▪القسم الأول :
ما ورد في تكفّل الله تعالى بجمع القرآن وحفظه ، مع أنواع جمع القرآن
▪الأدلة على تكفل الله تعالى بجمع القرآن وحفظه .
🔸من القرآن : قوله تعالى :{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ }
- المعنى الإجمالي للآية :
روى البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباسٍ قال : (كان يحرك شفتيه إذا أنزل عليه، فقيل له: {لا تحرك به لسانك} يخشى أن ينفلت منه، {إن علينا جمعه وقرآنه} أن نجمعه في صدرك، وقرآنه: أن تقرأه،
- المراد بالجمع في الآية :
قال البخاري في كتاب التفسير : تأليف بعضه إلى بعض ،فإذا جمعناه وألّفناه فاتّبع - قرآنه .
- موضع بالجمع :
جمعه في صدر النبي صلى الله عليه وسلم ،قال ابن عباس في تفسير الآية : جمعه لك في صدرك، وتقرأه). رواه البخاري ومسلم.
🔸كيفية جمع النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن .
- ما تكفّل الله له صلى الله عليه وسلم من جمعه
- كتابة أصحابه للقرآن بأمره
- جمع وتأليف بعضه إلى بعض بوضع الآيات في مواضعها
🔸قوله تعالى : {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}
المعنى الإجمالي :قال البخاري : فاستمع له وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه) .
- بيان تعظيم الله لوحيه : في قوله :(فإذا قرأناه) أي: قرأه جبريل عليك، وفى هذا إضافة ما يكون عن أمره تعالى إليه لتعظيمه ولوجوب التأني في تلقيه .
-المراد بالاتباع في الآية :
القراءة كما أنزل ،والعمل به
-المراد من البيان :
قال الآمدي يجوز أن يراد بالبيان الإظهار لا بيان المجمل ، وقيل بيان مافيه من الحلال والحرام على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من حفظ الله له .
🔸ما كان من مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحي .
- كان يتعجل الحفظ خشية أن ينساه .
روى أحمد بن حنبل في "مسنده " من طريق سعيد بن جبيرٍ، قال ابن عباسٍ: (كان إذا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآنٌ يريد أن يحفظه، قال الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}. وكذا رواية النسائي في السنن، والترمذي في أبواب تفسير القرآن
وقيل : أن السبب في المبادرة حصول المشقة التي يجدها عند النزول فكان يتعجل بأخذه لتزول المشقة وهو ظاهر هذا السياق .
روى الإمام أحمد عن ابن عباسٍ قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدةً، فكان يحرك شفتيه - إلى أن قال - فأنزل الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه ) . ورواه البخاري في صحيحه ،والنسائي في السنن .
- معنى "يعالج "
قال ابن حجر: المعالجة محاولة الشيء بمشقة ..
- وروى الطبري من طريق الشعبي : كان إذا نزل عليه عجل يتكلم به من حبه إياه .
- وأخرج بن أبي حاتم من طريق أبي رجاء عن الحسن كان يحرك به لسانه يتذكره فقيل له إنا سنحفظه عليك .
- سبب تحريك النبي صلى الله عليه وسلم لسانه :
رجاء الحفظ ، قال ابن حجر: "كان النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ لئلا ينفلت منه .
- وقت تحريك النبي صلى الله عليه وسلم شفتيه .
قال ابن هبيرة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه بما يسمعه من جبريل عليه السلام قبل إتمام الوحي، وكذا قال " ابن الجوزي"
- قال القاضي عياض : أمر ألا يعجل به ليأخذه وضمن له حفظه .
- الأنفع للقلب عند تلقي القرآن .
قال أبو بكر المعافري : بل الأنفع للقلب في التحصيل سكون اللسان .
🔺الآية الثانية فيما ورد من تكفل الله بحفظه .
قوله تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإناله لحافظون}
مرجع الضمير في الآية :
ورد في مرجع الضمير قولان :
-الأول : أنه القرآن .
والثاني : أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي يترجح الأول لدلالة والسياق وعليه أكثر المفسرين .
-المراد بالحفظ : حفظ الله له في اللوح المحفوظ ، ومن الزيادة والنقصان ،كماورد عن مجاهد ، وقتادة .
▪الجمع الثاني: جمع كتابتة في مصحف واحد، وهو جمع أبو بكر رضي الله عنه .
* الداعي له : مّا رأى من كثرة القتلاء من القراء في وقعة اليمامة،وكان هذا الجمع بمشورة عمر رضي الله عنه .
- كذلك زوال السبب المانع من جمعه في مصحف واحد وهو نزول الوحي .
- الغرض من الجمع : جمع القرآن كله في مصحف واحد، مع بقاء قراءات الصحابة كلٌّ يقرأ كما عُلّم .
*الذي تولى جمعه : وكل أبو بكر رضي الله عنه زيد بن ثابت لهذه المهمة الجليلة ،لما له من شرف عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين في العام الذي توفّي فيه .
*احتياط أبو بكر رضي الله عنه :كان من احتياطه رضي الله عنه، أن قال لعمر ولزيد بن ثابت: (اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه) .
- استحسان الصحابة لفعل أبوبكر ،قال علي بن أبي طالب: (أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر؛ رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله)
🔺الثالث: جمعه على رسم واحد، ولغة واحدة ،وهو جمع عثمان رضي الله عنه .
- سبب جمع عثمان رضي الله عنه :
اختلاف الناس في القراءات حيث كان كلٌّ يقرأ كما تعلّم من وجوه القراءات وأحرفها.
- كثرت المصاحف وتعدّدها، حيث كلاً يكتب على نحو ما تعلّمه .
- خوف الصحابة وقوع الاختلاف بين الأمّة لما كثرت الفتوحات فجمعوهم على مصحف واحد.
- من تولى نسخ المصحف :الذين تولوا نسخ المصاحف في عهد عثمان: زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
* مرجعهم عند الإختلاف :أمرعثمانُ الرهط القرشيين بقوله : (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم) .
- سبب أمر عثمان بحرق بقية المصاحف :خشية أن يحدث خلاف بين الأمّة في القرآن .
- هل كان مصحف عثمان يختلف عن المصحف المجموع ؟ لم يكن يختلف عنه عن المصحف المجموع بل كان نسخة منه .
- ما ذهب إليه بعض أهل العلم في جمع عثمان من احتماله للأحرف السبعة.
يعارض هذا القول اختيار كتابة -التابوت- التي تدل على أنه اختار بعض الأحرف على بعض .
- والذي يترجح أن عثمان اختار من الأحرف السبعة ما وافق لغة قريش وقراءة العامّة، وبقي الرسم العثماني محتملاً لبعض ما في الأحرف الأخرى.
- ماورد من استحسان الصحابة لما فعله عثمان رضي الله عنه، قال علي بن أبي طالب : "لو وليت ما ولي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل" .
*استطراد .
🔺دلالة الآية :
قال ابن هبيرة :دلّ قوله تعالى:{فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} على وجوب اتباع القرآن والإنصات إليه .
-واستدل القاضي أبو بكر بن الطيب ،على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب ، وهو مذهب الجمهور من أهل السنة .