المجموعة التاسعة
س1: تضمّن قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي }التفسير الصحيح لكلمة التوحيد، وضّح ذلك.
كلمة التوحيد ننضمن نفي وإثبات, ولا يتم تحقيق التوحيد إلا بتحقيق العبد للنفي والإثبات معا, وليس بتحقيق أحدهما دون الآخر, لذلك لما عرض الرسول عليه الصلاة والسلام, كلمة التوحيد على كفار قريش, رفضوا الإذعان لها, لعلمهم بمقتضاها.
وقوله تعالى:"وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني", تضمنت براءة إبراهيم عليه السلام, مما كان يعبد قومه من الطواغيت, ونفى أن تكون له آلهه من دون الله, واثبت عليه السلام عبوديته لخالقه سبحانه, فتضمنت الآية نفي واثبات, براءة من الشرك وأهله, وإثبات العبودية لله.
وهذا الأمر يدل عليه المعنى اللغوي للتوحيد, فجعل الشيئ شيئا واحدا, يستلزم نفي وإثبات.
س2: الإيمان بالله تعالى يتضمن أربعة أمور، اذكرها مع التوضيح.
أولا: الإيمان بوجود الله وهذا لم يخالف فيه إلا القلة من الملاحدة مثل الداروينية, والدهرية, والبهائية والبانية, والطبائعية الذين أرجعوا الأمر إلى الطبيعة.
لأن الإيمان بوجود إله, هو من الفطر التي فطر الله الناس عليها, فلا يخالفها إلا من انتكست فطرته, وعمل بما يخالفها عنادا وتكبرا, كما جاء عن فرعون لما قال لقومه:"ما علمت لكم من إله غيري", ومع هذا, لما نزلت بهم العقوبات الإلهية جزاء كفرهم, تضرعوا, وطلبوا من موسى دعاء ربه لكشف الضر عنهم, فأقروا بوجود الله وأذعنوا قائلين, "قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن بك ولنرسلن معك بني إسرائيل", لذلك الملاحدة هم من أكثر الناس اضرابا وشكا وحيرة, ومن أكثر الناس تناقضا, وهذا لمخالفتهم الفطرة السوية.
ثانيا: الإيمان بربوبية الله تعالى,وهذا يتضمن الإيمان والإقرار بأن الله هو الخالق, المالك, المدبر, امحيي المييت, لكن الإعتراف بتوحيد الربوبية لا يكفي وحده لدخول المرء الإسلام, بل يجب الإيمان والإقرار بتوحيد الإلوهية, فإن كفار قريش كانوا يقرون بتوحيد الربوبية, ومع هذا لم يدخلوا في الإسلام, وحاربهم الرسول عليه الصلاة والسلام, واستباح أموالهم ودمائهم.
ثالثا: الإيمان بألوهية الله تعالى, وهو الإقرار بأن لا معبود بحق إلا الله سبحانه, وهو التوحيد الذي جاءت به جميع الرسل, وحصلت فيه الخصومات, ولا يدخل العبد الإسلام, وينتفي عنه الشرك, إلا بالإقرار بتوحيد الألوهية.
رابعا: الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا, فنثبت ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام, من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تشبيه ولا تعطيل, ومن غير تحريف, فيكون الإيمان بالاسم والصفة, والمعنى الذي دلت عليه, وأثر الصفة على الخلق, ونثبت لله الكمال المطلق المنزه عن أي نقص, فكل صفة مثبتة نثبت كمالها لله وننزهه عن أي نقص فيها, وكل نفي للنقص جاءت به النصوص, نثبت ما يقابله من الكمال المطلق.
هذا وكل اسم وصفة لها أثرها العظيم على العبد, فنتعبد لله بمقتضى أسمائه وصفاته, فعلمنا إنه هو الرزاق سبحانه, يتلزم منا طلب الرزق منه وحده سبحانه, وعدم تعريض النفس للمذلة في سبيل الحصول عليه.
وقد خالف في هذا الأصل طوائف من المعطلة والمشبهة, فمنهم من بالغ في التنزيه حتى نفى الصفات عن الله تعالى, وأولها بحسب ما حكم عليها عقله, ومنهم من بالغ في إثباتها, حتى شبه الله بخلق, تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا, وكان أهل السنة والجماعة وسطا في ذلك.
س3: عرف الملائكة لغة وشرعا.
لغة: أصل الكلمة:مألك, والألوكة والمألك والمألكة: الرسالة., ثم قدمت اللام ونقلت حركة الهمزة إليها فقيل: مَلأك، ثم قلبت الهمزة ألفاً للتسهيل فقيل: ملاك.
شرعا: هم خلق من خلق الله تعالى, خلقهم من نور, كما قال عليه الصلاة والسلام:"خلقت الملائكة من نور", وهم عباد لله "مكرمون" خلقا وخُلقا, أكرمهم الله تعالى بطاعته, فهم"لا يعصون الله ما أمرهم", وهم خلق كثير يتفاوتون في الخلق والمكانة, وقد وكل الله لهم أعمالا يقومون بها, فهم قائمون بها كما أمرهم ربهم, فمنهم جبريل عليه السلام, الموكل بالوحي"نزل به الروح الأمين", ومنهم الحفظة, حفظة الأبدان, وهناك حفظة الأعمال," كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون", ومنهم ملك الموت الموكل بقبض الأرواح، ومنهم ملائكة الرحمة، ومنهم ملائكة العذاب.
س4: ما فرق الإسلام التي ضلت في باب القدر؟
فرق الإسلام التي ضلت في باب القدر, فرقتان:
القدرية: وهم الذين وهم الذين غالوا في إثبات قدرة العبد, فقالوا إن له إرادة ومشيئة مستقلة عن مشيئة الله, فنفوا خلق الله لأفعال العباد, لذلك سماهم العلماء: مجوس الأمة, وأشهرهم: المعتزلة
الجبرية: وهم الذين نفوا قدرة العبد واختياره ومشيئته, وجعلوه كالريشة في مهب الريح ,وقالوا إن كل ما يصدر من العبد فهو من فعل الله, ومنهم من قال: يحبه الله ويرضاه, فلم يفروا بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية, وهم على مراتب, ومن أشهرهم: الأشاعرة والماتريدية.
س5: كيف يبلغ العبد مرتبة الإحسان في عباداته ومعاملاته؟
يبلغها العبد أولا بتحقيق شرطي العبادة, وهما:
الإخلاص , فتكون عباداته ومعاملاته لله خالصة, فيعبد كأنه يراه, فإن لم يكن يراه فإن الله يراه.
الإتباع, فيسير على خطى سير النبي عليه الصلاة والسلام.
ولما كانت العبادة لا تحصل إلا بالاستعانة, فكان دوام طلبها من الله هو الطريق لبلوغ مرتبة الإحسان, كما جاء في قول الرسول عليه الصلاة والسلام, لمعاذ:"أوصيك يا معاذ, لا تدعن في كل صلاة أن تقول:اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
ومع سؤاله العون من الله, يحسن هو في عبادته, فيعبد الله كأنه يراه, وهي المرتبة الأولى من الإحسان, فإن عجز عنها, فيعبده مستشعرا مراقبة الله له في جميع أحواله, كما قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ, وأمره أن يمسك عليه لسانه, وقال موضحا:"ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم ، وهل تتكلم إلا ما عليك أو لك",.
فإذا التزم العبد هذا, فعليه معها بصحبة الصالحين, فهم كحامل المسك, لا بد لجليسهم من أثر طيب يحمله معه جراء صحبتهم, وخصالهم معروفة لا تخفى, وأبرزها الصدق والإخلاص, مع النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين, البعد عن التكلف مع تركهم ما لا يعنيهم .
وإذا قام في قلب العبد تعظيما لأوامر الله سبحانه وتعالى, هانت عليه طاعة مولاه وترك ما نهى عنه, وإذا لاحظ نعمه التي أنعم الله بها عليه, مع اختلافها, ذل لمولاه وألزم نفسه شكر المحسن إليه, شكرا بقلبه ولسانه وجوارحه, ويقترن هذا مع الصبر ومجاهدة النفس وكثرة ذكر الله, فإن كان العبد هذه حاله, يسر الله له أمره وأعانه, واستجاب له فيما دعى, فرفع درجته إلى درجة المحسنين.