دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > النكاح والطلاق والرضاع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 04:12 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كتاب الطلاق

كِتَـابَ الطَّـلاَقِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذلِكَ عُمَرُ لِرسولِ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فَتَغَيَّظَ فيهِ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ، ثُمَّ قالَ: ((لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فإنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ، كَمَا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ)) .
وفي لفظٍ : ((حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى مُسْتَقْبَلَةً، سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا)) .وفي لفظٍ، (( فَحُسِبَتْ مِن طَلاَقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللهِ، كَما أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ )) .

  #2  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 08:57 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كتابُ الطَّلَاقِ

الْحَدِيثُ الحاديَ عَشَرَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذلِكَ عُمَرُ لِرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: ((لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فإنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ)).
وفي لفظٍ: ((حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً، سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا)). وفي لفظٍ، ((فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ، كَما أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: تحريمُ الطلاقِ في الحَيْضِ.
الثَّانِيَةُ: الأمرُ بِرَجْعَتِهَا دليلٌ على وقوعِ الطلاقِ.
الثَّالِثَةُ: الواجبُ رَجْعَتُهَا وَإِمْسَاكُهَا حتَّى تَطْهُرَ ثمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَحِينَئِذٍ يُبَاحُ الطلاقُ إذا لم يُجَامِعْ في هذا الطُّهْرِ.

  #3  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 08:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كِتابُ الطلاقِ(134)
الحَديثُ الثالِثَ عَشَرَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
313- عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي اللهُ عَنْهُما، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَغَيَّظَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ قال: ((لِيُرَاجِعْهَا، ثمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فإنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَها فليُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ، كَمَا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ)) .
وفي لَفْظٍ :((حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً، سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا)) .
وفي لَفْظٍ : فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاَقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، كَما أَمَرَه رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(135).
________________________
(134) الطَّلاقُ في اللُّغَةِ: حَلُّ الوَثَاقِ, مُشْتَقٌّ مِن الإطْلاقِ، وهُوَ التَّرْكُ والإرْسالُ.
وفي الشَّرعِ : حَلُّ عُقْدَةِ التَّزويجِ، والتَّعْريفُ الشَّرعِيُّ فَرْدٌ مِن مَعْناهُ اللُّغَوِيِّ العامِّ.
قالَ إمامُ الحَرَمَيْنِ : هُوَ لَفْظٌ جاهِلِيٌّ وَرَدَ الشَّرعُ بِتَقْرِيرِهِ.
وحُكْمُهُ ثابِتٌ في الكِتابِ، والسُّنَّةِ، والإجْماعِ، والقِياسِ الصَّحيحِ.
فأمَّا الكِتابُ فَنَحْوُ : (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ). وغَيرُها مِن الآياتِ.
وأمَّا السُّنَّةُ فقولُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ((أبْغَضُ الحَلالِ إلى اللهِ الطَّلاقُ)). وغَيرُهُ مِن فِعْلِهِ وتَقْرِيرِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
والأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عليهِ، والقِياسُ يَقْتَضيهِ.
فإذا كانَ يَتِمُّ النِّكاحُ بالعَقْدِ لمَصالِحِهِ وأغْراضِهِ فإنَّهُ يُفْسَخُ ذلكَ العَقْدُ بالطَّلاقِ، للمَقاصِدِ الصَّحيحَةِ.
والأصْلُ في الطَّلاقِ الكَرَاهَةُ للحَديثِ المُتَقدِّمِ، ولِأنَّهُ حَلٌّ لِعُرَى النِّكاحِ الَّذي رغَّبَ فيهِ الشَّارِعُ، وحثَّ عليهِ، وجَعَلَهُ سَببًا لكَثيرٍ مِن مَصالِحِ الدِّينِ والدُّنْيا.
لِذا فإنَّ الطَّلاقَ سَببٌ في إبْطالِ هذهِ المَصالِحِ وإفْسادِها، واللهُ لَا يُحِبُّ الفَسادَ.
فمِن هُنا كَرِهَهُ الشَّارِعُ، لكِنَّهُ عِندَ الحَاجَةِ إليه نِعْمَةٌ كَبيرَةٌ، وفَضْلٌ عَظيمٌ، إذْ يَحْصُلُ بهِ الخَلاصُ مِن العِشْرَةِ الْمُرَّةِ، وفِراقُ مَن لَا خَيْرَ في البَقاءِ معهُ، إمَّا لِضَعْفٍ في الدِّينِ، أوْ سُوءٍ في الأخْلاقِ، أو غَيْرِ ذلكَ ممَّا يُسَبِّبُ قَلَقَ الحَياةِ، ونَكَدَ الاجْتِماعِ. واللهُ حَكيمٌ عَليمٌ واسِعُ الرَّحْمَةِ.
وبهذا تَعْرِفُ جَلالَ هذا الدِّينِ، وسُمُوَّ تَشْريعاتِهِ، وأنَّها المُوافِقَةُ للعَقْلِ الصَّحيحِ، والمُتَمَشِّيَةُ معَ مَصالِحِ النَّاسِ، ويُشَرَّعُ الطَّلاقُ على الكَيْفِيَّةِ الآتِيَةِ في وَسَطِ الأحْكامِ، وقِوامِ الأُمورِ، خِلافًا لليَهودِ والمُشْرِكينَ الَّذينَ يُطَلِّقونَ ويُراجِعونَ ، بِلا عدٍّ، ولا حدٍّ.
وخِلافًا للنَّصارَى الَّذينَ لا يُبيحونَ الطَّلاقَ، فتَكونَ الزَّوجَةُ غُلًّا في عُنُقِ زَوْجِها ، وإنْ لم تُوافِقْهُ، أو لم تُحَقَّقْ مَصالِحُ النِّكاحِ، ولِذا أَخَذَتْ به أوربَّا وأمْريكا لَمَّا رَأَوْا مَصَالِحَهُ، ومَنافِعَهُ. واللهُ حَكيمٌ عَليمٌ.
ولو قُدِّمَ هذا الدِّينُ وتَشْرِيعاتُهُ السَّمْحَةُ إلى النَّاسِ كما هِيَ بَعيدَةٌ عن أكاذِيبِ المُفْتَرِينَ، وخُرافاتِ المُتَنَطِّعينَ، لَأخَذَ بهِ كُلُّ مُنْصِفٍ، ولأصْبَحَ الدِّينُ هُوَ النِّظامَ العَامَّ، وتَحَقَّقَتْ رِسالَتُهُ العَامَّةُ.
(135) المَعْنى الإجْمالِيُّ:
طَلَّقَ عَبْدُاللهِ بنُ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما امْرَأتَهُ، وهِيَ حائِضٌ، فَذَكَرَ ذلكَ أبُوهُ للنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَتَغَيَّظَ غَضَبًا، حَيْثُ طَلَّقَها طَلَاقًا مُحَرَّمًا، لم يُوافِقِ السُّنَّةَ.
ثُمَّ أَمَرَهُ بِمُراجَعَتِها وإمْساكِها حتَّى تَطْهُرَ مِن تلكَ الحَيْضَةِ ، ثُمَّ تَحيضَ أُخْرى ، ثُمَّ تَطْهُرَ مِنْها.
وبَعْدَ ذلكَ - إنْ بَدا لهُ طَلاقُها ، ولم يَرَ في نَفْسِهِ رَغْبَةً في بَقائِها - فَلْيُطَلِّقْها قَبْلَ أنْ يَطَأَها.
فَتِلكَ العِدَّةُ التي أمَرَ اللهُ بالطَّلاقِ فيها لِمَن شاءَ.
ومعَ أنَّ الطَّلاقَ في الحَيْضِ مُحرَّمٌ ، لَيسَ على السُّنَّةِ، فقَدْ حُسِبَتْ عَلَيْهِ تِلكَ الطَّلْقَةُ مِن طَلَاقِها، فامْتَثَلَ رضي اللهُ عنه أَمْرَ نَبِيِّهِ فَراجَعَها.
ما يُؤخَذُ مِن الحَديثِ:
1- تَحْريمُ الطَّلاقِ في الحَيْضِ، وأنَّهُ مِن الطَّلاقِ البِدْعِيِّ الذي لَيسَ على أمْرِ الشَّارِعِ.
2- أَمْرُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابنَ عُمَرَ بِرَجْعَتِها، دَليلٌ على وقُوعِهِ.
ووِجْهَتُهُ أنَّ الرَّجْعَةَ لا تَكونُ إلَّا بَعْدَ طَلاقٍ، ويَأتي الخِلافُ في ذلكَ إنْ شاءَ اللهُ، والأمْرُ بِرَجْعَتِها يَقْتَضِي الوُجوبَ، وإليهِ ذَهَبَ أبو حَنِيفَةَ، وأَحْمَدُ، والأوْزاعِيُّ، وحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ على الاسْتِحْبابِ ، وذَهَبَ إليهِ الشافِعِيُّ، ورِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ، واحْتَجُّوا بأنَّ ابْتِداءَ النِّكاحِ لَيسَ بِواجِبٍ فَاسْتِدامَتُهُ كَذلكَ.
3- الأمْرُ بِإرْجاعِها إذا طَلَّقَها في الحَيْضِ، وإمْساكِها حتَّى تَطْهُرَ ، ثُمَّ تَحِيضَ ، فَتَطْهُرَ.
4- قولُهُ : [قَبْلَ أنْ يَمَسَّها]. دَليلٌ على أنَّهُ لا يَجوزُ الطلاقُ في طُهْرٍ جامَعَ فيهِ.
5- الحِكْمَةُ في إمْساكِها حتَّى تَطْهُرَ مِن الحَيْضَةِ الثانِيةِ، هُوَ أنَّ الزوْجَ رُبَّما واقَعَها في ذلكَ الطُّهْرِ، فيَحْصُلُ دَوامُ العِشْرَةِ، ولذا جاءَ في بَعْضِ طُرُقِ الحَديثِ : [فإذا طَهُرَتْ مَسَّها].
وقالَ ((ابنُ عَبْدِالبَرِّ)) : الرجْعَةُ لا تَكادُ تُعْلَمُ صِحَّتُها إلَّا بالوَطْءِ ؛ لِأنَّهُ المَقْصودُ في النِّكاحِ.
وأمَّا الحِكْمَةُ في المَنْعِ مِن طَلاقِ الحَائِضِ، فَخَشْيَةُ طُولِ العِدَّةِ.
وأمَّا الحِكْمَةُ في المَنْعِ مِن الطلاقِ في الطُّهْرِ المُجامَعِ فيهِ, فَخَشْيَةُ أنْ تَكونَ حامِلًا، فَيَنْدَمُ الزوْجانِ أو أَحَدُهُما,
ولو عَلِما بالحَمْلِ لَأَحْسَنا العِشْرَةَ، وحَصَلَ الاجْتِماعُ بَعْدَ الفُرْقَةِ والنَّفْرَةِ.
وكُلُّ هذا راجِعٌ إلى قولِهِ تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ). وللهِ في شَرْعِهِ حِكَمٌ وأسْرارٌ، ظاهِرَةٌ وخَفِيَّةٌ.
اخْتِلافُ العُلَماءِ:
ذَهَبَ جُمْهورُ العُلَماءِ ، ومِنْهُم الأئِمَّةُ الأرْبَعَةُ رضي اللهُ عنهم إلى وُقوعِ الطَّلاقِ في الحَيْضِ.
ودَليلُهُمْ على ذلكَ أمْرُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابنَ عُمَرَ بارْتِجاعِ زَوْجَتِهِ حِينَ طَلَّقَها حائِضًا.
ولا تَكونُ الرجْعَةُ إلَّا بَعْدَ طَلاقٍ سابِقٍ لها، ولِأنَّ في بَعْضِ ألْفاظِ الحَديثِ: [فَحُسِبَتْ مِن طلاقِها].
وذَهَبَ بَعْضُ العُلَماءِ ، ومِنْهُم شَيْخُ الإسْلامِ ((ابنُ تَيْمِيَّةَ)) وتِلْميذُهُ ((ابنُ القَيِّمِ )) إلى أنَّ الطلاقَ لا يَقَعُ ، فَهُوَ لاغٍ.
واسْتَدَلُّوا على ذلكَ بِما رَواهُ أبو دَاودَ، والنسَائِيُّ, [أنَّ عَبْدَاللهِ بنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأتَهُ, وهِيَ حائِضٌ، قالَ عَبْدُاللهِ: فَرَدَّها عليَّ ، ولم يَرَها شَيئًا. وهذا الحَديثُ في ((مُسْلِمٍ)) بِدونِ قولِهِ : [ولم يَرَها شَيْئًا].
وقَد اسْتَنْكَرَ العُلَماءُ هذا الحَديثَ؛ لِمُخالَفَتِهِ الأحادِيثَ كُلَّها.
وأَجابَ ((ابنُ القَيِّمِ)) عَنْ أَدِلَّةِ الجُمْهُورِ بِأنَّ الأمْرَ بِرَجْعَتِها، مَعْناهُ إمْساكُها على حالِها الأُولَى؛ لِأنَّ الطلاقَ لم يَقَعْ في وقْتِهِ المأْذُونِ فيهِ شَرْعًا فَهُوَ مُلْغًى، فَيَكونُ النِّكاحُ بِحالِهِ.
وأمَّا الاسْتِدلَالُ بِلَفْظِ : [فَحُسِبَتْ مِن طَلاقِها] . فَلَيْسَ فيهِ دَليلٌ؛ لِأنَّهُ غَيْرُ مَرْفوعٍ إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وأطالَ ((ابنُ القَيِّمِ)) النِّقاشَ في هذا المَوضوعِ في كِتابِ [تَهْذِيبِ السُّنَنِ] على عَادَتِهِ في الصَّوْلَاتِ والجَوْلَاتِ، ولكِنَّ الأرْجَحَ ما ذَهَبَ إليهِ جُمْهورُ العُلَماءِ. واللهُ أَعْلَمُ.

  #4  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 09:00 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

كتابُ الطَّلاقِ

318 – الحديثُ الأوَّلُ : عنْ عبدِ الله بنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهُمَا "أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهَي حَائِضٌ. فذَكَرَ ذلِكَ عُمَرُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ . فَتَغَيَّظَ مِنْهُ رسولُ الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ . ثمَّ قالَ : لِيُرَاجِعْها ، ثمَّ يُمْسِكْهَا حتى تَطْهُرَ ، ثمَّ تحِيضَ . فَتَطْهُرَ . فإِنْ بَدَا لَـهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا . فَتِلْكَ الْعِدَّةُ ، كما أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ".
وفي لفظٍ "حتى تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبَلَةً سِوىَ حَيْضتِهِا التي طَلَّقَهَا فِيَها".
وفي لفظٍ "فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاَقِهَا ، وَرَاجَعهَا عَبْدُ اللهِ كما أَمَرَهُ رسولُ اللهِ صلَّي اللهُ عَليهِ وسلَّمَ".
الطَّلاقُ في الحيضِ مُحَرَّمٌ للحديثِ . وذَكَرَ عُمَرُ ذلكَ للنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ لعلَّه ليُعَرِّفَه الحُكْمَ . وَ تَغْيَّظَ النَّبيُّ صلَّي اللهُ عَليهِ وسلَّمَ إمَّا لأنَّ المعنَى الَّذي يَقْتضِي المنْعَ كانَ ظاهِرًا ، وكانَ يقتضِي الحالُ التَّثَبُّتَ في الأَمْرِ ، أو لأنَّه كانَ يقتَضِي الأَمْرُ المُشَاوَرَةَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ في مِثْلِ ذلكَ إذا عَزَمَ عليْهِ.
وقولُـه عليه السَّلامُ :"لِيُراجِعْها". صيغةُ أَمْرٍ ، مَحْمُولَةٌ عندَ الشافعيِّ على الاستحَبابِ . وعندَ مالكٍ على الوُجوبِ . ويُجْبَرُ الزَّوجُ على الرَّجْعةِ إذا طلَّقَ في الحيضِ عندَه . واللَّفْظُ يَقْتَضِِي امْتِدَادَ المنْعِ للطَّلاقِ إِلى أنْ تطهُرَ مِن الحَيْضَةِ الثانِيةِ ؛ لأنَّ صيغةََ "حتَّى" لِلغايةِ . وقدْ عُلِّلَ توقُّفُ الأمْرِ إلى الطُّهْرِ من الحيْضةِ الثانيَّةِ بأنَّه لو طَلَّقَ في الطُّهْرِ من الحيْضَةِ الأُولَى ، لكانتِ الرَّجْعةُ لأجلِ الطَّلاقِ وليسَ ذلكَ مَوْضُوعَها . إنَّما هيَ مَوْضُوعَةٌ للاسْتِباحَةِ . فإذا أمْسَكَ عنِ الطَّلاقِ في هذا الطُّهْرِ استمرَّتِ الإباحَةُ فيه . وربَّما كان دَوَامُ مُدَّةِ الاستِبَاحةِ معَ المُعَاشَرَةِ سَبَبًا للوْطءِ . فيَمْتنعُ الطَّلاقُ في ذلكَ الطُّهْرِ ؛ لأجلِ الوْطءِ فيه وفي الحَيضِ الذِي يليهِ . فقدْ يكونُ سببًا لدَوَامِ العِشرَةِ.
ومِن النَّاسِ مَن علَّلَ امْتِنَاعَ الطَّلاقِ في الحيضِ بتطْوِيلِ العِدَّةِ؛ فإنَّ تِلكَ الحيْضةَ لا تُحْسَبُ مِن العِدَّةِ . فَيَطُولُ زمانُ التَّربُّصِ . ومنهمْ مَن لـمْ يُعلِّلْ بذَلكَ ، ورأَى الحُكْمَ مُعَلَّقًا بِوُجُودِ الحيْضِ وصورتِهِ . ويَنْبَنِي على هذا ما إذا قُلْنا : إنَّ الحامِلَ تَحيضُ ، فطلَّقَها في الحَيْضِ الواقعِ في الحَمْلِ . فَمَن علَّلَ بتَطويلِ العِدَّةِ لَـم يُحَرِّمْ ؛ لأنَّ العِدَّةَ ههُنا بوضْعِ الحَمْلِ . ومَن أدَارَ الحُكْمَ على صُورَةِ الحَيْضِ مَنَعَ.
وقد يُؤْخَذُ مِنَ الحديثِ ترْجيحُ المنْعِ في هذهِ الصُّورَةِ مِنْ جِهةِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ أَلْزَمَ الْمُرَاجَعَةَ مِن غيرِِ اسْتِفْصَالٍ ، ولا سُؤالٍ عن حالِ المرأةِ : هل هيَ حاملٌ ، أو حَائِلٌ ؟ وَتَرْكُ الاسْتِفْصَالِ في مِثلِ هذَا : يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ عُمُومِ المَقالِ عَنْدَ جمعٍ مِن أرْبَابِ الأُصُولِ ، إلا أنَّه قد يَضْعُفُ هَهُنَا هذَا المأْخَذُ ؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ تَرَكَ الاسْتِفْصَالَ لنُدْرَةِ الحيضِ في الحَمْلِ.
ويَنْبَنِي أيضًا على هذينِ المأْخَذَيْنِ : ما إذا سَأَلَتِ المرأةُ الطَّلاقَ في الحيضِ : هلْ يَحْرُمُ طلاقُها فيه ؟ فَمَنْ مالَ إلى التَّعلِيلِ بطُولِ المُدَّةِ ، لِمَا فِيه مِنَ الإضْرارِ بالمرْأةِ لم يقتضِ ذلكَ التَّحرِيمَ ؛ لأنَّها رَضِيَتْ بِذَلِكَ الضَّررِ . ومَنْ أَدَارَ الحُكْمَ على صُورَةِ الْحَيْضِ : منعَ . والعملُ بظاهرِ الحديثِ في ذَلِكَ أوْلَى . وقد يُقَالُ في هذَا ما قِيلَ في الأَوَّلِ مِن تَرْكِ الاسْتِفْصَالِ . وقد يُجَابُ عنه فيهِمَا بأنَّه مَبْنِيٌّ على الأصْلِ ، فإنَّ الأَصْلَ عَدَمُ سُؤَالِ الطَّلاقِ . وَعَدَمُ الحمْلِ.
وَيَتَعَلَّقُ بالحديثِِ مَسْأَلَةٌ أصولَيَّةٌ . وهيَ أنَّ الأَمْرَ بالأمرِ بالشَّيِء ، هل هو أَمْرٌ بذلكَ الشَّيءِ أم لاَ ؟ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ لِعُمرَ في بعضِ طُرُقِ هذَا الحديثِ "مُرْه . فَأَمَرَهُ بِأَمْرِهِ وعلى كلِّ حالٍ فلا ينبغيِ أن يُتَرَدَّدَ في اقْتِضَاءِ ذلكَ الطَّلبِ . وإنَّما يَنْبَغِيِ أن يُنْظَرَ في أنَّ لَوَازِمَ صِيغَةِ الْأَمْرِ : هَلْ هي لوازمُ لصيغةِ الأمرِ بالأمرِ ، بمعنَى أنَّهمَا : هل يَسْتَوِيَانِ في الدَّلالةِ على الطَّلبِ من وجهٍ واحدٍ ، أم لاَ ؟
وفي قولـِهِ "قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا" دليلٌ علَى امْتِنَاعِ الطَّلاقِ في الطُّهرِ الذي مَسَّهَا فيهِ ، فإنَّهُ شَرَطَ في الإذنِ عَدَمَ الْمَسِيسِ لـهَا. والمُعَلَّقُ بالشَّرطِ مَعْدُومٌ عندَ عدمِهِ . وهذا هُو السَّببُ الثَّاني لِكَونِ الطَّلاقِ بِدْعِيًّا . وهو الطَّلاقُ في طُهرٍ مَسَّها فيهِ . وهوَ مُعَلَّلٌ بِخَوْفِ النَّدمِ؛ فإنَّ المَسِيسَ سَبَبُ الْحَمْلِ وَحُدُوثِ الْوَلَدِ . وذلكَ سببٌ للنَّدَامَةِ والطَّلاقِ.
وقولُـه: "فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاَقِهَا" هوَ مذهبُ الجمهـورِ مِنَ الأُمَّةِ ، أعنيِ: وُقُوعَ الطَّلاقِ في الحيِض،ِ والاعتدادَ بهِ.

  #5  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 09:01 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيض منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله عز وجل))، في لفظ: ((حتى تحيض حيضة مستقبلة، سوى حيضتها التي طلقها فيها)) وفي لفظ: ((فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب وفي رواية ((طلقها ثلاثاً)) فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال: (والله ما لك علينا من شيء) فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: ((ليس لك عليه نفقة)) وفي لفظ: ((ولا سكنى)) وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: ((تلكِ امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده فإذا حللت فآذنيني)) قالت: (فلما حللت ذكرت أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد)) فكرهته، ثم قال: ((انكحي أسامة بن زيد فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به))
الشرح:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذان الحديثان في الطلاق، والطلاق: حَلُّ عقدة النكاح، والطلاق شرعه الله لحل عقدة النكاح، حتى لا تبقى المرأة غُلا في عنق الزوج.
وهناك للطلاق وأحكام خمسة, قد يباح وقد يستحب وقد يجب وقد يكره وقد يحرم, فيذكرون هذه الخمسة، فإذا دعت الحاجة إلى الطلاق لكونها ما ناسبته أبيح له الطلاق، فإذا كان إمساكها يضره شُرع له الطلاق،فإذا كانت هناك أسبابٌ تقتضي الطلاق كالإيلاء وعدم الفيئة وجب عليه الطلاق، ..... وإذا كانت في حيض أو نفاس أو طهر جامع فيه حرم الطلاق، حتى تكون في حال الحمل أو في طهر لم يجامع فيه، هذا هو وقت الطلاق الشرعي، ويكره الطلاق إذا كان من غير حاجة ولا أسباب . وفي هذا الحديث أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فغضب النبي صلى الله عليه وسلم عليه وتغيض وأنكر عليه، ذلك وأمره أن يراجعها ويمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن بدا له طلقها، وإن شاء أمسكها.
فهذا يبين لنا أنه لا يجوز الطلاق في حال الحيض وهكذا في النفاس وهكذا في طهر جامعها فيه, ليس له أن يطلق, والحكمة في ذلك والله أعلم أنها في حال الحيض النفاس في حالٍ لا يجوز له جماعها فقد يسهل عليه طلاقها فُمنع من ذلك حتى لا يطلقها من غير بأس, وكذلك في طهر جامع فيه قد قضى شهوته, فقد يسهل عليه طلاقها بعد ذلك فُمنع من ذلك حفاظاً على الزوجية ورأفة بالعباد، وقيل لأنها إذا طُلقت في الحيض أو النفاس أو في طهر جامع فيه طالت عليها العدة والحكمة الأولى أظهر وفي لفظ ((فحسبت عليه تطليقه)) ولم يحسبها النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو ابن عمر حسبها على نفسه, وظاهر الحديث أنها لا تحسب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليه وأمره أن يمسكها حتى تطهر, ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق بعد ذلك فدل ذلك على أن الطلقة الأولى لم تقع وإنما تقع الطلقة بعد ذلك إذا طلقها بعد الطهر قبل أن يمسها هذا هو ظاهر الحديث ولهذا في حديث ...... النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرها شيئاً وقال..... فهذا الحديث يفيد الدلالة أنه لا يجوز للرجل أن يطلق زوجته في كونها حائضاً أو نفساء ولا في حال كونها طاهرة طهراً قد جامعها فيه هذه الأحوال الثلاثة لا يجوز له أن يطلق فيها وإنما الطلاق الشرعي في حالين
أحداهما: في حال الحمل
والثاني: في حال الطهر الذي لم يجامعها فيه.

  #6  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 06:19 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

الشيخ: هذا كتاب الطلاق ، والطلاق هو تخلية عصمة المرأة أو شراكها بعد أن ربط بينهما وثاق النكاحِ ، فالنكاح هو رباط بين الزوجين ، والطلاق حل لذلك الرباط ، علم الله تعالى أن الزوجين قد تسوء العشرة بينهما ، فلا يتلاءم الزوج مع الزوجة ، وتسوء صحبتها له ، أو صحبته لها ، ويمل كل منهما من صاحبِه , فحينئذ جعل لهما مخرجاً وهو هذا الطلاق , أباح له أن يطلِّقها ، وجُعل لذلك شروط وجعل له صفات وأسباب , ومع ذلك مع كونه مباحا فإنه مكروه ، ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق)) فجعله حلالاً ، ومع ذلك ذكر أنه مكروه عند الله ؛ وما ذاك إلا أنه يسبب الفرقة بين الزوجينِ ، وقد يكون بينهما أولاد ، وقد يكون بينهما صحبة طويلة ، وقد يسبب الطلاق أيضا الندم , أن يندم بعدما يطلق ، ولكن بعدما يفوت الأوان .
فهذا ونحوه من أسباب الطلاق , ذكرَ العلماءُ أنه يكون مباحا , إذا احتاج مثلاً, احتاج إليه بأن ملَّ صحبة المرأة ولم تناسبه , ففي الحال هو مباح، ومع ذلك فالصبر أفضل , لو صبر وتحمل المشقة وعاشر زوجته بما أمر الله بقوله: {وعاشروهن بالمعروف} لكان أولى , ولكنْ إذا حصلت الأسباب التي تسيء الصحبة فإنه يكون حلالاً ومباحاً ، وأما إذا ضجرت منه الزوجة واشتد ضررها ، واحتاجت إلى أن تفتدي نفسها ، وتبذل شيئاً من مالها حتى تفارقه وتتخلص من شره وغرره- ففي هذه الحال يكون مستحبًّا ؛ لما فيه من إزالة الضرر وتفريج الكربة . نكمل بعد الأذان .
مر بنا هذا الحديث , حديث ابن عمر أنه طلَّق امرأته وهي حائض , فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((مره فليراجعها حتى تطهر ، ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك ، وإن شاء طلق قبل أن يمس , فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء)) , يعني قول الله تعالى : {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} وفسرها بعضهم بقوله: في قُبُل عدتهن أي في أول العدة أن تطلق في مستقبل العدة ؛ وذلك لأنه إذا طلقها وهي حائض فإن تلك الحيضة لا تحسب من العدة , فيكون سببا في تطويل العدة , بخلاف ما إذا طلقها وهي طاهر قبل أن يمس , فإن ذلك الطهر يكون أول عدتها ،أو تكون الحيضة التي بعده هي أول عدتها .
وقال له في هذا الحديث: ((فليطلقها قبل أن يمسها)) فأفاد بأنه إذا جامعها في ذلك الطهر لا يجوز له أن يطلقها ، وإذا حاضَتْ لا يجوز أن يطلقها في ذلك الحيض , فعرف بذلك أن الطلاق في الحيض بدعة ، وأن الطلاق في طُهر , قد وطِئَها فيه بدعة ، وأن من أراد أن يطلقها فليطلقها وهي طاهر , يعني ليس عليها حيض ولم يمسها في ذلك الطهر ، هكذا ذكروا .
ولعل ذلك لتقليل الطلاق , فإنه مثلا إذا عزم على الطلاق وملَّ من صحبة زوجته قيل له: لا تطلقها حتى .. لا تطلقها مثلا وهي حائض ؛ فإن نفسك تكون كارهة لها في تلك الحال ، وهي حالة الحيض , انتظر حتى تطهر ، فإذا صبر وانتظر إلى أن تطهر فيمكن أن نفسه تندفع إليها فيطؤها ؛ لأنه قد صبر وهي حائض ستة أو سبعة أيام وهو ينظر إليها , فيقول: سوف أجامعها في هذا الطهر , فإذا جامعها قيل له: لا تطلق , مادمت قد وطئتها في هذا الطهر فلا تطلق وهي في طهر قد وطئتها فيه , انتظر , فإذا انتظر إلى أن يأتي الحيض الثاني قيل له: لا تطلقها وهي حائض , فإذا طهرت من الحيضة الثانية وعزم على الطلاق فقد لا يصبر , يندفع إليها ويطؤها , فإذا وطئها عرف مثلا أنه لا يحل أيضاً أن يطلقها في ذلك الطهر الذي قد وطأها فيه ، فأمسكها , وهكذا .
فبعد ذلك إما أن تتحسن الحال والعلاقة بينهما ، وإما أن يخف الذي وجد في نفسه , فبعد ذلك يعزم على إمساكها ويترك طلاقها , هذا هو السبب في منعه من طلاقها في حيض وفي طهر قد وطأها فيه . إذن متى يطلق ؟ لا يطلق إلا وهي في طهر لم يمسها فيه ، أو بعدما يتبين حملها , إذا حملت وتبين حملها جاز له أن يطلق ، أو إذا بلغت سن الإياس: انقطع عنها الحيض جاز له والحال هذه أن يطلقها في أية حال .
فأما طلاقها في طهر وطأها فيه وهي غير آيسة أو في حيض فإنه طلاق بدعة , ثم هل يقع طلاق البدعة ، أو لا يقع؟ ابن عمر طلقها وهي حائض , وذلك الطلاق بدعة , أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يردَّها , قال: ((مُرْه فليراجعها)) كلمة يراجع دليل على أنها طلقة ؛ لأن الرجعة لا تكون إلا لمطلقة , فأفاد بأن تلك الطلقة حسبت .
سمعنا أيضا قوله في هذا الحديث: ((وحسبت عليه تطليقة)) ، أي: حسبت تلك الطلقة التي في الحيض ، وعدت عليه من طلقاتها ؛ وذلك لأن الرجل الزوج يملك ثلاث طلقات ، إذا طلق المرة الأولى ملك الرجعة ما دامت في العدة ، وإذا انتهت العدة قدر على نكاحها بعقد جديد إذا تراضوا بينهم , إذا طلقها المرة الثانية سميت أيضا رجعية , يقدر على أن يستردها في العدة ، ولو بدون رضاها وبدون عقد , فإذا انتهت العدة من الطلقة الثانية فهي بائن بينونة صغرى , يخطبها , وإذا تراضوا بينهم جدد العقد ورجعت إليه , فإذا طلقها الطلقة الثالثة بانت منه بينونة كبرى , بحيث لا يستطيع أن يردها ولا يقدر على ردها ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة ، لا نكاح تحليل .
فهذا هو الطلاق الشرعي . إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فلا يستعجل , لا يستعجل ؛ مخافة أن يندم , كما حكي عن الفرزدق أنه لما طلق امرأته ندم ندامة شديدة وقال في شعره:
ندمت ندامة الكسعيِّ لَمَّا =غدت عني مطلقة النوارُ
زوجة له اسمها نوار , ندم عليها ندامة شديدة ، كندامة الكسعي , فهذا إذا تسرع في الطلاق فقد يندم , فعليه أن يتريث وأن يصبر .
ثانيا: إذا عزم على الطلاق فإن عليه أن يطلقها وهي طاهر , في طهر لم يطأها فيه , لا يطلق في حيض ، ولا يطلق في طهر قد جامعها فيه إلا أن تكون حاملا .
ثالثا: عليه أن يطلق واحدة ، ولا يزيد ؛ فالزيادة على الواحدة طلقتين أو ثلاث طلقات هذا بدعة , وإن كان يقع عند بعضهم ، بل يقتصر على طلقة واحدة .
رابعا: إذا طلقها فليتركها في بيته , تبقى في بيتها ؛ لأنها في حكم الزوجة , ما دامت في عدته ومحبوسة عليه فإنها كزوجة له , يجوز أن تتكشف أمامه ، ويجوز لها أن تتجمل ، وأن تتطيب ، وأن تتعرض له , فإذا غلبته نفسه واندفع إليها ووطئها فلا تمتنع منه , ويكون وطؤه لها كرجعة , يعني يعتبر راجعها , فلأجل ذلك قال الله تعالى: {واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن} يعني المطلقات , {ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} .
لا تخرج المطلقة إلا إذا كانت بذيئة اللسان ، إذا كانت مثلا شريرة فيها شيء من العتو ومن النفرة ، ومن الشر والقسوة ,القساوة الشديدة , فهذا هو الفاحشة ، الفحش هو الفحش في القول {يأتين بفاحشة مبينة} فيجوز له والحال هذه أن يخرجها .
وأما ما دام كذلك فإنه يتركها في بيتها ، ويجوز أن يدخل ذلك البيت وما دامت في العدة فلها حق أن ينفق عليها، ولها حق أن يبيت عندها , وإن بات وحفظ نفسه ولم يطأها حتى انتهت عدتها فإنها تحل بعد ذلك لغيره .إذا انتهت عدتها وهو لم يراجع ولم يجامع , حلت لغيره , وحلت له إن أراد إذا كان الطلاق رجعيا كما قلنا , فالنبي صلى الله عليه وسلم أنكر على ابن عمر أن طلقها وهي حائض , وجعل ذلك طلاق بدعة , وقال: ((مره فليراجعها)) فأفاد بأن من طلق حائضاً يقال له: راجعْ , ما معنى راجع ؟ يشهد , يقول الله: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} اشهد يا فلان وفلان أني قد راجعت امرأتي, إلى متى هذه الرجعة ؟ إذا راجعها أمسكها , فإذا طهرت من تلك الحيضة التي طلقت فيها ، فالرجعة لها آثار , لا بد أن يجامعها في ذلك الطهر الذي يلي تلك الحيضة حتى يصدق عليه أنه راجعها ؛ لأنه قال: ((مره فليراجعها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر)) فطلاقها في الطهر الذي راجعها فيه ..في الحيض قبله يعتبر أيضا بدعة ، يقال: إذا راجعتها وهي حائض ...
الوجـه الثانـي

...فلا تطلقها في الطهر الذي بعده ، ولو لم تمسها بل لا تتم الرجعة إلا بأن يمسها ، يمسها يجامعها في هذا الطهر , ثم يتركها , فإن تبين حملها طلقها بعد الحمل , وإن لم يتبين حملها بل حاضت الحيضة الثانية ، فإذا طهرت من الحيضة الثانية طلقها وهي طاهر , فعرفنا بذلك أنه لا يجوز الطلاق في الحيضِ ، ولكن إذا طلق فإنها تحسب عليه طلقة ، تحسب من الثلاث طلقات التي يملكها ، وإذا طلَّقها وهي حائض فإنه يؤمر أن يستردها , وإذا استردها يؤمر بأن يجامعها في الطهر الذي يلي تلك الحيضة ، وإذا جامعها وحاضت حيضة بعدها يؤمر إذا كان راغبا في طلاقها أن يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة الثانية قبل أن يجامعها , فحينئذ يكون قد طلقها لعدتها .
والعدة للحائض التي تحيض ثلاثة قروء , قال تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} أي ثلاث حيض , فإذا طهرت من الحيضة الثالثة فإنها تحتجب عنه وتحل لغيره إذا خطبت , وإن خطبها بعد ذلك وتراضيا حلَّت له ، ونكحها على ما بقي له من الطلقات ، فهذا هو طلاق السنة .
عرفنا أن الطلاق أكثر من مرة يعتبر طلاق بدعة ، السنة أن يطلِّق واحدة , إن طلق اثنتين قيل: هذا طلاق بدعة ، إن طلق ثلاثا قيل: هذا طلاق بدعة ، الطلاق في الحيض بدعة ،والطلاق في طهر وطئ فيه بدعة ، والجمهور على أنه يقع الطلاق البدعي ويحسب عليه عقوبة له ، وقد ثبَتَ أن رجلا جاء إلى ابن عباس رضي الله عنه فقال: إني طلقت امرأتي مائة طلقة فقال: بانت منك بثلاث طلقات , وسبع وتسعون وبالٌ عليك اتخذت بها آيات الله هُزُواً ، فأبانها بينونة كبرى بثلاث وجعل البقية وبالا عليه ، فهذا دليل على أنها تعد عليه ، ولو جمعها .
وبكل حال فالطلاق كما عرفنا تخلية نكاح المرأة وفراقها ، وقد ذكرنا أنها تتعلق به الأحكام الخمسة , فيكون مباحا إذا احتاج إلى الطلاق وضجر من الحياة ، ويكون مندوبا إذا كانت المرأة متضررة من سوء الصحبة بحاجة إلى أن تفتدي فيستحب أن يطلقها ، ولا يحوجها إلى فدية ، ويكون حراما إذا كان طلاقاً في حيضٍ أو طهر وطئ فيه ، ونحو ذلك , يعتبر حراما ؛ لأنه طلاق بدعة ، ويكون واجبا إذا آل من زوجته ألا يطأها لمدة أكثر من أربعة أشهر ، فإنه بعد الأربعة الأشهر يجب عليه أن يرجع عن يمينه أو يطلق , يجب عليه أحد الأمرين , هذا ويكون واجبا للإيلاء ، وحراما للبدعة ، ومكروهاً لغير الحاجة , إذا احسنت الصحبة بين الزوجين واستقامت الحال فإنه يكره أن يطلقها ؛ لأن أبغض الحلال إلى الله الطلاق ، ولأنه قد يندم بعدما يقع الطلاق ، وقد يصعب بعد ذلك تلافيه .
وقد وردت الأدلة على الأمرِ بالتغاضي , التغاضي من الزوج عما يرى من زوجته , يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن المرأة خُلقت من ضلع , وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ,وإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عِوَجٌ , وكسرها طلاقها)) أمره بأن يصبر على ما يرى فيها من عوج ، ومن نقص ومن عيب , ويتحمَّل ذلك ، ويصبر على ما يسمع أو على ما يرى ؛ وذلك لما يتأثر ، أو يتسبب على الطلاق من الفرقة وشتات الأولاد ، وندم الزوج أو الزوجة على ما وقع منهما أو من أحدهما .
كذلك أيضا المرأة مأمورة بأن تتحمل , وذلك فيما إذا كانت الصحبة السيئة من الزوج ، إذا كان سيء العشرة ، إذا كان سيء الصحبة , شرسا حقودا غضوبا شديدا , شرس الأخلاقِ ، ضيق العطنِ, بذيء الكلام , سبابا شتاما ضرابا شديد الأذى على زوجته فإنها تتحمَّل ، وتصبر وتصابر إلى أن تستقيم حاله وتصبر ،وأما إذا كانت حالته مستقيمة وليس عليها ضرر فليس لها حق أن تطلب الطلاق ؛ وذلك لقولِه صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنَّة)) , والبأس هو الضرر , فإذا كان الزوج قد أوفى عليها متطلباتها ، وأرغد عليها نفقتها وكسوتها ، وقام بحقها ولم تجد منه ضرراً ، ولم تجد منه نقصا ولا قصورا في شيء من أمور الحياة , فلا يجوز لها أن تطلب الفراق ، حتى ولو تزوَّج غيرها اثنتين أو ثلاثاً , ليس لها أن تطلب ما دام لا ضرر عليها ولا مشقة , هذا متى تحمل كل من الزوجين ما يجده من الآخر وصبر على ذلِكَ استقامت الحال وحسنت الصحبة .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطلاق, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir