دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > البحوث التفسيرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ربيع الثاني 1436هـ/13-02-2015م, 11:19 AM
لطيفة المنصوري لطيفة المنصوري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 728
افتراضي بحث في تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا...}

بسم الله الرحمن الرحيم
.
عناصر البحث


القراءات

1: القراءات في قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}
2: القراءات في قوله: {لنعلم}3: القراءات في قوله: {ليضيع}
4: القراءات في قوله تعالى: {لرؤوف}

المسائل التفسيرية
1: لمن الخطاب في الآية؟
2: المشار إليه في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}
3: معنى قوله: {جعلناكم}
4: معنى الأمة
5: معنى الوسط لغة
6: معنى قوله تعالى: {وسطا}
7: سبب وصف هذه الأمة بأنها أمة وسط.
8: تضمن الآية الثناء على هذه الأمة وتفضيلها على سائر الأمم يوم القيامة
9: معنى اللام في قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}
10: المراد بالناس في قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} ومعنى كون هذه الأمة شهيدة عليهم
11: من الذي يُمنع من الشهادة من هذه الأمة؟
12: المقصود بالرسول في الآية
13: معنى كون الرسول صلى الله عليه وسلم شهيدا على هذه الأمة
14: لمن الخطاب في قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}؟
15: معنى (ما) في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}
16: المراد بالقبلة في الآية
17: القول بحذف المضاف في قوله: {وما جعلنا القبلة} لدلالة الكلام عليه
18: معنى قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}
19: الأقوال في معنى قوله: {لنعلم} وبيان مرجع الضمير فيه
20: فائدة تعليق العلم بأفعال العباد
21: المراد بالاتباع في قوله: {من يتبع الرسول}
22: معنى (من) في قوله تعالى: {ممّن ينقلب على عقبيه}
23: معنى العقب لغة
24: معنى قوله تعالى: {ينقلب على عقبيه}
25: وجه تشبيه المرتد عن دينه بمن ينقلب على عقبيه
26: بيان الحكمة من تحويل القبلة
27: مرجع الضمير في قوله تعالى: {وإن كانت لكبيرة}
28: معنى قوله: {لكبيرة}
29: معنى (إن) و(اللام) في قوله: {وإن كانت لكبيرة}
30: الاستثناء في قوله: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} استثناء مفرغ
31: من هم الذين كانت القبلة أو الصرف عنها عظيما عليهم؟
32: المراد بالهداية في الآية ومن هم الذين هداهم الله؟
33: دلالة الآية على أن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فهو من المهتدين
34: سبب نزول قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}
35: المراد بالإيمان في الآية
36: الحكمة من تسمية الصلاة إيمانا
37: معنى اللام في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}
38: سبب التعبير بضمير الخطاب في قوله: {إيمانكم}
39: دلالة الآية على أن الله لا يضيع ثواب الأعمال التي نسخ الأمر بها
40: معنى قوله: {لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}
41: الحكمة من ختم الآية بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}

المسائل العقدية
1: قوله تعالى: {لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} لا يعني نفي علم الله السابق بما سيكون

المسائل البلاغية
1: تشبيه المرتد في دينه بالراجع على عقبيه وبيان وجه الشبه
2: القول بحذف المضاف في قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة} لدلالة الكلام عليه
3: الاستثناء في قوله: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} استثناء مفرغ لوجود معنى النفي

الإعراب
1: إعراب {جعلناكم أمة وسطا}
2: إعراب {لتكونوا شهداء}
3: إعراب {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}
4: إعراب {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}
5: إعراب {ليضيع}

المسائل النحوية
1: سبب منع لفظ {شهداء} من الصرف وسبب جمعه بألف التأنيث
2: دخول اللام على إن الخفيفة في قوله: {وإن كانت لكبيرة} للتفريق بينها وبين النافية

المسائل الصرفية
1: الفرق بين الوسْط بالسكون والوسَط بالتحريك
2: مفرد لفظ {شهداء}
3: تصغير لفظ عقب وجمعه

الاشتقاق
1: اشتقاق كلمة: {رؤوف}

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 ربيع الثاني 1436هـ/13-02-2015م, 11:37 AM
لطيفة المنصوري لطيفة المنصوري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 728
افتراضي

المرحلة الأولى: تصنيف أقوال العلماء في تفسير قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)}

القراءات

القراءات في قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (.. وهي في قراءة أبيّ بن كعبٍ: (وتكونوا شهداء على النّاس يوم القيامة) ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250]
القراءات في قوله: {لنعلم}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ الزهري ليعلم على ما لم يسم فاعله). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
القراءات في قوله: {ليضيع}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ الضحاك ليضيع بفتح الضاد وشد الياء). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
القراءات في قوله تعالى: {لرؤوف}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وفي الرّءوف لغاتٌ: إحداها رؤفٌ على مثال فعلٌ كما قال الوليد بن عقبة:

وشرّ الطّالبين ولا ت‍كنه ....... بقاتل عمّه الرّؤف الرّحيم

وهي قراءة عامّة قرّاء أهل الكوفة والأخرى رءوفٌ على مثال فعولٌ، وهي قراءة عامّة قرّاء أهل المدينة. ورئفٌ وهي لغة غطفان، على مثال فعلٌ مثل حذرٌ. ورأفٌ على مثال فعلٌ بجزم الهمز، وهي لغةٌ لبني أسدٍ.
والقراءة على أحد الوجهين الأوّلين). [جامع البيان: 2/ 654-655]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (إن شئت قلت لرؤوف، وإن شئت لرووف رحيم، فهمزت، وخففت). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ قوم لرؤفٌ على وزن فعل، ومنه قول الوليد بن عقبة:
وشرّ الطالبين فلا تكنه ....... بقاتل عمّه الرّؤوف الرحيم
تقول العرب: رؤف ورؤوف ورئف كحذر ورأف وقرأ أبو جعفر ابن القعقاع لرووف بغير همز، وكذلك سهل كل همزة في كتاب الله تعالى ساكنة كانت أو متحركة). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]

المسائل التفسيرية

سبب نزول الآية

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ( وروي في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حول إلى الكعبة أكثر في ذلك اليهود والمنافقون وارتاب بعض المؤمنين حتى نزلت الآية، وقال ابن جريج: «بلغني أن ناسا ممن كان أسلم رجعوا عن الإسلام»). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}[ 143]
قال مقاتل وذلك أن اليهود منهم مرحب وربيعة ورافع قالوا لمعاذ ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا فإن قبلتنا قبلة الأنبياء ولقد علم أنا عدل بين الناس فأنزل الله تعالى{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا}). [العجاب في بيان الأسباب:389 - 1/390]

لمن الخطاب في الآية؟

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} كما هديناكم أيّها المؤمنون بمحمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام، وبما جاءكم به من عند اللّه …)).[جامع البيان: 2/ 626-629]

المشار إليه في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} كما هديناكم أيّها المؤمنون بمحمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام، وبما جاءكم به من عند اللّه، فخصصناكم بالتّوفيق لقبلة إبراهيم وملّته، وفضّلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل؛ كذلك خصصناكم ففضّلناكم على غيركم من أهل الأديان بأن جعلناكم أمّةً وسطًا)[جامع البيان: 2/ 626-629]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً}، الكاف متعلقة بالمعنى الذي في قوله يهدي من يشاء، أي كما هديناكم إلى قبلة إبراهيموشريعته كذلك جعلناكم أمة). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} يقول تعالى: إنّما حوّلناكم إلى قبلة إبراهيم، عليه السّلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأنّ الجميع معترفون لكم بالفضل). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} أي: كما اخترنا إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، وأولاده وأنعمنا عليهم بالحنيفية جعلناكم أمة وسطا. ... وقال الزّمخشريّ: «وكذلك جعلناكم، ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا أي خياراً، ويستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث».). [عمدة القاري: 18/ 95]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( قوله تعالى: {وكذلك} أي وكما جعلناكم مهديين إلى الصراط المستقيم وجعلنا قبلتكم أفضل القبل، {جعلناكم أمة وسطًا} أي خيارًا أو عدولًا). [إرشاد الساري: 7/ 15]

معنى قوله: {جعلناكم}

قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وجعل بمعنى صير)[إرشاد الساري: 7/ 15]

معنى الأمة
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقد بيّنّا أنّ الأمّة هي القرن من النّاس، والصّنف منهم وغيرهم.).[جامع البيان: 2/ 626-629]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (معنى الأمة: الجماعة, أي: جماعة كانت إلا أن هذه الجماعة وصفت بأنها وسط.). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والأمة القرون من الناس). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]

معنى قوله: {وسطا}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن أنعمٍ، عن حبّان بن أبي جبلة يرفعه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآية: «{وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً}الوسط: العدل،...).الحديث. [الجامع في علوم القرآن: 1/ 130-131]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً...}: يعني : عدلاً,). [معاني القرآن: 1/ 83]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أمّةً وسطاً}, أي: عدلاً خياراً، ومنه قولهم: فلان واسطٌ في عشيرته، أي: في خيار عشيرته.
وقال غيلان:
= وقد وسطت مالكاً وحنظلاً
أي: صرت من أوسطهم , وخيارهم, وواسط: في موضع وسط، كما قالوا: ناقة يبسٌ ويابسة الخلف). [مجاز القرآن: 1/ 59]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة قال في قوله: {أمة وسطا} قال: «عدولا لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا أن قد بلغ ما أرسل به»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60-61]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ في قوله تبارك وتعالى: {وكذلك جعلنكم أمة وسطا} قال: «عدلا» ). [تفسير الثوري: 50]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، قال: نا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلًا»... )الحديث. [سنن سعيد بن منصور: 2/ 618-619]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أمة وسطا}أي: عدلا وقالوا خيارا وقالوا فلان واسطا في عشيرته أي من خيارهم.). [غريب القرآن وتفسيره: 83]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (حدّثنا يوسف بن راشدٍ، حدّثنا جريرٌ، وأبو أسامة واللّفظ لجريرٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، وقال أبو أسامة: حدّثنا أبو صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة، فيقول: لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمّته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته، فتشهدون أنّه قد بلّغ:{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}فذلك قوله جلّ ذكره:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا» والوسط: العدل.). [صحيح البخاري: 6/ 21-22]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({جعلناكم أمّةً وسطاً}, أي: عدلاً خياراً, ومنه قوله في موضع آخر: {قال أوسطهم ألم أقل لكم لو لا تسبّحون}
أي: خيرهم, وأعدلهم, قال الشاعر:

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم ....... إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

ومنه قيل للنبي صلى اللّه عليه وعلى آله: «هو أوسط قريش حسباً», وأصل هذا أن خير الأشياء أوساطها، وأن الغلو والتقصير مذمومان.). [تفسير غريب القرآن: 64-65]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: أخبرنا جعفر بن عونٍ، قال: أخبرنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ فيقال: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، وما أتانا من أحدٍ، فيقال: من شهودك؟ فيقول محمّدٌ وأمّته، قال: فيؤتى بكم تشهدون أنّه قد بلّغ، فذلك قول الله:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}والوسط: العدل». هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، عن الأعمش، نحوه). [سنن الترمذي: 5/ 57]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}:
- أخبرنا محمّد بن المثنّى، عن هشام بن عبد الملك، حدّثنا أبو معاوية، أخبرنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: {جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلًا».).السنن الكبرى للنسائي: 10/ 18]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأمّا الوسط فإنّه في كلام العرب: الخيار، يقال منه: فلان واسط الحسب في قومه: أي متوسّط الحسب، إذا أرادوا بذلك الرّفع في حسبه، وهو وسطٌ في قومه، وواسطٌ، كما يقال: شاةٌ يابسة اللّبن، ويبسة اللّبن، وكما قال جلّ ثناؤه: {فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا} وقال زهير بن أبي سلمى، في الوسط:

هم وسطٌ يرضى الأنام بحكمهم ....... إذ نزلت إحدى اللّيالي بمعظم

قال: وأنا أرى أنّ الوسط في هذا الموضع هو الوسط الّذي بمعنى الجزء الّذي هو بين الطّرفين، مثل وسط الدّار محرّكة الوسط مثقّلته، غير جائزٍ في سينه التّخفيف.
...
وأمّا التّأويل فإنّه جاء بأنّ الوسط العدل، وذلك معنى الخيار؛ لأنّ الخيار من النّاس عدولهم.
ذكر من قال: الوسط: العدل.
- حدّثنا سلم بن جنادة، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثنا مجاهد بن موسى، ومحمّد بن بشّارٍ قالا: حدّثنا جعفر بن عونٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، مثله.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثني عليّ بن عيسى، قال: حدّثنا سعيد بن سليمان، عن حفص بن غياثٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد مثله.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {أمّةً وسطًا} قال: «عدولاً».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {أمّةً وسطًا} قال: «عدلاً».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} يقول: «جعلكم أمّةً عدلاً».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن رشدين بن سعدٍ، قال: أخبرنا ابن أنعمٍ المعافريّ، عن حبّان بن أبي جبلة، يسنده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «الوسط: العدل».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، ومجاهدٍ، وعبد اللّه بن كثيرٍ {أمّةً وسطًا} قالوا: «عدولاً، قال مجاهدٌ: «عدولاً».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «هم وسطٌ بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبين الأمم»).[جامع البيان: 2/ 626-629]
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن رشدين بن سعدٍ، قال: أخبرني ابن أنعم المعافريّ، عن حبّان بن أبي جبلة، يسنده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «...والوسط: العدل ...). [جامع البيان: 2/ 629-637]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وفي {أمّة وسطاً}, قولان:
1- قال بعضهم وسطاً: عدلاً.
2- وقال بعضهم: أخياراً, واللفظان مختلفان, والمعنى واحد؛ لأن العدل خير , والخير عدل.
وقيل في صفة النبي صلى الله عليه وسلم : إنه من أوسط قومه جنساً, أي: من خيارها، والعرب تصف الفاضل النسب بأنه: من أوسط قومه، وهذا يعرف حقيقته أهل اللغة؛ لأن العرب تستعمل التمثيل كثيرا.
فتمثل القبيلة بالوادي والقاع وما أشبهه فخير الوادي وسطه فيقال: هذا من وسط قومه، ومن وسط الوادي، وسرر الوادي وسرارة الوادي وسر الوادي، ومعناه كله: من خير مكان فيه، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم من خير مكان في نسب العرب, {وكذلك جعلناكم أمّة وسطًا}: أي: خياراً.). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{جعلناكم أمة وسطا}أي عدلا...). [تفسير مجاهد: 90]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن سلمان الفقيه، قال: قرئ عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي سعيدٍ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلًا» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه ).[المستدرك: 2/ 295]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ووسطاً معناه عدولا، روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتظاهرت به عبارة المفسرين، والوسط الخيار والأعلى من الشيء، كما تقول وسط القوم، وواسطة القلادة أنفس حجر فيها، والأمير وسط الجيش، وكقوله تعالى: {قال أوسطهم}[القلم: 28]، والوسط بإسكان السين ظرف مبني على الفتح، وقد جاء متمكنا في بعض الروايات في بيت الفرزدق:
فجاءت بملجوم كأن جبينه.......صلاءة ورس وسطها قد تفلقا
برفع الطاء والضمير عائد على الصلاءة، وروي بفتح الطاء والضمير عائد على الجائية، فإذا قلت حفرت وسط الدار أو وسط الدار فالمعنى مختلف.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ ت) - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء نوحٌ وأمّته، فيقول الله: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، أي ربّ، فيقول لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيٍّ، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمدٌ وأمّته، فنشهد أنّه قد بلّغ، وهو قوله عز وجلّ:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس}». أخرجه البخاري والترمذي.
إلا أن في رواية الترمذي. فيقولون: «ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحدٍ» وذكر الآية إلى آخرها - ثم قال: «والوسط: العدل».
واختصره الترمذي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً} قال: «عدلاً»). [جامع الأصول: 2/ 13-14]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} يقول تعالى: إنّما حوّلناكم إلى قبلة إبراهيم، عليه السّلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأنّ الجميع معترفون لكم بالفضل). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}:
- عن أبي سعيدٍ الخدريّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله عزّ وجلّ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}: قال: «عدلًا».
رواه أحمد، ورجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 6/ 316]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا أحمد بن عليّ المثنى حدّثنا أبو خيثمة حدّثنا أبو معاوية عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً} قال: «عدلا» ). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/ 425]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قال الطّبريّ: «الوسط في كلام العرب الخيار يقولون فلانٌ وسطٌ في قومه وواسطٌ إذا أرادوا الرّفع في حسبه». قال: «والّذي أرى أنّ معنى الوسط في الآية الجزء الّذي بين الطّرفين والمعنى أنّهم وسطٌ لتوسّطهم في الدّين فلم يغلوا كغلوّ النّصارى ولم يقصّروا كتقصير اليهود ولكنّهم أهل وسطٍ واعتدالٍ»، قلت: لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحًا لمعنى التّوسّط أن لا يكون أريد به معناه الآخر كما نصّ عليه الحديث فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دلّ عليه معنى الآية واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/ 172-173]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (وقال ابن كثير في تفسيره: «يقول الله تعالى: إنّما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكن بالفضل». وقال الزّمخشريّ: «وكذلك جعلناكم، ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا أي خياراً، ويستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث».
- حدّثنا يوسف بن راشدٍ حدثنا جريرٌ وأبو أسامة واللّفظ ل جريرٍ عن الأعمش عن أبي صالح. وقال أبو أسامة حدثنا أبو صالحٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «...والوسط العدل». ...
قوله: «والوسط: العدل» قيل، هو مرفوع من نفس الخبر وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهمه بعضهم. قلت: فيه تأمل، وقال ابن جرير: «الوسط العدل والخيار»، وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الّذي بمعنى الجزء الّذي هو بين الطّرفين مثل: وسط الدّار). [عمدة القاري: 18/ 95]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي والنسائي وصححه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان والاسماعيلي في صحيحه والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: «عدلا».
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النّبيّ في قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: «عدلا».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: {جعلناكم أمة وسطا} قال: «جعلكم أمة عدلا».
وأخرج ابن سعد عن القاسم بن عبد الرحمن قال: «قال رجل لابن عمر: من أنتم؟ قال: ما تقولون؟ قال: نقول إنكم سبط وتقول إنكم وسط، فقال: سبحان الله، إنما السبط في بني إسرائيل والأمة الوسط أمة محمد جميعا».
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي، وابن جرير والن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «...والوسط العدل ...».
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي، وابن ماجه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: عدلا...). [الدر المنثور: 2/ 17-25]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({جعلناكم أمة وسطًا} أي خيارًا أو عدولًا،… وهو بالتحريك اسم لما بين الطرفين، ويطلق على خيار الشيء، وقيل: كل ما صلح فيه لفظ بين يقال بالسكون وإلا فبالتحريك تقول: جلست وسط القوم بالتحريك، وقيل المفتوح في الأصل مصدر والساكن ظرف) . [إرشاد الساري: 7/ 15]
(-... والوسط: العدل» هو مرفوع من نفس الخبر لا مدرج كما قاله في الفتح، وسقط لأبي ذر لفظ جل ذكره. وقد سبق الحديث في كتاب الأنبياء). [إرشاد الساري: 7/ 16]

سبب وصف هذه الأمة بأنها أمة وسط.

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأرى أنّ اللّه تعالى ذكره إنّما وصفهم بأنّهم وسط لتوسّطهم في الدّين، فلا هم أهل غلوٍّ فيه، غلوّ النّصارى الّذين غلوا بالتّرهّب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصيرٍ فيه تقصير اليهود الّذين بدّلوا كتاب اللّه وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربّهم وكفروا به؛ ولكنّهم أهل توسّطٍ واعتدالٍ فيه، فوصفهم اللّه بذلك، إذ كان أحبّ الأمور إلى اللّه أوسطها.).[جامع البيان: 2/ 626-629]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قال بعض العلماء: أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم تغل في الدين كما فعلت اليهود، ولا افترت كالنصارى، فهي متوسطة، فهي أعلاها وخيرها من هذه الجهة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الأمور أوساطها» أي خيارها، وقد يكون العلو والخير في الشيء لما بأنه أنفس جنسه، وأما أن يكون بين الإفراط والتقصير فهو خيار من هذه الجهة وشهداء جمع شاهد في هذا الموضع.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قال الطّبريّ: «الوسط في كلام العرب الخيار يقولون فلانٌ وسطٌ في قومه وواسطٌ إذا أرادوا الرّفع في حسبه». قال: «والّذي أرى أنّ معنى الوسط في الآية الجزء الّذي بين الطّرفين والمعنى أنّهم وسطٌ لتوسّطهم في الدّين فلم يغلوا كغلوّ النّصارى ولم يقصّروا كتقصير اليهود ولكنّهم أهل وسطٍ واعتدالٍ»، قلت: لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحًا لمعنى التّوسّط أن لا يكون أريد به معناه الآخر كما نصّ عليه الحديث فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دلّ عليه معنى الآية واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/ 172-173]

تضمن الآية الثناء على هذه الأمة وتفضيلها على سائر الأمم يوم القيامة

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال زيد بن أسلم: «إن الأمم يقولون يوم القيامة والله لقد كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء كلهم لما يرون الله أعطاهم»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 61]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن أسلم: «أنّ الأمم يقولون يوم القيامة: واللّه لقد كادت هذه الأمّة أن تكون أنبياء كلّهم لما يرون اللّه أعطاهم».). [جامع البيان: 2/ 629-637]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} يقول تعالى: إنّما حوّلناكم إلى قبلة إبراهيم، عليه السّلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأنّ الجميع معترفون لكم بالفضل). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (ومن حديث جابرٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما من رجلٍ من الأمم إلّا ودّ أنّه منّا أيّتها الأمّة، ما من نبيٍّ كذّبه قومه إلّا ونحن شهداؤه يوم القيامة أن قد بلّغ رسالة اللّه ونصح لهم».). [فتح الباري: 8/ 172-173]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (وقال ابن كثير في تفسيره: «يقول الله تعالى: إنّما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل». وقال الزّمخشريّ: «وكذلك جعلناكم، ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا أي خياراً، ويستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث».
- حدّثنا يوسف بن راشدٍ حدثنا جريرٌ وأبو أسامة واللّفظ ل جريرٍ عن الأعمش عن أبي صالح. وقال أبو أسامة حدثنا أبو صالحٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة فيقول لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟، فيقول: نعم، فيقال لأمّته: هل بلّغكم؟، فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، فيقول: من يشهد لك؟، فيقول: محمّدٌ وأمّته، فيشهدون أنّه قد بلّغ، ويكون الرّسول عليكم شهيداً فذالك قوله جلّ ذكره:{وكذالك جعلناكم أمّةٍ وسطاً لتكونوا شهداءٍ على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيداً}والوسط العدل»). [عمدة القاري: 18/ 95]

معنى اللام في قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {لتكونوا شهداء على النّاس}
{تكونوا} في موضع نصب.
المعنى: جعلناكم خياراً؛ لأن شهداء، فنصب {تكونوا } بأن, و{شهداء} نصب خبر تكونوا، إلا أن {شهداء} لا ينون، لأنه لا ينصرف لأن فيه ألف التأنيث ...). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({لتكونوا شهداء على الناس} يوم القيامة {ويكون الرسول عليكم شهيدًا} علة للجعل. [إرشاد الساري: 7/ 15]

المراد بالناس في قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} والأقوال في معنى كون هذه الأمة شهيدة عليهم

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن أنعمٍ، عن حبّان بن أبي جبلة يرفعه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآية: «{وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً}الوسط: العدل،{لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرسول عليكم شهيداً}، إنّ أمّة محمدٍ تدعى فيقال: أتشهدون أنّ رسلي هؤلاء قد بلّغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه، فيقولون: نعم، ربّ، نشهد أنّهم قد بلغوا»). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 130-131]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ({لّتكونوا شهداء على النّاس}, يقال: إن كلّ نبيّ يأتي يوم القيامة , فيقول: ((بلّغت))، فتقول أمّته: لا، فيكذّبون الأنبياء، ثم يجاء بأمّة محمد صلى الله عليه وسلم فيصدّقون الأنبياء ونبيّهم, ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم , فيصدّق أمّته، فذلك قوله تبارك وتعالى: {لّتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيداً}، ومنه قول الله: {فكيف إذا جئنا من كل أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}). [معاني القرآن: 1/ 83]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة قال في قوله: {أمة وسطا} قال: «عدولا لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا أن قد بلغ ما أرسل به»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60-61]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن زيد بن أسلم: «قوم نوح يقولون يوم القيامة لم يبلغنا نوح قال: فيدعى نوح فيسأل هل بلغتهم؟، قال: فيقول نعم قد بلغتهم، فيقال: من شهودك؟، فيقول: أحمد وأمته فيدعون فيسألون فيقولون: نعم قد بلغهم، قال: فيقول قوم نوح وكيف تشهدون علينا ولم تدركونا، قال: فيقولون قد جاءنا نبي فأخبرنا أنه قد بلغكم وأنزل عليه أنه قد بلغكم فصدقناه، فيصدق نوح ويكذبون، قال: {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 61]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ في قوله جل جلاله: {لتكونوا شهداء على الناس} قال: «على الأمم بأنّ الرّسل قد بلغوا»). [تفسير الثوري: 50-51]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، قال: نا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلًا»{لتكونوا شهداء على النّاس} قال: «يؤتى بالنّبيّ يوم القيامة معه رجلٌ لم يتّبعه غيره، والنّبيّ معه الرّجلان لم يتّبعه أكثر من ذلك، فيقال للنّبيّ: هل بلّغت هؤلاء؟ فيقول: نعم، فيقول لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، فيقال لهم: من يشهد لكم أنكم قد بلغتم؟ فيقولون: محمّدٌ وأمّته، فيشهدون لهم بالبلاغ، فيقال لهم: ما يدريكم؟ فيقولون: أخبرنا نبيّنا أنّ الرّسل قد بلّغوا، فصدّقنا بذلك، فذلك قوله عزّ وجلّ: {جعلناكم أمّةً وسطًا}» يقول: «عدلًا»{لتكونوا شهداء على النّاس}، قال: «على هذه الأمم أنّهم قد بلّغوا» ). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 618-619]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
- حدّثنا يوسف بن راشدٍ، حدّثنا جريرٌ، وأبو أسامة واللّفظ لجريرٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، وقال أبو أسامة: حدّثنا أبو صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة، فيقول: لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمّته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته، فتشهدون أنّه قد بلّغ:{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}فذلك قوله جلّ ذكره:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا» والوسط: العدل.). [صحيح البخاري: 6/ 21-22]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله: باب قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدا}: كذا لأبي ذرٍّ، وساق غيره الآية إلى مستقيمٍ وسيأتي الكلام على الآية في كتاب الاعتصام إن شاء اللّه تعالى.
قوله: (حدّثنا قتيبة حدّثنا جريرٌ وأبو أسامة واللّفظ لجريرٍ) أي لفظ المتن قوله: (وقال أبو أسامة حدّثنا أبو صالحٍ) يعني قال أبو أسامة عن الأعمش حدّثنا أبو صالحٍ. فأفاد تصريح الأعمش بالتّحديث، وقد أخرجه في الاعتصام من وجهٍ آخر عن أبي أسامة وصرّح في روايته أيضًا بالتّحديث، وسيأتي في رواية أبي أسامة مفردةً في الاعتصام.
قوله: «يدعى نوحٌ يوم القيامة، فيقول: لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟، فيقول: نعم» زاد في الاعتصام: «نعم يا ربّ».
قوله: «فيقول من يشهد لك؟» في الاعتصام: «فيقول: من شهودك؟».
قوله: «فيشهدون» في الاعتصام: «فيجاء بكم فتشهدون».
وقد روى هذا الحديث أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد أتمّ من سياق غيره وأشمل ولفظه: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرّجل ويجيء النّبيّ ومعه الرّجلان ويجيء النّبيّ ومعه أكثر من ذلك، قال: فيقال لهم: أبلّغكم هذا؟، فيقولون: لا، فيقال للنّبيّ: أبلّغتهم، فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟». الحديث أخرجه أحمد عنه والنّسائيّ وبن ماجه والإسماعيليّ من طريق أبي معاوية أيضًا.
قوله: «فيشهدون أنّه قد بلّغ» زاد أبو معاوية: «فيقال: وما علّمكم؟ فيقولون: أخبرنا نبيّنا أن الرّسل قد بلغوا فصدّقناه». ويؤخد من حديث أبيّ بن كعبٍ تعميم ذلك فأخرج بن أبي حاتمٍ بسندٍ جيّدٍ عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ في هذه الآية قال: «{لتكونوا شهداء}وكانوا شهداء على النّاس يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوحٍ وقوم هودٍ وقوم صالحٍ وقوم شعيبٍ وغيرهم أنّ رسلهم بلّغتهم وأنّهم كذّبوا رسلهم»، قال أبو العالية وهي قراءة أبيٍّ: (لتكونوا شهداء على النّاس يوم القيامة)،
). [فتح الباري: 8/ 172-173]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (وقال ابن كثير في تفسيره: «يقول الله تعالى: إنّما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكن بالفضل». وقال الزّمخشريّ: «وكذلك جعلناكم، ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا أي خياراً، ويستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث».
- حدّثنا يوسف بن راشدٍ حدثنا جريرٌ وأبو أسامة واللّفظ ل جريرٍ عن الأعمش عن أبي صالح. وقال أبو أسامة حدثنا أبو صالحٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة فيقول لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟، فيقول: نعم، فيقال لأمّته: هل بلّغكم؟، فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، فيقول: من يشهد لك؟، فيقول: محمّدٌ وأمّته، فيشهدون أنّه قد بلّغ، ويكون الرّسول عليكم شهيداً فذالك قوله جلّ ذكره:{وكذالك جعلناكم أمّةٍ وسطاً لتكونوا شهداءٍ على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيداً}والوسط العدل». (انظر الحديث 3339 وطرفه).
مطابقته للآية ظاهرة. ويوسف هو ابن موسى بن راشد بن بلال القطّان الكوفي، وجرير هو ابن عبد الحميد، وأبو أسامة حمّاد بن أسامة، والأعمش سليمان، وأبو صالح ذكوان، وأبو سعيد الخدريّ سعد بن مالك بن سنان.
والحديث مضى في كتاب الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام، في: باب قوله تعالى: {إنّا أرسلنا نوحًا}[نوح: 1] ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: «والوسط: العدل» قيل، هو مرفوع من نفس الخبر وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهمه بعضهم. قلت: فيه تأمل، وقال ابن جرير: «الوسط العدل والخيار»، وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الّذي بمعنى الجزء الّذي هو بين الطّرفين مثل: وسط الدّار). [عمدة القاري: 18/ 95]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({لتكونوا شهداء على الناس} يوم القيامة)[إرشاد الساري: 7/ 15]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لتكونوا شهداء على النّاس}, أي: على الأمم المتقدمة لأنبيائهم). [تفسير غريب القرآن: 64-65]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: أخبرنا جعفر بن عونٍ، قال: أخبرنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ فيقال: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، وما أتانا من أحدٍ، فيقال: من شهودك؟ فيقول محمّدٌ وأمّته، قال: فيؤتى بكم تشهدون أنّه قد بلّغ، فذلك قول الله:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}والوسط: العدل». هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، عن الأعمش، نحوه). [سنن الترمذي: 5/ 57]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (- أخبرنا محمّد بن آدم بن سليمان، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجيء النّبيّ يوم القيامة معه الرّجل، ويجيء النّبيّ معه الرّجلان، ويجيء النّبيّ معه أكثر من ذلك، فيقال له: هل بلّغت قومك؟ فيقول: نعم، فيدعون فيقال: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فتدعى أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم فيقال: هل بلّغ هذا؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم بذلك؟ فيقولون: أخبرنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم أنّ الرّسل قد بلّغوا فصدّقناه، فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: عدلًا{لتكونوا شهداء على النّاس}»).لسنن الكبرى للنسائي: 10/ 18]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
والشّهداء جمع شهيدٍ.
فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمّةً عدلاً لتكونوا شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنّها قد بلّغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها، ويكون رسولي محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم شهيدًا عليكم بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندي.
وقيل: معنى عليكم فى قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} لكم. كأن تأويله عندهم: ويكون الرسول شهيدا لكم.
وقال قائل هذه المقاله: هذا نظير قوله: {وما ذبح على النّصب} إنما هو: وما ذبح على النّصب.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا حفصٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى بنوحٍ عليه السّلام يوم القيامة، فيقال له: هل بلّغت ما أرسلت به؟ فيقول: نعم، فيقال لقومه: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذيرٍ، فيقال له: من يعلم ذاك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته فهو قوله:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}».
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، قال، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه، إلاّ أنّه زاد فيه: «فتدعون فيشهدون أنّه قد بلّغ».

- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ: «{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس}بأنّ الرّسل قد بلّغوا{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}بما عملتم أو فعلتم».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أبي مالكٍ الأشجعيّ، عن المغيرة بن عتيبة بن النّهّاس، أنّ مكتبًا لهم حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّي وأمّتي لعلى كومٍ يوم القيامة مشرفين على الخلائق ما أحدٌ من الأمم إلاّ ودّ أنّه منا أيّتها الأمّة، وما من نبيٍّ كذّبه قومه إلاّ نحن شهداؤه يوم القيامة أنّه قد بلّغ رسالات ربّه ونصح لهم قال: {والرّسول عليكم شهيدًا}».
- حدّثني عصام بن روّاد بن الجرّاح العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبد اللّه بن أبى الفضل، عن أبي هريرة، قال: «خرجت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في جنازةٍ، فلمّا صلّى على الميّت، قال النّاس: نعم الرّجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت»، ثمّ خرجت معه في جنازةٍ أخرى، فلمّا صلّوا على الميّت، قال النّاس: بئس الرّجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت». فقام إليه أبيّ بن كعبٍ، فقال: يا رسول اللّه، ما قولك وجبت؟ قال: «قول اللّه عزّ وجلّ:{لتكونوا شهداء على النّاس}».
- حدّثني عليّ بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: حدّثني أبو عمرٍو عن يحيى، قال: حدّثني عبد اللّه بن أبي الفضل المدينيّ، قال: حدّثني أبو هريرة قال: «أتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بجنازةٍ، فقال النّاس: نعم الرّجل». ثمّ ذكر نحو حديث عصامٍ، عن أبيه.
- حدّثنا العباس بن الوليد، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا الأوزاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: حدّثني عبد اللّه، قال: حدّثني أبو هريرة، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ، قال: حدّثنا عكرمة بن عمّارٍ، قال: حدّثني إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فمرّ عليه بجنازةٍ فأثنى عليها ثناءٍ حسنٍ، فقال: وجبت»، ومرّ عليه بجنازةٍ أخرى، فأثنى عليها دون ذلك، فقال: «وجبت»، قالوا: يا رسول اللّه ما وجبت؟ قال: «الملائكة شهداء اللّه في السّماء وأنتم شهداء اللّه في الأرض فما شهدتم عليه من شىء وجبت ثمّ قرأ: {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون} الآية».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{لتكونوا شهداء على النّاس}تكونوا شهداء لمحمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام على الأمم اليهود، والنّصارى، والمجوس».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: «يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة بإذنه ليس معه أحدٌ، فتشهد له أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قد بلّغهم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن أبيه أنّه سمع عبيد بن عميرٍ يقول. فذكر مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: حدّثني ابن أبي نجيحٍ، عن أبيه قال: «يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة»، فذكر مثله، ولم يذكر عبيد بن عميرٍ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس}أي إنّ رسلهم قد بلّغت قومها عن ربّها{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}على أنّه قد بلّغ رسالات ربّه إلى أمّته».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس} لتكون هذه الأمّة شهداء على النّاس أنّ الرّسل قد بلّغتهم، ويكون الرّسول على هذه الأمّة شهيدًا، أن قد بلّغ ما أرسل به».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن أسلم: «أنّ قوم نوحٍ يقولون يوم القيامة: لم يبلّغنا نوحٌ. فيدعى نوحٌ عليه السّلام فيسأل: هل بلّغتهم؟ فيقول: نعم، قد بلّغتهم فيقال: من شهودك؟ فيقول: أحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته. فتدعون فتسألون، فتقولون: نعم، قد بلّغهم. فتقول قوم نوحٍ عليه السّلام: كيف تشهدون علينا ولم تدركونا؟ قالوا: قد جاءنا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرنا أنّه قد بلّغكم، وأنزل عليه أنّه قد بلّغكم، فصدّقناه. قال: فيصدّق نوحٌ ويكذّبون هم،قال:{لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن رشدين بن سعدٍ، قال: أخبرني ابن أنعم المعافريّ، عن حبّان بن أبي جبلة، يسنده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا جمع اللّه عباده يوم القيامة، كان أوّل من يدعى إسرافيل، فيقول له ربّه: ما فعلت في عهدي هل بلّغت عهدي؟ فيقول: نعم ربّ قد بلّغته جبريل عليهما السّلام، فيدعى جبريل، فيقال له: هل بلّغت إسرافيل عهدي؟ فيقول: نعم ربّ قد بلّغني. فيخلّى عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلّغت عهدي؟ فيقول: نعم، قد بلّغت الرّسل فتدعى الرّسل فيقال لهم: هل بلّغك إسرافيل عهدي فيقولون: نعم ربّنا، فيخلّى عن جبريل، ثمّ يقال للرّسل: ما فعلتم بعهدي؟ فيقول: بلّغنا أممنا. فتدعى الأمم فيقال: هل بلّغكم الرّسل عهدي؟ فمنهم المكذّب ومنهم المصدّق، فتقول الرّسل: إنّ لنا عليهم شهودًا يشهدون أن قد بلّغنا مع شهادتك. فيقول: من يشهد لكم؟ فيقول: أمّة محمّدٍ. فتدعى أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيقول: أتشهدون أنّ رسلي هؤلاء قد بلّغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه؟ فيقولون: نعم ربّنا، شهدنا أن قد بلّغوا، فتقول تلك الأمم: ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول لهم الرّبّ تبارك وتعالى: كيف يشهدون على من لم يدركوا؟ فيقولون: ربّنا بعثت إلينا رسولاً، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنّهم قد بلّغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا. فيقول الرّبّ: صدقوا فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}والوسط: العدل{لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}»، قال ابن أنعم: فبلغني أنّه يشهد يومئذٍ أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ من كان في قلبه حنةٌ على أخيه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: «{لتكونوا شهداء على النّاس}يعني بذلك الّذين استقاموا على الهدى، فهم الّذين يكونون شهداء على النّاس يوم القيامة لتكذيبهم رسل اللّه، وكفرهم بآيات اللّه».
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {لتكونوا شهداء على النّاس} يقول: «لتكونوا شهداء على الأمم الّذين خلوا من قبلكم بما جاءتهم به رسلهم، وبما كذّبوهم، فقالوا يوم القيامة وعجبوا: أنّ أمّةً لم يكونوا في زماننا، فآمنوا بما جاءت به رسلنا، وكذّبنا نحن بما جاءوا به. فعجبوا كلّ العجب».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: «{لتكونوا شهداء على النّاس}يعني أنّهم شهداء على القرون بما سمّى اللّه عزّ وجلّ لهم».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ: «ما قوله:{لتكونوا شهداء على النّاس}قال: أمّة محمّدٍ شهداء على من ترك الحقّ حين جاءه والإيمان والهدى ممّن كان قبلنا» ، وقالها عبد اللّه بن كثيرٍ، قال: وقال عطاءٌ: «هم شهداء على من ترك الحقّ من تركه من النّاس أجمعين، جاء ذلك أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابهم:{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}على أنّهم قد آمنوا بالحقّ حين جاءهم وصدّقوا به».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «شاهدٌ على أمّته، وهم شهداء على الأمم، وهم أحد الأشهاد الّذي قال اللّه عزّ وجلّ:{ويوم يقوم الأشهاد}والأشهاد أربعة الملائكة الّذين يحصون أعمالنا لنا وعلينا. وقرأ قوله: {وجاءت كلّ نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ} وقال: هذا يوم القيامة قال: والنّبيّون شهداء على أممهم قال: وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم شهداء على الأمم. قال: والأطوار: الأجساد والجلود»). [جامع البيان: 2/ 629-637]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وتأويل {لتكونوا شهداء على الناس}, فيه قولان:
1- جاء في التفسير أن أمم الأنبياء تكذب في الآخرة إذا سئلت عمن أرسل إليها فتجحد أنبياءها، هذا فيمن جحد في الدنيا منهم فتشهد هذه الأمة بصدق الأنبياء، وتشهد عليهم بتكذيبهم، ويشهد النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة بصدقهم , وإنّما جازت هذه الشهادة، وإن لم يكونوا ليعاينوا تلك الأمم لأخبار النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا قول.
2- وقال قوم {لتكونوا شهداء على النّاس}, أي: محتجين على سائر من خالفكم، ويكون الرسول محتجاً عليكم , ومبيناًلكم.
والقول الأول: أشبه بالتفسير , وأشبه بقوله:{وسطاً} ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم يحتج على المسلمين , وغيرهم.). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم: فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، وما أتانا من أحدٍ فيقال لنوحٍ: من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته، فذلك قوله: جعلناكم أمّةً وسطًا الوسط: العدل. قال: فتدعون فتشهدون له بالبلاغ، ثمّ يشهد عليكم بعده»
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قوله: «{لتكونوا شهداء على النّاس}أي عدلا على النّاس».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن ميمونٍ الإسكندرانيّ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، عن أبي عمرٍو الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن أبي الفضل المدينيّ، حدّثني أبو هريرة قال: أتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بجنازةٍ يصلّي عليها فقال النّاس. نعم الرّجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت». وأتي بجنازةٍ أخرى فقال النّاس: بئس الرّجل. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت» قال أبيّ بن كعبٍ: ما قولك وجبت؟ فقال: «قال اللّه عزّ وجلّ:{لتكونوا شهداء على النّاس}»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 249]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {على النّاس}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع، عن أبي العالية: {لتكونوا شهداء على النّاس} يقول: «لتكونوا شهداء على الأمم الّتي خلت قبلكم، بما جاءتهم به رسلهم وبما كذّبوهم» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 249]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: «{لتكونوا شهداء على النّاس}: فكانوا شهداء على النّاس يوم القيامة، كانوا شهداء على قوم نوحٍ وقوم هودٍ وقوم صالحٍ وقوم شعيبٍ، وآل فرعون، أنّ رسلهم قد بلّغتهم وأنّهم كذّبوا»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{جعلناكم أمة وسطا}أي عدلا{لتكونوا شهداء على الناس}على الأمم كلها اليهود والنصارى والمجوس» قال ورقاء حدثني ابن أبي نجيح أنه سمع أباه يقول قال عبيد بن عمير: «يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ناديه ليس معه أحد فتشهد له أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغ» ). [تفسير مجاهد: 90]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا الشّيخ أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأ محمّد بن غالبٍ، ثنا عيسى بن إبراهيم البركيّ، ثنا المعافى بن عمران الموصليّ، ثنا مصعب بن ثابتٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، قال: «كنت مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم في جنازةٍ فينا في بني سلمة، وأنا أمشي إلى جنب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال رجلٌ: نعم المرء ما علمنا إن كان لعفيفًا مسلمًا إن كان. فقال رسول اللّه صلّى الله عليه
وسلّم: «أنت الّذي تقول؟» قال: يا رسول اللّه، ذاك بدا لنا واللّه أعلم بالسّرائر، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت» قال: وكنّا معه في جنازة رجلٍ من بني حارثة - أو من بني عبد الأشهل - فقال رجلٌ: بئس المرء ما علمنا إن كان لفظًّا غليظًا إن كان، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أنت الّذي تقول؟» قال: يا رسول اللّه، اللّه أعلم بالسّرائر فأمّا الّذي بدا لنا منه فذاك، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «وجبت» ثمّ تلا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}. «هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه إنّما اتّفقا على وجبت فقط» ). [المستدرك: 2/ 294]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المفسرون في المراد ب النّاس في هذا الموضع،
فقالت فرقة: هم جميع الجنس، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم تشهد يوم القيامة للأنبياء على أممهم بالتبليغ، وذلك أن نوحا تناكره أمته في التبليغ، فتقول له أمة محمد نحن نشهد لك، فيشهدون، فيقول الله لهم: كيف شهدتم على ما لم تحضروا؟، فيقولون: أي ربنا جاءنا رسولك ونزل إلينا كتابك فنحن نشهد بما عهدت إلينا وأعلمتنا به، فيقول الله تعالى: صدقتم، وروي في هذا المعنى حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عنه أن أمته تشهد لكل نبي ناكره قومه،
وقال مجاهد: «معنى الآية تشهدون لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغ الناس في مدته من اليهود والنصارى والمجوس».
وقالت طائفة: معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرت به جنازة فأثني عليها بالخير، فقال: «وجبت» ، ثم مر بأخرى، فأثني عليها بشرّ، فقال: «وجبت»، يعني الجنة والنار، فسئل عن ذلك، فقال: «أنتم شهداء الله في الأرض»، وروي في بعض الطرق أنه قرأ {لتكونوا شهداء على النّاس}.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ ت) - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء نوحٌ وأمّته، فيقول الله: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، أي ربّ، فيقول لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيٍّ، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمدٌ وأمّته، فنشهد أنّه قد بلّغ، وهو قوله عز وجلّ:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس}». أخرجه البخاري والترمذي.
إلا أن في رواية الترمذي. فيقولون: «ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحدٍ» وذكر الآية إلى آخرها - ثم قال: «والوسط: العدل».
واختصره الترمذي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً} قال: «عدلاً»). [جامع الأصول: 2/ 13-14]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} يقول تعالى: إنّما حوّلناكم إلى قبلة إبراهيم، عليه السّلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأنّ الجميع معترفون لكم بالفضل.
...
وقال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ وما أتانا من أحدٍ، فيقال لنوحٍ: من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته»قال: «فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}».
قال: «الوسط: العدل، فتدعون، فتشهدون له بالبلاغ، ثمّ أشهد عليكم».رواه البخاريّ والتّرمذيّ والنّسائيّ وابن ماجه من طرقٍ عن الأعمش، به .
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرّجل والنّبيّ ومعه الرّجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه، فيقال لهم : هل بلّغكم هذا؟ فيقولون: لا. فيقال له: هل بلّغت قومك؟ فيقول: نعم. فيقال له من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته فيدعى بمحمّدٍ وأمّته، فيقال لهم: هل بلّغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم. فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرنا أنّ الرّسل قد بلّغوا فذلك قوله عزّ وجلّ:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}» قال: «عدلًا{لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}».
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «عدلًا».
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه ،وابن أبي حاتمٍ من حديث عبد الواحد بن زيادٍ، عن أبي مالكٍ الأشجعيّ، عن المغيرة بن عتيبة بن نهّاسٍ: حدّثني مكتبٌ لنا عن جابر بن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «أنا وأمّتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق. ما من النّاس أحدٌ إلّا ودّ أنّه منّا. وما من نبيٍّ كذّبه قومه إلّا ونحن نشهد أنّه قد بلّغ رسالة ربّه، عز وجل».
وروى الحاكم، في مستدركه وابن مردويه أيضًا، واللّفظ له، من حديث مصعب بن ثابتٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظي، عن جابر بن عبد اللّه، قال: شهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جنازةً، في بني سلمة، وكنت إلى جانب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال بعضهم: واللّه -يا رسول اللّه -لنعم المرء كان لقد كان عفيفًا مسلمًا وكان وأثنوا عليه خيرًا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنت بما تقول». فقال الرّجل: اللّه أعلم بالسّرائر، فأمّا الذي بدا لنا منه فذاك. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت». ثمّ شهد جنازةً في بني حارثة، وكنت إلى جانب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال بعضهم: يا رسول اللّه، بئس المرء كان، إن كان لفظّاً غليظًا، فأثنوا عليه شرًّا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لبعضهم: «أنت بالذي تقول». فقال الرّجل: اللّه أعلم بالسّرائر، فأمّا الذي بدا لنا منه فذاك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت».
قال مصعب بن ثابتٍ: فقال لنا عند ذلك محمّد بن كعب: صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قرأ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}. ثمّ قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يونس بن محمّدٍ، حدّثنا داود بن أبي الفرات، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبي الأسود أنّه قال: أتيت المدينة فوافقتها، وقد وقع بها مرضٌ، فهم يموتون موتًا ذريعاً. فجلست إلى عمر بن الخطّاب، فمرّت به جنازةٌ، فأثني على صاحبها خيرٌ. فقال: وجبت وجبت. ثمّ مرّ بأخرى فأثني عليها شرٌّ، فقال عمر: وجبت وجبت. فقال أبو الأسود: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّما مسلمٍ شهد له أربعةٌ بخيرٍ أدخله اللّه الجنّة». قال: فقلنا. وثلاثةٌ؟ قال: «وثلاثةٌ». قال، فقلنا: واثنان؟ قال: «واثنان» ثمّ لم نسأله عن الواحد.
وكذا رواه البخاريّ، والتّرمذيّ، والنّسائيّ من حديث داود بن أبي الفرات، به.
قال ابن مردويه: حدّثنا أحمد بن عثمان بن يحيى، حدّثنا أبو قلابة الرّقاشيّ، حدّثني أبو الوليد، حدّثنا نافع بن عمر، حدّثني أمّيّة بن صفوان، عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ الثّقفيّ، عن أبيه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّباوة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم» قالوا: بم يا رسول اللّه؟ قال: «بالثّناء الحسن والثّناء السّيّئ، أنتم شهداء اللّه في الأرض». ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون. ورواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، وعبد الملك بن عمر وشريحٍ، عن نافع عن ابن عمر، به.). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي، وابن جرير والن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعو قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم».
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي، وابن ماجه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: عدلا{لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}».
وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله: «{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}بأن الرسل قد بلغوا{ويكون الرسول عليكم شهيدا}بما عملتم».
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه، عن جابر قال: «شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في بني سلمة وكنت إلى جانبه فقال بعضهم: والله يا رسول الله لنعم المرء كان لقد كان عفيفا مسلما وأثنوا عليه خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تقول فقال: يا رسول الله بدا لنا والله أعلم بالسرائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت»، قال: «وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل فقال رجل: بئس المرء ما علمنا إن كان لفظا غليظا إن كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تقول فقال: يا رسول الله الله أعلم بالسرائر فأما الذي بدا لنا منه فذاك، فقال: «وجبت» ثم تلا رسول الله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: مروا بجنازة فأثني عليه خير فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت وجبت» ومر بجنازة فأثني عليه بشر فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت» فسأله عمر، فقال: «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض»، زاد الحكيم الترمذي: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن عمر: «أنه مرت به جنازة فأثني على صاحبها خير فقال: وجبت وجبت ثم مر بأخرى فأثني شر فقال عمر: وجبت، فقال أبو الأسود: وما وجبت قال: قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدله الله الجنة، فقلنا: وثلاثة، فقال: وثلاثة، فقلنا: واثنان، فقال: واثنان ولم نسأله عن الواحد».
وأخرج أحمد، وابن ماجة والطبراني والبغوي والحاكم في الكنى والدارقطني في الأفراد والحاكم في المستدرك والبيهقي في "سننه" عن أبي زهير الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناوة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم»، قال: بم يا رسول الله قال: «بالثناء الحسن والثناء السيء أنتم شهداء الله في الأرض».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: «أتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم بجنازة يصلي عليها فقال الناس: نعم الرجل، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت»، وأوتي بجنازة أخرى فقال الناس: بئس الرجل، فقال: «وجبت»، قال أبي بن كعب: ما قولك فقال: «قال تعالى:{لتكونوا شهداء على الناس}».
وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يموت فتشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه لا خيرا إلا قال الله: قد قبلت شهادتكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون».
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد، وابن جرير والطبراني عن سلمة بن الأكوع قال: «مر على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل من الأنصار فأثني عليها خيرا فقال: «وجبت»، ثم مر عليه بجنازة أخرى فأثني عليها دون ذلك فقال: «وجبت»، فقال: يا رسول الله وما وجبت قال: «الملائكة شهود الله في السماء وأنتم شهود الله في الأرض».
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت فيشهد له رجلان من جيرانه الأدنين فيقولان اللهم لا نعلم إلا خيرا إلا قال الله للملائكة: اشهدوا أني قد قبلت شهادتهما وغفرت ما لا يعلمان».
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن كعب قال: «أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء كان النّبيّ يقال له: بلغ ولا حرج وأنت شهيد على قومك وادع أجبك، وقل لهذه الأمة{ما جعل عليكم في الدين من حرج}[الحج الآية 78]وقال{لتكونوا شهداء على الناس} وقال:{ادعوني استجب لكم}[غافر الآية 60]».
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى اسرافيل فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم رب قد بلغته جبريل، فيدعى جبريل فيقال: هل بلغك اسرافيل عهدي؟، فيقول: نعم، فيخلى عن اسرافيل ويقول لجبريل: هل بلغت عهدي؟، فيقول: نعم قد بلغت الرسل، فتدعى الرسل فيقال لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟، فيقولون: نعم، فيخلى جبريل ثم يقال للرسل: هل بلغتم عهدي؟، فيقولون: نعم بلغناه الأمم، فتدعى الأمم فيقال لهم: هل بلغتكم الرسل عهدي؟، فمنهم المكذب ومنهم المصدق، فتقول الرسل: إن لنا عليهم شهداء، فيقول: من؟، فيقولون: أمة محمد، فتدعى أمة محمد فيقال لهم: أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم؟، فيقولون: نعم، فتقول الأمم: يا ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول الله: كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم؟، فيقولون: يا ربنا أرسلت إلينا رسولا وأنزلت علينا كتابا وقصصت علينا فيه أن قد بلغوا فنشهد بما عهدت إلينا، فيقول الرب: صدقوا فذلك قوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}والوسط العدل{لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}».
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب في الآية قال: «{لتكونوا شهداء على الناس}يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوح وعلى قوم هود وعلى قوم صالح وعلى قوم شعيب وعندهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم»، قال أبو العالية: «وهي في قراءة أبي (لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة)».
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: «يقال: يا نوح قد بلغت؟، قال: نعم يا رب، قال: فمن يشهد لك؟، قال: رب أحمد وأمته، قال: فكلما دعي نبي كذبه قومه شهدت له هذه الأمة بالبلاغ فإذا سأل عن هذه الأمة لم يسأل عنها إلا نبيها».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حبان بن أبي جبلة قال: «بلغني أن ترفع أمة محمد على كوم بين يدي الله تشهد للرسل على أممها بالبلاغ فإنما يشهد منهم يومئذ من لم يكن في قلبه احنة على أخيه المسلم».). [الدر المنثور: 2/ 17-25]

من الذي يُمنع من الشهادة من هذه الأمة

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (... قال ابن أنعم: فبلغني أنّه يشهد يومئذٍ أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ من كان في قلبه حنةٌ على أخيه.). [جامع البيان: 2/ 629-637]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حبان بن أبي جبلة قال: «بلغني أن ترفع أمة محمد على كوم بين يدي الله تشهد للرسل على أممها بالبلاغ فإنما يشهد منهم يومئذ من لم يكن في قلبه احنة على أخيه المسلم».
وأخرج مسلم وأبو دلود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: «لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة»). [الدر المنثور: 2/ 17-25]

المقصود بالرسول في الآية
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ويكون رسولي محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم شهيدًا عليكم بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندي.). [جامع البيان: 2/ 629-637]

معنى كون الرسول صلى الله عليه وسلم شهيدا على هذه الأمة

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ({لّتكونوا شهداء على النّاس}, يقال: إن كلّ نبيّ يأتي يوم القيامة , فيقول: ((بلّغت))، فتقول أمّته: لا، فيكذّبون الأنبياء، ثم يجاء بأمّة محمد صلى الله عليه وسلم فيصدّقون الأنبياء ونبيّهم, ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم , فيصدّق أمّته، فذلك قوله تبارك وتعالى: {لّتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيداً}، ومنه قول الله: {فكيف إذا جئنا من كل أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}). [معاني القرآن: 1/ 83]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة قال في قوله: {أمة وسطا} قال: «عدولا لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا أن قد بلغ ما أرسل به»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60-61]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ في قوله تبارك وتعالى: {ويكون الرّسول عليكم شهيدا} قال: «شهيدًا عليكم فيما فعلتم»). [تفسير الثوري: 51]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
والشّهداء جمع شهيدٍ.
فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمّةً عدلاً لتكونوا شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنّها قد بلّغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها، ويكون رسولي محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم شهيدًا عليكم بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندي.
وقيل: معنى عليكم فى قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} لكم. كأن تأويله عندهم: ويكون الرسول شهيدا لكم.
وقال قائل هذه المقاله: هذا نظير قوله: {وما ذبح على النّصب} إنما هو: وما ذبح على النّصب.
...
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ: «{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس}بأنّ الرّسل قد بلّغوا{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}بما عملتم أو فعلتم».

- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس}أي إنّ رسلهم قد بلّغت قومها عن ربّها{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}على أنّه قد بلّغ رسالات ربّه إلى أمّته».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس} لتكون هذه الأمّة شهداء على النّاس أنّ الرّسل قد بلّغتهم، ويكون الرّسول على هذه الأمّة شهيدًا، أن قد بلّغ ما أرسل به».

قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} يعني بإيمانهم به، وبما أنزل عليه.
...
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ: «ما قوله:{لتكونوا شهداء على النّاس}قال: أمّة محمّدٍ شهداء على من ترك الحقّ حين جاءه والإيمان والهدى ممّن كان قبلنا» ، وقالها عبد اللّه بن كثيرٍ، قال: وقال عطاءٌ: «هم شهداء على من ترك الحقّ من تركه من النّاس أجمعين، جاء ذلك أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابهم:{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}على أنّهم قد آمنوا بالحقّ حين جاءهم وصدّقوا به».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «شاهدٌ على أمّته، وهم شهداء على الأمم، وهم أحد الأشهاد الّذي قال اللّه عزّ وجلّ:{ويوم يقوم الأشهاد}والأشهاد أربعة الملائكة الّذين يحصون أعمالنا لنا وعلينا. وقرأ قوله: {وجاءت كلّ نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ} وقال: هذا يوم القيامة قال: والنّبيّون شهداء على أممهم قال: وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم شهداء على الأمم. قال: والأطوار: الأجساد والجلود»). [جامع البيان: 2/ 629-637]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وتأويل {لتكونوا شهداء على الناس}, فيه قولان:
1- جاء في التفسير أن أمم الأنبياء تكذب في الآخرة إذا سئلت عمن أرسل إليها فتجحد أنبياءها، هذا فيمن جحد في الدنيا منهم فتشهد هذه الأمة بصدق الأنبياء، وتشهد عليهم بتكذيبهم، ويشهد النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة بصدقهم , وإنّما جازت هذه الشهادة، وإن لم يكونوا ليعاينوا تلك الأمم لأخبار النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا قول.
2- وقال قوم {لتكونوا شهداء على النّاس}, أي: محتجين على سائر من خالفكم، ويكون الرسول محتجاً عليكم , ومبيناًلكم.
والقول الأول: أشبه بالتفسير , وأشبه بقوله:{وسطاً} ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم يحتج على المسلمين , وغيرهم.). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}:
- حدّثنا عمرٌو الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة، فيقال له: هل بلّغت: فيقول نعم. فتدعون للشّهادة بالبلاغ. قال: ثمّ أشهد عليكم بعده».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال: «يشهد أنّهم قد آمنوا بالحقّ إذ جاءهم وقبلوه وصدّقوا به» وروي عن أبي العالية، وعكرمة، وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} أي: «عدلا».). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({ويكون الرّسول عليكم شهيداً} قيل: معناه بأعمالكم يوم القيامة، وقيل: عليكم بمعنى لكم أي يشهد لكم بالإيمان، وقيل: أي يشهد عليكم بالتبليغ إليكم.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله: «{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}بأن الرسل قد بلغوا{ويكون الرسول عليكم شهيدا}بما عملتم».

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {ويكون الرسول عليكم شهيدا} قال: «يشهد أنهم قد آمنوا بالحق إذ جاءهم وقبلوه وصدقوا به».
...
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: «يقال: يا نوح قد بلغت؟، قال: نعم يا رب، قال: فمن يشهد لك؟، قال: رب أحمد وأمته، قال: فكلما دعي نبي كذبه قومه شهدت له هذه الأمة بالبلاغ فإذا سأل عن هذه الأمة لم يسأل عنها إلا نبيها».). [الدر المنثور: 2/ 17-25]

لمن الخطاب في قوله تعالى: {و ما جعلنا القبلة التي كنت عليها}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}:
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} ولم نجعل صرفك عن القبلة الّتي كنت على التّوجّه إليها يا محمّد فصرفناك عنها إلاّ لنعلم من يتّبعك ممّن ينقلب على عقبيه.). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا…
وقال ابن عباس: «القبلة في الآية الكعبة»، وكنت بمعنى أنت كقوله تعالى: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}[آل عمران: 110] بمعنى أنتم، أي وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة)). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( بابٌ قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ}
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرّسول} إلى هنا رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية الّتي ذكرناها. قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} يعني: وما جعلنا القبلة الّتي تحب أن تستقبلها الجهة الّتي كنت عليها أولا بمكّة وما رددناك إليها إلاّ امتحاناً للنّاس وابتلاءً لنعلم الثّابت على الإسلام الصّادق فيه ممّن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد.)[عمدة القاري: 18/ 95]

معنى (ما) في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} ولم نجعل صرفك عن القبلة الّتي كنت على التّوجّه إليها يا محمّد فصرفناك عنها إلاّ لنعلم من يتّبعك ممّن ينقلب على عقبيه.). [جامع البيان: 2/ 638-646]

المراد بالقبلة في الآية
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (والقبلة الّتي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليها الّتي عناها اللّه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} هي القبلة الّتي كنا يتوجّه إليها قبل أن يصرفه إلى الكعبة
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباط، عن السّدّيّ: «{وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها}يعني بيت المقدس».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} قال: «القبلة: بيت المقدس».). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال قلت لعطاءٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} قال لي عطاءٌ: «بيت المقدس».
وروي عن عطيّة والسّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا…
وقال ابن عباس: «القبلة في الآية الكعبة»، وكنت بمعنى أنت كقوله تعالى: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}[آل عمران: 110] بمعنى أنتم، أي وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة)). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه ). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( بابٌ قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ}
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرّسول} إلى هنا رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية الّتي ذكرناها. قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} يعني: وما جعلنا القبلة الّتي تحب أن تستقبلها الجهة الّتي كنت عليها أولا بمكّة وما رددناك إليها إلاّ امتحاناً للنّاس وابتلاءً لنعلم الثّابت على الإسلام الصّادق فيه ممّن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد.)[عمدة القاري: 18/ 95]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قال: «يعني بيت المقدس»{إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: «يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره».). [الدر المنثور: 2/ 25-27]

القول بحذف المضاف في قوله: {وما جعلنا القبلة} لدلالة الكلام عليه

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (والقبلة الّتي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليها الّتي عناها اللّه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} هي القبلة الّتي كنا يتوجّه إليها قبل أن يصرفه إلى الكعبة.

وإنّما ترك ذكر الصّرف عنها اكتفاءٍ بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره.
وإنّما قلنا ذلك معناه؛ لأنّ محنة اللّه أصحاب رسوله في القبلة إنّما كانت فيما تظاهرت به الأخبار عند التّحويل من بيت المقدس إلى الكعبة، حتّى ارتدّ فيما ذكر رجالٌ ممّن كان قد أسلم واتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأظهر كثيرٌ من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم، وقالوا: ما بال محمّدٍ يحوّلنا مرّةً إلى ها هنا، ومرّةً إلى ها هنا؟ وقال المسلمون في أنفسهم وفى من مضى من إخوانهم المسلمين، وهم يصلّون نحو بيت المقدس: بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت. وقال المشركون: تحيّر محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم في دينه. فكان ذلك فتنةً للنّاس وتمحيصًا للمؤمنين، فلذلك قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بمعنى: وما جعلنا صرفك عن القبلة الّتي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً للنّاس} بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرّؤيا الّتي، أريناك؛ وذلك أنّه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري لم يكن فيه على أحدٍ فتنةٌ، وكذلك القبلة الأولى الّتي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحدٍ فتنةٌ ولا محنةٌ.
ذكر الأخبار الّتي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: «كانت القبلة فيها بلاءٌ وتمحيصٌ، صلّت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينه، وصلّى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثمّ وجّهه اللّه بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال في ذلك قائلون من النّاس:{ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}لقد اشتاق الرّجل إلى مولده قال اللّه عزّ وجلّ:{قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} فقال أناسٌ لمّا صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}وقد يبتلي اللّه العباد بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه. وكلّ ذلك مقبولٌ إذا كان في إيمانٍ باللّه، وإخلاصٍ له، وتسليمٍ لقضائه».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي قبل بيت المقدس، فنسختها الكعبة. فلمّا وجّه قبل المسجد الحرام، اختلف النّاس فيها، فكانوا أصنافًا؛ فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلةٍ زمانًا، ثمّ تركوها وتوجّهوا إلى غيرها؟ وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس، هل تقبّل اللّه منّا ومنهم أو لا؟ وقالت اليهود: إنّ محمّدًا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن يكون هو صاحبنا الّذي ننتظر، وقال المشركون من أهل مكّة، تحيّر محمّدٍ على دينه، فتوجّه بقبلته إليكم، وعلم أنّكم كنتم أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل اللّه جلّ ثناؤه في المنافقين:{سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}إلى قوله:{وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه}وأنزل في الآخرين الآيات بعدها».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «قلت لعطاءٍ{إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} فقال عطاءٌ: يبتليهم ليعلم من يسلّم لأمره»، قال ابن جريجٍ: «بلغني أنّ ناسًا ممّن أسلم رجعوا فقالوا مرّةً: هاهنا ومرّةً هاهنا».). [جامع البيان: 2/ 638-646]

ويقول: اجتزئ بذكر القبلة من ذكر التّولية والتّحويلة لدلالة الكلام على معنى ذلك، كما قد وصفنا ذلك في نظائره، فيكون ذلك وجهًا صحيحًا ومذهبًا مفهومًا.). [جامع البيان: 2/ 646-650]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقال بعض من ذكر: القبلة بيت المقدس، والمعنى: وما جعلنا صرف القبلة التي كنت عليها وتحويلها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]

معنى قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه}:
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} ولم نجعل صرفك عن القبلة الّتي كنت على التّوجّه إليها يا محمّد فصرفناك عنها إلاّ لنعلم من يتّبعك ممّن ينقلب على عقبيه.

فلذلك قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بمعنى: وما جعلنا صرفك عن القبلة الّتي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً للنّاس} بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرّؤيا الّتي، أريناك؛ وذلك أنّه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري لم يكن فيه على أحدٍ فتنةٌ، وكذلك القبلة الأولى الّتي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحدٍ فتنةٌ ولا محنةٌ.). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا، وقال بعض من ذكر: القبلة بيت المقدس، والمعنى: وما جعلنا صرف القبلة التي كنت عليها وتحويلها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه،
وقال ابن عباس: «القبلة في الآية الكعبة»، وكنت بمعنى أنت كقوله تعالى: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}[آل عمران: 110] بمعنى أنتم، أي وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه ). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( بابٌ قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إنّ الله بالنّاس لرؤوفٌ رحيمٌ}
أي: هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرّسول} إلى هنا رواية أبي ذر وفي رواية غيره إلى آخر الآية الّتي ذكرناها. قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} يعني: وما جعلنا القبلة الّتي تحب أن تستقبلها الجهة الّتي كنت عليها أولا بمكّة وما رددناك إليها إلاّ امتحاناً للنّاس وابتلاءً لنعلم الثّابت على الإسلام الصّادق فيه ممّن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد.). [عمدة القاري: 18/ 95]

الأقوال في معنى قوله: {لنعلم} وبيان مرجع الضمير فيه

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فإن قال لنا قائلٌ: أوما كان اللّه عالمًا بمن يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه إلاّ بعد اتّباع المتّبع، وانقلاب المنقلب على عقبيه، حتّى قال: ما فعلنا الّذي فعلنا من تحويل القبلة إلاّ لنعلم المتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المنقلب على عقبيه؟
قيل: إنّ اللّه جلّ ثناؤه هو العالم بالأشياء كلّها قبل كونها وليس قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بخبر عن أنّه لم يعلم ذلك إلاّ بعد وجوده.
فإن قال: فما معنى ذلك؟
قيل له: أما معناه عندنا فإنّه: وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه.
فقال جلّ ثناؤه: {إلاّ لنعلم}ومعناه: ليعلم رسولي وأوليائي، إذ كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأولياؤه من حزبه،
وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرّئيس إلى الرّئيس، وما فعل بهم إليه نحو قولهم: فتح عمر بن الخطّاب سواد العراق، وجبى خراجها، وإنّما فعل ذلك أصحابه عن سببٍ كان منه في ذلك.
وكالّذي روي في نظيره عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: [يقول اللّه جلّ ثناؤه: مرضت فلم يعدني عبدي، واستقرضته فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني].
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن محمّد بن جعفرٍ، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: [يقول اللّه: استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني يقول: وادهراه، وأنا الدّهر، أنا الدّهر].
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
فأضاف تعالى ذكره الاستقراض، والعيادة إلى نفسه، وإن كان ذلك بغيره إذ كان ذلك عن سببه.
وقد حكي عن العرب سماعًا: أجوع في غير بطني، وأعرى في غير ظهري، بمعنى جوع أهله، وعياله وعري ظهورهم، فكذلك قوله: {إلاّ لنعلم} بمعنى يعلم أوليائي وحزبي. وبنحو الّذي قلنا في ذلك قالت جماعه من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال ابن عبّاسٍ: «لنميّز أهل اليقين من أهل الشّرك والرّيبة».

وقد قال بعضهم: إنّما قيل ذلك من أجل أنّ العرب تضع العلم مكان الرّؤية، والرّؤية مكان العلم، كما قال جلّ ذكره: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل} فزعم أنّ معنى: {ألم تر} ألم تعلم، وزعم أنّ معنى قوله: {إلاّ لنعلم}بمعنى: إلاّ لنرى من يتّبع الرّسول. وزعم أنّ قول القائل: رأيت وعلمت وشهدت حروفٌ تتعاقب فيوضع بعضها موضع بعضٍ، كما قال جرير ابن عطيّة:

كأنّك لم تشهد لقيطًا، وحاجبًا ....... وعمرو بن عمرٍو إذ دعا يال دارم

بمعنى: كأنّك لم تعلم لقيطًا؛ لأنّ بين هلك لقيطٍ، وحاجبٍ وزمان جريرٍ ما لا يخفى بعده من المدّة؛ وذلك أنّ الّذين ذكرهم هلكوا في الجاهليّة، وجريرٌ كان بعد برهةٍ مضت من مجيء الإسلام.
وهذا تأويلٌ بعيدٌ، من أجل أنّ الرّؤية، وإن استعملت في موضع العلم من أجل أنّه مستحيلٌ أن يرى أحدٌ شيئًا، فلا توجب له رؤيته إيّاه علمًا بأنّه قد رآه إذا كان صحيح الفطرة، فجاز من الوجه الّذي أثبته رؤية أن يضاف إليه إثباته إيّاه علمًا، وصحّ أن يدلّ بذكر الرّؤية على معنى العلم من أجل ذلك. فليس ذلك وإن جاز في الرّؤية لما وصفنا بجائزٍ في العلم، فيدلّ بذكر الخبر عن العلم على الرّؤية؛ لأنّ المرء قد يعلم أشياء كثيرةً لم يرها، ولا يراها ويستحيل أن يرى شيئًا إلاّ علمه، على ما قد قدّمنا البيان، مع أنّه غير: موجودٍ في شيءٍ من كلام العرب أن يقال: علمت كذا بمعنى رأيته، وإنّما يجوز توجيه معاني ما في كتاب اللّه الّذي أنزله على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من الكلام إلى ما كان موجودًا مثله في كلام العرب دون ما لم يكن موجودًا في كلامها، فموجودٌ في كلامها رأيت بمعنى علمت، وغير موجودٍ في كلامها علمت بمعنى رأيت، فيجوز توجيه {إلاّ لنعلم} إلى معنى: إلاّ لنرى.
وقال آخرون: إنّما قيل: {إلاّ لنعلم} من أجل أنّ المنافقين واليهود وأهل الكفر باللّه أنكروا أن يكون اللّه تعالى ذكره يعلم الشّيء قبل كونه، وقالوا: إذ قيل لهم: إنّ قومًا من أهل القبلة سيرتدّون على أعقابهم، إذا حوّلت قبلة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة: ذلك غير كائنٍ، أو قالوا: ذلك باطلٌ. فلمّا فعل اللّه ذلك، وحوّل القبلة، وكفر من أجل ذلك من كفر، قال اللّه جلّ ثناؤه: ما فعلت إلاّ ليعلم عندكم أيّها المنكرون علمي بما هو كائنٌ من الأشياء قبل كونه، أنّي عالمٌ بما هو كائنٌ ممّا لم يكن بعد.
فكأنّ معنى قائلي هذا القول في تأويل قوله: {إلاّ لنعلم} إلاّ ليتبيّن لكم أنّا نعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه. وهذا، وإن كان وجهًا له مخرجٌ، فبعيدٌ من المفهوم.
وقال آخرون: إنّما قيل: {إلاّ لنعلم} وهو بذلك عالمٌ قبل كونه وفي حالٍ كونه على وجه التّرفّق بعباده، واستمالتهم إلى طاعته، كما قال جلّ ثناؤه: {قل اللّه وإنّا أو إيّاكم لعلى هدًى أو في ضلالٍ مبينٍ} وقد علم أنّه على هدًى وأنّهم على ضلالٍ مبينٍ، ولكنّه رفق بهم في الخطّاب، فلم يقل: إنّا على هدًى، وأنتم على ضلالٍ. فكذلك قوله: {إلاّ لنعلم} معناه عندهم: إلاّ لتعلموا أنتم إذ كنتم جهّالاً به قبل أن يكون؛ فأضاف العلم إلى نفسه رفقًا بخطابهم.
وقد بيّنّا القول الّذي هو أولى ذلك بالحقّ.). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه::
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال ابن عبّاسٍ: «لنميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة».
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة بن الفضل، قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني مولى آل زيدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: «{إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} أي: ابتلاءً واختبارًا».
وروى الحسن و، عطاء، وقتادة، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250-251]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا،

ومعنى قوله تعالى: {لنعلم} أي ليعلم رسولي والمؤمنون به، وجاء الإسناد بنون العظمة إذ هم حزبه وخالصته، وهذا شائع في كلام العرب كما تقول: فتح عمر العراق وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك جنده وأتباعه، فهذا وجه التجوز إذا ورد علم الله تعالى بلفظ استقبال لأنه قديم لم يزل، ووجه آخر: وهو أن الله تعالى قد علم في الأزل من يتبع الرسول واستمر العلم حتى وقع حدوثهم واستمر في حين الاتباع والانقلاب ويستمر بعد ذلك، والله تعالى متصف في كل ذلك بأنه يعلم، فأراد بقوله لنعلم ذكر علمه وقت مواقعتهم الطاعة والمعصية، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب، فليس معنى لنعلم لنبتدىء العلم وإنما المعنى لنعلم ذلك موجودا، وحكى ابن فورك أن معنى لنعلم لنثيب، فالمعنى لنعلمهم في حال استحقوا فيها الثواب، وعلق العلم بأفعالهم لتقوى الحجة ويقع التثبت فيما علمه لا مدافعة لهم فيه، وحكى ابن فورك أيضا أن معنى لنعلم لنميز، وذكره الطبري عن ابن عباس، وحكى الطبري أيضا أن معنى لنعلم لنرى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا كله متقارب»، والقاعدة نفي استقبال العلم بعد أن لم يكن، وقرأ الزهري ليعلم على ما لم يسم فاعله.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} [143]
أخرج الطبري من طريق سنيد بن داود عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال قلت لعطاء فقال يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره قال ابن جريج بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا مرة ها هنا ومرة هاهنا
قال الطبري معناه ليعلم الرسول والمؤمنون وأضاف ذلك إليه وفقا لخطابهم وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة قال كان في القبلة الأولى بلاء وتمحيص فصلى النبي قدومه إلى المدينة إلى بيت المقدس ثم وجهه الله إلى الكعبة
واسند الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس معناه نميز أهل اليقين من أهل الشك
قال وقال آخرون كانوا ينكرون أن يكون الله يعلم الشيء قبل كونه ولو قيل لهم أن قوما من أهل القبلة سيرتدون إذا حولت القبلة لقالوا إن ذلك باطل فلما حولت القبلة وكفر من كفر من أجل ذلك قال الله وما جعلت ذلك إلا لأعلم ما عندكم أيها المنكرون علمي بما هو كائن من الشيء قبل وقوعه وحاصله أن المعنى إلا لنبين لكم أنا نعلم ما كان قبل أن يكون
وقال المارودي اختلفوا في سبب الصلاة إلى بيت المقدس فقال الطبري إنه كان ليأتلف أهل الكتاب وقال الزجاج إن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس فأحب أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه). [العجاب في بيان الأسباب:390 - 1/392]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({إلا لنعلم} لنختبر ونتبين

قال البيضاوي: «فإن قلت: كيف يكون علمه تعالى غاية الجعل وهو لم يزل عالمًا؟ وأجاب: بأن هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء والمعنى ليتعلق علمنا به موجودًا، وقيل ليعلم رسوله والمؤمنون، لكنه أسند إلى نفسه لأنهم خواصه أو ليتميز الثابت عن المتزلزل كقوله تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب}[الأنفال: 37]فوضع العلم موضع التميز المسبب عنه».). [إرشاد الساري: 7/ 17]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قال: «يعني بيت المقدس»{إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: «يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {إلا لنعلم} قال: «إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك). [الدر المنثور: 2/ 25-27]

فائدة تعليق العلم بأفعال العباد

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ( وعلق العلم بأفعالهم لتقوى الحجة ويقع التثبت فيما علمه لا مدافعة لهم فيه). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]

المراد بالاتباع في قوله: {من يتبع الرسول}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فأمّا قوله: {من يتّبع الرّسول} فإنّه يعني: الّذي يتّبع محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يأمره اللّه به، فيتوجّه نحو الوجه الّذي يتوجّه نحوه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قال: «يعني بيت المقدس»{إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: «يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره».). [الدر المنثور: 2/ 25-27]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({من يتبع الرسول} في الصلاة إلى الكعبة ). [إرشاد الساري: 7/ 17]

معنى (من) في قوله تعالى: {ممّن ينقلب على عقبيه}

- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (ومن: موصول). [إرشاد الساري: 7/ 17]

معنى العقب لغة

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الأصمعي: ..... والعَقِبُ الولد يبقى بعد الإنسان. وعَقِب القدم مؤخرها). [الغريب المصنف: 3/ 927]

معني قوله تعالى: {ينقلب على عقبيه}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأمّا قوله: {ممّن ينقلب على عقبيه} فإنّه يعني به: من الّذي يرتدّ عن دينه، فينافق، أو يكفر، أو يخالف محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك ممّن يظهر اتّباعه كما.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال: «من إذا دخلته شبهةٌ رجع عن اللّه، وانقلب كافرًا على عقبيه».
وأصل المرتدّ على عقبيه: وهو المنقلب على عقبيه الرّاجع مستدبرًا في الطّريق الّذي قد كان قطعه منصرفًا عنه، فقيل ذلك لكلّ راجعٍ عن أمرٍ كان فيه من دينٍ أو خبرٍ، ومن ذلك قوله: {فارتدّا على آثارهما قصصًا} بمعنى رجعا في الطّريق الّذي كانا سلكاه.). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه::
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال ابن عبّاسٍ: «لنميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة».
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة بن الفضل، قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني مولى آل زيدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: «{إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} أي: ابتلاءً واختبارًا».
وروى الحسن و، عطاء، وقتادة، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 250-251]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و{ينقلب على عقبيه} عبارة عن المرتد الراجع عما كان فيه من إيمان أو شغل أو غير ذلك، والرجوع على العقب أسوأ حالات الراجع في مشيه عن وجهته، فلذلك شبه المرتد في الدين به، وظاهر التشبيه أنه بالمتقهقر، وهي مشية الحيوان الفازع من شيء قد قرب منه، ويحتمل أن يكون هذا التشبيه بالذي رد ظهره ومشى أدراجه فإنه عند انقلابه إنما ينقلب على عقبيه.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه ). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({ممن ينقلب على عقبيه} من يرتد عن دينه بعد). [إرشاد الساري: 7/ 17]

وجه تشبيه المرتد عن دينه بمن ينقلب على عقبيه

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وإنّما قيل للمرتدّ: مرتدّ من ذلك لرجوعه عن دينه وملّته الّتي كان عليها، وإنّما قيل رجع على عقبيه لرجوعه دبرًا على عقبيه إلى الوجه الّذي كان فيه بدء سيره قبل مرجعه عنه، فجعل ذلك مثلاً لكلّ تاركٍ أمرًا وآخذٍ آخر غيره إذا انصرف عمّا كان فيه إلى الّذي كان له تاركًا فأخذه، فقيل ارتدّ فلانٌ على عقبيه، وانقلب على عقبيه). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و{ينقلب على عقبيه} عبارة عن المرتد الراجع عما كان فيه من إيمان أو شغل أو غير ذلك، والرجوع على العقب أسوأ حالات الراجع في مشيه عن وجهته، فلذلك شبه المرتد في الدين به، وظاهر التشبيه أنه بالمتقهقر، وهي مشية الحيوان الفازع من شيء قد قرب منه، ويحتمل أن يكون هذا التشبيه بالذي رد ظهره ومشى أدراجه فإنه عند انقلابه إنما ينقلب على عقبيه.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]

بيان الحكمة من تحويل القبلة

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وإنّما ترك ذكر الصّرف عنها اكتفاءٍ بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره.
وإنّما قلنا ذلك معناه؛ لأنّ محنة اللّه أصحاب رسوله في القبلة إنّما كانت فيما تظاهرت به الأخبار عند التّحويل من بيت المقدس إلى الكعبة، حتّى ارتدّ فيما ذكر رجالٌ ممّن كان قد أسلم واتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأظهر كثيرٌ من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم، وقالوا: ما بال محمّدٍ يحوّلنا مرّةً إلى ها هنا، ومرّةً إلى ها هنا؟ وقال المسلمون في أنفسهم وفى من مضى من إخوانهم المسلمين، وهم يصلّون نحو بيت المقدس: بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت. وقال المشركون: تحيّر محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم في دينه. فكان ذلك فتنةً للنّاس وتمحيصًا للمؤمنين، فلذلك قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بمعنى: وما جعلنا صرفك عن القبلة الّتي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً للنّاس} بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرّؤيا الّتي، أريناك؛ وذلك أنّه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري لم يكن فيه على أحدٍ فتنةٌ، وكذلك القبلة الأولى الّتي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحدٍ فتنةٌ ولا محنةٌ.
ذكر الأخبار الّتي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: «كانت القبلة فيها بلاءٌ وتمحيصٌ، صلّت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينه، وصلّى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثمّ وجّهه اللّه بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال في ذلك قائلون من النّاس:{ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}لقد اشتاق الرّجل إلى مولده قال اللّه عزّ وجلّ:{قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} فقال أناسٌ لمّا صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}وقد يبتلي اللّه العباد بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه. وكلّ ذلك مقبولٌ إذا كان في إيمانٍ باللّه، وإخلاصٍ له، وتسليمٍ لقضائه».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي قبل بيت المقدس، فنسختها الكعبة. فلمّا وجّه قبل المسجد الحرام، اختلف النّاس فيها، فكانوا أصنافًا؛ فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلةٍ زمانًا، ثمّ تركوها وتوجّهوا إلى غيرها؟ وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس، هل تقبّل اللّه منّا ومنهم أو لا؟ وقالت اليهود: إنّ محمّدًا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن يكون هو صاحبنا الّذي ننتظر، وقال المشركون من أهل مكّة، تحيّر محمّدٍ على دينه، فتوجّه بقبلته إليكم، وعلم أنّكم كنتم أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل اللّه جلّ ثناؤه في المنافقين:{سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}إلى قوله:{وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه}وأنزل في الآخرين الآيات بعدها».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «قلت لعطاءٍ{إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} فقال عطاءٌ: يبتليهم ليعلم من يسلّم لأمره»، قال ابن جريجٍ: «بلغني أنّ ناسًا ممّن أسلم رجعوا فقالوا مرّةً: هاهنا ومرّةً هاهنا».). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن كانت لكبيرةً} أي: هذه الفعلة، وهو صرف التّوجّه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي: وإن كان هذا الأمر عظيمًا في النّفوس،إلّا على الّذين هدى اللّه قلوبهم، وأيقنوا بتصديق الرسول، وأنّ كلّ ما جاء به فهو الحقّ الذي لا مرية فيه، وأنّ اللّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله أن يكلّف عباده بما شاء، وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التّامّة والحجّة البالغة في جميع ذلك، بخلاف الّذين في قلوبهم مرضٌ، فإنّه كلّما حدث أمرٌ أحدث لهم شكًّا، كما يحصل للّذين آمنوا إيقانٌ وتصديقٌ، كما قال اللّه تعالى: {وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانًا فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون * وأمّا الّذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجسًا إلى رجسهم} [التّوبة: 124،125] وقال تعالى: {قل هو للّذين آمنوا هدًى وشفاءٌ والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمًى}[فصّلت: 44] وقال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلا خسارًا}[الإسراء: 82]. ولهذا كان من ثبت على تصديق الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم واتّباعه في ذلك، وتوجّه حيث أمره اللّه من غير شكٍّ ولا ريب، من سادات الصّحابة. وقد ذهب بعضهم إلى أنّ السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار هم الّذين صلّوا القبلتين.
...
وهذا يدلّ على كمال طاعتهم للّه ورسوله، وانقيادهم لأوامر اللّه عزّ وجل، رضي الله عنهم أجمعين.). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (وقال ابن كثير في تفسيره: «يقول الله تعالى: إنّما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل».). [عمدة القاري: 18/ 95]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} يعني: وما جعلنا القبلة الّتي تحب أن تستقبلها الجهة الّتي كنت عليها أولا بمكّة وما رددناك إليها إلاّ امتحاناً للنّاس وابتلاءً لنعلم الثّابت على الإسلام الصّادق فيه ممّن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد.) [عمدة القاري: 18/ 95]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} [143]
أخرج الطبري من طريق سنيد بن داود عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال قلت لعطاء فقال يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره قال ابن جريج بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا مرة ها هنا ومرة هاهنا
قال الطبري معناه ليعلم الرسول والمؤمنون وأضاف ذلك إليه وفقا لخطابهم وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة قال كان في القبلة الأولى بلاء وتمحيص فصلى النبي قدومه إلى المدينة إلى بيت المقدس ثم وجهه الله إلى الكعبة
واسند الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس معناه نميز أهل اليقين من أهل الشك
قال وقال آخرون كانوا ينكرون أن يكون الله يعلم الشيء قبل كونه ولو قيل لهم أن قوما من أهل القبلة سيرتدون إذا حولت القبلة لقالوا إن ذلك باطل فلما حولت القبلة وكفر من كفر من أجل ذلك قال الله وما جعلت ذلك إلا لأعلم ما عندكم أيها المنكرون علمي بما هو كائن من الشيء قبل وقوعه وحاصله أن المعنى إلا لنبين لكم أنا نعلم ما كان قبل أن يكون
وقال المارودي اختلفوا في سبب الصلاة إلى بيت المقدس فقال الطبري إنه كان ليأتلف أهل الكتاب وقال الزجاج إن العرب كانت تحج البيت غير آلفة لبيت المقدس فأحب أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه). [العجاب في بيان الأسباب:390 - 1/392]

مرجع الضمير في قوله تعالى: {وإن كانت لكبيرة}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {لكبيرة إلا على الذين هدى الله} قال: «كبيرة حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 61-62]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه}:
اختلف أهل التّأويل في الّتي وصفها اللّه جلّ وعزّ بأنّها كانت كبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه.
فقال بعضهم: عنى جلّ ثناؤه بالكبيرة: التّولية من بيت المقدس شطر المسجد الحرام والتّحويلة، وإنّما أنّث الكبيرة لتأنيث التّولية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاويه بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «قال اللّه: {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} يعني تحويلها».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى بن ميمونٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «ما أمروا به من التّحوّل إلى الكعبة من بيت المقدس».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «كبيرةً حين حوّلت القبلة إلى المسجد الحرام، فكانت كبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه».
وقال آخرون: بل الكبيرة هي القبلة بعينها الّتي كان صلّى اللّه عليه وسلّم يتوجّه إليها من بيت المقدس قبل التّحويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{وإن كانت لكبيرةً}أي قبلة بيت المقدس{إلاّ على الّذين هدى اللّه}».
وقال بعضهم: بل الكبيرة: هي الصّلاة الّتي كانوا صلّوها إلى القبلة الأولى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «صلاتكم حتّى يهديكم اللّه القبلة».
- حدّثني، يونس مرّةً أخرى قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، {وإن كانت لكبيرةً} قال: «صلاتكم ها هنا يعني إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرًا وانحرافكم ها هنا».
وقال بعض نحويّي البصرة: أنّثت الكبيرة لتأنيث القبلة، وإيّاها عنى جلّ ثناؤه بقوله: {وإن كانت لكبيرةً}.
وقال بعض نحويّي الكوفة: بل أنّثت الكبيرة لتأنيث التّولية والتّحويلة.
فتأويل الكلام على ما تأوّله قائلو هذه المقالة: وما جعلنا تحويلتنا إيّاك عن القبلة الّتي كنت عليها، وتوليتناك عنها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه، وإن كانت تحويلتنا إيّاك عنها وتوليتناك لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه.
وهذا التّأويل أولى التّأويلات عندي بالصّواب، لأنّ القوم إنّما كبر عليهم تحويل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وجهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى لا عين القبلة ولا الصّلاة؛ لأنّ القبلة الأولى والصّلاة قد كانت وهى غير كبيرةٍ عليهم إلاّ أن يوجّه موجّهٌ تأنيث الكبيرة إلى القبلة، ويقول: اجتزئ بذكر القبلة من ذكر التّولية والتّحويلة لدلالة الكلام على معنى ذلك، كما قد وصفنا ذلك في نظائره، فيكون ذلك وجهًا صحيحًا ومذهبًا مفهومًا.). [جامع البيان: 2/ 646-650]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإن كانت لكبيرة إلّا على الّذين هدى اللّه}
يعني: قبلة بيت المقدس، أي: وإن كان اتباعها لكبيرة.). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإن كانت لكبيرةً}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول: «ما أمروا به من التّحوّل إلى الكعبة من بيت المقدس»، وروي عن أبي العالية، وقتادة، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: «قال اللّه عزّ وجلّ:{وإن كانت لكبيرةً إلّا على الذين هدى الله}يعني:تحويلها على أهل الشّكّ والرّيبة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 251]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ك نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: «{وإن كانت لكبيرة}يعني ما أمروا به من التحويل من قبلة بيت المقدس إلى الكعبة فلما حولوا إلى الكعبة حول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال»). [تفسير مجاهد: 91]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإن كانت لكبيرةً} الآية، الضمير في كانت راجع إلى القبلة إلى بيت المقدس، أو إلى التحويلة إلى الكعبة حسب ما ذكرناه من الاختلاف في القبلة، وقال ابن زيد: «هو راجع إلى الصلاة التي صليت إلى بيت المقدس»). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن كانت لكبيرةً} أي: هذه الفعلة، وهو صرف التّوجّه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي: وإن كان هذا الأمر عظيمًا في النّفوس،إلّا على الّذين هدى اللّه قلوبهم، وأيقنوا بتصديق الرسول، وأنّ كلّ ما جاء به فهو الحقّ الذي لا مرية فيه، وأنّ اللّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله أن يكلّف عباده بما شاء، وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التّامّة والحجّة البالغة في جميع ذلك، بخلاف الّذين في قلوبهم مرضٌ، فإنّه كلّما حدث أمرٌ أحدث لهم شكًّا، كما يحصل للّذين آمنوا إيقانٌ وتصديقٌ، كما قال اللّه تعالى: {وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانًا فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون * وأمّا الّذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجسًا إلى رجسهم} [التّوبة: 124،125] وقال تعالى: {قل هو للّذين آمنوا هدًى وشفاءٌ والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمًى}[فصّلت: 44] وقال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلا خسارًا}[الإسراء: 82]. ولهذا كان من ثبت على تصديق الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم واتّباعه في ذلك، وتوجّه حيث أمره اللّه من غير شكٍّ ولا ريب، من سادات الصّحابة. وقد ذهب بعضهم إلى أنّ السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار هم الّذين صلّوا القبلتين.). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (والضّمير في: كانت، يرجع إلى التحويلة أو إلى القبلة.)[عمدة القاري: 18/ 95]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ({وإن كانت لكبيرة}يعني تحويلها على أهل الشك والريب».
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: «بلغني أن أناسا من الذين أسلموا رجعوا فقالوا مرة ههنا ومرة ههنا».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وإن كانت لكبيرة} يقول: «ما أمر به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس».). [الدر المنثور: 2/ 25-27]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({وإن كانت} أي التحويلة أو القبلة). [إرشاد الساري: 7/ 17]

معنى قوله: {لكبيرة}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ومعنى قوله: {لكبيرةً} عظيمةً.
- كما حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «كبيرةٌ في صدور النّاس فيما يدخل الشّيطان به ابن آدم.قاله: ما لهم صلّوا إلى ها هنا ستّة عشر شهرًا ثمّ انحرفوا فكبر في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين. فقالوا: أيّ شيءٍ هذا الدّين؟ وأمّا الّذين آمنوا فثبّت اللّه جلّ ثناؤه ذلك في قلوبهم. وقرأ قول اللّه{وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: صلاتكم حتّى يهديكم إلى القبلة».
وأمّا قوله: {إلاّ على الّذين هدى اللّه} فإنّه يعنى به: وإن كانت نقلتناك عن القبلة الّتي كنت عليها لعظيمةً إلاّ على من وفقّه اللّه جلّ ثناؤه فهداه لتصديقك، والإيمان بذلك، واتّباعك فيه وفيما أنزل اللّه تعالى ذكره عليك.). [جامع البيان: 2/ 646-650]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و {كبيرة} هنا معناه شاقة صعبة تكبر في الصدور). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن كانت لكبيرةً} أي: هذه الفعلة، وهو صرف التّوجّه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي: وإن كان هذا الأمر عظيمًا في النّفوس،إلّا على الّذين هدى اللّه قلوبهم، وأيقنوا بتصديق الرسول، وأنّ كلّ ما جاء به فهو الحقّ الذي لا مرية فيه، وأنّ اللّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد...). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله: {لكبيرة}، أي: لثقيلة شاقة)[عمدة القاري: 18/ 95]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({لكبيرة} لثقيلة شاقة ). [إرشاد الساري: 7/ 17]

معنى (إن) و(اللام) في قوله: {وإن كانت لكبيرة}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {لكبيرة إلا على الذين هدى الله} قال: «كبيرة حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 61-62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وهذه اللام دخلت على " إن " لأن اللام إذا لم تدخل مع إن الخفيفة كان الكلام جحدا فلولا " اللام " كان المعنى " ما كانت كبيرة " فإذا جاءت إن واللام, فمعناه التوكيد للقصة، واللام تدخل في الخبر، ونحن نشرح دخولها على " الخفيفة " في موضعها إن شاء اللّه.). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وإن هي المخففة من الثقيلة، ولذلك لزمتها اللام لتزيل اللبس الذي بينها وبين النافية، وإذا ظهر التثقيل في إن فلربما لزمت اللام وربما لم تلزم، وقال الفراء: إن بمعنى ما واللام بمنزلة إلا.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله: {وإن كانت}، كلمة: إن المخففة الّتي تلزمها اللّام الفارقة)عمدة القاري: 18/ 95]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وإن مخففة من الثقيلة دخلت على ناسخ الابتداء والخبر واللام للفرق بينها وبين النافية). [إرشاد الساري: 7/ 17]

الاستثناء في قوله: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} استثناء مفرغ

قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (والاستثناء مفرغ وجاز ذلك وإن لم يتقدمه نفي ولا شبهه لأنه في معنى النفي ). [إرشاد الساري: 7/ 17]

من هم الذين كانت القبلة أو الصرف عنها عظيما عليهم

قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري في قول اللّه جلّ وعزّ: {وإن كانت لكبيرةً إلا على الذين هدى الله} قال: «اليهود»). [تفسير الثوري: 53]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( .. وأظهر كثيرٌ من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم، وقالوا: ما بال محمّدٍ يحوّلنا مرّةً إلى ها هنا،

ومعنى قوله: {لكبيرةً} عظيمةً.
- كما حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «كبيرةٌ في صدور النّاس فيما يدخل الشّيطان به ابن آدم.قاله: ما لهم صلّوا إلى ها هنا ستّة عشر شهرًا ثمّ انحرفوا فكبر في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين. فقالوا: أيّ شيءٍ هذا الدّين؟ وأمّا الّذين آمنوا فثبّت اللّه جلّ ثناؤه ذلك في قلوبهم. وقرأ قول اللّه{وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: صلاتكم حتّى يهديكم إلى القبلة».). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (المعنى: إنه كبير على غير المخلصين، فأما من أخلص , فليست بكبيرة عليه، كما قال: {إلّا على الّذين هدى الله}, أي: فليست بكبيرة عليهم..). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: «قال اللّه عزّ وجلّ:{وإن كانت لكبيرةً إلّا على الذين هدى الله}يعني:تحويلها على أهل الشّكّ والرّيبة»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 251]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} الآية، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم: «القبلة هنا بيت المقدس». والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء، فإن صليت إليه اتبعناك، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا، وقال بعض من ذكر: القبلة بيت المقدس، والمعنى: وما جعلنا صرف القبلة التي كنت عليها وتحويلها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه،
وقال ابن عباس: «القبلة في الآية الكعبة»، وكنت بمعنى أنت كقوله تعالى: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}[آل عمران: 110] بمعنى أنتم، أي وما جعلناها وصرفناك إليها إلا فتنة). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت س) - البراء بن عازب رضي الله عنهما: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوّل ما قدم المدينة نزل على أجداده - أو قال: أخواله - من الأنصار، وأنّه صلّى قبل بيت المقدس ستّة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنّه صلّى أوّل صلاةٍ صلّاها صلاة العصر، وصلّى معه قومٌ، فخرج رجلٌ ممّن صلّى معه، فمرّ على أهل مسجدٍ وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة، فداروا - كما هم قبل البيت - وكانت اليهود قد أعجبهم ; إذ كان يصلّي قبل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلمّا ولّى وجهه قبل البيت، أنكروا ذلك».. [جامع الأصول: 2/ 13-14]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن كانت لكبيرةً} أي: هذه الفعلة، وهو صرف التّوجّه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي: وإن كان هذا الأمر عظيمًا في النّفوس،إلّا على الّذين هدى اللّه قلوبهم، وأيقنوا بتصديق الرسول، وأنّ كلّ ما جاء به فهو الحقّ الذي لا مرية فيه، وأنّ اللّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد...). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية.
أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} قال: «يعني بيت المقدس»{إلا لنعلم من يتبع الرسول} قال: «يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {إلا لنعلم} قال: «إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك{وإن كانت لكبيرة}يعني تحويلها على أهل الشك والريب».
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: «بلغني أن أناسا من الذين أسلموا رجعوا فقالوا مرة ههنا ومرة ههنا».). [الدر المنثور: 2/ 25-27]

المراد بالهداية في الآية ومن هم الذين هداهم الله؟

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ومعنى قوله: {لكبيرةً} عظيمةً.
- كما حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «كبيرةٌ في صدور النّاس فيما يدخل الشّيطان به ابن آدم.قاله: ما لهم صلّوا إلى ها هنا ستّة عشر شهرًا ثمّ انحرفوا فكبر في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين. فقالوا: أيّ شيءٍ هذا الدّين؟ وأمّا الّذين آمنوا فثبّت اللّه جلّ ثناؤه ذلك في قلوبهم. وقرأ قول اللّه{وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: صلاتكم حتّى يهديكم إلى القبلة».
وأمّا قوله: {إلاّ على الّذين هدى اللّه} فإنّه يعنى به: وإن كانت نقلتناك عن القبلة الّتي كنت عليها لعظيمةً إلاّ على من وفقّه اللّه جلّ ثناؤه فهداه لتصديقك، والإيمان بذلك، واتّباعك فيه وفيما أنزل اللّه تعالى ذكره عليك.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} يقول: «إلاّ على الخاشعين، يعني المصدّقين بما أنزل اللّه تبارك وتعالى»). [جامع البيان: 2/ 646-650]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (المعنى: إنه كبير على غير المخلصين، فأما من أخلص , فليست بكبيرة عليه، كما قال: {إلّا على الّذين هدى الله}, أي: فليست بكبيرة عليهم..). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلا على الّذين هدى اللّه}:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة بن الفضل، قال قال محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّدٌ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} أي: الّذين ثبّت اللّه».
وروي عن قتادة قال: «عصم اللّه».
- حدّثنا أبي، قال قرأت على أبي معمرٍ المنقريّ، ثنا عبد الوارث، ثنا محمّد بن ذكوان، عن مجالد بن سعيدٍ، قال الحجّاج للحسن: أخبرني برأيك في أبي ترابٍ. قال الحسن: «سمعت اللّه يقول:{وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه}فعليٌّ ممّن هدى اللّه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 251]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإن كانت لكبيرةً} أي: هذه الفعلة، وهو صرف التّوجّه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي: وإن كان هذا الأمر عظيمًا في النّفوس،إلّا على الّذين هدى اللّه قلوبهم، وأيقنوا بتصديق الرسول، وأنّ كلّ ما جاء به فهو الحقّ الذي لا مرية فيه، وأنّ اللّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله أن يكلّف عباده بما شاء، وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التّامّة والحجّة البالغة في جميع ذلك، بخلاف الّذين في قلوبهم مرضٌ، فإنّه كلّما حدث أمرٌ أحدث لهم شكًّا، كما يحصل للّذين آمنوا إيقانٌ وتصديقٌ، كما قال اللّه تعالى: {وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانًا فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون * وأمّا الّذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجسًا إلى رجسهم} [التّوبة: 124،125] وقال تعالى: {قل هو للّذين آمنوا هدًى وشفاءٌ والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمًى}[فصّلت: 44] وقال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلا خسارًا}[الإسراء: 82]. ولهذا كان من ثبت على تصديق الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم واتّباعه في ذلك، وتوجّه حيث أمره اللّه من غير شكٍّ ولا ريب، من سادات الصّحابة. وقد ذهب بعضهم إلى أنّ السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار هم الّذين صلّوا القبلتين.). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ({إلاّ على الّذين هدى الله} وهم التائبون الصادقون في اتّباع الرّسول.)[عمدة القاري: 18/ 95]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({إلاّ على الّذين هدى الله} وهم التائبون الصادقون في اتّباع الرسول ). [إرشاد الساري: 7/ 17]

دلالة الآية على أن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فهو من المهتدين

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وشهد الله تعالى في هذه الآية للمتبعين بالهداية). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]

سبب نزول قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم...}
أسند الإيمان إلى الأحياء من المؤمنين، والمعنى : فيمن مات من المسلمين قبل أن تحوّل القبلة, فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف بصلاة إخواننا الذين ماتوا على القبلة الأولى؟, فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}, يريد إيمانهم ؛ لأنهم داخلون معهم في الملّة، وهو كقولك للقوم: قد قتلناكم وهزمناكم، تريد: قتلنا منكم، فتواجههم بالقتل, وهم أحياء). [معاني القرآن: 1/ 83-84]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء بن عازبٍ قال: «صلّينا إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا ثمّ صرفنا إلى القبلة»). [تفسير الثوري: 52]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان الثوري: فقيل للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فكيف يصنع بمن قد مضى من أصحابنا؟ يعنون من قد صلّى إلى بيت المقدس فمات فنزلت: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم»). [تفسير الثوري: 52]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا هنّادٌ، وأبو عمّارٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا وجّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل اللّه تعالى:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} الآية». هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/ 58]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وإنّما ترك ذكر الصّرف عنها اكتفاءٍ بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره.
وإنّما قلنا ذلك معناه؛ لأنّ محنة اللّه أصحاب رسوله في القبلة إنّما كانت فيما تظاهرت به الأخبار عند التّحويل من بيت المقدس إلى الكعبة، حتّى ارتدّ فيما ذكر رجالٌ ممّن كان قد أسلم واتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأظهر كثيرٌ من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم، وقالوا: ما بال محمّدٍ يحوّلنا مرّةً إلى ها هنا، ومرّةً إلى ها هنا؟ وقال المسلمون في أنفسهم وفى من مضى من إخوانهم المسلمين، وهم يصلّون نحو بيت المقدس: بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت. وقال المشركون: تحيّر محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم في دينه. فكان ذلك فتنةً للنّاس وتمحيصًا للمؤمنين، فلذلك قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بمعنى: وما جعلنا صرفك عن القبلة الّتي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً للنّاس} بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرّؤيا الّتي، أريناك؛ وذلك أنّه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري لم يكن فيه على أحدٍ فتنةٌ، وكذلك القبلة الأولى الّتي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحدٍ فتنةٌ ولا محنةٌ.
ذكر الأخبار الّتي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: «كانت القبلة فيها بلاءٌ وتمحيصٌ، صلّت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينه، وصلّى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثمّ وجّهه اللّه بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال في ذلك قائلون من النّاس:{ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}لقد اشتاق الرّجل إلى مولده قال اللّه عزّ وجلّ:{قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} فقال أناسٌ لمّا صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}وقد يبتلي اللّه العباد بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه. وكلّ ذلك مقبولٌ إذا كان في إيمانٍ باللّه، وإخلاصٍ له، وتسليمٍ لقضائه».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي قبل بيت المقدس، فنسختها الكعبة. فلمّا وجّه قبل المسجد الحرام، اختلف النّاس فيها، فكانوا أصنافًا؛ فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلةٍ زمانًا، ثمّ تركوها وتوجّهوا إلى غيرها؟ وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس، هل تقبّل اللّه منّا ومنهم أو لا؟ وقالت اليهود: إنّ محمّدًا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن يكون هو صاحبنا الّذي ننتظر، وقال المشركون من أهل مكّة، تحيّر محمّدٍ على دينه، فتوجّه بقبلته إليكم، وعلم أنّكم كنتم أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل اللّه جلّ ثناؤه في المنافقين:{سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}إلى قوله:{وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه}وأنزل في الآخرين الآيات بعدها».). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قيل: عنى بالإيمان في هذا الموضع الصّلاة.
ذكر الأخبار الّتي رويت بذلك وذكر قول من قاله:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وعبيد اللّه، وحدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، جميعًا عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا وجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا: كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك وهم يصلّون نحو بيت المقدس؟ فأنزل اللّه جلّ ثناؤه:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
...
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن نفيلٍ، الحرّانيّ، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: «مات على القبلة قبل أن تحوّل إلى البيت رجالٌ وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل اللّه تعالى ذكره:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ العقديّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: «قال أناسٌ من النّاس لمّا صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه جلّ ثناؤه:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثني عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «لمّا توجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل المسجد الحرام، قال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس، هل تقبّل اللّه منّا ومنهم أم لا؟ فأنزل اللّه جلّ ثناؤه فيهم:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: صلاتكم قبل بيت المقدس، يقول: إنّ تلك كانت طاعةٌ، وهذه طاعةٌ».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: قال «ناسٌ لمّا صرفت القبلة إلى البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه تعالى ذكره:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} الآية».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، أخبرني داود بن أبي عاصم، قال: «لمّا صرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة، قال المسلمون: هلك أصحابنا الّذين كانوا يصلّون إلى بيت المقدس فنزلت:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} يقول: «صلاتكم الّتي صلّيتم من قبل أن تكون القبلة فكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلّى منهم أن لا تقبل صلاتهم».). [جامع البيان: 2/ 650-654]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومعنى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} أي: من كان صلّى إلى بيت المقدس قبل أن تحوّل القبلة إلى البيت الحرام بمكة , فصلاته غير ضائعة وثوابه قائم، وقيل: إنّه كان قوم قالوا: فما نصنع بصلاتنا التي كنا صليناها إلى بيت المقدس، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم},أي: تصديقكم بأمر تلك القبلة.
وقيل أيضا: إنّ جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفّوا , وهم يصلون إلى بيت المقدس قبل نقل القبلة إلى بيت اللّه الحرام، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاتهم , فأنزل الله عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوف رحيم}). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبيّ، ثنا سعيد بن مسعودٍ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا إسرائيل، ثنا سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: «لمّا وجّه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا: يا رسول اللّه، فكيف بالّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل اللّه:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} إلى آخر الآية» قال عبيد اللّه بن موسى: «هذا الحديث يخبرك أنّ الصّلاة من الإيمان» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه ). [المستدرك: 2/ 295]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {وَما كانَ اللهُ لِيُضيعَ إِيمانَكُم}
قال ابن عباس في رواية الكلبي: كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أسعد بن زرارة وأبو أمامة أحد بني النجار والبراء بن معرور أحد بني سلمة وأناس آخرون جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا؟ فأنزل الله: {وَما كانَ الله ُلِيُضيعَ إِيمانَكُم} الآية). [أسباب النزول:39 - 40]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولما حولت القبلة كان من قول اليهود: يا محمد إن كانت الأولى حقا فأنت الآن على باطل، وإن كانت هذه حقا فكنت في الأولى على ضلال. فوجست نفوس بعض المؤمنين وأشفقوا على من مات قبل التحويل على صلاتهم السالفة، فنزلت وما كان اللّه ليضيع إيمانكم، ). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت س) - البراء بن عازب رضي الله عنهما: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوّل ما قدم المدينة نزل على أجداده - أو قال: أخواله - من الأنصار، وأنّه صلّى قبل بيت المقدس ستّة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنّه صلّى أوّل صلاةٍ صلّاها صلاة العصر، وصلّى معه قومٌ، فخرج رجلٌ ممّن صلّى معه، فمرّ على أهل مسجدٍ وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة، فداروا - كما هم قبل البيت - وكانت اليهود قد أعجبهم ; إذ كان يصلّي قبل بيت المقدس، وأهل الكتاب، فلمّا ولّى وجهه قبل البيت، أنكروا ذلك».
قال: وفي رواية: «أنه مات على القبلة - قبل أن تحوّل - رجالٌ وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم؟ فأنزل الله عز وجل{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».). [جامع الأصول: 2/ 12]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت د) - ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما وجّه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذي ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم... } الآية»، أخرجه الترمذي وأبو داود). [جامع الأصول: 2/ 13]
وفي الصّحيح من حديث أبي إسحاق السّبيعي، عن البراء، قال: «مات قومٌ كانوا يصلّون نحو بيت المقدس فقال النّاس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل اللّه تعالى:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}». ورواه التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ وصحّحه.
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وفي الصّحيح من حديث أبي إسحاق السّبيعي، عن البراء، قال: «مات قومٌ كانوا يصلّون نحو بيت المقدس فقال النّاس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل اللّه تعالى:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}». ورواه التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ وصحّحه.). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا أبو يعلى حدّثنا أبو خيثمة حدّثنا وكيعٌ عن إسرائيل عن سماكٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: «لما وجّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا كيف بمن مات من إخواننا وهم يصلون نحو بيت المقدّس فأنزل الله عز وجل {وما كان الله ليضيع إيمانكم}»). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/ 425]
قال أحمدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [143]
قال الواحدي قال ابن عباس في رواية الكلبي يعني عن أبي صالح عنه كان رجال من أصحاب رسول الله من المسلمين قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أبو أمامة أسعد بن زرارة أحد بني النجار والبراء بن معرور أحد بني سلمة في أناس آخرين جاءت عشائرهم فقالوا يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا فأنزل الله عز وجل وما كان الله ليضيع إيمانكم
قلت وذكره مقاتل في تفسيره بتمامه بنحوه وأوله أن حيي بن أخطب وأصحابه قالوا أخبرونا عن صلاتكم إلى بيت المقدس كانت هدى أو ضلالة فقالوا إنما الهدى ما أمر الله به والضلالة ما نهى عنه قالوا فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا وقد كان مات فذكره
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والطبري من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال لما وجه رسول الله إلى الكعبة قالوا يا رسول الله أرأيت الذين ماتوا وهو يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم
وأخرج الطبري من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أول ما نسخ من القرآن القبلة وذلك أن رسول الله لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها بضعة عشر شهرا فكان الله عز وجل قد نرى تقلب وجهك في السماء إلى قوله فولوا وجوهكم شطره فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله عز وجل قل لله المشرق والمغرب وأنزل الله عز وجل فأينما تولوا فثم وجه الله
و أخرج الطبري من طرق عن قتادة قال: قال أناس لما صرفت القبلة نحو الكعبة كيف بأعمالنا التي كنا نعمل قبل فنزلت
ومن طريق أسباط بن نصر عن السدي لما توجه رسول الله قبل المسجد الحرام قال المسلمون ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس هل قبل الله منا ومنهم أو لا فنزلت
ومن طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: قال ناس لما حولت القبلة إلى البيت الحرام كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى فنزلت
ومن طريق داود بن أبي عاصم نحوه لكن قال هلك أصحابنا ومن طريق العوفي عن ابن عباس أشفق المسلمون على من صلى منهم إلى غير الكعبة أن لا تقبل منهم). [العجاب في بيان الأسباب:392 - 1/395]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج وكيع والفريابي والطيالسي وأحمد، وعبد بن حميد والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: «لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة قالوا: يا رسول الله فكيف بالذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله{وما كان الله ليضيع إيمانكم}».

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يقول: «صلاتكماليتصليتم من قبل أن تكون القبلة وكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لايقبل صلاتهم».). [الدر المنثور: 2/ 25-27]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قال ابن إسحاق: حدثني إسماعيل بن خالد عن أبي إسحاق عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس، ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله، فأنزل الله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام}. فقال رجل من المسلمين: وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة وكيف بصلاتنا قبل بيت المقدس، فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم}. وقال السفهاء من الناس:
ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله {سيقول السفهاء من الناس} إلى آخر الآية.
له طرق نحوه.
وفي الصحيحين عن البراء: مات على القبلة قبل أن تحول الرجال، وقتلوا فلم ندر ما نقول لهم؟ فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} ). [لباب النقول:26 - 27]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قال ابن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن البراء قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فقال رجال من المسلمين: وددنا لو علمنا علم من مات قبل أن نصرف إلى القبلة فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} وقال السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} إلى آخر الآية ا.هـ منقولا من لباب النقول في أسباب النزول للحافظ السيوطي ومن تفسير الحافظ ابن كثير). [الصحيح المسند في أسباب النزول:24 - 25]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية 143.
قال الإمام البخاري رحمه الله في التفسير ج9 ص237 حدثنا أبو نعيم سمع زهيرا عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا. وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
الحديث أخرجه البخاري أيضا في كتاب الإيمان ج1 ص103 وقال الحافظ في الفتح ج1 ص104 وللمصنف في التفسير من طريق الثوري عن أبي إسحاق سمعت البراء فأمن ما يخشى من تدليس أبي إسحاق. وأخرجه أبو داود الطيالسي ج1 ص85 وابن سعد قسم 2 المجلد 1 ص5 وابن جرير من حديث البراء وابن عباس ج2 ص17.
قال الإمام الترمذي رحمه الله ج4 ص70: حدثنا هناد وأبو عامر قالا: نا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما وجه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الكعبة قالوا يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} الآية 143 هذا حديث حسن صحيح.
وفي رواية سماك عن عكرمة اضطراب، لكنه شاهد لما قبله كما ترى. الحديث أخرجه أبو داود ج4 ص354 والطيالسي ج2 ص12، والحاكم ج2 ص 269 وقال: صحيح الإسناد وسكت عليه الذهبي). [الصحيح المسند في أسباب النزول:25 - 26]

المراد بالإيمان في الآية

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني مالك في قول الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: «هي صلاة المؤمنين إلى بيت المقدس من قبل أن تصرف القبلة إلى الكعبة؛ فلما صرف الله القبلة أنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم للصلاة}، التي كانوا يصلونها تلقاء بيت المقدس»). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 131]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن البراء بن عازبٍ قال: «صلّينا إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا ثمّ صرفنا إلى القبلة»). [تفسير الثوري: 52]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان الثوري: فقيل للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فكيف يصنع بمن قد مضى من أصحابنا؟ يعنون من قد صلّى إلى بيت المقدس فمات فنزلت: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم»). [تفسير الثوري: 52]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( - حدّثنا سعيدٌ، قال: نا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء، في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم نحو بيت المقدس».). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 621-628]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قيل: عنى بالإيمان في هذا الموضع الصّلاة.
ذكر الأخبار الّتي رويت بذلك وذكر قول من قاله:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وعبيد اللّه، وحدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، جميعًا عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا وجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا: كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك وهم يصلّون نحو بيت المقدس؟ فأنزل اللّه جلّ ثناؤه:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
- حدّثني إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء في قول اللّه عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم نحو بيت المقدس».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء نحوه.
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن نفيلٍ، الحرّانيّ، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: «مات على القبلة قبل أن تحوّل إلى البيت رجالٌ وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل اللّه تعالى ذكره:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ العقديّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: «قال أناسٌ من النّاس لمّا صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه جلّ ثناؤه:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثني عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «لمّا توجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل المسجد الحرام، قال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس، هل تقبّل اللّه منّا ومنهم أم لا؟ فأنزل اللّه جلّ ثناؤه فيهم:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: صلاتكم قبل بيت المقدس، يقول: إنّ تلك كانت طاعةٌ، وهذه طاعةٌ».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: قال «ناسٌ لمّا صرفت القبلة إلى البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه تعالى ذكره:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} الآية».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، أخبرني داود بن أبي عاصم، قال: «لمّا صرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة، قال المسلمون: هلك أصحابنا الّذين كانوا يصلّون إلى بيت المقدس فنزلت:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} يقول: «صلاتكم الّتي صلّيتم من قبل أن تكون القبلة فكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلّى منهم أن لا تقبل صلاتهم».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم».
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الضراريّ، قال: أخبرنا المؤمّل، قال: حدّثنا سفيان، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، في هذه الآية: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم نحو بيت المقدس».
قال أبو جعفرٍ: «قد دلّلنا فيما مضى على أنّ معنى الإيمان التّصديق، وأنّ التّصديق قد يكون بالقول وحده وبالفعل وحده وبهما جميعًا.
فمعنى قوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} على ما تظاهرت به الرّواية من أنّه الصّلاة: وما كان اللّه ليضيع تصديقكم رسوله عليه الصّلاة والسّلام بصلاتكم الّتي صلّيتموها نحو بيت المقدس عن أمره؛ لأنّ ذلك كان منكم تصديقًا لرسولي، واتّباعًا لأمري، وطاعةً منكم لي. وإضاعته إيّاه جلّ ثناؤه لو أضاعه ترك إثابة أصحابه وعامليه عليه، فيذهب ضياعًا ويصير باطلاً كهيئة إضاعة الرّجل ماله، وذلك إهلاكه إيّاه فيما لا يعتاض منه عوضًا في عاجلٍ ولا آجلٍ، فأخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّه لم يكن بالذى يبطل عمل عاملٍ عمل له عملاً، وهو له طاعةٌ فلا يثيبه عليه، وإن نسخ ذلك الفرض بعد عمل العامل إيّاه على ما كلّفه من عمله.). [جامع البيان: 2/ 650-654]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومعنى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} أي: من كان صلّى إلى بيت المقدس قبل أن تحوّل القبلة إلى البيت الحرام بمكة , فصلاته غير ضائعة وثوابه قائم، وقيل: إنّه كان قوم قالوا: فما نصنع بصلاتنا التي كنا صليناها إلى بيت المقدس، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}، أي: تصديقكم بأمر تلك القبلة.
وقيل أيضا: إنّ جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفّوا , وهم يصلون إلى بيت المقدس قبل نقل القبلة إلى بيت اللّه الحرام، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاتهم , فأنزل الله عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوف رحيم}). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}:
الوجه الأول:
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شريكٌ، وحديجٌ، عن أبي إسحاق. عن البراء بن عازبٍ، قال: «مات قومٌ كانوا يصلون نحو بيت المقدس فقالوا: فكيف بأصحابنا الّذين ماتوا وهم يصلّون نحو بيت المقدس فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}. قال: صلاتكم إلى بيت المقدس».
- حدّثنا أبي. ثنا محمد عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة بن الفضل، قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد آل زيدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «وما كان اللّه ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيّكم، واتّباعه إلى القبلة الأخرى، أي: ليعطينّكم أجرهما جميعًا، إنّ اللّه بالناس لرؤف رحيمٌ».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قوله: «وما كان اللّه ليضيع إيمانكم أي: ما كان اللّه ليضيع محمّدًا وانصرافكم معه حيث انصرف، إنّ اللّه بالناس لرؤف رحيم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 251-252]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقال ابن عباس والبراء بن عازب وقتادة والسدي والربيع وغيرهم: «الإيمان هنا الصلاة».). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} أي: صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك لا يضيع ثوابها عند اللّه،وفي الصّحيح من حديث أبي إسحاق السّبيعي، عن البراء، قال: «مات قومٌ كانوا يصلّون نحو بيت المقدس فقال النّاس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل اللّه تعالى:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}». ورواه التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ وصحّحه.
وقال ابن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}«أي: بالقبلة الأولى، وتصديقكم نبيّكم، واتّباعه إلى القبلة الأخرى. أي: ليعطيكم أجرهما جميعًا{إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ}».
وقال الحسن البصريّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}«أي: ما كان اللّه ليضيع محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وانصرافكم معه
حيث انصرف {إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ}».). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي: ثباتكم على الإيمان، وعن ابن عبّاس: «{وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي: بالقبلة الأولى، وتصديقكم نبيكم باتباعه إلى القبلة الأخرى، أي: ليعطيكم أجرهما جميعًا». [عمدة القاري: 18/ 95]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم نحو بيت المقدس».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يقول: «صلاتكماليتصليتم من قبل أن تكون القبلة وكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لايقبل صلاتهم».). [الدر المنثور: 2/ 25-27]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ({وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي بالقبلة المنسوخة أو صلاتكم إليها ). [إرشاد الساري: 7/ 17]

الحكمة من تسمية الصلاة إيمانا

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وسمى الصلاة إيمانا لما كانت صادرة عن الإيمان والتصديق في وقت بيت المقدس وفي وقت التحويل، ولما كان الإيمان قطبا عليه تدور الأعمال وكان ثابتا في حال التوجه هنا وهنا ذكره، إذ هو الأصل الذي به يرجع في الصلاة وغيرها إلى الأمر والنهي، ولئلا تندرج في اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس فذكر المعنى الذي هو ملاك الأمر، وأيضا فسميت إيمانا إذ هي من شعب الإيمان). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]

معنى اللام في قوله : {وما كان الله ليضيع إيمانكم}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}
هذه اللام أهي، التي يسميها النحويون لام الجحود، وهي تنصب الفعل المستأنف, وقد أحكمنا شرحها قبل هذا الموضوع.). [معاني القرآن: 1/ 220-221]

سبب التعبير بضمير الخطاب في قوله: {إيمانكم}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم...}
أسند الإيمان إلى الأحياء من المؤمنين، والمعنى : فيمن مات من المسلمين قبل أن تحوّل القبلة, فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف بصلاة إخواننا الذين ماتوا على القبلة الأولى؟, فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}, يريد إيمانهم ؛ لأنهم داخلون معهم في الملّة، وهو كقولك للقوم: قد قتلناكم وهزمناكم، تريد: قتلنا منكم، فتواجههم بالقتل, وهم أحياء). [معاني القرآن: 1/ 83-84]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قال اللّه جلّ ثناؤه: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} فأضاف الإيمان إلى الأحياء المخاطبين، والقوم المخاطبون بذلك إنّما كانوا أشفقوا على إخوانهم الّذين كانوا ماتوا وهم يصلّون نحو بيت المقدس، وفي ذلك من أمرهم أنزلت هذه الآية؟
قيل: إنّ القوم، وإن كانوا قد أشفقوا من ذلك، فإنّهم أيضًا قد كانوا مشفقين من حبوط ثواب صلاتهم الّتي صلّوها إلى بيت المقدس قبل التّحويل إلى الكعبة، وظنّوا أنّ عملهم ذلك قد بطل وذهب ضياعًا، فأنزل اللّه جلّ ثناؤه هذه الآية حينئذٍ، فوجّه الخطاب بها إلى الأحياء، ودخل فيهم الموتى منهم؛ لأنّ من شأن العرب إذا اجتمع في الخبر المخاطب والغائب أن يغلّبوا المخاطب، فيدخلوا الغائب في الخطّاب، فيقولوا لرجلٍ خاطبوه على وجه الخبر عنه، وعن آخر غائبٍ غير حاضرٍ: فعلنا بكما وصنعنا بكما كهيئة خطابهم لهما وهما حاضران، ولا يستجيزون أن يقولوا: فعلنا بهما وهم يخاطبون أحدهما فردّوا المخاطب إلى عداد الغائب). [جامع البيان: 2/ 650-654]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وخاطب الحاضرين والمراد من حضر ومن مات، لأن الحاضر يغلب، كما تقول العرب: ألم نقتلكم في موطن كذا؟، ومن خوطب لم يقتل ولكنه غلب لحضوره، ). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]

دلالة الآية على أن الله لا يضيع ثواب الأعمال التي نسخ الأمر بها

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فأخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّه لم يكن بالذى يبطل عمل عاملٍ عمل له عملاً، وهو له طاعةٌ فلا يثيبه عليه، وإن نسخ ذلك الفرض بعد عمل العامل إيّاه على ما كلّفه من عمله.). [جامع البيان: 2/ 650-654]

معنى قوله: {رؤوف رحيم}

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({رءوفٌ}: فعول من الرأفة، وهي أشدّ الرحمة.
قال الكميت:

وهم الأرأفون بالناس في الرأ ....... فة والأحلمون في الأحلام ). [مجاز القرآن: 1/ 59]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({رءوف}: من الرأفة وهي أشد الرحمة). [غريب القرآن وتفسيره: 83]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ}:
ويعني بقوله جلّ ثناؤه: {إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ} إنّ اللّه بجميع عباده ذو رأفةٍ. والرّأفة أعلى معاني الرّحمة، وهي عامّةٌ لجميع الخلق في الدّنيا ولبعضهم في الآخرة. وأمّا الرّحيم، فإنّه ذو الرّحمة للمؤمنين في الدّنيا والآخرة على ما قد بيّنّا فيما مضى قبل.). [جامع البيان: 2/ 654-655]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومعنى الرأفة كمعنى الرحمة). [معاني القرآن: 1/ 220-221]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الرَّأْفَةُ}: أشد الرحمة). [العمدة في غريب القرآن: 84]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والرأفة أعلى منازل الرحمة). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وفي الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى امرأةً من السّبي قد فرّق بينها وبين ولدها، فجعلت كلّما وجدت صبيًّا من السّبي أخذته فألصقته بصدرها، وهي تدور على، ولدها، فلمّا وجدته ضمّته إليها وألقمته ثديها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أترون هذه طارحةً ولدها في النّار، وهي تقدر على ألّا تطرحه؟» قالوا: لا يا رسول اللّه. قال: «فواللّه، للّه أرحم بعباده من هذه بولدها»). [تفسير ابن كثير: 454/1-458]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {رؤوف} قال: «يرأف بكم»). [الدر المنثور: 2/ 25-27]

الحكمة من ختم الآية بقوله تعالى: {إن الله بالناس لرؤوف رحيم}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وإنّما أراد جلّ ثناؤه بذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ أرحم بعباده من أن يضيّع لهم طاعةً أطاعوه بها فلا يثيبهم عليها، وأرأف بهم من أن يؤاخذهم بترك ما لم يفرضه عليهم. أي ولا تأسوا على موتاكم الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس، فإنّي لهم على طاعتهم إيّاي بصلاتهم الّتي صلّوها كذلك مثيبٌ، لأنّي أرحمٌ بهم من أن أضيّع لهم عملاً عملوه لي، ولا تحزنوا عليهم، فإنّي غير مؤاخذهم بتركهم الصّلاة إلى الكعبة؛ لأنّي لم أكن فرضت ذلك عليهم، وأنا أرأف بخلقي من أن أعاقبهم على تركهم ما لم آمرهم بعمله.). [جامع البيان: 2/ 654-655]

المسائل العقدية

قوله تعالى: {لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} لا يعني نفي علم الله السابق بما سيكون

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فإن قال لنا قائلٌ: أوما كان اللّه عالمًا بمن يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه إلاّ بعد اتّباع المتّبع، وانقلاب المنقلب على عقبيه، حتّى قال: ما فعلنا الّذي فعلنا من تحويل القبلة إلاّ لنعلم المتّبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المنقلب على عقبيه؟
قيل: إنّ اللّه جلّ ثناؤه هو العالم بالأشياء كلّها قبل كونها وليس قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} بخبر عن أنّه لم يعلم ذلك إلاّ بعد وجوده.
فإن قال: فما معنى ذلك؟
قيل له: أما معناه عندنا فإنّه: وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه. …). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ومعنى قوله تعالى: {لنعلم} أي ليعلم رسولي والمؤمنون به، ... فهذا وجه التجوز إذا ورد علم الله تعالى بلفظ استقبال لأنه قديم لم يزل، ووجه آخر: وهو أن الله تعالى قد علم في الأزل من يتبع الرسول واستمر العلم حتى وقع حدوثهم واستمر في حين الاتباع والانقلاب ويستمر بعد ذلك، والله تعالى متصف في كل ذلك بأنه يعلم، فأراد بقوله لنعلم ذكر علمه وقت مواقعتهم الطاعة والمعصية، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب، فليس معنى لنعلم لنبتدىء العلم وإنما المعنى لنعلم ذلك موجودا، وحكى ابن فورك أن معنى لنعلم لنثيب، فالمعنى لنعلمهم في حال استحقوا فيها الثواب،...، وحكى ابن فورك أيضا أن معنى لنعلم لنميز، وذكره الطبري عن ابن عباس، وحكى الطبري أيضا أن معنى لنعلم لنرى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا كله متقارب»، والقاعدة نفي استقبال العلم بعد أن لم يكن). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (قال البيضاوي: «فإن قلت: كيف يكون علمه تعالى غاية الجعل وهو لم يزل عالمًا؟ وأجاب: بأن هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء والمعنى ليتعلق علمنا به موجودًا، وقيل ليعلم رسوله والمؤمنون، لكنه أسند إلى نفسه لأنهم خواصه أو ليتميز الثابت عن المتزلزل كقوله تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب}[الأنفال: 37]فوضع العلم موضع التميز المسبب عنه».). [إرشاد الساري: 7/ 17]

المسائل البلاغية

تشبيه المرتد في دينه بالراجع على عقبيه وبيان وجه الشبه

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وإنّما قيل للمرتدّ: مرتدّ من ذلك لرجوعه عن دينه وملّته الّتي كان عليها، وإنّما قيل رجع على عقبيه لرجوعه دبرًا على عقبيه إلى الوجه الّذي كان فيه بدء سيره قبل مرجعه عنه، فجعل ذلك مثلاً لكلّ تاركٍ أمرًا وآخذٍ آخر غيره إذا انصرف عمّا كان فيه إلى الّذي كان له تاركًا فأخذه، فقيل ارتدّ فلانٌ على عقبيه، وانقلب على عقبيه). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و{ينقلب على عقبيه} عبارة عن المرتد الراجع عما كان فيه من إيمان أو شغل أو غير ذلك، والرجوع على العقب أسوأ حالات الراجع في مشيه عن وجهته، فلذلك شبه المرتد في الدين به، وظاهر التشبيه أنه بالمتقهقر، وهي مشية الحيوان الفازع من شيء قد قرب منه، ويحتمل أن يكون هذا التشبيه بالذي رد ظهره ومشى أدراجه فإنه عند انقلابه إنما ينقلب على عقبيه.) [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]

القول بحذف المضاف في قوله: {وما جعلنا القبلة} لدلالة الكلام عليه

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وإنّما ترك ذكر الصّرف عنها اكتفاءٍ بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره.
وإنّما قلنا ذلك معناه؛ لأنّ محنة اللّه أصحاب رسوله في القبلة إنّما كانت فيما تظاهرت به الأخبار عند التّحويل من بيت المقدس إلى الكعبة ..). [جامع البيان: 2/ 638-646]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقال بعض من ذكر: القبلة بيت المقدس، والمعنى: وما جعلنا صرف القبلة التي كنت عليها وتحويلها، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه)

الإعراب
إعراب {جعلناكم أمة وسطا}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأمّةً مفعول ثان، ووسطاً نعت). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وجعل بمعنى صير فيتعدى لاثنين فالضمير مفعول أوّل وأمة ثان ووسطًا نعت)[إرشاد الساري: 7/ 15]

إعراب {لتكونوا شهداء}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({تكونوا} في موضع نصب. … نصب {تكونوا } بأن, و{شهداء} نصب خبر تكونوا، إلا أن {شهداء} لا ينون، لأنه لا ينصرف لأن فيه ألف التأنيث، وألف التأنيث يبنى معها الاسم, ولم يلحق بعد الفراغ من الاسم فلذلك لم تنصرف {شهداء}.). [معاني القرآن: 1/ 220-221]

إعراب {جعلنا القبلة التي كنت عليها}

قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (
قيل: القبلة مفعول أول والتي كنت عليها ثان، فإن الجعل بمعنى التصيير). [إرشاد الساري: 7/ 17]

{إعراب {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (
ومن: موصول، ويتبع صلته، والموصول وصلته في محل المفعول بنعلم، وعلى عقبيه في محل نصب على الحال). [إرشاد الساري: 7/ 17]

إعراب {ليضيع}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (هذه اللام هي التي يسميها النحويون لام الجحود، وهي تنصب الفعل المستأنف). [معاني القرآن: 1/ 220-221]

المسائل النحوية

سبب منع لفظ {شهداء} من الصرف وسبب جمعه بألف التأنيث
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({شهداء} لا ينون، لأنه لا ينصرف لأن فيه ألف التأنيث، وألف التأنيث يبنى معها الاسم، ولم يلحق بعد الفراغ من الاسم فلذلك لم تنصرف {شهداء}.
فإن قال قائل: فلم جعل الجمع بألف التأنيث قيل: كما جعل التأنيث في نحو قولك جريب وأجربة، وغراب وأغربة , وضارب وضربة، وكاتب وكتبة.). [معاني القرآن: 1/ 220-221]

دخول اللام على إن الخفيفة في قوله: {وإن كانت لكبيرة} للتفريق بينها وبين النافية
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإن كانت لكبيرةً} الآية … وإن هي المخففة من الثقيلة، ولذلك لزمتها اللام لتزيل اللبس الذي بينها وبين النافية، وإذا ظهر التثقيل في إن فلربما لزمت اللام وربما لم تلزم،وقال الفراء: إن بمعنى ما واللام بمنزلة إلا) [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (
وإن مخففة من الثقيلة دخلت على ناسخ الابتداء والخبر واللام للفرق بينها وبين النافية). [إرشاد الساري: 7/ 17]

الاستثناء في قوله: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} استثناء مفرغ لوجود معنى النفي
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (
والاستثناء مفرغ وجاز ذلك وإن لم يتقدمه نفي ولا شبهه لأنه في معنى النفي ). [إرشاد الساري: 7/ 17]

المسائل الصرفية

الفرق بين الوسْط بالسكون والوسَط بالتحريك
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقيل: كل ما صلح فيه لفظ بين يقال بالسكون وإلا فبالتحريك تقول: جلست وسط القوم بالتحريك، وقيل المفتوح في الأصل مصدر والساكن ظرف)
). [إرشاد الساري: 7/ 16]

مفرد لفظ {شهداء}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (
وشهداء جمع شاهد في هذا الموضع.). [المحرر الوجيز: 1/ 366-373]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (والشّهداء جمع شهيدٍ.). [جامع البيان: 2/ 629-637]

تصغير لفظ عقب وجمعه
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«العَقِب» أنثى، وهي عَقِب الرِّجل. وتصغيرهن جميعا بالهاء؛ تقول: «فخيذة» و«عقيبة» و«سويقة». وتجمعهن في أدنى العدد بطرح الهاء؛ تقول: ثلاث أعقب وأعقاب. وكذلك تفعل بكل مؤنث.
قال أبو عبد الله: قال لنا الفراء في كتاب: «الجمع في القرآن»: وقد تذكر الساق. وقال أيضا في: «المصادر»: قد تذكر العَقِب). [المذكور والمؤنث:66- 67]

الاشتقاق

اشتقاق كلمة: {رؤوف}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({رءوفٌ}: فعول من الرأفة، وهي أشدّ الرحمة.
قال الكميت:
وهم الأرأفون بالناس في الرأ ....... فة والأحلمون في الأحلام
). [مجاز القرآن: 1/ 59]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({رءوف}: من الرأفة وهي أشد الرحمة). [غريب القرآن وتفسيره: 83]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والرأفة}أشد الرحمة، ومنه:{رؤوف}).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1436هـ/13-02-2015م, 11:39 AM
لطيفة المنصوري لطيفة المنصوري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 728
افتراضي

الأحاديث والآثار الواردة في تفسير قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)}

1: ابن أنعمٍ، عن حبّان بن أبي جبلة يرفعه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآية: «{وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً}الوسط: العدل،{لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرسول عليكم شهيداً}، إنّ أمّة محمدٍ تدعى فيقال: أتشهدون أنّ رسلي هؤلاء قد بلّغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه، فيقولون: نعم، ربّ، نشهد أنّهم قد بلغوا»). رواه عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ في "الجامع في علوم القرآن"
2: عن مالك في قول الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: «هي صلاة المؤمنين إلى بيت المقدس من قبل أن تصرف القبلة إلى الكعبة؛ فلما صرف الله القبلة أنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم للصلاة}، التي كانوا يصلونها تلقاء بيت المقدس». رواه عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ في "الجامع في علوم القرآن"
3: عبد الرّزّاق، عن معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {أمّةً وسطًا} قال: «عدولاً». رواه ابن جرير.
4: عبد الرّزّاق، عن معمر، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس} لتكون هذه الأمّة شهداء على النّاس أنّ الرّسل قد بلّغتهم، ويكون الرّسول على هذه الأمّة شهيدًا، أن قد بلّغ ما أرسل به». رواه ابن جرير.
5: سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ في قوله تبارك وتعالى: {وكذلك جعلنكم أمة وسطا} قال: «عدلا» رواه أبو حذيفة النهدي في "تفسير الثوري"، ورواه ابن أبي حاتم وسعيد بن منصور عن أبي سعيد مرفوعا من طريق أبي معاوية، عن الأعمش. وزاد ابن منصور: {لتكونوا شهداء على النّاس} قال: «يؤتى بالنّبيّ يوم القيامة معه رجلٌ لم يتّبعه غيره، والنّبيّ معه الرّجلان لم يتّبعه أكثر من ذلك، فيقال للنّبيّ: هل بلّغت هؤلاء؟ فيقول: نعم، فيقول لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، فيقال لهم: من يشهد لكم أنكم قد بلغتم؟ فيقولون: محمّدٌ وأمّته، فيشهدون لهم بالبلاغ، فيقال لهم: ما يدريكم؟ فيقولون: أخبرنا نبيّنا أنّ الرّسل قد بلّغوا، فصدّقنا بذلك، فذلك قوله عزّ وجلّ: {جعلناكم أمّةً وسطًا}» يقول: «عدلًا»{لتكونوا شهداء على النّاس}، قال: «على هذه الأمم أنّهم قد بلّغوا»
6: سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ في قوله جل جلاله: {لتكونوا شهداء على الناس} قال: «على الأمم بأنّ الرّسل قد بلغوا» رواه أبو حذيفة النهدي في "تفسير الثوري".
7: سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ في قوله تبارك وتعالى: {ويكون الرّسول عليكم شهيدا} قال: «شهيدًا عليكم فيما فعلتم» رواه أبو حذيفة النهدي.
8: سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ قال: «صلّينا إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا ثمّ صرفنا إلى القبلة» قال سفيان الثوري: فقيل للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فكيف يصنع بمن قد مضى من أصحابنا؟ يعنون من قد صلّى إلى بيت المقدس فمات فنزلت: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم» رواه أبو حذيفة النهدي.
9: سفيان الثوري في قول اللّه جلّ وعزّ: {وإن كانت لكبيرةً إلا على الذين هدى الله} قال: «اليهود» رواه أبو حذيفة النهدي.
10: شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء، في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم نحو بيت المقدس». رواه سعيد بن منصور، وابن جرير من عدة طرق، وابن أبي حاتم بلفظ:"إلى بيت المقدس". وأورده السيوطي في تفسيره ونسب إخراجه أيضا إلى عبد بن حميد.
11: الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: (قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة، فيقول: لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمّته: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ، فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته، فتشهدون أنّه قد بلّغ:{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}فذلك قوله جلّ ذكره:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا» والوسط: العدل.) رواه البخاري واللفظ له، وابن أبي حاتم من عدة طرق.
قال ابن حجر: وقد أخرجه [البخاري] في الاعتصام من وجهٍ آخر عن أبي أسامة ...
قوله: «يدعى نوحٌ يوم القيامة، فيقول: لبّيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلّغت؟، فيقول: نعم» زاد في الاعتصام: «نعم يا ربّ».
قوله: «فيقول من يشهد لك؟» في الاعتصام: «فيقول: من شهودك؟».
قوله: «فيشهدون» في الاعتصام: «فيجاء بكم فتشهدون».
وقد روى هذا الحديث أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد أتمّ من سياق غيره وأشمل ولفظه: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرّجل ويجيء النّبيّ ومعه الرّجلان ويجيء النّبيّ ومعه أكثر من ذلك، قال: فيقال لهم: أبلّغكم هذا؟، فيقولون: لا، فيقال للنّبيّ: أبلّغتهم، فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟». الحديث أخرجه أحمد عنه والنّسائيّ وابن ماجه والإسماعيليّ من طريق أبي معاوية أيضًا.
قوله: «فيشهدون أنّه قد بلّغ» زاد أبو معاوية: «فيقال: وما علّمكم؟ فيقولون: أخبرنا نبيّنا أن الرّسل قد بلغوا فصدّقناه». ...
قوله: «فذلك قوله عزّ وجل:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا}» في الاعتصام: «ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم».
قوله: «والوسط العدل» هو مرفوعٌ من نفس الخبر وليس بمدرجٍ من قول بعض الرّواة كما وهم فيه بعضهم، وسيأتي في الاعتصام بلفظ: «وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا عدلًا». وأخرج الإسماعيليّ من طريق حفص بن غياثٍ عن الأعمش بهذا السّند في قوله: {وسطًا} قال: «عدلًا» كذا أورده مختصرًا مرفوعًا، وأخرجه الطّبريّ من هذا الوجه مختصرًا مرفوعًا، ومن طريق وكيعٍ عن الأعمش بلفظ: «والوسط العدل» مختصرًا مرفوعًا، ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش مثله، وكذا أخرجه التّرمذيّ والنّسائيّ من هذا الوجه وأخرجه الطّبريّ من طريق جعفر بن عونٍ عن الأعمش مثله وأخرجه عن جماعةٍ من التّابعين كمجاهدٍ وعطاءٍ وقتادة ومن طريق العوفيّ عن ابن عبّاسٍ مثله.
12: جابرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما من رجلٍ من الأمم إلّا ودّ أنّه منّا أيّتها الأمّة، ما من نبيٍّ كذّبه قومه إلّا ونحن شهداؤه يوم القيامة أن قد بلّغ رسالة اللّه ونصح لهم». أورده ابن حجر في فتح الباري بلا إسناد.
13: وكيعٌ، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا وجّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل اللّه تعالى:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} الآية»). رواه الترمذي في سننه - واللفظ له- وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، ورواه ابن جرير، والحاكم في المستدرك بلفظ مقارب، وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه، وأورده السيوطي في تفسيره، ونسب إخراجه أيضا إلى وكيع والفريابي والطيالسي وأحمد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن حبان، والطبراني.
14: يونس، عن ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} قال: «هم وسطٌ بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبين الأمم» رواه ابن جرير
15: ابن فضيلٍ، عن أبي مالكٍ الأشجعيّ، عن المغيرة بن عتيبة بن النّهّاس، أنّ مكتبًا لهم حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّي وأمّتي لعلى كومٍ يوم القيامة مشرفين على الخلائق ما أحدٌ من الأمم إلاّ ودّ أنّه منا أيّتها الأمّة، وما من نبيٍّ كذّبه قومه إلاّ نحن شهداؤه يوم القيامة أنّه قد بلّغ رسالات ربّه ونصح لهم قال: {والرّسول عليكم شهيدًا}». رواه ابن جرير، وأورده السيوطي في تفسيره، ونسب إخراجه أيضا إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه.
16: عصام بن روّاد بن الجرّاح العسقلانيّ، عن أبيه، عن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبد اللّه بن أبى الفضل، عن أبي هريرة، قال: «خرجت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في جنازةٍ، فلمّا صلّى على الميّت، قال النّاس: نعم الرّجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت»، ثمّ خرجت معه في جنازةٍ أخرى، فلمّا صلّوا على الميّت، قال النّاس: بئس الرّجل فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت». فقام إليه أبيّ بن كعبٍ، فقال: يا رسول اللّه، ما قولك وجبت؟ قال: «قول اللّه عزّ وجلّ:{لتكونوا شهداء على النّاس}». رواه ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم، وأورده السيوطي في تفسيره.
17: عليّ بن سهلٍ الرّمليّ، عن الوليد بن مسلمٍ، عن أبي عمرٍو عن يحيى، عن عبد اللّه بن أبي الفضل المدينيّ، قال: حدّثني أبو هريرة قال: «أتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بجنازةٍ، فقال النّاس: نعم الرّجل». رواه ابن جرير وقال: ثمّ ذكر نحو حديث عصامٍ، عن أبيه. وروى ابن جرير من طريق العباس بن الوليد عن أبيه بنحوه.
18: عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «{لتكونوا شهداء على النّاس}تكونوا شهداء لمحمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام على الأمم اليهود، والنّصارى، والمجوس». رواه ابن جرير، وروى مثله من طريق شبل، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد، ورواه عَبْدُ الرَّحْمنِ الهَمَذَانِيُّ من طريق ورقاء،عن ابن أبي نجيحٍ بلفظ مختصر.
19: أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: «يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم القيامة بإذنه ليس معه أحدٌ، فتشهد له أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قد بلّغهم». رواه ابن جرير، وروى مثله من طريق ابن أبي نجيحٍ، عن أبيه، عن عبيد بن عميرٍ، ومن طريق ابن جريجٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن أبيه، ورواه عَبْدُ الرَّحْمنِ الهَمَذَانِيُّ من طريق ورقاء،عن ابن أبي نجيحٍ بلفظ مقارب، وأورده السيوطي في تفسيره ونسب إخراجه إلى عبد بن حميد عن عبيد بن عمير.
20: بشر بن معاذٍ، عن يزيد، عن سعيدٌ، عن قتادة: «{لتكونوا شهداء على النّاس}أي إنّ رسلهم قد بلّغت قومها عن ربّها{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}على أنّه قد بلّغ رسالات ربّه إلى أمّته». رواه ابن جرير.
21: عكرمة بن عمّارٍ، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فمرّ عليه بجنازةٍ فأثنى عليها ثناءٍ حسنٍ، فقال: وجبت»، ومرّ عليه بجنازةٍ أخرى، فأثنى عليها دون ذلك، فقال: «وجبت»، قالوا: يا رسول اللّه ما وجبت؟ قال: «الملائكة شهداء اللّه في السّماء وأنتم شهداء اللّه في الأرض فما شهدتم عليه من شىء وجبت ثمّ قرأ: {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون} الآية» رواه ابن جرير وأورده السيوطي في تفسيره بلفظ مقارب، ونسب إخراجه إلى ابن أبي شيبة وهناد، وابن جرير والطبراني عن سلمة بن الأكوع.
22: الحسن بن يحيى، عن عبد الرّزّاق، عن معمرٌ، عن زيد بن أسلم: «أنّ قوم نوحٍ يقولون يوم القيامة: لم يبلّغنا نوحٌ. فيدعى نوحٌ عليه السّلام فيسأل: هل بلّغتهم؟ فيقول: نعم، قد بلّغتهم فيقال: من شهودك؟ فيقول: أحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته. فتدعون فتسألون، فتقولون: نعم، قد بلّغهم. فتقول قوم نوحٍ عليه السّلام: كيف تشهدون علينا ولم تدركونا؟ قالوا: قد جاءنا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرنا أنّه قد بلّغكم، وأنزل عليه أنّه قد بلّغكم، فصدّقناه. قال: فيصدّق نوحٌ ويكذّبون هم، قال:{لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}». رواه ابن جرير.
23: الحسن بن يحيى، عن عبد الرّزّاق، عن معمرٌ،، عن زيد بن أسلم: «أنّ الأمم يقولون يوم القيامة: واللّه لقد كادت هذه الأمّة أن تكون أنبياء كلّهم لما يرون اللّه أعطاهم». رواه ابن جرير، وأورده السيوطي في تفسيره
24: ابن المبارك، عن رشدين بن سعدٍ، عن ابن أنعم المعافريّ، عن حبّان بن أبي جبلة، يسنده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا جمع اللّه عباده يوم القيامة، كان أوّل من يدعى إسرافيل، فيقول له ربّه: ما فعلت في عهدي هل بلّغت عهدي؟ فيقول: نعم ربّ قد بلّغته جبريل عليهما السّلام، فيدعى جبريل، فيقال له: هل بلّغت إسرافيل عهدي؟ فيقول: نعم ربّ قد بلّغني. فيخلّى عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلّغت عهدي؟ فيقول: نعم، قد بلّغت الرّسل فتدعى الرّسل فيقال لهم: هل بلّغك إسرافيل عهدي فيقولون: نعم ربّنا، فيخلّى عن جبريل، ثمّ يقال للرّسل: ما فعلتم بعهدي؟ فيقول: بلّغنا أممنا. فتدعى الأمم فيقال: هل بلّغكم الرّسل عهدي؟ فمنهم المكذّب ومنهم المصدّق، فتقول الرّسل: إنّ لنا عليهم شهودًا يشهدون أن قد بلّغنا مع شهادتك. فيقول: من يشهد لكم؟ فيقول: أمّة محمّدٍ. فتدعى أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيقول: أتشهدون أنّ رسلي هؤلاء قد بلّغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه؟ فيقولون: نعم ربّنا، شهدنا أن قد بلّغوا، فتقول تلك الأمم: ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول لهم الرّبّ تبارك وتعالى: كيف يشهدون على من لم يدركوا؟ فيقولون: ربّنا بعثت إلينا رسولاً، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنّهم قد بلّغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا. فيقول الرّبّ: صدقوا فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}والوسط: العدل{لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}»، قال ابن أنعم: فبلغني أنّه يشهد يومئذٍ أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ من كان في قلبه حنةٌ على أخيه. رواه ابن جرير، ورواه عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ في "الجامع في علوم القرآن" بلفظ مختصر
25: إسحاق، عن أبي زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: «{لتكونوا شهداء على النّاس}يعني بذلك الّذين استقاموا على الهدى، فهم الّذين يكونون شهداء على النّاس يوم القيامة لتكذيبهم رسل اللّه، وكفرهم بآيات اللّه». رواه ابن جرير.
26: عمّارٍ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {لتكونوا شهداء على النّاس} يقول: «لتكونوا شهداء على الأمم الّذين خلوا من قبلكم بما جاءتهم به رسلهم، وبما كذّبوهم، فقالوا يوم القيامة وعجبوا: أنّ أمّةً لم يكونوا في زماننا، فآمنوا بما جاءت به رسلنا، وكذّبنا نحن بما جاءوا به. فعجبوا كلّ العجب». رواه ابن جرير.
27: حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: «ما قوله:{لتكونوا شهداء على النّاس}قال: أمّة محمّدٍ شهداء على من ترك الحقّ حين جاءه والإيمان والهدى ممّن كان قبلنا» ، وقالها عبد اللّه بن كثيرٍ، قال: وقال عطاءٌ: «هم شهداء على من ترك الحقّ من تركه من النّاس أجمعين، جاء ذلك أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابهم:{ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}على أنّهم قد آمنوا بالحقّ حين جاءهم وصدّقوا به». رواه ابن جرير.
28: حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال: «يشهد أنّهم قد آمنوا بالحقّ إذ جاءهم وقبلوه وصدّقوا به» رواه ابن أبي حاتم، وقال: وروي عن أبي العالية، وعكرمة، وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك، وأورده السيوطي في تفسيره.
29: يونس، عن ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ في قوله: {لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «شاهدٌ على أمّته، وهم شهداء على الأمم، وهم أحد الأشهاد الّذي قال اللّه عزّ وجلّ:{ويوم يقوم الأشهاد}والأشهاد أربعة الملائكة الّذين يحصون أعمالنا لنا وعلينا. وقرأ قوله: {وجاءت كلّ نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ} وقال: هذا يوم القيامة قال: والنّبيّون شهداء على أممهم قال: وأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم شهداء على الأمم. قال: والأطوار: الأجساد والجلود» رواه ابن جرير.
30: موسى بن هارون، عن عمرٌو، عن أسباط، عن السّدّيّ: «{وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها}يعني بيت المقدس». رواه ابن جرير.
31: حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها} قال: «القبلة: بيت المقدس». رواه ابن جرير واللفظ له، وابن أبي حاتم، وقال: وروي عن عطيّة والسّدّيّ نحو ذلك، وأورده السيوطي في تفسيره.
32: بشر بن معاذٍ، عن يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قال: «كانت القبلة فيها بلاءٌ وتمحيصٌ، صلّت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينه، وصلّى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثمّ وجّهه اللّه بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال في ذلك قائلون من النّاس:{ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}لقد اشتاق الرّجل إلى مولده قال اللّه عزّ وجلّ:{قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} فقال أناسٌ لمّا صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}وقد يبتلي اللّه العباد بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه. وكلّ ذلك مقبولٌ إذا كان في إيمانٍ باللّه، وإخلاصٍ له، وتسليمٍ لقضائه». رواه ابن جرير.
33: موسى، عن عمرٌو، عن أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي قبل بيت المقدس، فنسختها الكعبة. فلمّا وجّه قبل المسجد الحرام، اختلف النّاس فيها، فكانوا أصنافًا؛ فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلةٍ زمانًا، ثمّ تركوها وتوجّهوا إلى غيرها؟ وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس، هل تقبّل اللّه منّا ومنهم أو لا؟ وقالت اليهود: إنّ محمّدًا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنّا نرجو أن يكون هو صاحبنا الّذي ننتظر، وقال المشركون من أهل مكّة، تحيّر محمّدٍ على دينه، فتوجّه بقبلته إليكم، وعلم أنّكم كنتم أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم. فأنزل اللّه جلّ ثناؤه في المنافقين:{سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}إلى قوله:{وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه}وأنزل في الآخرين الآيات بعدها». رواه ابن جرير.
34: القاسم، عن الحسين، عن حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «قلت لعطاءٍ{إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} فقال عطاءٌ: يبتليهم ليعلم من يسلّم لأمره»، قال ابن جريجٍ: «بلغني أنّ ناسًا ممّن أسلم رجعوا فقالوا مرّةً: هاهنا ومرّةً هاهنا». رواه ابن جرير،وأورده السيوطي في تفسيره.
35: محمّد بن جعفرٍ، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: [يقول اللّه: استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني يقول: وادهراه، وأنا الدّهر، أنا الدّهر]. رواه ابن جرير، وروى نحوه من طريق ابن إسحاق، عن العلاء.
36: معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال ابن عبّاسٍ: «لنميّز أهل اليقين من أهل الشّرك والرّيبة». رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وأورده السيوطي في تفسيره، ونسب إخراجه أيضا إلى ابن المنذر، والبيهقي.
37: يونس، عن ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ، في قوله: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} قال: «من إذا دخلته شبهةٌ رجع عن اللّه، وانقلب كافرًا على عقبيه». رواه ابن جرير.
38: معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: «قال اللّه عزّ وجلّ:{وإن كانت لكبيرةً إلّا على الذين هدى الله}يعني:تحويلها على أهل الشّكّ والرّيبة» رواه ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير بلفظ مختصر.
39: عيسى بن ميمونٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «ما أمروا به من التّحوّل إلى الكعبة من بيت المقدس». رواه ابن جرير، وروى مثله من طريق شبل، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد، ورواه ابن أبي حاتم من طريق ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، و قال: وروي عن أبي العالية، وقتادة، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك، ورواه عبد الرحمن الهمذاني أيضا من طريق ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ بلفظ مقارب، وزاد: « فلما حولوا إلى الكعبة حول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال» وأورده السيوطي في تفسيره من غير الزيادة، ونسب إخراجه إلى ابن جرير وعبد بن حميد.
40: الحسن بن يحيى، عن عبد الرّزّاق، عن معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «كبيرةً حين حوّلت القبلة إلى المسجد الحرام، فكانت كبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه». رواه ابن جرير.
41: عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{وإن كانت لكبيرةً}أي قبلة بيت المقدس{إلاّ على الّذين هدى اللّه}». رواه ابن جرير.
42: يونس، عن ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ، {وإن كانت لكبيرةً} قال: «صلاتكم ها هنا يعني إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرًا وانحرافكم ها هنا» رواه ابن جرير.
43: يونس، عن ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ، {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «كبيرةٌ في صدور النّاس فيما يدخل الشّيطان به ابن آدم. قاله: ما لهم صلّوا إلى ها هنا ستّة عشر شهرًا ثمّ انحرفوا فكبر في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين. فقالوا: أيّ شيءٍ هذا الدّين؟ وأمّا الّذين آمنوا فثبّت اللّه جلّ ثناؤه ذلك في قلوبهم. وقرأ قول اللّه{وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: صلاتكم حتّى يهديكم إلى القبلة». رواه ابن جرير.
44: أبو صالحٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} يقول: «إلاّ على الخاشعين، يعني المصدّقين بما أنزل اللّه تبارك وتعالى» رواه ابن جرير.
45: عبد اللّه بن محمّد بن نفيلٍ الحرّانيّ، عن زهيرٌ، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء، قال: «مات على القبلة قبل أن تحوّل إلى البيت رجالٌ وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل اللّه تعالى ذكره:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}». رواه ابن جرير. وأورده السيوطي في تفسيره وذكر إخراجه في الصحيحين.
قال ابن كثير: في الصّحيح من حديث أبي إسحاق السّبيعي، عن البراء، قال: «مات قومٌ كانوا يصلّون نحو بيت المقدس فقال النّاس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل اللّه تعالى:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}». ورواه التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ وصحّحه.
46: بشر بن معاذٍ العقديّ، عن يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٌ، عن قتادة، قال: «قال أناسٌ من النّاس لمّا صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه جلّ ثناؤه:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}». رواه ابن جرير.
47: موسى بن هارون، عن عمرو بن حمّادٍ، عن أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: «لمّا توجّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل المسجد الحرام، قال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون قبل بيت المقدس، هل تقبّل اللّه منّا ومنهم أم لا؟ فأنزل اللّه جلّ ثناؤه فيهم:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: صلاتكم قبل بيت المقدس، يقول: إنّ تلك كانت طاعةٌ، وهذه طاعةٌ». رواه ابن جرير.
48: عمّار بن الحسن، عن ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: قال «ناسٌ لمّا صرفت القبلة إلى البيت الحرام: كيف بأعمالنا الّتي كنّا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل اللّه تعالى ذكره:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} الآية». رواه ابن جرير.
49: القاسم، عن الحسين، عن حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن داود بن أبي عاصم، قال: «لمّا صرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة، قال المسلمون: هلك أصحابنا الّذين كانوا يصلّون إلى بيت المقدس فنزلت:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}». رواه ابن جرير.
50: محمّد بن سعدٍ، عن أبيه، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} يقول: «صلاتكم الّتي صلّيتم من قبل أن تكون القبلة فكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلّى منهم أن لا تقبل صلاتهم». رواه ابن جرير وأورده السيوطي في تفسيره.
51: يونس، عن ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ، {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم». رواه ابن جرير.
52: سفيان، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، في هذه الآية: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم نحو بيت المقدس». رواه ابن جرير.
53: شريكٌ، وحديجٌ، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ، قال: «مات قومٌ كانوا يصلون نحو بيت المقدس فقالوا: فكيف بأصحابنا الّذين ماتوا وهم يصلّون نحو بيت المقدس فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}. رواه ابن أبي حاتم.
54: سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، قوله: «{لتكونوا شهداء على النّاس}أي عدلا على النّاس». رواه ابن أبي حاتم.
55: أبو جعفرٍ عن الرّبيع، عن أبي العالية: {لتكونوا شهداء على النّاس} يقول: «لتكونوا شهداء على الأمم الّتي خلت قبلكم، بما جاءتهم به رسلهم وبما كذّبوهم» رواه ابن أبي حاتم.
56: محمّد بن إسحاق، عن مولى آل زيدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: «{إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} أي: ابتلاءً واختبارًا». رواه ابن أبي حاتم، وقال: وروى الحسن، وعطاء، وقتادة، نحو ذلك.
محمّد بن إسحاق، عن محمّدٌ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} أي: الّذين ثبّت اللّه». رواه ابن أبي حاتم، وقال:وروي عن قتادة قال: «عصم اللّه».
57: عبد الوارث، عن محمّد بن ذكوان، عن مجالد بن سعيدٍ، قال الحجّاج للحسن: أخبرني برأيك في أبي ترابٍ. قال الحسن: «سمعت اللّه يقول:{وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه}فعليٌّ ممّن هدى اللّه» رواه ابن أبي حاتم.
58: محمّد بن إسحاق، عن محمّد آل زيدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «وما كان اللّه ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيّكم، واتّباعه إلى القبلة الأخرى، أي: ليعطينّكم أجرهما جميعًا، إنّ اللّه بالناس لرؤف رحيمٌ». رواه ابن أبي حاتم.
59: سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قوله: «وما كان اللّه ليضيع إيمانكم أي: ما كان اللّه ليضيع محمّدًا وانصرافكم معه حيث انصرف، إنّ اللّه بالناس لرؤف رحيم» رواه ابن أبي حاتم.
60: أبو الجماهر، عن سعيد بن بشيرٍ، عن سعيد بن أبي عروبة: «{لرؤف رحيمٌ}يعني: رءوفٌ رفيقٌ». رواه ابن أبي حاتم.
يحيى، عن عبد اللّه، عن عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه عزّ وجل: {لرؤف}قال: «يرأف بكم». رواه ابن أبي حاتم، وأورده السيوطي في تفسيره.
61: محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، عن سلمة، قال محمّد بن إسحاق: {رحيمٌ} قال: «يرحم اللّه العباد على ما فيهم». رواه ابن أبي حاتم.
عبد اللّه بن بكيرٍ، عن عبد اللّه، عن عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: في قول الله:{رحيم}«يعني بالمؤمنين» رواه ابن أبي حاتم.
62: قال ابن كثير: وقال الإمام أحمد: حدّثنا يونس بن محمّدٍ، حدّثنا داود بن أبي الفرات، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبي الأسود أنّه قال: أتيت المدينة فوافقتها، وقد وقع بها مرضٌ، فهم يموتون موتًا ذريعاً. فجلست إلى عمر بن الخطّاب، فمرّت به جنازةٌ، فأثني على صاحبها خيرٌ. فقال: وجبت وجبت. ثمّ مرّ بأخرى فأثني عليها شرٌّ، فقال عمر: وجبت وجبت. فقال أبو الأسود: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّما مسلمٍ شهد له أربعةٌ بخيرٍ أدخله اللّه الجنّة». قال: فقلنا. وثلاثةٌ؟ قال: «وثلاثةٌ». قال، فقلنا: واثنان؟ قال: «واثنان» ثمّ لم نسأله عن الواحد.
وكذا رواه البخاريّ، والتّرمذيّ، والنّسائيّ من حديث داود بن أبي الفرات، به، وأورده السيوطي في تفسيره، ونسب إخراجه أيضا إلى ابن أبي شيبة.
63: قال ابن كثير: قال ابن مردويه: حدّثنا أحمد بن عثمان بن يحيى، حدّثنا أبو قلابة الرّقاشيّ، حدّثني أبو الوليد، حدّثنا نافع بن عمر، حدّثني أمّيّة بن صفوان، عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ الثّقفيّ، عن أبيه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّباوة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم» قالوا: بم يا رسول اللّه؟ قال: «بالثّناء الحسن والثّناء السّيّئ، أنتم شهداء اللّه في الأرض». ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون. ورواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، وعبد الملك بن عمر وشريحٍ، عن نافع عن ابن عمر، به.
64: عن ابن عباس والبراء بن عازب وقتادة والسدي والربيع وغيرهم: «الإيمان هنا الصلاة» أورده ابن عطية في تفسيره بلا إسناد.
65: قال السُّيُوطِيُّ: أخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي والنسائي وصححه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان والاسماعيلي في صحيحه والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: «عدلا»
66: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النّبيّ في قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: «عدلا».
67: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: {جعلناكم أمة وسطا} قال: «جعلكم أمة عدلا».
68: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج ابن سعد عن القاسم بن عبد الرحمن قال: «قال رجل لابن عمر: من أنتم؟ قال: ما تقولون؟ قال: نقول إنكم سبط وتقول إنكم وسط، فقال: سبحان الله، إنما السبط في بني إسرائيل والأمة الوسط أمة محمد جميعا».
69: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي، وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعو قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم».
70: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي، وابن ماجه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: عدلا{لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}».
71: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله: «{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}بأن الرسل قد بلغوا{ويكون الرسول عليكم شهيدا}بما عملتم».
72: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه، عن جابر قال: «شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في بني سلمة وكنت إلى جانبه فقال بعضهم: والله يا رسول الله لنعم المرء كان لقد كان عفيفا مسلما وأثنوا عليه خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تقول فقال: يا رسول الله بدا لنا والله أعلم بالسرائر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت»، قال: «وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل فقال رجل: بئس المرء ما علمنا إن كان لفظا غليظا إن كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تقول فقال: يا رسول الله الله أعلم بالسرائر فأما الذي بدا لنا منه فذاك، فقال: «وجبت» ثم تلا رسول الله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}» [أورده ابن كثير في تفسيره بلفظ ابن مردويه]
73: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: مروا بجنازة فأثني عليه خير فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت وجبت» ومر بجنازة فأثني عليه بشر فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت» فسأله عمر، فقال: «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض»، زاد الحكيم الترمذي: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}».
74: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج أحمد، وابن ماجة والطبراني والبغوي والحاكم في الكنى والدارقطني في الأفراد والحاكم في المستدرك والبيهقي في "سننه" عن أبي زهير الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناوة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم»، قال: بم يا رسول الله قال: «بالثناء الحسن والثناء السيء أنتم شهداء الله في الأرض».
75: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يموت فتشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه لا خيرا إلا قال الله: قد قبلت شهادتكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون».
76: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج الخطيب في تاريخه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت فيشهد له رجلان من جيرانه الأدنين فيقولان اللهم لا نعلم إلا خيرا إلا قال الله للملائكة: اشهدوا أني قد قبلت شهادتهما وغفرت ما لا يعلمان».
77: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن كعب قال: «أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء كان النّبيّ يقال له: بلغ ولا حرج وأنت شهيد على قومك وادع أجبك، وقل لهذه الأمة{ما جعل عليكم في الدين من حرج}[الحج الآية 78]وقال{لتكونوا شهداء على الناس} وقال:{ادعوني استجب لكم}
78: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى اسرافيل فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم رب قد بلغته جبريل، فيدعى جبريل فيقال: هل بلغك اسرافيل عهدي؟، فيقول: نعم، فيخلى عن اسرافيل ويقول لجبريل: هل بلغت عهدي؟، فيقول: نعم قد بلغت الرسل، فتدعى الرسل فيقال لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟، فيقولون: نعم، فيخلى جبريل ثم يقال للرسل: هل بلغتم عهدي؟، فيقولون: نعم بلغناه الأمم، فتدعى الأمم فيقال لهم: هل بلغتكم الرسل عهدي؟، فمنهم المكذب ومنهم المصدق، فتقول الرسل: إن لنا عليهم شهداء، فيقول: من؟، فيقولون: أمة محمد، فتدعى أمة محمد فيقال لهم: أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم؟، فيقولون: نعم، فتقول الأمم: يا ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول الله: كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم؟، فيقولون: يا ربنا أرسلت إلينا رسولا وأنزلت علينا كتابا وقصصت علينا فيه أن قد بلغوا فنشهد بما عهدت إلينا، فيقول الرب: صدقوا فذلك قوله {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}والوسط العدل{لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}».
79: قال السُّيُوطِيُّ: أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب في الآية قال: «{لتكونوا شهداء على الناس}يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوح وعلى قوم هود وعلى قوم صالح وعلى قوم شعيب وعندهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم»، قال أبو العالية: «وهي في قراءة أبي (لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة)».
80: قال السُّيُوطِيُّ: أخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: «يقال: يا نوح قد بلغت؟، قال: نعم يا رب، قال: فمن يشهد لك؟، قال: رب أحمد وأمته، قال: فكلما دعي نبي كذبه قومه شهدت له هذه الأمة بالبلاغ فإذا سأل عن هذه الأمة لم يسأل عنها إلا نبيها».
81: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حبان بن أبي جبلة قال: «بلغني أن ترفع أمة محمد على كوم بين يدي الله تشهد للرسل على أممها بالبلاغ فإنما يشهد منهم يومئذ من لم يكن في قلبه احنة على أخيه المسلم».
82: قال السُّيُوطِيُّ: وأخرج مسلم وأبو دلود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: «لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة»). [الدر المنثور: 2/ 17-25]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 ربيع الثاني 1436هـ/13-02-2015م, 12:12 PM
لطيفة المنصوري لطيفة المنصوري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 728
افتراضي

القراءات والمسائل التفسيرية في قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)}


القراءات

القراءات في قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}

هي في قراءة أبيّ بن كعبٍ: (وتكونوا شهداء على النّاس يوم القيامة) ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره.

القراءات في قوله: {لنعلم}
قرأ الزهري: (ليُعلم) على ما لم يسم فاعله. ذكره ابن عطية.

القراءات في قوله: {ليضيع}
قرأ الضحاك: (ليضَيّع) بفتح الضاد وشد الياء. ذكره ابن عطية.

القراءات في قوله تعالى: {لرؤوف}
1: رءوفٌ على مثال فعولٌ، وهي قراءة عامّة قرّاء أهل المدينة. ذكره ابن جرير، والزجاج.
2: رؤفٌ على مثال فعلٌ، وهي قراءة عامّة قرّاء أهل الكوفة، كما قال الوليد بن عقبة:
وشرّ الطّالبين ولا ت‍كنه ....... بقاتل عمّه الرّؤف الرّحيم
ذكره ابن جرير، وابن عطية
3: لرووف، بغير همز، ذكره الزجاج، وابن عطية، وذكر ابن عطية أن أبا جعفر بن القعقاع قرأ بها.

المسائل التفسيرية

سبب نزول الآية
قال مقاتل: وذلك أن اليهود منهم مرحب وربيعة ورافع قالوا لمعاذ ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا فإن قبلتنا قبلة الأنبياء ولقد علم أنا عدل بين الناس فأنزل الله تعالى: { وكذلك جعلناكم أمة وسطا}؛ ذكره ابن حجر في "العجاب في بيان الأسباب"
قال ابن عطية: (وروي في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حول إلى الكعبة أكثر في ذلك اليهود والمنافقون وارتاب بعض المؤمنين حتى نزلت الآية)

لمن الخطاب في الآية؟
الخطاب للمؤمنين من أمة محمد صلي الله عليه وسلم كما ذكر ابن جرير، والظاهر من كلام كثير من المفسرين.

المشار إليه في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}
المشار إليه هو ما جاء في قوله تعالى: {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}، والمعنى: كما هديناكم أيها المؤمنون إلى الصراط المستقيم وإلى قبلة إبراهيم وملته، كذلك فضلناكم على غيركم من أهل الأديان فجعلناكم أمة وسطا. هذا حاصل ما ذكره ابن جرير والزجاج وابن عطية.
وقال الزّمخشريّ: «وكذلك جعلناكم، ومثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا..»، ذكره العيني

معنى قوله: {جعلناكم}
أي صيرناكم، ذكره القسطلاني.

معنى الأمة
الجماعة والقرن من الناس، كما ذكر ابن جرير وابن عطية وابن كثير والعيني والقسطلاني، وذكر ابن جرير أنها تكون من الناس ومن غيرهم.

معنى الوسط لغة:
- هو الجزء الّذي بين الطّرفين، ويطلق على الخيار والأعلى من الشيء، ومنه قولهم: فلان وسطٌ في قومه، وواسطٌ، أي: في خيارهم. ومنه قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم: «هو أوسط قريش حسباً»
- وقال الزّمخشريّ: «وقيل للخيار: وسط»، لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعواز والأوساط محفوظة)
- هذا حاصل ما ذكره أبو عبيدة التيمي، وعبد الله اليزيدي، والدينوري، وابن جرير، والزجاج، وابن عطية، و، العيني، والقسطلاني.

معنى قوله تعالى: {وسطا}
جاء في الأحاديث والآثار: أمة وسطا أي: عدولا، أو عدلا، روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، ومجاهد، وقتادة، والربيع، وغيرهم، وقال به الفراء، وابن عطية.
قال السُّيُوطِيُّ:أخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي والنسائي وصححه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان والاسماعيلي في صحيحه والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: «عدلا»
و قيل: عدلا خيارا، قاله أبو عبيدة التيمي، وعبد الله اليزيدي، والدينوري، وابن جرير، والزجاج. واللفظان مختلفان والمعنى واحد؛ لأن العدل خير، والخير عدل، والخيار من النّاس عدولهم، هذا حاصل ما قاله ابن جرير، والزجاج، واقتصر قول ابن كثير على "خيارا"، ومثله الزمخشري.
ومنه قوله تعالى في موضع آخر: {قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبّحون} أي: خيرهم، وأعدلهم. ذكره الدينوري، وابن عطية.
وقيل: وسطا من التوسط، وهو قول ابن جرير واختياره، قال العيني: لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحًا لمعنى التّوسّط أن لا يكون أريد به معناه الآخر كما نصّ عليه الحديث فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دلّ عليه معنى الآية.

سبب وصف هذه الأمة بأنها أمة وسط.
وصفهم بأنّهم وسط لتوسّطهم في الدّين، فلا هم أهل غلوٍّ فيه غلوّ النّصارى الّذين غلوا بالتّرهّب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصيرٍ فيه تقصير اليهود، الّذين بدّلوا كتاب اللّه، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربّهم وكفروا به؛ ولكنّهم أهل توسّطٍ واعتدالٍ فيه، قاله ابن جرير ومثله ابن عطية، قال ابن عطية: فهي أعلاها وخيرها من هذه الجهة.

تضمن الآية الثناء على هذه الأمة وتفضيلها على سائر الأمم يوم القيامة
- أورد بعض المفسرين عند تفسير هذه الآية عددا من الآثار في بيان فضل هذه الأمة على سائر الأمم، تأكيدا لما جاء في الآية، من ذلك:
- عن عبد الرّزّاق، عن معمرٌ، عن زيد بن أسلم: «أنّ الأمم يقولون يوم القيامة: واللّه لقد كادت هذه الأمّة أن تكون أنبياء كلّهم لما يرون اللّه أعطاهم». رواه ابن جرير، وأورده السيوطي في تفسيره.
- عن أبي مالكٍ الأشجعيّ، عن المغيرة بن عتيبة بن النّهّاس، أنّ مكتبًا لهم حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّي وأمّتي لعلى كومٍ يوم القيامة مشرفين على الخلائق ما أحدٌ من الأمم إلاّ ودّ أنّه منا أيّتها الأمّة، وما من نبيٍّ كذّبه قومه إلاّ نحن شهداؤه يوم القيامة أنّه قد بلّغ رسالات ربّه ونصح لهم قال: {والرّسول عليكم شهيدًا}». رواه ابن جرير، وأورده ابن حجر في فتح الباري، وأورده السيوطي في تفسيره، ونسب إخراجه أيضا إلى ابن أبي حاتم، وابن مردويه.
- قال السيوطي: وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن كعب قال: «أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء كان النّبيّ يقال له: بلغ ولا حرج وأنت شهيد على قومك وادع أجبك، وقل لهذه الأمة{ما جعل عليكم في الدين من حرج} وقال: {لتكونوا شهداء على الناس} وقال:{ادعوني استجب لكم}».
وذكر ابن كثير أن جميع الأمم يوم القيامة تعترف بالفضل لهذه الأمة، وأنه لمّا جعل اللّه هذه الأمّة وسطًا خصّها بأكمل الشّرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب، كما قال تعالى: {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدّين من حرجٍ ملّة أبيكم إبراهيم}

معنى اللام في قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس}

اللام هنا هي لام التعليل كما بين الزجاج والقسطلاني.

المراد بالناس في قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} ومعنى كون هذه الأمة شهيدة عليهم
فيه قولان:
القول الأول: المراد بالناس جميع الأمم، فتشهد هذه الأمة يوم القيامة للأنبياء والرسل على أممهم بتبليغ رسالات ربهم، وتشهد لنبيها بالتبليغ في مدته.
هذا حاصل ما ذكره الفراء، وابن جرير، والزجاج، وابن عطية،
وقد أورد كثير من المفسرين عددا من الأحاديث والآثار في هذا المعنى، من ذلك:
- عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: عدلا{لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}». رواه سعيد بن منصور، وأحمد، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي في البعث والنشور، وأورده ابن كثير والسيوطي في تفسيرهما.
- وعن أبي بن كعب في الآية قال: «{لتكونوا شهداء على الناس}يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوح وعلى قوم هود وعلى قوم صالح وعلى قوم شعيب وعندهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم» رواه ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية وأورده السيوطي في تفسيره.
- وروى أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وغيرهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نوحا تناكره أمته في التبليغ، فتشهد له هذه الأمة.
- وقال مجاهد: «معنى الآية تشهدون لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغ الناس في مدته من اليهود والنصارى والمجوس». ذكره ابن عطية.

القول الثاني: المراد بالناس هذه الأمة، فيشهد بعضها على بعض بعد الموت. ذكره ابن جرير، وابن عطية.
- قال السيوطي: أخرج الطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: مروا بجنازة فأثني عليه خير فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت وجبت» ومر بجنازة فأثني عليه بشر فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وجبت وجبت» فسأله عمر، فقال: «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض»، زاد الحكيم الترمذي: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}».
- وأخرج أحمد وأبو يعلى، وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يموت فتشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه لا خيرا إلا قال الله: قد قبلت شهادتكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون».
- وغيرها من الأحاديث والآثار في هذا المعنى.

من الذي يُمنع من الشهادة من هذه الأمة؟
- ورد أنه يمنع من الشهادة اللعانون، ومن كان في قلبه حنة على أخيه.
- عن حبان بن أبي جبلة قال: «... فإنما يشهد منهم يومئذ من لم يكن في قلبه احنة على أخيه المسلم». رواه الترمذي في نوادر الأصول، وذكره السيوطي، وروى ابن جرير عن ابن أنعم نحوه.
- عن أبي الدرداء أنه قال: قال رسول الله: «لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة» رواه مسلم وأبو داوود والترمذي وذكره السيوطي.

المقصود بالرسول في الآية
محمد صلى الله عليه وسلم، ذكره ابن جرير، وأشار إليه باقي المفسرين.

معنى كون الرسول صلى الله عليه وسلم شهيدا على هذه الأمة
فيه أقوال:
قيل: يشهد عليهم بأعمالهم يوم القيامة. ذكره ابن عطية.
عن أبي سعيدٍ في قوله تبارك وتعالى: {ويكون الرّسول عليكم شهيدا} قال: «شهيدًا عليكم فيما فعلتم» رواه أبو حذيفة النهدي، ورواه ابن جرير بلفظ مقارب، وأورده السيوطي.

وقيل: يشهد عليهم بالتبليغ إليهم. ذكره ابن جرير، وابن عطية، والزجاج.
عن قتادة في قوله: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال: «على أنّه قد بلّغ رسالات ربّه إلى أمّته». رواه ابن جرير.
قال السُّيُوطِيُّ: أخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: «... فكلما دعي نبي كذبه قومه شهدت له هذه الأمة بالبلاغ، فإذا سأل عن هذه الأمة لم يسأل عنها إلا نبيها».

وقيل: عليكم بمعنى لكم أي يشهد لهم بالإيمان والتصديق. ذكره الفراء، وابن جرير، والزجاج، وابن عطية.
قال ابن جرير: قال قائل هذه المقاله: هذا نظير قوله: {وما ذبح على النّصب} إنما هو: وما ذبح على النّصب.
عن ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ: {ويكون الرّسول عليكم شهيدًا} قال: «يشهد أنّهم قد آمنوا بالحقّ إذ جاءهم وقبلوه وصدّقوا به» رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم - واللفظ له -، وقال: وروي عن أبي العالية، وعكرمة، وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك، وأورده السيوطي في تفسيره.

لمن الخطاب في قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم كما بين ابن جرير وابن كثير، وأشار إليه ابن عطية، والعيني، وغيرهما.

معنى (ما) في قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}
(ما) هنا تفيد النفي كما أشار ابن جرير.

المراد بالقبلة في الآية
فيه قولان:
القول الأول: بيت المقدس؛ قاله الطبري ورواه عن السدي، وعطاء، وذكره عنه السيوطي في تفسيره، ورواه ابن أبي حاتم عن عطاء، وعطية، والسدي، وحكاه ابن عطية عن قتادة وعطاء والسدي وغيرهم، وقاله ابن كثير.
القول الثاني: الكعبة؛ حكاه ابن عطية عن ابن عباس، وقاله العيني.

القول بحذف المضاف في قوله: {وما جعلنا القبلة} لدلالة الكلام عليه
ذكر ذلك ابن جرير وابن عطية، قال ابن جرير: (اجتزئ بذكر القبلة من ذكر التّولية والتّحويلة لدلالة الكلام على معنى ذلك … كما قال جلّ ثناؤه: {وما جعلنا الرّؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنةً للنّاس} بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرّؤيا الّتي أريناك)، واستدل لذلك بما تظاهرت عليه الأخبار من أن اختبار المؤمنين إنما كان في صرفهم وتحويلهم عن القبلة، من ذلك:
ما رواه عن قتادة أنه قال: «كانت القبلة فيها بلاءٌ وتمحيصٌ، صلّت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينه، وصلّى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثمّ وجّهه اللّه بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال في ذلك قائلون من النّاس:{ما ولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} ...».

معنى قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها}
أقوال من قال أن المراد بالقبلة بيت المقدس:
القول الأول:وما جعلنا صرفك وتحويلك عن قبلة بيت المقدس التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبعك ممن ينقلب على عقبيه، هذا معنى ما قاله ابن جرير وابن كثير، وذكره ابن عطية عن بعض المفسرين.
القول الثاني: ما أمرناك بالتوجه إلى بيت المقدس أولا إلا امتحانا لنعلم من يتبعك من العرب ممن يألف مسجد مكة، ومن اليهود ممن قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن صليت إلى بيت المقدس اتبعناك. هذا معنى ما قاله ابن عطية.

قول من قال أن المراد بالقبلة الكعبة:
كنت بمعنى أنت كقوله تعالى: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}، بمعنى أنتم، والمعنى: وما جعلنا القبلة التي أنت عليها والّتي تحب أن تستقبلها، وما رددناك إليها إلاّ امتحاناً للنّاس، هذا حاصل ما قاله العيني وابن عطية.

الأقوال في معنى قوله: {لنعلم} وبيان مرجع الضمير فيه
فيه أقوال:
قيل: ليعلم رسولي والمؤمنون، وأضاف ذلك إليه لأنهم حزبه وخواصه، وهذا شائع في كلام العرب نحو قولهم: "فتح عمر العراق"، وإنما فعل ذلك جنده وأتباعه. هذا حاصل ما قاله ابن جرير ورجحه، وحكاه عنه ابن حجر، وذكره ابن عطية، وحكاه القسطلاني عن البيضاوي.
استدل عليه ابن جرير بما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: [يقول اللّه جلّ ثناؤه: مرضت فلم يعدني عبدي، واستقرضته فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني]. قال: فأضاف تعالى ذكره الاستقراض، والعيادة إلى نفسه، وإن كان ذلك بغيره إذ كان ذلك عن سببه.
وقيل: لنعلم ذلك موجودا؛ إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب، ذكره ابن عطية، - وقال: (وحكى ابن فورك أن معنى لنعلم لنثيب)- ، وحكاه القسطلاني عن البيضاوي.
وقيل:«لنميّز أهل اليقين من أهل الشّرك والرّيبة». رواه الطبري وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وأورده السيوطي، وذكره ابن عطية عن ابن فورك، وذكره البيضاوي، قال: كقوله تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب}فوضع العلم موضع التميز المسبب عنه»، حكاه عنه القسطلاني، وأشار إليه ابن كثير فقال: ليظهر حال من يتّبعك ... ممّن ينقلب على عقبيه
وقيل: لنرى من يتّبع الرّسول، ذكره ابن جرير وقال: هذا تأويلٌ بعيدٌ، ودلل على ذلك بأنه غير موجودٍ في كلام العرب علمت بمعنى رأيت، وذكره عنه ابن عطية.
وقيل: ليتبيّن لكم - أيها المنافقون واليهود وأهل الكفر باللّه الذين أنكروا أن يكون اللّه تعالى يعلم الشّيء قبل كونه - أنّا نعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه، ذكره ابن جرير وقال بعيدٌ من المفهوم.
وقيل: لتعلموا أنتم إذ كنتم جهّالاً به قبل أن يكون؛ فأضاف العلم إلى نفسه رفقًا بخطابهم، ذكره ابن جرير.
رجح ابن جرير القول الأول كما تقدم، وقال ابن عطية عن الأقوال التي ذكرها أنها متقاربة، وقال: والقاعدة نفي استقبال العلم بعد أن لم يكن.

فائدة تعليق العلم بأفعال العباد
قالَ ابن عطية: (وعلق العلم بأفعالهم لتقوى الحجة ويقع التثبت فيما علمه لا مدافعة لهم فيه)

المراد بالاتباع في قوله: {من يتبع الرسول}
فيه قولان:
قيل:يتبع محمد صلى الله عليه وسلم فيما أمره الله به من التحول نحو الكعبة. ذكره ابن جرير، وابن كثير، والقسطلاني وغيرهم.
قيل: يتبع النبي صلى الله عليه وسلم في التوجه نحو بيت المقدس حين أمر بذلك، من العرب الذين يألفون مسجد مكة، أو من اليهود الذين ادعوا اتباعه إن توجه إلى بيت المقدس. ذكره ابن عطية.

معنى (من) في قوله تعالى: {ممّن ينقلب على عقبيه}
قال القَسْطَلاَّنيُّ: (من: موصول)

معنى العقب لغة
[عقب كل شيء آخره، كما جاء في لسان العرب وغيره من المعاجم.]
قال الأصمعي: والعَقِبُ الولد يبقى بعد الإنسان، وعَقِب القدم مؤخرها، ذكره أبو عبيد في "الغريب المصنف"

معنى قوله تعالى: {ينقلب على عقبيه}
أي: يرتدّ عن دينه، فينافق، أو يكفر، أو يخالف محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، ذكره ابن جرير وذكر نحوه ابن عطية وابن كثير والقسطلاني.
- عن ابن زيد في ذكر صفة المرتد أنه قال: «من إذا دخلته شبهةٌ رجع عن اللّه، وانقلب كافرًا على عقبيه». رواه ابن جرير.

وجه تشبيه المرتد عن دينه بمن ينقلب على عقبيه
شبه المرتد عن دينه بمن يرجع على عقبيه؛ لرجوعه دبرًا على عقبيه إلى الوجه الّذي كان فيه قبل مرجعه عنه،
والرجوع على العقب أسوأ حالات الراجع في مشيه عن وجهته، فلذلك شبه المرتد في الدين به، وظاهر التشبيه أنه بالمتقهقر، وهي مشية الحيوان الفازع من شيء قد قرب منه، ويحتمل أن يكون هذا التشبيه بالذي رد ظهره ومشى أدراجه فإنه عند انقلابه إنما ينقلب على عقبيه. هذه حاصل ما قاله ابن جرير وابن عطية.

بيان الحكمة من تحويل القبلة
- حولت القبلة امتحاناً للنّاس وابتلاءً ليظهر الثّابت على الإسلام الصّادق فيه، الذي يسلم لأمر الله تعالى وينقاد له، ممّن هو على حرف ينكص على عقبيه لقلقه فيرتد، هذا ملخص ما ذكره ابن جرير، وابن عطية، وابن كثير، والعيني.
- عن ابن عبّاسٍ أنه قال في تفسير الآية: «لنميّز أهل اليقين من أهل الشّرك والرّيبة». رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وأورده السيوطي في تفسيره، ونسب إخراجه أيضا إلى ابن المنذر، والبيهقي.
- عن قتادة أنه قال: «كانت القبلة فيها بلاءٌ وتمحيصٌ »، وقال: «… وقد يبتلي اللّه العباد بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه، وكلّ ذلك مقبولٌ إذا كان في إيمانٍ باللّه، وإخلاصٍ له، وتسليمٍ لقضائه». رواه ابن جرير.
- عن عطاءٌ أنه قال: « يبتليهم ليعلم من يسلّم لأمره»، قال ابن جريجٍ: «بلغني أنّ ناسًا ممّن أسلم رجعوا فقالوا مرّةً: هاهنا ومرّةً هاهنا» رواهما ابن جرير.

مرجع الضمير في قوله تعالى: {وإن كانت لكبيرة}
فيه قولان بحسب اختلاف المفسرين في المراد بالقبلة:
القول الأول: التحويلة من بيت المقدس إلى الكعبة. ذكره ابن جرير ورجحه، وذكره ابن عطية، وابن كثير، والعيني، والقسطلاني.
عن ابن عبّاسٍ قال: «يعني:تحويلها على أهل الشّكّ والرّيبة» رواه ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير بلفظ مختصر.
عن مجاهدٍ أنه قال: «ما أمروا به من التّحوّل إلى الكعبة من بيت المقدس»، رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، و قال: وروي عن أبي العالية، وقتادة، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك، ورواه عبد الرحمن الهمذاني عن ابن أبي نجيحٍ بلفظ مقارب، وأورده السيوطي.

القول الثاني: القبلة إلى بيت المقدس. ذكره ابن جرير، والزجاج، وابن عطية.
عن أبي العالية أنه قال: «{وإن كانت لكبيرةً}أي قبلة بيت المقدس{إلاّ على الّذين هدى اللّه}». رواه ابن جرير.

القول الثالث: الصّلاة الّتي كانوا صلّوها إلى القبلة الأولى. ذكره ابن جرير.
- عن ابن زيدٍ أنه قال: «صلاتكم حتّى يهديكم اللّه القبلة». رواه ابن جرير.
- وعن ابن زيد أيضا أنه قال: «صلاتكم ها هنا يعني إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرًا ..» رواه ابن جرير. وذكر ابن عطية عن ابن زيد نحوه.

معنى قوله: {لكبيرة}
- أي ثقيلة شاقة، تكبر وتعظم في الصدور، حاصل ما ذكره ابن جرير، وابن عطية، وابن كثير، والعيني، والقسطلاني.
- عن ابن زيدٍ أنه قال: «كبيرةٌ في صدور النّاس فيما يدخل الشّيطان به ابن آدم. قاله: ما لهم صلّوا إلى ها هنا ستّة عشر شهرًا ثمّ انحرفوا فكبر في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين. ...». رواه ابن جرير.

معنى (إن) و(اللام) في قوله: {وإن كانت لكبيرة}
- (إن) هي المخففة من الثقيلة.
- (اللام) للتفريق بين إن المخففة والنافية، وإلا كان الكلام جحدا، وصار المعنى: " ما كانت كبيرة "، وإن مع اللام يفيد التوكيد للقصة.
- هذا حاصل ما ذكره الزجاج، وابن عطية، والعيني، والقسطلاني، قال ابن عطية وقال الفراء: "إن بمعنى ما واللام بمنزلة إلا".

الاستثناء في قوله: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} استثناء مفرغ
قال القسطلاني : (والاستثناء مفرغ وجاز ذلك وإن لم يتقدمه نفي ولا شبهه لأنه في معنى النفي).

من هم الذين كانت القبلة أو الصرف عنها عظيما عليهم
قيل: كان التوجه إلى قبلة بيت المقدس والصلاة إليها في أول الأمر عظيما على نفوس بعض العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة، ذكره ابن عطية.
وقيل: كان التحول عن قبلة بيت المقدس إلى الكعبة عظيما على اليهود، والمنافقين، وأهل الشك والريب، وعلى غير المخلصين. هذا حاصل ما ذكره ابن جرير، وابن كثير، وابن عطية.
- وأورد أبو حذيفة النهدي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو السعودات الجزري، والسيوطي آثارا في ذلك، سبق ذكرها، ومنها:
- عن ابن عبّاسٍ قال: «قال اللّه عزّ وجلّ:{وإن كانت لكبيرةً إلّا على الذين هدى الله}يعني:تحويلها على أهل الشّكّ والرّيبة»). رواه ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير بلفظ مختصر.
- عن ابن زيدٍ أنه قال: «كبيرةٌ في صدور النّاس فيما يدخل الشّيطان به ابن آدم. قاله: ما لهم صلّوا إلى ها هنا ستّة عشر شهرًا ثمّ انحرفوا فكبر في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين. ...». رواه ابن جرير.

المراد بالهداية في الآية ومن هم الذين هداهم الله؟
- الهداية المذكورة هي هداية التوفيق لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم، واتباعه فيما أنزله الله عليه، كما ذكر ابن جرير، وقد هدى الله لذلك المؤمنين الخاشعين المخلصين لله تعالى الصادقين في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. هذا حاصل ما ذكره ابن جرير، والزجاج، وابن كثير، والعيني، والقسطلاني.
- عن ابن زيدٍ، {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} قال: «كبيرةٌ في صدور النّاس فيما يدخل الشّيطان به ابن آدم... وأمّا الّذين آمنوا فثبّت اللّه جلّ ثناؤه ذلك في قلوبهم.». رواه ابن جرير.
- عن ابن عبّاسٍ {وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الّذين هدى اللّه} يقول: «إلاّ على الخاشعين، يعني المصدّقين بما أنزل اللّه تبارك وتعالى» رواه ابن جرير.
- عن ابن عبّاسٍ: «{وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} أي: الّذين ثبّت اللّه». رواه ابن أبي حاتم، وقال:وروي عن قتادة قال: «عصم اللّه».

دلالة الآية على أن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فهو من المهتدين
قالَ ابنِ عَطِيَّةَ: (وشهد الله تعالى في هذه الآية للمتبعين بالهداية)

سبب نزول قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}
ذكر سبب نزوله عدد من الصحابة والتابعين، من ذلك:
- قال ابن كثير: في الصّحيح من حديث أبي إسحاق السّبيعي، عن البراء، قال: «مات قومٌ كانوا يصلّون نحو بيت المقدس فقال النّاس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل اللّه تعالى:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}». ورواه التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ وصحّحه.
عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لمّا وجّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل اللّه تعالى:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} الآية»). رواه الترمذي في سننه - واللفظ له - وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، ورواه ابن جرير، والحاكم في المستدرك بلفظ مقارب، وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه، وأورده السيوطي في تفسيره، ونسب إخراجه أيضا إلى وكيع والفريابي والطيالسي وأحمد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن حبان، والطبراني.
- عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: «مات على القبلة قبل أن تحوّل إلى البيت رجالٌ وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل اللّه تعالى ذكره:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}». رواه ابن جرير، وأورده السيوطي في تفسيره وذكر إخراجه في الصحيحين.
- وروى ابن جرير عن قتادة، والسدي، والربيع، وغيرهم نحو ذلك، وذكر بعض المفسرين مثل الزجاج وابن عطية معنى ماجاء في هذه الآثار.

المراد بالإيمان في الآية
فيه قولان:
القول الأول: الصلاة نحو بيت المقدس
ذكره ابن جرير والزجاج وابن عطية وابن كثير والقسطلاني.
عن أبي إسحاق، عن البراء في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} قال: «صلاتكم نحو بيت المقدس». رواه سعيد بن منصور ، ورواه ابن جرير من عدة طرق، وابن أبي حاتم بلفظ:"إلى بيت المقدس". وأورده السيوطي في تفسيره ونسب إخراجه أيضا إلى عبد بن حميد، وروى ابن جرير نحوه عن ابن عباس وقتادة والسدي والربيع وغيرهم.

القول الثاني: الإيمان بالقبلة الأولى وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه.
- ذكره الزجاج والقسطلاني
- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: «وما كان اللّه ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيّكم، واتّباعه إلى القبلة الأخرى، أي: ليعطينّكم أجرهما جميعًا». رواه ابن أبي حاتم، وأورده ابن كثير، والعيني.
- عن الحسن أنه قال: « ما كان اللّه ليضيع محمّدًا وانصرافكم معه حيث انصرف» رواه ابن أبي حاتم.

الحكمة من تسمية الصلاة إيمانا
- لأن الصلاة في وقت بيت المقدس وفي وقت التحويل كانت صادرة عن الإيمان والتصديق
- ولأن الإيمان قطب تدور عليه الأعمال، ولأنه كان ثابتا حال التوجه هنا وهنا.
- ولئلا تندرج في اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس.
- ولأن الصلاة من شعب الإيمان.
ذكره ابن عطية.

معنى اللام في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}
قَالَ الزجاج: (اللام هي التي يسميها النحويون لام الجحود، وهي تنصب الفعل المستأنف)

سبب التعبير بضمير الخطاب في قوله: {إيمانكم}
لأن الأحياء من المؤمنين كانوا أيضا مشفقين من حبوط ثواب صلاتهم الّتي صلّوها إلى بيت المقدس قبل التّحويل إلى الكعبة؛ ومن شأن العرب إذا اجتمع في الخبر المخاطب والغائب أن يغلّبوا المخاطب، فوجّه الخطاب بها إلى الأحياء، ودخل فيهم الموتى منهم. هذا حاصل ما ذكره الفراء وابن جرير، وابن عطية.

دلالة الآية على أن الله لا يضيع ثواب الأعمال التي نسخ الأمر بها
قالَ ابن جرير: أخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّه لم يكن بالذى يبطل عمل عاملٍ عمل له عملاً، وهو له طاعةٌ فلا يثيبه عليه، وإن نسخ ذلك الفرض بعد عمل العامل إيّاه على ما كلّفه من عمله.

معنى قوله: {لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}
- رؤوف من الرأفة وهي أشد الرحمة، قاله أبو عبيدة التيمي، وعبد الله اليزيدي، وابن جرير، وابن عطية، وقال الزجاج: كمعنى الرحمة،
- قال ابن جرير: "وهي عامّةٌ لجميع الخلق في الدّنيا ولبعضهم في الآخرة، وأمّا الرّحيم، فإنّه ذو الرّحمة للمؤمنين في الدّنيا والآخرة."
- عن سعيد بن جبير في قوله: {رؤوف} قال: «يرأف بكم» رواه ابن أبي حاتم وأورده السيوطي.

الحكمة من ختم الآية بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}
إنّما أراد جلّ ثناؤه بذلك أنّه أرحم بعباده من أن يضيّع لهم طاعةً أطاعوه بها فلا يثيبهم عليها، وأرأف بهم من أن يؤاخذهم بترك ما لم يفرضه عليهم، فلا يأس المؤمنون على موتاهم الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس. هذا ملخص ما قالَه ابن جرير.



رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24 ربيع الثاني 1436هـ/13-02-2015م, 12:27 PM
لطيفة المنصوري لطيفة المنصوري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 728
افتراضي

الفوائد السلوكية المستفادة من قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)}

· العلم بتفضيل الله تعالى هذه الأمة على سائر الأمم، يدفع المؤمن إلى استشعار عظم فضل الله تعالى عليه، أن خصه من بين كثير من خلقه، بالانتماء إلى خير الأمم، وخير الأديان قاطبة، فيشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة.
· لا يشعر المؤمن بفضل أحد من أهل الأديان الأخرى عليه إطلاقا، وإن فاقوه في أي أمر من أمور الدنيا، لإيمانه بفضله عليهم بهذا الدين العظيم، فإن اعتز غيره بشيء، اعتز هو بدينه.
· دين الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال، دين الحنيفية السمحة، فمن غالى أو فرط في العقيدة أو في العبادة، فقد سلك مسلك اليهود أو النصارى.
· بين الله في كتابه أن وسطية الإسلام، سببا من أسباب فضله على غيره من الأديان، فلا يظنن ظان أن غلوه في الدين على غير ما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم، يجعل له فضلا على غيره من المعتدلين، أو يزيده قربة عند ربه.
· الشهادة على الناس أمانة عظيمة، لا تقبل بأي حال إلا بعد تزكية الشاهد.
· أشفق النبي صلى الله عليه وسلم من شهادته على أمته يوم القيامة وهو الشاهد، فكيف ينبغي أن يكون حال المشهود عليهم!.
· اتباع النبي صلي الله عليه وسلم هو الطريق الموصل للهداية، ومخالفته ضلال وانحراف عن الجادة.
· لا يأمر الله بأمر، ولا ينهى عن آخر، ولا يقضي قضاء إلا لحكمة بالغة.
· سرعة الاستجابة لأمر لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، من سمات المؤمنين الصادقين.
· الهداية من الله تعالى، فينسب المؤمن فضل هدايته لله وحده.
· للصلاة قدر عظيم عند الله تعالى، حتى سماها إيمانا.
· لا يرضى اليهود والنصارى عن مؤمني هذه الأمة إلا أن يتبعوهم في ضلالهم، وهذا يوجب الحذر الشديد من السعي في رضاهم.
· المؤمن يحرص على إخوانه المؤمنين، ويسعى في نفعهم أحياء وأمواتا.
· لا يعاقب الله تعالى عباده إلا بعد أن تقوم الحجة عليهم، وهذا دليل على عدله ورحمته، وكذلك ينبغي أن يكون المؤمنون.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تجب, في


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:19 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir