عناصر درس اليوم: الثلاثاء 6 محرم-1440ه:
اولا: المؤلفات في فضل العلم والحثّ على طلبه
ثانيا: بيان الفرق بين العلم النافع والعلم غير النافع
ثالثا: بيان أقسام العلوم الشرعية
وبعض فوائده:
ذكر الشيخ حفظه الله بعض تصانيف العلماء في فضل العلم والحث عليه ومنها:
"مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة" لابن القيم.
"فضل علم السلف على علم الخلف" لابن رجب الحنبلي.
وفي بيان الفرق بين العلم النافع والعلم غير النافع ذكر الشيخ أن العلوم نوعان:ضار ونافع ومن الضار علم الكلام والعلوم العقلية وذكر بعض من ندموا ممن سلكوا هذا الطريق ومنهم :
محمّد بن عمر الرازي (ت:606هـ) الذي قال: (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن؛ أقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، واقرأ في النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}، ومن جرَّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي). وعقب عليه بقول ابن القيم حيث قال
(فليتأمل اللبيب ما في كلام هذا الفاضل من العِبَر؛ فإنه لم يأت في المتأخرين مَن حصَّل منَ العلوم العقلية ما حصَّله، ووقف على نهايات أقدام العقلاء، وغايات مباحث الفضلاء، وضرب بعضها ببعض، ومخضها أشدَّ المخض؛ فما رآها تشفي عِلَّةَ داءِ الجهالة، ولا تروي غُلَّة ظمأ الشوق والطلب).
ومن العلوم النافعة، العلم الشرعي واقسامه ثلاثة:
علم العقيدة، علم الاحكام الشرعية وعلم الجزاء.
ولها تقسيم آخر كما يلي:
علوم المقاصد:وهي العلوم المتّصلة بالاعتقاد والعمل والامتثال والتفكّر والاعتبار؛ كعلم العقيدة والتفسير والحديث والفقه والسلوك والجزاء والفرائض والسيرة النبوية والآداب الشرعية.
وعلوم الآلة:وهي العلوم التي تُعين على دراسة علوم المقاصد وحسن فهمها، ومنها: العلوم اللغوية، وعلم أصول الفقه، وأصول التفسير، ومصطلح الحديث.
وذكر الشيخ بعض ما يصيب طالب العلم في بداية طريقه من توسع في علوم الألة وينسى أنها من الوسائل وأنه قد يفتتن ببعضها ويتوسع في الاستشهاد من أشعار العرب على اللغة ومنهم من ينغمس في التجارة بعد أن كان يطلب الكفاف والعفة والله والمستعان.
وبين الشيخ أن للعلم ظاهر وباطن فقال:
"ومما ينبغي أن العلم له مظهر ومخبر وظاهر وباطن:
· فظاهر العلم: ما يُعرف من دراسة أبوابه ومسائله، وتقييد قواعده وفوائده، وتلقّيه عن أهله، وقراءة كتبه، وإتقان تحصيله.
· وباطنه ما يقوم في قلب طالب العلم؛ من التبيّن واليقين والبصيرة في الدين، والإيمان والتقوى حتى يجعل الله له فرقاناً يفرق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال؛ فيكون على بيّنة من أمره، مهتدياً بهدى ربّه، وهذا العلم اليقيني النافع منّة ربّانيّة جعلها الله في قلوب أوليائه لما قام فيها من خشيته، والإنابة إليه، والقيام بأمره، وتعظيم شرعه، وصدق الرغبة في فضله، والرهبة من سخطه وعقابه، واتباع رضوانه." انتهى
وذكر الشيخ كلاما للطحاوي -رحمه الله- في شرح مشكل الآثار خلاصته: أن أهل العلم الذين يُسَمَّوْن في الشريعة علماء على صنفين:
· الصنف الأول: الفقهاء في الكتاب والسنة الذين تعلموا الأحكام والسنن وعلّموها؛ وهم الذين يُرحل إليهم في طلب العلم، وفقه مسائل الأحكام في العبادات والمعاملات والقضاء .
· والصنف الآخر: أصحاب الخشية والخشوع على استقامةٍ وسداد.
وذكر الشيخ:" ان اصل العلم النافع هو الحذر والرجاء من الأعمال القلبية؛ فلما قامت في قلوب هؤلاء-أصحاب الخشية والخشوع- قيامًا صحيحًا أنتجت أثرها؛ وهو القنوت لله عز وجل آناء الليل ساجدين وقائمين والدليل قوله تعالى:
{أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}."
ولذلك قال الله عز وجل بعدها:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}
فالعلم يورث اليقين واليقين يورث الخشية والإنابة الى الله تعالى حيث قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فما كان عالما من اغتر بعلمه ولم يخش الله تعالى.
وقال الشيخ وفقه الله تعالى :"..لأن الخاشع مقبل بقلبه على كلام ربّه، معظّم له، كثير التفكر والتدبر له، فيوفّق لفهمه والانتفاع به انتفاعًا لا يحصّله من يقرأ مئات الكتب، وهو هاجر لكتاب ربه، ولا يحصّله من يقرأُ القرآنَ وصدرُه ضائق بقراءته، يصبّر نفسه عليه، ويفرح ببلوغ آخر السورة لينصرف إلى دنياه". وقال ايضا:"فيوفَّقون للتذكّر والتبصّر: {سيذكّر من يخشى} {وما يتذكّر إلا من ينيب}، {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} ويوفقون للانتفاع بعلومهم، ويُجعل لهم فرقان في قلوبهم يميزون به بين الحق والباطل؛ فهم أصحاب العلم الخالص، وانتفاعهم بالعلم الظاهر أعظم من انتفاع غيرهم، فيهديهم الله هداية خاصّة يقرّبهم بها إليه، كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}، وقال الله تعالى: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}."
ومن روائع ما نقل لنا الشيخ وصية الربيع بن خيثم رحمه الله تعالى لأحد إخوانه:
(يا بكر، اخْزنْ عليكَ لسانكَ إلا ممّا لكَ ولا عليكَ، فإني اتهمتُ الناس على ديني، أطِعْ الله فيما علمتَ، وما استُؤثرَ به عليك فكِلْهُ إلى عالِمه، لَأَنا عليكم في العَمْدِ أخوَفُ منّي عليكم في الخطأ، ما خيركم اليوم بِخَير، ولكنّه خير من آخرَ شرٍّ منه، ما تتبّعون الخير كلَّ اتباعه، ولا تفرّون من الشرّ حقَّ فِراره، ما كلّ ما أنزل الله على محمّد أدركتم، ولا كلّ ما تقرؤون تدرون ما هو، السّرائر اللاّتي يخفين على الناس هنّ لله بَوَادٍ، ابتغوا دواءها)
ثمّ يقول لنفسه: (وما دواؤها؟ أن تتوب ثمّ لا تعود).
وختم الشيخ بقوله:"وأكثر ما يكون التقصير من طلاّب العلم والمتفقّهة، أنهم يُقصِّرون في هذا العلم الباطن فيضعف أثر الخشية في قلوبهم، ويقع التقصير في واجب الإنابة إلى الله، وهذا الضعف والتقصير له أثر بيّن في ضعف انتفاعهم بما يتعلّمون، وتعرّضهم لفتن كثيرة، وله أثر في ضعف سلوكهم سبيلَ الهداية في كثير من الأمور، فأما إذا وفّق الإنسان لصلاح قلبه وصلاح نيّته وقصده، وعَمَرَ قلبه بخشية الله عزّ وجلّ، وأحسنَ الإنابةَ إليه فإنَّ الله عزّ وجلّ يهديه ولا يُضلّه، ويوفّقه ولا يخذله، ويُرشِده ويُسَدِّدُه." فاللهم آمين والحمد لله رب العالمين.