المجموعة الخامسة:
س1: بيّن وجوب الإيمان بالقرآن
س2: اعرض بإيجاز أقوال الفرق المخالفة لأهل السنة في القرآن.
س3: بيّن ما استفدّته من خبر محنة الإمام أحمد.
س4: بيّن سبب نشأة فتنة اللفظية.
س5: لخّص بيان الإمام أحمد والبخاري للحق في مسألة اللفظ.
إجابة السؤال الأول:
بيان وجوب الإيمان بالقرآن:
يتجلى وجوب الإيمان بالقرآن من خلال النظر في أدلة الشرع الحنيف عند من آمن به وصدَّقَ بكونه شرعًا مُنزَّلًا من عند الله تعالى، وصدَّق بالرُّسل، والتزمَ ما أرسلهم الله تعالى به، وذلك من جهات ثلاث:
أولا: حكم الإيمان بالقرآن الكريم:
وهو واجبٌ قطعًا؛ فقد دلَّت عليه نصوص الشرع قطعيةُ الثبوت قطعيةُ الَّدلالة من القرآن و السنة.
فمن القرآن ما يلي:
1- قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ"، فالكتب الذي نزل على رسوله هو القرآن الكريم.
2- قوله تعالى: "فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا"، و النور: هو القرآن كما فسره ابن جرير و غيره.
3- قوله تعالى: "وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ"، وما أنزل الله من كتاب يدخل فيه القرآن دخولًا أوليًّا.
4- قوله سبحانه: "قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"، ويدخل القرآن أيضا فيما أوتي النبيون من ربهم دخولًا أوليًا.
5- قوله سبحانه: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله"، فالإيمانُ بالكتب المنزلة و أفضلها القرآن العظيم= أصلٌ من أصول الإيمان ينتقض الإيمان بدونه.
ومن السنة:
ما ورد في حديث جبريل الطويل أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم عدَّ الإيمان بالكتب المنزلة و أفضلها القرآن العظيم= أصلا من أصول الإيمان لا يتحقق بدونه.
ثانيًا: ثمرة الإيمان بالقرآن الكريم:
أن الإيمان بالقرآن تحصل به الهداية وتتحقق به؛ لأنه إيمان مبني على اعتقاد وقول وعمل يعنى بالجانب الاعتقادي والجانب السلوكي، و الدليل قوله تعالى: "َإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا".
ثالثًا: حكم من لم يؤمن بالقرآن الكريم أو شكَّ فيه، وعاقبته:
كافرٌ مُبطِلٌ ظالمٌ فاسقٌ، عاقبته أنه مُتَوَعَّدٌ بالعذاب الشديد الذي يخلد فيه مهانًا مالم يتب و يؤمن، و الأدلة على ذلك كثيرة، منها:
1- قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ"، وجه الدَّلالة أن الجاحد المنكر للقرآن كافرٌ.
2- قوله سبحانه: " وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ "، وجه الدَّلالة أن الذي يرتاب في القرآن مُبطلٌ.
3- قوله عز وجلَّ: "بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ".
4- قوله تعالى: " وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ".
5- قوله سبحانه: " وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ"، وجه الدَّلالة أن الذين يكفرون بآيات الله تعالى التي منها القرآن العظيم= كفار مستحقون للعذاب المهين.
6- أن الله توعد اليهود والنصارى باللعن و الغضب جزاء عدم إيمانهم بالقرآن بعد معرفتهم بما أنزل الله من قبل؛ فقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا"، وكذلك قوله تعالى: "بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ".
7- قوله تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ "، فسمى الممتنعين عن الإيمان بالقرآن كفارا، وأخبر عن عاقبتهم وهي الوقوف بين يدي الله تعالى متلاوِمين صاغرين، و من ذلك قوله تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ؛ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ، ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ"، فسماهم الله عز وجل كافرين وتوعدهم بالوعيد الشديد وعدَّهم أعداء له.
8- قوله تعالى: "بل هم في شكّ من ذكري بل لمّا يذوقوا عذاب"، وجه الدَّلالة أن الشك في القرآن يوجب العذاب.
إجابة السؤال الثاني:
أقوال الفرق المخالفة لأهل السنة في القرآن:
عند أهل السنة و الجماعة: القرآن هو كلام الله تعالى الذي هو صفته سبحانه، وذلك على الحقيقة، وأنه مُنَزَّلٌ غيرُ مخلوقٍ.
وقد خالفت أهلَ السنة في معتقدهم تجاه القرآن العظيم طوائفُ متعددةٌ، قالوا بأقولٍ باطلة إيجازها فيما يلي:
أولًا: الرَّافضةُ: اختلفت طوائفه في القرآن؛ فمنهم من غلا جدًا وادَّعى تحريفَ القرآن وهم الاثناعشرية من الإمامية، ومنهم من ادَّعى أن الشائع بين المسلمين ليس هو كلَّ القرآن و أن مصحف فاطمة الذي جمعه عليٌّ رضي الله عنهما مُختفٍ، ومنهم باطنية يدَّعون أن معانيَ القرآنِ الظاهرةِ مخالفةٌ لمعانيه الباطنة التي لا يعلمها إلا أئمتُهم، وكلُّ هذه الأقوال= كفرٌ صريح.
ثانيًا: الجهميةُ الأوائل ــــ أتباع الجهم بن صفوان ـــــ و هؤلاء قالوا: إنَّ القرآن مخلوقٌ؛ لتعطيلهم صفة الكلام لله تعالى.
ثالثًا: المعتزلة: يقولون: إن القرآن مخلوق؛ لأنهم يعطلون الله عن صفاته، و أنه تعالى إن أراد أن يتكلم= خلقَ كلامًا في جسم من الاجسام يُسمِعه من يشاء من عباده.
رابعًا: الكُلَّابيةُ: يقولون بأن القرآن هو حكاية عن كلام الله تعالى الذي هو المعنى النفسي القائم بذات الله تعالى القديم بقدمه سبحانه. أي إن جبريل عليها السلام حكى
ذلك المعنى لرسول الله صلى الله عليه و سلم.
خامسًا: الأشاعرةُ: يقولون بأن القرآن هو عبارةٌ عن كلام الله تعالى الذي هو المعنى النفسي القائم بذات الله تعالى القديم بقدمه سبحانه. أي إن جبريل عليه السلام عبَّر عن المعنى النفسي القديم بالألفاظ العربية لرسول الله صلى الله عليه و سلم.
إجابة السؤال الثالث:
فوائد من خبر محنة الإمام أحمد:
أولا: المبتدعة يتربصون موت العالم المقدَّمِ قويِّ الحجة حتى يظهروا مقالاتهم الشنيعة؛ لذلك انتظر المامون موت يزيد بن هارون.
ثانيًا: وقوف العلماءِ الكبارِ صفًّا واحدًا متحدين في وجه الظالم= مظنَّةُ انقطاع الباطل و اندحاره؛ فإذا انكسروا و انصاعوا للمبطل تجرَّأ على غيرهم و تمادى في نشر باطله.
ثالثًا: النُّطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان= مفسدةٌ، و إهلاك النفس مفسدةٌ اعتبرها الشارع أعظم من مفسدة النطقِ المجرد بكلمة الكفر؛ لذلك فقد رخَّصَ في دفع أعلى المفسدتين بارتكاب أدناهما، فكانت رخصةً لمن أكره على النطق بكلمة الكفر أن ينطقها بلسانه فقط مع اطمئنان قلبه دفعا للمفسدة العظمى التي هي إهلاك النفس، لكن إذا انضمَّت إلى مفسدة النطق بكلمة الكفر مفسدةُ خذلان الحقِّ و أهله، و مفسدةُ إعلاء الباطل ومَظنَّة اندثار الحقِّ وانحساره= صارت مفسدةً كبرى لا يجوز ارتكابها لحفظ النفس، وهذا المعنى الدقيق هو الذي حمل الإمامَ أحمد رحمه الله تعالى على الصبر وعدم الترخُّص، وهذا لا يكون إلا في حقِّ العالم الإمام الذي يحتج الناس بقوله و يقتدون به.
رابعًا: صاحبُ الحقِّ قويٌّ غير هيَّاب، لا تروعه التهديدات، ولا تثنيه التَّرهيبات.
خامسًا: قوة اليقين إذا انضاف إليها الصبر بلغ العبدُ رتبةَ الإمامة في الدين، وهذا ما حصل مع الإمام أحمد حتى اقترن اسمه باسم الصديق أبي بكر رضي الله عنه؛ وأصبح الناس يعدُّونه ناصر السنة وحاميَ حياضها بثباته في الفتنة، كما نصر الصديق الإسلام و حمى حياضَه بانتصاره في حروب الرِّدَّة.
سادسًا: استجابة دعوة المظلوم تكون بإهلاك الظالم في الحال، كما تكون بالفوز في المآل، وقد حصل كلاهما للإمام أحمد رحمه الله؛ فأهلك الله المأمون في الحال حين دعا عليه الإمام، ونصره الله تعالى و أعلى ذكره في العالمين إلى يومنا هذا حتى أصبح يلقب بإمام أهل السنة بلا منازع.
سابعًا: الظالم ضعيفٌ قلبُه مهما ظهرت للناس شراسته، بخلاف الحق الذي يكون عزيزا قويا مهما ظلم أهلُه و أضعفت أجسامهم؛ فإن القوة على الحقيقة هي قوة القلب لا قوة الجسم.
ثامنًا: الخروج على الحاكم مهما كانت درجة ظلمه و فجوره ولو ارتكب ما يُجمع العلماءُ على كفر صاحبه= فتنة عامَّة و مفسدة طامَّةٌ لا يقصد الشرع الحكيم إليها.
تاسعًا: القدرة مناط التكليف، وعدمُ القدرة على رفع الظلم أو دفعه بأي صورة= توجب الصبر و الكفَّ والانشغال بالمستطاع، وكما قيل: إذا لم تستطع شيئا فدعه، وجاوزه إلى ما تستطيع.
عاشرًا: نصرُ الدين وإعلاء الحق لا يستلزم نصرًا سياسيًا أو سعيًا خلف سلطة؛ فها هو الإمام أحمد نصر الله به السنة وقمع البدعة، ولم يسعَ إلى انتزاع السلطة ممن قال هو نفسه بتكفير النوع القائل بقولهم.
حادي عشر: الإمام الحقُّ يقدم مصلحة الأمة على مصلحته الشخصية؛ فلا يكون تعرضه للظلم و الإيذاء مبررًا عنده لتأليب العامَّة ضد الحاكم الظالم؛ لأن الفتنة في حقه خاصَّةٌ، فإذا وقع السيف في الأمة صارت عامَّة تأتي على الأخضر و اليابس.
ثاني عشر: البلاء ينزل بقدر الله ويرتفع بقدر الله تعالى في الوقت الذي يشاؤه الله و يُقَدِّره.
إجابة السؤال الرابع:
سبب نشأة فتنة اللفظية:
أول من أطلق هذا اللفظ كان هو: حسين بن علي الكرابيسيُّ، وكان ذلك منه على سبيل الانتصار لنفسه حين بلغه أن الإمام أحمد قد حذّرَ من بعض ما كتبه ينتصر فيه للحسن بن صالح بن حيٍّ الذي كان يرى السيف، وكذلك كلامه في بعض الصحابة رضي الله عنهم و بعض أئمة التابعين كالأعمش، وإتيانه ببعض ما يقوي آراء الرافضة؛ فلما استنكر الإمام أحمد تلك الكتاب دون أن يعرف كاتبها= غضب الكرابيسي و قال كلمته: "لفظي بالقرآن مخلوق" استثارةً للإمام أحمد و محاولة منه للتشغيب عليه، وكان هذا منه ضعفَ إدراكٍ لمقاصد الشرع الذي يدعو للائتلاف و ينهى عن التفرق و الاختلاف، ولأن هذه الكلمة كان فيها التباس كبير، حيث إنها تعدُّ من قبيل المشترك اللفظي، وهو اللفظ الذي يؤدي معانيَ متعددةً لا يُحمل على أحدها خاصة إلا بقرينة، وذلك لأن: "لفظي" تدل على المصدر بمعنى التَلَفُّظ من حيث هو فعل للعبد، وتدلُّ على اسم المفعول أي: الملفوظ و هو كلام الله تعالى؛ لذلك كان هذا القولُ مشكلًا ترتب على إطلاقه اختلاف وافتراق، وحصلت بسببه فتن كبيرة، وذلك لأن الجهمية قد وجدوها فرصة جيدة أن يستخدموا هذا الإطلاق بديلا عن التصريح بخلق القرآن؛ كي يمرِّروا قولهم و يموِّهوا باطلهم فينطلي على العامَّة، لكن الإمام أحمد انتبه لتلك الحيلة و انبرى و معه ثلَّة من أهل الحديث ليحاربوا هذا الإطلاق الموهم الذي يرَوِّج لهذه البدعة بمكر ودهاء، ولقد قال الإمام أحمد رحمه الله: "افترقت الجهمية على ثلاث فرق: فرقة قالوا: القرآن مخلوق، وفرقة قالوا :كلام الله،وتسكت، وفرقة قالوا: لفظنا بالقرآن مخلوق"
فالفرقة الأولى هم جمهور المعتزلة الذين قالوا بخلق القرآن، وأظهروا هذا القول وأشهروه ودعوا إليه، والفرقة الثانيةهم الذين سُمّوا بالواقفة. والفرقة الثالثة هم اللفظية. فالإمام أحمد منع من استخدام هذا الإطلاق بالكلية فلا يقال: لفظي بالقرآن مخلوق و لا يقال: لفظي بالقرآن غير مخلوق.
إجابة السؤال الخامس:
بيان الإمام أحمد والبخاري للحق في مسألة اللفظ:
خلاصة قول الإمام أحمد و الإمام البخاري رحمهما الله في هذه مسألة اللفظ يرجع لما يأتي:
أن (اللفظ) في قولهم: "لفظي بالقرآن مخلوق" من قبيل المشترك اللفظي الذي يدلُّ على معنيين:
أحدهما: أنه يدلُّ على المصدر و هو التلَفُّظ من حيث إنه فعل للقارئ، وهذا المعنى يندرج تحت مسألة (أفعال العباد) و الصحيح عند أهل السنة قاطبة و على رأسهم الإمام أحمد و الإمام البخاري أنَّ أفعالَ العبادِ مخلوقةٌ، وعلى هذا تُحملُ الروايات عن أحمد التي ينفي فيها التَجَهُّمَ عن القائلين باللفظ، ومن ذلك قول فوران صاحب الإمام أحمد: سألني الأثرم وأبو عبد الله المعيطيّ أن أطلب من أبي عبدالله خلوةً، فأسأله فيها عن أصحابنا الذين يفرّقون بين اللّفظوالمحكيّ، فسألته، فقال: القرآن كيف تصرّف في أقواله وأفعاله، فغيرمخلوقٍ؛ فأمّا أفعالنا فمخلوقةٌ، قلت: فاللّفظيّة تعدّهم يا أبا عبد الله في جملةالجهميّة؟
فقال: لا، الجهميّة الّذين قالوا: القرآن مخلوقٌ.
كذلك ما ورد عن الإمام البخاريفي كتاب خلق أفعال العباد: "حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة"، و قوله: "والقراءة والكتابة والحفظ للقرآن هو فعل الخلق لقوله: "فاقرءوا ما تيسر منه"والقراءة فعل الخلق".
المعنى الثاني: أنه يدُلُّ على اسم المفعول أي (الملفُوظ) وهو كلام الله جلَّ و علا، وهذا مُنَزَّلٌ غيرُ مخلوق قولا واحدا عند أهل السنة و الجماعة و على رأسهم الأمامان أحمد و البخاري، وقد بيَّنَا هذا فيما تواتر عنهما، وعليه يحمل نعت الإمام أحمد للفظية بالتجهُّم حيث أراد به أولئك الذين تستَّروا وموَّهوا بالقول باللفظ قاصدين القول بخلق القرآن.
أما الإمام البخاري فقد وردت عنه أقوالٌ في كتابه"خلق أفعال العباد" منها قوله: "فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بمخلوق، قال الله عز وجل: "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم"."، وكذلك قوله رحمه الله تعالى: "جميع القرآن هو قوله تعالى، والقول صفة القائل موصوف به فالقرآن قول الله عز وجل".
و بسبب هذا الاشتراك الموهم منع الإمام أحمد والإمام البخاري و غيرهم من أئمة الحديث و السنة من إطلاق هذا اللفظ إيجابا أو سلبا؛ فلا يقال إن اللفظ بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق، قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: "فلقد أحسن الإمام أبو عبد الله حيث منع من الخوض في المسألة من الطّرفين، إذ كلّ واحدٍ من إطلاق الخلقيّة وعدمها على اللّفظ موهمٌ، ولم يأت به كتابٌ ولا سنّةٌ، بل الّذي لا نرتاب فيه أنّ القرآن كلام الله منزلٌ غير مخلوقٍ - والله أعلم".
و الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحاتُ.