دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ذو الحجة 1440هـ/29-08-2019م, 11:30 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي المجلس الأول: مجلس القسم الرابع من دورة "سير أعلام المفسرين"



مجلس القسم الرابع من دورة "سير أعلام المفسرين"
لفضيلة الشيخ عبد العزيز الداخل -حفظه الله.


اختر مفسّراً من المفسرين الذين درست سيرهم واكتب عنه رسالة تعريفية مختصرة ( في حدود صفحة إلى ثلاث صفحات ) تبيّن فيها أهم ما ورد في سيرته
والفوائد التي استفدتها من دراستك لسيرته.


- لايسمح بتكرار اختيار المفسر إلا بعد تغطية جميع المفسرين.

تعليمات:
- ننصح بقراءة موضوع " معايير الإجابة الوافية " ، والحرص على تحقيقها في أجوبتكم لأسئلة المجلس.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- يسمح بتكرار الأسئلة بعد التغطية الشاملة لجميع الأسئلة.
- يمنع منعًا باتّا نسخ الأجوبة من مواضع الدروس ولصقها لأن الغرض تدريب الطالب على التعبير عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستعين ببعض الجُمَل والعبارات التي في الدرس لكن من غير أن يكون اعتماده على مجرد النسخ واللصق.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.

تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 ذو الحجة 1440هـ/29-08-2019م, 12:14 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

ان شاء الله أخذ تلخيص سيرة

أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 ذو الحجة 1440هـ/29-08-2019م, 03:04 PM
مها شتا مها شتا غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 655
افتراضي

ان شاء الله أقوم بتلخيص سيرة طاووس رحمه الله

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 ذو الحجة 1440هـ/29-08-2019م, 03:32 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

أختار سيرة عطاء بن أبي رباح أسلم المكّي (ت:114هـ)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 ذو الحجة 1440هـ/29-08-2019م, 05:46 PM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

أختار الحسن البصري رحمه الله .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 ذو الحجة 1440هـ/30-08-2019م, 05:51 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

أختار الشعبي

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 ذو الحجة 1440هـ/30-08-2019م, 11:00 PM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

بإذن الله أختار عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنه

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 1 محرم 1441هـ/31-08-2019م, 01:24 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

أختار محمد بن كعب القرضي

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 1 محرم 1441هـ/31-08-2019م, 08:59 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

رسالة تعريفية مختصرة عن الشعبي -رحمه الله-.

-اسمه:
أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي.

-مولده:
ولد في خلافة عمر بن الخطاب، قيل: لستّ خلون منها.

-نشأته:
نشأ رحمه الله نشأة حسنة؛ فكان ذكيّا حافظاً فهماً عاقلاً، سمع من جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطوّف في البلدان يصحبهم، ويتتبع أخبارهم وسيرهم، ومرويّاتهم حتى حفظ من ذلك شيئاً كثيراً.

حياته:
كان إماما فقيها قاضيا محدثا؛ رأس أهل العلم في زمانه.
تولّى القضاء بالكوفة، وحدّث وأفتى، ونشر علماً كثيراً، وكان عالماً بمسائل الإجماع والخلاف، حافظاً لها ، وله في ذلك أعاجيب.
خرج مع القراء في فتنة ابن الأشعث لما خرجوا على الحجاج، ثم اختفى مدّة، ثمّ عاد إلى الحجاج، وتلطّف له في الاعتذار فقبل عذره.

-صفاته وأخلاقه:
•قوة الحفظ وحدة الذاكرة:
قال ابن شبرمة: سمعت الشعبي يقول: (ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته ولا أحببت أن يعيده علي). رواه الخطيب البغدادي.
- يونس بن مسلم، عن وادع بن الأسود الراسبي، عن الشعبي، قال: (ما أروي شيئا أقل من الشعر، ولو شئت لأنشدتكم شهرا لا أعيد). رواه الخطيب البغدادي.
- مالك بن مغول، عن نافع، قال: سمع ابن عمر الشعبي وهو يحدث بالمغازي، فقال: " لكأن هذا الفتى شهد معنا " رواه الخطيب البغدادي.

•المنطق وقوة الحجة:
كان صاحب منطق حسن، وحجّة حاضرة، وبصيرة ومعرفة؛ حتى كان بعض الأمراء ينتدبونه للأمور المهمّة.
وروي أن عبد الملك بن مروان بعثه إلى ملك الروم؛ فتعجّب منه، وبعث إلى عبد الملك: عجبت لأهل ديانتك كيف لم يولّوا رسولك عليهم!!
فذكر ذلك عبد الملك للشعبي: فقال: هذا لأنه رآني ولم ير أمير المؤمنين!!
فقال عبد الملك: إنما حسدني عليك، وأراد أن يغريني بقتلك.

•الدعابة وحب الطرفة:
كانت فيه دعابة مشهورة، وله طرائف يتداولها أهل الأدب، وربّما زيد عليها ما لا يصح عنه.

-أقوال العلماء فيه:
•قال مكحول: (ما رأيت أفقه منه).
•وقال سفيان بن عيينة: (كان في الناس ثلاثة بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه). رواه الخطيب البغدادي.
•وقال أبو أسامة الحافظ: كان عمر بن الخطاب في زمانه رأس الناس وهو جامع، وكان بعده ابن عباس في زمانه، وكان بعد ابن عباس في زمانه الشعبي، وكان بعد الشعبي في زمانه سفيان الثوري). رواه الخطيب البغدادي
•وقال محمد بن سيرين لأبي بكر الهذلي: (يا أبا بكر إذا دخلت الكوفة فاستكثر من حديث الشعبي، فإن كان ليسأل، وإن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأحياء).

-روى عن:
150 من الصحابة: قال ابن حبان: (روى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
منهم: ابن عباس وأبو موسى الأشعري، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وعدي بن حاتم، وأبو جحيفة السوائي، وجابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، والنعمان بن بشير، وفاطمة بنت قيس، وغيرهم.
وروى عن جماعة من التابعين منهم: الربيع بن خثيم، ومسروق، وشريح القاضي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعلقمة، وعكرمة، وغيرهم.

-روى عنه في التفسير:
إسماعيل بن أبي خالد، وحصين بن عبد الرحمن، ومطرّف بن طريف، وأبو إسحاق الشيباني، ومنصور بن المعتمر، والأعمش، وزكريا بن أبي زائدة، وداوود بن أبي هند، ومغيرة بن مقسم، وعاصم الأحول، وزبيد اليامي، وعطاء بن السائب، وأشعث بن سوار، ومجالد بن سعيد، وجماعة.

-مما روي عنه في التفسير:
أ: قال هشيم :أخبرنا زكريا، عن الشعبي قال:({الجبت}: السحر، و{الطاغوت}: الشيطان). رواه ابن جرير.
ب: شعبة، عن المغيرة، عن الشعبي: {غير أولي الإربة} قال: الذي لا أرب له في النساء). رواه ابن جرير.

-وفاته:
مات فجأة سنة 104هـ.

-من الفوائد التي استفدتها من دراستي لسيرته:
•أنه كان على كثرة علمه وجودة فهمه؛ لا يجد غضاضة من أن يقول لا أدري، إذا سُئل عما لا يعلم، وكان يكره مسائل أهل الرأي.
قال الصلت بن بهرام: (ما رأيت رجلا بلغ مبلغ الشعبي أكثر قول "لا أدري" منه).رواه ابن سعد. وهذا الأمر من أكثر الأمور التي يحتاجها طالب العلم ويحتاج للتذكير بها.
•حبه للدعابة والذي يؤكد عدم تنميط صورة العالم في صورة واحدة، فالفقيه قد يكون محبا للمزاح، وهذا مما لا ينقص من قدره ما دام لا يتخطى المحذور.
•حسن منطقه ولباقته في حديثه مع ولي أمره عبدالملك بن مروان في موقف بعثه للروم، مما يدل على أن العالم أولى باللباقة وحسن الحديث من غيره، وليس بالفظاظة كما يتصور البعض.
•إن فاتتك الصحبة لرسول الله، فلا تفتك صحبة أحاديثه، وإن فاتتك صحبة أصحابه، فلا يفتك صحبة سيرهم وأقوالهم، وهذا ما امتاز به الشعبي حينما مدح بأنه كان جامعا لأقوالهم، حتى أصبح رأسا من رؤوس العلم في مجاله، بل حتى صار يسأل في مجلس فيه أصحاب رسول الله.
•طلب العلم لا ينال براحة الجسد، فقد طاف الشعبي البلدان، وصحب العلماء حتى نال ما نال من العلم.

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 1 محرم 1441هـ/31-08-2019م, 11:42 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي



*** أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي: (ت:102هـ)


الاسم والنسب
:
هو: مُجاهِد بن جَبْرٍ،مولى قيس بن السائب المخزومي،الإمام، شيخ القراء والمفسرين.
كنيته:
أبو الحجاج.
ولادته:
ولد مُجاهِد بن جَبْرٍ بمكة المكرمة في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة إحدى وعشرين (تهذيب الكمال).
مجاهد طالب علم .

حرص رحمه الله على تحصيل العلم....فجلس عند الشيوخ لتعلم والتحصيل وأكثر منهم ... و كانت له همة عالية في الطلب مشمرا مقبلا على الطلب بكليته لا يعرف الفتور ولا الكسل حتى وصف كأنّه رجل أضلّ دابّته فهو يطلبها..ولم تتوقف همته في الطلب و التحصيل بل صاحبته وقت تعليمه وتبليغه للناس؛ فقد اجتهد في ذلك كثيرا وحرص على نشر علم التفسير .فنشره نشرا لم يبلغه غيره من التابعين .

.ومما ساعد في هذا الأمر أنه رحمه الله امتداد عمره وكثرة تنقله.

فقط امتد عمره رحمه الله ليشمل حكم جل الخلفاء الراشدين الأربعة، وبني أمية إلى عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه، واستوطن بين مكة المكرمة والكوفة، وهو الأمر الذي هيأ له الأخذ عن جمع كبير من الصحابة الكرام، وأن يأخذ عنه جمع من التابعين وتابعيهم، من أئمة الأمصار الذين انتشروا في البلاد فيما بعد.

ملازمته لابن عباس:

كان لمجاهد شيوخ كثر .غير أنه خص حبر الأمة عبد الله ابن عباس بصحبة خاصة فلازمه وأكثر الأخذ عنه....فأخذ عن القرآن و التفسير و الفقه.

-محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد قال: (لقد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم أنزلت، وفيم كانت؟).رواه الدارمي وابن جرير.
-
وقال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول له ابن عباسٍ: اكتب، قال: حتى سأله عن التفسير كله).رواه ابن جرير.


مجاهد عالم مفسر فقيه.

كان لمجاهد عناية خاصة بعلم القران.. فاستفرغ وسعه وجهده في طلبه..
-بقية عن حبيب بن صالح قال: سمعت مجاهدا يقول: (استفرغ علمي القرآن). ذكره الذهبي.

إلا أن علم القرآن عند الصحابة التابعين كان شاملاً لتفسيره وأحكامه وآدابه، فكان له تفسير كثير لآيات الأحكام؛. فجمع بين علم القراءات فكان شيخ القراء ؛ وعلم التفسير والفقه والحديث....فكان إمام فقيه ثقة ؛ بل كان من أهل الفتوى في زمانه.
- يحيى بن سعيدٍ القطان: كان مُجاهِد فقيهًا عالمًا ثقةً، كثير الحديث. رواه ابن سعد.
ثم رحمه الله اجتهد كثيرا في نشر العلم ؛ حتى بلغ علمه الآفاق.
مجاهد عابد ورع :

كان مجاهد رحمه الله تعالى يجتهد في العبادة ويسارع فيها ويحرص على أدائها على الوجه الذي يرضى الله تعالى ؛..قال إسماعيل بن عبد الملك: حدثني يونس بن خباب عن مجاهد قال:كنت أقود مولاي السائب وهو أعمى فيقول: يا مجاهد دلكت الشمس؟ فإذا قلت نعم قام فصلى الظهر). رواه ابن سعد.
كما أنه رحمه الله كان ورعا مخلصا لله تعالى لا يحب الشهرة بل ينبذها ويحذر منها ..ويبتعد عن كل ما يفسد عمله من رياء أو سمعة
-قال منصور عن مجاهد قال لا تنوهوا بي في الخلق.

-روى الأجلح عن مجاهد أنه قال: (طلبنا هذا العلم وما لنا فيه نية، ثم رزق الله النية بعد).

شيوخ مجاهد:
روى عن ابن عباس فأكثر، وروى عن عائشة وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وعبيد بن عمير ، وعبد الرحمن بن أبي ليلي، وأبي معمر الأزدي، وطاووس، وغيرهم.

تلاميذ مجاهد:
روى عنه خلق كثير منهم:ابن أبي نجيح، ومنصور بن المعتمر، والأعمش، وعمرو بن دينار، والحكم بن عتيبة، وأبو بشر اليشكري، وأيوب السختياني، وابن عون، وليث بن أبي سليم، وجماعة.

أقوال العلماء في تفسير مُجاهِد .:
-لقد أثنى ثلة من أهل العلم على تفسير مجاهد ثناء عطرا حتى عد التفسير الذي لا يطلب بعده تفسر آخر ...
-فضيل بن مرزوق عن عبيدٍ المكتب، قال: «رأيتهم يكتبون التفسير عند مجاهدٍ»رواه الدارمي.
-قال أبو بكر الحنفي: سمعت سفيان الثوري يقول: (إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به).رواه ابن جرير.
- خصيفٌ: ( كان مُجاهِد أعلم بالتفسير، وعطاء بالحج). (طبقات الحفاظ للسيوطي )
- قال الحافظ ابن كثير: “أحد أئمة التابعين والمفسرين، كان من أخصاء أصحاب ابن عباس، وكان أعلم أهل زمانه بالتفسير حتى قيل: إنه لم يكن أحد يريد بالعلم وجه الله إلا مجاهد

-و اشتهر هذا التفسير بما نقله عنه أئمة الحديث والتفسير منذ عهد البخاري إلى عهد المفسر الطبري
.-.و اعتمد على تفسير مجاهد كلا من الإمام الشافعي و الإمام البخاري ..فقد أكثر البخاري من نقل أقوال تفسير مجاهد في كتاب التفسير من الجامع الصحيح؛ وهذه أكبر شهادة من البخاري على ثقته وعدالته، واعتراف منه بمبلغ فهمه لكتاب الله تعالى...
و كان لبخاري في نقله لتفسير مجاهد مناهج مختلفة ..: فربما ذكر الإسناد إليه، وربما علّق التفسير عن مجاهد، وربما ذكر قوله دون نسبة.
قيمة تفسير مجاهد العلمية.
ترجع قيمة تفسير مجاهد ومكانته العلمية إلى أمور:
- أنه تفسير تابعي ..والتابعون أفضل هذه الأمة وأعلمهم بعد الصحابة بكتاب الله .لأجل تقدمهم وكونهم أقرب عهدا إلى نزول الوحي وأصفى ذهنا لفهم معانيه. ..ولم يدخل بعد اللحن ولا العجمة على لسانهم ؛ولقلت البدع والخلاف في زمانهم
- أخذ تفسيره عن الصحابة ؛ والصحابة أعلم الناس بالقران لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم ولما شهدوا من أحوال تنزيل القران ..وغير ذلك
- أكثر من الرواية عن ابن عباس .وابن عباس هو من هو ... كان أعلم الصحابة في زمانه بكتاب لله فقد أصابته دعوة النبي صلى الله عليه و سلم" فقه في الدين وعلمه التأويل".
-ندرة الإسرائيليات في تفسيره إلا الشيء اليسير...وقد روى عن تبيع بن عامر الحميري ابن امرأة كعب الأحبار؛ فربما وافق تفسيره التفسير المروي عن كعب الأحبار؛ فيعلّ بذلك.
قبس من كلام مُجاهِد في التفسير :
أ:ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال ابن عباس: «أمره أن يسبح، في أدبار الصلوات كلها»، يعني قوله: {وأدبار السجود}رواه البخاري.
ب:شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، في قوله: {وما تغيض الأرحام وما تزداد}قال:ما ترى من الدم، وما تزداد على تسعة أشهر). رواه ابن جرير.
ج: ابن عيينة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد , ألا تراه يقول: افعل وافعل , ويقول: {واسجد واقترب}). رواه ابن جرير.

كتاب تفسير مجاهد
مما يجب التنبيه عليه:
أولا ::. ثبت أن بعض تلاميذ مجاهد كانوا يكتبون عنه التفسير .
- قال عبيدٌ المكتب: «رأيتهم يكتبون التفسير عند مجاهدٍ»رواه الدارمي.
وذكر ابن حبّان أنّ القاسم بن أبي بزّة سمع التفسير من مجاهد.
ومن المعلوم أن تفاوت الطلاب في الإقبال على العلم وعنايتهم في التفسير والفهم والحفظ والتدوين منسحب على الكتابة والضبط.فلا بدّ أن يزيد بعضهم على بعض، ويكون بعضهم أكثر كتابة أو أحسن ضبطاً من بعض.خاصة إذا لم يُجمعوا على نسخة واحدة
ثانيا:: لم يكن تدوين التفسير في زمن الصحابة و التابعين شامل لكل آي القران. ..وأيضا لم يكن تفسيرهم للآية من التفسير الطويل .بل كان كلامهم قليلا .
ثالثا: لم تُحمل عن مجاهد نسخةفي التفسير تامّة؛ بل كان لأصحابه الذين يكتبون صحائفهم ونُسَخهم، وتلك النسخ متعددة، وفي أصحابه ثقات وضعفاء.
رابعا:
أما ما طبع باسم "تفسير مجاهد " أصله صحيفة قديمة في التفسير رويت عن مجاهد ؛وعرفت باسم "تفسير مجاهد"، وقد طبعت هذه الصحيفة في كتاب نشره: عبد الرحمن الطاهر السورتي عن طريق مجمع البحوث الإسلامية في باكستان، ونشره أيضاً محمد عبد السلام أبو النيل عن طريق دار الفكر الإسلامي.
وهذا التفسير يرويه عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني (ت:356هـ) وهو مضعف، عن الحافظ إبراهيم بن الحسين ابن ديزيل (ت: 281هـ) عن آدم بن أبي إياس العسقلاني (ت:221هـ)، وهذه الصحيفة كانت لدى ابن ديزيل، ولم يروها؛ فوجدها عبد الرحمن بن الحسن وحدّث بها، وفيها آثار يرويها آدم بن أبي إياس عن غير مجاهد كأبي هريرة وأنس والحسن البصري وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة، لكن أكثر ما روى فيها عن مجاهد، ولذلك كان بعض أهل العلم يسمّيها تفسير آدم بن أبي إياس، وهي رواية بالوجادة لا يحتجّ بها، لكن يُستفاد منها في المتابعات والشواهد؛ لأن منها ما هو موافق لما في كتب التفسير المشهورة من الطرق المروية بها.
وقد نقل الذهبي في السير عن صالح بن أحمد الحافظ؛ تضعيف عبد الرحمان الهمذاني أثناء ترجمته

طبقات رواة التفسير عن مجاهد:
الطبقة الأولى: من سمع منه التفسير
طبقة أصحابه الذين سمعوا منه في التفسير، وربما سألوه فأجابهم؛ ثمّ رووا عنه مسائله وما سمعوه منه في التفسير، ومن هؤلاء: عمرو بن دينار، ومنصور بن المعتمر، والقاسم بن أبي بزة، والحكم بن عتيبة، وعبد الله بن كثير، وابن أبي نجيح، وعبيد المكتب، وإسحاق بن يحيى بن طلحة، وعبدة بن أبي لبابة، والعوام بن حوشب، وعثمان بن الأسود، وأبان بن صالح بن عمير، وعمر بن ذر، وخصيف، وغيرهم كثير.
ومن هؤلاء من كان يكتب عنه؛ وقد قال عبيدٌ المكتب: «رأيتهم يكتبون التفسير عند مجاهدٍ»رواه الدارمي.

-الطبقة الثانية: الذين سمعوا منه شيئاً يسيراً؛ وهم علىصنفين:
صنف مقلّ من الرواية عنه، ومنهم: يونس بن أبي إسحاق، وأبو بشر اليشكري، والأعمش؛ وهذا الأخير لم يسمع عنه إلا أربعة أحاديث كما قال البخاري في العلل ذكر ذلك الترمذي
-صنف مكثر: ومنهم ابن جريج، لم يسمع منه إلا شيئاً سيراً، وأكثر روايته عنه عن طريق أصحابه ابن أبي نجيح وغيره، ويرسل عنه كثيراً.

والطبقة الثالثة : من عاصره ولم يسمع عنه
الذين أرسلوا عنه وقد كان يمكنهم السماع منه؛ لكن روايتهم عنه منقطعة، ومن هؤلاء: قتادة، وسعيد بن أبي عروبة.
-الطبقة الرابعة : من لم يدركه
هؤلاء لم يدركوا مجاهدلكنّهم وجدوا كتباً عنه لبعض أصحابه فرووا بعض ما فيها، أو سمعوا من بعض أصحابه ثم أرسلوا عنه، ومنهم: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وعلي بن أبي طلحة، ومعمر بن راشد، وزهير بن محمد التميمي، ومقاتل بن سليمان.
وهؤلاء يرسلون عن مجاهد، ومنهم من يسمّي الواسطة أحيانا؛ فإذا سمّيت الواسطة انتفت علة الانقطاع.

الطبقة الخامسة:الضعفاء
طبقة الضعفاء من أصحاب مجاهد، ومنهم: ليث بن أبي سليم، وأبي سعد روح بن جناج المدني، وثوير بن أبي فاختة، وجابر بن يزيد الجعفي، ويزيد بن أبي زيادالكوفي، والمثنّى بن الصباح اليماني، وغالب بن عبيد الله الجزري.
أما أبو سعد المدني فيروي عنه عبد العزيز بن أبان القرشي، وهو متّهم بالكذب؛ فنسخةعبدالعزيز بن أبان عن أبي سعد المدني عن مجاهد نسخة واهيةالإسناد، وقد أخرج ابن جرير من هذا الطريق جملة من المروياتانتقاها.
وأما الباقون فيروي عنهم ثقات وضعفاء، ورواية الثقات عنهم كشعبة بن الحجاج ومنصور بن المعتمر أمثل من غيرها، ويخرج لهم أصحاب التفاسير المسندة كعبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتموغيرهم.
ورواية أمثال هؤلاءالضعفاءفي التفسير إذا كانت من غير طريق المتهمين بالكذب وكان الإسناد متصلاً؛ فإنّها تعتبر في التفسير؛ فإن كان المتن غير منكرتساهل المفسّرون في قبولها، وأما إنكان المتن منكراً أو مخالفاً لما صحّ عنمجاهد فتردّ.
وفاة مجاهد:
توفي مُجاهِد بن جَبْرٍ بمكة وهو ساجدٌ.
قال الفضل بن دكين: (توفي مجاهد سنة اثنتين ومائة وهو ساجد).
وفي سنة وفاته قيل:
سنة ثلاث ومئة؛ وقيل سنة أربعٍ ومئةٍ..وأكثر المؤرخين على الأول .والله أعلم..
وقد تجاوز الثمانين من عمره رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء
-الفوائد المستفادة من دراسة سيرة مجاهد –رحمه الله تعالى –
جملة من الفوائد تعلقت بطلب العلم وآدابه استفدتها من سيرة مجاهد رحمه الله
-أول ما يهتم به طالب العلم علم القران
-لا يكتفي في تعلمه القران تعلم حروفه ومبانيه بل لا بد أن يضاف إلى ذلك تعلم تفسيره وأحكامه و شرائعه وآدابه
- يجب أن يقترن مع تعلمه العمل ؛ وإخلاص العبادة لله بل المسارعة في امتثال الأمر واجتناب النهي ؛ ويكون ذلك ظاهر بحسن السمت والخلق
- يحذر طالب العلم مما يهبط أجر تعلمه ؛ كالشهرة والرياء و التسميع ويجاهد نفسه على الإخلاص وابتغاء ما عند الله.
-يحرص الطالب على تخير أفضل الشيوخ ؛و يطيل ملازمته وصحبته
- يحرص الطالب أن يعدد من الشيوخ ويختار من ذلك أفضلهم وأضبطهم وأتقنهم .
- تفهم معاني القران مثله مثل تعلم المباني و الحفظ يحتاج إلى تكرار عدة ختمات على الشيخ حتى تثبت تلك المعاني.
- الهمة في طلب العلم والاجتهاد فيه ..ونبذ الفتور والركون إلى الراحة .
-همة طالب العلم لا تتوقف مع الطلب بل تلازمه وتصاحبه في الدعوة والتعليم نشر العلم
-أفضل ما يعتنى به في تعليم الناس علم القران
ومن الفوائد في غير ذلك:
التعرف عن الرواة عن مجاهد..وتبين من سمع منه ممن لم يسمع منه
-تسهل علينا دراسة أسانيد التفسير
- تبين لي أصل كتاب المطبوع باسم "تفسير مجاهد" ؛ و مدى صحة نسبة لمجاهد.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 2 محرم 1441هـ/1-09-2019م, 02:15 AM
مها شتا مها شتا غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 655
افتراضي

رسالة تعريفية مختصرة عن علم من أعلام المفسرين من التابعين
أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان الحميري اليماني (ت:106هـ)
إن الحمدلله نحمده ونستعين به ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئاتأعمالنا ،من يهدِ الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدأن محمد عبده ورسوله صل الله عليه وسلم ،اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما تنفعنا به،اللهم ارزقنا الأخلاص في القول والعمل والنية
ثم ما بعد.....
عن عبد الله ابن مسعود قال رسول الله صل الله عليه وسلم :"خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" متفق عليه
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:
" الصحيح أن قرنه صلى الله عليه وسلم : الصحابة ، والثاني : التابعون ، والثالث : تابعوهم " انتهى من "شرح النووي على مسلم.(85/16)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري:
"قوله(ثم الذين يلونهم ) أي القرن الذي بعدهم ، وهم التابعون ،(ثم الذين يلونهم ) وهم أتباع التابعين" انتهى من "فتح الباري"(6/7)
والتابعون هم الذين جاءوا بعد عصر النبوة ،فهم لم يلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وإنما صحبوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،إذا كل من لقي الصحابة ومات مسلماً فهو تابعي،وبعضهم أفضل من بعض.
والتابعون مثل : سعيد بن المسيب والحسن البصري ومجاهد بن جبر وسعيد بن الجبير وعكرمة مولى ابن عباس وطاووس.
وأما أتباع التابعين هم الذين لم يلقوا أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، وإنما رأوا التابعين ،وصحبوهم.
وأتباع التابعين مثل الثوري ومالك وربيعة وابن هرمز والأوزعي.
وإن من أهم مايجب أن يحرص عليه طالب أي علم من العلوم أن يعرف تاريخ هذا العلم وأعلامه الذين أفنوا أعمارهم في خدمته ليكونوا له أسوة حسنه في هذا الطريق ،ومن أعلام علم التفسير من كبار التابعين
أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان الحميري اليماني (ت:106هـ)
● اسمه ونسبه
اسمه: ذكوان.
لقبه: طاووس ، وإنما لقب به لأنه كان طاووس القراء والمشهور أنه اسمه.
كنيته:أبو عبد الرحمن
نسبه: أمه من أبناء فارس، وأبوه كيسان من النمر بن قاسط مولى بحير الحميري ، والنمر بن قاسط من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
تابعي جليل عده أصحاب الطبقات من الطبقة الأولى من التابعين من أهل اليمن،ومحدث.
● مولده ونشأته
ولد في اليمن بعد عام الفتح ،
قال الذهبي ):كان من أبناء الفرس الذين سيرهم كسرى إلى اليمن ،من موالي بحير بن ريسان الحميري،وقيل :من مولى لهمدان).
● شيوخه
من أفضل تلاميذ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
روى عن زيد بن ثابت و عائشة بنت أبي بكر و أبي هريرة و زيد بن أرقم و ابن عباس و ابن عمر و ابن عمرو،وأبي موسي الأشعري وغيرهم. فقد أدرك خمسين من الصحابة.
وأرسل عن عمر وعلي ومعاذ.
● تلاميذه
روى عنه سليمان التيمي و الضحاك و عبد الله بن طاووس ابنه، و ابن جريج و عمرو بن دينار و مجاهد و الزهري و مكحول الشامي و قيس بن سعد، وغيرهم كثير.
● أقوال العلماء فيه
*روى عطاء عن ابن عباس قال: إني لأظن طاووسًا من أهل الجنة.
*قال قيس بن سعد: هو فينا مثل ابن سيرين في أهل البصرة.
*قال الزهري: لو رأيت طاووسًا علمتَ أنه لا يكذب.
*قال عمرو بن دينار: حدثنا طاووس ولا تحسبنَّ فينا أحدًا أصدق لهجة من طاووس. وقال: ما رأيت قط مثل طاووس.
*قال ابن معين وأبو زرعة: طاووس ثقة.
*قال ابن حبان: كان من عُبّاد أهل اليمن ومن سادات التابعين مستجاب الدعوة، حج أربعين حجة.
*قال أبو نعيم: ومنهم المتفقه اليقظان، والمتعبد المحسان؛ أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان.
*قال الذهبي: الفقيه القدوة عالم اليمن الحافظ.
*وقال: كان رأسًا في العلم والعمل. وقال: كان شيخ أهل اليمن وبركتهم ومفتيهم، له جلالة عظيمة، وكان كثير الحج.
*قال النووي: وهو من كبار التابعين والعلماء والفضلاء الصالحين، ثم قال: واتفقوا على جلالته وفضيلته ووفور علمه وصلاحه وحفظه وتثبته.
*قال ابن حجر: ثقة فقيه فاضل.
● طلبه للعلم
تأثر طاووس بمنهج ابن عباس الذي كان يُدني طاووس منه، حتى عُدّ طاووس في خواص أصحاب ابن عباس، فأكثر طاووس من رواية الحديث وفي التفسير عنه، حتى عد أكثر تلامذة ابن عباس حفظًا للمأثور عنه. وقد نقل عنه الكثيرون، إلا أن أصح الأسانيد إلى طاووس هي ما كان من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن عباس.
وكان من الأئمة الحفّاظ المتثبّتين الذين اتُّفق على إمامتهم وجلالة قدرهم في التفسير والحديث والفقة.
- قال عنه سفيان بن عيينة: قلت لعبيد الله بن أبي يزيد، مع من كنت تدخل على ابن عباس؟ قال: مع عطاء والعامة، وكان طاووس يدخل مع الخاصة). رواه الإمام أحمد في العلل وأبو نعيم في الحلية.
- وقال حبيب بن أبي ثابت: قال لي طاووس: (إذا حدثتك الحديث فأثبتّه لك فلا تسألنَّ عنه أحدا). رواه ابن سعد وأحمد في العلل 0، وأبو نعيم في الحلية.
- وروى سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري قال: (حدثني طاووس ولو رأيت طاووسا علمت أنه لا يكذب). رواه الإمام أحمد في العلل، وابن أبي خيثمة في تاريخه، وأبو نعيم في الحلية.
● نبذة من أخباره
هو من كبار التابعين والعلماء والفضلاء الصالحين العباد الزهاد ،كثير الذكر والعبادة،زاهد في ما في أيدي الناس ،مقبلاً علي شأنه
● آثاره
*قال طاووس: تعلّم لنفسك فإن الناس قد ذهبت منهم الأمانة.
*قال يوما: ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه حتى أنينه في مرضه.
*وقال: البخل أن يبخل الرجل بما في يديه، والشح أن يحب أن يكون له ما في أيدي الناس.
*وصيته لابنه عبد الله، قال: (يا بني صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم، واعلم أن لكل شيء غاية، وغاية المرء حسن خلقه). رواه أبو نعيم في الحلية.
* قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس قال: «من تكن الدنيا هي نيته وأكبر همه يجعل الله فقره بين عينيه، وتفشَّى عليه ضيعته، ومن تكن الآخرة هي نيته وأكبر همه يجعل الله غناه في نفسه، ويجمع عليه ضيعته» رواه ابن المبارك في الزهد.
* وقال ابن جريج: قال لي عطاء: قال لي طاووس بن كيسان: ( يا عطاء ! إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه و جعل عليها حجابه، وعليك بمن بابه لك مفتوح إلى يوم القيامة أمرك أن تسأله، ووعدك أن يجيبك). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
● نماذج من تفسيره
1.قال عبد الملك بن ميسرة: سمعت طاوسا، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سئل عن قوله: {إلا المودة في القربى}؛ فقال سعيد بن جبير: "قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم"؛ فقال ابن عباس: عجلتَ إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: «إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة» رواه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير.
2. وقال معمر بن راشد: أخبرنا عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لم أر شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه» رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داوود وابن جرير.
3. وروى معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} قال: (هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح، ثم يتعلل بيمينه، يقول الله: {أن تبروا وتتقوا} خير من أن تمضي على ما لا يصلح). رواه عبد الرزاق وابن جرير
4. وروى ابن جريج، عن طاووس، في قول الله جل وعز: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: (اليسير من كل شيء). رواه ابن جرير.
● وفاته
مات طاووس بمكة في المزدلفة قبل يوم التروية بيوم،سنه ست ومائه وكان هشام بن عبد الملك قد حج تلك السنة وهو خليفة ، فصلى على طاووس عن عمر يناهزالبضع وتسعون سنة.
ما يستفاد من سيرة هذاالتابعي المفسر العظيم:
الفوائد من دراسة سيرة هذا التابعي الجليل كثيرة جداً ومنها:
1-فضل المعلم علي المتعلمين وكلما صلح المعلم وأخلص واتقى ،صلح الطالب وأخلص واتقى ،فالمعلم بمنزلة الأب الروحي للطالب ،فخير القرون قرن الرسول صل الله عليه وسلم الذين هم الصحابة وهم خير المعلمين الأتقياء الأنقياء الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ،الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ،فما بالك بالذي صاحب حبر الأمة وترجمان القرآن و خمسين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2-فطنة المعلم إذا وجد طالب نجيب أهتم به وقربه منه وخصه بمزيد من العناية به وتوسم فيه الخير والنفع للمسلمين ،فقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يدخل طاووس عليه خاصة .
3-حرص الطالب على طلب العلم وتفرغه له فهو جهاد في سبيل الله،فقد كان طاووس منقطع لابن عباس رضي الله عنه.
4-إن مما يجب أن يتحلى به طالب لعلم ويتميزبه كثره لعبادة والذكر فإن الله يفتح بها مغاليق القلوب في فهم مسائل العلم.
5-إخلاص النية في تعلم العلم وتعليمه والصدق في طلبه.
6-من أسباب رفعة العبد عند الله وعند الناس الزهد في الدنيا ،و الزهد فيما في أيدي الناس والعفه عنه.
7- كلما تحلي طالب العلم بالتواضع ازداد رفعه عند الله فرفع ذكره عند الناس.
8-فضيلة قيام الليل وقت السحر وإنه دأب الصالحين وأنه شرف المؤمن وعزه، وحرص طالب العلم عليه حتى في شدة مرضه.
9- الجزاء من جنس العمل ،ومن عاش على شئ مات عليه،فقد عاش الإمام طاووس طوال حياته في طلب العلم وخدمة كتابه فكان الجزاء من جنس فمات على حسن خاتمة في الحج .
10- التعلق بالله وحده في طلب الحاجات الدنيوية والدينية ، وهذا من أسباب إعانه الله للعبد ،فهو أمرك أن تسأله ووعدك بالإجابة.
11- فضيلة الصحبة ،فإن الصاحب ساحب.
12- أن الله تعالى قيد لهذا الدين من يحفظه من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين،وهذا من حفظ الله لهذا الدين ،والله غالب على أمره ،كما قال تعالى :{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}الحجر.
13- وجوب التأسي بهؤلاء الأعلام في حرصهم على طلب العلم والصبر عليه وزهدهم وورعهم وعبادتهم وذكرهم الله.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 2 محرم 1441هـ/1-09-2019م, 08:22 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 716
افتراضي

عطاء بن رباح المكي اسمٌ على مسمى بذل عمره كله بالعطاء ونفع المسلمين لم تمنعه عبوديته من ذلك ،قال البخاري: (عطاء بْن أَبِي رباح أَبُو محمد مولى آل أبي خثيم القرشى الفهري الْمَكِّيّ واسم أَبِي رباح أسلم). كما لم تمنعه إعاقته من السعي في طريق العلا والمجد ،قال يحيى بن أبي بكير: حدثنا أيوب بن ثابت قال: (رأيت عطاء وكان أشلَّ أفزر).
حتى أصبح مفتي البيت الحرام ،قال عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان: أخبرني أبي قال: (أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحاجّ صائحاً يصيح: ألا لا يُفْتِ الناسَ إلا عطاء، فإن لم يكن عطاء فابن أبي نجيح). رواه البخاري
وكان مولده في خير القرون قال أبو حفص الباهلي، عن عمر بن قيس، قال: سألت عطاء متى ولدت؟
قال: (لعامين خلوا من خلافة عثمان). رواه ابن أبي خيثمة وابن عساكر. كماذكر الشيخ عبد العزيز
الداخل
وقال مطرف، عن خالد بن أبي ثور، عن عطاء بن أبي رباح: (أدركت مئتي نفس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا المسجد، إذا قال الإمام، {ولا الضالين} سمعت لهم رجة آمين). رواه البخاري في التاريخ الكبير.

حدّث عن كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،قال سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: هل رأيت أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلموا قبَّلوا أيديهم؟
فقال: نعم، رأيت جابر بن عبد الله، وابن عمر، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم.
قلت: وابن عباس؟
قال: نعم - حسبت كثيرا-.
قلت: هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يديك؟
قال: فَلِمَ أستلمه إذا؟!!). رواه الشافعي في الأمّ، وابن عساكر في تاريخه.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا عسل بن سفيان. عن عطاء بن أبي رباح. قال: صليت مع ابن الزبير المغرب فسلم في ركعتين، ثم قام إلى الركن ليمسحه فسبح القوم؛ فرجع فصلى بهم الركعة، ثم سلَّم، ثم سجد سجدتين؛ فأتيت ابن عباس من فوري فأخبرته؛ فقال: (لله أبوك ! فكيف صنع؟)
فأخبرته؛ فقال: (ما ماطَ عن سنة نبيه). رواه ابن سعد في الطبقات.
- وقال علي بن المديني: (عطاء بن أبي رباح لقي عبد الله بن عمر ورأى أبا سعيد الخدري رآه يطوف بالبيت ولم يسمع منه وجابرا وابن عباس ورأى عبد الله بن عمرو، ولم يسمع من زيد بن خالد الجهني ولا من أم سلمة ولا من أم هانيء، وسمع من عبد الله بن الزبير وابن عمر، ولم يسمع من أم كرز شيئا، وروى عن أم حبيبة بنت ميسرة عن أم كرز، وسمع من عائشة وجابر بن عبد الله).
قال البخاري: (سمع أبا هريرة، وابن عباس، وأبا سعيد، وجابر، وابن عمر، رضي الله عنهم).
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: (رأى عقيل بن أبى طالب، وروى عن أبي هريرة، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، ورافع بن خديج، وجابر بن عمير، وعائشة، ومعاوية بن أبى سفيان).
وقال هشيم: أخبرنا حجاج وابن أبي ليلى، عن عطاء، قال: (كنا نكون عند جابر بن عبد الله فيحدثنا، فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه). رواه ابن أبي خيثمة.

كما أكثر الثقات بالرواية عنه مثل:ابن جريج، وابن أبي نجيح، وقيس بن سعد المكي، وعمرو بن دينار، وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي الفزاري،
والثقات المقلون مثل:قتادة بن دعامة السدوسي، وأيوب بن موسى الأموي القرشي، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية اليشكري، وأبو عمرو الأوزاعي، وأبو إسحاق السبيعي، وسليمان بن مهران الأعمش، وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج، ومنصور بن زاذان، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي المكي، وحبيب بن أبي مرزوق الرقي، والعلاء بن المسيب الأسدي، وهارون بن عنترة الشيباني، وإبراهيم الصائغ، والفضل بن عطية المروزي، ومالك بن مغول البجلي، وأبو سنان الشيباني الأكبر وهو ضرار بن مرة الكوفي تمييزاً له عن أبي سنان الشيباني الأصغر سعيد بن سنان البرجمي أحد الرواة عن الضحاك وهو مختلف فيه.

بذل عمره في طلب رضا ربه ،قال أبو حفص الفلاس: (من مولَّدي الجَنَد، ونشأ بمكة، وعلَّم الكتاب بها).

فاتخذ المسجد النبوي مكاناً له ليتفرغ من أعباء الدنيا وفتنها لطلب العلم، قال محمود بن غيلان: أخبرنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: (اختلفت إلى عطاء ثمان عشرة سنة، وكان يبيت في المسجد عشرين سنة). رواه ابن عساكر.

ومما ساعده على الوصول ما تمثل به من صفات مثل :كثرة الذكر وكثرة الصمت إلا بما فيه نفع في الدنيا والآخرة ،حدثنا عبد الله بن المؤمل عن عطاء (أنه كان يعلّم الكتاب).كماذكر الشيخ عبد العزيز الداخل - قال معن بن عيسى: قال يحيى بن سليم: حدثنا محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان [الديباج]، قال: (ما رأيت مفتيا خيرا من عطاء بن أبي رباح إنما كان مجلسه ذكر الله لا يفتر وهم يخوضون، فإن تكلم أو سئل عن شيء أجاب وأحسن الجواب). رواه ابن أبي خيثمة وابن عساكر.
وأيضاً امتلاء قلبه زهداً وورعاً وتقاً،قال الهيثم بن عدي: أخبرنا يعقوب بن عطاء قال: كان عطاء يوما متكئا على وسادة فأخرج إحدى عينيه؛ فقال ناولني ذاك الشئ.
قال قلت: هو ذا بين يديك.
فقال: ما أراه.
فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون ! أما تراه إلى جنبك.
قال: (أيْ بُني! وما تعجب من هذا؟! والله لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما علم بها أحد!). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال أبو خيثمة عن عبد العزيز بن رفيع قال: سئل عطاء عن شئ قال: لا أدري، قال فقيل له: ألا تقول فيها برأيك؟!
قال: (إني أستحيي من الله أن يدان في الأرض برأيي). رواه ابن عساكر آخر؟ وغيرها من الصفات مما أدى به إلى أن يسود قومه وقد شهد بذلك كثير من علماء عصره ،قال قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان عن أسلم المنقري عن أبي جعفر قال: (ما بقي أحد أعلم بالحج من عطاء). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.
- وقال أبو سعيد الأشج: حدثنا محبوب بن محرز القواريرى عن حبيب بن جري قال: قال لنا أبو جعفر - يعنى محمد بن علي بن حسين -: (خذوا من حديث عطاء ما استطعتم). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال أبو يحيى الحمّاني: أخبرنا أبو عاصم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر يقول للناس وقد أكثروا عليه: (عليكم بعطاء هو والله خير لكم مني). رواه ابن عساكر. وقال سلام بن مسكين: سمعت قتادة يقول: (أعلم الناس بالحلال والحرام الحسن، وأعلمهم بالمناسك عطاء بن أبي رباح، وأعلمهم بالتفسير عكرمة). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.
- وقال موسى بن إسماعيل: سمعت يزيد بن زريع يقول عن ابن أبي عروبة - قال محمد بن سعد: أحسبه عن قتادة- قال: (إذا اجتمع إلي أربعة لم ألتفت إلى غيرهم ولم أبال من خالفهم الحسن وسعيد بن المسيب وإبراهيم وعطاء قال هؤلاء أئمة الأمصار). رواه ابن سعد وابن عساكر.

لم تنطبق عليه مقاييس الجمال الماديقال ضمرة بن ربيعة، عن عثمان بن عطاء الخراساني، قال: (كان عطاء بن أبي رباح أسود شديد السواد، ليس في رأسه شعر إلا شعرات في مقدم رأسه، فصيح إذا تكلم، فما قال بالحجاز قبل منه). رواه ابن أبي خيثمة وابن عساكر .وقال محمد بن سعد: (سمعت بعض أهل العلم يقول: كان عطاء أسود أعور أفطس أشل أعرج ثم عمي بعد ذلك) .
لكن عوضه الله بأعلى مقاييس جمال الروح والقلب والنفس - قال أبو نعيم: أخبرنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، قال: (ما رأيت أحداً يريد بهذا العلم وجه الله غير هؤلاء الثلاثة: عطاء، وطاوس، ومجاهد). رواه ابن سعد والفسوي في المعرفة والتاريخ وابن عساكر.
- وقال سلمة بن شبيب: سمعت عبد الرزاق يقول: (أخذ أهل مكةَ الصلاةَ عن ابن جريج، وأخذها ابن جريج عن عطاء، وأخذها عطاء عن ابن الزبير، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر الصديق، وأخذ أبو بكر الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذها النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام).
قال عبد الرزاق: (وما رأيت أحدا أحسن صلاةً من ابن جريج، كان يصلي ونحن خارجين فنرى كأنه اسطوانة وما التفت يمينا ولا شمالا). رواه ابن عساكر.
- وقال سفيان بن عيينة: قلت لابن جريج: ما رأيت مصلياً مثلك!! قال: فكيف لو رأيت عطاء). رواه ابن عساكر.
- وقال معن بن عيسى: حدثنا أبو معاوية المغربي قال: (رأيت عطاء بن أبي رباح بين عينيه أثر للسجود). رواه ابن سعد.
- وقال عبد الرزاق، عن ابن جريج؛ قال: كان عطاء بعد ما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم ما يزول منه شيء ولا يتحرك). رواه الإمام أحمد في الزهد ومن طريقه ابن أبي خيثمة والفسوي وابن عساكر.
- وقال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة أو نحو من عشرين سنة ثم قال ابن جريج: فيما أعلم). رواه ابن أبي خيثمة وابن عساكر، وزاد في رواية عنده: (وكان من أحسن الناس صلاة).

فهو مثال يقتدى به في كل حياته التي بارك الله له فيها وقد خرج من الدنيا بنجاح ،قال عبد الله بن جعفر الرقي: سمعت أبا المليح، قال: (مات عطاء سنة أربع عشرة ومائة، فلما بلغ موته ميموناً قال: ما خلف بعده مثله). رواه ابن سعد وابن أبي خيثمة، وابن زبر الربعي وابن عساكر.
وقال ابن حبان: (عطاء بن أبى رباح مولى آل أبى خيثم الفهري القرشي واسم أبى رباح أسلم، كان مولده بالجند من اليمن، ونشأ بمكة، وكان أسود أعور أشلّ أعرج ثم عميَ في آخر عمره، وكان من سادات التابعين، وكان المقدَّم في الصالحين مع الفقه والورع، كان مولده سنة سبع وعشرين، ومات بمكة سنة أربع عشرة ومائة، كنيته أبو محمد).
المرجع:سير المفسرين للشيخ عبد العزيز الداخل أطال الله عمره

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 4 محرم 1441هـ/3-09-2019م, 01:16 AM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

سير أعلام المفسرين


التابعي الجليل: محمد بن كعب بن حبان بن سليم بن أسد القرظي

غزوة الأحزاب
سارت قريش وغطفان ومن والاهما بتحريض من يهود بني النضير في عشرة آلاف مقاتل لحرب المسلمين في المدينة، واستقبلهم المسلمون بجيش لا يجاوز الألف مقاتل يحيط بهم البرد والجوع والقلة..
في هذا الأثناء ورسول الله عليه أتم الصلاة والتسليم مع صحبه في شدة الكرب وقد ألجأهم ضيق الوقت إلى الركون للعهد الذي بينهم وبين قريظة فلم يحفروا خندقا من قبلهم.. في هذا الموقف الصعب تعلن قريظة نقض العهد!!
ليستجد لقوات العدو منفذا يمكنها أن تعبر إلى المدينة خلاله..
وليعظم البلاء ويشتد الخوف..
ولتقوى عزيمة المشركين..
وليظهر نجم المنافقين..

وليحق وصفه سبحانه لحال المعركة بأبلغ وصف إذ قال:

{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)} [الأحزاب]


ثم تسير المعركة كما شاء الله لها أن تسير منتهية بنصر محقق للمسلمين وهزيمة نكراء للمشركين.

ويبقى أمر بني قريظة يحتاج إلى حسم جاء به جبريل عليه السلام حين جاء للنبي عليه السلام فور عودته للمدينة إذ قال له: (قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، أخرج إليهم ..
وبعد الحصار ينتهي الأمر بنزول بني قريظة لأمر رسول الله، واستسلامهم، وتحكيم سعد بن معاذ فيهم ليلهمه الله أن يحكم فيهم بحكمه فيأمر أن تقتل الرجال وتسبى الذراري والنساء لينالوا جزاء نقضهم للعهد وخيانتهم ..

وبرحمة الله ينجو كعب الطفل الذي لم ينبت، حيث كان الحكم ببلوغ الصبي منهم مرتبط بالإنبات
ليخرج من صلبه أبا حمزة محمد بن كعب بن حبان بن سليم بن أسد القرظي العالم الجليل الزاهد العابد إمام من أئمة التفسير، بارع في دراسة القرآن وتدبره، وإعمال الفكرة فيه، واستخراج الحجج منه

قال عنه عون بن عبد الله: ((ما رأيت أعلم بتأويل القرآن من القرظي))

فسبحان مدبر الأمور، أخرج برحمته من أصلاب هؤلاء الخونة عالما عابدا زاهدا، مرجعا في علمه وورعه وتقواه.

يجهد الذهن وهو يتأمل في هذه القصة، فبين رحمة الله بالنجاة من القتل على الكفر، الذي لم يمنع منه إلا نقص يسير في العمر، وبين التأمل في إحسان المسلمين وتوادهم وتراحمهم ليمكنوا من كان أصله الكفر والرق ونقض العهد ليبلغ هذا المبلغ من العلم والفهم، وبين عظمة هذا العلم الذي أخذ بلب أهل العقول وأشغلهم عن سفاسف الأمور.

فيارب ..
هداية من عندك، وعلما نافعا بمحض فضلك،
أحسن تدبير أمورنا وتولنا وذرياتنا برحمتك


ولد عالمنا الجليل في آخر خلافة علي بن أبي طالب قرابة العام 40 من الهجرة.
وكان محل ثقة عند أهل العلم زكاه العجلي، وابن سعد، والذهبي، وغيرهم وقد رويت عنه أخبار تدلّ على فضله وإخلاصه ونصحه، وكان ممن غلب عليه الخشوع، والخوف من الله؛ فاجتهد في العبادة ودراسة القرآن اجتهاداً بالغاً حتى أنس به، وشغل به عن غيره.

روى ابن كثير المصري أن أم محمد بن كعب القرظي قالت لابنها: يا بني! لولا أني أعرفك صغيراً طيباً، وكبيراً طيّباً، لظننت أنّك أذنبت ذنبا موبقا؛ لما أراك تصنع بنفسك في الليل والنهار.
قال: (يا أمَّاه! وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع عليَّ وأنا في بعض ذنوبي؛ فمقتني، وقال: اذهب، لا أغفر لك.
مع أن عجائب القرآن ترد بي على أمور حتى إنه لينقضي الليل ولم أفرغ من حاجتي


كان محمّد بن كعب القرظي ممن يقصّ، وله مواعظ حسنة، ومجالس في التفسير، قال عنه أبو معشر: "كان محمد بن كعب القرظي يقصّ ودموعه تجري على خديه" وكان إذا أراد أن يتكلم قرأ آيات قبل أن يتكلم، وكان من أحسن الناس صوتا، فإذا قرأ بكى وأبكى، ثم يتكلم بعد ذلك.

كما أنه عرف بالزهد والورع فقد عرض عليه عمر بن عبد العزيز أن يستعين به فأبى متهما نفسه بعدم الأهلية تواضعا، ولما أصاب مالا قيل له ادخر لولدك قال: "لا، ولكن أدّخر لنفسي عند ربي، وأدّخر ربي لولدي"

نشأ محمد القرظي في القرون المفضلة، في زمن وفرة العلم المستقى من صحابة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، حيث روى عن جمع منهم وممن تبعهم فله مرويات عن كعب بن عجرة، وأبي هريرة، وابن عباس، وزيد بن أرقم، ومعاوية بن أبي سفيان، وفضالة بن عبيد، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وغيرهم.
كما أن له بعض المراسيل عن: أبي ذر، وأبي الدرداء، وعلي، والعباس، وابن مسعود، وسلمان، وعمرو بن العاص.

هذه السيرة الطيبة، والانشغال بالقرآن عما سواه والزهد في الدنيا، والإقبال على الطاعة، أخلت قلب عالمنا الجليل للتفكر والتدبر الذي يحرمه من تشتت قلبه خلف مشاغل الدنيا وأهوائها، فكان له عجائب في التفسير والاستنباط، تبهر أهل النظر حتى يقول أحدهم عن الآية التي يفسرها محمد بن كعب: "فوالله لكأني لم أقرأها قط"!
ومن ذلك:
- استنباطه لأن الله غفر للصحابة جميعهم وأوجب لهم الجنة محسنهم ومسيئهم، واشترط على تابعيهم أن يقتدوا بأعمالهم الحسنة، ولا يقتدون بهم في غير ذلك، من قوله تعالى:
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [100/ التوبة]
- واستنباطه لكون المأمور بذحه من ولد إبراهيم هو إسماعيل عليه السلام من قوله تعالى بعد قصة الذبح: {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين} وقوله: {بشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}
وكان يقول عن نفسه: وكنت إذا سمعت حديثا عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التمسته في القرآن
ومن ذلك:
- ربطه بين ما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما توضأ عبد فأسبغ الوضوء ثم قام إلى الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الأخرى" بأن تمام النعمة يأتي بعد مغفرة الذنوب في مواقع من كتاب الله منها قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك سراطا مستقيما}، وقوله تعالى: في آخر آية الوضوء في سورة المائدة: {ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم}
ومنه:
- استحضاره للآية عندما قرأ عليه سعيد المقبري وهو يذاكره ما في بعض الكتب: " إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل، قلوبهم أمر من الصبر، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين، قال الله تبارك وتعالى: أعلي يجترئون، وبي يغترون؟ وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران ". حيث تذكر قوله تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}
كما كان له مرويات جليلة في التفسير تقرب الفهم وتوسع الإدراك وتفتح لطالب هدى القرآن المغاليق منها :
- ما فسر به قوله تعالى:{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}
حيث قال: "من يعمل مثقال ذرة من خير من كافر يرَ ثوابها في نفسه وأهله وماله، حتى يخرج من الدنيا وليس له خير؛ ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن يرَ عقوبتها في نفسه وأهله وماله، حتى يخرج وليس له شر"
- ما فسر به قوله تعالى: {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين}
بقوله "ولقد علمنا المستقدمين منكم} الميت والمقتول، {والمستأخرين} من يلحق بهم من بعد، {وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم}
- ما فسر به قوله تعالى: {خافضة رافعة}
حيث قال: " تخفض رجالا كانوا في الدنيا مرتفعين، وترفع فيها رجالا كانوا فيها مخفوضين"
- ما فسر به قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات}
بأنها الطوفان والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والبحر، وعصاه، والطمسة، والحجر.
وفسر الطمسة بأنها اجابته تعالى لدعاء موسى عليه السلام حين قال {ربنا اطمس على أموالهم}

التدبر في كتاب الله والعلم بتفسيره المبني على صلاح النية وعلى القواعد السليمة لا بد أن يثمر مادة طيبة للموعظة والدعوة إلى الله فينطلق لسان صاحب التفسير بالنصيحة للخلق بعبارة سهلة تحوي معان جليلة اكتسبها من طول مطالعته لكتاب ربه وتدبره وتفكره فيه وفهمه لمعانية، وقد كان لمحمد القرظي نصيب من ذلك ومن مواعظه المأثورة النافعة:
- "إن بين أيديكم مرصدا، فخذوا له جوازه" ثم قرأ: {إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مئابا}
- "ثلاث خصال من كن فيه كنَّ عليه: البغي، والنكث، والمكر، وقرأ: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}، {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم}، {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه}".
- وعندما سُئل: ما علامة الخذلان؟ قال: "أن يستقبح الرجل ما كان يستحسن، ويستحسن ما كان قبيحا".
- "إذا أراد الله بعبد خيرا زهَّده في الدنيا، وفقَّهه في الدين، وبصَّره عيوبه، ومن أوتيهن أوتي خير الدنيا والآخرة".
- "ما يكذب الكذاب إلا من مهانة نفسِه"

وفاته:
لكل أمر إذا ما تم نقصان، توفي هذا العالم الفذ، وفقدته الأمة في عام 108 على الراجح وقد روي أن وفاته كانت على إثر زلزلة أصابته وهو مجتمع بأصحابه وجلسائه من أهل التفسير في المسجد وأنهم ما توا معه جميعا رحمهم الله وتقبلهم في الشهداء، ورغم أن خاصة أصحابه وأعلمهم بالتفسير ما توا معه، إلا أنه لم يعدم من يروي عنه التفسير فقد روى عنه في كتب التفسير أكثر من خمسين راويا مصنفين بين مكثر ومقل وثقة ومتكلم فيه وضعيف ومتروك ، وأكثر ما يُروى عنه في كتب التفسير المسندة من أقواله في التفسير، وقد روي عنه من مروياته عن الصحابة وغيرهم شيء يسير.


رحم الله محمد بن كعب القرظي وغفر له وأجزل له المثوبة، ورزقنا وذرياتنا الاقتداء بسيرته العطرة في العلم والزهد والعبادة

والحمد لله رب العالمين ..

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 4 محرم 1441هـ/3-09-2019م, 04:02 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

سيرة الحسن البصري - رحمه الله –

الحمد لله ولي الصالحين ، و الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فإنّ الله تعالى أبرم لهذا الدّين أمر رُشد ، و اختار لحملته خِيرة الخلق ، فكان منهم العلماء البدور ، الأنقياء الصدور ، ومن هؤلاء عالمٌ جليل ، وفقيه أصيل ، تربّى في حجر أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، و التقى بعدد من الصحابة و أبنائهم ، فأخذ منهم الهَدي والسمت والعلم الغزير ، إنه التابعي الجليل الحسن بن أبي الحسن البصري رحمه الله .
قال عنه ابن سعد رحمه الله تعالى في الطبقات الكبرى : ( كان الحسن البصري جامعًا، عالِمًا، عاليًا، رفيعًا، فقيهًا، ثقةً، مأمونًا، عابدًا، ناسكًا، كبيرَ العلم، فصيحًا، جميلًا وسيمًا ) .
ولد الحسن البصري عام واحد وعشرين من الهجرة ، وكانت أمّه مولاةً لأم سلمة رضي الله عنها ، فما ظنّكم بمن ترعرع في بيت النبوة ؟
نال بفضل الله عليه ثناء الصحابة والتابعين وتابعيهم ، فقد كان محبوباً ، مبجّلا ، موقرا ، قال أبو بُرْدَة بن أبي موسى الأشعري: "ما رأيتُ رجلًا قط لم يصحَبِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أشبهَ بأصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، مِن هذا الشيخ؛ يعني الحسن" رواه البخاري في التاريخ الكبير.
وروى ابن سعد من طريق خالد بن رياح ، أن أنس بن مالك سُئل عن مسألة، قال: «عليكم مولانا الحسن، فسلوه» ، فقالوا: يا أبا حمزة، نسألك وتقول: سلوا مولانا الحسن؟ فقال: «إنا سمعنا وسمع، فحفظ ونسينا» رواه ابن سعد.
وروى أبو نعيم في الحلية عن أيوب، قال: (لو رأيت الحسن لقلت: إنك لم تجالس فقيها قط).
وكان رحمه الله واسع الخُلُق ، جميل الخَلق ، عظيم الشأن ، طويل الحزن ، فقيها بليغا ، زاهداً ورِعا ، آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، آخذاً للقرآن مفسّراً له ، قال قتادة: (ما كان أحدٌ أكملَ مروءةً من الحسن )، ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء .
و قال يونس بن عُبَيد: (كان الرجلُ إذا نظر إلى الحسنِ البصري انتفع به، وإن لم يسمَعْ كلامه، ولم يرَ عملَه ) ، ذكره ابن كثير في البداية والنهاية .
و روى أبو نُعَيم في حلية الأولياء ، عن خالدِ بن صفوان، قال: لَمَّا لقِيتُ مَسْلَمة بن عبدالملك بالحِيرَة ، قال: يا خالدُ، أخبِرْني عن حسنِ أهلِ البصرة؟ قلتُ: أصلح الله الأمير، أُخبِرُك عنه بعلمٍ، أنا جارُه إلى جنبه، وجليسه في مجلسه، وأعلَمُ مَن قِبَلي به، أشبهُ الناس سريرةً بعلانية، وأشبهُ قولًا بفعل، إن قعد على أمر قام به، وإن قام على أمر قعد عليه، وإن أمر بأمر كان أعملَ الناس به، وإن نهى عن شيءٍ كان أترَكَ الناس له، رأيتُه مستغنيًا عن الناس، ورأيتُ الناس محتاجين إليه، قال: حسبك يا خالد، كيف يَضِلُّ قومٌ هذا فيهم؟!"
و روى وكيع في أخبار القضاة عن خالد بن صفوان، وسألوه عَن الْحَسَنِ؛ قال: أنا أهل خبرة به؛ كانت داره ملعبي صغيراً ومجلسي كبيراً؛ قالوا: فما عندك فِيْهِ؟
قال: (كان آخذَ الناس بما أمر به، وما رأيته يزاحم على شيء من الدنيا قط).
وأخرج الدارمي عن عبد الأعلى، عن الحسن أنّه دخل السّوق، فساوم رجلًا بثوبٍ، فقال: هو لك بكذا وكذا، واللّه لو كان غيرك ما أعطيته؛ فقال: فعلتموها؟ فما رئي بعدها مشتريًا من السّوق، ولا بائعًا حتّى لحق باللّه عزّ وجلّ).
وروى ابن سعد عن الربيع بن صبيح قال: (كان الحسن إذا أثنى عليه أحد في وجهه كره ذلك، وإذا دعا له سرَّه ذلك) .
و للحسن رحمه الله باع في الجهاد ، وقصور عن مواضع الفتن ،
فأما جهاده فقد قال ابن سعد: (روى الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة أنه غزا معه كابل، والأندقان، والأندغان، وزابلستان ثلاث سنين).
وروى الفسوي في المعرفة عن حماد بن زيد عن ابن عون قال: سألت محمدا[ يعني ابن سيرين] عن شيء من أمر الطعام في الغزو. فقال: سل الحسن فإنه كان يغزو) .
و أما معرفته بالفتن ، وتجنُّبها فقد روى ابن سعد قال : قال سلام بن مسكين: حدثني سليمان بن علي الربعي قال: لما كانت الفتنة - فتنة ابن الأشعث إذ قاتلَ الحجاجَ بن يوسف - انطلق عقبة بن عبد الغافر، وأبو الجوزاء، وعبد الله بن غالب في نفر من نظرائهم، فدخلوا على الحسن، فقالوا: يا أبا سعيد، ما تقول في قتال هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام، وأخذ المال الحرام، وترك الصلاة، وفعل وفعل؟
قال: وذكروا من فعل الحجاج
قال: فقال الحسن: «أرى أن لا تقاتلوه؛ فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادّي عقوبة الله بأسيافكم، وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين» قال: فخرجوا من عنده وهم يقولون: نطيع هذا العلج؟
قال: وهم قوم عرب ، قال: وخرجوا مع ابن الأشعث قال: (فقتلوا جميعا).
وروى ابن سعد أيضا عن أبي مالك أنه قال: كان الحسن إذا قيل له ألا تخرج، فتغير؟ يقول: «إن الله إنما يغير بالتوبة، ولا يغير بالسيف».
أمّا الحسن والأهواء ، فقد كان مجانباً لها ، محذّراً منها ، فقد روى ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل عن الحسن قال: (لا تسمعوا من أهل الأهواء)،
وأمّا ما اتُّهم به في مسألة القدر فهو بريء منه ، وإنما تُكلّم فيه في مسألة القدر لأمرين:
الأمر الأول: أنه بدرت منه كلمة بعد ما كبر في القدَر ثم تاب منها بعد أن ناظره بعض أهل العلم في زمانه.
والأمر الآخر: أنّ من القدرية من كان يأتيه فيسأله عن بعض المسائل بكلام مُجمل مشتبه ثم يحملون جوابه على مذهبهم.
روى الفسوي في المعرفة عن حماد بن زيد عن أيوب قال: (كذب على الحسن ضربان من الناس: قومٌ القدَرُ رأيهم فينحلونه الحسن لينفّقوه في الناس، وقوم في صدورهم شنئان من بغض الحسن؛ فيقولون: أليس يقول كذا !! أليس يقول كذا !!)، وروى عن ابن عون: أنه قيل لمحمد بن سيرين في الحسن وما كان ينحل إليه أهل القدر، فقال: (كانوا يأتون الشيخ بكلام مجمل لو فسروه له لساءهم)، وروى الإمام أحمد عن الحسن قال: (من كذب بالقدر فقد كفر).
وكان الحسن رحمه الله كثيرا ما يرسل الأحاديث ، وربما حدّث بالمعنى ، لكونه يرى جوازه من غير تعمّد .
وأما تدليسه فإنّه كان ربما سمع الحديث من رجل لا يرغب ذكر اسمه لعلّة عارضة، والحديث عنده صحيح المعنى فيعنعن، وربما نسي من حدَّثه به، وقيل في سببها أنه كان يروي كثيراً منها عن عليّ بن أبي طالب وكان في زمن الحجاج لا يستطيع أن يصرّح بذكر اسمه، وقيل إنه كان إذا روى الحديث عن جماعة ترك التصريح بذكر أسمائهم، وأيّا كان فالمرسل ليس بحجة لاحتمال أن يكون الخبر فيه متلقى عن رواة ضعفاء دون طبقة الصحابة رضي الله عنهم ، وأمّا ما صرّح فيه بالتحديث فهو حجة عند أهل الحديث.
رأى الحسن رحمه الله من الصحابة :عثمان وعلي وطلحة والزبير وغيرهم ولم يثبت له سماع منهم ، وروى عن ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وعمران بن الحصين وأبي موسى الأشعري وعقبة بن عامر، وغيرهم.
والراجح صحة سماعه من أبي هريرة وسمرة بن جندب وعثمان بن أبي العاص ، وبعض حديثه عن سمرة من صحيفة كانت عنده.
وأرسل عن عمر ومعاذ وأبيّ بن كعب وعمار بن ياسر وسعد بن عبادة.
وروى عن جماعة من كبار التابعين منهم: أبو العالية الرياحي وحطان بن عبد الله الرقاشي، ومطرف بن عبد الله بن الشخير وغيرهم.
وأخذ عن نوف البكالي بعض الإسرائيليات .
وأمّا رواة التفسير عنه فهم كثير نحو مائة وخمسين راوياً لا يتسع المقام لذكرهم هنا ، روى ابن سعد في الطبقات ( وقدِم مكةَ فأجلَسوه على سريرٍ، واجتمع الناس إليه فحدَّثهم، وكان فيمَن أتاه: مجاهدٌ، وعطاء، وطاوس، وعمرو بن شُعَيب، فقال بعضهم: لم نرَ مثلَ هذا قط ).

تُوفِّي الحسن البصري رحمه الله ليلةَ الجمعة، في شهر رجب، سنة عشر ومائة، وهو ابن تسعٍ وثمانين سنةً ، ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى .
قال الذهبي ( و كانت جنازتُه مشهودةً، صلَّوا عليه عقيبَ الجمعة بالبصرة، فشيَّعه الخلق، وازدَحَموا عليه، حتى إن صلاة العصر لم تُقَمْ في الجامع ) .
وللحسن حكم مأثورة ، وفوائد منثورة ، يستطيبها الجنان ، و تطرب لها الآذان فصاحة وعلما و حكمة ، منها :
ما رواه الفسوي قال : قال خالد الحذَّاء: سأل الرجلُ الحسنَ، فقال: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ﴾ ؟ قال: أهل رحمتِه لا يختلفون، ولذلك خلقَهَم، خلق هؤلاء لجنته، وخلق هؤلاء لناره؛ (المعرفة والتاريخ؛ ليعقوب بن سفيان الفسوي جـ2 صـ41).
وروى الإمام أحمد عنه قوله :"والله يا بن آدم، لئن قرأتَ القرآن، ثم آمنتَ به، ليَطُولَنَّ في الدنيا حزنُك، وليَشتَدَّنَّ في الدنيا خوفُك، وليَكثُرَنَّ في الدنيا بكاؤك" .
وفي مصنف ابن شيبة أنه قال : : "إذا رأيت الرجل يُنافِسُ في الدنيا، فنافِسْه في الآخرة" .
وفيه قوله : "إن الرجلَ لَيَعمَلُ الحسنةَ، فتكون نورًا في قلبه وقوةً في بدنه، وإن الرجل ليعمَلُ السيئة فتكون ظُلمةً في قلبه ووهنًا في بدنه" .
وفيه قوله أيضا : "اطلُبِ العلمَ طلبًا لا يضرُّ بالعبادة، واطلُبِ العبادةَ طلبًا لا يضرُّ بالعلم؛ فإن مَن عمل بغيرِ علمٍ، كان ما يُفسِد أكثرَ مما يُصلِح" .
وكان رحمه الله محباً لإخوانه ، صائنا لودهم ومما جاء عنه في ذلك ما ذكره ابن سعد في الطبقات : قال غالب القطَّان: جئتُ إلى الحسنِ بكتابٍ مِن عبدِالملك بن أبي بَشيرٍ، فقال: اقرَأْه، فقرأتُه، فإذا فيه دعاءٌ، فقال الحسن: رُبَّ أخٍ لك لم تلِدْهُ أمُّك ) .
رحمه الله رحمة واسعة ، ورزقنا حسن الاتساء بهؤلاء العلماء ، فإن الاطلاع على سيرهم يهذب النفس ويقومها و مما استفدناه من هذا الرجل البحر أمورا كثيرة نذكر منها :
- حرصه على العلم ومقارنته بالعمل ، فإن العلم بلا عمل حجة على المرء تثقله عند الحساب .
- التحلي بمكارم الأخلاق ، والتأدب بجميل المروءات .
- الخوف من الله تعالى ومحاسبة النفس مع الزهد والورع .
- العناية بالقرآن وبفهمه وتدبره وتبيينه للناس .
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم .
- حرصه على السنة ، وعلى تبليغها وتحذيره من البدع وأهلها .
- الحرص على تقويم اللسان والبعد عن اللحن في الكلام .
- أداء الحقوق وصيانتها .

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 5 محرم 1441هـ/4-09-2019م, 10:00 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

بارك الله فيكم جميعاً ، وزادكم علماً وفضلاً

أتيتم جميعاً على جانب مهم من وفرة المادة العلمية في السيرة المترجمة، غير أنّ أكثركم نحى منحى التلخيص العلمي المجرد.
وكان المطلوب كتابة مقالة يصوغها الطالب بأسلوبه يخاطب بها القارئ ويظهر فيها شخصيته ومهارته في توظيف المعلومات العلمية في إيصال الرسائل المباشرة وغير المباشرة المستفادة من سيرة المفسّر.

وأما التفصيل في ذكر الطبقات والرواة فغير مناسب في مقام الرسائل التي يراد منها التشويق للعلم وبيان أثره على العالم والحض على الاتساء به وبيان فضله.

وأثني على أداء الفاضلة ضحى الحقيل فقد أجادت التعبير لولا ما فاتها من ذكر الفوائد المستفادة التي تمنتيت أنها ختمت بها مقالتها.



نورة الأمير: ب+
عقيلة زيان: ب+
مها شتا: ب+
ميسر: ب+
ضحى: أ ، ولو ختمت بذكر الفوائد لتمّ أداؤك.
ليخرج من صلبه أبا حمزة = أبو حمزة.
سارة المشري: ب+


رد مع اقتباس
  #16  
قديم 11 محرم 1441هـ/10-09-2019م, 12:09 AM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رسالة مختصرة في سيرة أبي الخطَّاب قتادة بن دعامة السدوسي (ت:117هـ)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين وخاتم النبين والرحمة المهداة للناس أجمعين ، وعلى آله وصحبه البررة المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد
فإن معرفة سير السابقين من الأئمة الأعلام الدالين على الخير للعالمين، هي السبيل لتحصيل العلم بالدين، فإذا حصل العلم الصحيح بالدين بني عليه العمل الصالح المقبول عند رب العالمين
وفي هذه السطور اليسيرة سوف نتناول الكلام على سيرة عالم من علماء المسلمين المبرزين في علم من أشرف العلوم وهو علم التفسير ،

وهذا العالم هو الإمام الفقيه المفسّر الحافظ أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، يبلغ نسبه إلى سَدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، من بني بكر بن وائل، من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
وقد ولد رحمه الله سنة ستين أو إحدى وستين للهجرة، وكان أكمه لا يبصر.

ثم إنه حبب إليه العلم فجالس أنس بن مالك رضي الله عنه، وحفظ عنه حديثاً كثيراً،
ثم جالس الحسن البصري مدة طويلة، ولزمه وتفقّه به، وانتفع بمجالسته ومواعظه، وحفظ عنه حديثا كثيراً، ووعى عنه مسائل كثيرة.

ولما كان من سمات طلب العلم الرحلة فيه فقد ارتحل رحمه الله رحمة واسعة من البصرة التي قد نشأ فيها إلى المدينة فلزم سعيد بن المسيّب أيّاماً يسأله عما يُشكل عليه ويحفظ ما يجاب به ويعيه، لأنه كان يسأله عن مسائل درسها عند الحسن البصري وعرف أقواله فيها؛ فكان سعيد بن المسيّب يتعجّب من حفظه وضبطه
ثم هاجر إلى مكة، وجاور بمكّة وسمع بها صحيفة جابر بن عبد الله رضي الله عنه قُرئت عليه مرة واحدة فحفظها، وكان يحدّث بها.

وهذا الحرص على طلب العلم ولزوم العلماء الربانين مع إخلاص النية لرب العالمين هي الجادة الموصلة للعلم النافع ، فمن سلكها فهو قمين أن يصل إلى مبتغاه ومن أضاع الطريق تشعبت به السبل ولم يحصل مراده فما كان منه إلا الجهد والوقت ولم يصل إلى ما وصل إليه الأعلام وحفاظ الإسلام.

ولأن الغاية شريفة وعالية فإن الوصول إليها يحتاج إلى جد واجتهاد وصبر ومصابرة وفهم ومذاكرة ودرس وفكر وحفظ فكان لابد من حمل النفس على هذه الأمور فإنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم وهذا ما نجده جليا في سيرة هذا العالم فإنه كان رحمه الله آية في الحفظ والضبط، لا يكاد ينسى ما سمعه، على كثرة ما سمع من الأحاديث والآثار في علوم كثيرة، وكان العلماء يتعجّبون من قوة حفظه، وحسن سرده للأحاديث والآثار، وهذا لحرصه الشديد على الحفظ والفهم وتحمل الأمر بالجد والاجتهاد مما يورث ملكة عظيمة في الحفظ والفهم بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، فهذا معمر بن راشد: يقول:
سمعت قتادة يقول: «ما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي». رواه أبو نعيم في الحلية.
ويقول أيضا عن قتادة أنه قال:
«تكرير الحديث في المجلس يذهب نوره، وما قلتُ لأحدٍ قطّ أَعِدْ عليَّ» رواه ابن سعد في الطبقات
- وقال روح بن القاسم عن مطر الوراق:
(كان قتادة إذا سمع الحديث يختطفه اختطافا).
- وقال الصَّعق بن حزن: حدثنا زيد أبو عبد الواحد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول:
(ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل
- وقال بكر بن عبد الله المزني: (
من سرَّه أن ينظر إلى أحفظ من أدركنا فلينظر إلى قتادة). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال أبو طالب: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
(كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئا إلا حفظه، وقرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها، وكان سليمان التيمي وأيّوب يحتاجون إلى حفظه، يسألونه، وكان من العلماء، كان له خمس وخمسون سنة يوم مات). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.

ولما كان هذا دأبه في طلب العلم والحرص عليه كان له حظ وافر من العلوم نال بها مكانة عالية بين أهل العلم والفضل فقد كان حافظاً للأحاديث والآثار، مفسّراً فقيهاً مفتياً عالماً بالعربية والأنساب والتاريخ.
حتى قال عنه معمر:
سمعت قتادة يقول: «ما في القرآن آية إلا قد سمعت فيها بشيء» رواه ابن أبي حاتم
وقال أيضا:
قلت للزهري: يا أبا بكر أقتادة أعلم أو مكحول؟ قال: (لا، بل قتادة، وما عند مكحول إلا شيء يسير). رواه ابن أبي حاتم واللفظ له،
- وقال أيضا:
قال محمد بن سيرين: (قتادة أحفظ الناس، أو من أحفظ الناس). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
وذكر فضله وعلم كثير من أهل العلم كسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن مهدي وحماد بن زيد وأبا قلابة وغيرهم كثير .
قال الذهبي: (وقد كان قتادة أيضا رأسا في العربية، والغريب، وأيام العرب، وأنسابها،
حتى قال فيه أبو عمرو بن العلاء: كان قتادة من أنسب الناس.) ا.ه
فكل هذا إنما يكون سبيل الوصول إليه بالإخلاص وأخذ الأمر وفق ما يوصل إليه فالعلم كما تقدم له جادة موصولة من سلكها وصل بإذن الله ومن تركها تشعبت به السبل فأضاع عمره وجهده ولم يصل للغالية العالية التي يريد.
ومما ينبه عليه أنه مع جلالة قدر هذا العالم إلا أنه قد انتقد عليه ثلاثة أمور:
أولها قوله في القدر بسبب شُبهة عرضت له، فكان يقول: كلّ شيء بقدَر إلا المعاصي، من غير أن ينفي علم الله بالمعصية قبل وقوعها.
وهذا قَدْرٌ من القول بالقدر، وهو بدعة، ومنكر من القول، تعالى الله عن ذلك. لكنّه أخفّ من قول القدرية نفاة العلم.
والأمر الثاني: أنه في بعض الروايات ربما وقع منه تدليس، فروي عن بعض المحدثين وأسقط الواسطة بينهما - وقد يكون ضعيفاً - بصيغة ليس فيها تصريح بالسماع. فأما إذا صرّح بالسّماع فهو ثقة صدوق.
والأمر الثالث: أنه رحمه الله كان يحدّث عن بعض الضعفاء؛ مع ما حفظه من أحاديث كثيرة عن الثقات.
قال معتمر بن سليمان، عن أبي عمرو بن العلاء قال: (كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغثّ عليهما شيء، يأخذان عن كل أحد). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
والذي استقر عليه كلام الأئمة النقّاد أن قتادة رحمه الله ثقة حافظ، تام الضبط، مقبول الرواية إذا صرّح بالسماع.
- قال ابن سعد: (وكان ثقة مأموناً، حجة في الحديث).
- وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: (ثقة) ، والتوثيق موجود عن غير من ذكرنا.
واحتجّ به البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحاديثه في دواوين السنّة كثيرة جداً.

ولأن الغاية من العلم هي العمل به وهي ثمرته المرجوة التي لأجلها يبذل الغالي والنفيس فإن هذا قد ظهر جليا على هذا العالم الجليل ، فقد حمله علمه على الحرص على القرآن الكريم فكان كثير التلاوة له والعناية به قراءة ودرسا وفهما وقد تقد قوله:
«ما في القرآن آية إلا قد سمعت فيها بشيء».
وقال أبو عوانة: «شهدت قتادة يدرس القرآن في رمضان»
و قال سلام بن أبي مطيع: (كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة).

ولأن المسلمون نصحه والمنافقون غششة فإن هذا العالم مع نشره للعلم -وكفى به نصحا للمسلمين- فقد أثر عنه بعض المقولات المشهورة والنصائح المأثورة ومنها :
-قوله: «الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر». رواه ابن سعد في الطبقات.
-وروى أبو القاسم البغوي في الجعديات بعض النصائح عن قتادة منها:
قوله: «باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه، وصلاح من بعده أفضل من عبادةِ حول».
وقوله: كان يقال: «قلَّ ما ساهر الليل منافق».
وقوله: «إذا سرَّك أن يكذب صاحبك فلقّنه»
وقوله: ( كان المؤمن لا يرى إلا في ثلاث مواطن: في مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة لا بأس بها).

وقد توفي هذا العالم الجليل عن عمر يقدر بست وخمسين أو سبع وخمسين سنة في سنة مائة وسبعة عشر أو مائة وثمانية عشر فرحمه الله رحمة واسعة.

وفي الختام يحسن بنا أن نذكر بعض الفوائد التي تستفاد من قصة هذا العالم الجليل ومنها:
-شدة الحاجة إلى معالجة النية ليكون العلم والعمل كله لله.
-أهمية التثبت عمن يؤخذ عنه العلم فلا ينبغي أن يهمل العبد في هذا الجانب.
-أن العلم له طريق موصلة يجب سلوكها فإن من سار على الدرب وصل.
-الحاجة إلى طول ملازمة أهل العلم الربانين وإن وصل العبد إلى درجة بث العلم فإنه لا ينقطع عن العلماء الكبار الراسخين.
-الرحلة في العلم وما فيها من الفوائد.
-أهمية العناية بتنمية الملكات التي يهبها الله للعبد كالحفظ فهذا قتادة مع أنه ضرير إلا أنه كان آية في الحفظ وهذا يحتاج لمجاهدة وتدرب عليه.
-أن العلم نعمة عظيمة ومنة جليلة من الله فمن نالها وجب عليه الحرص عليها والقيام بحقها.

وفي الختام نسأل الله تعالى أن ينفعنا بعلم سلفنا الصالح وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.




اعتذر عن التأخر لظروفي سفري خارج البلاد ولم أتمكن من المتابعة في الفترة الماضية وسأقوم بأداء المهام المتأخرة بإذن الله في الأيام القادمة .

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 17 محرم 1441هـ/16-09-2019م, 01:28 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علاء عبد الفتاح محمد مشاهدة المشاركة
رسالة مختصرة في سيرة أبي الخطَّاب قتادة بن دعامة السدوسي (ت:117هـ)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين وخاتم النبين والرحمة المهداة للناس أجمعين ، وعلى آله وصحبه البررة المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد
فإن معرفة سير السابقين من الأئمة الأعلام الدالين على الخير للعالمين، هي السبيل لتحصيل العلم بالدين، فإذا حصل العلم الصحيح بالدين بني عليه العمل الصالح المقبول عند رب العالمين
وفي هذه السطور اليسيرة سوف نتناول الكلام على سيرة عالم من علماء المسلمين المبرزين في علم من أشرف العلوم وهو علم التفسير ،

وهذا العالم هو الإمام الفقيه المفسّر الحافظ أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، يبلغ نسبه إلى سَدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، من بني بكر بن وائل، من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
وقد ولد رحمه الله سنة ستين أو إحدى وستين للهجرة، وكان أكمه لا يبصر.

ثم إنه حبب إليه العلم فجالس أنس بن مالك رضي الله عنه، وحفظ عنه حديثاً كثيراً،
ثم جالس الحسن البصري مدة طويلة، ولزمه وتفقّه به، وانتفع بمجالسته ومواعظه، وحفظ عنه حديثا كثيراً، ووعى عنه مسائل كثيرة.

ولما كان من سمات طلب العلم الرحلة فيه فقد ارتحل رحمه الله رحمة واسعة من البصرة التي قد نشأ فيها إلى المدينة فلزم سعيد بن المسيّب أيّاماً يسأله عما يُشكل عليه ويحفظ ما يجاب به ويعيه، لأنه كان يسأله عن مسائل درسها عند الحسن البصري وعرف أقواله فيها؛ فكان سعيد بن المسيّب يتعجّب من حفظه وضبطه
ثم هاجر إلى مكة، وجاور بمكّة وسمع بها صحيفة جابر بن عبد الله رضي الله عنه قُرئت عليه مرة واحدة فحفظها، وكان يحدّث بها.

وهذا الحرص على طلب العلم ولزوم العلماء الربانين مع إخلاص النية لرب العالمين هي الجادة الموصلة للعلم النافع ، فمن سلكها فهو قمين أن يصل إلى مبتغاه ومن أضاع الطريق تشعبت به السبل ولم يحصل مراده فما كان منه إلا الجهد والوقت ولم يصل إلى ما وصل إليه الأعلام وحفاظ الإسلام.

ولأن الغاية شريفة وعالية فإن الوصول إليها يحتاج إلى جد واجتهاد وصبر ومصابرة وفهم ومذاكرة ودرس وفكر وحفظ فكان لابد من حمل النفس على هذه الأمور فإنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم وهذا ما نجده جليا في سيرة هذا العالم فإنه كان رحمه الله آية في الحفظ والضبط، لا يكاد ينسى ما سمعه، على كثرة ما سمع من الأحاديث والآثار في علوم كثيرة، وكان العلماء يتعجّبون من قوة حفظه، وحسن سرده للأحاديث والآثار، وهذا لحرصه الشديد على الحفظ والفهم وتحمل الأمر بالجد والاجتهاد مما يورث ملكة عظيمة في الحفظ والفهم بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، فهذا معمر بن راشد: يقول:
سمعت قتادة يقول: «ما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي». رواه أبو نعيم في الحلية.
ويقول أيضا عن قتادة أنه قال:
«تكرير الحديث في المجلس يذهب نوره، وما قلتُ لأحدٍ قطّ أَعِدْ عليَّ» رواه ابن سعد في الطبقات
- وقال روح بن القاسم عن مطر الوراق:
(كان قتادة إذا سمع الحديث يختطفه اختطافا).
- وقال الصَّعق بن حزن: حدثنا زيد أبو عبد الواحد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول:
(ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل
- وقال بكر بن عبد الله المزني: (
من سرَّه أن ينظر إلى أحفظ من أدركنا فلينظر إلى قتادة). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
- وقال أبو طالب: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
(كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئا إلا حفظه، وقرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها، وكان سليمان التيمي وأيّوب يحتاجون إلى حفظه، يسألونه، وكان من العلماء، كان له خمس وخمسون سنة يوم مات). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.

ولما كان هذا دأبه في طلب العلم والحرص عليه كان له حظ وافر من العلوم نال بها مكانة عالية بين أهل العلم والفضل فقد كان حافظاً للأحاديث والآثار، مفسّراً فقيهاً مفتياً عالماً بالعربية والأنساب والتاريخ.
حتى قال عنه معمر:
سمعت قتادة يقول: «ما في القرآن آية إلا قد سمعت فيها بشيء» رواه ابن أبي حاتم
وقال أيضا:
قلت للزهري: يا أبا بكر أقتادة أعلم أو مكحول؟ قال: (لا، بل قتادة، وما عند مكحول إلا شيء يسير). رواه ابن أبي حاتم واللفظ له،
- وقال أيضا:
قال محمد بن سيرين: (قتادة أحفظ الناس، أو من أحفظ الناس). رواه أبو القاسم البغوي في الجعديات.
وذكر فضله وعلم كثير من أهل العلم كسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن مهدي وحماد بن زيد وأبا قلابة وغيرهم كثير .
قال الذهبي: (وقد كان قتادة أيضا رأسا في العربية، والغريب، وأيام العرب، وأنسابها،
حتى قال فيه أبو عمرو بن العلاء: كان قتادة من أنسب الناس.) ا.ه
فكل هذا إنما يكون سبيل الوصول إليه بالإخلاص وأخذ الأمر وفق ما يوصل إليه فالعلم كما تقدم له جادة موصولة من سلكها وصل بإذن الله ومن تركها تشعبت به السبل فأضاع عمره وجهده ولم يصل للغالية العالية التي يريد.
ومما ينبه عليه أنه مع جلالة قدر هذا العالم إلا أنه قد انتقد عليه ثلاثة أمور:
أولها قوله في القدر بسبب شُبهة عرضت له، فكان يقول: كلّ شيء بقدَر إلا المعاصي، من غير أن ينفي علم الله بالمعصية قبل وقوعها.
وهذا قَدْرٌ من القول بالقدر، وهو بدعة، ومنكر من القول، تعالى الله عن ذلك. لكنّه أخفّ من قول القدرية نفاة العلم.
والأمر الثاني: أنه في بعض الروايات ربما وقع منه تدليس، فروي عن بعض المحدثين وأسقط الواسطة بينهما - وقد يكون ضعيفاً - بصيغة ليس فيها تصريح بالسماع. فأما إذا صرّح بالسّماع فهو ثقة صدوق.
والأمر الثالث: أنه رحمه الله كان يحدّث عن بعض الضعفاء؛ مع ما حفظه من أحاديث كثيرة عن الثقات.
قال معتمر بن سليمان، عن أبي عمرو بن العلاء قال: (كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يغثّ عليهما شيء، يأخذان عن كل أحد). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
والذي استقر عليه كلام الأئمة النقّاد أن قتادة رحمه الله ثقة حافظ، تام الضبط، مقبول الرواية إذا صرّح بالسماع.
- قال ابن سعد: (وكان ثقة مأموناً، حجة في الحديث).
- وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: (ثقة) ، والتوثيق موجود عن غير من ذكرنا.
واحتجّ به البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحاديثه في دواوين السنّة كثيرة جداً.

ولأن الغاية من العلم هي العمل به وهي ثمرته المرجوة التي لأجلها يبذل الغالي والنفيس فإن هذا قد ظهر جليا على هذا العالم الجليل ، فقد حمله علمه على الحرص على القرآن الكريم فكان كثير التلاوة له والعناية به قراءة ودرسا وفهما وقد تقد قوله:
«ما في القرآن آية إلا قد سمعت فيها بشيء».
وقال أبو عوانة: «شهدت قتادة يدرس القرآن في رمضان»
و قال سلام بن أبي مطيع: (كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة).

ولأن المسلمون نصحه والمنافقون غششة فإن هذا العالم مع نشره للعلم -وكفى به نصحا للمسلمين- فقد أثر عنه بعض المقولات المشهورة والنصائح المأثورة ومنها :
-قوله: «الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر». رواه ابن سعد في الطبقات.
-وروى أبو القاسم البغوي في الجعديات بعض النصائح عن قتادة منها:
قوله: «باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه، وصلاح من بعده أفضل من عبادةِ حول».
وقوله: كان يقال: «قلَّ ما ساهر الليل منافق».
وقوله: «إذا سرَّك أن يكذب صاحبك فلقّنه»
وقوله: ( كان المؤمن لا يرى إلا في ثلاث مواطن: في مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة لا بأس بها).

وقد توفي هذا العالم الجليل عن عمر يقدر بست وخمسين أو سبع وخمسين سنة في سنة مائة وسبعة عشر أو مائة وثمانية عشر فرحمه الله رحمة واسعة.

وفي الختام يحسن بنا أن نذكر بعض الفوائد التي تستفاد من قصة هذا العالم الجليل ومنها:
-شدة الحاجة إلى معالجة النية ليكون العلم والعمل كله لله.
-أهمية التثبت عمن يؤخذ عنه العلم فلا ينبغي أن يهمل العبد في هذا الجانب.
-أن العلم له طريق موصلة يجب سلوكها فإن من سار على الدرب وصل.
-الحاجة إلى طول ملازمة أهل العلم الربانين وإن وصل العبد إلى درجة بث العلم فإنه لا ينقطع عن العلماء الكبار الراسخين.
-الرحلة في العلم وما فيها من الفوائد.
-أهمية العناية بتنمية الملكات التي يهبها الله للعبد كالحفظ فهذا قتادة مع أنه ضرير إلا أنه كان آية في الحفظ وهذا يحتاج لمجاهدة وتدرب عليه.
-أن العلم نعمة عظيمة ومنة جليلة من الله فمن نالها وجب عليه الحرص عليها والقيام بحقها.

وفي الختام نسأل الله تعالى أن ينفعنا بعلم سلفنا الصالح وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.




اعتذر عن التأخر لظروفي سفري خارج البلاد ولم أتمكن من المتابعة في الفترة الماضية وسأقوم بأداء المهام المتأخرة بإذن الله في الأيام القادمة .
بارك الله فيك

ب

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 13 شوال 1441هـ/4-06-2020م, 11:12 AM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

عكرمة البربري مولى ابن عباس

( انطلق فأفت الناس وأنا عون لك )

كلمات قالها المعلم والمربي والمؤدب لمن تفرس فيه نجابة وفهما وعلما من تلامذته فرأى لزاما عليه أن ينشر علمه ويظهره ...
هكذا قال ابن عباس رضي الله عنه لمولاه عكرمة البربري بعد أن رأى أنه قد بلغ من علمه ما يؤهله للفتيا والتصدر بالعطاء ...

عكرمة الذي كانت له تلك الحظوة عند ابن عباس حتى قدمه ، بل كما قال هو : ( كنت أفتي بالباب وابن عباس في الدار ) كما روى العقيلي
- هو أبو عبد الله القرشي ، مولاهم المدني ، البربري الأصل ...
كان عبدا للحصين بن أبي حر العنبري ، فوهبه لابن عباس حين ولي البصرة ... أوائل خلافة علي رضي الله عنه ...

خدمته لابن عباس ونهله العلم منه :
وقد كان لرقه عند ابن عباس أثر عظيم عليه ، حيث مكنته خدمته لابن عباس من ملازمته والتعلم منه ، وقد تفرس فيه ابن عباس نجابة وفهما وحفظا فألزمه العلم ... فقد قال عكرمة : ( كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل يعلمني القرآن ويعلمني السنة ) رواه ابن سعد

وقد كان هذا دأب سلفنا في حرصهم على تعليم أبنائهم ومواليهم القرآن ، فكيف بحبر الأمة وترجمان القرآن ...

كان عكرمة يتدارس القرآن مع معلمه حتى روي عن ابن عباس أنه سأل عن قوله تعالى في أهل السبت ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ) لم أدر أنجا القوم أم هلكوا ؟ قال عكرمة فما زلت أبين له أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا ، فكساني حلة ... رواه ابن سعد

فقد أدرك عكرمة بفهمه أن الله وإن لم يذكر عاقبتهم لكنه ذكر إنكارهم لفعل القوم بدلالة قولهم ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ) ... وإنكارهم للمنكر نجاة لهم ...

ظل عكرمة ينهل من علم ابن عباس حتى توفي ابن عباس رضي الله عنه وهو ما زال مملوكا له ، وقد كانت مدة مكثه عنده ثلاثين عاما أخذ منها بحظ وافر من العلم والفهم ... ورغم رقه إلا أن علمه رفعه مصداقا لقوله تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )

ولما توفي ابن عباس قام علي ابنه ببيع عكرمة بأربعة آلاف دينار ، فبلغ ذلك عكرمة فعاتبه وقال له أتبيع علم أبيك بأربعة آلاف ؟ فرده واستقال المشتري وأعتق عكرمة إكراما لما حواه صدره من علم أبيه ...

- و قال عبد الصمد بن معقل : لما قدم عكرمة الجند ، أهدى له طاوس نجبا بستين دينارا ، فقيل لطاوس : ما يصنع هذا العبد بنجب بستين دينارا ؟ ، قال : أتروني لا أشتري علم ابن عباس بستين دينارا لعبد الله بن طاوسسير أعلام النبلاء

مكانته بين العلماء :
فقد تتلمذ على يد حبر الأمة فصار بحرا في العلم ... فأثنى عليه علماء الأمة وفقهاؤها وذكروا له فضله ...
-فهذا جابر بن زيد يؤكد تلك المكانة له ، فيقول : ( عكرمة من أعلم الناس )
ويروي عمرو بن دينار فيقول دفع إلي جابر بن زيد مسائل أسأل عنها عكرمة، وجعل يقول: (هذا عكرمة، هذا مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه). رواه ابن سعد في الطبقات

- وذاك سعيد بن جبير يسأل : تعلم أحدا أعلم منك؟
فيقول: (نعم؛ عكرمة).رواه ابن أبي خيثمة

- وقال الشعبي : ( ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة ) رواه أبو نعيم في الحلة

- وهذا قتادة يعدد العلماء في زمانه فيقول : ( و أعلمهم بالتفسير عكرمة )

- وقال سفيان الثوري : ( خذوا التفسير عن أربعة ؛ عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة و الضحاك )


برز مع من برز من تلامذة ابن عباس ، حتى قال يحيى بن سعيد القطان: (أصحاب ابن عباس ستة: مجاهد، وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وجابر بن زيد).رواه ابن عساكر
سعة علمه :
- وفي سعةعلمه قال حبيب بن أبي ثابت :
اجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم أبدا: عطاء، وطاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة؛ فأقبل مجاهد وسعيد بن جبير يلقيان على عكرمة التفسير؛ فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما، فلما نفد ما عندهما جعل يقول: أنزلت آية كذا في كذا، وأنزلت آية كذا في كذا)
رواه أبو نعيم في الحلة

وقد كان لغزارة علمه تنفتح له أبواب العلم في كل شيء حتى قال عن نفسه ( إني لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فينفتح لي خمسون باباً من العلم).

-وإضافة إلى ابن عباس فقد سمع من عائشة ، وأبي هريرة ، وأبي قتادة ، وعبد الله بن عمرو ، وابن عمر كما ذكر المديني . كما أخذ العلم من غيرهم

-و حدث عنه إبراهيم النخعي ، والشعبي ، وماتا قبله ، وعمرو بن دينار ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد ، وحبيب بن أبي ثابت ، وحصين بن عبد الرحمن ، والحكم بن عتيبة ، وعبد الله بن كثير الداري ، وعبد الكريم الجزري ، وعبد الكريم أبو أمية البصري ، وعلي بن الأقمر ، وقتادة ، ومطر الوراق ، وموسى بن عقبة ، وأبو إسحاق الهمداني ، وأبو إسحاق الشيباني ، وأبو صالح مولى أم هانئ مع تقدمه ، وأبو الزبير المكي ، وخلق كثير من جلة التابعين لا يتسع المقام لذكرهم

ما انتقد فيه :
مع وفرة علمه وتحديثه بكثير مما علمه ووعاه تعرض للانتقادات ... إذ أن علمه اشتمل على غرائب لا يعرفها كثير من الناس فأنكرت عليه ...
بل وصل بعضهم إلى اتهامه بالكذب أي الخطأ في الرواية لا تعمد الكذب ، أو خطأ الفهم عن ابن عباس ...وإن كان من تتبع تلك الروايات الغريبة وجد أنه لم ينفرد بها بل رواها غيره على مثل ما رواها ...
وقد ساءه ذلك فقال : أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي، أفلا يكذبوني في وجهي؛ فإذا كذبوني في وجهي؛ فقد والله كذبوني). رواه ابن سعد
ولما قيل لسعيد بن جبير عما يحدث به حضر مجلسه فحدث بما استنكره عليه القوم فلما قام قال لهم لقد أصاب الحديث ، وهذا يدل أن من ينقلون عنه ما يستنكر يخطئون في نقلهم ...

- وكان ممن تكلّم في عكرمة: سعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، ثمّ تركه مسلم فلم يرو عنه في صحيحه إلا حديثاً واحداً مقروناً بسعيد بن جبير.

بينما احتجّ به جماعة من الأئمة، منهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، وأبو حاتم الرازي، والنسائي، والعجلي، وابن حبان، وغيرهم.


🔹وقد تتبع ابن حجر الطعون التي طعن بها عكرمة ووجدها ترجع إلى أمور ثلاثة :
1- الأول: ما روي عن بعض السلف في اتهامه بالكذب ... والحقيقة أنه بريء من هذه التهمة ..
أ. فقد اتهم بها إما لخطأ من النقلة عنه ، كما ذكر في ما قاله عنه ابن جبير حين أخبره قوم باستنكارهم لما يروي فلما سمع منه قال أصاب الحديث

ب. وإما هو جرح من مجروح ، ولا يصح أن يجرح العدل بكلام المجروح
-قال ابن حبان: (لا يجب على من شم رائحة العلم أن يعرّج على قول يزيد بن أبي زياد حيث يقول: "دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحش قلت: من هذا؟ قال: إن هذا يكذب على أبى".
-قال: (ومن أمحل المحال أن يُجرح العدل بكلام المجروح؛ لأن يزيد بن أبى زياد ليس ممن يحتج بنقل حديثه ولا بشيء يقوله).


ج. وإما لإكثاره النقل فقد يكون سمع الحديث من رجلين ، وكان إذا سئل حدث به عن واحد ، ثم يسأل عنه بعد ، فيحدث به عن الآخر ، فكانوا يقولون : ما أكذبه ، فسألوا عنه إسماعيل بن عبيد الله الأنصاري فاختبره ثم قال: (الرجل صدوق، ولكنَّه سمع من العلم فأكثر وكلما سنح له طريق سلكه) رواه ابن عدي وابن عساكر
-وقال طاووس : (لو أن مولى ابن عباس اتقى الله وكف من حديثه لشدت إليه المطايا).

د. وإما لما ورد عن ابن المسيب من قوله لمولاه برد : ( انظر لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس).
وقد ذكر تكذيبه له في سؤال عطاء لابن المسيب عن قول عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله تزوج ميمونا وهو محرم ، فقال سعيد بن المسيب : ( كذب مخبثان، اذهب إليه، فسبّه، سأحدثكم: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فلما حلَّ تزوجها).

والحقيقة أنه قد روي عن ابن عباس القولين ، فقد ورد ظن ابن عباس أن رسول الله تزوجها وهو محرم ، وقالت أمنا ميمونة رضي الله عنها وأرضاها : «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ» (رواه مسلم).
وبذلك تعلم براءة عكرمة من الكذب ،
وحتى وإن أخطأ في الفهم فكم من عالم عدل أخطأ فلم يقدح خطؤه بعدالته ؛
ولذلك قال حماد بن زيد : قيل لأيوب: أكنتم أو كانوا يتهمون عكرمة؟ قال: (أما أنا فلم أكن أتهمه). رواه العقيلي وابن عساكر.

- وقال أبو معمر القطيعي: حدثنا ابن فضيل، عن عثمان بن حكيم قال: (رأيت عكرمة جاء إلى أبي أمامة بن سهل بن حنيف فقال: أنشدك بالله، أما سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عكرمة عني فهو حق؟ فقال أبو أمامة: بلى). رواه العقيلي وابن عساكر. قال ابن حجر: (وهذا إسناد صحيح).

وهذه شهادة من ابن عباس له وتوثيق منه ، وما كان ابن عباس رضي الله عنه يأمر عكرمة بالفتيا وهو في الدار إلا لما رأى من علمه وثقته به ..
روى يزيد النحوي عن عكرمة قال: قال ابن عباس: (انطلق فأفتِ الناس وأنا لك عون)
قال قلت: لو كان مع الناس مثلهم أفتيتهم.
قال: (انطلق فأفتِ الناسَ فمن سألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته فإنَّك تطرح عنك ثلثي مؤنة الناس
)

2- الأمر الثاني : ما اتهم به بأنه كان يرى رأي الخوارج
وقد رد ابن حجر ذلك ، اذ سيرة الرجل تدل على غير ذلك ، فلم يعرف عنه إلا أنه كان داعيا إلى السنة معظما للصحابة مصافيا للأئمة ، يخرج في الغزوات وينشر علمه ، بل أساتذته كلهم من الصحابة ، وتلامذته من كبار التابعين ... وهذا ليس من صفات الخوارج ...

وقد ذكرت بعض فلتات من لسانه جعلت بعض من سمعه ينسبه إلى الحرورية وهي وإن صحت نسبتها إليه فإن سيرته تنفي ذلك ...
وقد يكون حصل توافق بين بعض أقواله وأقوال الخوارج لكن هذا لا يعني أنه منهم ...

🔺وقد ذب عنه كثير من العلماء ورد عنه هذه التهمة
قال العجلي في شأن عكرمة : (مكي، تابعي، ثقة، بريء مما يرميه به الناس من الحرورية)

وقد أبدع ابن جرير في رد تلك التهمة عنه فرسم منهجا مهما لكل من يأتي بعده فيسمع جرحا فيمن وثقه العلماء أو اتهاما في الانتساب إلى فرقة من الفرق الضالة فقال :
(وأمَّا ما نُسِبَ إليه عكرمة من مذهب الصُّفْريَّة، فإنَّه لو كان كل من ادُّعي عليه مذهبٌ من المذاهب الرديئة ونحلةٌ ثبت عليه ما ادُّعي عليه من ذلك ونُحِلَهُ -يجب علينا إسقاط عدالته وإبطال شهادته وترك الاحتجاج بروايته- لزمنا ترك الاحتجاج برواية كل من نُقل عنه أثَرٌ من مُحَدِّثي الأمصار كُلِّها؛ لأنه لا أحد منهم إلاَّ وقد نسبه ناسبون إلى ما يَرغب به عنه قوم ويرتضيه له آخرون).

3- وأما الأمر الثالث الذي أخذ عليه فهو أنه كان يقبل أعطيات الأمراء
ومعلوم ما كان عليه السلف من التزهيد بل والتحذير من أعطيات السلاطين والأمراء والوقوف ببابهم لئلا يمتهن العلم على أبوابهم ويصير مادة للمساومة ، ولئلا يميل العالم إليهم فيميل عن الحق مقابل إكرامهم له ..
وقد كان سفيان الثوري -رَضِيَ اللَّهُ عنه- يَقُول: ((مَا أخاف من إهانتهم لي إنما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم))
وقال ابن الجوزي : «ولا تلتفت -يا هذا- إلى ما ترى من بذل العلماء على أبواب السلاطين؛ فإن العزلة أصون للعالم والعلم، وما يخسره العلماء في ذلك أضعاف ما يربحونه».

ومع ما روي عن عكرمة في قبول إكرام الأمراء وأعطياتهم إلا أن ذلك لا يقدح في عدالته
وقد قال الكسائي لما انتقد في ملازمته للرشيد حتى كان يرى بحلة مختلفة عند ذهابه إليه فقالوا له : يا أبا الحسن ما هذا الزي ؟ قال : أدب من أدب السلطان لا يثلم دينا ولا يدخل في بدعة ولا يخرج عن سنة

وخلاصة القول فيه
كما قال عنه ابن منده: (وأما حال عكرمة مولى ابن عباس رحمه الله في نَفْسِهِ، فَقَدْ عَدَّلَهُ أئمةٌ من نُبلاء التابعين ومَنْ بَعْدَهم، وحَدَّثوا عنه، واحتجّوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام.
روى عنه زُهاء ستمائة رجل من أئمة البلدان فيهم زيادة على سبعين رجلاً من خيار التابعي ورفعائهم، وهذه منزلةٌ لا تكاد توجد لكبير أحد من التابعين إلاَّ لعكرمة مولى ابن عباس رحمة الله عليه
).

- و قال أبو بكر المروذي: قلت لأحمد بن حنبل: يحتج بحديث عكرمة؟ فقال: (نعم، يحتج به).
- وقال البخاري: (ليس أحد من أصحابنا إلا احتجّ بعكرمة).
- وقال ابن حبان: (أما عكرمة فحمل أهل العلم عنه الحديث والفقه في الأقاليم كلها وما أعلم أحدا ذمه بشيء إلا بدعابة كانت فيه).
- وقال أيضا: (ومن زعم أنا كنا نتقي حديث عكرمة فلم ينصف إذ لم نتّق الرواية عن إبراهيم بن أبي يحيى وذويه).

🔺وقد تعجب ابن جرير ممن قدح فيه فقال : (أتعجَّب كلَّ العجب مِمَّن عَلِمَ حال عكرمة ومكانه من عبد الله بن عباس وطول مكثه معه وبين ظهرانَيْ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثمَّ مَنْ بَعْدَ ذلك من خيار التابعين والخالفين وهم له مقرِّظون، وعليه مُثْنون، وله في العلم والدِّين مقدِّمون، وله بالصدق شاهدون؛ ثم يجيء بَعْدَ مُضيِّه لسبيله بدهرٍ وزمان نوابغُ يجادلون فيه من يَشْهَدُ له بما شهد له به مَنْ ذكرنا من خيار السلف وأئمة الخلف: من مُضيِّه على ستره وصلاحه وحاله من العدالة وجواز الشهادة في المسلمين ...)

وفاته :
وأما وفاته رحمه الله فقيل أنه توفي وكثير عزة في نفس اليوم سنة خمس ومئة

وقيل أنه قبل وفاته كان متغيبا عن السلطان إذ طلبه بعض ولاة المدينة لما أشيع عنه في رأيه فتغيب عن داود بن الحصين حتى مات رحمه الله
وقال خالد بن القاسم البياضي: (مات عكرمة وكثير عزة الشاعر في يوم واحد سنة خمس ومائة , فرأيتهما جميعا صلي عليهما في موضع واحد بعد الظهر في موضع الجنائز؛ فقال الناس: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس).

-وقد قيل أن أحدا لم يشيع جنازته ...وفي الخبر اضطراب ، وإن صح فهو كما قال الذهبي : (ما تركوا عكرمة - مع علمه - وشيعوا كثيرا إلا عن بلية كبيرة في نفوسهم له رضي الله عنه).

-كان من وصاياه رحمه الله في حفظ العلم وبيان مكانته ما رواه أرطاة بن أبي أرطاة: قال رأيت عكرمة يحدّث رهطا فيهم سعيد بن جبير؛ فقال: إن للعلم ثمناً قيل: وما ثمنه يا أبا عبد الله؟
قال: (ثمنه أن يضعه عند من يحسن حمله، ولا يضيعه).

وهي وصية تكتب بماء الذهب ، فكم من علم امتهن عندما وضع عند من لا يعرف مكانته أو يحسن صيانته

- قال الشافعي رحمه الله :
وَمَنْ مَنَحَ الجهّالَ عِلْماً أضَاعَهُ .... وَمَنْ مَنَعَ المستوجِبين فقَدْ ظَلَم

- وقال شعبة : أتاني الأعْمَش وأنا أحدِّث قومًا ، فقال: وَيْحَكَ ، تُعَلِّقُ اللؤلؤَ في أعْنَاق الخنازير ؟ قال مهنَّا للإمام أحمد ـ رضي الله عنه: “ما معنى قوله ؟ قال: لا ينبغي أن يحدِّث من لا يستأهل .

فوائد من سيرة عكرمة :
القراءة في سير الأعلام مما تجنى ثماره يسيرة لمن بحث عنها ... وسيرة عكرمة كانت حافلة مليئة بالفوائد منها :
- كل مرب أو ولي راع ومسؤول عمن تحت ولايته من أبناء أو موال ، ومن مسؤوليته تعليمهم ما ينفعهم في أمر دينهم ...

- المربي الحق من يتفرس فيمن تحت ولايته ويعلم مكامن الخير والموهبة فيه فيسعى لتنميتها

- قد يقاد البعض إلى الجنة بالسلاسل كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وكذلك قد يجر العالم أول أمره إلى العلم بالسلاسل ، وليس هذا من القسوة بل هو من الرعاية التي يعرف صاحبها قدرها لاحقا ... فمن الرأفة بالصغار والموالي الحرص على تعليمهم وإن رافق ذلك بعض الشدة

- يرفع الله بهذا الكتاب أقواما ويضع آخرين ، فهاهو عكرمة مع رقه وعبوديته إلا أنه برز بعلمه حتى فاق أقرانه وصار مقصد من أراد علم القرآن

- من صيانة العلم وضعه عند أهله ، ولعل عكرمة عندما وصى بذلك كان ذلك بتأثير ما حصل معه إذ حدث بكثير مما تعلم عند من لا يعلمه ، وعدد الرواة عند من يجهلهم حتى اتهمه بعضهم بالكذب وليس كذلك

- لا بد لمن أراد العلم من الصبر عليه فقد قال عكرمة ( طلبت العلم أربعين عاما ) فلا يصل من وصل إلا وقد أنفق فيه من نفيس جهده ووقته

- من حاز الشرف والعلم والفضل لا بد أن يتوقع أن يتعرض له بسوء أو انتقاد ، وهذا لا ينقص من فضله ويغض من قيمته

- الأصل توقير العلماء وتقديرهم ، وإن وصلك عن أحدهم ما يخدش فيه أو يسوؤه فمواجهته بما قيل فيه والتثبت فيه خير من تناقل الاتهام بلا دليل ، فما من إنسان إلا وله أعداء ، ولو كل عالم جرح وأسقطت عدالته بما أشيع عنه ما بقي لعلمائنا وقار ...

- وهذا يقودنا إلى أن الأصل حسن الظن بالمسلم ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا )

- ومع ذلك كله فرحم الله امرءا ذب عن عرضه النميمة ، فلعل ترك بعض مما لا بأس به أحفظ لعرض المسلم فضلا عن العالم أن يتعرض له كما قيل في عجرمة في قبوله أعطيات الأمراء مع ما يقال في ذلك وكراهة أهل زمانه له .

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 28 شوال 1441هـ/19-06-2020م, 12:15 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هناء محمد علي مشاهدة المشاركة
عكرمة البربري مولى ابن عباس

( انطلق فأفت الناس وأنا عون لك )

كلمات قالها المعلم والمربي والمؤدب لمن تفرس فيه نجابة وفهما وعلما من تلامذته فرأى لزاما عليه أن ينشر علمه ويظهره ...
هكذا قال ابن عباس رضي الله عنه لمولاه عكرمة البربري بعد أن رأى أنه قد بلغ من علمه ما يؤهله للفتيا والتصدر بالعطاء ...

عكرمة الذي كانت له تلك الحظوة عند ابن عباس حتى قدمه ، بل كما قال هو : ( كنت أفتي بالباب وابن عباس في الدار ) كما روى العقيلي
- هو أبو عبد الله القرشي ، مولاهم المدني ، البربري الأصل ...
كان عبدا للحصين بن أبي حر العنبري ، فوهبه لابن عباس حين ولي البصرة ... أوائل خلافة علي رضي الله عنه ...

خدمته لابن عباس ونهله العلم منه :
وقد كان لرقه عند ابن عباس أثر عظيم عليه ، حيث مكنته خدمته لابن عباس من ملازمته والتعلم منه ، وقد تفرس فيه ابن عباس نجابة وفهما وحفظا فألزمه العلم ... فقد قال عكرمة : ( كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل يعلمني القرآن ويعلمني السنة ) رواه ابن سعد

وقد كان هذا دأب سلفنا في حرصهم على تعليم أبنائهم ومواليهم القرآن ، فكيف بحبر الأمة وترجمان القرآن ...

كان عكرمة يتدارس القرآن مع معلمه حتى روي عن ابن عباس أنه سأل عن قوله تعالى في أهل السبت ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ) لم أدر أنجا القوم أم هلكوا ؟ قال عكرمة فما زلت أبين له أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا ، فكساني حلة ... رواه ابن سعد

فقد أدرك عكرمة بفهمه أن الله وإن لم يذكر عاقبتهم لكنه ذكر إنكارهم لفعل القوم بدلالة قولهم ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ) ... وإنكارهم للمنكر نجاة لهم ...

ظل عكرمة ينهل من علم ابن عباس حتى توفي ابن عباس رضي الله عنه وهو ما زال مملوكا له ، وقد كانت مدة مكثه عنده ثلاثين عاما أخذ منها بحظ وافر من العلم والفهم ... ورغم رقه إلا أن علمه رفعه مصداقا لقوله تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )

ولما توفي ابن عباس قام علي ابنه ببيع عكرمة بأربعة آلاف دينار ، فبلغ ذلك عكرمة فعاتبه وقال له أتبيع علم أبيك بأربعة آلاف ؟ فرده واستقال المشتري وأعتق عكرمة إكراما لما حواه صدره من علم أبيه ...

- و قال عبد الصمد بن معقل : لما قدم عكرمة الجند ، أهدى له طاوس نجبا بستين دينارا ، فقيل لطاوس : ما يصنع هذا العبد بنجب بستين دينارا ؟ ، قال : أتروني لا أشتري علم ابن عباس بستين دينارا لعبد الله بن طاوسسير أعلام النبلاء

مكانته بين العلماء :
فقد تتلمذ على يد حبر الأمة فصار بحرا في العلم ... فأثنى عليه علماء الأمة وفقهاؤها وذكروا له فضله ...
-فهذا جابر بن زيد يؤكد تلك المكانة له ، فيقول : ( عكرمة من أعلم الناس )
ويروي عمرو بن دينار فيقول دفع إلي جابر بن زيد مسائل أسأل عنها عكرمة، وجعل يقول: (هذا عكرمة، هذا مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه). رواه ابن سعد في الطبقات

- وذاك سعيد بن جبير يسأل : تعلم أحدا أعلم منك؟
فيقول: (نعم؛ عكرمة).رواه ابن أبي خيثمة

- وقال الشعبي : ( ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة ) رواه أبو نعيم في الحلة

- وهذا قتادة يعدد العلماء في زمانه فيقول : ( و أعلمهم بالتفسير عكرمة )

- وقال سفيان الثوري : ( خذوا التفسير عن أربعة ؛ عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة و الضحاك )


برز مع من برز من تلامذة ابن عباس ، حتى قال يحيى بن سعيد القطان: (أصحاب ابن عباس ستة: مجاهد، وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وجابر بن زيد).رواه ابن عساكر
سعة علمه :
- وفي سعةعلمه قال حبيب بن أبي ثابت :
اجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم أبدا: عطاء، وطاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة؛ فأقبل مجاهد وسعيد بن جبير يلقيان على عكرمة التفسير؛ فلم يسألاه عن آية إلا فسرها لهما، فلما نفد ما عندهما جعل يقول: أنزلت آية كذا في كذا، وأنزلت آية كذا في كذا)
رواه أبو نعيم في الحلة

وقد كان لغزارة علمه تنفتح له أبواب العلم في كل شيء حتى قال عن نفسه ( إني لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فينفتح لي خمسون باباً من العلم).

-وإضافة إلى ابن عباس فقد سمع من عائشة ، وأبي هريرة ، وأبي قتادة ، وعبد الله بن عمرو ، وابن عمر كما ذكر المديني . كما أخذ العلم من غيرهم

-و حدث عنه إبراهيم النخعي ، والشعبي ، وماتا قبله ، وعمرو بن دينار ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد ، وحبيب بن أبي ثابت ، وحصين بن عبد الرحمن ، والحكم بن عتيبة ، وعبد الله بن كثير الداري ، وعبد الكريم الجزري ، وعبد الكريم أبو أمية البصري ، وعلي بن الأقمر ، وقتادة ، ومطر الوراق ، وموسى بن عقبة ، وأبو إسحاق الهمداني ، وأبو إسحاق الشيباني ، وأبو صالح مولى أم هانئ مع تقدمه ، وأبو الزبير المكي ، وخلق كثير من جلة التابعين لا يتسع المقام لذكرهم

ما انتقد فيه :
مع وفرة علمه وتحديثه بكثير مما علمه ووعاه تعرض للانتقادات ... إذ أن علمه اشتمل على غرائب لا يعرفها كثير من الناس فأنكرت عليه ...
بل وصل بعضهم إلى اتهامه بالكذب أي الخطأ في الرواية لا تعمد الكذب ، أو خطأ الفهم عن ابن عباس ...وإن كان من تتبع تلك الروايات الغريبة وجد أنه لم ينفرد بها بل رواها غيره على مثل ما رواها ...
وقد ساءه ذلك فقال : أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي، أفلا يكذبوني في وجهي؛ فإذا كذبوني في وجهي؛ فقد والله كذبوني). رواه ابن سعد
ولما قيل لسعيد بن جبير عما يحدث به حضر مجلسه فحدث بما استنكره عليه القوم فلما قام قال لهم لقد أصاب الحديث ، وهذا يدل أن من ينقلون عنه ما يستنكر يخطئون في نقلهم ...

- وكان ممن تكلّم في عكرمة: سعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، ثمّ تركه مسلم فلم يرو عنه في صحيحه إلا حديثاً واحداً مقروناً بسعيد بن جبير.

بينما احتجّ به جماعة من الأئمة، منهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، وأبو حاتم الرازي، والنسائي، والعجلي، وابن حبان، وغيرهم.


🔹وقد تتبع ابن حجر الطعون التي طعن بها عكرمة ووجدها ترجع إلى أمور ثلاثة :
1- الأول: ما روي عن بعض السلف في اتهامه بالكذب ... والحقيقة أنه بريء من هذه التهمة ..
أ. فقد اتهم بها إما لخطأ من النقلة عنه ، كما ذكر في ما قاله عنه ابن جبير حين أخبره قوم باستنكارهم لما يروي فلما سمع منه قال أصاب الحديث

ب. وإما هو جرح من مجروح ، ولا يصح أن يجرح العدل بكلام المجروح
-قال ابن حبان: (لا يجب على من شم رائحة العلم أن يعرّج على قول يزيد بن أبي زياد حيث يقول: "دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحش قلت: من هذا؟ قال: إن هذا يكذب على أبى".
-قال: (ومن أمحل المحال أن يُجرح العدل بكلام المجروح؛ لأن يزيد بن أبى زياد ليس ممن يحتج بنقل حديثه ولا بشيء يقوله).


ج. وإما لإكثاره النقل فقد يكون سمع الحديث من رجلين ، وكان إذا سئل حدث به عن واحد ، ثم يسأل عنه بعد ، فيحدث به عن الآخر ، فكانوا يقولون : ما أكذبه ، فسألوا عنه إسماعيل بن عبيد الله الأنصاري فاختبره ثم قال: (الرجل صدوق، ولكنَّه سمع من العلم فأكثر وكلما سنح له طريق سلكه) رواه ابن عدي وابن عساكر
-وقال طاووس : (لو أن مولى ابن عباس اتقى الله وكف من حديثه لشدت إليه المطايا).

د. وإما لما ورد عن ابن المسيب من قوله لمولاه برد : ( انظر لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس).
وقد ذكر تكذيبه له في سؤال عطاء لابن المسيب عن قول عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله تزوج ميمونا وهو محرم ، فقال سعيد بن المسيب : ( كذب مخبثان، اذهب إليه، فسبّه، سأحدثكم: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فلما حلَّ تزوجها).

والحقيقة أنه قد روي عن ابن عباس القولين ، فقد ورد ظن ابن عباس أن رسول الله تزوجها وهو محرم ، وقالت أمنا ميمونة رضي الله عنها وأرضاها : «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ» (رواه مسلم).
وبذلك تعلم براءة عكرمة من الكذب ،
وحتى وإن أخطأ في الفهم فكم من عالم عدل أخطأ فلم يقدح خطؤه بعدالته ؛
ولذلك قال حماد بن زيد : قيل لأيوب: أكنتم أو كانوا يتهمون عكرمة؟ قال: (أما أنا فلم أكن أتهمه). رواه العقيلي وابن عساكر.

- وقال أبو معمر القطيعي: حدثنا ابن فضيل، عن عثمان بن حكيم قال: (رأيت عكرمة جاء إلى أبي أمامة بن سهل بن حنيف فقال: أنشدك بالله، أما سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عكرمة عني فهو حق؟ فقال أبو أمامة: بلى). رواه العقيلي وابن عساكر. قال ابن حجر: (وهذا إسناد صحيح).

وهذه شهادة من ابن عباس له وتوثيق منه ، وما كان ابن عباس رضي الله عنه يأمر عكرمة بالفتيا وهو في الدار إلا لما رأى من علمه وثقته به ..
روى يزيد النحوي عن عكرمة قال: قال ابن عباس: (انطلق فأفتِ الناس وأنا لك عون)
قال قلت: لو كان مع الناس مثلهم أفتيتهم.
قال: (انطلق فأفتِ الناسَ فمن سألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته فإنَّك تطرح عنك ثلثي مؤنة الناس
)

2- الأمر الثاني : ما اتهم به بأنه كان يرى رأي الخوارج
وقد رد ابن حجر ذلك ، اذ سيرة الرجل تدل على غير ذلك ، فلم يعرف عنه إلا أنه كان داعيا إلى السنة معظما للصحابة مصافيا للأئمة ، يخرج في الغزوات وينشر علمه ، بل أساتذته كلهم من الصحابة ، وتلامذته من كبار التابعين ... وهذا ليس من صفات الخوارج ...

وقد ذكرت بعض فلتات من لسانه جعلت بعض من سمعه ينسبه إلى الحرورية وهي وإن صحت نسبتها إليه فإن سيرته تنفي ذلك ...
وقد يكون حصل توافق بين بعض أقواله وأقوال الخوارج لكن هذا لا يعني أنه منهم ...

🔺وقد ذب عنه كثير من العلماء ورد عنه هذه التهمة
قال العجلي في شأن عكرمة : (مكي، تابعي، ثقة، بريء مما يرميه به الناس من الحرورية)

وقد أبدع ابن جرير في رد تلك التهمة عنه فرسم منهجا مهما لكل من يأتي بعده فيسمع جرحا فيمن وثقه العلماء أو اتهاما في الانتساب إلى فرقة من الفرق الضالة فقال :
(وأمَّا ما نُسِبَ إليه عكرمة من مذهب الصُّفْريَّة، فإنَّه لو كان كل من ادُّعي عليه مذهبٌ من المذاهب الرديئة ونحلةٌ ثبت عليه ما ادُّعي عليه من ذلك ونُحِلَهُ -يجب علينا إسقاط عدالته وإبطال شهادته وترك الاحتجاج بروايته- لزمنا ترك الاحتجاج برواية كل من نُقل عنه أثَرٌ من مُحَدِّثي الأمصار كُلِّها؛ لأنه لا أحد منهم إلاَّ وقد نسبه ناسبون إلى ما يَرغب به عنه قوم ويرتضيه له آخرون).

3- وأما الأمر الثالث الذي أخذ عليه فهو أنه كان يقبل أعطيات الأمراء
ومعلوم ما كان عليه السلف من التزهيد بل والتحذير من أعطيات السلاطين والأمراء والوقوف ببابهم لئلا يمتهن العلم على أبوابهم ويصير مادة للمساومة ، ولئلا يميل العالم إليهم فيميل عن الحق مقابل إكرامهم له ..
وقد كان سفيان الثوري -رَضِيَ اللَّهُ عنه- يَقُول: ((مَا أخاف من إهانتهم لي إنما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم))
وقال ابن الجوزي : «ولا تلتفت -يا هذا- إلى ما ترى من بذل العلماء على أبواب السلاطين؛ فإن العزلة أصون للعالم والعلم، وما يخسره العلماء في ذلك أضعاف ما يربحونه».

ومع ما روي عن عكرمة في قبول إكرام الأمراء وأعطياتهم إلا أن ذلك لا يقدح في عدالته
وقد قال الكسائي لما انتقد في ملازمته للرشيد حتى كان يرى بحلة مختلفة عند ذهابه إليه فقالوا له : يا أبا الحسن ما هذا الزي ؟ قال : أدب من أدب السلطان لا يثلم دينا ولا يدخل في بدعة ولا يخرج عن سنة

وخلاصة القول فيه
كما قال عنه ابن منده: (وأما حال عكرمة مولى ابن عباس رحمه الله في نَفْسِهِ، فَقَدْ عَدَّلَهُ أئمةٌ من نُبلاء التابعين ومَنْ بَعْدَهم، وحَدَّثوا عنه، واحتجّوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام.
روى عنه زُهاء ستمائة رجل من أئمة البلدان فيهم زيادة على سبعين رجلاً من خيار التابعي ورفعائهم، وهذه منزلةٌ لا تكاد توجد لكبير أحد من التابعين إلاَّ لعكرمة مولى ابن عباس رحمة الله عليه
).

- و قال أبو بكر المروذي: قلت لأحمد بن حنبل: يحتج بحديث عكرمة؟ فقال: (نعم، يحتج به).
- وقال البخاري: (ليس أحد من أصحابنا إلا احتجّ بعكرمة).
- وقال ابن حبان: (أما عكرمة فحمل أهل العلم عنه الحديث والفقه في الأقاليم كلها وما أعلم أحدا ذمه بشيء إلا بدعابة كانت فيه).
- وقال أيضا: (ومن زعم أنا كنا نتقي حديث عكرمة فلم ينصف إذ لم نتّق الرواية عن إبراهيم بن أبي يحيى وذويه).

🔺وقد تعجب ابن جرير ممن قدح فيه فقال : (أتعجَّب كلَّ العجب مِمَّن عَلِمَ حال عكرمة ومكانه من عبد الله بن عباس وطول مكثه معه وبين ظهرانَيْ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثمَّ مَنْ بَعْدَ ذلك من خيار التابعين والخالفين وهم له مقرِّظون، وعليه مُثْنون، وله في العلم والدِّين مقدِّمون، وله بالصدق شاهدون؛ ثم يجيء بَعْدَ مُضيِّه لسبيله بدهرٍ وزمان نوابغُ يجادلون فيه من يَشْهَدُ له بما شهد له به مَنْ ذكرنا من خيار السلف وأئمة الخلف: من مُضيِّه على ستره وصلاحه وحاله من العدالة وجواز الشهادة في المسلمين ...)

وفاته :
وأما وفاته رحمه الله فقيل أنه توفي وكثير عزة في نفس اليوم سنة خمس ومئة

وقيل أنه قبل وفاته كان متغيبا عن السلطان إذ طلبه بعض ولاة المدينة لما أشيع عنه في رأيه فتغيب عن داود بن الحصين حتى مات رحمه الله
وقال خالد بن القاسم البياضي: (مات عكرمة وكثير عزة الشاعر في يوم واحد سنة خمس ومائة , فرأيتهما جميعا صلي عليهما في موضع واحد بعد الظهر في موضع الجنائز؛ فقال الناس: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس).

-وقد قيل أن أحدا لم يشيع جنازته ...وفي الخبر اضطراب ، وإن صح فهو كما قال الذهبي : (ما تركوا عكرمة - مع علمه - وشيعوا كثيرا إلا عن بلية كبيرة في نفوسهم له رضي الله عنه).

-كان من وصاياه رحمه الله في حفظ العلم وبيان مكانته ما رواه أرطاة بن أبي أرطاة: قال رأيت عكرمة يحدّث رهطا فيهم سعيد بن جبير؛ فقال: إن للعلم ثمناً قيل: وما ثمنه يا أبا عبد الله؟
قال: (ثمنه أن يضعه عند من يحسن حمله، ولا يضيعه).

وهي وصية تكتب بماء الذهب ، فكم من علم امتهن عندما وضع عند من لا يعرف مكانته أو يحسن صيانته

- قال الشافعي رحمه الله :
وَمَنْ مَنَحَ الجهّالَ عِلْماً أضَاعَهُ .... وَمَنْ مَنَعَ المستوجِبين فقَدْ ظَلَم

- وقال شعبة : أتاني الأعْمَش وأنا أحدِّث قومًا ، فقال: وَيْحَكَ ، تُعَلِّقُ اللؤلؤَ في أعْنَاق الخنازير ؟ قال مهنَّا للإمام أحمد ـ رضي الله عنه: “ما معنى قوله ؟ قال: لا ينبغي أن يحدِّث من لا يستأهل .

فوائد من سيرة عكرمة :
القراءة في سير الأعلام مما تجنى ثماره يسيرة لمن بحث عنها ... وسيرة عكرمة كانت حافلة مليئة بالفوائد منها :
- كل مرب أو ولي راع ومسؤول عمن تحت ولايته من أبناء أو موال ، ومن مسؤوليته تعليمهم ما ينفعهم في أمر دينهم ...

- المربي الحق من يتفرس فيمن تحت ولايته ويعلم مكامن الخير والموهبة فيه فيسعى لتنميتها

- قد يقاد البعض إلى الجنة بالسلاسل كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وكذلك قد يجر العالم أول أمره إلى العلم بالسلاسل ، وليس هذا من القسوة بل هو من الرعاية التي يعرف صاحبها قدرها لاحقا ... فمن الرأفة بالصغار والموالي الحرص على تعليمهم وإن رافق ذلك بعض الشدة

- يرفع الله بهذا الكتاب أقواما ويضع آخرين ، فهاهو عكرمة مع رقه وعبوديته إلا أنه برز بعلمه حتى فاق أقرانه وصار مقصد من أراد علم القرآن

- من صيانة العلم وضعه عند أهله ، ولعل عكرمة عندما وصى بذلك كان ذلك بتأثير ما حصل معه إذ حدث بكثير مما تعلم عند من لا يعلمه ، وعدد الرواة عند من يجهلهم حتى اتهمه بعضهم بالكذب وليس كذلك

- لا بد لمن أراد العلم من الصبر عليه فقد قال عكرمة ( طلبت العلم أربعين عاما ) فلا يصل من وصل إلا وقد أنفق فيه من نفيس جهده ووقته

- من حاز الشرف والعلم والفضل لا بد أن يتوقع أن يتعرض له بسوء أو انتقاد ، وهذا لا ينقص من فضله ويغض من قيمته

- الأصل توقير العلماء وتقديرهم ، وإن وصلك عن أحدهم ما يخدش فيه أو يسوؤه فمواجهته بما قيل فيه والتثبت فيه خير من تناقل الاتهام بلا دليل ، فما من إنسان إلا وله أعداء ، ولو كل عالم جرح وأسقطت عدالته بما أشيع عنه ما بقي لعلمائنا وقار ...

- وهذا يقودنا إلى أن الأصل حسن الظن بالمسلم ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا )

- ومع ذلك كله فرحم الله امرءا ذب عن عرضه النميمة ، فلعل ترك بعض مما لا بأس به أحفظ لعرض المسلم فضلا عن العالم أن يتعرض له كما قيل في عجرمة في قبوله أعطيات الأمراء مع ما يقال في ذلك وكراهة أهل زمانه له .

التقويم: أ
الخصم للتأخير، أحسنتِ، بارك الله فيكِ وزادكِ علمًا وفضلا.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الأول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:58 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir