات،واستيعاب الأقوال التي ذُكرت في المسائل الخلافية ، مع نسبتها لقائليها في أغلب المواضع ، ويُرجى الاعتناء بنسبتها لقائلها من السلف بداية ، ثم لمن حكاها عن أهل السلف من المفسرين.


الملحوظات :

1: الشمول :
- بادئ ذي بدء ، عند تفسير الآية الأولى نقول - مثلا - : " يخاطب الله عز وجل في هذه الآية النبي صلى الله عليه وسلم - والأمة تبعًا له - ، أو يخبر في هذه الآية عن ... مخاطبًا النبي صلى الله عليه وسلم.
- عند تفسير قوله تعالى :{ ويهلك الحرث والنسل } ، وعند تحريركم لمسألة المراد بالحرث والنسل ، حدث خلط بين مسألتين الأولى : " المراد بالحرث والنسل " والثانية : " المراد بإهلاك الحرث والنسل " هل هو إهلاك مباشر أو غير مباشر أفسد في الأرض بالمعاصي فمُنع المطر مثلا.
- وفي ختام الآية بقوله { والله لا يحب الفساد } ، إشارة إلى أن إهلاك الحرث والنسل من الفساد ، وأن الله عز وجل لا يحب من يهلك الحرث والنسل.


2: تحرير الأقوال :
- الأقوال الواردة في سبب نزول الآية الأولى ، القول الرابع منها هو العموم ، مع التنبيه على أن إفادة الآية معنى العموم لا يمنع أن يكون لها سبب خاص في نزولها ؛ فكما تعلمون أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ أي : لا نذكر القول بالعموم كأحد الأقوال المنفصلة عن أسباب النزول ، وإنما كتعقيب على الخلاف ، بأن الآية تفيد معنى العموم أيا كان السبب الخاص الذي نزلت فيه.
- وبعض الأقوال التي ذكرتم وردت عن ابن كثير أيضًا ، ذكرها عن السدي وعن ابن عباس فلمَ أغفلتم ذكره ؟!
والأخنس بن شريق الثقفي ، هو الرجل من ثقيف ؛ فيدخل قول الزجاج مع قول ابن عطية وابن كثير ، الذي ذُكر عن السدي.
- قولكم : " رواه ابن عطية عن السدي "
يفرق بين كلمة " رواه " و " ذكره " أو " حكاه "
" رواه " تقال فقط إذا حكى المفسر القول بإسناده عن السلف ، أما إذا ذُكر مطلقًا ناقلا له من تفسير أصلي، نقول فقط ، ذكره عن ..
- المراد بـ " سعى " ذكرتم قولين عن ابن عباس وابن جريج ؛ فمن حكى هذه الأقوال عنهم من المفسرين ؟


3: الصياغة :
الآية الثانية :
قلتم : " وأما المراد بالسعي " ...
ثم بعدها : " وقوله تعالى :{ وإذا تولى سعى } في المراد به معنيين ...
فلمَ التكرار ؟ كان يكفي أن نبدأ بالثانية ثم نذكر ما ترجح لديكم بدليله ..

وكذلك : " وأما المراد بالحرث والنسل في اللغة " وقولكم : " واختُلف في المراد بالحرث والنسل "
الأولى نقولها بصيغة : " وأما معنى الحرث والنسل لغةً "


6:
مجموعة نور الوحيين (أمل يوسف -عائشة أبو العينين- مها شتا) : ب+

أحسنتم ، بارك الله فيكم ونفع بكم ، ومن أوجه الإحسان ، إحسانكم التقدمة للرسالة ، وتحرير الأقوال في المسائل الخلافية باستيعاب ما قيل فيها ونسبتها لقائليها - في أغلب المواضع - ، وبقيت بعض الملحوظات أرجو الاعتناء بها.

الملحوظات :

ملحوظة عامة :
- بدا واضحًا الاختلاف في الأسلوب بين تفسير الآيات الثلاثة وكذلك الاختلاف في العرض والتنسيق ، وهناك الكثير من الأخطاء الإملائية ، وأقترح عند توزيع الأدوار في المجموعة الواحدة أن تخصص واحدة منكن لمراجعة الأخطاء الإملائية ، وتخصص أخرى لمراجعة صياغة الرسالة ككل وتوحيد أسلوبها ؛ فليس ثمة مشكلة أن تعمل كل منكن على تفسير آية واحدة ، لكن المهم أن تتفقن على أسلوب واحد في الكتابة وإذا حصل أي اختلاف ؛ فلابد من مراجعة لتوحيده.

1: تحرير المسائل الخلافية :
- عند تحرير مسألة المراد بالناس يمكن تقسيم الأقوال إلى قولين :
الأول : من قال أن الناس جماعة مؤمنة :
الثاني : من قال أنهم قوم كفار :

وتحت كل قول يوضع ما يناسب من الأقوال التي ذكرتموها ، ويفيد ذلك التفريق بين الأقوال التي يمكن الجمع بينها والأقوال المتضادة.

- الخلاف في المراد بالأمة :
لو لاحظتم كلام الزجاج لوجدتم أنه بيان لإطلاقات " الأمة " وليس حكاية للخلاف في المراد بها في الآية ، وإنما تُطلق كلمة الأمة في اللغة على كذا وكذا وكذا ، وأما المراد بها في الآية فهو كذا ...
وقد أرجع جميع الإطلاقات إلى القصد ؛ فناسب أن نفصل بين مسألة معنى الأمة لغة ، وبين مسألة المراد بالأمة في الآية.
- " مرجع الضمير في { فيه } " ، هو " ما " في قوله { فيما }
- المقصود بـ " أوتوه " فيها ضميران ، الأول واو الجماعة وهذا الذي مرجعه لأرباب العلم ، والثاني " الهاء " وهذا الذي مرجعه للكتاب فيفرق بينهما.
- أوجه الاختلاف بين هذه الأمة وما قبلها :
يمكن صياغة المسألة بعنوان : " متعلق الاختلاف في قوله { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق }
أو تكون : المراد بالحق ..
وهي على أقوال متعددة غير ما ذكرتم ، منها الاختلاف في يوم الجمعة ، والاختلاف في القبلة ، والاختلاف في إبراهيم عليه السلام ، والاختلاف في الكتاب ، وغير ذلك ، فأرجو مراجعتها وتحريرها.

- الآية الثانية :
* يُفضل تنظيم عرض الأقوال في المسائل الخلافية ، حتى يتمكن القارئ من استيعابها.
* تخصيص مسألة للقراءات في الآية { حتى يقول َ } ، حتى إذا ما جئتم على تفسيرها فهم القارئ وجه الاختلاف في المعنى نتيجة اختلاف القراءة.

2: الصياغة :
- قولكم : " معنى ليحكم " : الأولى أن نقول : " مرجع الضمير المستتر في : " ليحكم "
الضمير المستتر الذي عليه مدار المسألة في محل رفع فاعل " يحكم "


3: الترتيب :
- في تفسير الآية الثالثة :
نبدأ عمومًا بمسائل علوم الآية ومنها مقصد الآية وسبب نزولها والقراءات الواردة فيها ، ثم نبين المعنى الإجمالي لها ثم نفصل المسائل ؛ فلا يصح مع ذلك تأخير مقصد الآية لنهاية الرسالة ، لأن مقصد الآية هو المراد - في الغالب - إبرازه في الرسالة فينبغي أن يُصاغ بعبارة واضحة ، وصياغتكم له هنا غير واضحة.

4:الشمول :
وفي الآية الثالثة مسائل أخرى أساسية لم تُذكر وإن لم تكن واضحة في التفاسير المقررة ، لكن عند كتابة الرسائل التفسيرية ينبغي الاطّلاع على تفاسير أخرى ، وإن كان الأسلوب المختار هو أسلوب التقرير العلمي فينبغي اختيار التفاسير التي تعتني بتحرير المسائل التفسيرية خاصة تحرير المسائل الخلافية ومناقشة الأقوال الواردة فيها وذكر أدلتها.
ومن هذه المسائل :
- بيان متعلق الإنفاق في قوله : " ينفقون "
- بيان مواضع النفقة
- بيان معنى كل كلمة لغة : " الأقربين ، المساكين ، ابن السبيل ... "
- مناسبة ختام الآية بقوله : " وما تفعلوا من خيرٍ فإن الله به عليم "





6: ريم الحمدان : أ
أحسنتِ أختي الفاضلة ، تنظيم رائع لتلخيصكِ وأسلوب جيد في عرضه ، بارك الله فيكِ.
الملحوظة الرئيسة :
بدا لي أنكِ قصدتِ كتابة رسالة تفسيرية في تفسير هذه الآية ، وذلك لما كتبتيه بأسلوبك من عبارات للربط بين المسائل ، وما تفضلتِ به جيد ورائع لكن ينقصه بيان مناسبة الآية لما قبلها ونسبة الأقوال لقائليها، والاستفادة من تفاسير أخرى في استنباط مسائل أخرى في الآية مثل : فائدة التنصيص على الحياة الدنيا ، وفائدة الإتيان بالفعل " يسخرون " في صيغة المضارع ..

وإن كنتِ قصدتِ التلخيص فقط ؛ فالأفضل صياغة عناوين مستقلة لبعض المسائل مثل: " فائدة تخصيص الذين كفروا بالذكر ".
وعلى كل حالٍ ، عند تفسير قوله تعالى :{ والله يرزقُ من يشاء بغير حساب }
نفصل بين مسألة المراد بالرزق ، ومسألة المراد : { بغير حساب .



بارك الله فيكم جميعًا وعلمني وإياكم ما ينفعنا ونفعنا بما علمنا ونفع بنا الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الرابع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir