فَصلٌ: تَختَصُّ الإضَافَةُ اللَّفظِيَّةُ بجَوَازِ دُخُولِ (أَلْ) علَى المُضَافِ في خَمسِ مَسَائِلَ:
إِحدَاهَا: أَن يَكُونَ المُضَافُ إِلَيهِ بأَلْ، كـ (الجَعْدِ الشَّعَرِ)، وقولِهِ:
319- شِفَاءٌ وهُنَّ الشَّافِيَاتُ الحَوَائِمِ([1]) الثَّانِيَةُ: أن يَكُونَ مُضَافاً لمَا فيهِ (أَل)، كـ (الضَّارِبُ رَأْسِ الجَانِي)، وقولِهِ:
320- لَقَدْ ظَفِرَ الزُّوَّارُ أَقْفِيَةِ العِدَى([2]) الثَّالِثَةُ: أَن يَكُونَ مُضَافاً إلى ضَمِيرِ مَا فيهِ (أَلْ)، كقَولِهِ:
321- الوُدُّ أَنتِ المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ([3]) الرَّابِعَةُ: أَن يَكُونَ المُضَافُ مُثَنًّى، كقَولِهِ:
322- إِنْ يَغْنَيَا عَنِّيَ المُسْتَوْطِنَا عَدَنِ([4]) الخَامِسَةُ: أَن يَكُونَ جَمعاً اتَّبَعَ سَبِيلَ المُثَنَّى، وهو جَمعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ، فإِنَّهُ يُعرَبُ بِحَرفَينِ، ويَسلَمُ فيهِ بِنَاءُ الوَاحِدِ ويُختَمُ بنُونٍ زَائِدَةٍ تُحذَفُ للإضَافَةِ، كما أنَّ المُثَنَّى كذلك، كقولِه:
323- لَيسَ الأَخِلاَّءُ بِالْمُصْغِي مَسَامِعِهِمْ([5])
وجَوَّزَ الفَرَّاءُ إِضَافَةَ الوَصْفِ المُحَلَّى بأَلْ إلَى المَعَارِفِ كُلِّهَا([6]) ، كـ (الضَّارِبِ زَيْدٍ) و(الضَّارِبِ هَذَا) بخِلافِ (الضَّارِبِ رَجُلٍ) وقالَ المُبَرِّدُ والرُّمَّانِيُّ في (الضَّارِبِكَ) و(ضَارِبِكَ)([7]): مَوْضِعُ الضَّمِيرِ خَفْضٌ، وقَالَ الأخْفَشُ: نَصْبٌ، وقالَ سِيبَوَيْهِ: الضَّمِيرُ كالظَّاهِرِ؛ فهو مَنْصُوبٌ في (الضَّارِبِكَ) مَخْفُوضٌ في (ضَارِبِكَ) ويَجُوزُ في (الضَّارِبَاكَ) و(الضَّارِبُوكَ) الوَجْهَانِ.
([1])319-هَذا الشَّاهِدُ مِن كلامِ الفَرَزْدَقِ، يَقُولُهُ حِينَ خَرَجَ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ البَاهِلِيُّ علَى سُلَيمَانَ بنِ عَبدِ المَلِكِ وخَلَعَ طَاعَتَهُ، فقَتَلَهُ وَكِيعُ بنُ حَسَّانَ بنِ قَيْسٍ، وبَعَثَ برَأْسِهِ إلى سُلَيمَانَ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنا هو عَجُزُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدْرُهُ قَولُهُ:
*أَبَأْنَا بِهِمْ قَتْلَى، ومَا فِي دِمَائِهِمْ*
اللُّغَةُ: (أَبَأْنَا) مَعنَاُه: جَعَلْنَاهُم بَوَاءً؛ أي: عِوَضاً ومُقَابَلَةً، وذلك إنَّمَا يَكُونُ عندَ الأخْذِ بالثَّأرِ، و(الحَوَائِمِ) جَمعُ حَائِمَةٍ، وهِي التي تَحُومُ حَولَ المَاءِ مِن العَطَشِ.
المَعنَى: يَقُولُ: أَخَذْنَا بثَارَاتِنَا عندَ مَن كَانَت لنا عِندَهُم ثَارَاتٌ، وقَتَلْنَا مِنهُم مَقتَلَةً عَظِيمَةً بِمَن كَانُوا قد قَتَلُوه مِن قَومِنَا، وليسَ في دَمِ الذين قَتَلْنَاهُم شِفَاءٌ لِحَرَارَةِ قُلُوبِنَا ولاعِجِ أَحزَانِنَا؛ لأنَّهُم غَيرُ أَكْفَاءٍ لمَن قَتَلُوا مِن قَومِنَا، وإنَّ القَتْلَ وأَخذَ الثَّأْرِ إنَّمَا يُقصَدُ بهِمَا شِفَاءُ غَيظِ الصُّدُورِ والذَّهَابُ بحَرَارَةِ الأَلَمِ على مَن يُفْقَدُ.
الإعرَابُ: (أَبَأْنَا) فِعْلٌ وفَاعِلٌ، (بِهِم) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَبَاءَ (قَتْلَى) مَفعُولٌ بهِ لأباءَ، (وَمَا) الواوُ وَاوُ الحَالِ، مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، مَا: نَافِيَةٌ، (في دِمَائِهِمْ) الجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، و(دِمَاءِ) مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِينَ مُضَافٌ إليهِ، (شِفَاءٌ) مُبتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، والجُمْلَةُ مِن المُبتَدَأِ والخَبَرِ في مَحَلِّ نَصبٍ حَالٌ، (وهُنَّ) الواوُ للحَالِ أَيضاً، هُنَّ: ضَمِيرٌ مُنفَصِلًٌ مُبتَدَأٌ مَبنِيٌّ على الفَتحِ في مَحَلِّ رَفعٍ، (الشَّافِيَاتُ) خَبَرُ المُبتَدَأِ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ و(الحَوائِمِ) مُضَافٌ إلَيهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، وجُملَةُ المُبتَدَأِ وخَبَرِهِ في مَحَلِّ نَصبٍ حَالٌ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (الشَّافِيَاتُ الحَوَائِمِ) حيثُ أَضَافَ الاسمَ المُقتَرِنَ بأل لِكَونِ المُضَافِ إِلَيهِ مُقتَرِناً بها معَ كَونِ المُضَافِ وَصفاً.
ومِثلُ بَيتِ الفَرَزْدَقِ (رَقْمِ 319) قَولُ الأَعْشَى:
عَلْقَمَ مَا أَنْتَ إِلَى عَامِرِ = النَّاقِضِ الأَوْتَارِ والوَاتِرِ
ومِثلُهُ قَولُ الأَعْشَى أَيضاً:
الضَّاحِكِ السِّنِّ عَلَى هَمِّهِ = وَالغَافِرِ العَثْرَةِ لِلعَاثِرِ
ومثلُهُ قَولُ جَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ:
فَإِنْ تَكُ كَلْباً مِن كُلَيبٍ فَإِنَّنِي = مِنَ الدَّارِمِيِّينَ الطِّوَالِ الشَّقَاشِقِ
([2])320-لم أَقِفْ لهذا الشَّاهِدِ على نِسبَةٍ إلَى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ صَدرُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*بِمَا جَاوَزَ الآمَالَ مِلأَسْرِ وَالقَتْلِ*
اللُّغَةُ: (ظَفِرَ) مَعنَاهُ: فَازَ، و(الزُّوَّارُ) جَمعُ زَائِرٍ، و(أَقْفِيَةِ) جَمعُ قَفَا، وهُو مُؤَخَّرُ العُنُقِ، وقَولُهُ: (مِلأَسْرِ) أَصلُهُ (مِنَ الأَسْرِ)، فحَذَفَ النُّونَ وهَمزَةَ الوَصلِ، وهذا شَائِعٌ في كَلامِهِم.
وانظُرْ إلَى قَولِ أَبِي صَخْرٍ الهُذَلِيِّ:
كَأَنَّهُمَا مِلآنِ لَمْ يَتَغَيَّرَا = وَقَدْ مَرَّ لِلدَّارَينِ مِنْ بَعْدِنَا عَصْرُ
أَرَادَ (مِنَ الآنِ) ثُمَّ انظُرْ إلى قَولِ عُمَرَ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
نَجِيَّينِ نَقْضِي اللَّهْوَ فِي غَيرِ مَأْثَمٍ = وَإِنْ رَغِمَتْ مِلْكَاشِحِينَ المَعَاطِسُ
أَرَادَ (مِنَ الكَاشِحِينَ) ثُمَّ انظُرْ إلى قَولِ عُمَرَ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَيضاً:
وَمَا أَنْسَ مِلأَشْيَاءِ لاَ أَنْسَ قَولَهَا = لَنَا مَرَّةً مِنهَا بِقَرْنِ المَنَازِلِ
أَرَادَ (مِنَ الأَشْيَاءِ) ثُمَّ انظُرْ إلى قَولِ المُغِيرَةِ بنِ حَبْنَاءَ:
إِنِّي امْرُؤٌ حَنْظَلِيٌّ حِينَ تَنْسُبُنِي = لاَ مِلْعَتِيكِ ولاَ أَخْوَالِيَ العَوَقُ
أرَادَ (مِنَ العَتِيكِ) ثُمَّ انظُرْ إلى قَولِ ذِي الإِصبُعِ العَدْوَانِيِّ:
أَجْعَلُ مَالِي دُونَ الدَّنَا غَرَضاً = وَمَا وَهَى مِلأُمُورِ فَانْصَدَعَا
أَرَادَ (مِنَ الأُمُورِ) ثُمَّ انظُرْ بعدَ كُلِّ هذَا إِلَى قَولِ أَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي:
نَحْنُ قَوْمٌ مِلْجِنِّ فِي زِيِّ نَاسٍ = فَوقَ طَيْرٍٍ لَهَا شُخُوصُ الجِبَالِ
أرَادَ (مِنَ الجِنِّ)، فهذه جُملَةٌ صَالِحَةٌ مِن الشِّعرِ العَرَبِيِّ القَدِيمِ، ومِن شِعرِ الشُّعَرَاءِ المُحدَثِينَ العَارِفِينَ بِلُغَاتِ العَرَبِ، وكُلُّهَا فيهَا ذلك الحَذْفُ، وهذا يَدُلُّ علَى أنَّهُ سَائِغٌ غَيرُ مُنكَرٍ.
الإعرَابُ: (لَقَدْ) اللاَّمُ وَاقِعَةٌ في جَوَابِ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرَابِ، قَدْ: حَرفُ تَحقِيقٍ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرَابِ (ظَفِرَ) فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (الزُّوَّارُ) فَاعِلُ (ظَفِرَ) مَرفُوعٌ, وعَلامَةُ رَفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، وهو مُضَافٌ (وأَقْفِيَةِ) مُضَافٌ إليهِ، مَجرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ و(العِدَى) مُضَافٌ إليهِ مَجرُورٌ بكَسرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الأَلِفِ مَنَعَ ظُهُورَهَا التَّعَذُّرُ، (بمَا) البَاءُ حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ علَى الكَسرِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، مَا: اسمٌ مَوصُولٌ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ بالبَاءِ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بظَفِرَ، (جَاوَزَ) فِعْلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيهِ جَوَازاً تقدِيرُهُ (هو) يعُودُ على (ما) المَوصُولَةِ، (الآمَالَ) مَفعُولٌ بهِ لجَاوَزَ مَنصُوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهِرَةِ، وجُملَةُ الفِعلِ المَاضِي وفَاعِلِه ومَفعُولِهِ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةُ المَوصُولِ، (مِلأَسْرِ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بجَاوَزَ، (والقَتْلِ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (القَتلِ): مَعطُوفٌ علَى الأَسْرِ مَجرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (الزُّوَّارُ أَقْفِيَةِ العِدَى) حيثُ أَضَافَ الاسمَ المُقتَرِنَ بأَل، والذي جَوَّزَ هذه الإضَافَةَ كَونُ المُضَافِ وَصفاً وكَونُ المُضَافِ إليهِ مُضَافاً إلى مُقتَرِنٍ بأَل.
ومِثلُ هذا البيتِ (رَقْمِ 320) قَولُ حَسَّانَ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ:
مَتَارِيكُ أَذْنَابِ الأُمُورِ إِذَا اعْتَرَتْ = أَخَذْنَا الفُرُوعَ وَاجْتَثَثْنَا أُصُولَهَا
([3])321- وهَذَا الشَّاهِدُ أَيضاً مِن الشَّوَاهِدِ التي لم يَتَيَسَّرْ لي الوُقُوفُ علَى نِسبَتِها إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ صَدرُ بَيتٍ مِن الكَامِلِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*مِنِّي وَإِنْ لَمْ أَرْجُ مِنْكِ نَوَالاَ*
اللُّغَةُ: (الوُدُّ) بضَمِّ الوَاوِ أَو فَتحِهَا أَو كَسرِهَا – المَحَبَّةُ، وتَقُولُ: وَدِدْتُ الرَّجُلَ أَوَدُّه – مِن بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ – إِذَا أَحْبَبْتَهُ، (المُسْتَحِقَّةُ) التي تَستَوجِبُ بمَا اشتَمَلَت عليهِ مِن صِفَاتٍ ومَمَادِحَ، (صَفْوِهِ) صَفْوُ الشَّيءِ – بفَتحِ الصَّادِ وسُكُونِ الفَاءِ – خَالِصُهُ ولُبَابُهُ، (أَرْجُ) مُضَارِعُ (رَجَا الشَّيءَ يَرجُو رَجَاءً ورَجَاوَةً) إِذَا أَمِلَهُ وطَمِعَ فيهِ، (نَوَالاَ)؛ أي: عَطَاءً، ومِثلُهُ النَّائِلُ.
المَعنَى: أَنت – دُونَ سَائِرِ النَّاسِ – التي تَستَوْجِبِينَ خَالِصَ مَحَبَّتِي ولُبَابَ مَوَدَّتِي، بمَا أَوْدَعَكِ اللَّهُ تعَالَى مِن مَحَاسِنَ، وبما شُغِفَ قَلْبِي بِكِ، وإِنِّي لأَمْنَحُكِ هذه المَحَبَّةَ الخَالِصَةَ وإن أَكُنْ على يَقِينٍ مِن أنَّكِ لا تَمُنِّينَ علَيَّ بمَا يُكَافِئُ ذلك كُلَّهُ، فلا مَطْمَعَ لِي في شَيءٍ مِمَّا يَطمَعُ فيه المُحِبُّونَ.
الإِعرَابُ: (الوُدُّ) مُبتَدَأٌ أَوَّلٌ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (أَنتِ) ضَمِيرٌ مُنفَصِلٌ مُبتَدَأٌ ثَانٍ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ، إِن اعتَبَرْتَ التَّاءَ لَيسَت جُزْءاً مِن الضَّمِيرِ على ما هو الرَّاجِحُ، فإِن اعتَبَرْتَ التَّاءَ جُزْءاً فهُو مَبنِيٌّ على الكَسرِ في مَحَلِّ رَفْعٍ، (المُسْتَحِقَّةُ) خَبَرُ المُبتَدَأِ الثَّانِي مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ وهو مُضَافًٌ، وصَفْوٌ مِن (صَفْوِهِ) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِ العَائِدُ إلَى الوُدِّ مُضَافٌ إليهِ مَبنِيٌّ على الكَسرِ في مَحَلِّ جَرٍّ، وجُملَةُ المُبتَدَأِ الثَّانِي وخَبَرِه في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ الأَوَّلِ (مِنِّي) جَارٌّ ومَجرُورٌ يَتَعَلَّقُ بقَولِهِ: المُسْتَحِقَّةُ، (وَإِنْ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ، والمَعطُوفُ علَيهِ مَحذُوفٌ، إِنْ: حَرفُ شَرطٍ جَازِمٌ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ (لَمْ) حَرفُ نَفْيٍ وجَزمٍ وقَلبٍ، (أَرْجُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، فِعلُ الشَّرطِ مَجزُومٌ بلم وعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذفُ الوَاوِ، والضَّمَّةُ قَبلَهَا دَلِيلٌ علَيهَا، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيهِ وُجُوباً تَقدِيرُهُ (أنَا)، (مِنْكِ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: أَرجُو، (نَوَالاَ) مَفعُولٌ بهِ لأرْجُو، وهذه الجُملَةُ مَعطُوفَةٌ على جُملَةٍ أُخرَى مَحذُوفَةٍ هي أَولَى بِالحُكْمِ الذي هو استِحْقَاقُهَا لِلوُدِّ مِن هَذِه الجُملَةِ المَذكُورَةِ، وتَقدِيرُ الكلامِ: إنْ رَجَوْتُ مِنكِ نَوَالاً وَإِنْ لَمْ أَرْجُ مِنْكِ نَوَالاً، وجَوَابُ الشَّرطِ مَحذُوفٌ يَدُلُّ علَيهِ سَابِقُ الكَلامِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (المُستَحِقَّةُ صَفْوِهِ) حيثُ أضَافَ الاسمَ المُقتَرِنَ بأل، وهو قَولُهُ: (المُستَحِقَّةُ)، لِكَونِهِ وَصفاً معَ كَونِ المُضَافِ إليهِ مُضَافاً إلى ضَمِيرٍ يَعُودُ إلى ما فيهِ أَل وهُوَ الوُدُّ.
([4])322-وهذا الشَّاهِدُ مِن الشَّوَاهِدِ التي لم نَقِفْ على نِسْبَتِهَا إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هو صَدْرُ بَيتٍ مِنَ البَسِيطِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*فَإِنَّنِي لَسْتُ يَوماً عَنهُمَا بِغَنِي*
اللُّغَةُ: (يَغْنَيَا عَنِّي) أَرَادَ: يَسْتَغْنِيَا ولا تَكُونُ بهِمَا حَاجَةٌ إلَى مَعُونَتِي، (المُستَوطِنَا عَدَنِ) اللذان اتَّخَذَا عَدَناً وَطَناً ومَوضِعَ إِقَامَةٍ، وعَدَنٌ – بفَتحِ العَينِ والدَّالِ جَمِيعاً – بَلَدٌ بِاليَمَن، وذكَرَ في (مُحيطِ الفَيرُوزَآبَادِيِّ) أنَّهَا جَزِيرَةٌ باليَمَنِ، (بِغَنِي) الغَنِيُّ: المُستَغْنِي، وهو الوَصفُ مِن غَنِيَ يَغْنَى – بوَزنِ رَضِيَ يَرْضَى.
المَعنَى: إِن يَكُنْ هذانِ الشَّخصَانِ اللذانِ اتَّخَذَا عَدَناً مَوطِنَ إِقَامَةٍ قد استَغْنَيَا عنِّي، ولم تَعُدْ بهما حَاجَةٌ إلى مَعُونَتِي، فإنَّنِي دَائِمُ الحَاجَةِ إلَيهِمَا ولَستُ مُستَغْنِياً عَنهُمَا قَطّ.
الإعرابُ: (إِنْ) حَرفُ شَرطٍ جَازِمٍ يَجْزِمُ فِعْلَينِ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرَابِ، (يَغْنَيَا) فِعلٌ مُضارِعٌ فِعلُ الشَّرطِ مَجزُومٌ بإن وعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذفُ النُّونِ، وأَلِفُ الاثنَينِ فَاعِلُهُ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ رَفعٍ، (عَنِّي) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: يَغْنَيَا، (المُستَوْطِنَا) بَدَلٌ مِن أَلِفِ الاثنَينِ – تَخرِيجاً علَى اللُّغَةِ الفُصْحَى – مَرفُوعٌ بالأَلِفِ نِيَابَةً عَن الضَّمَّةِ؛ لأنَّهُ مُثَنًّى، وهو مُضَافٌ و(عَدَنِ) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (فَإِنَّنِي) الفَاءُ حَرفٌ وَاقِعٌ في جَوَابِ الشَّرطِ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرَابِ، إنَّ: حَرفُ تَوكِيدٍ ونَصبٍ يَنصِبُ الاسمَ ويَرفَعُ الخَبَرَ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ والنُّونُ الثَّالِثَةُ حَرفٌ يَلحَقُ الأَفعَالَ والحُرُوفَ عِندَ اتِّصَالِهِ بيَاءِ المُتَكَلِّمِ لِوِقَايَةِ أَوَاخِرِهَا مِنَ الكَسْرِ، ويَاءُ المُتَكَلِّمِ اسمُ (إِنَّ) مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصبٍ، (لَسْتُ) لَيسَ: فِعلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ يَرفَعُ الاسمَ ويَنصِبُ الخَبَرَ، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ اسمُهُ مَبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، (يَوماً) ظَرفُ زَمَانٍ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: (غَنِي) الآتِي مَنصُوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهِرَةِ، (عَنهُمَا) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بغَنِي أَيضاً، (بِغَنِي) البَاءُ حَرفُ جَرٍّ زَائِدٌ، غَنِي: خَبَرُ (لَيسَ)، وجُملَةُ ليسَ واسمِهِ وخَبَرِهِ في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ (إِنَّ)، وجُملَةُ (إِنَّ) واسمِهَا وخَبَرِهَا فِي مَحَلِّ جَزْمٍ جَوَابُ الشَّرْطِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (المُستَوْطِنَا عَدَنِ) حيثُ أضَافَ الاسمَ المُقتَرِنَ بأل إلى اسمٍ ليسَ مُقتَرِناً بها وهو (عَدَنِ)، وسَاغَ ذلك لكَونِ المُضَافِ وَصفاً دَالاًّ علَى مُثَنًّى.
وفِي قَولِه: (يَغْنَيَا المُستَوْطِنَا عَدَنِ) شَاهِدٌ آخَرُ، وذلك حيثُ أَلْحَقَ الفِعلَ عَلامَةَ التَّثنِيَةِ معَ كَونِهِ رَافِعاً لاسمٍ ظَاهِرٍ مُثَنًّى، وذلك على لُغَةِ (أَكَلُونِي البَرَاغِيثُ) – وقد سَبَقَ ذِكْرُهُ أَثنَاءَ شَرْحِنَا في بَابِ الفَاعِلِ.
([5])323-لَم أَقِفْ لهذَا الشَّاهِدِ أَيضاً على نِسْبَةٍ إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ صَدرُ بَيتٍ مِن البَسيطِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*إِلَى الوُشَاةِ وَلَو كَانُوا ذَوِي رَحِمِ*
اللُّغَةُ: (الأَخِلاَّءُ) جَمعُ خَلِيلٍ، وهو الصَّدِيقُ، وفِي القُرآنِ الكَرِيمِ: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}، (بِالمُصْغِي) المُصغِي: جَمعُ مُصْغٍ، وهو اسمُ الَفاعِلِ مِن (أَصغَى فُلانٌ إلَى حَدِيثِ فُلانٍ) إِذَا أَمَالَ أُذُنَهُ إليهِ وأَنصَتَ لَهُ ولَم يَنْحَرِفْ عنهُ، (مَسَامِعِهِمْ) المَسَامِعِ: جَمعُ مَسمَعٍ، وأَصلُهُ مَكَانُ السَّمْعِ، وأَرَادَ الآذَانَ، (الوُشَاةِ) جَمعُ وَاشٍ، وهو الذي يَسعَى بينَ المُحِبِّينَ لإِفسَادِ قُلُوبِهِم.
المَعنَى: يَقُولُ: لَيسَ الأَصدِقَاءُ البَاقُونَ على وِدَادِهِم بالقَومِ الذين يُصغُونَ إلى كَلامِ الوُشَاةِ السَّاعِينَ بالإفسَادِ بَينَهُم، ولو كانَ هَؤُلاءِ الوُشَاةُ مِن ذَوِي رَحِمِهِم، ومَحَلِّ الثِّقَةِ مِن نُفُوسِهِم.
الإعرَابُ: (ليسَ) فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ يَرفَعُ الاسمَ ويَنصِبُ الخَبَرَ، مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (الأخِلاَّءُ) اسمُ (لَيسَ) مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (بِالمُصْغِي) البَاءُ حَرفُ جَرٍّ زَائِدٌ مَبنِيٌّ على الكَسرِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ، المُصغِي: خَبَرُ (لَيسَ)، وهو مُضَافٌ و(مَسَامِعِ) مِن (مَسَامِعِهِم) مُضَافٌ إليهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، و(مَسَامِعِ) مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِينَ العَائِدُ إلى الأَخِلاَّء ِمُضَافٌ إِلَيهِ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (إِلَى الوُشَاةِ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: المُصغِي. السَّابِقِ، (ولَو)الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ، والمَعطُوفُ علَيهِ محذُوفٌ، مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ، لَو: حَرفُ شَرطٍ غَيرُ جَازِمٍ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ. (كانُوا) كانَ: فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ يَرفَعُ الاسمَ ويَنصِبُ الخَبَرَ مَبنِيٌّ علَى فَتحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِه لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، ووَاوُ الجَمَاعَةِ العَائِدُ إلَى الوُشَاةِ اسمُ (كانَ) مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ رَفعٍ، (ذَوِي) خَبَرُ كَانَ مَنصُوبٌ باليَاءِ نِيَابَةً عَن الفَتحَةِ؛ لأنَّهُ جَمعُ مُذَكَّرٍ سَالِمًٌ، وهو مُضَافٌ و(رَحِمِ) مُضَافٌ إليهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، وجُملَةُ كان واسمِهِ وخَبَرِهِ مَعطُوفَةٌ بالواوِ علَى مَحذُوفٍ هو أَولَى بِالحُكْمِ – الذي هو انتِفَاءُ الخِلَّةِ عَمَّن يُصغِي مَسَامِعَهُ إلى الوُشَاةِ مِن الأخِلاَّءِ – مِن المَذكُورِ، وتَقدِيرُ الكَلامِ: إِن لَم يَكُنِ الوُشَاةُ ذَوِي رَحِمٍ وَإِن كَانُوا – إلخ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (المُصْغِي مَسَامِعِهِمْ) حيثُ أَضَافَ الاسمَ المُقتَرِنَ بأَل إلَى اسمِ (ليسَ) مُقتَرِناً بهَا، وهو (مَسَامِعِهِم)، لكَونِ المُضَافِ جَمعَ مُذَكَّرٍ سَالِماً.
([6]) سَوَاءٌ أكانَ المُضَافُ إليهِ عَلَماً، نَحْوُ (الضَّارِبُ زَيْدٍ)، أم كانَ اسمَ إِشَارَةٍ، نَحْوُ (الضَّارِبُ هذا)، أم كانَ اسماً مَوصولاً، نَحْوُ (الضَّارِبُ الذي كانَ عِنْدَنَا أَمْسِ)، أم كانَ ضَمِيراً، نَحْوُ (الضَّارِبُك)، أم كانَ مُضَافاً إلى مَعْرِفَةٍ، نَحْوُ (الضَّارِبُ غُلامِكَ).
وحُجَّةُ الفَرَّاءِ في تَجْوِيزِهِ هذه الصُّوَرَ كُلَّهَا أنَّهُ قَاسَهَا على إِضَافَةِ الاسمِ المُحَلَّى بألْ إلى اسمٍ مُقْتَرِنٍ بها، زَعَمَ أنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ نَوْعٍ مِن المَعَارِفِ ونَوْعٍ آخَرَ مِنْهَا.
والجُمْهُورُ يَقْتَصِرُونَ في هذه المَسْأَلَةِ على ما وَرَدَ عَن العربِ؛ لأنَّ الأصلَ أنَّهُ لا يَجُوزُ بوَجْهٍ عَامٍّ أن يُضَافَ الاسمُ المَعْرِفَةُ؛ لأنَّ أَهَمَّ أَغْرَاضِ الإضَافَةِ تَعْرِيفُ المُضَافِ بالمُضَافِ إليه، فإذا كانَ المُضَافُ في نَفْسِهِ مَعْرِفَةً لم تَكُنْ به حَاجَةٌ إلى التَّعْرِيفِ، وكُنَّا أَحْرِيَاءَ بمُقْتَضَى هذا الأصلِ ألاَّ نُجِيزَ إِضَافَةَ الاسمِ المُحَلَّى بأل لا إلى مِثْلِهِ ولا إلى غَيْرِ ذَلك مِن المَعَارِفِ، لكنْ وَرَدَ السَّمَاعُ عَن أَهْلِ هذا اللِّسَانِ بإِضَافَتِهِ إلى المُحَلَّى بأَلْ، خُرُوجاً عَن أَصْلِ القِيَاسِ الذي أَشَرْنَا [إليه]، وإذَا كَانَت هذهِ الإضَافَةُ خَارِجَةً عَن أَصْلِ القِيَاسُ، فإنَّهُ لا يَجُوزُ أن يُقَاسَ غَيْرُهَا عليها للقَاعِدَةِ المَعْلُومَةِ القَائِلَةِ: (مَا خَرَجَ عَن القِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لا يَنْقَاسُ) فَافْهَمْ ذلك.
وممَّا وَرَدَ عَن العَرَبِ مِن إِضَافَةِ الوَصْفِ المُحَلَّى بأل إلى الضَّمِيرِ قَوْلُ عُبَيْدِ بْنِ الأَبْرَصِ:
يَا ذَا المُخَوِّفَنَا بقَتْـ = ـلِ أَبِيهِ إِذْلاَلاً وحَيْنَا
وممَّا هو جَدِيرٌ بالذِّكْرِ ههنا أنَّ نَحْوَ (الضَّارِبُك) قَدْ وَرَدَ عَن العَرَبِ فاختَلَفَ النُّحَاةُ في تَخْرِيجِه، فخَرَّجَهُ الجُمْهُورُ على أنَّ الكَافَ التي هي ضَمِيرُ المُخَاطَبِ في مَحَلِّ نَصْبٍ مَفْعُولٌ بهِ، وجَوَّزَ الفَرَّاءُ ذلك كما جَوَّزَ أن تَكُونَ في مَحَلِّ جَرٍّ بإِضَافَةِ الوَصْفِ إليها، والثَّانِي تَخْرِيجٌ على وَجْهٍ ضَعِيفٍ فيما أَمْكَنَ تَخْرِيجُهُ على وَجْهٍ قَوِيٍّ.
([7]) تَلْخِيصُ ما في هذه المَسْأَلَةِ مِن مَذَاهِبِ النُّحَاةِ وتَعْلِيلِهَا نَذْكُرُه لك فيما يَلِي:
اعْلَمْ أَوَّلاً أنَّ المُضَافَ هنا وَصْفٌ إمَّا مُفْرَدٌ مُحَلَّى بأَلْ، نَحْوُ (الضَّارِبُكَ)، وإمَّا مُفْرَدٌ مُجَرَّدٌ مِن أل، نَحْوُ (ضَارِبُكَ)، وإمَّا مُثَنًّى، نَحْوُ (الضَّارِبَاكَ)، وإمَّا مَجْمُوعٌ جَمْعَ مُذَكَّرٍ سَالِماً، نَحْوُ (الضَّارِبُوكَ)، والفَرْضُ أنَّ المُضَافَ إليهِ في كُلِّ هذهِ الصُّوَرِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أنَّ للنُّحَاةِ في هذه المَسْأَلَةِ ثَلاثَةَ أَقْوَالٍ ذَكَرَها المُؤَلِّفُ ونُوَضِّحُهَا لك، فنَقُولُ:
القَوْلُ الأَوَّلُ : – وهو قَوْلُ المُبَرِّدِ والمَازِنِيِّ والرُّمَّانِيِّ – حَاصِلُهُ أنَّ الضَّمِيرَ في مَوْضِعِ خَفْضٍ بإِضَافَةِ الوَصْفِ إليه، سَوَاءٌ أكَانَ الوَصْفُ مَقْرُوناً بأل، نَحْوُ (زَيْدٌ الضَّارِبُك)، أم كانَ الوَصْفُ مُجَرَّداً مِن أَلْ، نَحْوُ (زَيْدٌ ضَارِبُكَ)، وحُجَّتُهُم في ذلك أنَّ الضَّمِيرَ نَائِبٌ مَنَابَ الاسمِ الظَّاهِرِ، ونَحْنُ لو قُلْنَا: (ضَارِبُ زَيْدٍ) بغَيْرِ تَنْوِينِ الوَصْفِ كانَ الاسمُ الظَّاهِرُ الذي بَعْدَهُ مَخْفُوضاً بالإضَافَةِ، وكذلك لو قُلْنَا: (الضَّارِبُ الرَّجُلِ)، وإذا كانَ الاسمُ الظَّاهِرُ مَخْفُوضاً بإِضَافَةِ الوَصْفِ إليه يَكُونُ الضَّمِيرُ كذلك مَخْفُوضاً بإِضَافَةِ الوَصْفِ إليه؛ لأنَّهُ قَائِمٌ في مَقَامِ الظَّاهِرِ، ونَظِيرُ ذلك ما إذا كانَ الوَصْفُ مُثَنًّى أو مَجْمُوعاً، وسنَعُودُ على بَيَانِهِ بعدَ ذِكْرِ أَقْوالِ النُّحَاةِ في هذه المَسْأَلَةِ.
والقَوْلُ الثَّانِي: – وهو قَوْلُ الأَخْفَشِ وهِشَامٍ – وحاصِلُهُ أنَّ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ نَصْبٌ على المَفْعُولِيَّةِ، وحُجَّتُهُمَا في ذلك أنَّ قَوْلَنَا: (ضَارِبُك) و(الضَّارِبُك) في ذَاتِهِ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: النَّصْبُ على المَفْعُولِيَّةِ. والثَّانِي: الخَفْضُ بالإضَافَةِ.
والمَفْعُولِيَّةُ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ، والإضَافَةُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ، واعتبارُ الأمرِ المُحَقَّقِ أَوْلَى مِن اعتِبارِ الأمرِ غَيْرِ المُحَقَّقِ، فكانَ اعتبارُنَا الضَّمِيرَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ أَوْلَى.
والقَوْلُ الثَّالِثُ: – وهو قَوْلُ سِيبَوَيْهِ – حَاصِلُهُ أنَّهُ يَعْتَبِرُ الضَّمِيرَ كالاسمِ الظَّاهِرِ، فإذَا قُلْتَ: (ضَارِبُكَ) فجِئْتَ بالوَصْفِ مُفْرَداً مُجَرَّداً مِن ألْ كانَ الضَّمِيرُ في مَحَلِّ جَرٍّ بالإضَافَةِ؛ لأنَّك لو قُلْتَ: (ضَارِبُ زَيْدٍ) لكانَ زَيْدٌ مَجْرُوراً بالإضَافَةِ؛ إذْ كانَ حَذْفُ التَّنْوِينِ مِن الوَصْفِ دَلِيلاً على أنَّهُ مُضَافٌ لما يَلِيهِ مَا دَامَ الكَلامُ خَالِياً مِمَّا يَمْنَعُ مِن الإضَافَةِ، وإذَا قُلْتَ: (الضَّارِبُكَ) كانَ الضَّمِيرُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ على المَفْعُولِيَّةِ؛ لأنَّكَ لو قُلْتَ: (الضَّارِبُ زَيْداً) كانَ الاسمُ الظَّاهِرُ وَاجِبَ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ عِنْدَهُ، ولم يَجُزْ في الاسمِ الظَّاهِرِ الجَرُّ بالإضَافَةِ؛ لأنَّ المُضَافَ حينئذٍ مُحَلَّى بأَلْ، والمُضَافَ إليهِ مُجَرَّدٌ مِنها، ولا يَجُوزُ أنْ يُضَافَ المُحَلَّى بأَلْ إلى المُجَرَّدِ منها، فلمَّا كانَ المَانِعُ مِن الإضَافَةِ في هذه الصُّورةِ قَائِماً وَجَبَ النَّصْبُ على المَفْعُولِيَّةِ، وإذا قُلْتَ: (الضَّارِبَاكَ) أو (الضَّارِبُوكَ) فجِئْتَ بالوَصْفِ مُثَنًّى أو مَجْمُوعاً جَازَ الوَجْهَانِ: كَوْنُ الضَّمِيرِ في مَحَلِّ جَرٍّ بالإضافَةِ، وكَوْنُهُ في مَحَلِّ نَصْبٍ على المَفْعُولِيَّةِ؛ لأنَّكَ لو قُلْتَ: (الضَّارِبَا زَيْدٍ) جَازَ في الاسمِ الظَّاهِرِ الوَجْهَانِ؛ لأنَّ الوَصْفَ المُثَنَّى أو المَجْمُوعَ تَجُوزُ إِضَافَتُهُ إلى كُلِّ أَنْوَاعِ المَعْرِفَةِ, فهذا يُجِيزُ أنْ يَكُونَ الوَصْفُ مُضَافاً والضَّمِيرُ مُضَافاً إليه، ويَكُونَ حَذْفُ نُونِ المُثَنَّى أو المَجْمُوعِ بسَبَبِ الإضَافَةِ, ويَجُوزُ – معَ ذلك – أنْ يَكُونَ حَذْفُ التَّنْوِينِ للتَّخْفِيفِ فيَنْتَصِبُ الاسمُ الظَّاهِرُ، فكذلك الضَّمِيرُ.
وقد عَلِمْتَ فيما قَرَّرْنَاهُ لك عِنْدَ بَيَانِ مَذْهَبِ المُبَرِّدِ ومَنْ مَعَهُ أنَّهُم يَرَوْنَ الضَّمِيرَ في نَحْوِ (الضَّارِبَاكَ) وفي نَحْوِ (الضَّارِبُوكَ) في مَحَلِّ جَرٍّ بالإضافَةِ، ولا يَجُوزُ اعتِبَارُهُ في مَحَلِّ نَصْبٍ؛ لأنَّ ذلك يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ حَذْفُ النُّونِ للتَّخْفِيفِ لا للإضَافَةِ، والأصلُ في حذفِ النُّونِ أن يكونَ سَبَبُهُ الإضَافَةَ، واعتِبَارُ حَذْفِهِ للتَّخْفِيفِ بسَبَبِ طُولِ صِلَةِ ألْ لَيْسَ في الكَلامِ ضَرُورَةٌ تَدْعُو إليه، فلِكَوْنِ ذلك خِلافَ الأصلِ ولا مُلْجِئَ يُلْجِئُنَا إليه لم نَجْعَلْهُ في مَكَانِ الاعتِبَارِ.