دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السادس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 جمادى الآخرة 1441هـ/19-02-2020م, 02:00 PM
ندى توفيق ندى توفيق غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 237
افتراضي

قال تعالى : {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) } ]سورة الكوثر[

سورة الكوثر تسمى أيضاً سورة النحر، و آيها ثلاث، وهي و سورة النصر؛ أقصر سورتين في القرآن، وعلى وجازتها فهي تزخر بالمعاني البلاغية، و الصور البيانية،التي تحرك القلوب، وتبهج النفوس، و تبصِّر العقول، بنور الهداية، و صدق الرسالة، و عظمة الخالق سبحانه و حكمته البالغة
و قد ابتُدئت السورة بلفظ التوكيد "إن"، للدلاللة على تحقق الخبر، و للتنبيه على ما يليه، متصلاً بنون العظمة، إشعاراً بعظمة الخالق، و هيمنته على خلقه، و أنهم مربوبون في تدبيره المطلق ، لا يُسأل عما يفعل في ملكه، و لا يُغالب في قدرته و حكمه، كما في قوله تعالى : ﴿إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ [القدر: ١]
" أعطيناك" من العطاء و الإيتاء، ولكن العطاء فيه دلالة التمليك دون الإيتاء، كما أن العطية قد تكون صغيرة أو كبيرة، بخلاف الإيتاء فهو واسع ، قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر : 87]
ففي معنى العطية تعظيم لقدر الرسول الكريم ﷺ ، و أنها على رفعتها و كونها من الملك الوهاب؛ دل عليه اتصالها بنون العظمة، هي جزء من أُعطياته الوافرة الواسعة، قال تعالى : {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ} [الضحى : 5]
و قد صيغ فعل العطاء بصيغة الماضي، للدلالة على تيقن الوقوع، و أنه سبحانه لا يحده زمان و لا مكان، فكل الأزمان الماضية و الحاضرة و المستقبلة عنده سيان، كتب مقادير الخلائق قبل خلقها، ووعده واقع، و قوله الحق، لا راد لقضائه، و لا معقب لحكمه.
قال رسول الله ﷺ :" كَتَبَ اللَّهُ مَقادِيرَ الخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَواتِ والأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ على الماءِ. " ( رواه مسلم)

وكذلك وردت آيات الحساب في الآخرة بصيغة الماضي، قال تعالى : {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ(92) مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (97)} [الشعراء : 90-97]

" الكوثر" هو نهر فى الجنة، عليه خير كثير، و هو قول الجمهور، للنص على ذلك، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه :
بيْنَا رَسولُ اللهِ ﷺذَاتَ يَومٍ بيْنَ أظْهُرِنَا إذْ أغْفَى إغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: ما أضْحَكَكَ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ (2) إنَّ شَانِئَكَ هو الأَبْتَرُ} [الكوثر: 1 - 3]، ثُمَّ قالَ: أتَدْرُونَ ما الكَوْثَرُ؟ فَقُلْنَا اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّه نَهْرٌ وعَدَنِيهِ رَبِّي عزَّ وجلَّ، عليه خَيْرٌ كَثِيرٌ، هو حَوْضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يَومَ القِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فيُخْتَلَجُ العَبْدُ منهمْ، فأقُولُ: رَبِّ، إنَّه مِن أُمَّتي فيَقولُ: ما تَدْرِي ما أحْدَثَتْ بَعْدَكَ.
و مما ذكره السيوطي في تفسيره، عن حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ قوله :
(وَحَبَاهُ الإِلَهُ بِالْكَوْثَرِ الأَكْ.......بَــرِ فِيهِ النَّعِيمُ وَالْخَيْرَاتُ).

و الكوثرلغةً: الْكَثِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَرَجُلٌ كَوْثَرٌ: كَثِيرُ الْعَطَاءِ وَالْخَيْرِ، وَهُوَ فَوْعَل مِنَ الْكَثْرَةِ وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ ، انتهى بتصرف من (لسان العرب لابن منظور)

و قد أخذ ابن عباس و سعيد بن جبير، بهذا المعنى اللغوي، على اعتبار عموم اللفظ ، لكل خير دنيوي و أخروي، و من ضمنه نهر الجنة الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، و الأقوال المتنوعة الأخرى

و لا ريب أن الله تعالى قد أفاض على نبيه الكريم ﷺ من الخيرات العاجلة و الآجلة، الظاهرة و الباطنة ما لا يُعد و لا يحصى، و ما يغني عما فات من الدنيا، و بيان ذلك في اختيار و صف المبالغة " الكوثر"، معرّفاً بال التعريف الدالة على الإستغراق لكافة النعم، مع كمالها، إضافة إلى حذف الموصوف ، ليشمل و يعم

قال تعالى : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (2) وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)} [الفتح : 1-3]

و قال تعالى : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح : 1-4]

و أما الفاء في لفظ " فصلّ" فهي لترتب الشكر على النعمة، و أفضل الشكر الصلاة؛ فرضها و نفلها، و الذبح ، لله تعالى وحده ، دل عليه الالتفات من ضمير المتكلم، ولام التخصيص في " لربك"
قال تعالى : {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام : 162]
و في اختيار لفظ الربوبية إشارة إلى العناية الإلهية بالنبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، و توليه بالتدبير و النصرة،و إغنائه عن الالتفات اللناس، و فيه تعريض بالمشركين الذين كانوا يصلون و ينحرون لغير الله تعالى

"و انحر" الواو للعطف، أي فصل لربك ، و انحر لربك

وجميع الأقوال الواردة في معنى الصلاة و النحر، هي من باب التمثيل و التنويع، كذكر صلاة العيد و نحر الأضحية في الحج و بغير الحج، أو الأمر بالصلاة ثم النحر يوم الحديبية ، أو في وضعية الصلاة

و القول الأولى الذي قرره ابن جرير، هو عموم الصلاة و النحر شكراً لله تعالى على ما أنعم به، أخذاً بمطلق اللفظ و عمومه

و يساعد على ذلك حذف متعلق كل من الصلاة و النحر ، وانعدام القرينة المخصصة لكل منهما

و كذلك قوله في الآية التالية ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾، أخذاً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، حيث قال : " وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن مُبغض رسول الله ﷺ هو الأقلّ الأذلّ، المنقطع عقبه، فذلك صفة كل من أبغضه من الناس، وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه"، انتهى كلامه

فقد تعددت الأقوال فيمن نزلت فيه الآية، فقيل العاص بن وائل، و قيل عقبة بن أبي معيط، و قيل جماعة من قريش

و بملاحظة الأسلوب البياني في القرآن الكريم، يتبين لنا مقابلة الكوثر بالأبتر، وتأكيد اختصاص الرسول الكربم بالخير العميم في مقابل انقطاعه التام الكامل عن عدوه و مبغضه

حيث " إنّ " حرف توكيد، للدلالة على أهمية الخبر

" شَانِئَكَ" : شنأ: الشَّنَاءَةُ مِثْلُ الشَّناعةِ: البُغْضُ،الشَّانِئُ: المُبْغِضُ ( لسان العرب لابن منظور)

"هو" ضمير منفصل ، يفيد الاختصاص و التأكيد

" الأبتر" : بتر: البَتْرُ: اسْتِئْصالُ الشَّيْءِ قَطْعًا، بَتَرْتُ الشيءَ بَتْراً: قَطَعَتْهُ قَبْلَ الإِتمام. والانْبتارُ: الانْقِطاعُ ، والأَبْتَرُ: المقطوعُ الذَّنَب مِنْ أَيّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ جَمِيعِ الدَّوَابِّ؛وَكُلُّ أَمر انْقَطَعَ مِنَ الْخَيْرِ أَثَرُه، فَهُوَ أَبْتَرُ، والأَبْتَرُ: الَّذِي لَا عَقِبَ لَهُ، والأَبْتَرُ: المُعْدِمُ. والأَبْتَرُ: الخاسرُ. والأَبْتَرُ: الَّذِي لَا عُرْوَةَ لَهُ مِنَ المَزادِ والدِّلاء. انتهى ( من لسان العرب لابن منظور)

و قد جاء اللفظ على وزن أفعل التفضيل، للمبالغة في الانقطاع عن كل خير ، و معرفاً بال التعريف للتعيين و التخصيص، كما ذكر ذلك ابن تيمية في تفسيره

فالخير كل الخير في اتباع هدي المصطفى ﷺ، و كلما زاد تمت الخيرات و الهبات من رب السماوات، فمستكثر و مستقل
فاللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، و حسن الاتباع لسنة المصطفى ، حتى نلقاه على الحوض في جنة عرضها السماوات والأرض

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 رجب 1441هـ/22-03-2020م, 10:28 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى توفيق مشاهدة المشاركة
قال تعالى : {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) } ]سورة الكوثر[

سورة الكوثر تسمى أيضاً سورة النحر، و آيها ثلاث، وهي و سورة النصر؛ أقصر سورتين في القرآن، وعلى وجازتها فهي تزخر بالمعاني البلاغية، و الصور البيانية،التي تحرك القلوب، وتبهج النفوس، و تبصِّر العقول، بنور الهداية، و صدق الرسالة، و عظمة الخالق سبحانه و حكمته البالغة
و قد ابتُدئت السورة بلفظ التوكيد "إن"، للدلاللة على تحقق الخبر، و للتنبيه على ما يليه، متصلاً بنون العظمة، إشعاراً بعظمة الخالق، و هيمنته على خلقه، و أنهم مربوبون في تدبيره المطلق ، لا يُسأل عما يفعل في ملكه، و لا يُغالب في قدرته و حكمه، كما في قوله تعالى : ﴿إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ [القدر: ١]
" أعطيناك" من العطاء و الإيتاء، ولكن العطاء فيه دلالة التمليك دون الإيتاء، كما أن العطية قد تكون صغيرة أو كبيرة، بخلاف الإيتاء فهو واسع ، قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر : 87]
ففي معنى العطية تعظيم لقدر الرسول الكريم ﷺ ، و أنها على رفعتها و كونها من الملك الوهاب؛ دل عليه اتصالها بنون العظمة، هي جزء من أُعطياته الوافرة الواسعة، قال تعالى : {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ} [الضحى : 5]
و قد صيغ فعل العطاء بصيغة الماضي، للدلالة على تيقن الوقوع، و أنه سبحانه لا يحده زمان و لا مكان، فكل الأزمان الماضية و الحاضرة و المستقبلة عنده سيان، كتب مقادير الخلائق قبل خلقها، ووعده واقع، و قوله الحق، لا راد لقضائه، و لا معقب لحكمه.
قال رسول الله ﷺ :" كَتَبَ اللَّهُ مَقادِيرَ الخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَواتِ والأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ على الماءِ. " ( رواه مسلم)

وكذلك وردت آيات الحساب في الآخرة بصيغة الماضي، قال تعالى : {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ(92) مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (97)} [الشعراء : 90-97]

" الكوثر" هو نهر فى الجنة، عليه خير كثير، و هو قول الجمهور، للنص على ذلك، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه :
بيْنَا رَسولُ اللهِ ﷺذَاتَ يَومٍ بيْنَ أظْهُرِنَا إذْ أغْفَى إغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: ما أضْحَكَكَ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ (2) إنَّ شَانِئَكَ هو الأَبْتَرُ} [الكوثر: 1 - 3]، ثُمَّ قالَ: أتَدْرُونَ ما الكَوْثَرُ؟ فَقُلْنَا اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّه نَهْرٌ وعَدَنِيهِ رَبِّي عزَّ وجلَّ، عليه خَيْرٌ كَثِيرٌ، هو حَوْضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يَومَ القِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فيُخْتَلَجُ العَبْدُ منهمْ، فأقُولُ: رَبِّ، إنَّه مِن أُمَّتي فيَقولُ: ما تَدْرِي ما أحْدَثَتْ بَعْدَكَ.
و مما ذكره السيوطي في تفسيره، عن حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ قوله :
(وَحَبَاهُ الإِلَهُ بِالْكَوْثَرِ الأَكْ.......بَــرِ فِيهِ النَّعِيمُ وَالْخَيْرَاتُ).

و الكوثرلغةً: الْكَثِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَرَجُلٌ كَوْثَرٌ: كَثِيرُ الْعَطَاءِ وَالْخَيْرِ، وَهُوَ فَوْعَل مِنَ الْكَثْرَةِ وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ ، انتهى بتصرف من (لسان العرب لابن منظور)

و قد أخذ ابن عباس و سعيد بن جبير، بهذا المعنى اللغوي، على اعتبار عموم اللفظ ، لكل خير دنيوي و أخروي، و من ضمنه نهر الجنة الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، و الأقوال المتنوعة الأخرى

و لا ريب أن الله تعالى قد أفاض على نبيه الكريم ﷺ من الخيرات العاجلة و الآجلة، الظاهرة و الباطنة ما لا يُعد و لا يحصى، و ما يغني عما فات من الدنيا، و بيان ذلك في اختيار و صف المبالغة " الكوثر"، معرّفاً بال التعريف الدالة على الإستغراق لكافة النعم، مع كمالها، إضافة إلى حذف الموصوف ، ليشمل و يعم

قال تعالى : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (2) وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)} [الفتح : 1-3]

و قال تعالى : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح : 1-4]

و أما الفاء في لفظ " فصلّ" فهي لترتب الشكر على النعمة، و أفضل الشكر الصلاة؛ فرضها و نفلها، و الذبح ، لله تعالى وحده ، دل عليه الالتفات من ضمير المتكلم، ولام التخصيص في " لربك"
قال تعالى : {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام : 162]
و في اختيار لفظ الربوبية إشارة إلى العناية الإلهية بالنبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، و توليه بالتدبير و النصرة،و إغنائه عن الالتفات اللناس، و فيه تعريض بالمشركين الذين كانوا يصلون و ينحرون لغير الله تعالى

"و انحر" الواو للعطف، أي فصل لربك ، و انحر لربك

وجميع الأقوال الواردة في معنى الصلاة و النحر، هي من باب التمثيل و التنويع، كذكر صلاة العيد و نحر الأضحية في الحج و بغير الحج، أو الأمر بالصلاة ثم النحر يوم الحديبية ، أو في وضعية الصلاة

و القول الأولى الذي قرره ابن جرير، هو عموم الصلاة و النحر شكراً لله تعالى على ما أنعم به، أخذاً بمطلق اللفظ و عمومه

و يساعد على ذلك حذف متعلق كل من الصلاة و النحر ، وانعدام القرينة المخصصة لكل منهما

و كذلك قوله في الآية التالية ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾، أخذاً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، حيث قال : " وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن مُبغض رسول الله ﷺ هو الأقلّ الأذلّ، المنقطع عقبه، فذلك صفة كل من أبغضه من الناس، وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه"، انتهى كلامه

فقد تعددت الأقوال فيمن نزلت فيه الآية، فقيل العاص بن وائل، و قيل عقبة بن أبي معيط، و قيل جماعة من قريش

و بملاحظة الأسلوب البياني في القرآن الكريم، يتبين لنا مقابلة الكوثر بالأبتر، وتأكيد اختصاص الرسول الكربم بالخير العميم في مقابل انقطاعه التام الكامل عن عدوه و مبغضه

حيث " إنّ " حرف توكيد، للدلالة على أهمية الخبر

" شَانِئَكَ" : شنأ: الشَّنَاءَةُ مِثْلُ الشَّناعةِ: البُغْضُ،الشَّانِئُ: المُبْغِضُ ( لسان العرب لابن منظور)

"هو" ضمير منفصل ، يفيد الاختصاص و التأكيد

" الأبتر" : بتر: البَتْرُ: اسْتِئْصالُ الشَّيْءِ قَطْعًا، بَتَرْتُ الشيءَ بَتْراً: قَطَعَتْهُ قَبْلَ الإِتمام. والانْبتارُ: الانْقِطاعُ ، والأَبْتَرُ: المقطوعُ الذَّنَب مِنْ أَيّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ جَمِيعِ الدَّوَابِّ؛وَكُلُّ أَمر انْقَطَعَ مِنَ الْخَيْرِ أَثَرُه، فَهُوَ أَبْتَرُ، والأَبْتَرُ: الَّذِي لَا عَقِبَ لَهُ، والأَبْتَرُ: المُعْدِمُ. والأَبْتَرُ: الخاسرُ. والأَبْتَرُ: الَّذِي لَا عُرْوَةَ لَهُ مِنَ المَزادِ والدِّلاء. انتهى ( من لسان العرب لابن منظور)

و قد جاء اللفظ على وزن أفعل التفضيل، للمبالغة في الانقطاع عن كل خير ، و معرفاً بال التعريف للتعيين و التخصيص، كما ذكر ذلك ابن تيمية في تفسيره

فالخير كل الخير في اتباع هدي المصطفى ﷺ، و كلما زاد تمت الخيرات و الهبات من رب السماوات، فمستكثر و مستقل
فاللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، و حسن الاتباع لسنة المصطفى ، حتى نلقاه على الحوض في جنة عرضها السماوات والأرض
أحسنتِ جدا بارك الله فيكِ وزادكِ علما.
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir