دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ربيع الثاني 1441هـ/25-12-2019م, 01:53 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي المجلس التاسع: مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة السبيل إلى فهم القرآن

مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة "السبيل إلى فهم القرآن"

اختر تطبيقين من كلّ درس وأدّها:



تطبيقات الدرس السادس:
-اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:
1: معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}
2. معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}
3: معنى "الغاسق" في قول الله تعالى: {ومن شرّ غاسق إذا وقب}
4: معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}



تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(1) المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}
(2) الباقيات الصالحات
(3) ناشئة الليل
(4) الحبل في قول الله تعالى: {إلا بحبل من الله وحبل من الناس}
(5) السيما في قول الله تعالى: {سيماههم في وجوههم}



تطبيقات الدرس الثامن:
- بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
(2) سبيلاً في قول الله تعالى: {فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً}
(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}
(4) مرجع الضمير في "به" في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}



تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1: "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}
2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}
3. دلالات صيغ الأفعال في قول الله تعالى: { فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}
4: دلالات الجمل الاسمية في قول الله تعالى: {قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون (75) قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون (76)}
5. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}



توصية:

يوصَى دارسو هذه الدورة بالاستكثار من التمرن على تطبيق ما درسوه من الدلالات على آيات كثيرة، وأن لا يكتفوا بالتطبيقات المذكورة في المجلس؛ فكثرة المران ترسّخ المعرفة، وتصقل المهارة، وتعين الدارس على توسيع مداركه وتقويم دراسته.




تعليمات:
- ننصح بقراءة موضوع " معايير الإجابة الوافية " ، والحرص على تحقيقها في أجوبتكم لأسئلة المجلس.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- يسمح بتكرار الأسئلة بعد التغطية الشاملة لجميع الأسئلة.
- يمنع منعًا باتّا نسخ الأجوبة من مواضع الدروس ولصقها لأن الغرض تدريب الطالب على التعبير عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستعين ببعض الجُمَل والعبارات التي في الدرس لكن من غير أن يكون اعتماده على مجرد النسخ واللصق.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الإثنين القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.

تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 1 جمادى الأولى 1441هـ/27-12-2019م, 03:21 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة "السبيل إلى فهم القرآن"
اختر تطبيقين من كلّ درس وأدّها:
تطبيقات الدرس السادس:
-اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:

3: معنى "الغاسق" في قول الله تعالى: {ومن شرّ غاسق إذا وقب}

-قال ابن شهاب: "الشمس". كما أخرجه ابن وهب في جامعه.
-"الليل". قال به البخاري في صحيحه, وابن عباس, والحسن, والقرظي, ومحمد بن كعب, ومجاهد, كما ذكره الطبري.
-"كوكب, وقال بعضهم: أنه الثريا". قال به أبو هريرة, وزيد كما روى عن العرب أنها تقول بذلك. ويعضد هذا القول: ما جاء عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}؛ قالَ:« النجْمِ الغاسِقِ». رواه الطبري, وقال ابن كثير: وهذا الحديث لا يصحّ رفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
-"القمر". جاءَ في حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنَّ الغَاسِقَ القَمَرُ. أَخْرَجَهُ النسائي والتِّرْمِذِيُّ وأحمد والحَاكِمُ والطبري مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ- نَظَرَ إلى القَمَرِ فقَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا» قَالَ: «هَذَا الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» إسنادُهُ حَسَنٌ. فتح الباري لابن حجر, وذكره ابن كثير.
وبالعودة للمعنى اللغوي الذي يدور حوله الغسق في كتب اللغة والمجامع اللغوية نجد أن الغسق بمعنى:
-"الليل والظلمة". الفراء, والأخفش, وعبدالله بن يحيى, وابن قتيبة, والزجاج, وغلام ثعلب, ومكي بن أبي طالب, قطرب, والقاسم بن سلام, والأنباري.
-وقد يعبر عنه بـ"القمر" كما ذكر عبدالله بن يحيى, وابن قتيبة, ومكي بن أبي طالب, واختاره غلام ثعلب.
بقي أن نقرر عدة تقريرات بعد استعراضنا للمعاني المذكورة:
اعلم أن وجود نص نبوي صحيح واضح المعنى والدلالة يكفينا في تفسير معنى الآية, بل ونعوذ بالله من أن نلتفت لغيره مع وجوده, فتفسيره مقدم, والعمل به واجب, ولكن ما سنعمل عليه بإذن الله هو فرز الأقوال, فما كان منها صالحا يتناوله النص دون أن يناقض التفسير النبوي ضممناه لمعنى الآية, وما كان مناقضا استبعدناه, فنقول إذن:
-اعلم أن المراد بالغسق هو القمر, للحديث الذي أَخْرَجَهُ النسائي والتِّرْمِذِيُّ وأحمد والحَاكِمُ والطبري مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ- نَظَرَ إلى القَمَرِ فقَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا» قَالَ: «هَذَا الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» إسنادُهُ حَسَنٌ. فتح الباري لابن حجر, وذكره ابن كثير.
ويدخل تحت هذا القول من عبر عنه بـ"الليل", وهم عدد كبير ذوو وزن ثقيل من السلف, وذلك كما ذكر أهل اللغة أيضا بأن معنى الغسق يدور حول: "الظلمة", وقد يعبر عن ذلك بالليل أو القمر, لذا كان التعبير عن الظلمة بالليل والقمر مقبولة جميعا, إذ كلاهما دلالة الظلمة وعلامة دخولها.
بقي من عبر عن ذلك بالشمس, وهو معنى بعيد يصعب قبوله لمناقضته القول الأول, كما أن العودة لمعاجم اللغة تبين عدم مجيء الغسق بهذا المعنى, لكني بالعودة لقائله, أجد أن صاحبه عبر عن ذلك بقوله :"الشمس إذا غربت", فلعله عبر عن دخول الليل بمغيب الشمس, فاتفق في نهاية المطاف مع أصحاب القول الأول, ولكني أجد التعبير أقل دقة في تفسير الآية, لذا فقد أقبله في المحصلة النهائية كمعنى, لكن عبارته ليست من أدق العبارات في تفسير الآية.
وأما القول بأنها الثريا, فهو كذلك لا يعبر عن المعنى المقصود في الآية بالمقام الأول, لكني أقبله لقبولي عمومية معنى الغسق في الآية لا سيما مع نكارته, فقد أقول "من شر غاسق إذا وقب" بأن الله أرشدنا للاستعاذة من شر كل غاسق إذا وقب ويشمل هذا كل غاسق, القمر والليل في المقام الأول, وكل غاسق غيرهما في المقام الثاني, ولعل هذا هو رأي الطبري كذلك -رحمه الله-: " قال الطبري: وأوْلى الأقوالِ في ذلك عندِي بالصوابِ، أن يُقالَ: إنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يَسْتَعِيذَ {مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} وهو الذي يُظْلِمُ، يقالُ: قد غَسَقَ الليلُ يَغْسِقُ غُسُوقاً: إذا أظلَمَ.
{إِذَا وَقَبَ}؛ يعني: إذا دَخَلَ في ظلامِه؛ والليلُ إذا دَخَلَ في ظلامِه غاسِقٌ، والنجمُ إذا أفَلَ غاسِقٌ، والقمرُ غاسِقٌ إِذَا وَقَبَ.
ولم يَخْصُصْ بعضُ ذلك بل عَمَّ الأمرُ بذلك، فكلُّ غاسِقٍ؛ فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُؤْمَرُ بالاستعاذةِ مِن شرِّهِ إِذَا وَقَبَ".
كما أجد في مقابلة الآيتين "قل أعوذ برب الفلق" (الفلق: الصبح كما جاء في كثير من الروايات), "من شر غاسق إذا وقب" (الغاسق: الليل) في الاستعاذة برب الفلق (الصبح) من شر الغسق (الليل) مقابلة بليغة وجميلة تؤكد معنى دوران الغسق حول الليل والظلمة بالمقام الأول.

5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}
-"العشي". قال به الحسن, وذكره عبدالرزاق, والطبري, وقطرب.
-"ساعة من ساعات النهار". قال به قتادة, وذكره عبدالرزاق, وابن عباس, وذكره الطبري.
-"الدهر". قال به الفراء, وذكره البخاري, وقال به زيد بن أسلم, وذكره السيوطي, وقال به ابن قتيبة, ومكي بن أبي طالب, وقطرب, وابن السكيت.
-"الليل والنهار". قال به ابن كيسان, وذكره العيني.
-"الصلاة الوسطى". قال به مقاتل. وذكره العيني.
-"قال ابن حجر: تَنْبِيهٌ:
لم أَرَ في تَفْسِيرِ هذه السورةِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا".
وما دام المعنى هو المقصود هنا, فإنني بالعودة للقواميس اللغوية أجد أن العصر يدور حول: "الدهر, والعشي".
فإذن هذا المعنى يشمل جميع الأقوال سوى قول مقاتل لغرابته, وإبعاده عن المعنى الذي أقسم الله به على خسارة الإنسان, وهو الزمن والدهر, ونجد أن جميع أقوال السلف الأخرى تدور في هذا الفلك, ولكن اختلفت التعبيرات:
فقد جاء التعبير عن العصر والدهر بـ"الليل والنهار", و"العشي", و"ساعة من ساعات النهار" وهذه كلها أجزاء من الدهر, كما أن من المعروف في العرف اللغوي وعادة العرب التعبير عن الدهر بجزء منه, أي بمثل هذه التعبيرات, بل إنك قد تعود لمعنى "العشي" مثلا في المعاجم اللغوية, فتجد أن من معانيه "العصر", مما يدل على الترادف اللغوي بينها, ووحدة المراد والمقصود في التعبير عن الدهر بها.
فإذن العصر: هو الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خيرٍ وشرٍّ. كما ذكر ذلك ابن كثير.
وقد وافق ما ذكرناه الطبري بقوله:"والصوابُ من القولِ فِي ذلك: أنْ يُقالَ: إنَّ ربَّنا أقسمَ بالعصرِ {وَالْعَصْرِ} اسمٌ للدهرِ، وهو العشيُّ والليلُ والنهارُ، ولم يُخصِّصْ ممَّا شمِلَهُ هذا الاسمُ معنًى دونَ معنًى، فكلُّ ما لزِمَهُ هذا الاسمُ فداخلٌ فيما أقْسَمَ بهِ جلَّ ثناؤُه".

تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(1) المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}

-"المحارف" قال به خالد بن أبي عمران, وسعيد بن المسيب, وعطاء بن أبي رباح, أبو الزناد, وذكره ابن وهب, والطبري. ومجاهد, وعطاء الخراساني, وذكره الرملي, والطبري. وابن عباس, والنخعي, ونافع, وذكره الطبري. وعائشة, وذكره السيوطي. والفراء, وابن قتيبة, عبدالله بن يحيى, ومكي بن أبي طالب, والزجاج.
-"الذي اجتيح ماله" كأن يصاب زرعه أو حرثه أو نسل ماشيته فيكون له حق على من لم يصبه من المسلمين, كما قال لأصحاب الجنة حين أهلك جنتهم فقالوا: {بل نحن محرومون}. قال به ابن عياش, وزيد بن أسلم, ذكره ابن وهب. وابن زيد, وذكره الطبري, وروى عن أبي قلابة، قال: جاء سيلٌ باليمامة، فذهب بمال رجلٍ، فقال رجلٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هذا المحروم.
-" المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافا" قال به ابن شهاب, وذكره ابن وهب. وقتادة, وذكره الطبري.
-" الفقير الذي يحرم الرزق" قال به مالك, وذكره ابن وهب. وتقول عائشة: "الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه". ذكره السيوطي.
-"هو الّذي لا سهم له في الغنيمة" قال به علي, وابن عباس, والنخعي, وعبدالله بن يحيى, والثوري, وذكره ابن وهب, والطبري. والفراء, ومكي بن أبي طالب. وقد روى الطبري عن الحسن بن محمّد ابن الحنفيّة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعث سريّةً، فغنموا، وفتح عليهم، فجاء قومٌ لم يشهدوا، فنزلت: {في أموالهم حقٌّ معلومٌ (24) للسّائل والمحروم}. يعني: هؤلاء.
-" هو الّذي لا ينمي له مالٌ" قال به عكرمة, وذكره الطبري والضحاك, وذكره السيوطي. والزجاج.
-"الكلب" قال به عمر بن عبدالعزيز, كما ذكره ابن إسحاق.
قال الشعبي: "أعياني أن أعلم ما المحروم". قال ابن عطية: "يرحم الله الشعبي فإنه في هذه المسألة محروم، ولو أخذه اسم جنس فيمن عسرت مطالبه بان له، وإنما كان يطلبه نوعا مخصوصا كالسائل".
وذكر أن المحروم: "هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله حرمان وفاقة، وهو مع ذلك لا يسأل، فهذا هو الذي له حق في أموال الأغنياء كما للسائل حق" وقال: "وهذه أنواع الحرمان لأن الاسم يستلزم هذا خاصة" "والمعنى الجامع لهذه الأقوال أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه".
قال الطبري: "والمحروم الّذي قد حرم الغنى، والصّواب من القول في ذلك عندي أنّه الّذي قد حرم الرّزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممّن حرمه اللّه ذلك، وقد يكون بسبب تعفّفه وتركه المسألة، ويكون بأنّه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصّواب من أن تعمّ".
بالنظر للأقوال المذكورة فإننا نجدها تدور وتتفق حول الحرمان, مع اختلاف التعبير, وإن كنت أجد في التعبير بـ"المحارف" دقة, إذ بالعودة للمعاجم اللغوية أجد أن في تعريف المحارف شمولا لكل الأقوال التي ذكرت تحت تفسير "المحروم", ولو قيل لي أن أذكر بطريقة السبر والتقسيم أنواع الحرمان الذي تشمله الآية لقلت:
يشتمل الحرمان المراد في الآية جميع أنواع الحرمان, وهي:
-الحرمان الذي يقتضي عدم القدرة أصلا على اكتساب الرزق.
-القدرة على اكتساب الرزق لكن مع عدم كفايته.
-القدرة على اكتساب الرزق مع كفايته, لكن حال بينه وبين الحصول عليه أمر, إما لحريق أصابه أو غرق أو أي سبب منعه من الاستمتاع بذلك الرزق, فحرم منه.
وكل هذه من أنواع الحرمان التي إذا وجدت في مسلم مع عدم وجود مصدر رزق آخر له, فكان محتاجا, واتصف بعدم السؤال, فإن معنى المفردة يتطبق عليه. وقد أحسن ابن عطية حين نص على كونه غير سائل, لأن المفردة القرآنية جاءت مقابلة للسائل في قوله :"للسائل والمحروم" مما يدل على أن هذا المحروم متعفف, وهو ما نصت عليه أحد الأقوال كذلك, مما يدل على أنها بمجموعها تصب في معنى الحرمان, وهو ما رجحه الطبري واختاره.

(2) الباقيات الصالحات
-" لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر" قال به مجاهد, وذكره عبدالرزاق, والطبري. وعثمان بن عفان, وابن عباس, وعطاء بن أبي رباح, وقتادة, والحسن, ومحمد بن كعب, ومجاهد, وسعيد بن المسيب, وذكره الطبري. وهو قول الجمهور كما ذكره ابن عطية.
ويعضده ما رواه الطبري: عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " استكثروا من الباقيات الصّالحات "، قيل: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: " الملّة "، قيل: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: " التّكبير والتّهليل والتّسبيح، والحمد، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ".
وما رواه عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر من الباقيات الصّالحات ".
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وابن مردويه عن النعمان بن بشير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر من الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/553-554]
وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني في الصغير والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا جنتكم قيل: يا رسول الله أمن عدو قد حضر قال: لا، بل جنتكم من النار قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات محسنات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/554]
وأخرج الطبراني، وابن شاهين في الترغيب في الذكر، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله هن الباقيات الصالحات وهن يحططن الخطايا كما تحط الشجرة ورقها وهن من كنوز الجنة). [الدر المنثور: 9/554-555]
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشجرة يابسة فتناول عودا من أعوادها فتناثر كل ورق عليها فقال: والذي نفسي بيده إن قائلا يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لتتناثر الذنوب عن قائلها كما يتناثر الورق عن هذه الشجرة قال الله في كتابه: هن {والباقيات الصالحات} ). [الدر المنثور: 9/555]
وأخرج أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها). [الدر المنثور: 9/555]
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن سمرة بن جندب: ما من الكلام شيء أحب إلى الله من الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر هن أربع فلا تكثر علي لا يضرك بأيهن بدأت). [الدر المنثور: 9/555-556]
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عجزتم عن الليل أن تكابدوه والعدو أن تجاهدوه فلا تعجزوا عن قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556]
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا جنتكم من النار قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن المقدمات وإنهن المؤخرات وهن المنجيات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556]
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن مردويه عن عائشة: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه خذوا جنتكم مرتين أو ثلاثا قالوا: من عدو حضر قال: بل من النار، قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن يجئن يوم القيامة مقدمات ومحسنات ومعقبات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556-557]
وأخرج ابن مردويه عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الباقيات الصالحات من قال: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله). [الدر المنثور: 9/557]
وأخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يثبطكم الليل فلم تقوموه وعجزتم عن النهار فلم تصوموه وبخلتم بالمال فلم تعطوه وجبنتم عن العدو فلم تقاتلوه، فأكثروا من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/557]
وأخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأسلمت وعلمني (قل هو الله أحد) و(وإذا زلزلت) و(قل يا أيها الكافرون) وعلمني هؤلاء الكلمات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وقال: هن الباقيات الصالحات. ذكر تلك الآثار السيوطي وابن كثير.
-" الصلوات الخمس" قال به سعيد بن جبير, وذكره النهدي, والطبري. وابن عباس, وعمرو بن شرحبيل, والنخعي, وأبو ميسرة, وذكره الطبري. ومكي بن أبي طالب.
-" العمل بطاعة اللّه عزّ وجلّ" قال به ابن عباس, وابن زيد, وذكره الطبري.
-" الكلام الطّيّب" قال به ابن عباس, وذكره الطبري.
وقد رجح الزجاج والطبري الجمع بين الأقوال, ورأوا أن الباقيات الصالحات تشمل كل أعمال الخير, وقال الطبري: "فإن ظنّ ظانٌّ أنّ ذلك مخصوصٌ بالخبر الّذي رويناه عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ ذلك بخلاف ما ظنّ، وذلك أنّ الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما ورد بأنّ قول: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر، هنّ من الباقيات الصّالحات، ولم يقل: هنّ جميع الباقيات الصّالحات، ولا كلّ الباقيات الصّالحات، وجائزٌ أن تكون هذه باقياتٌ صالحاتٌ، وغيرها من أعمال البرّ أيضًا باقياتٌ صالحاتٌ", ونجد أن ابن عباس كذلك يشير إلى ذلك, وذلك بتنوع أجوبته عن المراد بالباقيات الصالحات, وبتصريحه بذلك في آثار.
قال النحاس: ولا يمتنع شيء من هذا عند أهل اللغة؛ لأنه كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا.
فاللغة إذن تؤكد صحة جميع هذه المعاني واحتمال "الباقيات الصالحات" لها جميعا, ونحن نتفق مع هذا القول في نتيجته, فكل عمل صالح هو بإذن الله من الباقيات الصالحات, لكن ومع بقاء هذا الاحتمال مفتوحا, إلا أننا نرجح وقوع المعنى على القول الأول "سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر" بالمقام الأول, لكثرة الآثار الواردة عن رسول الله في ذلك, وهي وإن اختلفت في قوة السند إلا أن كثرتها يقوي من رجحان هذا القول, وما بعده من الأقوال تتبعه في الدخول تحت معنى الآية لأن الشريعة جمعاء مرتبطة بعضها ببعض, فلا يمكن تخيل قلب ذاكر يسبح الله لا يصلي, أو قلب يصلي لا يكون بصلاته هذه ذاكرا لله في حقيقته, فالكل عمل صالح, والكل باق.

تطبيقات الدرس الثامن:
- بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولتستبين سبيل المجرمين}, واختلف مع ذلك الإعراب وأثره على المعنى:
- فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة: {ولتستبين} بالتّاء (سبيل المجرمين) بنصب السّبيل، على أنّ (تستبين) خطابٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كأنّ معناه عندهم: ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين.
وكان ابن زيدٍ يتأوّل ذلك: ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين الّذين سألوك طرد النّفر الّذين سألوه طردهم عنه من أصحابه. ذكره الطبري وابن أبي حاتم.
قال الزجاج: فإن قال قائل أفلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم– مستبينا سبيل المجرمين؟
فالجواب في هذا: أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنّه قال ولتستبينوا المجرمين، أي: لتزدادوا استبانة لها، ولم يحتج أن يقول ولتستبين سبيل المؤمنين مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا استبانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين.
وجائز أن يكون المعنى: ولتستبين سبيل المجرمين ولتستبين سبيل المؤمنين. إلا أن الذكر والخطاب ههنا في ذكر المجرمين فذكروا وترك ذكر سبيل المؤمنين، لأن في الكلام دليلا عليها.
-وقرأ ذلك بعض المكّيّين وبعض البصريّين: {ولتستبين} بالتّاء {سبيل المجرمين} برفع السّبيل على أنّ القصد للسّبيل، ولكنّه يؤنّثها، وكأنّ معنى الكلام عندهم: وكذلك نفصّل الآيات ولتتّضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين. ذكره الطبري.
-وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: (ولتستبين) بالياء {سبيل المجرمين} برفع السّبيل على أنّ الفعل للسّبيل ولكنّهم يذكّرونه. ومعنى هؤلاء في هذا الكلام، ومعنى من قرأ ذلك بالتّاء في: {ولتستبين} ورفع السّبيل واحدٌ، وإنّما الاختلاف بينهم في تذكير السّبيل وتأنيثها.
فنجد في اختلاف القراءات, اختلافا في الإعراب, يتبعه اختلاف وقوع المعنى إما على النبي (أو المخاطب عامة), أو على السبيل والطريق, والفرق الذي أحدثه اختلاف المعنى هنا يظل اختلافا مقبولا يسيرا, فإن كان الفاعل في الآية هو المخاطب (أو النبي), فإن معنى الآية: لتستبين ويتضح لك طريق المجرمين يا محمد. وإن كان الفاعل هو السبيل, فإن المعنى: ليتضح طريق المجرمين دون تحديد لمخاطب تستبين له تلك السبيل, وفي هذا المعنى عمومية تقع على كل أحد, فباستبانة سبيل المجرمين واتضاحه, فإن كل أحد سيعلم تلك السبيل ويعلم صحة ما جاء به الوحي ويتضح له ذلك, ولعل في المعنى الأول نوعا من الخطاب المباشر لرسول الله الذي يشعره بعناية الله به ووعده له باستبانة هذا الطريق, وفي المعنى الثاني عمومية في الخطاب تشمل كل أحد, وفي كلا المعنيين تحقيق لمعنى دقيق لا يوجد في الآخر, ولعل عمومية الثاني جعلت الطبري يميل إليه, قال الطبري: "وأولى القراءتين بالصّواب عندي في (السّبيل) الرّفع، لأنّ اللّه تعالى ذكره فصّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبيّن الحقّ بها من الباطل جميع من خوطب بها، لا بعضٌ دون بعضٍ.
ومن قرأ (السّبيل) بالنّصب، فإنّما جعل تبيين ذلك محصورًا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وأمّا القراءة في قوله: {ولتستبين} فسواءٌ قرئت بالتّاء أو بالياء، لأنّ من العرب من يذكّر السّبيل وهم تميمٌ وأهل نجدٍ، ومنهم من يؤنّث السّبيل وهم أهل الحجاز، وهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار، ولغتان مشهورتان من لغات العرب، وليس في قراءة ذلك بإحداهما خلافٌ لقراءته بالأخرى ولا وجه لاختيار إحداهما على الأخرى بعد أن يرفع السّبيل للعلّة الّتي ذكرنا".

(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}

- وحّد الهاء، وقد ذكر قبل الكتاب والإيمان، لأنّه قصد به الخبر عن الكتاب . قال به الفراء, والطبري, وابن عطية, وابن كثير.
-وقال بعضهم: عنى به الإيمان والكتاب، ولكن وحّد الهاء، لأنّ أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحّدهما وهما اثنان. ذكره الفراء, والطبري.
واحتمال عودة الضمير عليهما جميعا من بديع ما عودنا عليه القرآن, وهو احتمالية مفرداته وضمائره لعدة معاني محتملة تترك باب الاستنباط مفتوحا, فالمعاني تتوالد من هذا القرآن بلا نهاية, لأنه كلام الله الذي لا ينتهي, ومع ذلك فالأصح والله أعلم هو عودة الضمير على الكتاب لوحدانية الهاء مع عدم وجود علامة واضحة على عودتها على أمرين, ويدعم هذا المعنى ويضيف عليه ما قاله الزجاج: "ولم يقل جعلناهما لأن المعنى: ولكن جعلنا الكتاب نورا، وهو دليل على الإيمان", فما أشار إليه الزجاج حسن دقيق يتفق مع دقة هذا القرآن ومعانيه.

تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1: "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}

-يجوز أن يكون مصدرًا أي هل من زيادة؟
-وأن يكون اسم مفعول أي من شيء تزيدونيه أحرقه.
-أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع للمزيد.
وإنّما صلحت تلك الأوجه لأن في الاستفهام ضربا من الجحد وطرفا من النّفي. كما ذكر العيني.
وعلى تنوع الصيغ التي فهمت اللفظة بها تنوع المفهوم من الآية, ففهمت على أنها:
-تتساءل هل من سعة توجد بها لامتلائها. قال به مجاهد, وابن شهاب, وذكره ابن وهب. وذكره الثعلبي. وابن عباس, والحسن, والضحاك, وذكره الطبري. والزجاج.
- أن يكون استفهاما بمعنى الاستزادة أي: هل من زيادة فأزاده. وأضاف الزجاج: بأن ذلك تغيظا على من عصى كما قال عزّ وجلّ: {سمعوا لها تغيّظا وزفيرا}. وهو ظاهر الآية كما ذكر ذلك ابن حجر, وابن كثير. وذكره الثعلبي. وأنس, وابن زيد, والطبري ورجحه, لما ورد من صحيح الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
روى البخاري:
"عن أنسٍ رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " يلقى في النّار وتقول: هل من مزيدٍ، حتّى يضع قدمه، فتقول قط قط "
و"عن أبي هريرة، رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان " يقال لجهنّم: هل امتلأت، وتقول هل من مزيدٍ، فيضع الرّبّ تبارك وتعالى قدمه عليها، فتقول: قط قط "
و"عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم " تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم، قال اللّه تبارك وتعالى للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنّار: إنّما أنت عذابي أعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدةٍ منهما ملؤها، فأمّا النّار: فلا تمتلئ حتّى يضع رجله فتقول: قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعضٍ، ولا يظلم اللّه عزّ وجلّ من خلقه أحدًا، وأمّا الجنّة: فإنّ اللّه عزّ وجلّ ينشئ لها خلقًا ".
قال الطبري: "ففي قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تزال جهنّم تقول هل من مزيدٍ دليلٌ واضحٌ على أنّ ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النّفي، لأنّ قوله: لا تزال دليلٌ على اتّصال قولٍ بعد قولٍ".

2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}

-يجوز أن يكون المنزل مصدرا بمعنى الإنزال. ذكره يحيى بن سلام, والنحاس.
-ويأتي بمعنى النزول وموضع النزول. كما تقول جلس مجلسا والمجلس الموضع الذي يجلس فيه. ذكره يحيى بن سلام, والنحاس.
قال الطبري: المنزل بمعنى: أنزلني إنزالاً مباركًا. وقال يحيى بن سلام: والمنزل اسم لكل ما نزلت فيه.
فنجد المنزل هنا يحتمل: المصدرية, واسم المكان. ولكل منهما دلالة, فالأولى تأتي بمعنى طلب الإنزال المبارك, فتدور حول مصدر الإنزال نفسه وأن يكون مباركا, والثانية تدور حول موضع هذا النزول وأن يكون مباركا, وفي كل المعنيين أهمية ودقة جليلة تبين بجلاء الإعجاز القرآني والبلاغة الإلهية.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12 جمادى الأولى 1441هـ/7-01-2020م, 05:39 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي


تطبيقات الدرس السادس:
-اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:

حل التطبيق:
-2. معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}

وفي قوله تعالى : { كُوّرَتْ } أقوال :
أحدها :ذهب نورها أظلمت ، رواه الوالبي عن ابن عباس ، وهو قول أبيّ بن كعب و الحسن و قتادة ،ومقاتل . وكذلك قال الفراء : ذهب ضوؤها.
والثاني : ذهبت ، رواه عطية ، عن ابن عباس ، وكذلك قال مجاهد : اضمحلت .
والثالث : غُوّرت ، روي عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وابن الأنباري ، وهذا من قول الناس بالفارسية : كُوربكرد . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : هو بالفارسية : كوربور .
الرابع : نكست ، وهو قول أبي صالح . و الربيع بن خيثم .
و في أضواء البيان في معنى :نكست" قال : أي ردت إلى حيث أتت ، كما في الحديث ، فتطلع من مغربها ، وعليه فتجتمع مع القمر . اهـ
الخامس : رمي بها وألقيت وهو قول أبي صالح . و الربيع بن خيثم .
يُقال : كوَّرتُ الرجلَ؛ أي: طرحتَه في الأرض، وقد ورد في الحديث: «الشمسُ والقمرُ ثورانِ مكوَّران في النار».
و جاء في معجم المقاييس " وَيُقَالُ طَعَنَهُ فَكَوَّرَهُ، إِذَا أَلْقَاهُ مُجْتَمِعًا."
قال الزمخشري: " .وأن يكون من طعنه فجوّره وكوّره : إذا ألقاه ، أي : تلقى وتطرح عن فلكها ، كما وصفت النجوم بالانكدار..."

والسادس : أنها تكور مثل تكوير العمامة ، فتلف وتمحى ، وهو قول لابن عباس و الربيع بن خيثم و قاله أبو عبيد .
ومنه كارة الثياب لجمعها.. وجاء في ( لسان العرب ) : ( كورت الشمس : جمع ضوءها ولف كما تلف العمامة )
قال الزجاج : ومعنى { كورت } جمع ضوؤها ، ولفت كما تلف العمامة . ويقال : كورت العمامة على رأسي أكورها : إذا لففتها .
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق ابن يزيد بن أبي مريم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله : { إذا الشمس كورت } ، قال : " كورت في جهنم "
و روى أيضا من طريق أبي أسامة عن مجالد عن شيخ من بجيلة عن ابن عباس : { إذا الشمس كورت } قال : يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ، ويبعث الله ريحا دبورا فتضرمها نارا .

قال ابن الجوزي : قال المفسرون : تجمع الشمس بعضها إلى بعض ، ثم تُلف ويرمى بها في البحر . وقيل : في النار . وقيل : تعاد
إلى ما خلقت منه" اهـ
فتبين من ذلك أن لفظ "كورت" لها معان كثيرة:
-ذهب نورها وأظلمت
-ذهبت
-غورت
-نكست
-ألقيت ورميى بها
-كورت ولفت
وكلها معان صحيحة تصدق على لفظ "كورت" وبمجموعها يظهر المعنى الكامل التام للحقيقة لتكوير الشمس


قال ابن جرير الطبري: «والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: «كُوِّرت» كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لَفُّهَا على الرأس، وكتكوير الكَارَةِ، وهي جَمْعُ الثيابِ بعضها إلى بعض ولفِّها، وكذلك قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} إنما معناه: جُمِعَ بعضُها إلى بعض، ثم لُفَّت، فرُمي بها، وإذا فُعل ذلك بها ذهب ضوؤها، فعلى التأويل الذي تأوَّلناه وبينَّاه لكِلا القولين اللذَينِ ذكرتُ عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كوِّرت ورُمي بها ذهب ضوؤها». اهـ
قال الدكتور مساعد الطيار ..وهذه الأقوال ترجع إلى معنيين: ذهابها بذاتها، يلحقه ذهاب ضوئها، ورميها، وعلى هذه التفاسير يكون التكوير محتملاً لهذين الأمرين، ويربط بينهما أنهما من الأحوال التي تَمُرُّ بها الشمس في ذلك اليوم، فجاءت هذه اللفظةُ الواحدةُ دالةٌ على هذه المعاني، والله أعلم.

4: معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
قوله تعالى : { فَصَلّ لِرَبّكَ } في معنى الصلاة أقوال :
أحدها : صلاة العيد ،وهو قول عطاء وقال قتادة : صلاة الأضحى .
والثاني : صلاة الصبح بالمزدلفة ، وهو قول مجاهد .
والثالث : الصلوات الخمس ، وهو قول مقاتل .
الرابع : معناه اشكر ربك ، وهو قول عكرمة .

وفي قوله تعالى : { وَانْحَرْ } أقوال :
أحدها : اذبح يوم النحر ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وهو قول ابن جبير وعكرمة و عطاء ، ومجاهد ، و الحسن و قتادة .. والجمهور .
والثاني : وضع اليمين على اليسرى عند النحر في الصلاة . وهو قول عليّ من طريق ظبيان ؛ وابن عباس رضي الله عنهما من طريق أبي الجوزاء

والثالث : أنه رفع اليدين بالتكبير إلى النحر ، وهو قول أبي جعفر محمد بن علي .
الرابع : وانحر أي وسل ، قاله الضحاك .

الخامس : أن المعنى صل لله ، وانحر لله ، فإن ناسا يصلون لغيره ، وينحرون لغيره ، قاله القرظي .
عن محمد بن كعب القرظي ، أنه كان يقول في هذه الاَية : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } يقول : إن ناسا كانوا يصلون لغير الله ، وينحرون لغير الله ، فإذا أعطيناك الكوثر يا محمد ، فلا تكن صلاتك ونحرك إلاّ لي .
والسادس : أنه استقبال القبلة بالنحر ، وهو قول أبي الأحوص و حكاه الفراء .
ومنه قول الشاعر :
أبا حَكَمٍ هَلْ أَنْتَ عَمُّ مُجالدٍ *** وسيدُ أهْلِ الأبْطحِ المتناحرِ
أي المتقابل .
السابع: اعتدل بين السجدتين قائما حتى يستوي نحرك وهو قول عطاء
قال عطاء أمر رسول الله أن يستوي بين السجدتين جالسا حتى يبدو نحره"
**
النقاش:
و الذي يظهر أن خلاف في معنى "الصلاة" راجع إلى قولين:
الأول : الصلاة المعروفة ثم اختلفوا في تعيينها
الثاني :الشكر...وأطلق الشكر على الصلاة ؛ لأن الصلاة نوع من أنواع الشكر فالشكر يكون بالصلاة ويكون بالصيام ..وبعموم الأعمال الصالحة "اعملوا آل دودا شكرا"
ولا تنافي بين القولين فمن سماه صلاة أراد حقيقتها ومن قال الشكر نظر إلى سياق الآية مقصد السورة حيث أٌمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشكر نعمة عطية الله الكوثر بالصلاة والنحر

أما في تحديد وتعين المراد بالصلاة فلفظ الآية يقتضي العموم لقوله "الصلاة"؛ فكل صلاة لابد أن تكون لله وحده خالصة له لا لغيره فيدخل في هذا الحكم كل صلاة دون استثناء
ومن خص لفظ "الصلاة " بصلاة العيد أو صلاة المكتوبة أو الصلاة بالمزدلفة فهو من بالتنصيص على بعض تلك الصلوات و لا يخرج لفظ العام عن عمومه لأن كل صلاة لابد أن تكون خالصة لله ..وللقاعدة أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام فهذا لا يخصص العام فعلى هذا يبقى لفظ الصلاة على عمومه
بيد أن من قال هي صلاة بالمزدلفة هذا يقتضي أن السورة مدنية ؛ لكن سورة الكوثر مكية كما ذكر ذلك أهل العلم فلا يصح تخصيصها بالمزدلفة دون غيرها من الصلوات
ومرجع معنى "لفظ النحر " إلى قولين
أولا : النحر الذي يقابل الذبح و هو ذكية بهيمة الأنعام ويدخل فيه القول الأول والقول الخامس
ثانيا: النحر العضو في الجسم وهو الصدر وهو يدخل فيه بقية الأقوال التي قيلت في المسألة ؛ لكن على هذا المعنى لا يصح ؛ لأنه لا يطلق الفعل "انحر" ويكون المراد منه النحر الصدر ؛ فهذا غير سائغ في اللغة ؛ لهذا أنكر ابن كثير هذه الأقوال قال رحمه الله " كل هذه الأقوال غريبة جدا . والصحيح القول الأول ، أن المراد بالنحر ذبح المناسك
وقد رجح ابن الجرير أن المراد ب"وانحر" نحر النسك
قال رحمه الله :": والصواب قول من قال : معنى ذلك : فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان ؛ شكرًا له على ما أعطاك من الكرامة والخير ، الذي لا كِفَاء له ، وخصك به . اهـ
قال ابن كثير تعليقا على قول ابن جرير : ..وهذا الذي قاله في غاية الحسن ، وقد سبقه إلى هذا المعنى : محمد بن كعب القرظي ، وعطاء .
5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}

**قوله تعالى { والعَصْرِ } وهذا قَسَمٌ ، فيه قولان :
أحدهما : أن العصر الدهر ، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم . وابن قتيبة .
وإنما أقسم بالدهر ؛ لأن فيه عبرة للناظر من مرور الليل والنهار على تقدير لا ينخرم . ولما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها ، وما فيها من الدلالة على الصانع .

ومنه قول الشاعر :
سبيلُ الهَوَى وعْرٌ وبحرُ الهَوَى غَمْرُ*** ويومُ الهَوَى شهرٌ وشهرُ الهوى دَهْرُ

الثاني: العصر : الليل والنهار . وهو قول ابن كيسان
وقال ابن كيسان : أراد بالعصر الليل والنهار ، يقال لهما : العصران .
ومنه قال حميد بن ثور :
ولن يَلْبَثَ العصران : يومٌ وليلةٌ *** إذا طَلَبَا أن يُدرِكَا ما تَيَمَّمَا
الثالث :وقيل المراد به العصران: الغداة والعشي . ذكره القرطبي ول بعزه إلى أحد
قال الشاعر :
وأمْطُلَهُ العَصْرَيْن حتى يَمَلَّنِي *** ويرضى بنصفِ الدَّيْنِ والأنفُ رَاغِمُ
يقول : إذا جاءني أول النهار ووعدته آخره
الرابع: أنه العشي ما بين زوال الشمس وغروبها ، قاله الحسن وقتادة .
ومنه قول الشاعر :
تَرَوّحْ بنا يا عمرُو قد قصر العَصْرُ *** وفي الرَّوْحةِ الأُولى الغنيمةُ والأَجْرُ.
وخصه بالقسم ؛ لأن فيه خواتيم الأعمال .
وخصها قتادة بآخر ساعة من النهار.
و في رواية له : ساعة من ساعات النهار .
الخامس: أن يريد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم لفضله بتجديد النبوة فيه .
السادس : أنه أراد صلاة العصر ، وهي الصلاة الوسطى ؛ لأنها أفضل الصلوات ، قاله مقاتل .
للحديث المرفوع " الصلاة الوسطى صلاة العصر " . وقوله عليه الصلاة والسلام : « من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله »
ولأنّ التكليف في أدائها أشقّ لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار ، واشتغالهم بمعايشهم
النقاش:
ومرجع ما قيل في معنى "العصر" يرجع إلى قولين:
الأول : الدهر .ويدخل فيه كل ما حدده بوقت ما وزمن معين
الثاني " العصر صلاة العصر
فكل هذه المعاني يصح إطلاق لفظ العصر عليها من جهة الوضع اللغوي ..و "العصر" لفظ عام يشمل كل ما تناوله اللفظ ولا وجه لتخصيصه ؛ فهو باق على عموم شامل لكل أفراده ؛..وقد رجح ابن جرير إبقاء الآية على عمومها
قال رحمه الله :" والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن ربنا أقسم بالعصر ، { وَالْعَصْرِ } اسم للدهر ، وهو العشيّ والليل والنهار ، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى ، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه ."
تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:

(1)
المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}.

وفي { المحروم } أقوال :

أحدها : أنه الذي ليس له سهم في فيء المسلمين ، قاله ابن عباس . وقال إبراهيم : هو الذي لا سهم له في الغنيمة .
والثاني : أنه الذي لا ينمى له شيء ، قاله مجاهد ، وكذلك قال عطاء : هو المحروم في الرزق والتجارة .
والثالث : أنه المسلم الفقير ، قاله محمد بن علي .
والرابع : أنه المتعفف الذي لا يسأل ، شيئا قاله قتادة ، والزهري .
عن الزهريّ ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لَيْسَ المِسْكينُ الّذِي تَرُدّهُ التّمْرَةُ والتّمْرَتانِ والأكْلَةُ والأكْلَتانِ » ، قالوا فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال : «الّذِي لا يَجِدُ غِنًى ، وَلا يُعْلَمُ بِحاجَتِهِ فَيُتَصَدّقُ عَلَيْهِ فَذلكَ المَحْرُومُ » .

والخامس : أنه الذي يجيء بعد الغنيمة ، وليس له فيها سهم ، وهو قول إبراهيم و الحسن ابن محمد ابن الحنفية .
عن الحسن بن محمد ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، فغنموا ، فجاء قوم يشهدون الغنيمة ، فنزلت هذه الاَية : وفِي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ .

والسادس : أنه المصاب ثمرته وزرعه أو نسل ماشيته ، قاله ابن زيد .
قوله تعالى :" وقرأ أفرأيْتُمْ ما تَحْرُثُون أأنْتُم تَزْرَعُونَهُ حتى بلغ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ وقال أصحاب الجنة : إنّا لَضَالّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ."

والسابع : أنه المملوك ، حكاه الماوردي . ونسبه إلى عبد الرحمن بن حميد .

والثامن : أنه الكلب ، روي عن عمر بن عبد العزيز . وكان الشعبي يقول : أعياني أن أعلم ما المحروم .
روي أن عمر بن عبد العزيز كان في طريق مكة فجاء كلب فاحتز عمر كتف شاة فرمى بها إليه وقال : يقولون إنه المحروم
والتاسع : أنه من وجبت نفقته من ذوي الأنساب لأنه قد حرم كسب نفسه ، حتى وجبت نفقته في مال غيره
العاشر: : المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه ، وهذا قول عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاءو عائشة .
عن عروة قال : سألت عائشة رضي الله عنها ، عن المحروم في هذه الآية فقالت : هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه .
روى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء قالا : المحروم المحارف في الرزق وهو المحدود .
.
الحادي عشرة : أنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً .

النقاش:
لفظ "المحروم" اسم جنس محل باللام أفاد العموم فيستغرق كل من صح إطلاق لفظ المحروم عليه بأي وجه كان حرمانه وما ذكر من أقوال هي بيان لنوع الحرمان لا أن الاسم يلزم هذا خاصة..فلا يعدو أن يكونا تفسيرا بالمثال
فلهذا كان الأولى إبقاء لفظ الآية على عمومها حتى عدم المخصص لها
قال ابن جرير :
والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج ، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره ، فصار ممن حرمه الله ذلك ، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة ، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة ، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ ، كما قال جلّ ثناؤه : وفي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ .اهـ
-و لقائل أن يقول أن السياق قاض بتعين أحد تلك المعاني وهو المتعفف لأنه ذكر في مقابل السائل؛ فالمتعفف لا يسأل
قال ابن الجوزي : وأظهر الأقوال قول قتادة والزهري ، لأنه قرنه بالسائل ، والمتعفف لا يسأل ولا يكاد الناس يعطون من لا يسأل ثم يتحفظ بالتعفف من ظهور أثر الفاقة عليه ، فيكون محروما من قبل نفسه حين لم يسأل ، ومن قبل الناس حين لا يعطونه ، وإنما يفطن له متيقظ . وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة ، ولا يصح .اهـ
وكلام ابن الجوزي تطبيق للقاعدة التفسيرية القول الذي يدل عليه السياق أولى من غيره.
.وقال وقال العز بن عبد السلام: " إذا احتمل الكلام معنيين، وكان حمله على أحدهما أوضح وأشد موافقة للسياق كان الحمل عليه أولى" اهـ
فيكون ما دل عليه السياق وهو المتعفف أولى بالدخول في معنى الآية ؛ ولا يعني ذلك إبطال بقية الأقوال ؛ لا بل هي داخلة في معنى الآية ؛والآية باقية على عمومها كما ذهب إليه ابن جرير
****
(3) ناشئة الليل
{ إنّ ناشئةَ الليل } فيها أقوال :
أحدها : أنه قيام الليل ، بالحبشية ، وهو قول ابن مسعود وابن عباس و مجاهدو ابن أبي نجيح ...؛ وناشئة هي بلغة الحبش : قام.
عن ابن عباس إنّ ناشِئَةَ اللّيْلِ قال : بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل ، قالوا : نشأ
عن ابن أبي نجيح ، قال : إذا قام الرجل من الليل ، فهو ناشئة الليل .
عن مجاهد : أيّ ساعة تهجد فيها متهجد من الليل فهي ناشئة .

الثاني :أنه قيام الليل بعد النوم وهو قول عائشة
عن عبيد بن عمير قال : قلت لعائشة : رجل قام من أوّل الليل أيقال له قام ناشئة ؟ قالت : لا ، إنّما الناشئة القيام بعد النوم .
وقال يمان وابن كيسان : هي القيام من آخر الليل .
الثالث : أنه ما بين المغرب والعشاء ، قاله أنس بن مالك . عن عليّ بن الحسين
عن عليّ بن الحسين أنّه كان يصلّي بين المغرب والعشاء ويقول : أما سمعتم قول الله سبحانه : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } هذا ناشئة الليل .

الرابع : ما بعد العشاء الآخرة ، قاله الحسن ومجاهد .
عن عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله تعالى : { إن ناشئة الليل } قال : كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة عن مجاهد ، قال : كلّ شيء بعد العشاء فهو ناشئة .
الخامس :أنها ساعات الليل لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة ، قاله أبو عبيدة و ابن قتيبة .
أي ساعاته كلّها ، وكل ساعة منه فهي ناشئة سميت بذلك ؛ لأنها تُنشأ ، ومنه نشأت السحابة إذا بدت أنشاها الله وجمعها ناشيات
قال أبو عبيدة :" ساعات الليل وهي آناء الليل ناشئةً بعد ناشئة.
السادس : أنه بدء الليل ، قاله عطاء وعكرمة .
وقال عكرمة : ما قمت من أوّل الليل فهو ناشئة .
وقال أبو مجلد وقتادة : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة
السابع : أن الليل كله ناشئة ، وهو قول ابن عباس وعكرمة والفراء
والليل ناشئة: لأنه ينشأ بعد النهار
عن عكرمة ، في قوله : إنّ ناشِئَةَ اللّيْلِ قال : هو الليل كله .
نقاش:
ومرجع ما قيل في معنى ناشئة قولان:
الأول: أن "ناشئة الليل" هي زمان أو وقت من أوقات الليل ؛ و منهم من عممه وقال المراد به كل الليل ومنهم من خصه ببعض أجزاء الليل ؛إما أوله أو آخره أو هو بعد العشاء أو ما كان بين المغرب والعشاء
وسمي الليل وساعاته ناشئة لأنها حدث بعد لم تكن ؛ أو ابتدأ وجوده بعد أن لم يكن .
قال الجوهري: "وناشئة الليل أول ساعاته" قلت هذا قد قاله غير واحد من السلف إن ناشئة الليل أوله التي منها ينشأ الليل والصحيح أنها لا تختص بالساعة الأولى بل هي ساعاته ناشئة بعد ناشئة كلما انقضت ساعة نشأت بعدها أخرى وقال أبو عبيدة: "ناشئة الليل ساعاته وآناؤه ناشئة بعد ناشئة" قال الزجاج: "ناشئة الليل كلما نشأ منه أي حدث منه فهو ناشئة" قال ابن قتيبة: "هي آناء الليل وساعاته" مأخوذة من نشأت تنشأ نشأ أي ابتدأت وأقبلت شيئا بعد شيء وأنشأها الله فنشأت والمعنى أن ساعات الليل الناشئة...تهذيب اللغة

الثاني : أن" ناشة الليل" فعل ينشأ بالليل ؛..فالناشئة اسم لما يفعل بالليل من القيام
وجه هذا القول أن معنى نشأ: قام ؛يقال نشأ الرجل إذا قام من الليل ف"ناشئة" على هذا جمع " ناشئ " أي قائم
وأصحاب هذا القول انقسموا فئتين منهم من جعل مطلق قيام الليل ناشئة ومنهم من خصه بالقيام بعد النوم؛فلا يكون القيام عندهم ناشئة إلا إذا تقدمه نوم
قال ابن الأعرابي قال: "إذا نمت من أول الليل نومة ثم قمت فتلك النشأة"
قال ابن سيده ."..وقيل: الناشِئَةُ والنَّشيئَةُ إذا نِمتَ من أولَّ نَوْمةٍ"
قال ابن القيم:..على قول الأولين ناشئة الليل بمعنى من إضافة نوع إلى جنسه أي ناشئة منه وعلى قول هؤلاء –الثاني- إضافة بمعنى "في" أي طاعة ناشئة فيه والمقصود أن الإنشاء ابتداء سواء تقدمه مثله كالنشأة الثانية أو لم يتقدمه كالنشأة الأولى..} اهـ شفاء العليل

ف "ناشئة الليل" من اطلاقات و التراكيب الغوية السائغة؛ فصح حمل الآية على جميع معانيها
وقد رجح شيخ الإسلام أن ناشئة الليل هي القيام من النوم واستند في ذلك إلى السنة قال : وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ هُوَ إذَا قَامَ الرَّجُلُ بَعْدَ نَوْمٍ لَيْسَ هُوَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي وَالْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ كَانَ يَقُومُ بَعْدَ النَّوْمِ لَمْ يَكُنْ يَقُومُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ." اهـ

تطبيقات الدرس الثامن:
- بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1)
سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
في "سبيل "ورد قراءتان:
سبيل بالرفع..: " وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين " ؛ وفيه إسناد الفعل "تستبين" إلى" سبيل " ؛ و معنى الكلام : وكذلك نفصّل الاَيات ولتتضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين ؛ فالبيان والاستبانة للسبيل
وسواء قرئ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين ؛ بالتاء في الفعل تستبين ؛أو قرئ بالياء وَليسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين؛ فالمعنى واحد لا يغير والتذكير والتأنيث راجع إلى لهجات قبائل العرب؛ فمن العرب من يذكر السبيل وهم تميم وأهل نجد ، ومنهم من يؤنث السبيل وهم أهل الحجاز
سبيل بالنصب...: " وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ المجرمين "؛ فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والفعل مسند له ؛ والمعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين . أي :وَلِتَتَبَيَّنَ أَنْتَ سَبِيلَهُمْ.
وكان ابن زيد يتأوّل ذلك : ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين الذين سألوك طرد النفر الذين سألوه طردهم عنه من أصحابه .
فالفعل بان يستعمل لازما ومتعديا...قال ابن تيمية:"..وَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ بَانَ الشَّيْءُ وَبَيَّنْته وَتَبَيَّنَ الشَّيْءُ وَتَبَيَّنْته وَاسْتَبَانَ الشَّيْءُ وَاسْتَبَنْته كُلُّ هَذَا يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا " اهـ مجموع الفتاوي

فاختلاف المحل الإعرابي أثر على معنى الآية؛ وكلا المعنيين صحيح
) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}

في مرجع الضمير في "جعلناه" أقوال :
1-أنه يرجع إلى القران وهو قول السدي..
فالقران هو النور الذي هذه الله به عباده ؛ أي : ولكن جعلنا القرآن ضياء للناس يستضيء بنوره من يشاء الله عز وجل ومن يوفقه.
2-أنه يرجع إلى الإيمان أي : جعلنا الإيمان نوراً . وهو قول ابن عباس والضحاك.. والحجة في ذلك أنه أَقْرَبَ الْمَذْكُورِينَ..والمعنى جعلنا الإيمان نورا يهدي به من يشاء الله هدايته
3-أنه راجع إلى الإيمان والكتاب ، ولكن وحد الهاء ، لأن أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل ، كما يقال : إقبالك وإدبارك يعجبني ، فيوحدهما وهما اثنان .
كقوله { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } ؛ و كقوله : { والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } .
4-أن الضمير يرجع إلى "الأمر" ذكره ابن القيم ولم ينسبه إلى أحد
5- أن الضمير يرجع إلى "الروح" ذكره ابن القيم ورجحه؛ قال ابن القيم:" وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى الرُّوحِ، فِي قَوْلِهِ: {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ أَمَرَهُ رُوحًا وَنُورًا وَهُدًى" .اهـ
و قال أيضا :.. فَجَعَلَهُ رُوحًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ حَيَاةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ الَّتِي هِيَ الْحَيَاةُ فِي الْحَقِيقَةِ. وَنُورًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالرَّشَادِ......وقال أيضا وَسَمَّاهُ نُورًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ اسْتِنَارَةِ الْقُلُوبِ وَإِضَاءَتِهَا وَكَمَالِ الرُّوحِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ: بِالْحَيَاةِ وَالنُّورِ..اهـ
.
وإن اختلفت أقوال المفسرين في مرجع الضمير إلا أن المعنى واحد لا تعارض بينهما
فالقران نور والإيمان نور والكتاب والقران هو الموحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسماه الله في كذا موضع من كتابه روحا؛ فجميع تلك الأقوال تنصب في معنى واحد القران وحي من الله ..وجعل الله وحيه روحا ونورا فمن لم يحيه بهذا الروح فهو ميت ومن لم يجعل له نورا منه فهو في الظلمات ماله من نور
لهذا قال ابن القيم في إغاثة اللهفان :
فجمع بين الروح الذي يحصل به الحياة، والنور الذي يحصل به الإضاءة والإشراق، وأخبر أن كتابه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم متضمن للأمرين، فهو روح تحيا به القلوب، ونور تستضيء وتشرق به، كما قال تعالى:
{أَوَمَنْ كَانَ ميْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ في النَّاسِ كَمَنْ مَثَلهُ فِي الظُّلمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122] اهـ

تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1: "
مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}
والمزيد:دائر بين المصدرية و المفعول
الْمَزِيدُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ
1- يجوز أن يكون مصدراً كالمحيد والمميد، والمعنى هل مِنْ زيادةٍ ؛ مصدرا .
2-ويجوز أن يكون اسمَ مفعول كالمبيع ؛ والمعنى : هل من شيءٍ تَزيدونَنِيْه أَحْرِقُهُ.
مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}
"منزلا" قرئ بقرآءتين
1-قراءة الجمهور { مُنَزلاً } بضم الميم وفتح الزاي وهو اسم مفعول من ( أنزله ) على حذف المجرور ، أي مُنزَلا فيه .؛ موضعَ إنزالٍ.. ويجوز أن يكون مصدراً ، أي : أنزلني إنزالا مباركا . والمعنيان متلازمان .كما قال الطاهر ابن عاشور
-وقرأه أبو بكر عن عاصم: «مَنْزِلاً » بفتح الميم وكسر الزاي ، وهو اسم لمكان النزول ؛موضع النزول والمعنى : أنزلني مكانا مباركا وموضعا. قال الجوهري : المنزل ( بفتح الميم والزاي ) النزول وهو الحلول ، تقول : نزلت نزولا ومنزلا
فلفظ منزل يحتمل المصدرية أي طلب نزولا مباركا كما أنه يحتمل مكان ومحل النزول أي طلب موضعا مباركا
فهو لفظ واحد شمل عدة معاني
5. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
قرئ بقراءتين
1-قراءة الجمهور بالغ بالتنوين ، أمره بالنصب ؛ بالقطع عن الإضافة ؛" والمعنى :".: تام وكامل أمره وحكمه وشرعه لما فيه من الحكم والرحمة.
يبلغُ ما يريدُهُ لا يفوتُهُ مرادٌ ولا يُعجزُه مطلوبٌ
2-وقرأ عاصم " بالغُ أمره" بالغ أمره " بالإضافة وحذف التنوين استخفافا" ؛
والمعنى : يبلغ ما أراد من أمره ؛ لا بُدَّ مِنْ نفوذِ أمرِ اللَّهِ ؛ فمن تيقن ذلك فوض أمره إليه وعول عليه
.
قال مسروق : الله بالغ أمره بكل حال ، توكل عليه أو لم يتوكل عليه ، أي : منفذ قضاءه بكل حال ، غير أن المتوكل عليه يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا
قال الثعالبي : ..لا بُدَّ مِنْ نفوذِ أمرِ اللَّهِ ؛ توكلتَ أيُّهَا المرءُ أوْ لَمْ تَتَوَكَّلْ ؛ قاله مسروق ؛ فإنْ توكلتَ على اللَّهِ كَفَاكَ وَتَعَجَّلَتِ الراحةُ والبَرَكةُ ، وإن لم تتوكَّلْ وَكَلَكَ إلى عَجْزِكَ وَتَسَخَّطَكَ ، وأمرُه سبحانَه في الوجهين نَافِذٌ .:"
فبالغ اسم فاعل للدلالة على المبالغة في تمام أمره حتى بلغ الكمال و مبالغة في نفوذ أمره وقضاءه على كل حاله فلا يفوته شيء ولا يعجزه أمر

والله أعلم

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 جمادى الأولى 1441هـ/11-01-2020م, 12:25 AM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة "السبيل إلى فهم القرآن"

اختر تطبيقين من كلّ درس وأدّها:

تطبيقات الدرس السادس:
1. معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}
ورد هذا المقطع الكريم في ثلاثة مواضع من كتاب الله هي:
- الآية 49 من سورة البقرة.
- الآية 141 من سورة الأعراف.
- الآية 6 من سورة إبراهيم.
وكلها في سياق الامتنان على بني إسرائيل

والبلاء في اللغة الاختبار والامتحان ويطلق على الخير والشر قال الخليل بن أحمد في العين:
والبَلاءُ، في الخَيْر والشَّرِّ. واللَّه يُبْلي العَبْدَ بلاءً حَسَناً وبَلاءً سَيِّئاً.
قَالَ تَعَالَى:
- وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ [الْأَعْرَاف:168]
- [وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً] [الأنبياء: 35]

وللمفسرين في هذه الآية ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المعنى هنا يقتصر على النعمة وهي النجاة من آل فرعون. وممن اقتصر على هذا المعنى الزجاج.
القول الثاني: أن المعنى هنا يقتصر على المصيبة وهي ما كان فرعون يفعل بهم قبل النجاة. وممن اقتصر على هذا المعنى ابن عاشور.
القول الثالث: من المفسرين من ذكر المعنيين دون ترجيح، فإذا عاد قوله تعالى: {وفي ذلكم} على قوله {وإذ نجيناكم} يكون معنى بلاء عظيم: نعمة عظيمة، وإذا عاد قوله {وفي ذلكم} على ما كان يعمله فرعون من الذبح والإذلال يكون معنى بلاء عظيم: مصيبة.


وقد استشهد أصحاب القول الأول ب:
- قوله تعالى: {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا}
- وبقول الأحنف: البلاء ثم الثناء، أي الأنعام ثمّ الشكر.
- وبقول زهير:
جزى اللّه بالإحسان ما فعلا بنا*** وأبلاهما خيـر البـلاء الـذي يبلـو

واستدل أصحاب القول الثاني ب
- أن البلاء شاع في اخْتِبَارِ الشَّرِّ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إِعْنَاتًا لِلنَّفْسِ.
- أن أَشْهَرُ اسْتِعْمَالِهِ إِذَا أُطْلِقَ أَنْ يَكُونَ لِلشَّرِّ فَإِذَا أَرَادُوا بِهِ الْخَيْرَ احْتَاجُوا إِلَى قَرِينَةٍ.
- أن صيغة المصدر" بلاء" تكاد لا تطلق إلا على المكروه، وما ورد في الخير يأتي بصيغة الفعل {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [سُورَة الْأَنْبِيَاء: 35].
- دلالة قوله عظيم على أنه يشير للمصيبة العظيمة.
وردوا على اعتراض:
كيف يعبر عن معنى المصيبة بقوله {من ربكم} بأن ترك آل فرعون وعدم ردعهم يجعله كالوارد من الله وهو جزاء لهم على نبذهم الحق.
كما أن التعبير بالربوبية هنا للدلالة على إرادة صلاح المستقبل.
ونسب القرطبي وابن عطية هذا القول للجمهور.

وممن ذكر أن البلاء في هذه الآية يفسر بالنعمة والمصيبة الطبري
فقد ذكر أنه يأتي بمعنى النعمة وروى هذا القول عن ابن عباس، والسدي، ومجاهد، وابن جريج
وقال في موضع آخر: وقد يكون "البلاء"، في هذا الموضع نَعْماء، ويكون: من البلاء الذي يصيب النَّاس من الشدائد.
كما ذكر ابن عطية والقرطبي وابن كثير القولين دون ترجيح

الترجيح:
المفردة تصلح للمعنيين في أصل اللغة، وفي موضعها من الآية، ولا مانع من حملها عليهما فالله سبحانه وتعالى ابتلى بني إسرائيل بالعذاب وبتسلط فرعون عليهم ابتلاء صبر، وابتلاهم بنعمة النجاة من آل فرعون ابتلاء شكر، وكلا الحدثين ذكرا في الآية ولا يمنع من تعلق البلاء بكليهما مانع فظهر لنا بديع إحكام وضع هذه المفردة في هذا الموضع الذي يوسع المراد منها والله أعلم.

2. معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}
تصف هذه الآية الكريمة مشهدا من مشاهد الآخرة، متعلق بحال الشمس
وقد تنوعت عبارات المفسرين في ذكر معنى التكوير هنا.
ومن أجود ما مر بي من كلامهم ما ختم به الطبري رحمه الله بعد أن ذكر روايات عن المفسرين تفيد بعضها بأن المعنى هو ذهاب الضوء وبعضها أن المعنى هو الرمي بها حيث قال:
"والصواب من القول في ذلك عندنا: أن يقال: (كُوِّرَتْ) كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها، وكذلك قوله: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فَرُمِي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأوّلناه وبيَّناه لكلا القولين اللَّذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كُوِّرت ورُمي بها، ذهب ضوءها".

قال صاحب أضواء البيان اخْتَلَفَ فِي مَعْنَى «كُوِّرَتْ» هُنَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ، وَكُلُّهَا تَدُورُ عَلَى نِهَايَةِ أَمْرِهَا.
وقال: وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ، أَنَّ هَذَا كُلَّهُ رَاجِعٌ إِلَى تَغَيُّرِ حَالِهَا فِي آخِرِ أَمْرِهَا ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهَا أَجَلًا مُسَمًّى، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَعْلَمُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -

وقال ابن عطية:
«تكوير الشمس»: هو أن تدار ويذهب بها إلى حيث شاء الله كما يدار كور العمامة، وعبر المفسرون عن ذلك بعبارات، فمنهم من قال: ذهب نورها قاله قتادة، ومنهم من قال: رمي بها، قاله الربيع بن خيثم وغير ذلك مما هو أشياء توابع لتكويرها.

فتبين لنا أن سعة ما حوته هذه المفردة من معان صحيحة تركت في أذن السامع وقلبه تنوعا مهيبا لحال ذلك اليوم العظيم نسأل الله أن نكون ممن كتب في الناجين.


تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:
1. ناشئة الليل
جاءت هذه الآية الكريمة بعد أمره صلى الله عليه وسلم بقيام الليل.
قال ابن عاشور أنها: "تَعْلِيلٌ لِتَخْصِيصِ زَمَنِ اللَّيْلِ بِالْقِيَامِ فِيهِ فَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِجُمْلَةِ {قُمِ اللَّيْلَ}، أَيْ قُمِ اللَّيْلَ لِأَنَّ ناشئته أَشد وطأ وَأَقْوَمُ قِيلًا".
وقال: " وناشِئَةَ وَصْفٌ مِنَ النَّشْءِ وَهُوَ الْحُدُوثُ.. ثم قال: فَتَعَيَّنَ أَنَّ مَوْصُوفَهُ الْمَحْذُوفَ هُوَ صَلَاةٌ، أَيِ الصَّلَاةُ النَّاشِئَةُ فِي اللَّيْلِ"
وقال: "وَوَصْفُ الصَّلَاةِ بِالنَّاشِئَةِ لِأَنَّهَا أَنْشَأَهَا الْمُصَلِّي فَنَشَأَتْ بَعْدَ هَدْأَةِ اللَّيْلِ فَأَشْبَهَتِ السَّحَابَةَ الَّتِي تَتَنَشَّأُ مِنَ الْأُفُقِ بَعْدَ صَحْو"

وقد قيل في معنى {ناشئة}:

- أنها أَوْقَاتُ الليل وَسَاعَاتُهُ، لِأَنَّ أَوْقَاتَهُ تَنْشَأُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، وَمِنْهُ نَشَأَتِ السَّحَابَةُ إِذَا بَدَأَتْ وَأَنْشَأَهَا اللَّهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18]
- أنها مصدر بمعنى قيام الليل قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْحَبَشَةُ يَقُولُونَ: نَشَأَ أَيْ قَامَ.
- أنها ما ينشأ في الليل من الطاعات
كما اختلفت عبارات السلف في تحديد الوقت المتعلق بهذا اللفظ وهو ناشئة الليل:
- فقيل هُوَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، تَمَسُّكًا بِأَنَّ لَفْظَ نَشَأَ يُعْطِي الِابْتِدَاءَ.
- وقيل هِيَ اللَّيْلُ كُلُّهُ، لِأَنَّهُ يَنْشَأُ بَعْدَ النَّهَارِ
- وقيل ما بعد العشاء الآخرة إلى الصبح.
- وقيل النَّاشِئَةُ الْقِيَامُ بِاللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ.

قال ابن عاشور:
"وَإِيثَارُ لَفْظِ ناشِئَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ: قِيَامٍ أَوْ تَهَجُّدٍ، لِأَجْلِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي لِيَأْخُذَ النَّاسُ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ".

2. السيما في قول الله تعالى: {سيماههم في وجوههم}
السِّيمَا: الْعَلَّامَةُ
وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنَ السِّيمَا الَّتِي وُصِفَتْ بِأَنَّهَا مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ عَلَى أقوال ذكرها المفسرون هي:
1. أنها علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يوم القيامة، يعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدنيا.
2. أنها علامات معنوية تظهر في وجوه المصلين في الدنيا سواء كانت أثر السمت والخشوع، أو أثر السهر والتعب والصفرة.
3. أنها علامة تظهر على الجباه كالشامة من أثر السجود.
4. أنها آثار التراب والطين وندى الطهور وما يعلق بجباههم من أثر ما يسجدون عليه.

قال ابن عاشور بعد أن عدد الأقوال: وكُلُّ ذَلِكَ مِنَ السِّيمَا الْمَحْمُودَةِ

وقال الطبري ما معناه: أن الله سبحانه لما وصفهم لم يخص وقت دون وقت فيحمل المعنى على كل الأوقات في الدنيا والآخرة مما هو من أثر السجود.

تطبيقات الدرس الثامن:
بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
1. سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
قرأ نافع {سبيل} بفتح اللام على أنها مفعول لتستبين فيكون المعنى " لتستبين أنت - يا محمد- سبيل المجرمين.
وقرأها البقية برفع اللام على أنها فاعل لتستبين فيكون المعنى " ليتضح سبيل المجرمين ويعرف فيسهل اجتنابه" .

وقد رجح الطبري قراءة الرفع بحجة أن الله سبحانه فصل الآيات ليتبين الحق للجميع، ولكن القراءة الأخرى سبعية ولا ترد لهذا السبب، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته ما لم يكن في الكلام قرينة تدل على الخصوصية.
فتبين أن هذه المفردة قد دلّت بإعرابيها الصحيحين على معنيين مختلفين يصحّ اجتماعهما، وهذا من دلائل إحكام القرآن وبركة ألفاظه واتسّاع معانيه.


2. مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}


الأصل في الضمير أن يعود على أقرب مذكور وهو هنا الإيمان ولكن قد يعود الضمير على غير الأقرب لوجود قرينة أو مانع.
وبتتبع أقوال المفسرين في هذه الآية نجد الأقوال التالية:
1. أن الضمير يعود على الكتاب.
2. أن الضمير يعود على الإيمان.
3. أن الضمير يعود على قوله {روحا من أمرنا}، سواء عبروا عن ذلك بقولهم القرآن أو الوحي أو الروح أو الأمر.
4. ومنهم من جوز العودة على الكتاب والإيمان معا وإن كان لفظ {جعلناه} أتى بصيغة المفرد كما ذكر الفراء والطبري في أحد قوليه إنه لا مانع من أن يكون المعني الكتاب والإيمان لأن أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحدهما وهما اثنان، كما ذكره القرطبي

وبتأمل الأقوال نجد أنها كلها صحيحة من حيث الإعراب ومن حيث المعنى فالنور يصح أن يوصف به الكتاب والإيمان والوحي، وقد قال بكل منها أهل العلم، ولا مانع من حمل الضمير على جميعها وتدبر المعنى الحاصل من ذلك أسأل الله أن ينور قلوبنا بالقرآن وبالإيمان وبالعمل بشريعته واتباع هداه.
والله أعلم

تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1. "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}
- يحتمل أن تكون مصدرا ميميا بمعنى الزيادة، فيكون المعنى ما من مزيد.
- ويحتمل أن تكون اسم مفعول من زاد، فيكون المعنى أنها تطلب المزيد من الإنس والجن يلقون فيها.
والله أعلم بمراده لكن المعنى يصح في كلا الوجهين فإن كان قول جهنم -أعاذنا الله منها- قبل أن يضع الرحمن سبحانه فيها قدمه وتقول قط قط كما جاء في الحديث، فالمعنى أنها تطلب الزيادة التي وعدت بها حيث أنها موعودة بأن تمتلئ وإن كان المعنى بعد ذلك فالمعنى ما من مزيد، ولعل هذا من سعة ألفاظ القرآن وبركتها والله أعلم.

(لست متأكدة من ارتباط المعنى بدلالة الصيغة الصرفية ولم أجد مرجعا للتحقق، وقد ذكر ابن عاشور احتمال كونه مصدرا ميميا أو اسم مفعول دون ربطه بالمعنى، وزاد الماوردي احتمال هل يزاد في سعتي فهل تكون في هذه الحالة اسم مكان؟)

2. "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}
يحتمل أن تكون منزلا -بضم الميم وفتح الزاي-
1. اسم مفعول والمعنى حينئذ يعود لمن وقع عليه الفعل
2. مصدرا والمعنى حينئذ: إنزالا مباركا
والمعنيان متلازمان
وقرأها شعبة عن عاصم منزلا بفتح الميم وكسر الزاي وتكون في هذه الحالة اسم مكان يقصد بها مكانا مباركا.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 رجب 1441هـ/23-03-2020م, 03:33 AM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم

مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة "السبيل إلى فهم القرآن"


تطبيقات الدرس السادس:

4: معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
قيل في معنى النحر أقوال:
==القول الأول:
هُوَ وَضْعُ الْيَمِين عَلَى الشمال فِي الصَّلَاةِ
=تخريج هذا القول:
وهذا القول رواه عبد الرزاق في تفسيره، وابن أبي شيبة في المصنف، والطبري في تفسيره والحاكم في المستدرك عن عقبة بن ظهير عن علي بن أبي طالب:
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ: «هُوَ وَضْعُكَ يَمِينَكَ عَلَى شِمَالِكَ فِي الصَّلَاةِ»
وذكره الجصاص في أحكام القرآن عن ابن عباس

==القول الثاني:
هو نحر البدن أي ذبحها بقطع الحلقوم والمريء من بهيمة الأنعام.
=تخريج هذا القول:
وهذا القول رواه عبد الرزاق في تفسيره عن عطاء. فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ: «صَلِّ الصُّبْحَ بِجَمْعٍ , وَانْحَرِ الْبُدْنَ بِمِنًى»
والطبري في تفسيره عن ابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة، والحسن وقتادة، ومجاهد، وابن زيد، وأبن أبي حاتم عن مجاهد وعطاء وعكرمة، وسعيد بن جبير.
وذكره الثعلبي في تفسيره عن سعيد بن جبير ومجاهد وذكره الجصاص في أحكام القرآن عن الحسن

=القول الثالث:
هو رفع اليدين عند الإحرام وعند الركوع والرفع منه
=تخريج هذا القول:
روي هذا القول الطبري في تفسيره عن أبي جعفر، وابن أبي حاتم في تفسيره، الحاكم في المستدرك عن علي بن أبي طالب:
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ النَّحِيرَةُ الَّتِي أَمَرَنِي بِهَا رَبِّي؟» قَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَحِيرَةٍ وَلَكِنَّهُ يَأْمُرُكَ إِذَا تَحَرَّمْتَ لِلصَّلَاةِ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ إِذَا كَبَّرْتَ، وَإِذَا رَكَعْتَ، وَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهَا صَلَاتُنَا وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَفْعُ الْأَيْدِي مِنَ الِاسْتِكَانَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] "
وفي الإسناد إسرائيل صاحب عجائب لا يعتمد عليه وأصبغ شيعي متروك عند النسائي

==القول الرابع:
استقبل القبلة بنحرك
=القائلين به:
ذكر هذا بعض أهل اللغة
=توجيه هذا القول:
أنه سمع بعض العرب يقول: منازلهم تتناحر: أي هذا بنحر هذا: أي قبالته. وذكر أن بعض بني أسد أنشده:
أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ ... وَسَيِّدُ أهْلِ الأبْطَحِ المُتَنَاحِرِ
أي ينحر بعضه بعضا.


مناقشة الأقوال:
-قال الطبري: والذي يظهر أن المراد هنا هو القول الثاني، لأنه المعانى الأقرب والأظهر من معاني النحر وإن كانت الأقوال الأخرى مقبولة، ولهذا وجدت أن بعض المفسرين لما ذكروا هذه الأقوال اختاروا هذا القول كما قال
ابن جرير الطبري بعد سرد الأقوال:
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان، شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له،.... إلى أن قال:
فتأويل الكلام إذن: إنا أعطيناك يا محمد الكوثر، إنعاما منا عليك به، وتكرمة منا لك، فأخلص لربك العبادة، وأفرد له صلاتك ونسكك، خلافا لما يفعله من كفر به، وعبد غيره، ونحر للأوثان.
-وقال الجصاص في أحكام القرآن بعد سرد الأقوال:
وَتَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى حَقِيقَةِ نَحْرِ الْبُدْنَ أَوْلَى لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ غَيْرُهُ لِأَنَّ مَنْ قَالَ نَحَرَ فُلَانٌ الْيَوْمَ عُقِلَ مِنْهُ نَحْرُ الْبُدْنَ وَلَمْ يُعْقَلْ مِنْهُ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُ يَدَهُ عِنْدَ النَّحْرِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ أَسْفَلَ السُّرَّةِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ) أ.ه


========================
5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}
ورد في معنى العصر أقوال منها:
==القول الأول:
أنه العشي
ومعنى العشي هو الوقت ما بين زوال الشمس وغروبها كما ذكره الشوكاني في فتح القدير.
القائلين به:
ورد هذا القول عن الحسن
تخريجه:
هذا القول رواه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن الحسن: في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ} [العصر: 1] قَالَ: هُوَ الْعَشِيُّ "
ورواه الطبري في تفسيره عن ابن ثور عن معمر عن الحسن.

==القول الثاني:
أنه ساعة من ساعات النهار
القائلين به:
روي هذا القول عن قتادة.
تخريجه
هذا القول رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ في تفسيره قال: قَالَ مَعْمَرٌ , وَقَالَ قَتَادَةُ: «سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ»

==القول الثالث:
أنها آخر النهار
-القائلين به:
روي هذا القول عن أبي بن كعب.
-تخريجه:
هذا القول رواه الثعلبي عن أبي أمامة عن أبي بن كعب في تفسيره.

==القول الرابع:
أنه الدهر.
-القائلين به.
روي هذا القول عن ابن عباس
-تخريجه:
رواه ابن الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
ذكره الواحدي في تفسيره، والبغوي في تفسيره
-ووجه هذا القول: أن الله أقسم بالدهر لأن فيه عبرة للناظرين من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار

==القول الخامس:
أنه صلاة العصر.
-القائلين به:
روي هذا القول عن مقاتل.
-تخريجه:
ذكر هذا القول الواحدي في تفسيره عن مقاتل، وكذا البغوي.

==القول السادس:
أن معناه "ورب العصر"
-القائلين به:
قال الزجاج أنه قول البعض، وكذا قال البغوي في تفسيره.

==القول السابع:
أنه آخر ساعة من ساعات النهار.
-القائلين به:
روي هذا القول عن قتادة.
-تخريجه:
ذكره البغوي في تفسيره عنه ولم يسنده.

مناقشة الأقوال:
قد جعل ابن جرير الطبري المراد الدهر -وهو القول الرابع- وأدخل فيه كل ما يكون تحته :
كالقول الأول -العشي-
والقول الثاني - أنه ساعة من ساعات النهار- ،
والقول الثالث -أنه آخر النهار- ،
والقول السابع - أنه آخر ساعة من ساعات النهار-.
فجعل هذه الأقوال الأربعة تحت القول بأنه الدهر ورجحه.

والذي يظهر أن المراد في السورة أن العصر هو: الوقت الكائن في آخر النهار قبل غروب الشمس وهذا القول يمثله القول الأول، والثاني، والثالث، والسابع
وإنما اخترت هذا القول لأنه المراد عند الإطلاق في خطاب الشرع، فإذا وردت كلمة العصر في القرآن فإن المراد بها هذا الوقت وقد استفدته من بعض مشايخي.
ووجدت في كلام للطاهر بن عاشور في تفسيره أنه قال عنه أنه أشهر إطلاق للفظ العصر حيث قال:
وَأَشْهَرُ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْعَصْرِ أَنَّهُ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ لِوَقْتٍ مَا بَيْنَ آخَرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَبَيْنَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فَمَبْدَؤُهُ إِذَا صَارَ ظِلُّ الْجِسْمِ مِثْلَهُ بَعْدَ الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَيَمْتَدُّ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الْجِسْمِ مِثْلَيْ قَدْرِهِ بَعْدَ الظِّلِّ الَّذِي كَانَ لَهُ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ. وَذَلِكَ وَقْتُ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَالْعَصْرُ مَبْدَأُ الْعَشِيِّ. وَيَعْقُبُهُ الْأَصِيلُ وَالِاحْمِرَارُ وَهُوَ مَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) انتهى

======================================================================================

تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(4) الحبل في قول الله تعالى: {إلا بحبل من الله وحبل من الناس}

ورد في المراد بالحبل قولان:
==القول الأول:
قيل إن المراد به العهد، وعهد الله ذمته، وعهد الناس حِلفهم ونَصرُهم
وهذا القول رواه عبد الرزاق عن معمر عن قادة
ورواه ابن جرير في تفسيره عن جماعة منهم ابن عباس، مجاهد، وقتادة، وعكرمة، والسدي، والربيع، وابن زيد، والضحاك، ورواه ابن المنذر عن ابن عباس، ومجاهد ونسبه لقتادة والضحاك وأبي عبيدة، أيضا
ورواه ابن أبي حاتم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ قَالَ: عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ وَعَهْدٌ مِنَ النَّاسِ) ثم قال وَرُوِيَ عَنِ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، والضحاك والسدي نَحْوُ ذَلِكَ. وذكره صاحب التحرير والتنوير،
المعنى على هذا القول:
وَالْمَعْنَى لَا يَسْلَمُونَ مِنَ الذِّلَّةِ إِلَّا إِذَا تَلَبَّسُوا بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ، أَيْ ذِمَّةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ إِذَا اسْتَنْصَرُوا بِقَبَائِلَ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَأَمَّا هُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ فَلَا نَصْرَ لَهُمْ. وَهَذَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا أعزّة بيشرب وَخَيْبَرَ وَالنَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ، فَأَصْبَحُوا أَذِلَّةً، وَعَمَّتْهُمُ الْمَذَلَّةُ فِي سَائِرِ أقطار الدُّنْيَا. [ذكره في التحرير والتنوير]

**وقد وقع خلاف بين أهل العربية في المعنى الذي جلب"الباء" في قوله:" بحبل"
-فقال بعض نحويي الكوفة -وهو الفراء في معاني القرآن-: الذي جلبها فعل مضمر قد تُرك ذكره، ومعنى الكلام: ضُربت عليهم الذلة أينما ثقفوا، إلا أن يعتصموا بحبل من الله واستشهدوا لقولهم ذلك بقول الشاعر:
رَأَتْنِي بِحَبْلَيْها فَصَدَّتْ مَخَافَةً ... وَفِي الحَبْلِ رَوْعَاءُ الفُؤَادِ فَرُوقُ
ورده الطبري بقوله: "وذلك في مذاهب العربية ضعيف، ومن كلام العرب بعيد. وأما ما استشهد به لقوله من الأبيات، فغير دالّ على صحة دعواه، لأن في قول الشاعر: "رأتني بحبليها"، دلالة بينة في أنها رأته بالحبل ممسكً" انتهى كلامه
- وقال آخرون من نحويي الكوفة: هو استثناء متصل، والمعنى: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا، أي: بكل مكان = إلا بموضع حبل من الله، كما تقول: ضُربت عليهم الذلة في الأمكنة إلا في هذا المكان.
وهذا يرد عليه أن الذلة مضروبة عليهم سواء كان لهم حبل من الله والناس أو لا فالذلة وصف ملازم لهم. وذهبوا لذلك لأنهم جعلوا الاستثناء متصلا وليس كذلك.
- قال أبو جعفر: ولكن القول عندنا أن"الباء" في قوله:"إلا بحبل من الله"، أدخلت لأن الكلام الذي قبل الاستثناء مقتضٍ في المعنى"الباء". وذلك أن معنى قوله:"ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا" ضربت عليهم الذلة بكل مكان ثقفوا = ثم قال:"إلا بحبل من الله وحبل من الناس" على غير وجه الاتصال بالأول، ولكنه على الانقطاع عنه. ومعناه: ولكن يثقفون بحبل من الله وحبل من الناس، كما قيل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً) [سورة النساء: 92] ، فالخطأ وإن كان منصوبًا بما عمل فيما قبل الاستثناء، فليس قوله باستثناء متصل بالأول بمعنى:"إلا خطأ"، فإن له قتله كذلك = ولكن معناه: ولكن قد يقتله خطأ. فكذلك قوله:"أينما ثقفوا إلا بحبل من الله، وإن كان الذي جلب"الباء" التي بعد"إلا" الفعل الذي يقتضيها قبل"إلا"، فليس الاستثناء بالاستثناء المتصل بالذي قبله، بمعنى: أن القوم إذا لُقوا، فالذلة زائلة عنهم، بل الذلة ثابتة بكل حال. ولكن معناه ما بينا آنفا.
وقال الزجاج: وما بعد الاستثناء في قوله تعالى: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ ليس من الأول، وإنما المعنى: أنهم أذلاء، إلا أنهم يعتصمون بالعهد إذا أعطوه.

==والقول الثاني:
قيل إن المراد بالحبل: القرآن
وهذا القول ذكره ابن كثير في تفسيره
واستدل له بما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمتِينُ، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ وهُوَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، ونَجَاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ" رواه مسلم.
وُروي مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ نَحْوُ ذَلِكَ
وقد ذكره عند تفسيره قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا" فاستدل بقوله تعالى "إلا بحبل من الله" الآية، ولما أتى لتفسير قوله تعالى "إلا بحبل من الله" لم يذكر غير العهد.
النقاش
كلا القولين يظهر لي أنه يصح أن يكون مرادا هنا، ووجه ذلك أن العهد من الله ومن الناس محل ذكره إنما هو القرآن الكريم فهو المصدر الذي نتلقى منه الأحكام
فالعهود التي لهم هي في القرآن ويكون المعنى بعهد من الله أو بعهد الله المذكور في القرآن.
والله أعلم


(5) السيما في قول الله تعالى: {سيماهم في وجوههم}
قيل في المراد بها أقوال:
=الأول: قيل المراد علامتهم الصلاة
روي هذا القول عبد الرزاق عن قتادة
=الثاني: قيل المراد العلامة التي تكون لهم يوم القيامة ويعرفون بها وهي بياض مواضع السجود
وقد روى هذا القول الطبري في تقسيره عن جماعة منهم:
ابن عباس قال: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة.
وخالد الحنفي، وعطية، ومقاتل ابن حيان، والحسن.
=والثالث: قيل المراد سيما الإسلام وهي الخشوع وترى عليهم في الدنيا
وقد روى هذا القول الطبري في تقسيره عن جماعة منهم:
ابن عباس في قوله (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) قال: أما إنه ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الإسلام وسَحْنته وسَمته وخشوعه.
، ورواه عن مجاهد
=والرابع: قيل المراد بها علامتها وأثرها في الدنيا يكون في وجوه المصلين من السهر
وقد روى هذا القول الطبري في تقسيره عن جماعة منهم:
الحسن (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) قال: الصفرة.
وعن شَمِر بن عَطية، في قوله (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) قال: تهيج في الوجه من سهر الليل.
=والخامس: قيل ذلك آثار ترى في الوجه من ثرى الأرض، أو نَدَى الطَّهُور.
روي هذا القول عن سعيد بن جُبير، في قوله (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) قال: ثرى الأرض، وندى الطَّهُور. رواه الطبري عن جعفر ابن أبي المغيرة عنه.
ثم رواه عن عكرمة

مناقشة الأقوال:
هذه الأقوال يجمعها قسمان كبيران:
أحدهما: أن العلامة المراد بها ما يكون في الآخرة، وهذا القسم يمثله القول الثاني
وهو العلامة التي تكون عليهم يوم القيامة فيعرفون بها وهي الغرة التي تكون في الوجه أو التحجيل في أعضاء الوضوء، وبياض الوجوه من أثر السجود وكل هذا دلت عليه أدلة منفصلة كثيرة.
والآخر: أن العلامة المراد بها ما يكون في الدنيا، وهذا القسم يندرج فيه باقي الأقوال فمنها ما يكون ناشئ عن الوضوء ومنها ما يكون ناشئ عن أداء الفرائض ومنها ما يكون ناشئ عن أداء النوافل ومنها ما يكون من أثر التزام أحكام الإسلام.
الترجيح:
كل هذه الأقوال يصح حمل المراد ب"سيماهم" عليها، وإنما قلنا ذلك لأن الله سبحانه وتعالى لم يقيدها بوقت معين ولذلك صح حملها على ما جاء في تفسيرها عند من قصد بها ما يكون في الدنيا وحملها عند من قصد بها ما يكون يوم القيامة. وقد ذهب لهذا القول ابن جرير الطبري في تفسيره بعد ذكر الأقوال ثم استدل على ترجيحه بما رواه عن قتادة (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) يقول: علامتهم أو أعلمتهم الصلاة.
ثم وجدت هذا التقسيم في زاد المسير في علم التفسير ولكنه لم يرجح شيئا.

=======================================================
تطبيقات الدرس الثامن:
- بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

ورد في قراءة "سبيل" قراءتان:
=الأولى
"سبيلَ" بالنصب على أنها مفعول به،
وهذه قراءة عامة قراء أهل المدينة.
ويكون معنى الآية على ذلك: ولتستبين أنت يا محمد، سبيل المجرمين.
وروي هذا عن ابن زيد وكان يتأول المقصود بالمجرمين هم من كان يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرد الصحابة من عنده.
قال الطبري: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن ريد: "ولتستبين سبيلَ المجرمين"، قال: الذين يأمرونك بطرد هؤلاء.

=الثانية:
"سبيلُ" بالرفع على أن القصد للسبيل، فهي فاعل يستبين أو تستبين
وهذه قراءة ذلك بعض المكيين وبعض البصرين.
وقراءة عامة الكوفيين مع "ليستبين" بالياء
وكأن معنى الكلام عندهم: وكذلك نفصل الآيات، ولتتضح طريقُ المجرمين لك وللمؤمنين.

النقاش:
تبين مما سبق أن إعراب الكلمة أثر على المعنى فعلى قراءة النصب يكون المعنى فيه اقتصار البيان على النبي صلى الله عليه وسلم فالخطاب له ليتبين طريق المجرمين
وعلى المعنى الثاني -وهو قراءة الرفع- فالخطاب عام له ولغيره ليعرفوا ويتضح لهم صفات "طريق المجرمين"
ولذلك نجد في كلام بعض المفسرين أنهم رجحوا الرفع لأنه أعم في بيان طريق أهل الضلال إذ أن المعنى أي وليظهر يا محمد -أو يا مخاطب- طريقُ المجرمين.
ولذلك:
ذكر ابن جرير الطبري أن القراءة الأولى بالصواب عنده قراءة الرفع لأن الله تعالى فصَّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبين الحقَّ بها من الباطل جميعُ من خوطب بها، لا بعضٌ دون بعض.
ثم بين وجه ترجيحه التقديم على قراءة النصب فقال:
ومن قرأ "السبيل" بالنصب، فإنما جعل تبيين ذلك محصورًا على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما القراءة في قوله: "ولتستبين"، فسواء قرئت بالتاء أو بالياء، لأن من العرب من يذكر "السبيل" = وهم تميم وأهل نجد = ومنهم من يؤنث "السبيل" = وهم أهل الحجاز. وهما قراءتان مستفيضتان في قرأءة الأمصار، ولغتان مشهورتان من لغات العرب، وليس في قراءة ذلك بإحداهما خلافٌ لقراءته بالأخرى، ولا وجه لاختيار إحداهما على الأخرى = بعد أن يرفع "السبيل" = للعلة التي ذكرنا.
قال الثعلبي:
ودليل المذكر قوله عزّ وجل وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ودليل التأنيث قوله تعالى لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وقوله عز وجل قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ ولذلك قرأ وَلِتَسْتَبِينَ بالياء والتاء. أنتهى
-واقتصر ابن كثير على ذكرها والله أعلم بسبب ذلك.


(4) مرجع الضمير في "به" في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}
=قيل في مرجع الضمير
=أنه يرجع لما كتموه وهو أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم واسمه وصدق نبوته
فقد نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم، كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم الثابتة في كتبهم، لئلا تذهب برياستهم ومآكلهم، والآية عامة في كل من كتم العلم لأجل ذلك.
عن قتادة قوله:"إنّ الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب" الآية كلها، هم أهل الكتاب، كتموا ما أنزل الله عليهم وبَين لهم من الحق والهدى، من بعث محمد صلى الله عليه وسلم وأمره. رواه الطبري عن يزيد بن زريع عن سعيد عنه.
ويدل عليه أيضا ما رواه ابن أبي حاتم قال: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا هَؤُلاءِ هُمُ الْيَهُودُ كَتَمُوا اسْمَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذُوا عَلَيْهِ طَمَعًا قَلِيلا، فَهُوَ الثَّمَنُ الْقَلِيلُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوُ ذَلِكَ.
وقد ذكره الثعلبي واقتصر عليه وكذلك البغوي والقرطبي.
ورجوع الضمير إلى المكتوم يظهر منه معنى جليل، وهو أنهم ما كتموا إلا لأجل الثمن الذي أرادوه فوقع منهم التحريف والتدليس لأجل استحقاق هذا الثمن.
=وقد يكون مرجع الضمير إلى "الكتاب"
وعلى هذا يكون الثمن هو التحريف للكتاب كله
ولكني لم أجد ذكر هذا المعنى.

فعلى المعنى الأول يكون الثمن هو التحريف والتدليس لأوصاف النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته، وعلى المعنى الثاني: يكون التحريف واقع في جميع الكتاب سواء ما يخص النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأحكام
وكلا الأمرين واقع منهم، وله أدلة كثيرة.
والله أعلم

=========================================================
تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}

ورد في قوله تعالى "منزلا" قراءتان:
=القراءة الأولى:
قرأت عامة الأمصار "منزلا" بضم الميم وفتح الزاي على أنها مصدر مفعول ثان، أو مفعول مطلق، ويكون المعنى؛ أنزلني إنزالا مباركا
ويحتمل أن يكون المراد بالإنزال أمرين:
إحداهما: الإنزال في السفينة بعد ركوبها،
وثانيهما: الإنزال من السفينة بأن يكون الهبوط بسلام.
عن مجاهد في قوله: (مُنزلا مُبَارَكًا) قال: لنوح حين نزل من السفينة. رواه الطبري
=القراءة الثانية:
قرأ عاصم "منزلا" بفتح الميم وكسر الزاي، على أنه اسم مكان، ويكون المعنى أنزلني مكانا من الأرض مباركا
وهو قول الكلبي: منزلا مباركا بالماء والشجر.
وهو أحد القولين فإنه يحتمل أن يكون المراد بالمكان أيضا أمران:
أحدهما: أنزلني في السفينة مكان مباركا ويكون البركة باعتبار النجاة من الهلاك فكونه في السفينة فهو في مكان مبارك بالنسبة لما حوله.
والآخر: أنزلني في مكان مبارك من الأرض بأن يكون فيه الماء والشجر والذرية ونحوه.

فتبين مما سبق أن اختلاف التصريف نتج عنه اختلاف في المعاني التي تفسر بها الآية، وهذا من عظمة القرآن، ومن براهين صدقه وأنه "تنزيل من حكيم حميد".
وهذا ما يسمى بالمشترك الصرفي وهو أخصّ من المشترك اللفظي، إذ المراد به أن تحتمل الصيغة الصرفية معنيين أو أكثر فهنا احتملت المصدرية على القراءة الأولى، واسم المكان على القراءة الثانية.

5. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
= قيل إنها منقطعة عما قبلها فالمعنى إن الله بالغ أمره بكل حال توكل عليه العبد أو لم يتوكل عليه.
روى ذلك القول ابن جرير الطبري في تفسيره عن جماعة منهم:
مسروق: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) توكل عليه أو لم يتوكل عليه، غير أن المتوكل يُكَفِّرْ عنه سيئاته، ويُعظِم له أجرًا.

==وقد وردت في "بالغ" قراءات
=إحداهما: "بالغُ" بالإضافة مع نصب "أمره" وهي قراءة طلحة بن مصرف، وحفص والمفضل عن عاصم.
والمعنى هنا أن الله سبحانه وتعالى بالغٌ ما يريد من الأمر لا يفوته شيء ولا يعجزه مطلوب.
=وثانيها: "بالغٌ" بالتنوين "أمرَه" بالنصب على أنها مفعول به، وهي قراءة الجمهور، والمعنى: أي هو سبحانه وتعالى منفذ أمره ممض في خلقه ما قضاه.
وهو بنفس المعنى على القراءة الأولى.
=وثالثها: ما نسب القرطبي في تفسيره إلى المفضل أنه قرأ "بالغاً أمرُهُ" على أن قوله "قد جعل الله" هي خبر إنّ، وبالغاً حال.
وعلى هذا المعنى فهو وصف لأمر الله بنفاذه

=ورابعها: ما نسبه القرطبي أيضا في تفسيره إلى داود بن أبي هند وأبو عمرو في رواية عنه وانب أبي عبلة أنهم قرأوا "" بَالِغٌ أَمْرُهُ" بِالتَّنْوِينِ وَرَفْعِ "أمره" على أنه فاعل أو مبتدأ مؤخر
قال الفراء في توجيه هذه القراءة: أَيْ أَمْرُهُ بَالِغٌ. وَقِيلَ:" أَمْرُهُ" مُرْتَفِعٌ" بِ" بَالِغٌ" وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: بَالِغُ أَمْرِهِ مَا أَرَادَ.
وقيل المعنى: سيبلغ أمره فيما يريد منكم، ومن أضاف حذف التنوين وهو مراد، كقوله: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} و {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}

وبقي من الكلام أن يقال إن صيغة المبالغة أتت على زنة "فاعل" وهي تأتي أحيانا للدلالة على المبالغة، وهي هنا تدل على المبالغة في بيان هذا الأمر وتحقق وقوعه وثبوته فإن أمره سبحانه وتعالى واقع لا محالة.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 5 شعبان 1441هـ/29-03-2020م, 02:04 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

تطبيقات الدرس السادس:
1: معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}.

هو الاختبار والامتحان ويستعمل في الخير والشّرّ، كما قال الله تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون}،
أي: اختبرناهم، وكما قال سبحانه: {ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً}.
والعرب تسمّي الخير بلاءً والشّرّ بلاءً، غير أنّ الأكثر في الشّرّ أن يقال: بلوته أبلوه بلاءً، وفي الخير: أبليته أبليه إبلاءً وبلاءً؛ ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:

جزى اللّه بالإحسان ما فعلا بكم ........ فأبلاهما خير البلاء الّذي يبلو
أي: خير النّعم الّتي يختبر بها عباده، ذكره ابن جرير.
ثمّ هو في هذه الآية هل يراد به الخير أم الشرّ؟ قولان لأهل العلم:
الأول: أنه الخير، فقالوا هو النعمة: أي في إنجائهم من عذاب بني إسرائيل نعمة عظيمة، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي، وابن جريج.
ويؤيده كونه معطوفا على الآية قبله وهي قوله تعالى: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم).
والثاني: أنه الشر، فيكون المعنى: في الذبح والاستحياء مكروه وامتحان، وقد عزاه القرطبي وابن عطية لجمهور العلماء.
وخلافهم عائد إلى عود الضمير في الآيات، فالقول الأول يرى عوده على الإنجاء، والقول الثاني يرى عوده على القتل والاستحياء.
و يصحّ تفسيره بالمعنيين، فيقال في إنجائهم من عذاب بني إسرائيل نعمة عظيمة، وفيما كان من تقتيلهم واستحياء نسائهم مكروه وامتحان.

2. معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}.
الكور في اللغة مأخوذ من كور العمامة، يقال: كارها يكورها كؤورا و كورا. و "كرت العمامة": إذا أدرتها على رأسك، ومنه قول الشاعر:
وصراد غيم لا يزال كأنه
ملاء بأشراف الجبال مكور
أي معصوب على الجبال ملوي ككور العمامة، ذكره أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري، [شرح أشعار الهذليين: 1/68]، ومحمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ [شرح المفضليات: 676].
ولأهل التفسير أقوال في معناها غالبها باعتبار الأثر الناتج عن التكوير:
القول الأول: ذهاب نورها، وهو قول ابن عباس، وأبي بن كعب، وقتادة، والحسن، قال ابن عباس: أظلمت.
القول الثاني: اضمحلت وذهبت، وهو قول قتادة ومجاهد وسعيد والضحاك.
القول الثالث: ألقيت ورمي بها.
القول الرابع: دهورت، وهو قول مجاهد وأبي صالح والربيع بن خثيم.
القول الخامس: النقصان بعد الزيادة.
قال ابن جرير: والصوابُ مِن القوْلِ في ذلكَ عندَنا أنْ يُقالَ: {كُوِّرَتْ} كما قالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. والتكويرُ في كلامِ العرَبِ: جَمْعُ بعْضِ الشيءِ إلى بعضٍ، وذلكَ كتكويرِ العِمَامَةِ، وهوَ لَفّها على الرأْسِ، وكتكويرِ الكَارَةِ، وهيَ جمعُ الثيابِ بَعْضِها إلى بعضٍ، وَلَفّها.
وكذلكَ قولُهُ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} إنَّما معناهُ: جمعُ بعضها إلى بعضٍ، ثمَّ لُفَّتْ فَرُمِيَ بها، وإذا فُعِلَ ذلكَ بها ذَهَبَ ضوؤها.
فعَلَى التأويلِ الذي تَأَوَّلْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ لِكِلا القوليْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُ عنْ أهلِ التأويلِ وَجْهٌ صحيحٌ؛ وذلكَ أنَّها إِذَا كُوِّرَتْ ورُمِيَ بها ذَهَبَ ضَوْؤها).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث، قد تغيرت حاله وانتقضت كما ينتقض كور العمامة بعد الشد.



3: معنى "الغاسق" في قول الله تعالى: {ومن شرّ غاسق إذا وقب}.
اختُلف في معنى الغاسق على أقوال :
القول الأول: أنه الظلام، وقد ذكره علماء اللغة.
قال قطرب: يقال: غسق الليل يغسق غسوقاً وغسقاً، أي أظلم، وهو خلاصة قول الأخفش، ومحمد بن القاسم بن بشار.
قال الشاعر:
إنّ هذا اللّيل قد غسقا
وشكوت الهمّ والأرقا
وقال ابن قتيبة: ويقال «الغاسق» القمر إذا كسف فاسود.

القول الثاني: أنه الليل، وهو قول ابن عباس ومجاهد و الحسن ، قال الزجاج: وقيل لليل غاسق -واللّه أعلم- لأنه أبرد من النهار، والغاسق البارد.
القول الثالث: أنه القمر، ومستندهم ما رواه الترمذي وابن جرير والحاكم من طريق الحارث بن عبد الرّحمن، عن أبي سلمة، عن عائشة أنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- نظر إلى القمر، فقال: «يا عائشة استعيذي باللّه من شرّ هذا، فإنّ هذا هو الغاسق إذا وقب».
القول الرابع: أنه كوكبٌ. وكانَ بعضُهم يقولُ: ذلك الكوكبُ هو الثُّرَيَّا. وهو قول أبي هريرة وابن زيد، ذلك لأنّ الأمراض كانت تهيج عنده.
وقد احتجّوا بأثرٍ عن النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رواه ابن جرير قال حدّثني نصر بن عليٍّ، حدّثني بكّار بن عبد اللّه، ابن أخي همّامٍ، حدّثنا محمد ابن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوفٍ، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ومن شرّ غاسقٍ إذا وقب}. قال: (النّجم الغاسق).
قال ابن كثير: وهذا الحديث لا يصحّ رفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.

القول الخامس: أنه النهار إذا دخل في الليل، وهو قول محمد بن كعب القرظي، والزهري.
قال ابن جرير: وأوْلى الأقوالِ في ذلك عندِي بالصوابِ، أن يُقالَ: إنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يَسْتَعِيذَ {مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} وهو الذي يُظْلِمُ، {إِذَا وَقَبَ}؛ يعني: إذا دَخَلَ في ظلامِه؛ والليلُ إذا دَخَلَ في ظلامِه غاسِقٌ، والنجمُ إذا أفَلَ غاسِقٌ، والقمرُ غاسِقٌ إِذَا وَقَبَ.
ولم يَخْصُصْ بعضُ ذلك بل عَمَّ الأمرُ بذلك، فكلُّ غاسِقٍ؛ فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُؤْمَرُ بالاستعاذةِ مِن شرِّهِ إِذَا وَقَبَ).
وخلاصة الأمر أنّ هذه الأقوال ترجع إلى قولين مختلفين، الأول أنه الليل بظلامه وبرودته وما فيه من نجوم وقمر، والثاني أنه النهار.

تطبيقات الدرس السابع:
(4) الحبل في قول الله تعالى: {إلا بحبل من الله وحبل من الناس}

القول الأول: عهد من الله وعهد من الناس، وهو قول ابن عباس وعكرمة وقتادة وعطاء الخراساني والسدي والربيع وابن زيد والضحاك.
ووجه تشبيهه بالحبل لأنه يصل قوما بقوم كما يفعل الحبل في الأجرام، ذكره ابن عطية.
القول الثاني: الأمان، ذكره ابن قتيبة، ووَجَّه تشبيهه بالحبل لأن الخائف مستتر مقموع، والآمن منبسط بالأمان متصرّف، فهو له حبل إلى كل موضع يريده.
وهذا تفسير ببعض المعنى، وهو العهد الذي يعطيه الناس، كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمّنه واحدٌ من المسلمين.
والعهد من الله هو الذمة بضرب الجزية عليهم وإلزامهم أحكام الملة، وهو خلاصة قول ابن كثير.
والمعنى أنهم أذلاء إلا أنهم يعتصمون بالعهد إذا أعطوه، وهو الذمة والأمان.
ويؤيده ما رواه ابن جرير أن أبا الهيثم بن التّيهان قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين أتته الأنصار في العقبة: أيّها الرّجل إنّا قاطعون فيك حبالاً بيننا وبين النّاس، أي: عهودًا.


(5) السيما في قول الله تعالى: {سيماههم في وجوههم}

السيما : العلامة، قال المبرد محمد بن يزيد الثمالي وأما في قوله عز وجل: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} فلم يقولوا فيه إلا قولاً واحدًا، قالوا: "معلمة"، ثم اختلفوا في توجيه معناها في هذه الآية على أقوال:
القول الأول: علامةٌ يجعلها اللّه في وجوه المؤمنين يوم القيامة، يعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدّنيا، ووصفت بأنها نور وبياض يكسو وجوههم يوم القيامة. وهو قول ابن عباس، وأبي بن كعب وخالد الحنفي وعطية العوفي ومقاتل بن حيان والحسن.
القول الثاني: أنه سيما الإسلام وسمته وخشوعه، وعنى بذلك أنّه يرى من ذلك عليهم في الدّنيا، وهو قول ابن عباس ومجاهد.
القول الثالث: أثرٌ يكون في وجوه المصلّين، مثل أثر السّهر، الّذي يظهر في الوجه مثل الكلف والتّهيّج والصّفرة، وما أشبه ذلك ممّا يظهره السّهر والتّعب في الوجه، ووجّهوا التّأويل في ذلك إلى أنّه سيما في الدّنيا، وهو قول الحسن وشمر بن عطية.
القول الرابع: آثارٌ ترى في الوجه من ثرى الأرض، أو ندى الطّهور، وهو قول سعيد بن جبير، وعكرمة.
القول الخامس: الخشوع والتواضع، وهو قول مجاهد، (والخشوع هو أثر السجود).
القول السادس: مما يتعلق بجباههم من الأرض عند السجود، وهو قول مالك.
القول السابع: علامتهم الصلاة فذلك مثلهم في التوراة وذكر مثلا آخر في الإنجيل فقال كزرع أخرج شطأه، وهو قول قتادة.
القول الثامن: السهر، وهو قول عكرمة، والضحاك (إذا سهر من الليل أصبح مصفرا
القول التاسع: السّحنة، وهو قول لمجاهد، قال ابن الأثير: السحنة بشرة الوجه وهيأته وحاله.
القول العاشر: استنارة وجوههم من كثرة صلاتهم وهو قول عطاء بن أبي رباح.
القول الحادي عشر: السجدة، قال ولرواية المستمليّ ومن وافقه توجيهٌ لأنّه يريد بالسّجدة أثرها في الوجه يقال لأثر السّجود في الوجه سجدةٌ وسجّادةٌ.
القول الثاني عشر: السمت الحسن، وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {سيماهم في وجوههم} قال السمت الحسن). كما في الدر المنثور.

و مردّ الخلاف إلى أمرين: الأول هل هي في الدنيا أم في الآخرة، والثانية: هل هي حسية أم معنوية.
فالقائلون بأنها معنوية: اختلفوا فيها فمنهم من قال صفرة الوجه، ومنهم من قال نور حيث تكون كالقمر ليلة البدر، ومنهم من قال لين البشرة والنعومة في المنظر.
والقائلون بأنّها حسية: قالوا بأن يكون بين عينيه مثل ركبة العنز.
و ردّه أقوام وقالوا: ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبًا من فرعون.
وأخرج الطبراني والبيهقي في "سننه" عن حميد بن عبد الرحمن قال: كنت عند السائب بن يزيد إذ جاء رجل في وجهه أثر السجود فقال: لقد أفسد هذا وجهه أما والله ما هي السيما التي سمى الله ولقد صليت على وجهي منذ ثمانين سنة ما أثر السجود بين عيني). كما في الدر المنثور
وأما النور فيؤيده ما روي عن ابن عباس: إن للحسنة نورًا في القلب وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس فما كمن في النفس ظهر على صفحات الوجه وفي حديث جندب بن سفيان البجلي عند الطبراني مرفوعًا ما أسرّ أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشرّ.
والقائلون بأنها في الآخرة قالوا:
كما يجعل غرة من أثر الوضوء، ويؤيد هذا التأويل اتصال القول بقوله تعالى: {فضلا من الله ورضوانا}، كأنه تعالى قال: علامتهم في تحصيلهم الرضوان يوم القيامة سيماهم في وجوههم من أثر السجود، وهو قول ابن عطية.
ورجح ابن جرير كونه في الدنيا والآخرة فقال: (وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذِكره أخبرنا أنّ سيّما هؤلاء القوم الّذين وصف صفتهم في وجوههم من أثر السّجود، ولم يخصّ ذلك على وقت دون وقتٍ وإذ كان ذلك كذلك، فذلك على كلّ الأوقات، فكان سيماهم الّذي كانوا يعرفون به في الدّنيا آثار الإسلام، وذلك خشوعه وهديه وسمته، وآثار عناء فرائضه وتطوّعه، وفي الآخرة ما أخبر أنّهم يعرفون به، وذلك الغرّة في الوجه والتّحجيل في الأيدي والأرجل من أثر الوضوء، وبياض الوجوه من أثر السّجود).


بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

القول الأول: أنها بالفتح، باعتبار كونها مفعولا به، والمخاطب هو النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين، وهي قراءة عامّة أهل المدينة.
القول الثاني : أنها بالرفع، على اعتبار كون السبيل فاعلا مرفوعا، و السبيل هي المستبانة، وهي قراءة بعض المكيين، وبعض البصريين، وعامة قرّاء أهل الكوفة.
ورجح ابن جرير قراءة الرفع، وعلل ذلك بقوله: (أنّ اللّه تعالى فصّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبيّن الحقّ بها من الباطل جميع من خوطب بها، لا بعضٌ دون بعضٍ.
ومن قرأ (السّبيل) بالنّصب، فإنّما جعل تبيين ذلك محصورًا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم).
والصواب أنّ القراءتين ثابتتان وبالإمكان الجمع بين المعنيين، فيستبين النبي صلى الله عليه وسلم سبيل المجرمين وتستبينه أمته كما علمها،
ويكون أيضا دالاّ على بيان الله لسبيل المجرمين وأنها مستبانة.
ولا ترجيح في القراءات، فهي كلها كلام الله سبحانه.



(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}
القول الأول: أنها تعود على الكتاب الذي هو القرآن، فتوحيده الهاء، وذِكره قبل الكتاب والإيمان، لقصد الإخبار عن الكتاب، ذكره ابن جرير، وهو قول السدي، وقول ابن عطية وابن كثير.
القول الثاني: أنها تعود على الإيمان والكتاب، وأجابوا عن توحيد الهاء، بأنّ أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحّدهما وهما اثنان، ذكره ابن جرير وقال به الفراء.
وقال الزجاج: (ولم يقل جعلناهما لأن المعنى: ولكن جعلنا الكتاب نورا، وهو دليل على الإيمان).
و الصواب أن الجمع بين القولين ممكن، والإيمان من لوازم الهداية بالقرآن وحصول النور، وهو متوجه لغة كما ذكر العلماء، والله أعلم.


تطبيقات الدرس التاسع:

2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلني مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}

يحتمل أن يراد به المصدر، ويحتمل أن يراد به المكان.
قال ابن جرير:
(واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: رَبِّ أَنْـزِلْنِي مُنْـزَلا مُبَارَكًا بضم الميم وفتح الزاي، بمعنى: أنـزلني إنـزالا مباركا. وقرأه عاصم مُنْـزَلا بفتح الميم وكسر الزاي. بمعنى: أنـزلني مكانًا مباركًا وموضعا).

5. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
يدل على معنى اسم الفاعل أي إن الله يبلغ أمره ما شاء، أو يبلغ أمره وينفذ.
قال الزجاج: (إنّ اللّه بالغ أمره) وتقرأ (بالغ أمره)، أي إن اللّه بالغ ما يريد. وقرئت إنّ اللّه بالغ أمره، على رفع الأمر ببالغ، أي إنّ اللّه يبلغ أمره وينفذ.
وفيه دلالة على الدوام والثبوت، قال ابن عطية: (أي لا بد من نفوذ أمر الله توكلت أيها المرء أو لم تتوكل قاله مسروق. فإن توكلت كفاك وتعجلت الراحة والبركة، وإن لم تتوكل وكلك إلى عجزك وتسخطك، وأمره في الوجهين نافذ).

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 رمضان 1441هـ/10-05-2020م, 12:17 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة "السبيل إلى فهم القرآن"
اختر تطبيقين من كلّ درس وأدّها:
تطبيقات الدرس السادس:
-اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:

3: معنى "الغاسق" في قول الله تعالى: {ومن شرّ غاسق إذا وقب}
-قال ابن شهاب: "الشمس". كما أخرجه ابن وهب في جامعه.
-"الليل". قال به البخاري في صحيحه, وابن عباس, والحسن, والقرظي, ومحمد بن كعب, ومجاهد, كما ذكره الطبري.
-"كوكب, وقال بعضهم: أنه الثريا". قال به أبو هريرة, وزيد كما روى عن العرب أنها تقول بذلك. ويعضد هذا القول: ما جاء عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}؛ قالَ:« النجْمِ الغاسِقِ». رواه الطبري, وقال ابن كثير: وهذا الحديث لا يصحّ رفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
-"القمر". جاءَ في حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنَّ الغَاسِقَ القَمَرُ. أَخْرَجَهُ النسائي والتِّرْمِذِيُّ وأحمد والحَاكِمُ والطبري مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ- نَظَرَ إلى القَمَرِ فقَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا» قَالَ: «هَذَا الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» إسنادُهُ حَسَنٌ. فتح الباري لابن حجر, وذكره ابن كثير.
وبالعودة للمعنى اللغوي الذي يدور حوله الغسق في كتب اللغة والمجامع اللغوية نجد أن الغسق بمعنى:
-"الليل والظلمة". الفراء, والأخفش, وعبدالله بن يحيى, وابن قتيبة, والزجاج, وغلام ثعلب, ومكي بن أبي طالب, قطرب, والقاسم بن سلام, والأنباري.
-وقد يعبر عنه بـ"القمر" كما ذكر عبدالله بن يحيى, وابن قتيبة, ومكي بن أبي طالب, واختاره غلام ثعلب.
بقي أن نقرر عدة تقريرات بعد استعراضنا للمعاني المذكورة:
اعلم أن وجود نص نبوي صحيح واضح المعنى والدلالة يكفينا في تفسير معنى الآية, بل ونعوذ بالله من أن نلتفت لغيره مع وجوده, فتفسيره مقدم, والعمل به واجب, [ ما لم يكن التفسير النبوي للتنبيه على المثال، أو على ما هو أولى فإنه لا يخصص عموم الآية ]

ولكن ما سنعمل عليه بإذن الله هو فرز الأقوال, فما كان منها صالحا يتناوله النص دون أن يناقض التفسير النبوي ضممناه لمعنى الآية, وما كان مناقضا استبعدناه, فنقول إذن:
-اعلم أن المراد بالغسق هو القمر, للحديث الذي أَخْرَجَهُ النسائي والتِّرْمِذِيُّ وأحمد والحَاكِمُ والطبري مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ- نَظَرَ إلى القَمَرِ فقَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا» قَالَ: «هَذَا الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» إسنادُهُ حَسَنٌ. فتح الباري لابن حجر, وذكره ابن كثير.
ويدخل تحت هذا القول من عبر عنه بـ"الليل", وهم عدد كبير ذوو وزن ثقيل من السلف, وذلك كما ذكر أهل اللغة أيضا بأن معنى الغسق يدور حول: "الظلمة", وقد يعبر عن ذلك بالليل أو القمر, لذا كان التعبير عن الظلمة بالليل والقمر مقبولة جميعا, إذ كلاهما دلالة الظلمة وعلامة دخولها.
بقي من عبر عن ذلك بالشمس, وهو معنى بعيد يصعب قبوله لمناقضته القول الأول, كما أن العودة لمعاجم اللغة تبين عدم مجيء الغسق بهذا المعنى, لكني بالعودة لقائله, أجد أن صاحبه عبر عن ذلك بقوله :"الشمس إذا غربت", فلعله عبر عن دخول الليل بمغيب الشمس, فاتفق في نهاية المطاف مع أصحاب القول الأول, ولكني أجد التعبير أقل دقة في تفسير الآية, لذا فقد أقبله في المحصلة النهائية كمعنى, لكن عبارته ليست من أدق العبارات في تفسير الآية.
وأما القول بأنها الثريا, فهو كذلك لا يعبر عن المعنى المقصود في الآية بالمقام الأول, لكني أقبله لقبولي عمومية معنى الغسق في الآية لا سيما مع نكارته, فقد أقول "من شر غاسق إذا وقب" بأن الله أرشدنا للاستعاذة من شر كل غاسق إذا وقب ويشمل هذا كل غاسق, القمر والليل في المقام الأول, وكل غاسق غيرهما في المقام الثاني, ولعل هذا هو رأي الطبري كذلك -رحمه الله-: " قال الطبري: وأوْلى الأقوالِ في ذلك عندِي بالصوابِ، أن يُقالَ: إنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يَسْتَعِيذَ {مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} وهو الذي يُظْلِمُ، يقالُ: قد غَسَقَ الليلُ يَغْسِقُ غُسُوقاً: إذا أظلَمَ.
[ راجعي معنى الغسق في كتب اللغة، وفيما درسناه في تفسير المعوذتين]

{إِذَا وَقَبَ}؛ يعني: إذا دَخَلَ في ظلامِه؛ والليلُ إذا دَخَلَ في ظلامِه غاسِقٌ، والنجمُ إذا أفَلَ غاسِقٌ، والقمرُ غاسِقٌ إِذَا وَقَبَ.
ولم يَخْصُصْ بعضُ ذلك بل عَمَّ الأمرُ بذلك، فكلُّ غاسِقٍ؛ فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُؤْمَرُ بالاستعاذةِ مِن شرِّهِ إِذَا وَقَبَ".
كما أجد في مقابلة الآيتين "قل أعوذ برب الفلق" (الفلق: الصبح كما جاء في كثير من الروايات), "من شر غاسق إذا وقب" (الغاسق: الليل) في الاستعاذة برب الفلق (الصبح) من شر الغسق (الليل) مقابلة بليغة وجميلة تؤكد معنى دوران الغسق حول الليل والظلمة بالمقام الأول.

5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}
-"العشي". قال به الحسن, وذكره عبدالرزاق, والطبري, وقطرب.
-"ساعة من ساعات النهار". قال به قتادة, وذكره عبدالرزاق, وابن عباس, وذكره الطبري.
-"الدهر". قال به الفراء, وذكره البخاري, وقال به زيد بن أسلم, وذكره السيوطي, وقال به ابن قتيبة, ومكي بن أبي طالب, وقطرب, وابن السكيت.
-"الليل والنهار". قال به ابن كيسان, وذكره العيني.
-"الصلاة الوسطى". قال به مقاتل. وذكره العيني.
-"قال ابن حجر: تَنْبِيهٌ:
لم أَرَ في تَفْسِيرِ هذه السورةِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا".
وما دام المعنى هو المقصود هنا, فإنني بالعودة للقواميس اللغوية أجد أن العصر يدور حول: "الدهر, والعشي".
فإذن هذا المعنى يشمل جميع الأقوال سوى قول مقاتل لغرابته, [ تخريجه أن التعريف للعهد الذهني ] وإبعاده عن المعنى الذي أقسم الله به على خسارة الإنسان, وهو الزمن والدهر, ونجد أن جميع أقوال السلف الأخرى تدور في هذا الفلك, ولكن اختلفت التعبيرات:
فقد جاء التعبير عن العصر والدهر بـ"الليل والنهار", و"العشي", و"ساعة من ساعات النهار" وهذه كلها أجزاء من الدهر, كما أن من المعروف في العرف اللغوي وعادة العرب التعبير عن الدهر بجزء منه, أي بمثل هذه التعبيرات, بل إنك قد تعود لمعنى "العشي" مثلا في المعاجم اللغوية, فتجد أن من معانيه "العصر", مما يدل على الترادف اللغوي بينها, ووحدة المراد والمقصود في التعبير عن الدهر بها.
فإذن العصر: هو الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خيرٍ وشرٍّ. كما ذكر ذلك ابن كثير.
وقد وافق ما ذكرناه الطبري بقوله:"والصوابُ من القولِ فِي ذلك: أنْ يُقالَ: إنَّ ربَّنا أقسمَ بالعصرِ {وَالْعَصْرِ} اسمٌ للدهرِ، وهو العشيُّ والليلُ والنهارُ، ولم يُخصِّصْ ممَّا شمِلَهُ هذا الاسمُ معنًى دونَ معنًى، فكلُّ ما لزِمَهُ هذا الاسمُ فداخلٌ فيما أقْسَمَ بهِ جلَّ ثناؤُه".

تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(1) المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}

-"المحارف" قال به خالد بن أبي عمران, وسعيد بن المسيب, وعطاء بن أبي رباح, أبو الزناد, وذكره ابن وهب, والطبري. ومجاهد, وعطاء الخراساني, وذكره الرملي, والطبري. وابن عباس, والنخعي, ونافع, وذكره الطبري. وعائشة, وذكره السيوطي. والفراء, وابن قتيبة, عبدالله بن يحيى, ومكي بن أبي طالب, والزجاج.
-"الذي اجتيح ماله" كأن يصاب زرعه أو حرثه أو نسل ماشيته فيكون له حق على من لم يصبه من المسلمين, كما قال لأصحاب الجنة حين أهلك جنتهم فقالوا: {بل نحن محرومون}. قال به ابن عياش, وزيد بن أسلم, ذكره ابن وهب. وابن زيد, وذكره الطبري, وروى عن أبي قلابة، قال: جاء سيلٌ باليمامة، فذهب بمال رجلٍ، فقال رجلٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هذا المحروم.
-" المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافا" قال به ابن شهاب, وذكره ابن وهب. وقتادة, وذكره الطبري.
-" الفقير الذي يحرم الرزق" قال به مالك, وذكره ابن وهب. وتقول عائشة: "الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه". ذكره السيوطي.
-"هو الّذي لا سهم له في الغنيمة" قال به علي, وابن عباس, والنخعي, وعبدالله بن يحيى, والثوري, وذكره ابن وهب, والطبري. والفراء, ومكي بن أبي طالب. وقد روى الطبري عن الحسن بن محمّد ابن الحنفيّة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعث سريّةً، فغنموا، وفتح عليهم، فجاء قومٌ لم يشهدوا، فنزلت: {في أموالهم حقٌّ معلومٌ (24) للسّائل والمحروم}. يعني: هؤلاء.
-" هو الّذي لا ينمي له مالٌ" قال به عكرمة, وذكره الطبري والضحاك, وذكره السيوطي. والزجاج.
-"الكلب" قال به عمر بن عبدالعزيز, كما ذكره ابن إسحاق.
قال الشعبي: "أعياني أن أعلم ما المحروم". قال ابن عطية: "يرحم الله الشعبي فإنه في هذه المسألة محروم، ولو أخذه اسم جنس فيمن عسرت مطالبه بان له، وإنما كان يطلبه نوعا مخصوصا كالسائل".
وذكر أن المحروم: "هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله حرمان وفاقة، وهو مع ذلك لا يسأل، فهذا هو الذي له حق في أموال الأغنياء كما للسائل حق" وقال: "وهذه أنواع الحرمان لأن الاسم يستلزم هذا خاصة" "والمعنى الجامع لهذه الأقوال أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه".
قال الطبري: "والمحروم الّذي قد حرم الغنى، والصّواب من القول في ذلك عندي أنّه الّذي قد حرم الرّزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممّن حرمه اللّه ذلك، وقد يكون بسبب تعفّفه وتركه المسألة، ويكون بأنّه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصّواب من أن تعمّ".
بالنظر للأقوال المذكورة فإننا نجدها تدور وتتفق حول الحرمان, مع اختلاف التعبير, وإن كنت أجد في التعبير بـ"المحارف" دقة, إذ بالعودة للمعاجم اللغوية أجد أن في تعريف المحارف شمولا لكل الأقوال التي ذكرت تحت تفسير "المحروم", ولو قيل لي أن أذكر بطريقة السبر والتقسيم أنواع الحرمان الذي تشمله الآية لقلت:
يشتمل الحرمان المراد في الآية جميع أنواع الحرمان, وهي:
-الحرمان الذي يقتضي عدم القدرة أصلا على اكتساب الرزق.
-القدرة على اكتساب الرزق لكن مع عدم كفايته.
-القدرة على اكتساب الرزق مع كفايته, لكن حال بينه وبين الحصول عليه أمر, إما لحريق أصابه أو غرق أو أي سبب منعه من الاستمتاع بذلك الرزق, فحرم منه.
وكل هذه من أنواع الحرمان التي إذا وجدت في مسلم مع عدم وجود مصدر رزق آخر له, فكان محتاجا, واتصف بعدم السؤال, فإن معنى المفردة يتطبق عليه. وقد أحسن ابن عطية حين نص على كونه غير سائل, لأن المفردة القرآنية جاءت مقابلة للسائل في قوله :"للسائل والمحروم" مما يدل على أن هذا المحروم متعفف, وهو ما نصت عليه أحد الأقوال كذلك, مما يدل على أنها بمجموعها تصب في معنى الحرمان, وهو ما رجحه الطبري واختاره.

(2) الباقيات الصالحات
-" لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر" قال به مجاهد, وذكره عبدالرزاق, والطبري. وعثمان بن عفان, وابن عباس, وعطاء بن أبي رباح, وقتادة, والحسن, ومحمد بن كعب, ومجاهد, وسعيد بن المسيب, وذكره الطبري. وهو قول الجمهور كما ذكره ابن عطية.
ويعضده ما رواه الطبري: عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " استكثروا من الباقيات الصّالحات "، قيل: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: " الملّة "، قيل: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: " التّكبير والتّهليل والتّسبيح، والحمد، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ".
وما رواه عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر من الباقيات الصّالحات ".
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وابن مردويه عن النعمان بن بشير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر من الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/553-554]
وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني في الصغير والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا جنتكم قيل: يا رسول الله أمن عدو قد حضر قال: لا، بل جنتكم من النار قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات محسنات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/554]
وأخرج الطبراني، وابن شاهين في الترغيب في الذكر، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله هن الباقيات الصالحات وهن يحططن الخطايا كما تحط الشجرة ورقها وهن من كنوز الجنة). [الدر المنثور: 9/554-555]
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشجرة يابسة فتناول عودا من أعوادها فتناثر كل ورق عليها فقال: والذي نفسي بيده إن قائلا يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لتتناثر الذنوب عن قائلها كما يتناثر الورق عن هذه الشجرة قال الله في كتابه: هن {والباقيات الصالحات} ). [الدر المنثور: 9/555]
وأخرج أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها). [الدر المنثور: 9/555]
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن سمرة بن جندب: ما من الكلام شيء أحب إلى الله من الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر هن أربع فلا تكثر علي لا يضرك بأيهن بدأت). [الدر المنثور: 9/555-556]
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عجزتم عن الليل أن تكابدوه والعدو أن تجاهدوه فلا تعجزوا عن قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556]
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا جنتكم من النار قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن المقدمات وإنهن المؤخرات وهن المنجيات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556]
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن مردويه عن عائشة: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه خذوا جنتكم مرتين أو ثلاثا قالوا: من عدو حضر قال: بل من النار، قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن يجئن يوم القيامة مقدمات ومحسنات ومعقبات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556-557]
وأخرج ابن مردويه عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الباقيات الصالحات من قال: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله). [الدر المنثور: 9/557]
وأخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يثبطكم الليل فلم تقوموه وعجزتم عن النهار فلم تصوموه وبخلتم بالمال فلم تعطوه وجبنتم عن العدو فلم تقاتلوه، فأكثروا من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/557]
وأخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأسلمت وعلمني (قل هو الله أحد) و(وإذا زلزلت) و(قل يا أيها الكافرون) وعلمني هؤلاء الكلمات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وقال: هن الباقيات الصالحات. ذكر تلك الآثار السيوطي وابن كثير.
-" الصلوات الخمس" قال به سعيد بن جبير, وذكره النهدي, والطبري. وابن عباس, وعمرو بن شرحبيل, والنخعي, وأبو ميسرة, وذكره الطبري. ومكي بن أبي طالب.
-" العمل بطاعة اللّه عزّ وجلّ" قال به ابن عباس, وابن زيد, وذكره الطبري.
-" الكلام الطّيّب" قال به ابن عباس, وذكره الطبري.
وقد رجح الزجاج والطبري الجمع بين الأقوال, ورأوا أن الباقيات الصالحات تشمل كل أعمال الخير, وقال الطبري: "فإن ظنّ ظانٌّ أنّ ذلك مخصوصٌ بالخبر الّذي رويناه عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ ذلك بخلاف ما ظنّ، وذلك أنّ الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما ورد بأنّ قول: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر، هنّ من الباقيات الصّالحات، ولم يقل: هنّ جميع الباقيات الصّالحات، ولا كلّ الباقيات الصّالحات، وجائزٌ أن تكون هذه باقياتٌ صالحاتٌ، وغيرها من أعمال البرّ أيضًا باقياتٌ صالحاتٌ", ونجد أن ابن عباس كذلك يشير إلى ذلك, وذلك بتنوع أجوبته عن المراد بالباقيات الصالحات, وبتصريحه بذلك في آثار.
قال النحاس: ولا يمتنع شيء من هذا عند أهل اللغة؛ لأنه كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا.
فاللغة إذن تؤكد صحة جميع هذه المعاني واحتمال "الباقيات الصالحات" لها جميعا, ونحن نتفق مع هذا القول في نتيجته, فكل عمل صالح هو بإذن الله من الباقيات الصالحات, لكن ومع بقاء هذا الاحتمال مفتوحا, إلا أننا نرجح وقوع المعنى على القول الأول "سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر" بالمقام الأول, لكثرة الآثار الواردة عن رسول الله في ذلك, وهي وإن اختلفت في قوة السند إلا أن كثرتها يقوي من رجحان هذا القول, وما بعده من الأقوال تتبعه في الدخول تحت معنى الآية لأن الشريعة جمعاء مرتبطة بعضها ببعض, فلا يمكن تخيل قلب ذاكر يسبح الله لا يصلي, أو قلب يصلي لا يكون بصلاته هذه ذاكرا لله في حقيقته, فالكل عمل صالح, والكل باق.

تطبيقات الدرس الثامن:
- بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولتستبين سبيل المجرمين}, واختلف مع ذلك الإعراب وأثره على المعنى:
- فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة: {ولتستبين} بالتّاء (سبيل المجرمين) بنصب السّبيل، على أنّ (تستبين) خطابٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كأنّ معناه عندهم: ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين.
وكان ابن زيدٍ يتأوّل ذلك: ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين الّذين سألوك طرد النّفر الّذين سألوه طردهم عنه من أصحابه. ذكره الطبري وابن أبي حاتم.
قال الزجاج: فإن قال قائل أفلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم– مستبينا سبيل المجرمين؟
فالجواب في هذا: أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنّه قال ولتستبينوا المجرمين، أي: لتزدادوا استبانة لها، ولم يحتج أن يقول ولتستبين سبيل المؤمنين مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا استبانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين.
وجائز أن يكون المعنى: ولتستبين سبيل المجرمين ولتستبين سبيل المؤمنين. إلا أن الذكر والخطاب ههنا في ذكر المجرمين فذكروا وترك ذكر سبيل المؤمنين، لأن في الكلام دليلا عليها.
-وقرأ ذلك بعض المكّيّين وبعض البصريّين: {ولتستبين} بالتّاء {سبيل المجرمين} برفع السّبيل على أنّ القصد للسّبيل، ولكنّه يؤنّثها، وكأنّ معنى الكلام عندهم: وكذلك نفصّل الآيات ولتتّضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين. ذكره الطبري.
-وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: (ولتستبين) بالياء {سبيل المجرمين} برفع السّبيل على أنّ الفعل للسّبيل ولكنّهم يذكّرونه. ومعنى هؤلاء في هذا الكلام، ومعنى من قرأ ذلك بالتّاء في: {ولتستبين} ورفع السّبيل واحدٌ، وإنّما الاختلاف بينهم في تذكير السّبيل وتأنيثها.
فنجد في اختلاف القراءات, اختلافا في الإعراب, يتبعه اختلاف وقوع المعنى إما على النبي (أو المخاطب عامة), أو على السبيل والطريق, والفرق الذي أحدثه اختلاف المعنى هنا يظل اختلافا مقبولا يسيرا, فإن كان الفاعل في الآية هو المخاطب (أو النبي), فإن معنى الآية: لتستبين ويتضح لك طريق المجرمين يا محمد. وإن كان الفاعل هو السبيل, فإن المعنى: ليتضح طريق المجرمين دون تحديد لمخاطب تستبين له تلك السبيل, وفي هذا المعنى عمومية تقع على كل أحد, فباستبانة سبيل المجرمين واتضاحه, فإن كل أحد سيعلم تلك السبيل ويعلم صحة ما جاء به الوحي ويتضح له ذلك, ولعل في المعنى الأول نوعا من الخطاب المباشر لرسول الله الذي يشعره بعناية الله به ووعده له باستبانة هذا الطريق, وفي المعنى الثاني عمومية في الخطاب تشمل كل أحد, وفي كلا المعنيين تحقيق لمعنى دقيق لا يوجد في الآخر, ولعل عمومية الثاني جعلت الطبري يميل إليه, قال الطبري: "وأولى القراءتين بالصّواب عندي في (السّبيل) الرّفع، لأنّ اللّه تعالى ذكره فصّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبيّن الحقّ بها من الباطل جميع من خوطب بها، لا بعضٌ دون بعضٍ.
ومن قرأ (السّبيل) بالنّصب، فإنّما جعل تبيين ذلك محصورًا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وأمّا القراءة في قوله: {ولتستبين} فسواءٌ قرئت بالتّاء أو بالياء، لأنّ من العرب من يذكّر السّبيل وهم تميمٌ وأهل نجدٍ، ومنهم من يؤنّث السّبيل وهم أهل الحجاز، وهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار، ولغتان مشهورتان من لغات العرب، وليس في قراءة ذلك بإحداهما خلافٌ لقراءته بالأخرى ولا وجه لاختيار إحداهما على الأخرى بعد أن يرفع السّبيل للعلّة الّتي ذكرنا".

(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}

- وحّد الهاء، وقد ذكر قبل الكتاب والإيمان، لأنّه قصد به الخبر عن الكتاب . قال به الفراء, والطبري, وابن عطية, وابن كثير.
-وقال بعضهم: عنى به الإيمان والكتاب، ولكن وحّد الهاء، لأنّ أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحّدهما وهما اثنان. ذكره الفراء, والطبري.
واحتمال عودة الضمير عليهما جميعا من بديع ما عودنا عليه القرآن, وهو احتمالية مفرداته وضمائره لعدة معاني محتملة تترك باب الاستنباط مفتوحا, فالمعاني تتوالد من هذا القرآن بلا نهاية, لأنه كلام الله الذي لا ينتهي, ومع ذلك فالأصح والله أعلم هو عودة الضمير على الكتاب لوحدانية الهاء مع عدم وجود علامة واضحة على عودتها على أمرين, ويدعم هذا المعنى ويضيف عليه ما قاله الزجاج: "ولم يقل جعلناهما لأن المعنى: ولكن جعلنا الكتاب نورا، وهو دليل على الإيمان", فما أشار إليه الزجاج حسن دقيق يتفق مع دقة هذا القرآن ومعانيه.

تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1: "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}

-يجوز أن يكون مصدرًا أي هل من زيادة؟
-وأن يكون اسم مفعول أي من شيء تزيدونيه أحرقه.
-أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع للمزيد.
وإنّما صلحت تلك الأوجه لأن في الاستفهام ضربا من الجحد وطرفا من النّفي. كما ذكر العيني.
وعلى تنوع الصيغ التي فهمت اللفظة بها تنوع المفهوم من الآية, ففهمت على أنها:
-تتساءل هل من سعة توجد بها لامتلائها. قال به مجاهد, وابن شهاب, وذكره ابن وهب. وذكره الثعلبي. وابن عباس, والحسن, والضحاك, وذكره الطبري. والزجاج.
- أن يكون استفهاما بمعنى الاستزادة أي: هل من زيادة فأزاده. وأضاف الزجاج: بأن ذلك تغيظا على من عصى كما قال عزّ وجلّ: {سمعوا لها تغيّظا وزفيرا}. وهو ظاهر الآية كما ذكر ذلك ابن حجر, وابن كثير. وذكره الثعلبي. وأنس, وابن زيد, والطبري ورجحه, لما ورد من صحيح الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
روى البخاري:
"عن أنسٍ رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " يلقى في النّار وتقول: هل من مزيدٍ، حتّى يضع قدمه، فتقول قط قط "
و"عن أبي هريرة، رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان " يقال لجهنّم: هل امتلأت، وتقول هل من مزيدٍ، فيضع الرّبّ تبارك وتعالى قدمه عليها، فتقول: قط قط "
و"عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم " تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم، قال اللّه تبارك وتعالى للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنّار: إنّما أنت عذابي أعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدةٍ منهما ملؤها، فأمّا النّار: فلا تمتلئ حتّى يضع رجله فتقول: قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعضٍ، ولا يظلم اللّه عزّ وجلّ من خلقه أحدًا، وأمّا الجنّة: فإنّ اللّه عزّ وجلّ ينشئ لها خلقًا ".
قال الطبري: "ففي قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تزال جهنّم تقول هل من مزيدٍ دليلٌ واضحٌ على أنّ ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النّفي، لأنّ قوله: لا تزال دليلٌ على اتّصال قولٍ بعد قولٍ".

2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}

-يجوز أن يكون المنزل مصدرا بمعنى الإنزال. ذكره يحيى بن سلام, والنحاس.
-ويأتي بمعنى النزول وموضع النزول. كما تقول جلس مجلسا والمجلس الموضع الذي يجلس فيه. ذكره يحيى بن سلام, والنحاس.
قال الطبري: المنزل بمعنى: أنزلني إنزالاً مباركًا. وقال يحيى بن سلام: والمنزل اسم لكل ما نزلت فيه.
فنجد المنزل هنا يحتمل: المصدرية, واسم المكان. ولكل منهما دلالة, فالأولى تأتي بمعنى طلب الإنزال المبارك, فتدور حول مصدر الإنزال نفسه وأن يكون مباركا, والثانية تدور حول موضع هذا النزول وأن يكون مباركا, وفي كل المعنيين أهمية ودقة جليلة تبين بجلاء الإعجاز القرآني والبلاغة الإلهية.
أ

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك ، وآمل التنبّه إلى قاعدة مهمّة، وهي أنّ المعانى التي تفسّر بها الآية إذا كانت صحيحة في نفسها ، ودلّت عليها اللغة بدلالة صحيحة معتبرة ؛ فقال بتلك المعاني كلّها أو بالمعنى الكلّي الجامع لها.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 رمضان 1441هـ/10-05-2020م, 03:53 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عقيلة زيان مشاهدة المشاركة

تطبيقات الدرس السادس:
-اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:

حل التطبيق:
-2. معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}

وفي قوله تعالى : { كُوّرَتْ } أقوال :
أحدها :ذهب نورها أظلمت ، رواه الوالبي عن ابن عباس ، وهو قول أبيّ بن كعب و الحسن و قتادة ،ومقاتل . وكذلك قال الفراء : ذهب ضوؤها.
والثاني : ذهبت ، رواه عطية ، عن ابن عباس ، وكذلك قال مجاهد : اضمحلت .
والثالث : غُوّرت ، روي عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وابن الأنباري ، وهذا من قول الناس بالفارسية : كُوربكرد . وقرأت [ من القائل؟ ] على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : هو بالفارسية : كوربور . [ افصلي التوجيه عن أصل القول؛ فلا يصحّ الجمع بينهما في قول واحد، فإن التوجيه قد يكون خطأ، مع بقاء أصل القول صحيحاً، واعتمادك على زاد المسير في نسبة الأقول خطأ منهجي]
الرابع : نكست ، وهو قول أبي صالح . و الربيع بن خيثم .
و في أضواء البيان في معنى :نكست" قال : أي ردت إلى حيث أتت ، كما في الحديث ، فتطلع من مغربها ، وعليه فتجتمع مع القمر . اهـ
الخامس : رمي بها وألقيت وهو قول أبي صالح . و الربيع بن خيثم . [ تحققي من صحة النسبة في القولين الرابع والخامس مع نقل نصّ أقوالهما من الكتب المسندة]
يُقال : كوَّرتُ الرجلَ؛ أي: طرحتَه في الأرض، وقد ورد في الحديث: «الشمسُ والقمرُ ثورانِ مكوَّران في النار».
و جاء في معجم المقاييس " وَيُقَالُ طَعَنَهُ فَكَوَّرَهُ، إِذَا أَلْقَاهُ مُجْتَمِعًا."
قال الزمخشري: " .وأن يكون من طعنه فجوّره وكوّره : إذا ألقاه ، أي : تلقى وتطرح عن فلكها ، كما وصفت النجوم بالانكدار..."

والسادس : أنها تكور مثل تكوير العمامة ، فتلف وتمحى ، وهو قول لابن عباس و الربيع بن خيثم و قاله أبو عبيد .
ومنه كارة الثياب لجمعها.. وجاء في ( لسان العرب ) : ( كورت الشمس : جمع ضوءها ولف كما تلف العمامة )
قال الزجاج : ومعنى { كورت } جمع ضوؤها ، ولفت كما تلف العمامة . ويقال : كورت العمامة على رأسي أكورها : إذا لففتها .
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق ابن يزيد بن أبي مريم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله : { إذا الشمس كورت } ، قال : " كورت في جهنم "
و روى أيضا من طريق أبي أسامة عن مجالد عن شيخ من بجيلة عن ابن عباس : { إذا الشمس كورت } قال : يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ، ويبعث الله ريحا دبورا فتضرمها نارا .

قال ابن الجوزي : قال المفسرون : تجمع الشمس بعضها إلى بعض ، ثم تُلف ويرمى بها في البحر . وقيل : في النار . وقيل : تعاد
إلى ما خلقت منه" اهـ
فتبين من ذلك أن لفظ "كورت" لها معان كثيرة:
-ذهب نورها وأظلمت
-ذهبت
-غورت
-نكست
-ألقيت ورميى بها
-كورت ولفت
وكلها معان صحيحة تصدق على لفظ "كورت" وبمجموعها يظهر المعنى الكامل التام للحقيقة لتكوير الشمس

قال ابن جرير الطبري: «والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: «كُوِّرت» كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لَفُّهَا على الرأس، وكتكوير الكَارَةِ، وهي جَمْعُ الثيابِ بعضها إلى بعض ولفِّها، وكذلك قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} إنما معناه: جُمِعَ بعضُها إلى بعض، ثم لُفَّت، فرُمي بها، وإذا فُعل ذلك بها ذهب ضوؤها، فعلى التأويل الذي تأوَّلناه وبينَّاه لكِلا القولين اللذَينِ ذكرتُ عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كوِّرت ورُمي بها ذهب ضوؤها». اهـ
قال الدكتور مساعد الطيار ..وهذه الأقوال ترجع إلى معنيين: ذهابها بذاتها، يلحقه ذهاب ضوئها، ورميها، وعلى هذه التفاسير يكون التكوير محتملاً لهذين الأمرين، ويربط بينهما أنهما من الأحوال التي تَمُرُّ بها الشمس في ذلك اليوم، فجاءت هذه اللفظةُ الواحدةُ دالةٌ على هذه المعاني، والله أعلم.

4: معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
قوله تعالى : { فَصَلّ لِرَبّكَ } في معنى الصلاة أقوال :
أحدها : صلاة العيد ،وهو قول عطاء وقال قتادة : صلاة الأضحى .
والثاني : صلاة الصبح بالمزدلفة ، وهو قول مجاهد .
والثالث : الصلوات الخمس ، وهو قول مقاتل .
الرابع : معناه اشكر ربك ، وهو قول عكرمة .

وفي قوله تعالى : { وَانْحَرْ } أقوال :
أحدها : اذبح يوم النحر ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وهو قول ابن جبير وعكرمة و عطاء ، ومجاهد ، و الحسن و قتادة .. والجمهور .
والثاني : وضع اليمين على اليسرى عند النحر في الصلاة . وهو قول عليّ من طريق ظبيان ؛ وابن عباس رضي الله عنهما من طريق أبي الجوزاء

والثالث : أنه رفع اليدين بالتكبير إلى النحر ، وهو قول أبي جعفر محمد بن علي .
الرابع : وانحر أي وسل ، قاله الضحاك .

الخامس : أن المعنى صل لله ، وانحر لله ، فإن ناسا يصلون لغيره ، وينحرون لغيره ، قاله القرظي .
عن محمد بن كعب القرظي ، أنه كان يقول في هذه الاَية : { إنّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ } يقول : إن ناسا كانوا يصلون لغير الله ، وينحرون لغير الله ، فإذا أعطيناك الكوثر يا محمد ، فلا تكن صلاتك ونحرك إلاّ لي .
والسادس : أنه استقبال القبلة بالنحر ، وهو قول أبي الأحوص و حكاه الفراء .
ومنه قول الشاعر :
أبا حَكَمٍ هَلْ أَنْتَ عَمُّ مُجالدٍ *** وسيدُ أهْلِ الأبْطحِ المتناحرِ
أي المتقابل .
السابع: اعتدل بين السجدتين قائما حتى يستوي نحرك وهو قول عطاء
قال عطاء أمر رسول الله أن يستوي بين السجدتين جالسا حتى يبدو نحره"
**
النقاش:
و الذي يظهر أن خلاف في معنى "الصلاة" راجع إلى قولين:
الأول : الصلاة المعروفة ثم اختلفوا في تعيينها
الثاني :الشكر...وأطلق الشكر على الصلاة ؛ لأن الصلاة نوع من أنواع الشكر فالشكر يكون بالصلاة ويكون بالصيام ..وبعموم الأعمال الصالحة "اعملوا آل دودا شكرا"
ولا تنافي بين القولين فمن سماه صلاة أراد حقيقتها ومن قال الشكر نظر إلى سياق الآية مقصد السورة حيث أٌمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشكر نعمة عطية الله الكوثر بالصلاة والنحر

أما في تحديد وتعين المراد بالصلاة فلفظ الآية يقتضي العموم لقوله "الصلاة"؛ فكل صلاة لابد أن تكون لله وحده خالصة له لا لغيره فيدخل في هذا الحكم كل صلاة دون استثناء
ومن خص لفظ "الصلاة " بصلاة العيد أو صلاة المكتوبة أو الصلاة بالمزدلفة فهو من بالتنصيص على بعض تلك الصلوات و لا يخرج لفظ العام عن عمومه لأن كل صلاة لابد أن تكون خالصة لله ..وللقاعدة أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام فهذا لا يخصص العام فعلى هذا يبقى لفظ الصلاة على عمومه
بيد أن من قال هي صلاة بالمزدلفة هذا يقتضي أن السورة مدنية ؛ لكن سورة الكوثر مكية كما ذكر ذلك أهل العلم فلا يصح تخصيصها بالمزدلفة دون غيرها من الصلوات
ومرجع معنى "لفظ النحر " إلى قولين
أولا : النحر الذي يقابل الذبح و هو ذكية بهيمة الأنعام ويدخل فيه القول الأول والقول الخامس
ثانيا: النحر العضو في الجسم وهو الصدر وهو يدخل فيه بقية الأقوال التي قيلت في المسألة ؛ لكن على هذا المعنى لا يصح ؛ لأنه لا يطلق الفعل "انحر" ويكون المراد منه النحر الصدر ؛ فهذا غير سائغ في اللغة ؛ لهذا أنكر ابن كثير هذه الأقوال قال رحمه الله " كل هذه الأقوال غريبة جدا . والصحيح القول الأول ، أن المراد بالنحر ذبح المناسك
وقد رجح ابن الجرير أن المراد ب"وانحر" نحر النسك
قال رحمه الله :": والصواب قول من قال : معنى ذلك : فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة ، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان ؛ شكرًا له على ما أعطاك من الكرامة والخير ، الذي لا كِفَاء له ، وخصك به . اهـ
قال ابن كثير تعليقا على قول ابن جرير : ..وهذا الذي قاله في غاية الحسن ، وقد سبقه إلى هذا المعنى : محمد بن كعب القرظي ، وعطاء .
5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}

**قوله تعالى { والعَصْرِ } وهذا قَسَمٌ ، فيه قولان :
أحدهما : أن العصر الدهر ، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم . وابن قتيبة .
وإنما أقسم بالدهر ؛ لأن فيه عبرة للناظر من مرور الليل والنهار على تقدير لا ينخرم . ولما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها ، وما فيها من الدلالة على الصانع .

ومنه قول الشاعر :
سبيلُ الهَوَى وعْرٌ وبحرُ الهَوَى غَمْرُ*** ويومُ الهَوَى شهرٌ وشهرُ الهوى دَهْرُ

الثاني: العصر : الليل والنهار . وهو قول ابن كيسان
وقال ابن كيسان : أراد بالعصر الليل والنهار ، يقال لهما : العصران .
ومنه قال حميد بن ثور :
ولن يَلْبَثَ العصران : يومٌ وليلةٌ *** إذا طَلَبَا أن يُدرِكَا ما تَيَمَّمَا
الثالث :وقيل المراد به العصران: الغداة والعشي . ذكره القرطبي ول بعزه إلى أحد
قال الشاعر :
وأمْطُلَهُ العَصْرَيْن حتى يَمَلَّنِي *** ويرضى بنصفِ الدَّيْنِ والأنفُ رَاغِمُ
يقول : إذا جاءني أول النهار ووعدته آخره
الرابع: أنه العشي ما بين زوال الشمس وغروبها ، قاله الحسن وقتادة .
ومنه قول الشاعر :
تَرَوّحْ بنا يا عمرُو قد قصر العَصْرُ *** وفي الرَّوْحةِ الأُولى الغنيمةُ والأَجْرُ.
وخصه بالقسم ؛ لأن فيه خواتيم الأعمال .
وخصها قتادة بآخر ساعة من النهار.
و في رواية له : ساعة من ساعات النهار .
الخامس: أن يريد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم لفضله بتجديد النبوة فيه .
السادس : أنه أراد صلاة العصر ، وهي الصلاة الوسطى ؛ لأنها أفضل الصلوات ، قاله مقاتل .
للحديث المرفوع " الصلاة الوسطى صلاة العصر " . وقوله عليه الصلاة والسلام : « من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله »
ولأنّ التكليف في أدائها أشقّ لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار ، واشتغالهم بمعايشهم
النقاش:
ومرجع ما قيل في معنى "العصر" يرجع إلى قولين:
الأول : الدهر .ويدخل فيه كل ما حدده بوقت ما وزمن معين
الثاني " العصر صلاة العصر
فكل هذه المعاني يصح إطلاق لفظ العصر عليها من جهة الوضع اللغوي ..و "العصر" لفظ عام يشمل كل ما تناوله اللفظ ولا وجه لتخصيصه ؛ فهو باق على عموم شامل لكل أفراده ؛..وقد رجح ابن جرير إبقاء الآية على عمومها
قال رحمه الله :" والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن ربنا أقسم بالعصر ، { وَالْعَصْرِ } اسم للدهر ، وهو العشيّ والليل والنهار ، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى ، فكلّ ما لزِمه هذا الاسم فداخل فيما أقسم به جلّ ثناؤه ."
تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:

(1)
المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}.

وفي { المحروم } أقوال :

أحدها : أنه الذي ليس له سهم في فيء المسلمين ، قاله ابن عباس . وقال إبراهيم : هو الذي لا سهم له في الغنيمة .
والثاني : أنه الذي لا ينمى له شيء ، قاله مجاهد ، وكذلك قال عطاء : هو المحروم في الرزق والتجارة .
والثالث : أنه المسلم الفقير ، قاله محمد بن علي .
والرابع : أنه المتعفف الذي لا يسأل ، شيئا قاله قتادة ، والزهري .
عن الزهريّ ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لَيْسَ المِسْكينُ الّذِي تَرُدّهُ التّمْرَةُ والتّمْرَتانِ والأكْلَةُ والأكْلَتانِ » ، قالوا فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال : «الّذِي لا يَجِدُ غِنًى ، وَلا يُعْلَمُ بِحاجَتِهِ فَيُتَصَدّقُ عَلَيْهِ فَذلكَ المَحْرُومُ » .

والخامس : أنه الذي يجيء بعد الغنيمة ، وليس له فيها سهم ، وهو قول إبراهيم و الحسن ابن محمد ابن الحنفية .
عن الحسن بن محمد ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، فغنموا ، فجاء قوم يشهدون الغنيمة ، فنزلت هذه الاَية : وفِي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ .

والسادس : أنه المصاب ثمرته وزرعه أو نسل ماشيته ، قاله ابن زيد .
قوله تعالى :" وقرأ أفرأيْتُمْ ما تَحْرُثُون أأنْتُم تَزْرَعُونَهُ حتى بلغ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ وقال أصحاب الجنة : إنّا لَضَالّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ."

والسابع : أنه المملوك ، حكاه الماوردي . ونسبه إلى عبد الرحمن بن حميد .

والثامن : أنه الكلب ، روي عن عمر بن عبد العزيز . وكان الشعبي يقول : أعياني أن أعلم ما المحروم .
روي أن عمر بن عبد العزيز كان في طريق مكة فجاء كلب فاحتز عمر كتف شاة فرمى بها إليه وقال : يقولون إنه المحروم
والتاسع : أنه من وجبت نفقته من ذوي الأنساب لأنه قد حرم كسب نفسه ، حتى وجبت نفقته في مال غيره
العاشر: : المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه ، وهذا قول عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاءو عائشة .
عن عروة قال : سألت عائشة رضي الله عنها ، عن المحروم في هذه الآية فقالت : هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه .
روى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء قالا : المحروم المحارف في الرزق وهو المحدود .
.
الحادي عشرة : أنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً .

النقاش:
لفظ "المحروم" اسم جنس محل باللام أفاد العموم فيستغرق كل من صح إطلاق لفظ المحروم عليه بأي وجه كان حرمانه وما ذكر من أقوال هي بيان لنوع الحرمان لا أن الاسم يلزم هذا خاصة..فلا يعدو أن يكونا تفسيرا بالمثال
فلهذا كان الأولى إبقاء لفظ الآية على عمومها حتى عدم المخصص لها
قال ابن جرير :
والصواب من القول في ذلك عندي أنه الذي قد حُرم الرزق واحتاج ، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره ، فصار ممن حرمه الله ذلك ، وقد يكون بسبب تعففه وتركه المسألة ، ويكون بأنه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة ، فلا قول في ذلك أولى بالصواب من أن تعمّ ، كما قال جلّ ثناؤه : وفي أمْوَالِهِمْ حَقّ للسّائِلِ وَالمَحْرُومِ .اهـ
-و لقائل أن يقول أن السياق قاض بتعين أحد تلك المعاني وهو المتعفف لأنه ذكر في مقابل السائل؛ فالمتعفف لا يسأل
قال ابن الجوزي : وأظهر الأقوال قول قتادة والزهري ، لأنه قرنه بالسائل ، والمتعفف لا يسأل ولا يكاد الناس يعطون من لا يسأل ثم يتحفظ بالتعفف من ظهور أثر الفاقة عليه ، فيكون محروما من قبل نفسه حين لم يسأل ، ومن قبل الناس حين لا يعطونه ، وإنما يفطن له متيقظ . وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة ، ولا يصح .اهـ
وكلام ابن الجوزي تطبيق للقاعدة التفسيرية القول الذي يدل عليه السياق أولى من غيره.
.وقال وقال العز بن عبد السلام: " إذا احتمل الكلام معنيين، وكان حمله على أحدهما أوضح وأشد موافقة للسياق كان الحمل عليه أولى" اهـ
فيكون ما دل عليه السياق وهو المتعفف أولى بالدخول في معنى الآية ؛ ولا يعني ذلك إبطال بقية الأقوال ؛ لا بل هي داخلة في معنى الآية ؛والآية باقية على عمومها كما ذهب إليه ابن جرير
****
(3) ناشئة الليل
{ إنّ ناشئةَ الليل } فيها أقوال :
أحدها : أنه قيام الليل ، بالحبشية ، وهو قول ابن مسعود وابن عباس و مجاهدو ابن أبي نجيح ...؛ وناشئة هي بلغة الحبش : قام.
عن ابن عباس إنّ ناشِئَةَ اللّيْلِ قال : بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل ، قالوا : نشأ
عن ابن أبي نجيح ، قال : إذا قام الرجل من الليل ، فهو ناشئة الليل .
عن مجاهد : أيّ ساعة تهجد فيها متهجد من الليل فهي ناشئة .

الثاني :أنه قيام الليل بعد النوم وهو قول عائشة
عن عبيد بن عمير قال : قلت لعائشة : رجل قام من أوّل الليل أيقال له قام ناشئة ؟ قالت : لا ، إنّما الناشئة القيام بعد النوم .
وقال يمان وابن كيسان : هي القيام من آخر الليل .
الثالث : أنه ما بين المغرب والعشاء ، قاله أنس بن مالك . عن عليّ بن الحسين
عن عليّ بن الحسين أنّه كان يصلّي بين المغرب والعشاء ويقول : أما سمعتم قول الله سبحانه : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } هذا ناشئة الليل .

الرابع : ما بعد العشاء الآخرة ، قاله الحسن ومجاهد .
عن عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله تعالى : { إن ناشئة الليل } قال : كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة عن مجاهد ، قال : كلّ شيء بعد العشاء فهو ناشئة .
الخامس :أنها ساعات الليل لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة ، قاله أبو عبيدة و ابن قتيبة .
أي ساعاته كلّها ، وكل ساعة منه فهي ناشئة سميت بذلك ؛ لأنها تُنشأ ، ومنه نشأت السحابة إذا بدت أنشاها الله وجمعها ناشيات
قال أبو عبيدة :" ساعات الليل وهي آناء الليل ناشئةً بعد ناشئة.
السادس : أنه بدء الليل ، قاله عطاء وعكرمة .
وقال عكرمة : ما قمت من أوّل الليل فهو ناشئة .
وقال أبو مجلد وقتادة : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة
السابع : أن الليل كله ناشئة ، وهو قول ابن عباس وعكرمة والفراء
والليل ناشئة: لأنه ينشأ بعد النهار
عن عكرمة ، في قوله : إنّ ناشِئَةَ اللّيْلِ قال : هو الليل كله .
نقاش:
ومرجع ما قيل في معنى ناشئة قولان:
الأول: أن "ناشئة الليل" هي زمان أو وقت من أوقات الليل ؛ و منهم من عممه وقال المراد به كل الليل ومنهم من خصه ببعض أجزاء الليل ؛إما أوله أو آخره أو هو بعد العشاء أو ما كان بين المغرب والعشاء
وسمي الليل وساعاته ناشئة لأنها حدث بعد لم تكن ؛ أو ابتدأ وجوده بعد أن لم يكن .
قال الجوهري: "وناشئة الليل أول ساعاته" قلت هذا قد قاله غير واحد من السلف إن ناشئة الليل أوله التي منها ينشأ الليل والصحيح أنها لا تختص بالساعة الأولى بل هي ساعاته ناشئة بعد ناشئة كلما انقضت ساعة نشأت بعدها أخرى وقال أبو عبيدة: "ناشئة الليل ساعاته وآناؤه ناشئة بعد ناشئة" قال الزجاج: "ناشئة الليل كلما نشأ منه أي حدث منه فهو ناشئة" قال ابن قتيبة: "هي آناء الليل وساعاته" مأخوذة من نشأت تنشأ نشأ أي ابتدأت وأقبلت شيئا بعد شيء وأنشأها الله فنشأت والمعنى أن ساعات الليل الناشئة...تهذيب اللغة

الثاني : أن" ناشة الليل" فعل ينشأ بالليل ؛..فالناشئة اسم لما يفعل بالليل من القيام
وجه هذا القول أن معنى نشأ: قام ؛يقال نشأ الرجل إذا قام من الليل ف"ناشئة" على هذا جمع " ناشئ " أي قائم
وأصحاب هذا القول انقسموا فئتين منهم من جعل مطلق قيام الليل ناشئة ومنهم من خصه بالقيام بعد النوم؛فلا يكون القيام عندهم ناشئة إلا إذا تقدمه نوم
قال ابن الأعرابي قال: "إذا نمت من أول الليل نومة ثم قمت فتلك النشأة"
قال ابن سيده ."..وقيل: الناشِئَةُ والنَّشيئَةُ إذا نِمتَ من أولَّ نَوْمةٍ" [ ثم قمت ]
قال ابن القيم:..على قول الأولين ناشئة الليل بمعنى من إضافة نوع إلى جنسه أي ناشئة منه وعلى قول هؤلاء –الثاني- إضافة بمعنى "في" أي طاعة ناشئة فيه والمقصود أن الإنشاء ابتداء سواء تقدمه مثله كالنشأة الثانية أو لم يتقدمه كالنشأة الأولى..} اهـ شفاء العليل

ف "ناشئة الليل" من اطلاقات و التراكيب الغوية السائغة؛ فصح حمل الآية على جميع معانيها
وقد رجح شيخ الإسلام أن ناشئة الليل هي القيام من النوم واستند في ذلك إلى السنة قال : وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ هُوَ إذَا قَامَ الرَّجُلُ بَعْدَ نَوْمٍ لَيْسَ هُوَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي وَالْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ كَانَ يَقُومُ بَعْدَ النَّوْمِ لَمْ يَكُنْ يَقُومُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ." اهـ

تطبيقات الدرس الثامن:
- بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1)
سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
في "سبيل "ورد قراءتان:
سبيل بالرفع..: " وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين " ؛ وفيه إسناد الفعل "تستبين" إلى" سبيل " ؛ و معنى الكلام : وكذلك نفصّل الاَيات ولتتضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين ؛ فالبيان والاستبانة للسبيل
وسواء قرئ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين ؛ بالتاء في الفعل تستبين ؛أو قرئ بالياء وَليسْتَبِينَ سَبِيلُ المجرمين؛ فالمعنى واحد لا يغير والتذكير والتأنيث راجع إلى لهجات قبائل العرب؛ فمن العرب من يذكر السبيل وهم تميم وأهل نجد ، ومنهم من يؤنث السبيل وهم أهل الحجاز
سبيل بالنصب...: " وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ المجرمين "؛ فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والفعل مسند له ؛ والمعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين . أي :وَلِتَتَبَيَّنَ أَنْتَ سَبِيلَهُمْ.
وكان ابن زيد يتأوّل ذلك : ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين الذين سألوك طرد النفر الذين سألوه طردهم عنه من أصحابه .
فالفعل بان يستعمل لازما ومتعديا...قال ابن تيمية:"..وَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ بَانَ الشَّيْءُ وَبَيَّنْته وَتَبَيَّنَ الشَّيْءُ وَتَبَيَّنْته وَاسْتَبَانَ الشَّيْءُ وَاسْتَبَنْته كُلُّ هَذَا يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا " اهـ مجموع الفتاوي

فاختلاف المحل الإعرابي أثر على معنى الآية؛ وكلا المعنيين صحيح
) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}

في مرجع الضمير في "جعلناه" أقوال :
1-أنه يرجع إلى القران وهو قول السدي..
فالقران هو النور الذي هذه الله به عباده ؛ أي : ولكن جعلنا القرآن ضياء للناس يستضيء بنوره من يشاء الله عز وجل ومن يوفقه.
2-أنه يرجع إلى الإيمان أي : جعلنا الإيمان نوراً . وهو قول ابن عباس والضحاك.. والحجة في ذلك أنه أَقْرَبَ الْمَذْكُورِينَ..والمعنى جعلنا الإيمان نورا يهدي به من يشاء الله هدايته
3-أنه راجع إلى الإيمان والكتاب ، ولكن وحد الهاء ، لأن أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل ، كما يقال : إقبالك وإدبارك يعجبني ، فيوحدهما وهما اثنان .
كقوله { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها } ؛ و كقوله : { والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } .
4-أن الضمير يرجع إلى "الأمر" ذكره ابن القيم ولم ينسبه إلى أحد
5- أن الضمير يرجع إلى "الروح" ذكره ابن القيم ورجحه؛ قال ابن القيم:" وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى الرُّوحِ، فِي قَوْلِهِ: {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ أَمَرَهُ رُوحًا وَنُورًا وَهُدًى" .اهـ
و قال أيضا :.. فَجَعَلَهُ رُوحًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ حَيَاةِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ الَّتِي هِيَ الْحَيَاةُ فِي الْحَقِيقَةِ. وَنُورًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالرَّشَادِ......وقال أيضا وَسَمَّاهُ نُورًا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنَ اسْتِنَارَةِ الْقُلُوبِ وَإِضَاءَتِهَا وَكَمَالِ الرُّوحِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ: بِالْحَيَاةِ وَالنُّورِ..اهـ
.
وإن اختلفت أقوال المفسرين في مرجع الضمير إلا أن المعنى واحد لا تعارض بينهما
فالقران نور والإيمان نور والكتاب والقران هو الموحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسماه الله في كذا موضع من كتابه روحا؛ فجميع تلك الأقوال تنصب في معنى واحد القران وحي من الله ..وجعل الله وحيه روحا ونورا فمن لم يحيه بهذا الروح فهو ميت ومن لم يجعل له نورا منه فهو في الظلمات ماله من نور
لهذا قال ابن القيم في إغاثة اللهفان :
فجمع بين الروح الذي يحصل به الحياة، والنور الذي يحصل به الإضاءة والإشراق، وأخبر أن كتابه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم متضمن للأمرين، فهو روح تحيا به القلوب، ونور تستضيء وتشرق به، كما قال تعالى:
{أَوَمَنْ كَانَ ميْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ في النَّاسِ كَمَنْ مَثَلهُ فِي الظُّلمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122] اهـ

تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1: "
مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}
والمزيد:دائر بين المصدرية و المفعول
الْمَزِيدُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ
1- يجوز أن يكون مصدراً كالمحيد والمميد، والمعنى هل مِنْ زيادةٍ ؛ مصدرا .
2-ويجوز أن يكون اسمَ مفعول كالمبيع ؛ والمعنى : هل من شيءٍ تَزيدونَنِيْه أَحْرِقُهُ.
مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}
"منزلا" قرئ بقرآءتين
1-قراءة الجمهور { مُنَزلاً } بضم الميم وفتح الزاي وهو اسم مفعول من ( أنزله ) على حذف المجرور ، أي مُنزَلا فيه .؛ موضعَ إنزالٍ.. ويجوز أن يكون مصدراً ، أي : أنزلني إنزالا مباركا . والمعنيان متلازمان .كما قال الطاهر ابن عاشور
-وقرأه أبو بكر عن عاصم: «مَنْزِلاً » بفتح الميم وكسر الزاي ، وهو اسم لمكان النزول ؛موضع النزول والمعنى : أنزلني مكانا مباركا وموضعا. قال الجوهري : المنزل ( بفتح الميم والزاي ) النزول وهو الحلول ، تقول : نزلت نزولا ومنزلا
فلفظ منزل يحتمل المصدرية أي طلب نزولا مباركا كما أنه يحتمل مكان ومحل النزول أي طلب موضعا مباركا
فهو لفظ واحد شمل عدة معاني
5. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
قرئ بقراءتين
1-قراءة الجمهور بالغ بالتنوين ، أمره بالنصب ؛ بالقطع عن الإضافة ؛" والمعنى :".: تام وكامل أمره وحكمه وشرعه لما فيه من الحكم والرحمة.
يبلغُ ما يريدُهُ لا يفوتُهُ مرادٌ ولا يُعجزُه مطلوبٌ
2-وقرأ عاصم " بالغُ أمره" بالغ أمره " بالإضافة وحذف التنوين استخفافا" ؛
والمعنى : يبلغ ما أراد من أمره ؛ لا بُدَّ مِنْ نفوذِ أمرِ اللَّهِ ؛ فمن تيقن ذلك فوض أمره إليه وعول عليه
.
قال مسروق : الله بالغ أمره بكل حال ، توكل عليه أو لم يتوكل عليه ، أي : منفذ قضاءه بكل حال ، غير أن المتوكل عليه يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا
قال الثعالبي : ..لا بُدَّ مِنْ نفوذِ أمرِ اللَّهِ ؛ توكلتَ أيُّهَا المرءُ أوْ لَمْ تَتَوَكَّلْ ؛ قاله مسروق ؛ فإنْ توكلتَ على اللَّهِ كَفَاكَ وَتَعَجَّلَتِ الراحةُ والبَرَكةُ ، وإن لم تتوكَّلْ وَكَلَكَ إلى عَجْزِكَ وَتَسَخَّطَكَ ، وأمرُه سبحانَه في الوجهين نَافِذٌ .:"
فبالغ اسم فاعل للدلالة على المبالغة في تمام أمره حتى بلغ الكمال و مبالغة في نفوذ أمره وقضاءه على كل حاله فلا يفوته شيء ولا يعجزه أمر

والله أعلم
ج

بارك الله فيك .

احرصي على تطبيق ما درست في مهارات التفسير عند نسبة الأقوال للسلف؛ فلا يصح الاعتماد على مصادر ناقلة مع إمكان الرجوع للكتب المسندة.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 رمضان 1441هـ/10-05-2020م, 04:05 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضحى الحقيل مشاهدة المشاركة
مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة "السبيل إلى فهم القرآن"

اختر تطبيقين من كلّ درس وأدّها:

تطبيقات الدرس السادس:
1. معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}
ورد هذا المقطع الكريم في ثلاثة مواضع من كتاب الله هي:
- الآية 49 من سورة البقرة.
- الآية 141 من سورة الأعراف.
- الآية 6 من سورة إبراهيم.
وكلها في سياق الامتنان على بني إسرائيل

والبلاء في اللغة الاختبار والامتحان ويطلق على الخير والشر قال الخليل بن أحمد في العين:
والبَلاءُ، في الخَيْر والشَّرِّ. واللَّه يُبْلي العَبْدَ بلاءً حَسَناً وبَلاءً سَيِّئاً.
قَالَ تَعَالَى:
- وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ [الْأَعْرَاف:168]
- [وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً] [الأنبياء: 35]

وللمفسرين في هذه الآية ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن المعنى هنا يقتصر على النعمة وهي النجاة من آل فرعون. وممن اقتصر على هذا المعنى الزجاج.
القول الثاني: أن المعنى هنا يقتصر على المصيبة وهي ما كان فرعون يفعل بهم قبل النجاة. وممن اقتصر على هذا المعنى ابن عاشور.
القول الثالث: من المفسرين من ذكر المعنيين دون ترجيح، فإذا عاد قوله تعالى: {وفي ذلكم} على قوله {وإذ نجيناكم} يكون معنى بلاء عظيم: نعمة عظيمة، وإذا عاد قوله {وفي ذلكم} على ما كان يعمله فرعون من الذبح والإذلال يكون معنى بلاء عظيم: مصيبة.


وقد استشهد أصحاب القول الأول ب:
- قوله تعالى: {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا}
- وبقول الأحنف: البلاء ثم الثناء، أي الأنعام ثمّ الشكر.
- وبقول زهير:
جزى اللّه بالإحسان ما فعلا بنا*** وأبلاهما خيـر البـلاء الـذي يبلـو

واستدل أصحاب القول الثاني ب
- أن البلاء شاع في اخْتِبَارِ الشَّرِّ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إِعْنَاتًا لِلنَّفْسِ.
- أن أَشْهَرُ اسْتِعْمَالِهِ إِذَا أُطْلِقَ أَنْ يَكُونَ لِلشَّرِّ فَإِذَا أَرَادُوا بِهِ الْخَيْرَ احْتَاجُوا إِلَى قَرِينَةٍ.
- أن صيغة المصدر" بلاء" تكاد لا تطلق إلا على المكروه، وما ورد في الخير يأتي بصيغة الفعل {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [سُورَة الْأَنْبِيَاء: 35].
- دلالة قوله عظيم على أنه يشير للمصيبة العظيمة.
وردوا على اعتراض:
كيف يعبر عن معنى المصيبة بقوله {من ربكم} بأن ترك آل فرعون وعدم ردعهم يجعله كالوارد من الله [ هذا التشبيه غير جيّد، والصحيح أن يقال تقدير من الله ] وهو جزاء لهم على نبذهم الحق.
كما أن التعبير بالربوبية هنا للدلالة على إرادة صلاح المستقبل.
ونسب القرطبي وابن عطية هذا القول للجمهور.

وممن ذكر أن البلاء في هذه الآية يفسر بالنعمة والمصيبة الطبري
فقد ذكر أنه يأتي بمعنى النعمة وروى هذا القول عن ابن عباس، والسدي، ومجاهد، وابن جريج
وقال في موضع آخر: وقد يكون "البلاء"، في هذا الموضع نَعْماء، ويكون: من البلاء الذي يصيب النَّاس من الشدائد.
كما ذكر ابن عطية والقرطبي وابن كثير القولين دون ترجيح

الترجيح:
المفردة تصلح للمعنيين في أصل اللغة، وفي موضعها من الآية، ولا مانع من حملها عليهما فالله سبحانه وتعالى ابتلى بني إسرائيل بالعذاب وبتسلط فرعون عليهم ابتلاء صبر، وابتلاهم بنعمة النجاة من آل فرعون ابتلاء شكر، وكلا الحدثين ذكرا في الآية ولا يمنع من تعلق البلاء بكليهما مانع فظهر لنا بديع إحكام وضع هذه المفردة في هذا الموضع الذي يوسع المراد منها والله أعلم.

2. معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}
تصف هذه الآية الكريمة مشهدا من مشاهد الآخرة، متعلق بحال الشمس
وقد تنوعت عبارات المفسرين في ذكر معنى التكوير هنا.
ومن أجود ما مر بي من كلامهم ما ختم به الطبري رحمه الله بعد أن ذكر روايات عن المفسرين تفيد بعضها بأن المعنى هو ذهاب الضوء وبعضها أن المعنى هو الرمي بها حيث قال:
"والصواب من القول في ذلك عندنا: أن يقال: (كُوِّرَتْ) كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها، وكذلك قوله: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فَرُمِي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأوّلناه وبيَّناه لكلا القولين اللَّذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كُوِّرت ورُمي بها، ذهب ضوءها".

قال صاحب [تتمّة] أضواء البيان اخْتَلَفَ فِي مَعْنَى «كُوِّرَتْ» هُنَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ، وَكُلُّهَا تَدُورُ عَلَى نِهَايَةِ أَمْرِهَا.
وقال: وَالَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ، أَنَّ هَذَا كُلَّهُ رَاجِعٌ إِلَى تَغَيُّرِ حَالِهَا فِي آخِرِ أَمْرِهَا ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهَا أَجَلًا مُسَمًّى، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَعْلَمُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -

وقال ابن عطية:
«تكوير الشمس»: هو أن تدار ويذهب بها إلى حيث شاء الله كما يدار كور العمامة، وعبر المفسرون عن ذلك بعبارات، فمنهم من قال: ذهب نورها قاله قتادة، ومنهم من قال: رمي بها، قاله الربيع بن خيثم وغير ذلك مما هو أشياء توابع لتكويرها.

فتبين لنا أن سعة ما حوته هذه المفردة من معان صحيحة تركت في أذن السامع وقلبه تنوعا مهيبا لحال ذلك اليوم العظيم نسأل الله أن نكون ممن كتب في الناجين.


تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:
1. ناشئة الليل
جاءت هذه الآية الكريمة بعد أمره صلى الله عليه وسلم بقيام الليل.
قال ابن عاشور أنها: "تَعْلِيلٌ لِتَخْصِيصِ زَمَنِ اللَّيْلِ بِالْقِيَامِ فِيهِ فَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِجُمْلَةِ {قُمِ اللَّيْلَ}، أَيْ قُمِ اللَّيْلَ لِأَنَّ ناشئته أَشد وطأ وَأَقْوَمُ قِيلًا".
وقال: " وناشِئَةَ وَصْفٌ مِنَ النَّشْءِ وَهُوَ الْحُدُوثُ.. ثم قال: فَتَعَيَّنَ أَنَّ مَوْصُوفَهُ الْمَحْذُوفَ هُوَ صَلَاةٌ، أَيِ الصَّلَاةُ النَّاشِئَةُ فِي اللَّيْلِ"
وقال: "وَوَصْفُ الصَّلَاةِ بِالنَّاشِئَةِ لِأَنَّهَا أَنْشَأَهَا الْمُصَلِّي فَنَشَأَتْ بَعْدَ هَدْأَةِ اللَّيْلِ فَأَشْبَهَتِ السَّحَابَةَ الَّتِي تَتَنَشَّأُ مِنَ الْأُفُقِ بَعْدَ صَحْو"

وقد قيل في معنى {ناشئة}:
- أنها أَوْقَاتُ الليل وَسَاعَاتُهُ، لِأَنَّ أَوْقَاتَهُ تَنْشَأُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، وَمِنْهُ نَشَأَتِ السَّحَابَةُ إِذَا بَدَأَتْ وَأَنْشَأَهَا اللَّهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18]
- أنها مصدر بمعنى قيام الليل قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْحَبَشَةُ يَقُولُونَ: نَشَأَ أَيْ قَامَ.
- أنها ما ينشأ في الليل من الطاعات
كما اختلفت عبارات السلف في تحديد الوقت المتعلق بهذا اللفظ وهو ناشئة الليل:
- فقيل هُوَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، تَمَسُّكًا بِأَنَّ لَفْظَ نَشَأَ يُعْطِي الِابْتِدَاءَ.
- وقيل هِيَ اللَّيْلُ كُلُّهُ، لِأَنَّهُ يَنْشَأُ بَعْدَ النَّهَارِ
- وقيل ما بعد العشاء الآخرة إلى الصبح.
- وقيل النَّاشِئَةُ الْقِيَامُ بِاللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ.

قال ابن عاشور:
"وَإِيثَارُ لَفْظِ ناشِئَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ: قِيَامٍ أَوْ تَهَجُّدٍ، لِأَجْلِ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي لِيَأْخُذَ النَّاسُ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ".

2. السيما في قول الله تعالى: {سيماههم في وجوههم}
السِّيمَا: الْعَلَّامَةُ
وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنَ السِّيمَا الَّتِي وُصِفَتْ بِأَنَّهَا مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ عَلَى أقوال ذكرها المفسرون هي:
1. أنها علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يوم القيامة، يعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدنيا.
2. أنها علامات معنوية تظهر في وجوه المصلين في الدنيا سواء كانت أثر السمت والخشوع، أو أثر السهر والتعب والصفرة.
3. أنها علامة تظهر على الجباه كالشامة من أثر السجود.
4. أنها آثار التراب والطين وندى الطهور وما يعلق بجباههم من أثر ما يسجدون عليه.

قال ابن عاشور بعد أن عدد الأقوال: وكُلُّ ذَلِكَ مِنَ السِّيمَا الْمَحْمُودَةِ

وقال الطبري ما معناه: أن الله سبحانه لما وصفهم لم يخص وقت دون وقت فيحمل المعنى على كل الأوقات في الدنيا والآخرة مما هو من أثر السجود.

تطبيقات الدرس الثامن:
بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
1. سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}
قرأ نافع {سبيل} بفتح اللام على أنها مفعول لتستبين فيكون المعنى " لتستبين أنت - يا محمد- سبيل المجرمين.
وقرأها البقية برفع اللام على أنها فاعل لتستبين فيكون المعنى " ليتضح سبيل المجرمين ويعرف فيسهل اجتنابه" .

وقد رجح الطبري قراءة الرفع بحجة أن الله سبحانه فصل الآيات ليتبين الحق للجميع، ولكن القراءة الأخرى سبعية [ إنما حدث التسبيع بعد الطبري، وأوّل من سبّع السبعة هو تلميذه ابن مجاهد] ولا ترد لهذا السبب، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته ما لم يكن في الكلام قرينة تدل على الخصوصية.
فتبين أن هذه المفردة قد دلّت بإعرابيها الصحيحين على معنيين مختلفين يصحّ اجتماعهما، وهذا من دلائل إحكام القرآن وبركة ألفاظه واتسّاع معانيه.


2. مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}


الأصل في الضمير أن يعود على أقرب مذكور وهو هنا الإيمان ولكن قد يعود الضمير على غير الأقرب لوجود قرينة أو مانع.
وبتتبع أقوال المفسرين في هذه الآية نجد الأقوال التالية:
1. أن الضمير يعود على الكتاب.
2. أن الضمير يعود على الإيمان.
3. أن الضمير يعود على قوله {روحا من أمرنا}، سواء عبروا عن ذلك بقولهم القرآن أو الوحي أو الروح أو الأمر.
4. ومنهم من جوز العودة على الكتاب والإيمان معا وإن كان لفظ {جعلناه} أتى بصيغة المفرد كما ذكر الفراء والطبري في أحد قوليه إنه لا مانع من أن يكون المعني الكتاب والإيمان لأن أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحدهما وهما اثنان، كما ذكره القرطبي

وبتأمل الأقوال نجد أنها كلها صحيحة من حيث الإعراب ومن حيث المعنى فالنور يصح أن يوصف به الكتاب والإيمان والوحي، وقد قال بكل منها أهل العلم، ولا مانع من حمل الضمير على جميعها وتدبر المعنى الحاصل من ذلك أسأل الله أن ينور قلوبنا بالقرآن وبالإيمان وبالعمل بشريعته واتباع هداه.
والله أعلم

تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1. "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}
- يحتمل أن تكون مصدرا ميميا بمعنى الزيادة، فيكون المعنى ما من مزيد.
- ويحتمل أن تكون اسم مفعول من زاد، فيكون المعنى أنها تطلب المزيد من الإنس والجن يلقون فيها.
والله أعلم بمراده لكن المعنى يصح في كلا الوجهين فإن كان قول جهنم -أعاذنا الله منها- قبل أن يضع الرحمن سبحانه فيها قدمه وتقول قط قط كما جاء في الحديث، فالمعنى أنها تطلب الزيادة التي وعدت بها حيث أنها موعودة بأن تمتلئ وإن كان المعنى بعد ذلك فالمعنى ما من مزيد، ولعل هذا من سعة ألفاظ القرآن وبركتها والله أعلم.

(لست متأكدة من ارتباط المعنى بدلالة الصيغة الصرفية ولم أجد مرجعا للتحقق، وقد ذكر ابن عاشور احتمال كونه مصدرا ميميا أو اسم مفعول دون ربطه بالمعنى، وزاد الماوردي احتمال هل يزاد في سعتي فهل تكون في هذه الحالة اسم مكان؟)

تعليق: المصدر الميمي أدلّ على شرهها في العذاب والإحراق، واسم المفعول أدلّ على تغيّظها على الكفار والمنافقين.


2. "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}
يحتمل أن تكون منزلا -بضم الميم وفتح الزاي-
1. اسم مفعول والمعنى حينئذ يعود لمن [ لما ] وقع عليه الفعل
2. مصدرا والمعنى حينئذ: إنزالا مباركا
والمعنيان متلازمان
وقرأها شعبة عن عاصم منزلا بفتح الميم وكسر الزاي وتكون في هذه الحالة اسم مكان يقصد بها مكانا مباركا.


أ+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18 رمضان 1441هـ/10-05-2020م, 04:26 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علاء عبد الفتاح محمد مشاهدة المشاركة
مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة "السبيل إلى فهم القرآن"


تطبيقات الدرس السادس:
4: معنى النحر في قول الله تعالى: {فصلّ لربّك وانحر}
قيل في معنى النحر أقوال:
==القول الأول:
هُوَ وَضْعُ الْيَمِين عَلَى الشمال فِي الصَّلَاةِ
=تخريج هذا القول:
وهذا القول رواه عبد الرزاق في تفسيره، وابن أبي شيبة في المصنف، والطبري في تفسيره والحاكم في المستدرك عن عقبة بن ظهير عن علي بن أبي طالب:
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ: «هُوَ وَضْعُكَ يَمِينَكَ عَلَى شِمَالِكَ فِي الصَّلَاةِ»
وذكره الجصاص في أحكام القرآن عن ابن عباس

==القول الثاني:
هو نحر البدن أي ذبحها بقطع الحلقوم والمريء من بهيمة الأنعام.
=تخريج هذا القول:
وهذا القول رواه عبد الرزاق في تفسيره عن عطاء. فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ: «صَلِّ الصُّبْحَ بِجَمْعٍ , وَانْحَرِ الْبُدْنَ بِمِنًى»
والطبري في تفسيره عن ابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة، والحسن وقتادة، ومجاهد، وابن زيد، وأبن أبي حاتم عن مجاهد وعطاء وعكرمة، وسعيد بن جبير.
وذكره الثعلبي في تفسيره عن سعيد بن جبير ومجاهد وذكره الجصاص في أحكام القرآن عن الحسن

=القول الثالث:
هو رفع اليدين عند الإحرام وعند الركوع والرفع منه
=تخريج هذا القول:
روي هذا القول الطبري في تفسيره عن أبي جعفر، وابن أبي حاتم في تفسيره، الحاكم في المستدرك عن علي بن أبي طالب:
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ النَّحِيرَةُ الَّتِي أَمَرَنِي بِهَا رَبِّي؟» قَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَحِيرَةٍ وَلَكِنَّهُ يَأْمُرُكَ إِذَا تَحَرَّمْتَ لِلصَّلَاةِ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ إِذَا كَبَّرْتَ، وَإِذَا رَكَعْتَ، وَإِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهَا صَلَاتُنَا وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَفْعُ الْأَيْدِي مِنَ الِاسْتِكَانَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] "
وفي الإسناد إسرائيل صاحب عجائب لا يعتمد عليه وأصبغ شيعي متروك عند النسائي [ إذا انتقدت الإسناد فاذكره، ولا حاجة هنا لذكر آثار واهية الإسناد ]


==القول الرابع:
استقبل القبلة بنحرك
=القائلين به:
ذكر هذا بعض أهل اللغة [ من هم؟ ]
=توجيه هذا القول:
أنه سمع بعض العرب يقول: منازلهم تتناحر: أي هذا بنحر هذا: أي قبالته. وذكر أن بعض بني أسد أنشده:
أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ ... وَسَيِّدُ أهْلِ الأبْطَحِ المُتَنَاحِرِ
أي ينحر بعضه بعضا.


مناقشة الأقوال:
-قال الطبري: والذي يظهر أن المراد هنا هو القول الثاني، لأنه المعانى الأقرب والأظهر من معاني النحر وإن كانت الأقوال الأخرى مقبولة، ولهذا وجدت أن بعض المفسرين لما ذكروا هذه الأقوال اختاروا هذا القول كما قال
ابن جرير الطبري بعد سرد الأقوال:
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان، شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له،.... إلى أن قال:
فتأويل الكلام إذن: إنا أعطيناك يا محمد الكوثر، إنعاما منا عليك به، وتكرمة منا لك، فأخلص لربك العبادة، وأفرد له صلاتك ونسكك، خلافا لما يفعله من كفر به، وعبد غيره، ونحر للأوثان.
-وقال الجصاص في أحكام القرآن بعد سرد الأقوال:
وَتَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى حَقِيقَةِ نَحْرِ الْبُدْنَ أَوْلَى لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ غَيْرُهُ لِأَنَّ مَنْ قَالَ نَحَرَ فُلَانٌ الْيَوْمَ عُقِلَ مِنْهُ نَحْرُ الْبُدْنَ وَلَمْ يُعْقَلْ مِنْهُ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُ يَدَهُ عِنْدَ النَّحْرِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ أَسْفَلَ السُّرَّةِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ) أ.ه
[ الصواب أن تحمل المفردة على جميع معانيها الصحيحة ما دامت لها وجه صحيح في التفسير ]



========================
5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}
ورد في معنى العصر أقوال منها:
==القول الأول:
أنه العشي
ومعنى العشي هو الوقت ما بين زوال الشمس وغروبها كما ذكره الشوكاني في فتح القدير.
القائلين به:
ورد هذا القول عن الحسن
تخريجه:
هذا القول رواه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن الحسن: في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ} [العصر: 1] قَالَ: هُوَ الْعَشِيُّ "
ورواه الطبري في تفسيره عن ابن ثور عن معمر عن الحسن.

==القول الثاني:
أنه ساعة من ساعات النهار
القائلين به:
روي هذا القول عن قتادة.
تخريجه
هذا القول رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ في تفسيره قال: قَالَ مَعْمَرٌ , وَقَالَ قَتَادَةُ: «سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ»

==القول الثالث:
أنها آخر النهار
-القائلين به:
روي هذا القول عن أبي بن كعب.
-تخريجه:
هذا القول رواه الثعلبي عن أبي أمامة عن أبي بن كعب في تفسيره.

==القول الرابع:
أنه الدهر.
-القائلين به.
روي هذا القول عن ابن عباس
-تخريجه:
رواه ابن الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
ذكره الواحدي في تفسيره، والبغوي في تفسيره
-ووجه هذا القول: أن الله أقسم بالدهر لأن فيه عبرة للناظرين من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار

==القول الخامس:
أنه صلاة العصر.
-القائلين به:
روي هذا القول عن مقاتل.
-تخريجه:
ذكر هذا القول الواحدي في تفسيره عن مقاتل، وكذا البغوي.

==القول السادس:
أن معناه "ورب العصر"
-القائلين به:
قال الزجاج أنه قول البعض، وكذا قال البغوي في تفسيره.

==القول السابع:
أنه آخر ساعة من ساعات النهار.
-القائلين به:
روي هذا القول عن قتادة.
-تخريجه:
ذكره البغوي في تفسيره عنه ولم يسنده.

مناقشة الأقوال:
قد جعل ابن جرير الطبري المراد الدهر -وهو القول الرابع- وأدخل فيه كل ما يكون تحته :
كالقول الأول -العشي-
والقول الثاني - أنه ساعة من ساعات النهار- ،
والقول الثالث -أنه آخر النهار- ،
والقول السابع - أنه آخر ساعة من ساعات النهار-.
فجعل هذه الأقوال الأربعة تحت القول بأنه الدهر ورجحه.

والذي يظهر أن المراد في السورة أن العصر هو: الوقت الكائن في آخر النهار قبل غروب الشمس وهذا القول يمثله القول الأول، والثاني، والثالث، والسابع
وإنما اخترت هذا القول لأنه المراد عند الإطلاق في خطاب الشرع، فإذا وردت كلمة العصر في القرآن فإن المراد بها هذا الوقت وقد استفدته من بعض مشايخي.
ووجدت في كلام للطاهر بن عاشور في تفسيره أنه قال عنه أنه أشهر إطلاق للفظ العصر حيث قال:
وَأَشْهَرُ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْعَصْرِ أَنَّهُ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ لِوَقْتٍ مَا بَيْنَ آخَرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَبَيْنَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فَمَبْدَؤُهُ إِذَا صَارَ ظِلُّ الْجِسْمِ مِثْلَهُ بَعْدَ الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَيَمْتَدُّ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الْجِسْمِ مِثْلَيْ قَدْرِهِ بَعْدَ الظِّلِّ الَّذِي كَانَ لَهُ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ. وَذَلِكَ وَقْتُ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَالْعَصْرُ مَبْدَأُ الْعَشِيِّ. وَيَعْقُبُهُ الْأَصِيلُ وَالِاحْمِرَارُ وَهُوَ مَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) انتهى



[ راجع الدرس لتستجلي القاعدة وأمثلتها جيداً ]


======================================================================================

تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(4) الحبل في قول الله تعالى: {إلا بحبل من الله وحبل من الناس}

ورد في المراد بالحبل قولان:
==القول الأول:
قيل إن المراد به العهد، وعهد الله ذمته، وعهد الناس حِلفهم ونَصرُهم
وهذا القول رواه عبد الرزاق عن معمر عن قادة
ورواه ابن جرير في تفسيره عن جماعة منهم ابن عباس، مجاهد، وقتادة، وعكرمة، والسدي، والربيع، وابن زيد، والضحاك، ورواه ابن المنذر عن ابن عباس، ومجاهد ونسبه لقتادة والضحاك وأبي عبيدة، أيضا
ورواه ابن أبي حاتم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ قَالَ: عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ وَعَهْدٌ مِنَ النَّاسِ) ثم قال وَرُوِيَ عَنِ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، والضحاك والسدي نَحْوُ ذَلِكَ. وذكره صاحب التحرير والتنوير،
المعنى على هذا القول:
وَالْمَعْنَى لَا يَسْلَمُونَ مِنَ الذِّلَّةِ إِلَّا إِذَا تَلَبَّسُوا بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ، أَيْ ذِمَّةِ الْإِسْلَامِ، أَوْ إِذَا اسْتَنْصَرُوا بِقَبَائِلَ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَأَمَّا هُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ فَلَا نَصْرَ لَهُمْ. وَهَذَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا أعزّة بيشرب وَخَيْبَرَ وَالنَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ، فَأَصْبَحُوا أَذِلَّةً، وَعَمَّتْهُمُ الْمَذَلَّةُ فِي سَائِرِ أقطار الدُّنْيَا. [ذكره في التحرير والتنوير]

**وقد وقع خلاف بين أهل العربية في المعنى الذي جلب"الباء" في قوله:" بحبل"
-فقال بعض نحويي الكوفة -وهو الفراء في معاني القرآن-: الذي جلبها فعل مضمر قد تُرك ذكره، ومعنى الكلام: ضُربت عليهم الذلة أينما ثقفوا، إلا أن يعتصموا بحبل من الله واستشهدوا لقولهم ذلك بقول الشاعر:
رَأَتْنِي بِحَبْلَيْها فَصَدَّتْ مَخَافَةً ... وَفِي الحَبْلِ رَوْعَاءُ الفُؤَادِ فَرُوقُ
ورده الطبري بقوله: "وذلك في مذاهب العربية ضعيف، ومن كلام العرب بعيد. وأما ما استشهد به لقوله من الأبيات، فغير دالّ على صحة دعواه، لأن في قول الشاعر: "رأتني بحبليها"، دلالة بينة في أنها رأته بالحبل ممسكً" انتهى كلامه
- وقال آخرون من نحويي الكوفة: هو استثناء متصل، والمعنى: ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا، أي: بكل مكان = إلا بموضع حبل من الله، كما تقول: ضُربت عليهم الذلة في الأمكنة إلا في هذا المكان.
وهذا يرد عليه أن الذلة مضروبة عليهم سواء كان لهم حبل من الله والناس أو لا فالذلة وصف ملازم لهم. وذهبوا لذلك لأنهم جعلوا الاستثناء متصلا وليس كذلك.
- قال أبو جعفر: ولكن القول عندنا أن"الباء" في قوله:"إلا بحبل من الله"، أدخلت لأن الكلام الذي قبل الاستثناء مقتضٍ في المعنى"الباء". وذلك أن معنى قوله:"ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا" ضربت عليهم الذلة بكل مكان ثقفوا = ثم قال:"إلا بحبل من الله وحبل من الناس" على غير وجه الاتصال بالأول، ولكنه على الانقطاع عنه. ومعناه: ولكن يثقفون بحبل من الله وحبل من الناس، كما قيل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً) [سورة النساء: 92] ، فالخطأ وإن كان منصوبًا بما عمل فيما قبل الاستثناء، فليس قوله باستثناء متصل بالأول بمعنى:"إلا خطأ"، فإن له قتله كذلك = ولكن معناه: ولكن قد يقتله خطأ. فكذلك قوله:"أينما ثقفوا إلا بحبل من الله، وإن كان الذي جلب"الباء" التي بعد"إلا" الفعل الذي يقتضيها قبل"إلا"، فليس الاستثناء بالاستثناء المتصل بالذي قبله، بمعنى: أن القوم إذا لُقوا، فالذلة زائلة عنهم، بل الذلة ثابتة بكل حال. ولكن معناه ما بينا آنفا.
وقال الزجاج: وما بعد الاستثناء في قوله تعالى: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ ليس من الأول، وإنما المعنى: أنهم أذلاء، إلا أنهم يعتصمون بالعهد إذا أعطوه.
[ الأولى أن تلخّص العبارة عن القول بذكر نص القول ومن قال به وتوجيهه باختصار ]


==والقول الثاني:
قيل إن المراد بالحبل: القرآن
وهذا القول ذكره ابن كثير في تفسيره [ رواه ابن جرير عن جماعة من السلف منهم ابن مسعود والضحاك وقتادة والسدي ]
واستدل له بما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمتِينُ، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ وهُوَ الشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، ونَجَاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ" رواه مسلم.
وُروي مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ نَحْوُ ذَلِكَ
وقد ذكره عند تفسيره قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا" فاستدل بقوله تعالى "إلا بحبل من الله" الآية، ولما أتى لتفسير قوله تعالى "إلا بحبل من الله" لم يذكر غير العهد.
النقاش
كلا القولين يظهر لي أنه يصح أن يكون مرادا هنا، ووجه ذلك أن العهد من الله ومن الناس محل ذكره إنما هو القرآن الكريم فهو المصدر الذي نتلقى منه الأحكام
فالعهود التي لهم هي في القرآن ويكون المعنى بعهد من الله أو بعهد الله المذكور في القرآن.
والله أعلم


(5) السيما في قول الله تعالى: {سيماهم في وجوههم}
قيل في المراد بها أقوال:
=الأول: قيل المراد علامتهم الصلاة
روي هذا القول عبد الرزاق عن قتادة
=الثاني: قيل المراد العلامة التي تكون لهم يوم القيامة ويعرفون بها وهي بياض مواضع السجود
وقد روى هذا القول الطبري في تقسيره عن جماعة منهم:
ابن عباس قال: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة.
وخالد الحنفي، وعطية، ومقاتل ابن حيان، والحسن.
=والثالث: قيل المراد سيما الإسلام وهي الخشوع وترى عليهم في الدنيا
وقد روى هذا القول الطبري في تقسيره عن جماعة منهم:
ابن عباس في قوله (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) قال: أما إنه ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الإسلام وسَحْنته وسَمته وخشوعه.
، ورواه عن مجاهد
=والرابع: قيل المراد بها علامتها وأثرها في الدنيا يكون في وجوه المصلين من السهر
وقد روى هذا القول الطبري في تقسيره عن جماعة منهم:
الحسن (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) قال: الصفرة.
وعن شَمِر بن عَطية، في قوله (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) قال: تهيج في الوجه من سهر الليل.
=والخامس: قيل ذلك آثار ترى في الوجه من ثرى الأرض، أو نَدَى الطَّهُور.
روي هذا القول عن سعيد بن جُبير، في قوله (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) قال: ثرى الأرض، وندى الطَّهُور. رواه الطبري عن جعفر ابن أبي المغيرة عنه.
ثم رواه عن عكرمة

مناقشة الأقوال:
هذه الأقوال يجمعها قسمان كبيران:
أحدهما: أن العلامة المراد بها ما يكون في الآخرة، وهذا القسم يمثله القول الثاني
وهو العلامة التي تكون عليهم يوم القيامة فيعرفون بها وهي الغرة التي تكون في الوجه أو التحجيل في أعضاء الوضوء، وبياض الوجوه من أثر السجود وكل هذا دلت عليه أدلة منفصلة كثيرة.
والآخر: أن العلامة المراد بها ما يكون في الدنيا، وهذا القسم يندرج فيه باقي الأقوال فمنها ما يكون ناشئ عن الوضوء ومنها ما يكون ناشئ عن أداء الفرائض ومنها ما يكون ناشئ عن أداء النوافل ومنها ما يكون من أثر التزام أحكام الإسلام.
الترجيح:
كل هذه الأقوال يصح حمل المراد ب"سيماهم" عليها، وإنما قلنا ذلك لأن الله سبحانه وتعالى لم يقيدها بوقت معين ولذلك صح حملها على ما جاء في تفسيرها عند من قصد بها ما يكون في الدنيا وحملها عند من قصد بها ما يكون يوم القيامة. وقد ذهب لهذا القول ابن جرير الطبري في تفسيره بعد ذكر الأقوال ثم استدل على ترجيحه بما رواه عن قتادة (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) يقول: علامتهم أو أعلمتهم الصلاة.
ثم وجدت هذا التقسيم في زاد المسير في علم التفسير ولكنه لم يرجح شيئا.

=======================================================
تطبيقات الدرس الثامن:
- بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

ورد في قراءة "سبيل" قراءتان:
=الأولى
"سبيلَ" بالنصب على أنها مفعول به،
وهذه قراءة عامة قراء أهل المدينة.
ويكون معنى الآية على ذلك: ولتستبين أنت يا محمد، سبيل المجرمين.
وروي هذا عن ابن زيد وكان يتأول المقصود بالمجرمين هم من كان يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرد الصحابة من عنده.
قال الطبري: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن ريد: "ولتستبين سبيلَ المجرمين"، قال: الذين يأمرونك بطرد هؤلاء.[ هذا تفسير للمراد بالمجرمين، وهي مسألة أخرى]

=الثانية:
"سبيلُ" بالرفع على أن القصد للسبيل، فهي فاعل يستبين أو تستبين
وهذه قراءة ذلك بعض المكيين وبعض البصرين.
وقراءة عامة الكوفيين مع "ليستبين" بالياء
وكأن معنى الكلام عندهم: وكذلك نفصل الآيات، ولتتضح طريقُ المجرمين لك وللمؤمنين.

النقاش:
تبين مما سبق أن إعراب الكلمة أثر على المعنى فعلى قراءة النصب يكون المعنى فيه اقتصار البيان على النبي صلى الله عليه وسلم فالخطاب له ليتبين طريق المجرمين
وعلى المعنى الثاني -وهو قراءة الرفع- فالخطاب عام له ولغيره ليعرفوا ويتضح لهم صفات "طريق المجرمين"
ولذلك نجد في كلام بعض المفسرين أنهم رجحوا الرفع لأنه أعم في بيان طريق أهل الضلال إذ أن المعنى أي وليظهر يا محمد -أو يا مخاطب- طريقُ المجرمين.
ولذلك:
ذكر ابن جرير الطبري أن القراءة الأولى بالصواب عنده قراءة الرفع لأن الله تعالى فصَّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبين الحقَّ بها من الباطل جميعُ من خوطب بها، لا بعضٌ دون بعض.
ثم بين وجه ترجيحه التقديم على قراءة النصب فقال:
ومن قرأ "السبيل" بالنصب، فإنما جعل تبيين ذلك محصورًا على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما القراءة في قوله: "ولتستبين"، فسواء قرئت بالتاء أو بالياء، لأن من العرب من يذكر "السبيل" = وهم تميم وأهل نجد = ومنهم من يؤنث "السبيل" = وهم أهل الحجاز. وهما قراءتان مستفيضتان في قرأءة الأمصار، ولغتان مشهورتان من لغات العرب، وليس في قراءة ذلك بإحداهما خلافٌ لقراءته بالأخرى، ولا وجه لاختيار إحداهما على الأخرى = بعد أن يرفع "السبيل" = للعلة التي ذكرنا.
قال الثعلبي:
ودليل المذكر قوله عزّ وجل وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ودليل التأنيث قوله تعالى لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وقوله عز وجل قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ ولذلك قرأ وَلِتَسْتَبِينَ بالياء والتاء. أنتهى
-واقتصر ابن كثير على ذكرها والله أعلم بسبب ذلك.


(4) مرجع الضمير في "به" في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}
=قيل في مرجع الضمير
=أنه يرجع لما كتموه وهو أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم واسمه وصدق نبوته
فقد نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم، كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم الثابتة في كتبهم، لئلا تذهب برياستهم ومآكلهم، والآية عامة في كل من كتم العلم لأجل ذلك.
عن قتادة قوله:"إنّ الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب" الآية كلها، هم أهل الكتاب، كتموا ما أنزل الله عليهم وبَين لهم من الحق والهدى، من بعث محمد صلى الله عليه وسلم وأمره. رواه الطبري عن يزيد بن زريع عن سعيد عنه.
ويدل عليه أيضا ما رواه ابن أبي حاتم قال: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا هَؤُلاءِ هُمُ الْيَهُودُ كَتَمُوا اسْمَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذُوا عَلَيْهِ طَمَعًا قَلِيلا، فَهُوَ الثَّمَنُ الْقَلِيلُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوُ ذَلِكَ.
وقد ذكره الثعلبي واقتصر عليه وكذلك البغوي والقرطبي.
ورجوع الضمير إلى المكتوم يظهر منه معنى جليل، وهو أنهم ما كتموا إلا لأجل الثمن الذي أرادوه فوقع منهم التحريف والتدليس لأجل استحقاق هذا الثمن.
=وقد يكون مرجع الضمير إلى "الكتاب"
وعلى هذا يكون الثمن هو التحريف للكتاب كله
ولكني لم أجد ذكر هذا المعنى.

فعلى المعنى الأول يكون الثمن هو التحريف والتدليس لأوصاف النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته، وعلى المعنى الثاني: يكون التحريف واقع في جميع الكتاب سواء ما يخص النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأحكام
وكلا الأمرين واقع منهم، وله أدلة كثيرة.
والله أعلم


[ الإجابة ناقصة ]

=========================================================
تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}

ورد في قوله تعالى "منزلا" قراءتان:
=القراءة الأولى:
قرأت عامة الأمصار "منزلا" بضم الميم وفتح الزاي على أنها مصدر مفعول ثان، أو مفعول مطلق، ويكون المعنى؛ أنزلني إنزالا مباركا
ويحتمل أن يكون المراد بالإنزال أمرين:
إحداهما: الإنزال في السفينة بعد ركوبها، [ هذا الدعاء ذكره بعد الاستواء على السفينة ]
وثانيهما: الإنزال من السفينة بأن يكون الهبوط بسلام.
عن مجاهد في قوله: (مُنزلا مُبَارَكًا) قال: لنوح حين نزل من السفينة. رواه الطبري
=القراءة الثانية:
قرأ عاصم "منزلا" بفتح الميم وكسر الزاي، على أنه اسم مكان، ويكون المعنى أنزلني مكانا من الأرض مباركا
وهو قول الكلبي: منزلا مباركا بالماء والشجر.
وهو أحد القولين فإنه يحتمل أن يكون المراد بالمكان أيضا أمران:
أحدهما: أنزلني في السفينة مكان مباركا ويكون البركة باعتبار النجاة من الهلاك فكونه في السفينة فهو في مكان مبارك بالنسبة لما حوله.
والآخر: أنزلني في مكان مبارك من الأرض بأن يكون فيه الماء والشجر والذرية ونحوه.

فتبين مما سبق أن اختلاف التصريف نتج عنه اختلاف في المعاني التي تفسر بها الآية، وهذا من عظمة القرآن، ومن براهين صدقه وأنه "تنزيل من حكيم حميد".
وهذا ما يسمى بالمشترك الصرفي وهو أخصّ من المشترك اللفظي، إذ المراد به أن تحتمل الصيغة الصرفية معنيين أو أكثر فهنا احتملت المصدرية على القراءة الأولى، واسم المكان على القراءة الثانية.

5. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
= قيل إنها منقطعة عما قبلها فالمعنى إن الله بالغ أمره بكل حال توكل عليه العبد أو لم يتوكل عليه.
روى ذلك القول ابن جرير الطبري في تفسيره عن جماعة منهم:
مسروق: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) توكل عليه أو لم يتوكل عليه، غير أن المتوكل يُكَفِّرْ عنه سيئاته، ويُعظِم له أجرًا.

==وقد وردت في "بالغ" قراءات
=إحداهما: "بالغُ" بالإضافة مع نصب "أمره" وهي قراءة طلحة بن مصرف، وحفص والمفضل عن عاصم. [ لا تجتمع الإضافة والنصب، وعند نقل القراءات فارجع إلى كتب القراءات المتقدمة، ولا تأخذ نسبة القراءات من كتب التفسير ولا من الكتب المتأخرة المتساهلة في النسبة]
والمعنى هنا أن الله سبحانه وتعالى بالغٌ ما يريد من الأمر لا يفوته شيء ولا يعجزه مطلوب.
=وثانيها: "بالغٌ" بالتنوين "أمرَه" بالنصب على أنها مفعول به، وهي قراءة الجمهور، والمعنى: أي هو سبحانه وتعالى منفذ أمره ممض في خلقه ما قضاه.
وهو بنفس المعنى على القراءة الأولى.
=وثالثها: ما نسب القرطبي في تفسيره إلى المفضل أنه قرأ "بالغاً أمرُهُ" على أن قوله "قد جعل الله" هي خبر إنّ، وبالغاً حال.
وعلى هذا المعنى فهو وصف لأمر الله بنفاذه

=ورابعها: ما نسبه القرطبي أيضا في تفسيره إلى داود بن أبي هند وأبو عمرو في رواية عنه وانب أبي عبلة أنهم قرأوا "" بَالِغٌ أَمْرُهُ" بِالتَّنْوِينِ وَرَفْعِ "أمره" على أنه فاعل أو مبتدأ مؤخر
قال الفراء في توجيه هذه القراءة: أَيْ أَمْرُهُ بَالِغٌ. وَقِيلَ:" أَمْرُهُ" مُرْتَفِعٌ" بِ" بَالِغٌ" وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: بَالِغُ أَمْرِهِ مَا أَرَادَ.
وقيل المعنى: سيبلغ أمره فيما يريد منكم، ومن أضاف حذف التنوين وهو مراد، كقوله: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} و {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}

وبقي من الكلام أن يقال إن صيغة المبالغة أتت على زنة "فاعل" وهي تأتي أحيانا للدلالة على المبالغة، وهي هنا تدل على المبالغة في بيان هذا الأمر وتحقق وقوعه وثبوته فإن أمره سبحانه وتعالى واقع لا محالة.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ج

راجع الدروس بارك الله فيك، وراجع دورة مهارات التفسير.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 18 رمضان 1441هـ/10-05-2020م, 04:34 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة المشري مشاهدة المشاركة
تطبيقات الدرس السادس:
1: معنى البلاء في قول الله تعالى: {وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}.

هو الاختبار والامتحان ويستعمل في الخير والشّرّ، كما قال الله تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون}،
أي: اختبرناهم، وكما قال سبحانه: {ونبلوكم بالشّرّ والخير فتنةً}.
والعرب تسمّي الخير بلاءً والشّرّ بلاءً، غير أنّ الأكثر في الشّرّ أن يقال: بلوته أبلوه بلاءً، وفي الخير: أبليته أبليه إبلاءً وبلاءً؛ ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:

جزى اللّه بالإحسان ما فعلا بكم ........ فأبلاهما خير البلاء الّذي يبلو
أي: خير النّعم الّتي يختبر بها عباده، ذكره ابن جرير.
ثمّ هو في هذه الآية هل يراد به الخير أم الشرّ؟ قولان لأهل العلم:
الأول: أنه الخير، فقالوا هو النعمة: أي في إنجائهم من عذاب بني إسرائيل نعمة عظيمة، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي، وابن جريج.
ويؤيده كونه معطوفا على الآية قبله وهي قوله تعالى: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم).
والثاني: أنه الشر، فيكون المعنى: في الذبح والاستحياء مكروه وامتحان، وقد عزاه القرطبي وابن عطية لجمهور العلماء.
وخلافهم عائد إلى عود الضمير في الآيات، فالقول الأول يرى عوده على الإنجاء، والقول الثاني يرى عوده على القتل والاستحياء.
و يصحّ تفسيره بالمعنيين، فيقال في إنجائهم من عذاب بني إسرائيل نعمة عظيمة، وفيما كان من تقتيلهم واستحياء نسائهم مكروه وامتحان.
[ لو رجعت إلى كتب التفسير المسندة في نسبة الأقوال لكان أجود ]
2. معنى التكوير في قول الله تعالى: {إذا الشمس كوّرت}.
الكور في اللغة مأخوذ من كور العمامة، يقال: كارها يكورها كؤورا و كورا. و "كرت العمامة": إذا أدرتها على رأسك، ومنه قول الشاعر:
وصراد غيم لا يزال كأنه
ملاء بأشراف الجبال مكور
أي معصوب على الجبال ملوي ككور العمامة، ذكره أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري، [شرح أشعار الهذليين: 1/68]، ومحمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ [شرح المفضليات: 676].
ولأهل التفسير أقوال في معناها غالبها باعتبار الأثر الناتج عن التكوير:
القول الأول: ذهاب نورها، وهو قول ابن عباس، وأبي بن كعب، وقتادة، والحسن، قال ابن عباس: أظلمت.
القول الثاني: اضمحلت وذهبت، وهو قول قتادة ومجاهد وسعيد والضحاك.
القول الثالث: ألقيت ورمي بها. [ من قاله؟ ]
القول الرابع: دهورت، وهو قول مجاهد وأبي صالح والربيع بن خثيم.
القول الخامس: النقصان بعد الزيادة. [ من قاله؟ ]
قال ابن جرير: والصوابُ مِن القوْلِ في ذلكَ عندَنا أنْ يُقالَ: {كُوِّرَتْ} كما قالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. والتكويرُ في كلامِ العرَبِ: جَمْعُ بعْضِ الشيءِ إلى بعضٍ، وذلكَ كتكويرِ العِمَامَةِ، وهوَ لَفّها على الرأْسِ، وكتكويرِ الكَارَةِ، وهيَ جمعُ الثيابِ بَعْضِها إلى بعضٍ، وَلَفّها.
وكذلكَ قولُهُ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} إنَّما معناهُ: جمعُ بعضها إلى بعضٍ، ثمَّ لُفَّتْ فَرُمِيَ بها، وإذا فُعِلَ ذلكَ بها ذَهَبَ ضوؤها.
فعَلَى التأويلِ الذي تَأَوَّلْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ لِكِلا القوليْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُ عنْ أهلِ التأويلِ وَجْهٌ صحيحٌ؛ وذلكَ أنَّها إِذَا كُوِّرَتْ ورُمِيَ بها ذَهَبَ ضَوْؤها).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث، قد تغيرت حاله وانتقضت كما ينتقض كور العمامة بعد الشد.



3: معنى "الغاسق" في قول الله تعالى: {ومن شرّ غاسق إذا وقب}.
اختُلف في معنى الغاسق على أقوال :
القول الأول: أنه الظلام، وقد ذكره علماء اللغة.
قال قطرب: يقال: غسق الليل يغسق غسوقاً وغسقاً، أي أظلم، وهو خلاصة قول الأخفش، ومحمد بن القاسم بن بشار.
قال الشاعر:
إنّ هذا اللّيل قد غسقا
وشكوت الهمّ والأرقا
وقال ابن قتيبة: ويقال «الغاسق» القمر إذا كسف فاسود.

القول الثاني: أنه الليل، وهو قول ابن عباس ومجاهد و الحسن ، قال الزجاج: وقيل لليل غاسق -واللّه أعلم- لأنه أبرد من النهار، والغاسق البارد.
القول الثالث: أنه القمر، ومستندهم ما رواه الترمذي وابن جرير والحاكم من طريق الحارث بن عبد الرّحمن، عن أبي سلمة، عن عائشة أنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- نظر إلى القمر، فقال: «يا عائشة استعيذي باللّه من شرّ هذا، فإنّ هذا هو الغاسق إذا وقب».
القول الرابع: أنه كوكبٌ. وكانَ بعضُهم يقولُ: ذلك الكوكبُ هو الثُّرَيَّا. وهو قول أبي هريرة وابن زيد، ذلك لأنّ الأمراض كانت تهيج عنده.
وقد احتجّوا بأثرٍ عن النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رواه ابن جرير قال حدّثني نصر بن عليٍّ، حدّثني بكّار بن عبد اللّه، ابن أخي همّامٍ، حدّثنا محمد ابن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوفٍ، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ومن شرّ غاسقٍ إذا وقب}. قال: (النّجم الغاسق).
قال ابن كثير: وهذا الحديث لا يصحّ رفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.

القول الخامس: أنه النهار إذا دخل في الليل، وهو قول محمد بن كعب القرظي، والزهري.
قال ابن جرير: وأوْلى الأقوالِ في ذلك عندِي بالصوابِ، أن يُقالَ: إنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يَسْتَعِيذَ {مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} وهو الذي يُظْلِمُ، {إِذَا وَقَبَ}؛ يعني: إذا دَخَلَ في ظلامِه؛ والليلُ إذا دَخَلَ في ظلامِه غاسِقٌ، والنجمُ إذا أفَلَ غاسِقٌ، والقمرُ غاسِقٌ إِذَا وَقَبَ.
ولم يَخْصُصْ بعضُ ذلك بل عَمَّ الأمرُ بذلك، فكلُّ غاسِقٍ؛ فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُؤْمَرُ بالاستعاذةِ مِن شرِّهِ إِذَا وَقَبَ).
وخلاصة الأمر أنّ هذه الأقوال ترجع إلى قولين مختلفين، الأول أنه الليل بظلامه وبرودته وما فيه من نجوم وقمر، والثاني أنه النهار.

تطبيقات الدرس السابع:
(4) الحبل في قول الله تعالى: {إلا بحبل من الله وحبل من الناس}

القول الأول: عهد من الله وعهد من الناس، وهو قول ابن عباس وعكرمة وقتادة وعطاء الخراساني والسدي والربيع وابن زيد والضحاك.
ووجه تشبيهه بالحبل لأنه يصل قوما بقوم كما يفعل الحبل في الأجرام، ذكره ابن عطية.
القول الثاني: الأمان، ذكره ابن قتيبة، ووَجَّه تشبيهه بالحبل لأن الخائف مستتر مقموع، والآمن منبسط بالأمان متصرّف، فهو له حبل إلى كل موضع يريده.
وهذا تفسير ببعض المعنى، وهو العهد الذي يعطيه الناس، كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمّنه واحدٌ من المسلمين.
والعهد من الله هو الذمة بضرب الجزية عليهم وإلزامهم أحكام الملة، وهو خلاصة قول ابن كثير.
والمعنى أنهم أذلاء إلا أنهم يعتصمون بالعهد إذا أعطوه، وهو الذمة والأمان.
ويؤيده ما رواه ابن جرير أن أبا الهيثم بن التّيهان قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين أتته الأنصار في العقبة: أيّها الرّجل إنّا قاطعون فيك حبالاً بيننا وبين النّاس، أي: عهودًا.


[ الإجابة ناقصة ]


(5) السيما في قول الله تعالى: {سيماههم في وجوههم}

السيما : العلامة، قال المبرد محمد بن يزيد الثمالي وأما في قوله عز وجل: {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} فلم يقولوا فيه إلا قولاً واحدًا، قالوا: "معلمة"، ثم اختلفوا في توجيه معناها في هذه الآية على أقوال:
القول الأول: علامةٌ يجعلها اللّه في وجوه المؤمنين يوم القيامة، يعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدّنيا، ووصفت بأنها نور وبياض يكسو وجوههم يوم القيامة. وهو قول ابن عباس، وأبي بن كعب وخالد الحنفي وعطية العوفي ومقاتل بن حيان والحسن.
القول الثاني: أنه سيما الإسلام وسمته وخشوعه، وعنى بذلك أنّه يرى من ذلك عليهم في الدّنيا، وهو قول ابن عباس ومجاهد.
القول الثالث: أثرٌ يكون في وجوه المصلّين، مثل أثر السّهر، الّذي يظهر في الوجه مثل الكلف والتّهيّج والصّفرة، وما أشبه ذلك ممّا يظهره السّهر والتّعب في الوجه، ووجّهوا التّأويل في ذلك إلى أنّه سيما في الدّنيا، وهو قول الحسن وشمر بن عطية.
القول الرابع: آثارٌ ترى في الوجه من ثرى الأرض، أو ندى الطّهور، وهو قول سعيد بن جبير، وعكرمة.
القول الخامس: الخشوع والتواضع، وهو قول مجاهد، (والخشوع هو أثر السجود).
القول السادس: مما يتعلق بجباههم من الأرض عند السجود، وهو قول مالك.
القول السابع: علامتهم الصلاة فذلك مثلهم في التوراة وذكر مثلا آخر في الإنجيل فقال كزرع أخرج شطأه، وهو قول قتادة.
القول الثامن: السهر، وهو قول عكرمة، والضحاك (إذا سهر من الليل أصبح مصفرا
القول التاسع: السّحنة، وهو قول لمجاهد، قال ابن الأثير: السحنة بشرة الوجه وهيأته وحاله.
القول العاشر: استنارة وجوههم من كثرة صلاتهم وهو قول عطاء بن أبي رباح.
القول الحادي عشر: السجدة، قال ولرواية المستمليّ ومن وافقه توجيهٌ لأنّه يريد بالسّجدة أثرها في الوجه يقال لأثر السّجود في الوجه سجدةٌ وسجّادةٌ.
القول الثاني عشر: السمت الحسن، وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {سيماهم في وجوههم} قال السمت الحسن). كما في الدر المنثور.

و مردّ الخلاف إلى أمرين: الأول هل هي في الدنيا أم في الآخرة، والثانية: هل هي حسية أم معنوية.
فالقائلون بأنها معنوية: اختلفوا فيها فمنهم من قال صفرة الوجه، ومنهم من قال نور حيث تكون كالقمر ليلة البدر، ومنهم من قال لين البشرة والنعومة في المنظر.
والقائلون بأنّها حسية: قالوا بأن يكون بين عينيه مثل ركبة العنز.
و ردّه أقوام وقالوا: ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبًا من فرعون.
وأخرج الطبراني والبيهقي في "سننه" عن حميد بن عبد الرحمن قال: كنت عند السائب بن يزيد إذ جاء رجل في وجهه أثر السجود فقال: لقد أفسد هذا وجهه أما والله ما هي السيما التي سمى الله ولقد صليت على وجهي منذ ثمانين سنة ما أثر السجود بين عيني). كما في الدر المنثور
وأما النور فيؤيده ما روي عن ابن عباس: إن للحسنة نورًا في القلب وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس فما كمن في النفس ظهر على صفحات الوجه وفي حديث جندب بن سفيان البجلي عند الطبراني مرفوعًا ما أسرّ أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشرّ.
والقائلون بأنها في الآخرة قالوا:
كما يجعل غرة من أثر الوضوء، ويؤيد هذا التأويل اتصال القول بقوله تعالى: {فضلا من الله ورضوانا}، كأنه تعالى قال: علامتهم في تحصيلهم الرضوان يوم القيامة سيماهم في وجوههم من أثر السجود، وهو قول ابن عطية.
ورجح ابن جرير كونه في الدنيا والآخرة فقال: (وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذِكره أخبرنا أنّ سيّما هؤلاء القوم الّذين وصف صفتهم في وجوههم من أثر السّجود، ولم يخصّ ذلك على وقت دون وقتٍ وإذ كان ذلك كذلك، فذلك على كلّ الأوقات، فكان سيماهم الّذي كانوا يعرفون به في الدّنيا آثار الإسلام، وذلك خشوعه وهديه وسمته، وآثار عناء فرائضه وتطوّعه، وفي الآخرة ما أخبر أنّهم يعرفون به، وذلك الغرّة في الوجه والتّحجيل في الأيدي والأرجل من أثر الوضوء، وبياض الوجوه من أثر السّجود).


بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

القول الأول: أنها بالفتح، باعتبار كونها مفعولا به، والمخاطب هو النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين، وهي قراءة عامّة أهل المدينة.
القول الثاني : أنها بالرفع، على اعتبار كون السبيل فاعلا مرفوعا، و السبيل هي المستبانة، وهي قراءة بعض المكيين، وبعض البصريين، وعامة قرّاء أهل الكوفة.
ورجح ابن جرير قراءة الرفع، وعلل ذلك بقوله: (أنّ اللّه تعالى فصّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبيّن الحقّ بها من الباطل جميع من خوطب بها، لا بعضٌ دون بعضٍ.
ومن قرأ (السّبيل) بالنّصب، فإنّما جعل تبيين ذلك محصورًا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم).
والصواب أنّ القراءتين ثابتتان وبالإمكان الجمع بين المعنيين، فيستبين النبي صلى الله عليه وسلم سبيل المجرمين وتستبينه أمته كما علمها،
ويكون أيضا دالاّ على بيان الله لسبيل المجرمين وأنها مستبانة.
ولا ترجيح في القراءات، فهي كلها كلام الله سبحانه.



(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}
القول الأول: أنها تعود على الكتاب الذي هو القرآن، فتوحيده الهاء، وذِكره قبل الكتاب والإيمان، لقصد الإخبار عن الكتاب، ذكره ابن جرير، وهو قول السدي، وقول ابن عطية وابن كثير.
القول الثاني: أنها تعود على الإيمان والكتاب، وأجابوا عن توحيد الهاء، بأنّ أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحّدهما وهما اثنان، ذكره ابن جرير وقال به الفراء.
وقال الزجاج: (ولم يقل جعلناهما لأن المعنى: ولكن جعلنا الكتاب نورا، وهو دليل على الإيمان).
[ والقول الثالث: يعود الضمير على الوحي وهو مصدر فعل {أوحينا}]

و الصواب أن الجمع بين القولين ممكن، والإيمان من لوازم الهداية بالقرآن وحصول النور، وهو متوجه لغة كما ذكر العلماء، والله أعلم.


تطبيقات الدرس التاسع:

2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلني مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}

يحتمل أن يراد به المصدر، ويحتمل أن يراد به المكان.
قال ابن جرير:
(واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: رَبِّ أَنْـزِلْنِي مُنْـزَلا مُبَارَكًا بضم الميم وفتح الزاي، بمعنى: أنـزلني إنـزالا مباركا. وقرأه عاصم مُنْـزَلا بفتح الميم وكسر الزاي. بمعنى: أنـزلني مكانًا مباركًا وموضعا).

5. دلالة اسم الفاعل في قول الله تعالى: {إنّ الله بالغ أمره}
يدل على معنى اسم الفاعل أي إن الله يبلغ أمره ما شاء، أو يبلغ أمره وينفذ.
قال الزجاج: (إنّ اللّه بالغ أمره) وتقرأ (بالغ أمره)، أي إن اللّه بالغ ما يريد. وقرئت إنّ اللّه بالغ أمره، على رفع الأمر ببالغ، أي إنّ اللّه يبلغ أمره وينفذ.
وفيه دلالة على الدوام والثبوت، قال ابن عطية: (أي لا بد من نفوذ أمر الله توكلت أيها المرء أو لم تتوكل قاله مسروق. فإن توكلت كفاك وتعجلت الراحة والبركة، وإن لم تتوكل وكلك إلى عجزك وتسخطك، وأمره في الوجهين نافذ).

ب+

أحسنت بارك الله فيك، واحرصي على نسبة الأقوال من الكتب المسندة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, التاسع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir