دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 01:07 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي دخول (أل) على المضاف


ووَصْلُ ألْ بذا المضافِ مُغْتَفَرْ = إنْ وُصِلَتْ بالثَّانِ كالْجَعْدِ الشَّعَرْ
أو بالَّذِي لهُ أُضيفَ الثانِي = كزَيْدٌ الضاربُ رأسِ الْجَانِي
وكونُها في الوَصْفِ كافٍ إنْ وَقَعْ = مُثَنًّى أوْ جَمْعًا سبيلَهُ اتَّبَعْ

  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


وَوَصْلُ " ألْ " بذا المضافِ مُغْتَفَرْ = إنْ وُصِلَتْ بالثانِ " كالْجَعْدِ الشَّعَرْ" ([1])
أو بالذي له أُضيفَ الثاني = كـ: زيدٌ الضاربُ رأسَ الْجَانِي " ([2])

لا يَجوزُ دُخولُ الألِفِ واللامِ على الْمُضافِ الذي إضافَتُه مَحْضَةٌ، فلا تَقولُ: "هذا الغُلامُ رجُلٍ"؛ لأنَّ الإضافَةَ مُنافِيَةٌ([3]) للألِفَ واللامِ، فلا يُجمَعُ بينَهما.
وأمَّا ما كانَتْ إضافتُه غيرَ مَحْضَةٍ، وهو المرادُ بقولِه: "بذا الْمُضافِ"؛ أيْ: بهذا الْمُضافِ الذي تَقدَّمَ الكلامُ فيه قَبْلَ هذا البيتِ، فكانَ القِياسُ أيْضاً يَقتضِي أنْ لا تَدخُلَ الألِفُ واللامُ على الْمُضافِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِن أنَّهما مُتعاقِبانِ، ولكنْ لَمَّا كانَتِ الإضافَةُ فيه على نِيَّةِ الانفصالِ اغتُفِرَ ذلك، بشَرْطِ أنْ تَدْخُلَ الألِفُ واللامُ على الْمُضافِ إليه؛ كـ "الْجَعْدِ الشَّعَرِ والضارِبِ الرجُلِ"، أو على ما أُضيفَ إليه الْمُضافُ إليه؛ كـ "زَيدٌ الضاربُ رَأْسَ الجانِي".
فإنْ لم تَدخُلِ الألِفُ واللامُ على الْمُضافِ إليه ولا على ما أُضيفَ إليه الْمُضافُ إليه امتَنَعَتِ المسألةُ، فلا تَقولُ: "هذا الضارِبُ رَجُلٍ"، ولا "هذا الضارِبُ زيدٍ"، ولا "هذا الضارِبُ رأسِ جَانٍ".
هذا إذا كانَ الْمُضافُ غيرَ مُثَنًّى ولا مَجموعٍ جَمْعَ سَلاَمَةٍ لِمُذَكَّرٍ، ويَدخُلُ في هذا الْمُفْرَدُ كما مُثِّلَ، وجَمْعُ التكسيرِ، نحوُ: "الضوارِبُ أو الضُّرَّابُ الرجُلِ، أو غُلامِ الرجُلِ". وجمْعُ السلامةِ لِمُؤَنَّثٍ، نحوُ: "الضارباتُ الرجُلِ أو غُلامِ الرجُلِ".
فإنْ كانَ الْمُضافُ مُثَنًّى أو مَجموعاً جَمْعَ سَلاَمَةٍ لمذَكَّرٍ، كفَى وُجودُها في الْمُضافِ، ولم يُشْتَرَطْ وُجودُها في الْمُضافِ إليه، وهو المرادُ بقَوْلِه:
وكونُها في الوَصْفِ كافٍ إنْ وَقَعْ = مُثَنًّى اوْ جَمْعاً سبيلَهُ اتَّبَعْ ([4])
أيْ: وُجودُ الألِفِ واللامِ في الوصْفِ الْمُضافِ إذا كانَ مُثَنًّى أو جَمْعاً اتَّبَعَ سَبيلَ الْمُثَنَّى - أيْ: على حَدِّ الْمُثَنَّى، وهو جمْعُ الْمُذَكَّرِ السالِمِ - يُغْنِي عن وُجودِها في الْمُضافِ إليه، فتَقولُ: "هَذانِ الضارِبَا زَيدٍ، وهَؤلاءِ الضارِبو زَيدٍ"([5])، وتُحْذَفُ النونُ للإضافَةِ.
ولا يُضافُ اسمٌ لِمَا بهِ اتَّحَدْ = مَعْنًى وأَوِّلْ مُوهِماً إذَا وَرَدْ ([6])
المضافُ يَتَخَصَّصُ بالْمُضافِ إليه أو يَتَعَرَّفُ به، فلا بُدَّ مِن كَوْنِه غيرَه؛ إذ لا يَتَخَصَّصُ الشيءُ أو يَتَعَرَّفُ بنَفْسِه، ولا يُضافُ اسمٌ لِمَا به اتَّحَدَ في المعنى؛ كالْمُتَرَادِفَيْنِ، وكالموصوفِ وصِفَتِه، فلا يُقالُ: "قَمْحُ بُرٍّ" ولا "رجُلُ قائِمٍ".، وما ورَدَ مُوهِماً لذلك مُؤَوَّلٌ؛ كقولِهم: "سعيدُ كُرْزٍ"، فظاهِرُ هذا أنه مِن إضافةِ الشيءِ إلى نفْسِه؛ لأنَّ الْمُرادَ بسَعيدٍ وكُرْزٍ فيه واحِدٌ، فيُؤَوَّلُ الأوَّلُ بالْمُسَمَّى، والثاني بالاسمِ، فكأنه قالَ: جاءَني مُسَمَّى كُرْزٍ؛ أيْ: مُسَمَّى هذا الاسمِ، وعلى ذلك يُؤَوَّلُ ما أَشْبَهَ هذا مِن إضافَةِ الْمُتَرَادِفَيْنِ؛ كـ "يومِ الخميسِ"، وأمَّا ما ظاهِرُه إضافةُ الموصوفِ إلى صِفَتِه فمُؤَوَّلٌ على حذْفِ المضافِ إليه الموصوفِ بتِلك الصفَةِ؛ كقولِهم: "حَبَّةُ الْحَمْقاءِ، وصَلاةُ الأُولَى"، والأصْلُ: حَبَّةُ البَقْلَةِ الْحَمقاءِ، وصَلاةُ الساعةِ الأُولَى، فالْحَمقاءُ صِفَةٌ للبَقْلَةِ لا للحبَّةِ، والأُولَى صِفَةٌ للساعةِ لا للصلاةِ، ثم حُذِفَ الْمُضافُ إليه - وهو البَقْلَةُ والساعةُ - وأُقِيمَتْ صِفَتُه مَقَامَهُ، فصارَ "حَبَّةُ الْحَمقاءِ وصَلاةُ الأُولَى"، فلم يُضَفِ الموصوفُ إلى صِفَتِه، بل إلى صِفَةِ غيرِه.


([1]) (ووَصْلُ) مُبتَدَأٌ، ووَصْلُ مُضافٌ و(أَلْ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (بذَا) جارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بوَصْلُ، (الْمُضافِ) بَدَلٌ أو عطْفُ بَيانٍ أو نعْتٌ لاسمِ الإشارَةِ، (مُغْتَفَرْ) خبَرُ الْمُبتَدَأِ، (إنْ) شَرطيَّةٌ، (وُصِلَتْ) وُصِلَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ فِعْلُ الشرْطِ، والتاءُ للتأنيثِ، ونائبُ الفاعِلِ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه هي يَعودُ إلى ألْ، (بالثانِ) جارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بوُصِلَتْ، وجَوابُ الشرْطِ مَحذوفٌ يَدُلُّ عليه سابِقُ الكلامِ.

([2]) (أو) عاطِفَةٌ (بالذي) جارٌّ ومَجرورٌ مَعطوفٌ على قَوْلِه: (بالثانِ) في البيتِ السابِقِ، (له) جارٌّ ومَجرورٌ متَعَلِّقٌ بقَوْلِه: (أُضيفَ) الآتي، (أُضِيفَ) فعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ للمَجهولِ، (الثاني) نائبُ فاعِلِ أُضيفَ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ.

([3]) في بعْضِ النُّسَخِ: (معُاقِبَةٌ) والمقصودُ لا يَتَغَيَّرُ؛ فإنَّ معنى المعاقَبَةِ أنَّ كلَّ واحِدَةٍ مِنهما تَعْقُبُ الأُخْرَى؛ أي: تَدْخُلُ الكَلِمَةُ عَقِبَها، فهما لا يَجْتَمِعانِ في الكَلِمَةِ، وسيَأتي يَقولُ: (لِمَا تَقَدَّمَ مِن أنَّهما مُتَعَاقِباتٌ).

([4]) (وكونُها) كَوْنُ: مُبتَدَأٌ، وها: مُضافٌ إليه، من إضافَةِ الْمَصدَرِ الناقِصِ إلى اسْمِه، (في الوَصْفِ) جارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحذوفٍ خَبَرُ الكوْنِ الناقِصِ، (كافٍ) خبَرُ الْمُبتدَأِ، (إنْ) شَرْطِيَّةٌ، (وَقَعْ) فعْلٌ مَاضٍ، فعْلُ الشرْطِ، وفيه ضَميرٌ مُستَتِرٌ جَوَازاً يَعودُ إلى الْمُضافِ فاعِلٌ، (مُثَنًّى) حالٌ مِن الضميرِ الْمُستتَرِ ِفي (وَقَع) السابِقِ، (أو) عاطِفَةٌ، (جَمْعاً) مَعطوفٌ على مُثَنًّى، (سَبيلَه) سَبيلَ: مَفعولٌ مُقَدَّمٌ على عامِلِه، وهو قولُه: (اتَّبَع) الآتي، وسبيلَ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (اتَّبَعْ) فعْلٌ ماضٍ، والفاعِلُ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ على قولِه: (جَمْعاً)، والجملَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ صِفَةٌ لقولِه: (جَمْعاً)، وجوابُ الشرْطِ مَحذوفٌ يَدُلُّ عليه سابِقُ الكلامِ، ويَجوزُ أنْ تُقْرَأَ: (أنْ) بفَتْحِ الْهَمزةِ على أنَّها مَصدرِيَّةٌ، فهي وما بعدَها في تَأويلِ مَصدَرٍ فاعِلٌ لكافٍ، أو بكسْرِ الهمزةِ على أنَّها شَرطيَّةٌ، وشَرْطُها قولُه: (وَقَعْ)؛ كما سَبَقَ تَقريرُه، والجوابُ مَحذوفٌ يَدُلُّ عليه سابِقُ الكلامِ.

([5])ومِن شَواهِدِ ذلك قولُ عَنْتَرَةَ بنِ شَدَّادٍ العَبْسِيِّ في مُعَلَّقَتِهِ:
ولَقَدْ خَشِيتُ بِأَنْ أَمُوتَ ولم تَدُرْ = للحرْبِ دَائِرَةٌ على ابْنَيْ ضَمْضَمِ
الشَّاتِمَيْ عِرْضِي ولَمْ أشْتُمْهُمَا = والناذِرَيْنِ إِذَا لَمَ الْقَهُما دَمِي
وقولُ الآخَرِ:
إِنْ يَغْنَيَا عَنِّي الْمُسْتَوْطِنَا عَدَنٍِ = فإِنَّنِي لسْتُ يَوْماً عنْهُما بغَنِي

([6]) (لا) نافِيَةٌ، (يُضافُ) فعْلٌ مضارِعٌ مَبنِيٌّ للمَجهولِ، (اسْمٌ) نائِبُ فاعِلِ يُضافُ، (لِمَا) جارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَوْلِه: (يُضافُ) السابِقِ، (به) جارٌّ ومَجرورٌ متَعَلِّقٌ بقَوْلِهِ: (اتَّحَد) الآتي، (اتَّحَدْ) فعْلٌ ماضٍ، وفي قولِه: (اتَّحَدْ) ضَميرٌ مُستَتِرٌ يَعودُ على ما الْمَوصولةِ فاعِلٌ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ، (معنًى) مَنصوبٌ على التمييزِ أو على نَزْعِ الخافِضِ، (وأَوِّلْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضَميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (مُوهِماً) مَفعولٌ به لأوِّلْ، (إذا) ظرْفٌ للمُسْتَقْبَلِ مِن الزمانِ، (وَرَدْ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى مُوهِمٍ، والجملةُ في مَحَلِّ جَرٍّ بإضافَةِ (إذا) إليها، وجوابُها مَحذوفٌ يَدُلُّ عليه سابِقُ الكلامِ.


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فَصلٌ: تَختَصُّ الإضَافَةُ اللَّفظِيَّةُ بجَوَازِ دُخُولِ (أَلْ) علَى المُضَافِ في خَمسِ مَسَائِلَ:
إِحدَاهَا: أَن يَكُونَ المُضَافُ إِلَيهِ بأَلْ، كـ (الجَعْدِ الشَّعَرِ)، وقولِهِ:
319- شِفَاءٌ وهُنَّ الشَّافِيَاتُ الحَوَائِمِ([1])
الثَّانِيَةُ: أن يَكُونَ مُضَافاً لمَا فيهِ (أَل)، كـ (الضَّارِبُ رَأْسِ الجَانِي)، وقولِهِ:
320- لَقَدْ ظَفِرَ الزُّوَّارُ أَقْفِيَةِ العِدَى([2])
الثَّالِثَةُ: أَن يَكُونَ مُضَافاً إلى ضَمِيرِ مَا فيهِ (أَلْ)، كقَولِهِ:
321- الوُدُّ أَنتِ المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ([3])
الرَّابِعَةُ: أَن يَكُونَ المُضَافُ مُثَنًّى، كقَولِهِ:
322- إِنْ يَغْنَيَا عَنِّيَ المُسْتَوْطِنَا عَدَنِ([4])
الخَامِسَةُ: أَن يَكُونَ جَمعاً اتَّبَعَ سَبِيلَ المُثَنَّى، وهو جَمعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ، فإِنَّهُ يُعرَبُ بِحَرفَينِ، ويَسلَمُ فيهِ بِنَاءُ الوَاحِدِ ويُختَمُ بنُونٍ زَائِدَةٍ تُحذَفُ للإضَافَةِ، كما أنَّ المُثَنَّى كذلك، كقولِه:
323- لَيسَ الأَخِلاَّءُ بِالْمُصْغِي مَسَامِعِهِمْ([5])

وجَوَّزَ الفَرَّاءُ إِضَافَةَ الوَصْفِ المُحَلَّى بأَلْ إلَى المَعَارِفِ كُلِّهَا([6]) ، كـ (الضَّارِبِ زَيْدٍ) و(الضَّارِبِ هَذَا) بخِلافِ (الضَّارِبِ رَجُلٍ) وقالَ المُبَرِّدُ والرُّمَّانِيُّ في (الضَّارِبِكَ) و(ضَارِبِكَ)([7]): مَوْضِعُ الضَّمِيرِ خَفْضٌ، وقَالَ الأخْفَشُ: نَصْبٌ، وقالَ سِيبَوَيْهِ: الضَّمِيرُ كالظَّاهِرِ؛ فهو مَنْصُوبٌ في (الضَّارِبِكَ) مَخْفُوضٌ في (ضَارِبِكَ) ويَجُوزُ في (الضَّارِبَاكَ) و(الضَّارِبُوكَ) الوَجْهَانِ.


([1])319-هَذا الشَّاهِدُ مِن كلامِ الفَرَزْدَقِ، يَقُولُهُ حِينَ خَرَجَ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ البَاهِلِيُّ علَى سُلَيمَانَ بنِ عَبدِ المَلِكِ وخَلَعَ طَاعَتَهُ، فقَتَلَهُ وَكِيعُ بنُ حَسَّانَ بنِ قَيْسٍ، وبَعَثَ برَأْسِهِ إلى سُلَيمَانَ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنا هو عَجُزُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدْرُهُ قَولُهُ:
*أَبَأْنَا بِهِمْ قَتْلَى، ومَا فِي دِمَائِهِمْ*
اللُّغَةُ: (أَبَأْنَا) مَعنَاُه: جَعَلْنَاهُم بَوَاءً؛ أي: عِوَضاً ومُقَابَلَةً، وذلك إنَّمَا يَكُونُ عندَ الأخْذِ بالثَّأرِ، و(الحَوَائِمِ) جَمعُ حَائِمَةٍ، وهِي التي تَحُومُ حَولَ المَاءِ مِن العَطَشِ.
المَعنَى: يَقُولُ: أَخَذْنَا بثَارَاتِنَا عندَ مَن كَانَت لنا عِندَهُم ثَارَاتٌ، وقَتَلْنَا مِنهُم مَقتَلَةً عَظِيمَةً بِمَن كَانُوا قد قَتَلُوه مِن قَومِنَا، وليسَ في دَمِ الذين قَتَلْنَاهُم شِفَاءٌ لِحَرَارَةِ قُلُوبِنَا ولاعِجِ أَحزَانِنَا؛ لأنَّهُم غَيرُ أَكْفَاءٍ لمَن قَتَلُوا مِن قَومِنَا، وإنَّ القَتْلَ وأَخذَ الثَّأْرِ إنَّمَا يُقصَدُ بهِمَا شِفَاءُ غَيظِ الصُّدُورِ والذَّهَابُ بحَرَارَةِ الأَلَمِ على مَن يُفْقَدُ.
الإعرَابُ: (أَبَأْنَا) فِعْلٌ وفَاعِلٌ، (بِهِم) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بأَبَاءَ (قَتْلَى) مَفعُولٌ بهِ لأباءَ، (وَمَا) الواوُ وَاوُ الحَالِ، مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، مَا: نَافِيَةٌ، (في دِمَائِهِمْ) الجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بمَحذُوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، و(دِمَاءِ) مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِينَ مُضَافٌ إليهِ، (شِفَاءٌ) مُبتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، والجُمْلَةُ مِن المُبتَدَأِ والخَبَرِ في مَحَلِّ نَصبٍ حَالٌ، (وهُنَّ) الواوُ للحَالِ أَيضاً، هُنَّ: ضَمِيرٌ مُنفَصِلًٌ مُبتَدَأٌ مَبنِيٌّ على الفَتحِ في مَحَلِّ رَفعٍ، (الشَّافِيَاتُ) خَبَرُ المُبتَدَأِ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ و(الحَوائِمِ) مُضَافٌ إلَيهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، وجُملَةُ المُبتَدَأِ وخَبَرِهِ في مَحَلِّ نَصبٍ حَالٌ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (الشَّافِيَاتُ الحَوَائِمِ) حيثُ أَضَافَ الاسمَ المُقتَرِنَ بأل لِكَونِ المُضَافِ إِلَيهِ مُقتَرِناً بها معَ كَونِ المُضَافِ وَصفاً.
ومِثلُ بَيتِ الفَرَزْدَقِ (رَقْمِ 319) قَولُ الأَعْشَى:
عَلْقَمَ مَا أَنْتَ إِلَى عَامِرِ = النَّاقِضِ الأَوْتَارِ والوَاتِرِ
ومِثلُهُ قَولُ الأَعْشَى أَيضاً:
الضَّاحِكِ السِّنِّ عَلَى هَمِّهِ = وَالغَافِرِ العَثْرَةِ لِلعَاثِرِ
ومثلُهُ قَولُ جَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ:
فَإِنْ تَكُ كَلْباً مِن كُلَيبٍ فَإِنَّنِي = مِنَ الدَّارِمِيِّينَ الطِّوَالِ الشَّقَاشِقِ

([2])320-لم أَقِفْ لهذا الشَّاهِدِ على نِسبَةٍ إلَى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ صَدرُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*بِمَا جَاوَزَ الآمَالَ مِلأَسْرِ وَالقَتْلِ*
اللُّغَةُ: (ظَفِرَ) مَعنَاهُ: فَازَ، و(الزُّوَّارُ) جَمعُ زَائِرٍ، و(أَقْفِيَةِ) جَمعُ قَفَا، وهُو مُؤَخَّرُ العُنُقِ، وقَولُهُ: (مِلأَسْرِ) أَصلُهُ (مِنَ الأَسْرِ)، فحَذَفَ النُّونَ وهَمزَةَ الوَصلِ، وهذا شَائِعٌ في كَلامِهِم.
وانظُرْ إلَى قَولِ أَبِي صَخْرٍ الهُذَلِيِّ:
كَأَنَّهُمَا مِلآنِ لَمْ يَتَغَيَّرَا = وَقَدْ مَرَّ لِلدَّارَينِ مِنْ بَعْدِنَا عَصْرُ
أَرَادَ (مِنَ الآنِ) ثُمَّ انظُرْ إلى قَولِ عُمَرَ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
نَجِيَّينِ نَقْضِي اللَّهْوَ فِي غَيرِ مَأْثَمٍ = وَإِنْ رَغِمَتْ مِلْكَاشِحِينَ المَعَاطِسُ
أَرَادَ (مِنَ الكَاشِحِينَ) ثُمَّ انظُرْ إلى قَولِ عُمَرَ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَيضاً:
وَمَا أَنْسَ مِلأَشْيَاءِ لاَ أَنْسَ قَولَهَا = لَنَا مَرَّةً مِنهَا بِقَرْنِ المَنَازِلِ
أَرَادَ (مِنَ الأَشْيَاءِ) ثُمَّ انظُرْ إلى قَولِ المُغِيرَةِ بنِ حَبْنَاءَ:
إِنِّي امْرُؤٌ حَنْظَلِيٌّ حِينَ تَنْسُبُنِي = لاَ مِلْعَتِيكِ ولاَ أَخْوَالِيَ العَوَقُ
أرَادَ (مِنَ العَتِيكِ) ثُمَّ انظُرْ إلى قَولِ ذِي الإِصبُعِ العَدْوَانِيِّ:
أَجْعَلُ مَالِي دُونَ الدَّنَا غَرَضاً = وَمَا وَهَى مِلأُمُورِ فَانْصَدَعَا
أَرَادَ (مِنَ الأُمُورِ) ثُمَّ انظُرْ بعدَ كُلِّ هذَا إِلَى قَولِ أَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي:
نَحْنُ قَوْمٌ مِلْجِنِّ فِي زِيِّ نَاسٍ = فَوقَ طَيْرٍٍ لَهَا شُخُوصُ الجِبَالِ
أرَادَ (مِنَ الجِنِّ)، فهذه جُملَةٌ صَالِحَةٌ مِن الشِّعرِ العَرَبِيِّ القَدِيمِ، ومِن شِعرِ الشُّعَرَاءِ المُحدَثِينَ العَارِفِينَ بِلُغَاتِ العَرَبِ، وكُلُّهَا فيهَا ذلك الحَذْفُ، وهذا يَدُلُّ علَى أنَّهُ سَائِغٌ غَيرُ مُنكَرٍ.
الإعرَابُ: (لَقَدْ) اللاَّمُ وَاقِعَةٌ في جَوَابِ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرَابِ، قَدْ: حَرفُ تَحقِيقٍ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرَابِ (ظَفِرَ) فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (الزُّوَّارُ) فَاعِلُ (ظَفِرَ) مَرفُوعٌ, وعَلامَةُ رَفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، وهو مُضَافٌ (وأَقْفِيَةِ) مُضَافٌ إليهِ، مَجرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ و(العِدَى) مُضَافٌ إليهِ مَجرُورٌ بكَسرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الأَلِفِ مَنَعَ ظُهُورَهَا التَّعَذُّرُ، (بمَا) البَاءُ حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ علَى الكَسرِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، مَا: اسمٌ مَوصُولٌ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ بالبَاءِ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بظَفِرَ، (جَاوَزَ) فِعْلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيهِ جَوَازاً تقدِيرُهُ (هو) يعُودُ على (ما) المَوصُولَةِ، (الآمَالَ) مَفعُولٌ بهِ لجَاوَزَ مَنصُوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهِرَةِ، وجُملَةُ الفِعلِ المَاضِي وفَاعِلِه ومَفعُولِهِ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةُ المَوصُولِ، (مِلأَسْرِ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بجَاوَزَ، (والقَتْلِ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، (القَتلِ): مَعطُوفٌ علَى الأَسْرِ مَجرُورٌ بالكَسْرَةِ الظَّاهِرَةِ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (الزُّوَّارُ أَقْفِيَةِ العِدَى) حيثُ أَضَافَ الاسمَ المُقتَرِنَ بأَل، والذي جَوَّزَ هذه الإضَافَةَ كَونُ المُضَافِ وَصفاً وكَونُ المُضَافِ إليهِ مُضَافاً إلى مُقتَرِنٍ بأَل.
ومِثلُ هذا البيتِ (رَقْمِ 320) قَولُ حَسَّانَ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ:
مَتَارِيكُ أَذْنَابِ الأُمُورِ إِذَا اعْتَرَتْ = أَخَذْنَا الفُرُوعَ وَاجْتَثَثْنَا أُصُولَهَا

([3])321- وهَذَا الشَّاهِدُ أَيضاً مِن الشَّوَاهِدِ التي لم يَتَيَسَّرْ لي الوُقُوفُ علَى نِسبَتِها إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ صَدرُ بَيتٍ مِن الكَامِلِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*مِنِّي وَإِنْ لَمْ أَرْجُ مِنْكِ نَوَالاَ*
اللُّغَةُ: (الوُدُّ) بضَمِّ الوَاوِ أَو فَتحِهَا أَو كَسرِهَا – المَحَبَّةُ، وتَقُولُ: وَدِدْتُ الرَّجُلَ أَوَدُّه – مِن بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ – إِذَا أَحْبَبْتَهُ، (المُسْتَحِقَّةُ) التي تَستَوجِبُ بمَا اشتَمَلَت عليهِ مِن صِفَاتٍ ومَمَادِحَ، (صَفْوِهِ) صَفْوُ الشَّيءِ – بفَتحِ الصَّادِ وسُكُونِ الفَاءِ – خَالِصُهُ ولُبَابُهُ، (أَرْجُ) مُضَارِعُ (رَجَا الشَّيءَ يَرجُو رَجَاءً ورَجَاوَةً) إِذَا أَمِلَهُ وطَمِعَ فيهِ، (نَوَالاَ)؛ أي: عَطَاءً، ومِثلُهُ النَّائِلُ.
المَعنَى: أَنت – دُونَ سَائِرِ النَّاسِ – التي تَستَوْجِبِينَ خَالِصَ مَحَبَّتِي ولُبَابَ مَوَدَّتِي، بمَا أَوْدَعَكِ اللَّهُ تعَالَى مِن مَحَاسِنَ، وبما شُغِفَ قَلْبِي بِكِ، وإِنِّي لأَمْنَحُكِ هذه المَحَبَّةَ الخَالِصَةَ وإن أَكُنْ على يَقِينٍ مِن أنَّكِ لا تَمُنِّينَ علَيَّ بمَا يُكَافِئُ ذلك كُلَّهُ، فلا مَطْمَعَ لِي في شَيءٍ مِمَّا يَطمَعُ فيه المُحِبُّونَ.
الإِعرَابُ: (الوُدُّ) مُبتَدَأٌ أَوَّلٌ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (أَنتِ) ضَمِيرٌ مُنفَصِلٌ مُبتَدَأٌ ثَانٍ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ، إِن اعتَبَرْتَ التَّاءَ لَيسَت جُزْءاً مِن الضَّمِيرِ على ما هو الرَّاجِحُ، فإِن اعتَبَرْتَ التَّاءَ جُزْءاً فهُو مَبنِيٌّ على الكَسرِ في مَحَلِّ رَفْعٍ، (المُسْتَحِقَّةُ) خَبَرُ المُبتَدَأِ الثَّانِي مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ وهو مُضَافًٌ، وصَفْوٌ مِن (صَفْوِهِ) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِ العَائِدُ إلَى الوُدِّ مُضَافٌ إليهِ مَبنِيٌّ على الكَسرِ في مَحَلِّ جَرٍّ، وجُملَةُ المُبتَدَأِ الثَّانِي وخَبَرِه في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ الأَوَّلِ (مِنِّي) جَارٌّ ومَجرُورٌ يَتَعَلَّقُ بقَولِهِ: المُسْتَحِقَّةُ، (وَإِنْ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ، والمَعطُوفُ علَيهِ مَحذُوفٌ، إِنْ: حَرفُ شَرطٍ جَازِمٌ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ (لَمْ) حَرفُ نَفْيٍ وجَزمٍ وقَلبٍ، (أَرْجُ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ، فِعلُ الشَّرطِ مَجزُومٌ بلم وعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذفُ الوَاوِ، والضَّمَّةُ قَبلَهَا دَلِيلٌ علَيهَا، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيهِ وُجُوباً تَقدِيرُهُ (أنَا)، (مِنْكِ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: أَرجُو، (نَوَالاَ) مَفعُولٌ بهِ لأرْجُو، وهذه الجُملَةُ مَعطُوفَةٌ على جُملَةٍ أُخرَى مَحذُوفَةٍ هي أَولَى بِالحُكْمِ الذي هو استِحْقَاقُهَا لِلوُدِّ مِن هَذِه الجُملَةِ المَذكُورَةِ، وتَقدِيرُ الكلامِ: إنْ رَجَوْتُ مِنكِ نَوَالاً وَإِنْ لَمْ أَرْجُ مِنْكِ نَوَالاً، وجَوَابُ الشَّرطِ مَحذُوفٌ يَدُلُّ علَيهِ سَابِقُ الكَلامِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (المُستَحِقَّةُ صَفْوِهِ) حيثُ أضَافَ الاسمَ المُقتَرِنَ بأل، وهو قَولُهُ: (المُستَحِقَّةُ)، لِكَونِهِ وَصفاً معَ كَونِ المُضَافِ إليهِ مُضَافاً إلى ضَمِيرٍ يَعُودُ إلى ما فيهِ أَل وهُوَ الوُدُّ.

([4])322-وهذا الشَّاهِدُ مِن الشَّوَاهِدِ التي لم نَقِفْ على نِسْبَتِهَا إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هو صَدْرُ بَيتٍ مِنَ البَسِيطِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*فَإِنَّنِي لَسْتُ يَوماً عَنهُمَا بِغَنِي*
اللُّغَةُ: (يَغْنَيَا عَنِّي) أَرَادَ: يَسْتَغْنِيَا ولا تَكُونُ بهِمَا حَاجَةٌ إلَى مَعُونَتِي، (المُستَوطِنَا عَدَنِ) اللذان اتَّخَذَا عَدَناً وَطَناً ومَوضِعَ إِقَامَةٍ، وعَدَنٌ – بفَتحِ العَينِ والدَّالِ جَمِيعاً – بَلَدٌ بِاليَمَن، وذكَرَ في (مُحيطِ الفَيرُوزَآبَادِيِّ) أنَّهَا جَزِيرَةٌ باليَمَنِ، (بِغَنِي) الغَنِيُّ: المُستَغْنِي، وهو الوَصفُ مِن غَنِيَ يَغْنَى – بوَزنِ رَضِيَ يَرْضَى.
المَعنَى: إِن يَكُنْ هذانِ الشَّخصَانِ اللذانِ اتَّخَذَا عَدَناً مَوطِنَ إِقَامَةٍ قد استَغْنَيَا عنِّي، ولم تَعُدْ بهما حَاجَةٌ إلى مَعُونَتِي، فإنَّنِي دَائِمُ الحَاجَةِ إلَيهِمَا ولَستُ مُستَغْنِياً عَنهُمَا قَطّ.
الإعرابُ: (إِنْ) حَرفُ شَرطٍ جَازِمٍ يَجْزِمُ فِعْلَينِ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرَابِ، (يَغْنَيَا) فِعلٌ مُضارِعٌ فِعلُ الشَّرطِ مَجزُومٌ بإن وعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذفُ النُّونِ، وأَلِفُ الاثنَينِ فَاعِلُهُ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ رَفعٍ، (عَنِّي) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: يَغْنَيَا، (المُستَوْطِنَا) بَدَلٌ مِن أَلِفِ الاثنَينِ – تَخرِيجاً علَى اللُّغَةِ الفُصْحَى – مَرفُوعٌ بالأَلِفِ نِيَابَةً عَن الضَّمَّةِ؛ لأنَّهُ مُثَنًّى، وهو مُضَافٌ و(عَدَنِ) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، (فَإِنَّنِي) الفَاءُ حَرفٌ وَاقِعٌ في جَوَابِ الشَّرطِ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرَابِ، إنَّ: حَرفُ تَوكِيدٍ ونَصبٍ يَنصِبُ الاسمَ ويَرفَعُ الخَبَرَ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ والنُّونُ الثَّالِثَةُ حَرفٌ يَلحَقُ الأَفعَالَ والحُرُوفَ عِندَ اتِّصَالِهِ بيَاءِ المُتَكَلِّمِ لِوِقَايَةِ أَوَاخِرِهَا مِنَ الكَسْرِ، ويَاءُ المُتَكَلِّمِ اسمُ (إِنَّ) مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصبٍ، (لَسْتُ) لَيسَ: فِعلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ يَرفَعُ الاسمَ ويَنصِبُ الخَبَرَ، وتَاءُ المُتَكَلِّمِ اسمُهُ مَبنِيٌّ على الضَّمِّ في مَحَلِّ رَفعٍ، (يَوماً) ظَرفُ زَمَانٍ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: (غَنِي) الآتِي مَنصُوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهِرَةِ، (عَنهُمَا) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بغَنِي أَيضاً، (بِغَنِي) البَاءُ حَرفُ جَرٍّ زَائِدٌ، غَنِي: خَبَرُ (لَيسَ)، وجُملَةُ ليسَ واسمِهِ وخَبَرِهِ في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ (إِنَّ)، وجُملَةُ (إِنَّ) واسمِهَا وخَبَرِهَا فِي مَحَلِّ جَزْمٍ جَوَابُ الشَّرْطِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (المُستَوْطِنَا عَدَنِ) حيثُ أضَافَ الاسمَ المُقتَرِنَ بأل إلى اسمٍ ليسَ مُقتَرِناً بها وهو (عَدَنِ)، وسَاغَ ذلك لكَونِ المُضَافِ وَصفاً دَالاًّ علَى مُثَنًّى.
وفِي قَولِه: (يَغْنَيَا المُستَوْطِنَا عَدَنِ) شَاهِدٌ آخَرُ، وذلك حيثُ أَلْحَقَ الفِعلَ عَلامَةَ التَّثنِيَةِ معَ كَونِهِ رَافِعاً لاسمٍ ظَاهِرٍ مُثَنًّى، وذلك على لُغَةِ (أَكَلُونِي البَرَاغِيثُ) – وقد سَبَقَ ذِكْرُهُ أَثنَاءَ شَرْحِنَا في بَابِ الفَاعِلِ.

([5])323-لَم أَقِفْ لهذَا الشَّاهِدِ أَيضاً على نِسْبَةٍ إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ صَدرُ بَيتٍ مِن البَسيطِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*إِلَى الوُشَاةِ وَلَو كَانُوا ذَوِي رَحِمِ*
اللُّغَةُ: (الأَخِلاَّءُ) جَمعُ خَلِيلٍ، وهو الصَّدِيقُ، وفِي القُرآنِ الكَرِيمِ: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}، (بِالمُصْغِي) المُصغِي: جَمعُ مُصْغٍ، وهو اسمُ الَفاعِلِ مِن (أَصغَى فُلانٌ إلَى حَدِيثِ فُلانٍ) إِذَا أَمَالَ أُذُنَهُ إليهِ وأَنصَتَ لَهُ ولَم يَنْحَرِفْ عنهُ، (مَسَامِعِهِمْ) المَسَامِعِ: جَمعُ مَسمَعٍ، وأَصلُهُ مَكَانُ السَّمْعِ، وأَرَادَ الآذَانَ، (الوُشَاةِ) جَمعُ وَاشٍ، وهو الذي يَسعَى بينَ المُحِبِّينَ لإِفسَادِ قُلُوبِهِم.
المَعنَى: يَقُولُ: لَيسَ الأَصدِقَاءُ البَاقُونَ على وِدَادِهِم بالقَومِ الذين يُصغُونَ إلى كَلامِ الوُشَاةِ السَّاعِينَ بالإفسَادِ بَينَهُم، ولو كانَ هَؤُلاءِ الوُشَاةُ مِن ذَوِي رَحِمِهِم، ومَحَلِّ الثِّقَةِ مِن نُفُوسِهِم.
الإعرَابُ: (ليسَ) فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ يَرفَعُ الاسمَ ويَنصِبُ الخَبَرَ، مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرابِ، (الأخِلاَّءُ) اسمُ (لَيسَ) مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، (بِالمُصْغِي) البَاءُ حَرفُ جَرٍّ زَائِدٌ مَبنِيٌّ على الكَسرِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ، المُصغِي: خَبَرُ (لَيسَ)، وهو مُضَافٌ و(مَسَامِعِ) مِن (مَسَامِعِهِم) مُضَافٌ إليهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، و(مَسَامِعِ) مُضَافٌ وضَمِيرُ الغَائِبِينَ العَائِدُ إلى الأَخِلاَّء ِمُضَافٌ إِلَيهِ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ جَرٍّ، (إِلَى الوُشَاةِ) جَارٌّ ومَجرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَولِهِ: المُصغِي. السَّابِقِ، (ولَو)الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ، والمَعطُوفُ علَيهِ محذُوفٌ، مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ، لَو: حَرفُ شَرطٍ غَيرُ جَازِمٍ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ. (كانُوا) كانَ: فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ يَرفَعُ الاسمَ ويَنصِبُ الخَبَرَ مَبنِيٌّ علَى فَتحٍ مُقَدَّرٍ على آخِرِه لا مَحَلَّ لهُ مِن الإعرَابِ، ووَاوُ الجَمَاعَةِ العَائِدُ إلَى الوُشَاةِ اسمُ (كانَ) مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ رَفعٍ، (ذَوِي) خَبَرُ كَانَ مَنصُوبٌ باليَاءِ نِيَابَةً عَن الفَتحَةِ؛ لأنَّهُ جَمعُ مُذَكَّرٍ سَالِمًٌ، وهو مُضَافٌ و(رَحِمِ) مُضَافٌ إليهِ مَجرُورٌ بالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ، وجُملَةُ كان واسمِهِ وخَبَرِهِ مَعطُوفَةٌ بالواوِ علَى مَحذُوفٍ هو أَولَى بِالحُكْمِ – الذي هو انتِفَاءُ الخِلَّةِ عَمَّن يُصغِي مَسَامِعَهُ إلى الوُشَاةِ مِن الأخِلاَّءِ – مِن المَذكُورِ، وتَقدِيرُ الكَلامِ: إِن لَم يَكُنِ الوُشَاةُ ذَوِي رَحِمٍ وَإِن كَانُوا – إلخ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (المُصْغِي مَسَامِعِهِمْ) حيثُ أَضَافَ الاسمَ المُقتَرِنَ بأَل إلَى اسمِ (ليسَ) مُقتَرِناً بهَا، وهو (مَسَامِعِهِم)، لكَونِ المُضَافِ جَمعَ مُذَكَّرٍ سَالِماً.



([6]) سَوَاءٌ أكانَ المُضَافُ إليهِ عَلَماً، نَحْوُ (الضَّارِبُ زَيْدٍ)، أم كانَ اسمَ إِشَارَةٍ، نَحْوُ (الضَّارِبُ هذا)، أم كانَ اسماً مَوصولاً، نَحْوُ (الضَّارِبُ الذي كانَ عِنْدَنَا أَمْسِ)، أم كانَ ضَمِيراً، نَحْوُ (الضَّارِبُك)، أم كانَ مُضَافاً إلى مَعْرِفَةٍ، نَحْوُ (الضَّارِبُ غُلامِكَ).
وحُجَّةُ الفَرَّاءِ في تَجْوِيزِهِ هذه الصُّوَرَ كُلَّهَا أنَّهُ قَاسَهَا على إِضَافَةِ الاسمِ المُحَلَّى بألْ إلى اسمٍ مُقْتَرِنٍ بها، زَعَمَ أنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ نَوْعٍ مِن المَعَارِفِ ونَوْعٍ آخَرَ مِنْهَا.
والجُمْهُورُ يَقْتَصِرُونَ في هذه المَسْأَلَةِ على ما وَرَدَ عَن العربِ؛ لأنَّ الأصلَ أنَّهُ لا يَجُوزُ بوَجْهٍ عَامٍّ أن يُضَافَ الاسمُ المَعْرِفَةُ؛ لأنَّ أَهَمَّ أَغْرَاضِ الإضَافَةِ تَعْرِيفُ المُضَافِ بالمُضَافِ إليه، فإذا كانَ المُضَافُ في نَفْسِهِ مَعْرِفَةً لم تَكُنْ به حَاجَةٌ إلى التَّعْرِيفِ، وكُنَّا أَحْرِيَاءَ بمُقْتَضَى هذا الأصلِ ألاَّ نُجِيزَ إِضَافَةَ الاسمِ المُحَلَّى بأل لا إلى مِثْلِهِ ولا إلى غَيْرِ ذَلك مِن المَعَارِفِ، لكنْ وَرَدَ السَّمَاعُ عَن أَهْلِ هذا اللِّسَانِ بإِضَافَتِهِ إلى المُحَلَّى بأَلْ، خُرُوجاً عَن أَصْلِ القِيَاسِ الذي أَشَرْنَا [إليه]، وإذَا كَانَت هذهِ الإضَافَةُ خَارِجَةً عَن أَصْلِ القِيَاسُ، فإنَّهُ لا يَجُوزُ أن يُقَاسَ غَيْرُهَا عليها للقَاعِدَةِ المَعْلُومَةِ القَائِلَةِ: (مَا خَرَجَ عَن القِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لا يَنْقَاسُ) فَافْهَمْ ذلك.
وممَّا وَرَدَ عَن العَرَبِ مِن إِضَافَةِ الوَصْفِ المُحَلَّى بأل إلى الضَّمِيرِ قَوْلُ عُبَيْدِ بْنِ الأَبْرَصِ:
يَا ذَا المُخَوِّفَنَا بقَتْـ = ـلِ أَبِيهِ إِذْلاَلاً وحَيْنَا
وممَّا هو جَدِيرٌ بالذِّكْرِ ههنا أنَّ نَحْوَ (الضَّارِبُك) قَدْ وَرَدَ عَن العَرَبِ فاختَلَفَ النُّحَاةُ في تَخْرِيجِه، فخَرَّجَهُ الجُمْهُورُ على أنَّ الكَافَ التي هي ضَمِيرُ المُخَاطَبِ في مَحَلِّ نَصْبٍ مَفْعُولٌ بهِ، وجَوَّزَ الفَرَّاءُ ذلك كما جَوَّزَ أن تَكُونَ في مَحَلِّ جَرٍّ بإِضَافَةِ الوَصْفِ إليها، والثَّانِي تَخْرِيجٌ على وَجْهٍ ضَعِيفٍ فيما أَمْكَنَ تَخْرِيجُهُ على وَجْهٍ قَوِيٍّ.

([7]) تَلْخِيصُ ما في هذه المَسْأَلَةِ مِن مَذَاهِبِ النُّحَاةِ وتَعْلِيلِهَا نَذْكُرُه لك فيما يَلِي:
اعْلَمْ أَوَّلاً أنَّ المُضَافَ هنا وَصْفٌ إمَّا مُفْرَدٌ مُحَلَّى بأَلْ، نَحْوُ (الضَّارِبُكَ)، وإمَّا مُفْرَدٌ مُجَرَّدٌ مِن أل، نَحْوُ (ضَارِبُكَ)، وإمَّا مُثَنًّى، نَحْوُ (الضَّارِبَاكَ)، وإمَّا مَجْمُوعٌ جَمْعَ مُذَكَّرٍ سَالِماً، نَحْوُ (الضَّارِبُوكَ)، والفَرْضُ أنَّ المُضَافَ إليهِ في كُلِّ هذهِ الصُّوَرِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أنَّ للنُّحَاةِ في هذه المَسْأَلَةِ ثَلاثَةَ أَقْوَالٍ ذَكَرَها المُؤَلِّفُ ونُوَضِّحُهَا لك، فنَقُولُ:
القَوْلُ الأَوَّلُ : – وهو قَوْلُ المُبَرِّدِ والمَازِنِيِّ والرُّمَّانِيِّ – حَاصِلُهُ أنَّ الضَّمِيرَ في مَوْضِعِ خَفْضٍ بإِضَافَةِ الوَصْفِ إليه، سَوَاءٌ أكَانَ الوَصْفُ مَقْرُوناً بأل، نَحْوُ (زَيْدٌ الضَّارِبُك)، أم كانَ الوَصْفُ مُجَرَّداً مِن أَلْ، نَحْوُ (زَيْدٌ ضَارِبُكَ)، وحُجَّتُهُم في ذلك أنَّ الضَّمِيرَ نَائِبٌ مَنَابَ الاسمِ الظَّاهِرِ، ونَحْنُ لو قُلْنَا: (ضَارِبُ زَيْدٍ) بغَيْرِ تَنْوِينِ الوَصْفِ كانَ الاسمُ الظَّاهِرُ الذي بَعْدَهُ مَخْفُوضاً بالإضَافَةِ، وكذلك لو قُلْنَا: (الضَّارِبُ الرَّجُلِ)، وإذا كانَ الاسمُ الظَّاهِرُ مَخْفُوضاً بإِضَافَةِ الوَصْفِ إليه يَكُونُ الضَّمِيرُ كذلك مَخْفُوضاً بإِضَافَةِ الوَصْفِ إليه؛ لأنَّهُ قَائِمٌ في مَقَامِ الظَّاهِرِ، ونَظِيرُ ذلك ما إذا كانَ الوَصْفُ مُثَنًّى أو مَجْمُوعاً، وسنَعُودُ على بَيَانِهِ بعدَ ذِكْرِ أَقْوالِ النُّحَاةِ في هذه المَسْأَلَةِ.
والقَوْلُ الثَّانِي: – وهو قَوْلُ الأَخْفَشِ وهِشَامٍ – وحاصِلُهُ أنَّ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ نَصْبٌ على المَفْعُولِيَّةِ، وحُجَّتُهُمَا في ذلك أنَّ قَوْلَنَا: (ضَارِبُك) و(الضَّارِبُك) في ذَاتِهِ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: النَّصْبُ على المَفْعُولِيَّةِ. والثَّانِي: الخَفْضُ بالإضَافَةِ.
والمَفْعُولِيَّةُ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ، والإضَافَةُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ، واعتبارُ الأمرِ المُحَقَّقِ أَوْلَى مِن اعتِبارِ الأمرِ غَيْرِ المُحَقَّقِ، فكانَ اعتبارُنَا الضَّمِيرَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ أَوْلَى.
والقَوْلُ الثَّالِثُ: – وهو قَوْلُ سِيبَوَيْهِ – حَاصِلُهُ أنَّهُ يَعْتَبِرُ الضَّمِيرَ كالاسمِ الظَّاهِرِ، فإذَا قُلْتَ: (ضَارِبُكَ) فجِئْتَ بالوَصْفِ مُفْرَداً مُجَرَّداً مِن ألْ كانَ الضَّمِيرُ في مَحَلِّ جَرٍّ بالإضَافَةِ؛ لأنَّك لو قُلْتَ: (ضَارِبُ زَيْدٍ) لكانَ زَيْدٌ مَجْرُوراً بالإضَافَةِ؛ إذْ كانَ حَذْفُ التَّنْوِينِ مِن الوَصْفِ دَلِيلاً على أنَّهُ مُضَافٌ لما يَلِيهِ مَا دَامَ الكَلامُ خَالِياً مِمَّا يَمْنَعُ مِن الإضَافَةِ، وإذَا قُلْتَ: (الضَّارِبُكَ) كانَ الضَّمِيرُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ على المَفْعُولِيَّةِ؛ لأنَّكَ لو قُلْتَ: (الضَّارِبُ زَيْداً) كانَ الاسمُ الظَّاهِرُ وَاجِبَ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ عِنْدَهُ، ولم يَجُزْ في الاسمِ الظَّاهِرِ الجَرُّ بالإضَافَةِ؛ لأنَّ المُضَافَ حينئذٍ مُحَلَّى بأَلْ، والمُضَافَ إليهِ مُجَرَّدٌ مِنها، ولا يَجُوزُ أنْ يُضَافَ المُحَلَّى بأَلْ إلى المُجَرَّدِ منها، فلمَّا كانَ المَانِعُ مِن الإضَافَةِ في هذه الصُّورةِ قَائِماً وَجَبَ النَّصْبُ على المَفْعُولِيَّةِ، وإذا قُلْتَ: (الضَّارِبَاكَ) أو (الضَّارِبُوكَ) فجِئْتَ بالوَصْفِ مُثَنًّى أو مَجْمُوعاً جَازَ الوَجْهَانِ: كَوْنُ الضَّمِيرِ في مَحَلِّ جَرٍّ بالإضافَةِ، وكَوْنُهُ في مَحَلِّ نَصْبٍ على المَفْعُولِيَّةِ؛ لأنَّكَ لو قُلْتَ: (الضَّارِبَا زَيْدٍ) جَازَ في الاسمِ الظَّاهِرِ الوَجْهَانِ؛ لأنَّ الوَصْفَ المُثَنَّى أو المَجْمُوعَ تَجُوزُ إِضَافَتُهُ إلى كُلِّ أَنْوَاعِ المَعْرِفَةِ, فهذا يُجِيزُ أنْ يَكُونَ الوَصْفُ مُضَافاً والضَّمِيرُ مُضَافاً إليه، ويَكُونَ حَذْفُ نُونِ المُثَنَّى أو المَجْمُوعِ بسَبَبِ الإضَافَةِ, ويَجُوزُ – معَ ذلك – أنْ يَكُونَ حَذْفُ التَّنْوِينِ للتَّخْفِيفِ فيَنْتَصِبُ الاسمُ الظَّاهِرُ، فكذلك الضَّمِيرُ.
وقد عَلِمْتَ فيما قَرَّرْنَاهُ لك عِنْدَ بَيَانِ مَذْهَبِ المُبَرِّدِ ومَنْ مَعَهُ أنَّهُم يَرَوْنَ الضَّمِيرَ في نَحْوِ (الضَّارِبَاكَ) وفي نَحْوِ (الضَّارِبُوكَ) في مَحَلِّ جَرٍّ بالإضافَةِ، ولا يَجُوزُ اعتِبَارُهُ في مَحَلِّ نَصْبٍ؛ لأنَّ ذلك يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ حَذْفُ النُّونِ للتَّخْفِيفِ لا للإضَافَةِ، والأصلُ في حذفِ النُّونِ أن يكونَ سَبَبُهُ الإضَافَةَ، واعتِبَارُ حَذْفِهِ للتَّخْفِيفِ بسَبَبِ طُولِ صِلَةِ ألْ لَيْسَ في الكَلامِ ضَرُورَةٌ تَدْعُو إليه، فلِكَوْنِ ذلك خِلافَ الأصلِ ولا مُلْجِئَ يُلْجِئُنَا إليه لم نَجْعَلْهُ في مَكَانِ الاعتِبَارِ.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


391 - وَوَصْلُ "أَلْ" بِذَا المُضَافِ مُغْتَفَرْ = إِنْ وُصِلَتْ بِالثَّانِ كـ"الجَعْدِ الشَّعْرِ"
392 - أَوْ بِالَّذِي لَهُ أُضِيفَ الثاني = كـ"زَيْدٌ الضاربُ رأسَ الجانِي"
(وَوَصْلُ "أَلْ" بِذَا المُضَافِ مُغْتَفَرْ): أي: المشابهِ يَفْعَلُ (مُغْتَفَرْ * إِنْ وُصِلَتْ بِالثَّانِ كـ"الجَعْدِ الشَّعْرِ"). وقوله [من الطويل]:
599 - أَبَأْنَا بِهِمْ قَتْلَى وَمَا فِي دِمَائِهِمْ = شِفَاءٌ وَهُنَّ الشافِيَاتُ الحوائمِ
(أَوْ بِالَّذِي لَهُ أُضِيفَ الثاني = كـ"زَيْدٌ الضاربُ رأسَ الجانِي)
وقولُه [من الطويل]:
600 - لَقَدْ ظَفِرَ الزُّوَّارُ أَقْفِيَةِ العِدَى = بِمَا جَاوَزَ الآمالَ مِلأَسْرِ والقتلِ
أو بِمَا أُضِيفَ إلى ضميرِه الثاني كقولِه [من الكامل]:
601 - الوُدُّ أَنْتِ المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ = مِنِّي وَإِنْ لَمْ أَرْجُ مِنْكَ نَوَالاَ
ومنَعَ المُبَرِّدُ هذه.
393 - وكونُهَا فِي الوَصْفِ كَافٍ إِنْ وَقَعْ = مُثَنَّى أَوْ جَمْعًا سَبِيلُهُ اتَّبَعْ
أي: وكونُ "أل" أي: وجودُها في الوصفِ المضافِ كافٍ في اغتفارِه وقوعَه مثنًى أو جمعًا ، اتَّبِعْ سبيلَ المُثَنَّى وهو جمعُ المذكرِ السالمِ كقولِه [من البسيط]:
602 - إِنْ يُغْنِيَا عَنِّي المُسْتَوْطِنَا عَدَنِ = فَإِنَّنِيْ لَسْتُ يَوْمًا عَنْهُمَا بِغَنِي
وقولِه [من الكامل]:
603 - الشاتِمَيْ عَرْضِي وَلَمْ أَشْتِمْهُمَا = وَالنَّاذِرَيْن إِذَا لَمْ الْقَهُمَا دَمِي
وكقوله [من المنسرح]:
604 - العَارِفُو الحَقِّ لِلْمُدِلِّ بِهِ = وَالمُسْتَقِلُّو كَثِيرَ مَا وَهَبُوا
فَإِنِ انْتَفَتِ الشُّرُوطُ المذكورةُ امتَنَع وَصْلُ "أَلْ" بِذَا المضافِ وأَجَازَ الفَرَّاءُ ذلك فيه مضافًا إلى المعارفِ مطلقًا ، نحوُ: "الضاربُ زيدٍ"، و"الضاربُ هذا" بخلافِ: "الضاربُ رجُلٍ"، قال المبرِّدُ والرُّمَّانِيُّ في "الضاربُكَ" و"ضاربُكَ" : موضعُ الضميرِ خفضٌ وقال الأخفشُ وهشامٌ : نصبٌ ، وعند سيبويهِ الضميرُ كالظاهرِ، فهو منصوبٌ في "الضاربُكَ" مخفوضٌ في "ضاربُكَ" ويجوزُ في "الضارباكَ" و"الضاربُوك" الوجهانِ ؛ لأنَّهُ يجُوزُ: "الضاربَا زيدًا" و"الضاربُوا عمرًا" وتُحذفُ النونُ في النصبِ كما تُحذفُ في الإضافةِ ومنه قولُه [من المنسرح]:
605 - الحافِظُوا عَوْرَةَ العَشِيرَةِ لا = يَأْتِيهِمُ مِنْ وَرَائِهِمُ وَكَفُ
وقولُه [من المنسرح]:
العَارِفُو الحَقَّ لِلْمُدِلِّ بِهِ = وَالمُسْتَقِلُّو كَثِيرَ مَا وَهَبُوا
في روايةِ من نصبَ "الحقَّ" و"كثيرَ" .
نَعَمْ، الأحسنُ عند حذْفِ النونِ الجرُّ بالاضافةِ ؛ لأنه المعهودُ ، والنصبُ ليس بضعيفٍ لأن الوصفَ صلةٌ فهو في قوَّةِ الفعلِ ، فطُلِبَ معه التخفيفُ واحْتَرِزْ بقولِه: "سبيلَه اتَّبِعْ" عن جمع ِالتكسيرِ وجمعِ المؤنثِ السالمِ.
تنبيهٌ : قولُه: "أَنْ وَقَعَ " هو بفتحٍ "أن" وموضعُه رفْعٌ على أنه فاعلُ كافٍ على ما تبيَّنَ أولًا ، وقال الشارحُ: "هو" مبتدأٌ ثانٍ و"كافٍ" خبرُه ، والجملةُ خبرُ الأَوَّلِ يعني كونَها وقال المكوديّ: في موضعِ نصبٍ على إسقاطِ لامِ التعليلِ ، والتقديرُ: وجودُ "أل" في الوصفِ كافٍ لوقوعِه مثَنَّى أو مجموعًا على حدِّه، ويجوزُ في همزِ "أن" الكسرُ وقد جاءَ كذلك في بعضِ النسخِ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 10:20 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


حكْمُ دُخولِ (أَلْ) على المضافِ
391- وَوَصْلُ أَلْ بِذَا المُضَافِ مُغْتَفَرْ = إنْ وُصِلَتْ بِالثَّانِ كَالْجَعْدِ الشَّعَرْ
392- أَوْ بِالَّذِي لَهُ أُضِيفَ الثَّانِي = كَزَيْدٌ الضَّارِبُ رَأْسِ الْجَانِي
393- وَكَوْنُهَا فِي الْوَصْفِ كَافٍ إنْ وَقَعْ = مُنَنًّى أوْ جَمْعاً سَبِيلَهُ اتَّبَعْ
في هذهِ الأبياتِ الإشارةُ إلى الحُكْمِ الرابعِ مِنْ أحكامِ الإضافةِ، وهوَ وُجوبُ حَذْفِ (أَلْ) مِن المضافِ الذي إضافتُهُ مَحْضَةٌ؛ نحوُ: الكتابُ جديدٌ.
فنقولُ: كتابُ القواعِدِ جديدٌ، بحَذْفِ (أَلْ) مِن المضافِ، وكذا كانَت الإضافةُ غيرَ مَحْضَةٍ، لَكِنْ لَمَّا كانت الإضافةُ على نِيَّةِ الانفصالِ كما تَقَدَّمَ اغْتُفِرَ ذلكَ في المسائلِ الآتيَةِ:
مَوَاضِعُ دُخولِ (أَلْ) على المضافِ في الإضافةِ اللفظيَّةِ
1- أنْ تُوجَدَ (أَلْ) في المضافِ والمضافِ إليهِ؛ نحوُ: الْمُنْصِفُ النَّاسِ محبوبٌ.
2- أنْ يكونَ المضافُ إليهِ مُضافاً لِمَا فيهِ (أَلْ)؛ نحوُ: المُحِبُّ فِعْلِ الخيرِ سَعيدٌ.
3- أنْ يكونَ المضافُ مُثَنًّى؛ نحوُ: الْحَافِظَا دُروسَهما مُكَافَآنِ.
4- أنْ يكونَ المُضَافُ جَمْعَ مُذَكَّرٍ سالِماً؛ نحوُ: الْمُتْقِنُو أعْمَالِهِمْ رَابِحُونَ.
وهذا معنى قولِهِ: (ووَصْلُ (أَلْ) بذا المُضَافِ مُغْتَفَرْ.. إلخ)؛ أي: اغْتُفِرَ دخولُ (أَلْ) على المُضَافِ الذي إضافتُهُ لَفْظِيَّةٌ، بشرْطِ أنْ تُزادَ في الثاني (وهوَ المضافُ إليهِ)، أوْ تُزادَ بالذي أُضيفَ إليهِ الثاني، ثمَّ مَثَّلَ للأَوَّلِ بقولِهِ: (كَالْجَعْدِ الشَّعَرْ)؛ فـ(أَلْ) داخِلَةٌ على المضافِ والمضافِ إليهِ، ومَثَّلَ للثاني بقولِهِ: (زَيْدٌ الضَّارِبُ رَأْسِ الجَانِي)، فالمضافُ إليهِ (رَأْسِ) خالٍ مِنْ (أَلْ)، لكنَّهُ مضافٌ لِمَا فيهِ (أَلْ)، وهوَ قولُ: (الْجَانِي). وجَعْدُ الشَّعَرِ: إذا كانَ فيهِ التواءٌ وتَقَبُّضٌ.
ثمَّ ذَكَرَ حالةً يَصِحُّ فيها وُجودُ (أَلْ) في المضافِ، ولا يُشْتَرَطُ وُجودُها في المضافِ إليهِ، وهيَ أنْ يكونَ المضافُ وَصْفاً مُثَنًّى أوْ جَمعاً إذا (اتَّبَعَ سَبِيلَ المُثَنَّى)، والمرادُ بهِ جَمْعُ المُذَكَّرِ السالِمُ؛ لأنَّهُ يُعْرَبُ بحرفَيْنِ، ويَسْلَمُ فيهِ بناءُ الواحدِ، ويُخْتَمُ بنونٍ زائدةٍ تُحْذَفُ عندَ الإضافةِ، وهذا احْتِرَازٌ مِنْ جَمْعِ التكسيرِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لم, دخول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:21 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir