(وَالدَّلِيلُ مَا) أَيْ شَيْءٌ (يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ) أَيْ الْوُصُولُ بِكُلْفَةٍ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ بِأَنْ يَكُونَ النَّظَرُ فِيهِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَنْتَقِلَ الذِّهْنُ بِهَا إلَى ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ الْمُسَمَّاةِ وَجْهَ الدَّلَالَةِ وَالْخَبَرِيُّ مَا يُخْبَرُ بِهِ وَمَعْنَى الْوُصُولِ إلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ عِلْمُهُ أَوْ ظَنُّهُ فَالنَّظَرُ هُنَا الْفِكْرُ لَا بِقَيْدِ الْمُؤَدِّي إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا سَيَأْتِي حَذَرًا مِنْ التَّكْرَارِ، وَالْفِكْرُ حَرَكَةُ النَّفْسِ فِي الْمَعْقُولَاتِ، وَشَمِلَ التَّعْرِيفُ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ كَالْعَالَمِ لِوُجُودِ الصَّانِعِ وَالظَّنِّيَّ كَالنَّارِ لِوُجُودِ الدُّخَانِ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِوُجُوبِهَا فَبِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي هَذِهِ الْأَدِلَّةِ أَيْ بِحَرَكَةِ النَّفْسِ فِيمَا تَعْقِلُهُ مِنْهَا مِمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْتَقِلَ بِهِ إلَى تِلْكَ الْمَطْلُوبَاتِ كَالْحُدُوثِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِحْرَاقِ فِي الثَّانِي وَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فِي الثَّالِثِ تَصِلُ إلَى تِلْكَ الْمَطْلُوبَاتِ بِأَنْ تُرَتَّبَ هَكَذَا الْعَالَمُ حَادِثٌ وَكُلُّ حَادِثٍ لَهُ صَانِعٌ فَالْعَالَمُ لَهُ صَانِعٌ، النَّارُ شَيْءٌ مُحْرِقٌ وَكُلُّ مُحْرِقٍ لَهُ دُخَانٌ فَالنَّارُ لَهَا دُخَانٌ، أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ وَكُلُّ أَمْرٍ بِشَيْءٍ لِوُجُوبِهِ حَقِيقَةٌ فَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ لِوُجُوبِهَا. وَقَالَ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ دُونَ يَتَوَصَّلُ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ دَلِيلًا وَإِنْ لَمْ يُنْظَرْ فِيهِ النَّظَرُ الْمُتَوَصَّلُ بِهِ وَقَيَّدَ النَّظَرَ بِالصَّحِيحِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى الْمَطْلُوبِ لِانْتِفَاءِ وَجْهِ الدَّلَالَةِ عَنْهُ وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ اعْتِقَادٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا إذَا نَظَرَ فِي الْعَالَمِ مِنْ حَيْثُ الْبَسَاطَةُ وَفِي النَّارِ مِنْ حَيْثُ التَّسْخِينُ فَإِنَّ الْبَسَاطَةَ وَالتَّسْخِينَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمَا أَنْ يُنْقَلَ بِهِمَا إلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَالدُّخَانِ وَلَكِنْ يُؤَدِّي إلَى وُجُودِهِمَا هَذَانِ النَّظَرَانِ مِمَّنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعَالَمَ بَسِيطٌ وَكُلُّ بَسِيطٍ لَهُ صَانِعٌ وَمِمَّنْ ظَنَّ أَنَّ كُلَّ مُسَخِّنٍ لَهُ دُخَانٌ أَمَّا الْمَطْلُوبُ غَيْرُ الْخَبَرِيِّ وَهُوَ التَّصَوُّرِيُّ فَيُتَوَصَّلُ إلَيْهِ أَيْ يُتَصَوَّرُ بِمَا يُسَمَّى حَدًّا بِأَنْ يُتَصَوَّرَ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ حَدًّا لِلْإِنْسَانِ وَسَيَأْتِي حَدُّ الْحَدِّ الشَّامِلِ لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ.
(وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا هَلْ الْعِلْمُ) بِالْمَطْلُوبِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُمْ (عَقِيبَهُ) أَيْ عَقِيبَ صَحِيحِ النَّظَرِ عَادَةً عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَالْأَشْعَرِيِّ فَلَا يَتَخَلَّفُ إلَّا خَرْقًا لِلْعَادَةِ كَتَخَلُّفِ الْإِحْرَاقِ عَنْ مُمَاسَّةِ النَّارِ أَوْ لُزُومًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَالْإِمَامِ الرَّازِيُّ فَلَا يَنْفَكُّ أَصْلًا. كَوُجُودِ الْجَوْهَرِ لِوُجُودِ الْعَرَضِ (مُكْتَسَبٌ) لِلنَّاظِرِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ نَعَمْ لِأَنَّ حُصُولَهُ عَنْ نَظَرِهِ الْمُكْتَسَبِ لَهُ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ حُصُولَهُ اضْطِرَارِيٌّ لَا قُدْرَةَ عَلَى دَفْعِهِ وَلَا انْفِكَاكَ عَنْهُ وَلَا خِلَافَ إلَّا فِي التَّسْمِيَةِ وَهِيَ بِالْمُكْتَسَبِ أَنْسَبُ وَالظَّنُّ كَالْعِلْمِ فِي قَوْلِ الِاكْتِسَابِ وَعَدَمِهِ دُونَ قَوْلَيْ اللُّزُومِ وَالْعَادَةِ لِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ الظَّنِّ وَبَيْنَ أَمْرٍ مَا بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُهُ عَنْهُ عَقْلًا أَوْ عَادَةً فَإِنَّهُ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِهِ قَدْ يَزُولُ لِعَارِضٍ كَمَا إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ بِحُكْمٍ وَآخَرُ بِنَقِيضِهِ أَوْ لِظُهُورِ خِلَافِ الْمَظْنُونِ كَمَا إذَا ظَنَّ أَنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ لِكَوْنِ مَرْكَبِهِ وَخَدَمِهِ بِبَابِهَا ثُمَّ شُوهِدَ خَارِجَهَا. وَأَمَّا غَيْرُ أَئِمَّتِنَا فَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا النَّظَرُ يُوَلِّدُ الْعِلْمَ كَتَوْلِيدِ حَرَكَةِ الْيَدِ لِحَرَكَةِ الْمِفْتَاحِ عِنْدَهُمْ وَعَلَى وِزَانِهِ يُقَالُ الظَّنُّ الْحَاصِلُ مُتَوَلِّدٌ عَنْ النَّظَرِ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَنْهُ وَقَوْلُهُ عَقِيبَهُ بِالْيَاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ جَرَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَالْكَثِيرُ تَرْكُ الْيَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ.