دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 صفر 1441هـ/23-10-2019م, 10:10 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي المجلس الثامن: مجلس مذاكرة القسم الثاني من مقدمة التحرير والتنوير

مجلس مذاكرة القسم الثاني مقدمة التحرير والتنوير



- فهرس مسائل القسم الثاني من مقدمة تفسير ابن عاشور.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ربيع الأول 1441هـ/3-11-2019م, 03:52 PM
هيثم محمد هيثم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 482
افتراضي

المقدمة السابعة قصص القرآن

تعريف القصة القرآنية: الخبر عن حادثة غائبة عن المخبر بها

الفرق بينها وبين القَصص: جمع القصة: قِصص، وأما القَصص فهو اسم للخبر المقصود، وهو مصدر سمي به المفعول، يقال قص على فلان إذا أخبره بخبر.

أهمية القصص في القرآن:
- قال تعالى لرسوله على وجه الامتنان: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ}.
- أشار ابن عاشور إلى أن القصص القرآنية لم تسق مساق الإحماض وتجديد النشاط، بل الغرض من ذلك أسمى وأجل، إذ أن في تلك القصص لعبرا جمة وفوائد للأمة.

من مميزات قصص القرآن:
- نسج نظمها على أسلوب الإيجاز ليكون شبهها بالتذكير أقوى من شبهها بالقصص، مثل قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلَ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} فقد حكيت مقالته هذه هنا في موقع التذكير ولم تحك أثناء قوله: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} وقوله: {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اِغْدُوا عَلَى حَرِثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ}.
- طي ما يقتضيه الكلام الوارد كما في قوله تعالى في سورة يوسف: {وَاِسْتَبَقَا البَابَ}، إذ طوي ذكر حضور سيدها وطرقه الباب وإسراعهما إليه لفتحه، فإسراعهما جميعا للباب لقطع الشبهة من جهة يوسف والسبق للشكاية من جهة امرأة العزيز يدل عليه ما بعده من قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى البَابَ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا}.
- أن القصص القرآني جاء بأسلوب بديع في مظان الاتعاظ به مع المحافظة على الغرض الأصلي الذي جاء به القرآن من تشريع وتفريع.

مناسبة سوقها، ومكانها المناسب:
- إن القصص في القرآن لم تأت متتالية متعاقبة في سورة أو سور كما يكون كتاب التاريخ، لأن معظم الفوائد الحاصلة منها لها علاقة بذلك التوزيع، وهو بالخطابة أشبه، لأن سوق القصة في القرآن في مناسباتها يكسبها صفتين: صفة البرهان وصفة التبيان.

فوائد القصص القرآني، عشر:
الفائدة الأولى: تحدي أهل الكتاب وتعجيزا لهم بقطع حجتهم على المسلمين، لأن قصارى علم أهل الكتاب في ذلك العصر كان معرفة أخبار الأنبياء وأيامهم وأخبار من جاورهم من الأمم.
الفائدة الثانية: معرفة تاريخ السلف في التشريع من الأنبياء وشرائعهم.
الفائدة الثالثة: معرفة ترتب المسببات على أسبابها في الخير والشر والتعمير والتخريب لتقتدي الأمة وتحذر، وما فيها من فائدة ظهور المثل العليا في الفضيلة وتزكية النفوس.
الفائدة الرابعة: موعظة المشركين بما لحق الأمم التي عادت رسلها وعصت أوامر ربها حتى يرعوا غلوائهم، ويتعظوا بمصارع نظرائهم وآبائهم.
الفائدة الخامسة: سلوك أسلوب التوصيف والمحاورة في حكاية القصص، وذلك أسلوب لم يكن معهودا للعرب فكان مجيئه في القرآن ابتكار أسلوب جديد في البلاغة العربية شديد التأثير في نفوس أهل اللسان، وهو من إعجاز القرآن.
الفائدة السادسة: الاتعاظ بأحوال الأمم الماضية وتوسيع علم المسلمين بإحاطتهم بوجود الأمم ومعظم أحوالها، لأن العرب بتوغل الأمية والجهل فيهم أصبحوا لا تهتدي عقولهم إلا بما يقع تحت الحس.
الفائدة السابعة: تعويد المسلمين على معرفة سعة العالم وعظمة الأمم والاعتراف لها بمزاياها حتى ترفع عنهم وسمة الغرور.
الفائدة الثامنة: إنشاء همة السعي إلى سيادة العالم لدى المسلمين كما ساده أمم من قبلهم.
الفائدة التاسعة: معرفة أن قوة الله تعالى فوق كل قوة وأن الله ينصر من ينصره وأنهم إن أخذوا بوسيلتي البقاء من الاستعداد والاعتماد، سلموا من تسلط غيرهم عليهم.
الفائدة العاشرة: تحصيل فوائد في تاريخ التشريع والحضارة من خلال تتبع الآيات وهذا يوسع أذهان المسلمين للإلمام بفوائد المدنية.

فوائد التكرار في القصص القرآني:
عرض ابن عاشور هذه المقاصد للرد على من يتساءل من الملحدين والمتشككين عن فائدة تكرار القصة في سور كثيرة، فقال فوائد القصص تجلبها المناسبات فتذكر القصة كالبرهان على الغرض المسوقة هي معه، فلا يعد ذكرها مع غرضها تكريرا لها لأن سبق ذكرها إنما كان في مناسبات أخرى. وتحصل معه مقاصد أخرى:

أحدها: رسوخها في الأذهان بتكريرها
الثاني: ظهور البلاغة، لأن تكرير الكلام في الغرض الواحد من شأنه أن يَثقل على البليغ فإذا جاء اللاحق منه إثر السابق مع تفنن في المعاني باختلاف طرق أدائها من مجاز أو استعارات أو كناية.
الثالث: أن يسمع اللاحقون من المؤمنين في وقت نزول القرآن ذكر القصة التي كانت فاتتهم قبل إسلامهم أو خلال غيابهم، لأن تلقي القرآن عند نزوله أوقع في النفوس من تطلبه من حافظيه.
الرابع: أن جمع المؤمنين جميع القرآن كان نادرا بل تجد البعض يحفظ بعض السور فيكون الذي حفظ إحدى السور التي ذكرت فيها قصة معينة عالما بتلك القصة.
الخامس: أن تلك القصص تختلف حكاية القصة الواحدة منها بأساليب مختلفة ويذكر في بعض حكاية القصة الواحدة ما لم يذكر في بعضها الآخر، وهو لأسباب:
- منها تجنب التطويل في الحكاية الواحدة فيُقتصر على موضع العبرة منها في موضع ويذكر آخر في موضع آخر فيحصل من متفرق مواضعها في القرآن كمال القصة أو كمال المقصود منها، وفي بعضها ما هو شرح لبعض.
- ومنها أن يكون بعض القصة المذكور في موضع مناسبا للحالة المقصود من سامعيها.
- ومنها أنه قد يقصد تارة التنبيه على خطأ المخاطبين فيما ينقلونه من تلك القصة، وتارة لا يقصد ذلك.

المقدمة الثامنة في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها

افتتاح المقدمة:
هذا غرض له مزيد اتصال بالقرآن. وله اتصال متين بالتفسير؛ لأن ما يتحقق فيه ينتفع به في مواضع كثيرة من فواتح السور، ومناسبة بعضها لبعض فيغني المفسر عن إعادته

تعريف القرآن:
- هو الكلام الله الذي أوحاه الله تعالى كلاما عربيا إلى محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل على أن يبلغه الرسول إلى الأمة باللفظ الذي أوحى به إليه للعمل به ولقراءة ما يتيسر لهم أن يقرأوه منه في صلواتهم، وجعل قراءته عبادة
- وجعله كذلك آية على صدق الرسول في دعواه الرسالة عن الله إلى الخلق كافة بأن تحدى منكريه والمترددين فيه من العرب وهم المخاطبون الأولون بأنهم لا يستطيعون معارضته، ودعاهم إليه فلم يفعلوا، وقد أفاد النبي ذلك بقوله: "ما من الأنبياء نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة"

التعريف العلمي للقرآن عند ابن عاشور:
القرآن اسم للكلام الموحى به إلى النبي، وهو جملة المكتوب في المصاحف المشتمل على مائة وأربع عشرة سورة، أولاها الفاتحة وأخراها سورة الناس.

الأقوال في الوزن الصرفي لكلمة القرآن واشتقاقها:
- هو على وزن فُعْلان وهي زنة وردت في أسماء المصادر مثل غُفْران، وشُكْران وبُهْتان، ووردت زيادة النون في أسماء أعلام مثل عثمان وحسان وعدنان. واسم قرآن صالح للاعتبارين لأنه مشتق من القراءة لأن أول ما بدئ به الرسول من الوحي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، وقال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} فهمزة قرآن أصلية ووزنه فعلان.
- وقيل هو قُران بوزن فُعال، من القرن بين الأشياء أي الجمع بينها لأنه قرنت سوره بعضها ببعض وكذلك آياته وحروفه.
- ومن الناس من زعم أن قُران جمع قرينة على وزن فُعال في التكثير، والقرينة العلامة، قالوا لأن آياته يصدِّق بعضها بعضا فهي قرائن على الصدق.

أسماء القرآن ودلالتها:
- اسم القرآن هو الاسم الذي جعل علما على الوحي المنزل على محمد ولم يُسبق أن أطلق على غيره قبله، وهو أشهر أسمائه وأكثرها ورودا في آياته وأشهرها دورانا على ألسنة السلف.
- وله أسماء أخرى في الأصل أوصاف أو أجناس أنهاها في الإتقان إلى نيف وعشرين، والذي اشتهر إطلاقه عليه منها ستة: التنزيل، والكتاب، والفرقان، والذكر، والوحي وكلام الله.
- ووجه تسميته الفرقان أنه امتاز عن بقية الكتب السماوية بكثرة ما فيه من بيان التفرقة بين الحق والباطل، فإن القرآن يعضد هديه بالدلائل والأمثال ونحوها، وحسبك ما اشتمل عليه من بيان التوحيد وصفات الله.
- وأما التنزيل فهو مصدر نزل، أطلق على المنزل باعتبار أن ألفاظ القرآن أنزلت من السماء
- وأما الكتاب فأصله اسم جنس مطلق ومعهود. وباعتبار عهده أطلق على القرآن كثيرا، وإنما سمي كتابا لأن الله جعله جامعا للشريعة.
- وأما الذكر فقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} أي لتبينه للناس، وذلك أنه تذكير بما يجب على الناس اعتقاده والعمل به
- وأما الوحي فوجه هذه التسمية أنه ألقي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك وذلك الإلقاء يسمى وحيا لأنه يترجم عن مراد الله تعالى فهو كالكلام المترجم عن مراد الإنسان، ولأنه لم يكن تأليف تراكيبه من فعل البشر.
- وأما كلام الله فقال تعالى {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}
- وأن أبا بكر لما أمر بجمع القرآن وكتابته، كتبوه على الورق فقال للصحابة: التمسوا اسما، فقال بعضهم سموه إنجيلا فكرهوا ذلك من أجل النصارى، وقال بعضهم سموه السِّفر فكرهوه من أجل أن اليهود يسمون التوراة السِّفر. فقال عبد الله بن مسعود: رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المُصْحَف فسمُّوه مصحفا.

آيات القرآن

تعريف الآية:
هي مقدار من القرآن مركب ولو تقديرا أو إلحاقا.
- تقديرا: مثل ما في قوله تعالى: {مُدْهَامَّتَانِ} إذ التقدير هما مدهامتان، ونحو {وَالفَجْرِ} والتقدير أُقسم بالفجر.
- وإلحاقا: لإدخال بعض فواتح السور من الحروف المقطعة فقد عد أكثرها في المصاحف آيات ما عدا: الـر، المـر، طـس، وذلك أمر توقيفي وسنة متبعة.
- وتسمية هذه الأجزاء آيات هو من مبتكرات القرآن، قال تعالى: {هُوَ الذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} وقال: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ}.

أوجه تسميتها بآية:
- لأنها دليل على أنها موحى بها من عند الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم
- ولأنها تشتمل على ما هو من الحد الأعلى في بلاغة نظم الكلام.
- ولأنها لوقوعها مع غيرها من الآيات جعلت دليلا على أن القرآن منزل من عند الله وليس من تأليف البشر
- لذا لا يحق لجمل التوراة والإنجيل أن تسمى آيات إذ ليست فيها هذه الخصوصية، أما ما ورد في حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من قول الراوي "فوضع الذي نشر التوراة يده على آية الرجم" فقد قال ابن عاشور فذلك تعبير غلب على لسان الراوي على وجه المشاكلة التقديرية تشبيها بجمل القرآن، إذ لم يجد لها اسما يعبر به عنها.

مقدار الآيات وحدودها:
- تحديد مقادير الآيات مروي عن النبي، كما في الحديث: "من قرأ العشر الخواتم من آخر آل عمران".
- وكان المسلمون في عصر النبوة وما بعده يقدِّرون تارة بعض الأوقات بمقدار الآيات كما ورد في حديث سُحور النبي أنه كان بينه وبين طلوع الفجر مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية
- قال ابن عاشور: لا يبعد أن يكون تعيين مقدار الآية تبعا لانتهاء نزولها، وأمارته وقوع الفاصلة.

الفواصل القرآنية:
- الفواصل: هي الكلمات التي تتماثل في أواخر حروفها أو تتقارب، مع تماثل أو تقارب صيغ النطق بها.
- والعبرة فيها بتماثل صيغ الكلمات من حركات وسكون وهي أكثر شبها بالتزام ما لا يلزم في القوافي
- وأن تلك الفواصل كلها منتهى آيات ولو كان الكلام الذي تقع فيه لم يتم الغرض المسوق إليه.
- وأن هذه الفواصل من جملة المقصود من الإعجاز لأنها ترجع إلى محسنات الكلام وهي من جانب فصاحة الكلام
- وينبغي الوقوف عند نهاية كل آية منها، وذلك سنة كما في حديث أم سلمة.
- ألا ترى أن من الإضاعة لدقائق الشعر أن يلقيه ملقيه على مسامع الناس دون وقف عند قوافيه فإن ذلك إضاعة لجهود الشعراء، وتغطية على محاسن الشعر، وإلحاق للشعر بالنثر، ومن السذاجة أن ينصرف ملقي الكلام عن محافظة هذه الدقائق فيكون مضيعا لأمر نفيس أجهد فيه قائله نفسه وعنايته.

آيات القرآن متفاوتة في مقادير كلماتها:
- فبعضها أطول من بعض ولذلك فتقدير الزمان بها في قولهم: مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية مثلا، تقدير تقريبي، وتفاوت الآيات في الطول تابع لما يقتضيه مقام البلاغة من مواقع كلمات الفواصل على حسب ما قبلها من الكلام.
- وأما وقوف القرآن فقد لا تساير نهايات الآيات، ولا ارتباط لها بنهايات الآيات فقد يكون في آية واحدة عدة وقوف.

الخلاف في عدد الآيات:
- كان عدد آي السور معروفا في زمن النبيء صلى الله عليه وسلم: وروى محمد بن السائب عن ابن عباس أنه لما نزلت آخر آية وهي قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ضعها في رأس ثمانين ومائتين من سورة البقرة، واستمر العمل بعد الآي في عصر الصحابة، ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} الآية.
- قال أبو عمرو الداني في كتاب العدد: أجمعوا على أن عدد آيات القرآن يبلغ ستة آلاف آية، واختلفوا فيما زاد على ذلك، فمنهم من لم يزد، ومنهم من قال ومائتين وأربع آيات، وقيل وأربع عشرة، وقيل وتسع عشرة، وقيل وخمسا وعشرين، وقيل وستا وثلاثين، وقيل وستمائة وست عشرة.

سبب اختلاف السلف في عدد آيات القرآن بناء على الاختلاف في نهاية بعضها:
- فقد يكون بعض ذلك عن اختلاف في الرواية.
- وقد يكون بعضه عن اختلاف الاجتهاد.

الأقوال في عد البسملة آية:
- قال المازري في شرح البرهان: قال مكي بن أبي طالب: قد أجمع أهل العدد من أهل الكوفة والبصرة والمدينة والشام على ترك عد البسملة آية في أول كل سورة، وإنما اختلفوا في عدها وتركها في سورة الحمد لا غير:
1. فعدها آية الكوفي والمكي
2. ولم يعدها آية البصري ولا الشامي ولا المدني.
- وفي الإتقان كلام في الضابط الأول من الضوابط غير محرر وهو آيل إلى ما قاله المازري، ورأيت في عد بعض السور أن المصحف المدني عد آيها أكثر مما في الكوفي، ولو عنوا عد البسملة لكان الكوفي أكثر.

مذاهب عد الآي:
- كان لأهل المدينة عددان، يعرف أحدهما بالأول ويعرف الآخر بالأخير، ومعنى ذلك أن الذين تصدوا لعد الآي بالمدينة من أئمة القراء هم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وأبو نصاح شيبة بن نصاح، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، وإسماعيل بن جعفر بن كثير الأنصاري، وقد اتفق هؤلاء الأربعة على عدد وهو المسمى بالعدد الأول، ثم خالفهم إسماعيل بن جعفر بعدد انفرد به وهو الذي يقال له العدد الثاني، وقد رأيت هذا ينسب إلى أيوب ابن المتوكل البصري المتوفي سنة 200.
- ولأهل مكة عدد واحد، وربما اتفقوا في عدد آي السورة المعينة، وربما اختلفوا
- وقد يوجد اختلاف تارة في مصاحف الكوفة والبصرة والشام، كما نجد في تفسير المهدوي وفي كتب علوم القرآن، ولذلك تجد المفسرين يقولون في بعض السور عدد آيتها في المصحف الفلاني كذا.

ترتيب الآيات

- أما ترتيب الآي بعضها عقب بعض فهو بتوقيف من النبي حسب نزول الوحي.
- ذلك الترتيب مما يدخل في وجوه إعجازه من بداعة أسلوبه
- لم تختلف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في ترتيب آي السور على نحو ما هو في المصحف الذي بأيدي المسلمين اليوم
- على ترتيب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الجهرية وفي عديد المناسبات حفظ القرآن كل من حفظه كلا أو بعضا
- لعل حكمة الأمر بالكتابة أن يرجع إليها المسلمون عندما يحدث لهم شك أو نسيان ولكن ذلك لم يقع.
- ولما جمع القرآن في عهد أبي بكر لم يؤثر عنهم أنهم ترددوا في ترتيب آيات من إحدى السور ولا أثر عنهم إنكار أو اختلاف فيما جمع من القرآن فكان موافقا لما حفظته حوافظهم
- واتساق الحروف واتساق الآيات واتساق السور كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

التأصيل لعلم المناسبات:
- لهذا كان الأصل في آي القرآن أن يكون بين الآية ولاحقتها تناسب في الغرض. أو في الانتقال منه أو نحو ذلك من أساليب الكلام المنتظم المتصل.
- لما كان تعيين الآيات التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في موضع معين غير مروي إلا في عدد قليل، كان حقا على المفسر أن يتطلب مناسبات لمواقع الآيات ما وجد إلى ذلك سبيلا موصلا وإلا فليعرض عنه ولا يكن من المتكلفين.

اتساق الآيات مرتبط بالغرض الأكبر للقرآن:
وذلك الترتيب مما يدخل في وجوه الإعجاز من بداعة أسلوبه، على أن الغرض الأكبر للقرآن هو إصلاح الأمة بأسرها، فإصلاح كفارها بدعوتهم إلى الإيمان والإسلام، وإصلاح المؤمنين بتقوية أخلاقهم وتثبيتهم على هداهم وإرشادهم إلى طرق النجاح وتزكية نفوسهم ولذلك كانت أغراضه مرتبطة بأحوال المجتمع في مدة الدعوة، فكانت آيات القرآن مستقلا بعضها عن بعض، لأن كل آية منه ترجع إلى غرض الإصلاح والاستدلال عليه، وتكميله وتخليصه من تسرب الضلالات إليه، فلم يلزم أن تكون آياته متسلسلة، ولكن حال القرآن كحال الخطيب يتطرق إلى معالجة الأحوال الحاضرة على اختلافها، وينتقل من حال إلى حال بالمناسبة، ولذلك تكثر في القرآن الجمل المعترضة لأسباب اقتضت نزولها أو بدون ذلك، فإن كل جملة تشتمل على حكمة وإرشاد أو تقويم معوج.

وقوف القرآن

تعريف الوقف:
- هو قطع الصوت عن الكلمة حصة يتنفس في مثلها المتنفس عادة.

أهمية الوقف:
- والوقف قد يكون أصلا لمعنى الكلام وبالتالي فقد يختلف المعنى باختلاف الوقف.
- ليس في القرآن مكانا يجب الوقف فيه ولا يحرم الوقف فيه كما قال ابن الجزري
- أن التعدد في الوقف قد يحصل به ما يحصل بتعدد وجوه القراءات من تعدد المعنى مع اتحاد الكلمات
- لما كان القرآن مرادا منه فهم معانيه وإعجاز الجاحدين به وكان قد نزل بين أهل اللسان كان فهم معانيه مفروغا من حصوله عند جميعهم. فأما التحدي بعجز بلغائهم عن معارضته فأمر يرتبط بما فيه من الخصوصيات البلاغية التي لا يستوي في القدرة عليها جميعهم، بل خاصة بلغائهم من خطباء وشعراء، وكان من جملة طرق الإعجاز ما يرجع إلى محسنات الكلام من فن البديع، ومن ذلك فواصل الآيات التي هي شبه قوافي الشعر وأسجاع النثر، وهي مرادة في نظم القرآن لا محالة، فكان عدم الوقف عليها تفريطا في الغرض المقصود منها.

أنواع الوقف:
- الوقف ينقسم إلى حسن ودونه وكل ذلك تقسيم بحسب المعنى، وفي ذلك أقاويل.
- فبعضهم استحسن أن يكون الوقف عند نهاية الكلام وأن يكون ما يتطلب المعنى الوقف عليه قبل تمام المعنى ساكتا وهو قطع الصوت حصة أقل من حصة قطعه عند الوقف، فاللغة العربية وسياق الكلام حارس من الفهم المخطئ، مثل ما في قوله تعالى: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ} فلو وقف القارئ على قوله {الرَّسُولَ} لا يخطر ببال العارف باللغة أن قوله {وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ} تحذير من الإيمان بالله، وكيف يخطر ذلك وهو موصوف بقوله {رَبِّكُمْ} فهل يحذر أحد من الإيمان بربه.

أشهر المؤلفات في علم الوقف:
- لم يشتد اعتناء السلف بتحديد أوقافه لظهور أمرها
- أشهر من تصدى لضبط الوقوف أبو محمد بن الانباري، وأبو جعفر بن النحاس، وللنكزاوي أو النكزوي كتاب في الوقف ذكره في الإتقان، واشتهر بالمغرب من المتأخرين محمد بن أبي جمعة الهبطي المتوفي سنة 930.

سور القرآن

تعريف السورة من القرآن:
- قطعة من القرآن معينة بمبدأ ونهاية لا يتغيران، مسماة باسم مخصوص، تشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تام ترتكز عليه معاني آيات تلك السورة، ناشئ من أسباب النزول، أو عن مقتضيات ما تشتمل عليه من المعاني المتناسبة.
- جمع سورة سُوَر كغُرَف
- تسوير القرآن من السنة في زمن النبي، فقد كان القرآن مقسما إلى مائة وأربع عشرة سورة بأسمائها، ولم يخالف في ذلك إلا عبد الله بن مسعود فإنه لم يثبت المعوذتين.
- ولم يحفظ عن جمهور الصحابة حين جمعوا القرآن أنهم ترددوا ولا اختلفوا في عدد سوره وأنها مائة وأربع عشرة سورة، روى أصحاب السنن عن ابن عباس أن رسول الله كان إذا نزلت الآية يقول: ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا، فترتيب الآيات في السور هو بتوقيف من النبي.

معنى التسمية بالسورة:
- تسمية القطعة المعينة من عدة آيات القرآن سورة من مصطلحات القرآن، وشاعت تلك التسمية عند العرب حتى المشركين منهم. فالتحدي للعرب بقوله تعالى: {فأتوا بعشر سور مثله} وقوله: {فأتوا بسورة من مثله} لا يكون إلا تحديا باسم معلوم المسمى والمقدار عندهم وقت التحدي، فإن آيات التحدي نزلت بعد السور الأول.
- وقد جاء في القرآن تسمية سورة النور باسم سورة في قوله تعالى: {سورة أنزلناها} أي هذه سورة، وقد زادته السنة بيانا، ولم تكن أجزاء التوراة والإنجيل والزبور مسماة سورا عند العرب في الجاهلية ولا في الإسلام.

أقل مقدار للسورة:
كونها تشتمل على ثلاث آيات مأخوذ من استقراء سور القرآن مع حديث عمر فيما رواه أبو داود عن الزبير قال: "جاء الحارث بن خزيمة -هو المسمى في بعض الروايات خزيمة وأبا خزيمة- بالآيتين من آخر سورة براءة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله، فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما منه، ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة" إلخ، فدل على أن عمر ما قال ذلك إلا عن علم بأن ذلك أقل مقدار سوره.

الأقوال في أوجه تسمية الجزء المعين من القرآن سورة:
1. قيل مأخوذة من السور بضم السين وتسكين الواو وهو الجدار المحيط بالمدينة أو بمحلة قوم، زادوه هاء تأنيث في آخره مراعاة لمعنى القطعة من الكلام، كما سموا الكلام الذي يقوله القائل خطبة أو رسالة أو مقامة.
2. وقيل مأخوذة من السؤر بهمزة بعد السين، وهو البقية مما يشرب الشارب بمناسبة أن السؤر جزء مما يشرب، ثم خففوا الهمزة بعد الضمة فصارت واوا.
- قال ابن عطية: وترك الهمز في سورة هو لغة قريش ومن جاورها من هذيل وكنانة وهوازن وسعد بن بكر، وأما الهمز فهو لغة تميم، وليست إحدى اللغتين بدالة على أن أصل الكلمة من المهموز أو المعتل، لأن للعرب في تخفيف المهموز وهمز المخفف من حروف العلة طريقتين، كما قالوا أجوه وإعاء وإشاح، في وجوه ووعاء ووشاح، وكما قالوا الذئب بالهمز والذيب بالياء.
- قال الفراء: ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس مهموزا، كما قالوا رثأت الميت ولبأت بالحج وحلأت السويق بالهمز.

فائدة التسوير:
قال صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله}: إن الجنس إذا انطوت تحته أنواع كان أحسن وأنبل من أن يكون بيانا واحدا، وأن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأهز لعطفه كالمسافر إذا علم أنه قطع ميلا أو طوى فرسخا.

اختلاف العلماء في ترتيب السور بين توفيق وتوقيف:
- قال أبو بكر الباقلاني: يحتمل أن النبي هو الذي أمر بترتيبها كذلك، ويحتمل أن يكون ذلك من اجتهاد الصحابة
- وقال الداني: كان جبريل يوقف رسول الله على موضع الآية وعلى موضع السورة.
- وفي المستدرك عن زيد بن ثابت أنه قال: كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع قال البيهقي: تأويله أنهم كانوا يؤلفون آيات السور
- ونقل ابن عطية عن الباقلاني الجزم بأن ترتيب السور بعضها إثر بعض هو من وضع زيد بن ثابت بمشاركة عثمان.
- قال ابن عطية: وظاهر الأثر أن السبع الطوال والحواميم والمفصل كانت مرتبة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت كتابة المصحف
- قال ابن عاشور: لا شك أن طوائف من سور القرآن كانت مرتبة في زمن النبيء صلى الله عليه وسلم على ترتيبها في المصحف الذي بأيدينا اليوم الذي هو نسخة من المصحف الإمام الذي جمع وكتب في خلافة أبي بكر الصديق ووزعت على الأمصار نسخ منه في خلافة عثمان ذي النورين فلا شك في أن سور المفصل كانت هي آخر القرآن.
- ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري في باب تأليف القرآن أنها لا ترى القراءة على ترتيب المصحف أمرا لازما فقد سألها رجل من العراق أن تريه مصحفها ليؤلف عليه مصحفه فقالت: وما يضرك أية آية قرأت قبل، إنما نزل أول ما نزل منه سورة فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، وفي صحيح مسلم عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران في ركعة. قال عياض في الإكمال: "هو دليل لكون ترتيب السورة وقع باجتهاد الصحابة حين كتبوا المصحف وهو قول مالك رحمه الله وجمهور العلماء"

قصة جمع القرآن في عهد أبي بكر، ودور زيد بن ثابت فيه، وأنه كان في مصحف واحد

اختلاف مصاحف الصحابة في ترتيب وضع السور:
المصاحف الأولى التي كتبها الصحابة لأنفسهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة في ترتيب وضع السور، وممن كان له مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب، وروي أن أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة، قال في الإتقان: إن من الصحابة:
- من رتب مصحفه على ترتيب النزول أي بحسب ما بلغ إليه علمه وكذلك كان مصحف علي رضي الله عنه وكان أوله {اقرأ باسم}، ثم المدثر، ثم المزمل، ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني.
- ومنهم من رتب على حسب الطول والقصر وكذلك كان مصحف أبي وابن مسعود فكانا ابتدأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، وعلى هذه الطريقة أمر عثمان رضي الله عنه بترتيب المصحف المدعو بالإمام.

أن الخلاف في تعيين المكي والمدني خلاف ليس بكثير

ترتيب نزول السور المكية ونزول السور المدنية فيه ثلاث روايات:
- إحداها رواية مجاهد عن ابن عباس
- والثانية رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس
- والثالثة لجابر بن زيد ولا يكون إلا عن ابن عباس، وهي التي اعتمدها الجعبري في منظومته التي سماها تقريب المأمول في ترتيب النزول وذكرها السيوطي في الإتقان.

فائدة تسمية السور:
أن تكون بما يميز السورة عن غيرها، فقد جعلت أسماء السور لها من عهد نزول الوحي، والمقصود من تسميتها تيسير المراجعة والمذاكرة، وقد دل حديث ابن عباس أن رسول الله كان إذا نزلت الآية يقول: "ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا".

أصل أسماء السور وكتابتها في المصحف:
1. إما أن تكون بأوصافها مثل الفاتحة وسورة الحمد
2. وإما أن تكون بالإضافة لشيء اختصت بذكره كقولهم السورة التي يذكر فيها كذا، نحو سورة لقمان وسورة يوسف وسورة البقرة، وقد ثبت في صحيح البخاري قول عائشة: "لما نزلت الآيات من آخر البقرة" الحديث. وفيه عن ابن مسعود قال قرأ رسول الله النجم. وعن ابن عباس أن رسول الله سجد بالنجم.
3. وإما بالإضافة لما كان ذكره فيها أوفى نحو سورة هود وسورة إبراهيم
4. وإما بالإضافة لكلمات تقع في السورة نحو سورة براءة، وسورة حـم عسق، وسورة حـم السجدة كما سماها بعض السلف، وسورة فاطر.

- أما ما روي من حديث أنس مرفوعا "لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذلك القرآن كله ولكن قولوا السورة التي يذكر فيها آل عمران - وكذا القرآن كله"، فقد أنكره أحمد وذكره ابن الجوزي في الموضوعات ولكن ابن حجر أثبت صحته.
- الظاهر أن الصحابة سموا بما حفظوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أخذوا لها أشهر الأسماء التي كان الناس يعرفونها بها ولو كانت التسمية غير مأثورة
- وأن الصحابة لم يثبتوا في المصحف أسماء السور بل اكتفوا بإثبات البسملة في مبدأ كل سورة علامة على الفصل بين السورتين.
- وإنما فعلوا ذلك كراهة أن يكتبوا في أثناء القرآن ما ليس بآية قرآنية، فاختاروا البسملة، لأنها مناسبة للافتتاح مع كونها آية من القرآن، وفي الإتقان أن سورة البينة سميت في مصحف أبى سورة أهل الكتاب، وهذا يؤذن بأنه كان يسمي السور في مصحفه.
- وكتبت أسماء السور في المصاحف باطراد في عصر التابعين ولم ينكر عليهم ذلك.

التنجيم في نزول آيات السورة:
- ربما نزلت السورة جميعا دفعة واحدة كما نزلت سورة الفاتحة وسورة المرسلات من السور القصيرة
- وربما نزلت نزولا متتابعا كسورة الأنعام، وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال: آخر سورة نزلت كاملة براءة
- وربما نزلت السورة مفرقة ونزلت السورتان مفرقتان في أوقات متداخلة، روى الترمذي عن ابن عباس عن عثمان بن عفان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد، أي في أوقات متقاربة فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من يكتب الوحي فيقول: ((ضعوا هؤلاء الآيات في السورة كذا)). ولذلك فقد تكون السورة بعضها مكيا وبعضها مدنيا.
- وكذلك تنهية كل سورة كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت نهايات السور معلومة

جمع الصحابة للقرآن:
- قد جمع من الصحابة القرآن كله في حياة رسول الله زيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وعبد الله ابن عمر، وعبادة بن الصامت، وأبو أيوب، وسعد بن عبيد، ومجمع بن جارية، وأبو موسى الأشعري
- وحفظ كثير من الصحابة أكثر القرآن على تفاوت بينهم.

المقدمة التاسعة في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن تعتبر مرادة بها

البلاغة في كلام العرب وأنها طبع وجبلة:
- أن العرب أمة جبلت على ذكاء القرائح وفطنة الأفهام، ولذلك كان الإيجاز عمود بلاغتهم وكثر في كلامهم: المجاز، والاستعارة، والتمثيل، والكناية، والتعريض، والاشتراك والتسامح في الاستعمال كالمبالغة، والاستطراد ومستتبعات التراكيب، والأمثال، والتلميح، والتمليح، واستعمال الجملة الخبرية في غير إفادة النسبة الخبرية، واستعمال الاستفهام في التقرير أو الإنكار، ونحو ذلك.

دور البلاغة في إثراء المعاني:
وملاك ذلك كله توفير المعاني، وأداء ما في نفس المتكلم بأوضح عبارة وأخصرها ليسهل اعتلاقها بالأذهان

نسج القرآن وإتقان نظمه وتوافر المعاني في ألفاظه:
- أن القرآن أفصح لغة على وجه الأرض، لأن الله تعالى أراد أن يكون القرآن كتابا مخاطبا به كل الأمم في جميع العصور، لذلك جعله بلغة هي أفصح كلام بين لغات البشر وهي اللغة العربية
- فجاء القرآن على أسلوب أبدع مما كان العرب يعهدونه وأعجب، فأعجز بلغاء المعاندين عن معارضته، ولم يسعهم إلا الإذعان، سواء في ذلك من آمن بهم أم من كفر.
- لكونه كتاب تشريع وتأديب وتعليم كان حقيقا بأن يودع فيه من المعاني والمقاصد أكثر ما تحتمله الألفاظ، في أقل ما يمكن من المقدار، ليحصل تمام المقصود من الإرشاد الذي جاء لأجله في جميع نواحي الهدى، فمعتاد البلغاء إيداع المتكلم معنى يدعوه إليه غرض كلامه وترك غيره.

خصائص البلاغة:
- والقرآن أودع من المعاني ما يحتاج السامعون إلى علمه وكل ما له حظ في البلاغة سواء كانت متساوية أم متفاوتة، إذا كان المعنى الأعلى مقصودا، وكان ما هو أدنى منه مرادا معه لا مرادا دونه، سواء كانت دلالة التركيب عليها متساوية في الاحتمال والظهور، أم كانت متفاوتة بعضها أظهر من بعض، ولو أن تبلغ حد التأويل، وهو حمل اللفظ على المعنى المحتمل المرجوح.
- أما إذا تساوى المعنيان فالأمر أظهر، مثل قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} أي ما تيقنوا قتله ولكن توهموه، أو ما أيقن النصارى – الذين اختلفوا في قتل عيسى - علم ذلك يقينا بل فهموه خطأ ففي اللفظ معنيان.
- قد تكثر المعاني بإنزال لفظ الآية على وجهين أو أكثر تكثيرا للمعاني مع إيجاز اللفظ، وهو من وجوه الإعجاز، ومثال ذلك قوله تعالى: {إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} وقرأ الحسن البصري وعدها أباه، فنشأ احتمال فيمن هو الواعد.

المعاني الكثيرة التي يسمح بها التركيب على اختلاف الاعتبارات في أساليب الاستعمال العربي:
- لما كان القرآن نازلا من المحيط علمه بكل شيء، كان ما تسمح تراكيبه الجارية على فصيح استعمال الكلام البليغ باحتماله من المعاني المألوفة لعرب في أمثال تلك التراكيب، مظنونا بأنه مراد لمنزله، ما لم يمنع من ذلك مانع صريح أو غالب من دلالة شرعية أو لغوية أو توقيفية.
- قد جعل الله القرآن كتاب الأمة كلها وفيه هديها، ودعاهم إلى تدبره، وبذل الجهد في استخراج معانيه في غير ما آية كقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وقوله: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الذِينَ أُوتُوا العِلْمَ} وغير ذلك.

أمثلة لبيان أن غرض القرآن والنبي إيقاظ الأذهان إلى أخذ أقصى المعاني من ألفاظ القرآن مما تحتمله هذه الألفاظ ولا يتنافى وأغراضه:
- ما رواه أبو سعيد بن المعلى قال: دعاني رسول الله وأنا في الصلاة فلم أجبه فلما فرغت أقبلت إليه فقال: "ما منعك أن تجيبني؟ فقلت: يا رسول الله كنت أصلي، فقال:" ألم يقل الله تعالى: {اِسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}؟ يقول ابن عاشور إن لفظ الاستجابة لما كان صالحا للحمل على المعنى الحقيقي، وهو إجابة النداء حمل النبي الآية على ذلك في المقام الصالح له، بقطع النظر عن المتعلق وهو قوله {لِمَا يُحْيِيكُمْ}.
- وقوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} قال عمر بن الخطاب للنبي لما أراد الصلاة على رأس المنافقين: "كيف تصل على عبد الله ابن أبي بن سلول المنافق الذي فعل كذا وقال يوم كذا ما قال، فقال النبي": خيرني ربي وسأزيد على السبعين". فحمل قوله تعالى: {اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} على التخيير مع أن ظاهره أنه مستعمل في التسوية، وحمل اسم العدد على دلالته الصريحة دون كونه كناية عن الكثرة كما هو قرينة السياق. ثم جاء القرآن مصداقا لكلام عمر {ولاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}
- وما ورد عن أصحاب النبي ومن بعدهم من الأئمة مثل ما روي أن عمرو بن العاص أصبح جنبا في غزوة في يوم بارد فتيمم وصلى بالناس ولما اشتكوا إلى النبي قال له:" أصليت بالناس وأنت جنب؟" قال: الله تعالى يقول: {وَلاَ تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} استدل بها لما خاف على نفسه من البرد، فسكت عنه النبي مع أن مورد الآية أصله في النهي عن أن يقتل الناس بعضهم بعضا.
- ومن ذلك أن عمر لما فتحت العراق لم يقسم الأرض السواد بين المسلمين، واستدل بالآية {وَالذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} وقال: "إن قسمتها بينكم لم يجد المسلمون الذين يأتون بعدكم من البلاد المفتوحة مثل ما وجدتم" فجعلها خراجا على أهل الأرض يقسم على المسلمين كل موسم

جواز موقف الفقهاء في استنباط الأحكام من الآيات التي تحمل معاني مختلفة أوردت في مناسبات أخرى غير التي قصد إليها:
- حيث استدلوا على مشروعية الجعالة ومشروعية الكفالة في الإسلام، بقوله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم}

أن القراءات المتواترة إذا اختلفت في قراءة ألفاظ القرآن اختلافا يفضي إلى اختلاف المعاني، فهو يرجع إلى هذا الأصل.

بيان احتمالات معاني التركيب المحتمل معنيين فصاعدا:
1. قد يكون بينهما العموم والخصوص، فهذا النوع لا تردد في حمل التركيب على جميع ما يحتمله، ما لم يكن عن بعض تلك المحامل صارف لفظي أو معنوي.
2. وقد يكون بينها التغاير، بحيث يكون تعيين التركيب للبعض منافيا لتعيينه للآخر بحسب إرادة المتكلم عرفا
3. وقد يكون ثاني المعنيين متولدا من المعنى الأول، وهذا لا شبهة في الحمل عليه لأنه من مستتبعات التراكيب، مثل الكناية والتعريض والتهكم مع معانيها الصريحة، كما فهم ابن عباس أجل رسول الله من سورة النصر.

بيان أن مختلف المحامل التي تسمح بها كلمات القرآن وتراكيبه وإعرابه ودلالته، من: اشتراك، وحقيقة، ومجاز وصريح، وكناية، ووصل، ووقف، إذا لم تفض إلى خلاف المقصود من السياق يجب حمل الكلام على جميعها، لأنها مرادة ومقصودة
مثاله: كالوصل والوقف في قوله تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، إذا وقف على ريب أو على فيه.

من مميزات العربية التي خولتها استحقاق الفوز بأن تكون لغة القرآن أنها:
1. أوفر اللغات مادة
2. وأقلها حروفا
3. وأفصحها لهجة
4. وأكثرها تصرفا في الدلالة على أغراض المتكلم
5. وأوفرها ألفاظا

ذكر ثلاث مواضيع من اللغة معينة في استخراج معاني القرآن تفسيرا وتشريعا:
1. استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه دفعة واحدة.
2. استعمال اللفظ في معناه الحقيقي ومعناه المجازي معا.
3. إرادة المعاني المكنى عنها مع المعاني المصرح بها، وإرادة المعاني المستتبَعات من التراكيب المستتبِعة، وقد نبه علماء العربية الذين اشتغلوا بعلم المعاني والبيان على هذا النوع.

الخلاف بين العلماء في مسألة استعمال المشترك، واللفظ في معناه الحقيقي والمجازي معا:
- فعلماء الأصول قد جوزوا استعمال المشترك في أكثر من معنى من مدلوله، ويمثل هذا الاتجاه أبو الحسين البصري والغزالي، حيث يرون صحة استعمال المشترك في عدة معان لكن بإرادة المتكلم لا لدلالة اللغة.
- ويرجع سبب اختلافهم هنا إلى كون الأمر غير وارد في كلام العرب قبل نزول القرآن أو أنه وقع بندرة.

الأقوال في أن المشترك يصح إطلاقه على عدة من معانيه جميعا أو بعضا إطلاقا لغويا:
1. قال قوم: هو من قبيل الحقيقة، ونسب إلى الشافعي وأبي بكر الباقلاني وجمهور المعتزلة.
2. وقال قوم: هو المجاز، وجزم ابن الحاجب بأنه مراد الباقلاني من قوله في كتاب التقريب والإرشاد إن المشترك لا يحمل على أكثر من معنى إلا بقرينة.
- رأي ابن عاشور: أن معاني المشترك كلها من قبيل الحقيقة، بقوله: "فهم ابن الحاجب أن القرينة من علامات المجاز، وهذا لا يستقيم، لأن القرينة التي هي من علامات المجاز هي القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وهي لا تتصور في موضوعنا، إذ معاني المشترك كلها من قبيل الحقيقة، وإلا لانتقضت حقيقة المشترك فارتفع الموضوع من أصله".
- وإنما سها أصحاب هذا الرأي عن الفرق بين قرينة إطلاق اللفظ على معناه المجازي وقرينة إطلاق المشترك على عدة من معانيه، فإن قرينة المجاز مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وقرينة المشترك معينة للمعاني المرادة كلا أو بعضا.

ترجيح ابن عاشور في مسألة المشترك اللفظي واستعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي:
- أن الذي يجب اعتماده أن يحمل المشترك في القرآن على ما يحتمله من المعاني سواء في ذلك اللفظ المفرد المشترك والتركيب المشترك بين مختلف الاستعمالات، سواء كانت المعاني حقيقية أو مجازية، محضة أو مختلفة.
- ويقول: "ونحن لا نتابعهم على ذلك -ترجيح معنى من المعاني وإلغاء المعاني الأخرى-، بل نرى المعاني المتعددة التي يحتملها اللفظ بدون خروج عن مهيع الكلام العربي، معاني في تفسير الآية."

أمثلة في تحرير القول في مسألة استعمال اللفظ المفرد في حقيقته ومجازه:
- قوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس} فالسجود له معنى حقيقي وهو وضع الجبهة على الأرض ومعنى مجازي وهو التعظيم، وقد استعمل فعل يسجد هنا في معنييه المذكورين لا محالة.
- وقوله تعالى: {ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء} فبسط الأيدي حقيقة في مدها للضرب والسلب، وبسط الألسنة مجاز في عدم إمساكها عن القول البذيء وقد استعمل هنا في كلا معنييه.

أما مثال استعمال المركب المشترك في معنييه:
- قوله تعالى: {ويل للمطففين} فمركب ويل له يستعمل خبرا ويستعمل دعاء، وقد حمله المفسرون هنا على كلا المعنيين.

- يختم ابن عاشور هذه المقدمة بقوله أن هذا القانون يجمع بين المعاني التي يذكرها المفسرون، أو ترجيح بعضها على بعض.
- رغم اعتماد المفسرين على ترجيح معنى من المعاني مما يجعل غير ذلك المعنى ملغى، إلا أن ابن عاشور يرى أن المعاني المتعددة التي يحتملها اللفظ – بدون خروج عن مهيع الكلام العربي البليغ- معاني في تفسير الآية، واعتمد ذلك في تفسيره لبعض الآيات.
- وإذا ترك معنى مما حمل بعض المفسرين عليه في آيات من القرآن فليس تركه إياه دالا على إبطاله، وإنما لأحد وجهين:
1. قد يكون ذلك لترجح غيره
2. وقد يكون اكتفاء بذكره في تفاسير أخرى تجنبا للإطالة

المقدمة العاشرة في إعجاز القرآن

افتتاح المقدمة:
- لم ير غرضا تناضلت له سهام الأفهام مثل الحديث عن إعجاز القرآن، ولا غاية تسابقت إليها جياد الهمم فرجعت دونها حسرى، واقتنعت بما بلغته من صبابة نزرا.
- لقد سبق أن ألف علم البلاغة مشتملا على نماذج من وجوه إعجازه. والتفرقة بين حقيقته ومجازه. إلا أنه باحث عن كل خصائص الكلام العربي البليغ ليكون معيارا للنقد أو آلة للصنع. ثم ليظهر من جراء ذلك كيف تفوق القرآن على كل كلام بليغ بما توفر فيه من الخصائص التي لا تجتمع في كلام آخر للبلغاء حتى عجز السابقون واللاحقون منهم عن الإتيان بمثله.
- قال أبو يعقوب السكاكي: "واعلم أني مهدت لك في هذا العلم قواعد متى بنيت عليها أعجب كل شاهد بناؤها. واعترف لك بكمال الحذق في البلاغة أبناؤها- إلى أن قال ثم إذا كنت ممن ملك الذوق وتصفحت كلام رب العزة. أطلعتك على ما يوردك موارد العزة. وكشفت عن وجه إعجازه القناع".

بيان هدف المقدمة:
قال ابن عاشور: أردت في هذه المقدمة أن ألم بك أيها المتأمل إلمامه ليست كخطرة طيف. ولا هي كإقامة المنتجع في المربع حتى يظله الصيف. وإنما هي لمحة ترى منها كيف كان القرآن معجزا وتتبصر منها نواحي إعجازه وما أنا بمستقص دلائل الإعجاز في آحاد الآيات والسور، فذلك له مصنفاته وكل صغير وكبير مستطر.

أهمية مبحث البلاغة في تفسير القرآن:
- يفرق ابن عاشور بين البلاغة والأدب ويعيب على من خلط بينهما، ليبدأ حديثه حول أصول ونكت أغفلها من تقدموا ممن تكلموا في إعجاز القرآن مثل الباقلاني، والرماني، وعبد القاهر، والخطابي، وعياض، والسكاكي، فكونوا منها بالمرصاد، وافلوا عنها كما يفلى عن النار الرماد.
- ثم يبين علاقة هذه المقدمة بالتفسير فيقول: أن مفسر القرآن لا يعد تفسيره لمعاني القرآن بالغا حد الكمال في غرضه ما لم يكن مشتملا على بيان دقائق من وجوه البلاغة في آيه المفسرة. فالمفسر بحاجة إلى بيان ما في آي القرآن من طرق الاستعمال العربي وخصائص بلاغته لئلا يعتبر المعرض عن ذلك بمنزلة المترجم لا بمنزلة المفسر.
- ويقول فمن أعجب ما نراه خلو معظم التفاسير عن الاهتمام بالوصول إلى هذا الغرض الأسمى – خصائص البلاغة وطرق الاستعمال العربي- إلا عيون التفاسير، واعتبر المقل في ذلك أمثال "معاني القرآن" لأبي إسحاق الزجاج، و"المحرر الوجيز" للشيخ عبد الحق بن عطية الأندلسي، والمكثر فيه كما هو معروف عند تفسير "الكشاف" للزمخشري. ولم يعذر التفاسير الخالية من هذه المعاني إلا من نحا ناحية خاصة من معاني القرآن مثل أحكام القرآن، ووصف أصحاب بعض التفاسير ممن لم يغفلوا عن الاهتمام بهذه الفنون بأصحاب الهمم العالية أمثال "أحكام القرآن" لإسماعيل بن إسحاق بن حماد المالكي البغدادي، وفي مواضع من "أحكام القرآن" لأبي بكر بن العربي.

من خصائص إعجاز القرآن:
- اعتبر ابن عاشور العناية بما هو بصدده من بيان وجوه إعجاز القرآن إنما نبعت من مختزل أصل كبير من أصول الإسلام وهو كونه المعجزة الكبرى للنبي
- وكونه المعجزة الباقية، وهو المعجزة التي تحدى بها الرسول معانديه تحديا صريحا. فهو معجزة عامة، ولزوم الحجة به باق من أول ورودها إلى يوم القيامة، وإن كان يعلم وجه إعجازه من عجز أهل العصر الأول عن الإتيان بمثله فيغني ذلك عن نظر مجدد، فكذلك عجز أهل كل عصر من العصور التالية عن النظر في حال عجز أهل العصر الأول، ودليل ذلك متواتر من نص القرآن في عدة آيات تتحدى العرب بأن يأتوا بسورة مثله، وبعشر سور مثله مما هو معلوم، نحو قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ}.

اختلاف العلماء في تعليل عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن:
1. مذهب الصرفة: تقول به طائفة قليلة، ومفاده بأن الله صرفهم عن معارضة القرآن فسلبهم المقدرة أو سلبهم الداعي، لتقوم الحجة عليهم بمرأى ومسمع من جميع العرب، ولم ينسبوا هذا القول إلا إلى الأشعري فيما حكاه أبو الفضل عياض في «الشفاء» وإلى النظام والشريف المرتضى وأبي إسحاق الإسفراييني فيما حكاه عنهم عضد الدين في «المواقف»، وهو قول ابن حزم صرح به في كتاب «الفصل» وقد عزاه صاحب «المقاصد» في شرحه إلى كثير من المعتزلة.
2. مذهب الجمهور وأهل اللغة العربية وهو ترجيح ابن عاشور: يرون أن تعليل إعجاز القرآن الكريم هو بلوغ القرآن درجات البلاغة والفصاحة مبلغا تعجز قدرة بلغاء العرب عن الإتيان بمثله، وإن اجتمعوا، فبلاغة القرآن مرجعها مجموع نظم الكلام وصوغه، بسبب الغرض الذي سيقت فيه من فواتح الكلام وخواتمه.

- ثم ذكر دليل قوي على هذا وهو بقاء الآيات التي نسخ حكمها وبقيت متلوة من القرآن ومكتوبة في المصاحف فإنها لما نسخ حكمها لم يبق وجه لبقاء تلاوتها وكتبها في المصاحف إلا ما في مقدار مجموعها من البلاغة بحيث يلتئم منها مقدار ثلاث آيات متحدى بالإتيان بمثلها مثال ذلك آية الوصية في سورة العقود.

وجوه الإعجاز القرآني:
حدد ابن عاشور وجوه الاعجاز في ثلاث جهات:
الجهة الأولى: بلوغه الغاية القصوى مما يمكن أن يبلغه الكلام العربي البليغ من حصول كيفيات في نظمه مفيدة معاني دقيقة ونكتا من أغراض الخاصة من بلغاء العرب مما لا يفيده أصل وضع اللغة، بحيث يكثر فيه ذلك كثرة لا يدانيها شيء من كلام البلغاء من شعرائهم وخطبائهم.
الجهة الثانية: ما أبدعه القرآن من أفانين التصرف في نظم الكلام مما لم يكن معهودا في أساليب العرب، ولكنه غير خارج عما تسمح به اللغة.
الجهة الثالثة: ما أودع فيه من المعاني الحكمية والإشارات إلى الحقائق العقلية والعلمية مما لم تبلغ إليه عقول البشر في عصر نزول القرآن وفي عصور بعده متفاوتة.

- وقد عد كثير من العلماء من وجوه إعجاز القرآن ما يعد جهة رابعة هي ما انطوى عليه من الأخبار عن المغيَّبات مما دل على أنه منزل من علام الغيوب، وهو معجز للعرب الأميين خاصة وليس معجزا لأهل الكتاب.
- وتعتبر الجهتان الأولى والثانية متوجهة إلى العرب ودليل على صدق المنزل، ثم قد يشارك خاصةَ العرب في إدراك إعجازه كل من تعلم لغتهم ومارس بليغ كلامهم وآدابهم من أئمة العربية في مختلف العصور.
- والقرآن معجز من الجهة الثالثة للبشر قاطبة إعجازا مستمرا على ممر العصور، لأنه قد يدرك إعجازه العقلاء من غير الأمة العربية بواسطة ترجمة معانيه التشريعية والحِكمية والعلمية والأخلاقية، وهو دليل تفصيلي لأهل تلك المعاني وإجمالي لمن تبلغه شهادتهم بذلك.
- وهو من الجهة الرابعة – عند من اعتبروها زائدة عن الجهات الثلاث- معجز لأهل عصر نزوله إعجازا تفصيليا، ومعجز لمن يجيء بعدهم ممن يبلغه ذلك بسبب تواتر نقل القرآن، وتعيّن صرف الآيات المشتملة على هذا الإخبار إلى ما أُريد منها.

الجهة الأولى من جهات الإعجاز:
- مرجعها إلى ما يسمى بالطرف الأعلى من البلاغة والفصاحة، وهو المصطلح على تسميته حدَّ الإعجاز، فلقد كان منتهى التنافس عند العرب التفوق في البلاغة والفصاحة
- ولقد تصدى علماء البلاغة في هذا الصدد إلى الموازنة بين ما ورد في القرآن من ضروب البلاغة وبين أبلغ ما حفظ عن العرب من ذلك مما عُدّ في أقصى درجاتها. والدليل الإجمالي على ذلك هو أن الله تعالى تحدى بلغاءهم أن يأتوا بسورة من مثله، فلم يتعرض واحد إلى معارضته، ولما سمع الوليد بن المغيرة قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} الآية، قال: "والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وما هو بكلام بشر". وذكر أبو عبيدة أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرْ} فسجد وقال: سجدت لفصاحته، يقول ابن عاشور موضع التأثير في هذه الآية هو كلمة اصدع في إبانتها عن الدعوة والجهر بها والشجاعة فيها، وكلمة بما تؤمر في إيجازها وجمعها. وسمع آخر رجلا يقرأ: {فَلَمَّا اِسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} فقال أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام.
- أن إعجاز القرآن يكمن في نظمه وبيانه وإيجازه وأن من أراد سلوك سبيل الاكتساب فلا طريق إليه سوى الاعتناء بعلمي المعاني والبيان وطول ممارستهما والاشتغال بهما.

من جوانب بلاغة القرآن:

1. حسن التقسيم:
حسن التقسيم من المحسنات البديعة، ففي نظم فاتحة الكتاب من خصوصية التقسيم، إذ قسم الفاتحة إلى ثلاثة أقسام، مع ما تضمنه ذلك التقسيم من محسن التخلص في قوله "فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال "هذا بيني وبين عبدي"، إذ كان ذلك مزيجا من القسمين الذي قبله والذي بعده.

2. مراعاة التجنيس:
في القرآن مراعاة التجنيس من غير ما آية، والتجنيس من المحسنات، ومنه قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}.

3. الطباق:
وفيه التنبيه على محسّن المطابقة كقوله: {فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}،

4. التمثيل:
والتنبيه على ما فيه من تمثيل كقوله تعالى: {وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ – لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.

5. الالتفات:
وهو نقل الكلام من أحد طرق التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى طريق آخر منها، لأن ذلك التغيير يجدد نشاط السامع، فإذا انضم إليه اعتبار لطيف يناسب الانتقال إلى ما انتقل إليه صار من أفانين البلاغة، وقد جاء منه في القرآن ما لا يحصى.

6. التشبيه والاستعارة:
كان للتشبيه والاستعارة عند القوم المكان القصي والقدر العلى في باب البلاغة، وقد جاء في القرآن من التشبيه والاستعارة ما أعجز العرب كقوله: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}، وقوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ}، وقوله: {وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ}، وقوله تعالى: {اِبْلَعِي مَاءَكِ}.
ومن محاسن التشبيه كمال التشبيه والاحتراس، كقوله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}، احتراس عن كراهة الطعام {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى}، احتراس عن أن تتخلله أقذاء من بقايا نحله.

7. التمثيلية:
وكذلك التمثيلية في قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} الآية، ففيه إتمام كمال جهات كمال تحسين التشبيه لإظهار أن الحسرة على تلفها أشد.

8. التقديم والتأخير

9. مراعاة المقام:
قد تشتمل آية من القرآن على خصوصيات تتساءل نفس المفسِّر عن دواعيها وما يقتضيها فيتصدى لتطلب مقتضيات لها ربما جاء بها متكلفة أو مغصوبة، ذلك لأنه لم يلتفت إلا إلى مواقع ألفاظ الآية، في حال أن مقتضياتها في الواقع منوطة بالمقامات التي نزلت فيها الآية، مثال ذلك قوله تعالى: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الخَاسِرُونَ} سورة المجادلة، ثم قوله: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ المُفْلِحُونَ}.

10. صراحة كلماته باستعمال أقرب الكلمات في لغة العرب دلالة على المعاني المقصودة، وأشملها لمعان عديدة مقصودة بحيث لا يوجد في كلمات القرآن كلمة تقصر دلالتها عن جميع المقصود منها في حالة تركيبها، ولا تجدها مستعملة إلا في حقائقها

- ومرجع هذا الصنف من الإعجاز إلى ما يسمى في عرف علماء البلاغة بالنكت البلاغية: فإن بلغاءهم كان تنافسهم في وفرة إيداع الكلام من هذه النكت، وبذلك تفاضل بلغاؤهم، فلما سمعوا القرآن انثالت على كل من سمعه من بلغائهم من النكت التي تفطن لها ما لم يجد من قدرته قبلا بمثله.
- وأحسب أن كل بليغ منهم قد فكر في الاستعانة بزملائه من أهل اللسان فعلم ألا مبلغ بهم إلى التظاهر على الإتيان بمثل القرآن فيما عهده كل واحد من ذوق زميله، هذا كله بحسب ما بلغت إليه قريحة كل واحد ممن سمع القرآن منهم من التفطن إلى نكت القرآن وخصائصه.

الناحية الأخرى من هذه الجهة من الإعجاز: فصاحة اللفظ وانسجام النظم وذلك بسلامة الكلام في أجزائه ومجموعه:
- كان مما يعرض لشعراء العرب وخطبائهم ألفاظ ولهجات لها بعض الثقل على اللسان، فأما ما يعرض للألفاظ فهو ما يسمى في علم الفصاحة بتنافر حروف الكلمة أو تنافر حروف الكلمات عند اجتماعها مثل: مستشِزرات والكَنَهْبَل في معلقة امرئ القيس، وسَفَنَّجَة والخَفَيْدَد في معلقة طرفة، وقول القائل "وليس قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ"
- وقد سلم القرآن من هذا كله مع تفننه في مختلف الأغراض وما تقتضيه من تكاثر الألفاظ، وبعض العلماء أورد قوله تعالى: {أُلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} وقوله: {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} وتصدى للجواب، والصواب أن ذلك غير وارد كما قاله المحققون لعدم بلوغه حد الثقل، ولأن حسن دِلالة اللفظ على المعنى بحيث لا يخلفه فيها غيره مقدم على مراعاة خفة لفظه.
- وأما ما يعرض للهجات العرب فذلك شيء تفاوتت في مضماره جياد ألسنتهم وكان المجلى فيها لسانَ قريش ومن حولها من القبائل، وهو مما فُسّر به حديث:" أنزل القرآن على سبعة أحرف"، ولذلك جاء القرآن بأحسن اللهجات وأخفّها وتجنب المكروه من اللهجات، وهذا من أسباب تيسير تلقي الأسماع له ورسوخه فيها، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ}.

الجهة الثانية من جهات الإعجاز:
هي ما أبدعه القرآن من أفانين التصرف في أساليب الكلام البليغ.
- أن أدب العرب إما شعر وإما نثر، وكان الشعر غالب كلامهم

حكمتين لاشتمال القرآن على أنواع من أساليب الكلام العربي وابتكار أساليب لم يكونوا يعرفوها:
1. ظهور أنه من عند الله
2. أن يكون في ذلك زيادة التحدي للمتحدين به.

من أعظم الأساليب التي خالف بها القرآن العرب:

1. أنه جاء في نظمه بأسلوب جامع بين مقصدي: الموعظة والتشريع:
- فكان نظمه يمنح السامعين ما يحتاجون أن يعلموه، وهو في هذا النوع يشبه خطبهم، وكان في مطاوي معانيه ما يَستخرج منه العالم الخبير أحكاما كثيرة في التشريع والآداب وغيرها.

2. ومن أساليبه التفنن:
- وهو بداعة تنقلاته من فن إلى فن بطرائق الاعتراض، والتنظير، والتذييل، والإتيان بالمترادفات عند التكرير، تجنبا لثقل تكرير الكلِم
- وكذلك الإكثار من أسلوب الالتفات المعدود من أعظم أساليب التفنن عند بلغاء العربية، وهو في القرآن كثير، ثم الرجوع إلى المقصود فيكون السامعون في نشاط متجدد بسماعهم وإقبالهم عليه.
- وفي هذا التفنن والتنقل مناسبات بين المنتقَل منه والمنتقَل إليه هي في منتهى الرقة والبداعة بحيث لا يشعر سامعه وقارئه بانتقاله إلا عند حصوله.
- وفي تناسب أقواله وتفنن أغراضه مجلبة للتيسير المصرح به في الآية: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ}. وقوله: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} فقوله ما تيسر يقتضي الاستكثار بقدر التيسُّر.

3. ومن الكيفيات التي تؤدى بها التراكيب، سكوت المتكلم البليغ في جملة سكوتا خفيفا قد يفيد من التشويق إلى ما يأتي بعده ما يفيد إبهام بعض كلامه ثم تعقيبه ببيانه.
4. العدول عن تكرير اللفظ والصيغة فيما عدا المقامات التي تقتضي التكرير من تهويل ونحوه
5. اتساع أدب اللغة في القرآن:
- فجاء القرآن بأسلوب في الأدب غض جديد صالح لكل العقول، متفنن إلى أفانين أغراض الحياة كلها، معط لكل فن ما يليق به من المعاني والألفاظ واللهجة: فتضمن المحاورة والخطابة والجدل والأمثال والقصص والتوصيف والرواية.
- وكان لبلاغته وتناسقه نافذ الوصول إلى القلوب حتى وصفوه بالسِّحر والشِّعر.

6. مبتكرات القرآن: وهي التي "تميز بها نظمه عن بقية كلام العرب"، ومنها:
- أنه جاء بأسلوب يخالف الشعر لا محالة، وأن أسلوبه يخالف أسلوب الخطابة بعض المخالفة، بل جاء بطريقة كتابٍ يُقصد حفظه وتلاوته، وذلك من وجوه إعجازه.
- أنه جاء بالجمل الدالة على معان مفيدة
- أن جاء على أسلوب التقسيم والتسوير (سورة) وهي سنة جديدة في الكلام العربي
- الأسلوب القصصي في حكاية أحوال النعيم والعذاب في الآخرة، وقد كان لذلك تأثير عظيم في نفوس العرب إذ كان فن القصص مفقودا من أدب العربية إلا نادرا. وإذا حكى أقوالا غير عربية صاغ مدلولها في صيغة تبلغ حد الإعجاز بالعربية، وإذا حكى أقوالا عربية تصرف فيها تصرفا يناسب أسلوب المعبر، فالإعجاز الثابت للأقوال المحكية في القرآن هو إعجاز للقرآن لا للأقوال المحكية.
- من هذا القبيل حكاية الأسماء الواقعة في القصص، فإن القرآن يغيرها إلى ما يناسب حسن مواقعها في الكلام من الفصاحة، مثل تغيير شاول إلى طالوت، وتغيير اسم تارح أبي إبراهيم إلى آزر.
- وكذلك التمثيل حيث كان في أدب العرب الأمثال وهي حكاية أحوال مرموز لها، إلا أنها لما تداولتها الألسن وطال عليها الأمد نسيت. أما القرآن فقد أوضح الأمثلة وأبدع تركيبها والأمثلة في القرآن عديدة.
- لم يلتزم القرآن أسلوبا واحدا، واختلفت سوره وتفننت، وكذلك فواتحها وهي قريب مما يعبر عنه في العربية بالمقدِّمات.

7. الإيجاز:
- كان الإيجاز في كلام العرب متنافسهم، وهو غاية تتبارى إليها فصحاؤهم، وقد جاء القرآن بأبدع من ذلك كله. ولولا إيجاز القرآن لكان أداء ما يتضمنه من المعاني في أضعاف مقدار القرآن، وإنك تجد في كثير من تراكيب القرآن حذفا ولكنك لا تعثر على حذف يخلو الكلام من دليل عليه.
- كما عند قوله تعالى: {ذُلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} إن وقفت على كلمة {رَيْبْ} كان من قبيل إيجاز الحذف أي لا ريب في أنه الكتاب فكانت جملة: {فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} ابتداء كلام وكان مفاد حرف {فِي} استنـزال طائر المعاندين أي إن لم يكن كله هدى فإن فيه هدى. وإن وصلت {فِيهِ} كان من قبيل الإطناب وكان ما بعده مفيدا أن هذا الكتاب كله هدى.
- وأكثره ما يسمى بالتضمين، وهو يرجع إلى إيجاز الحذف، والتضمين أن يضمن الفعل أو الوصف معنى فعل أو وصف آخر ويشار إلى المعنى المضمن بذكر ما هو من متعلقاته من حرف أو معمول فيحصل في الجملة معنيان.

8. سلك القرآن مسلك الإطناب لأغراض من البلاغة، ومن أهم مقامات الإطناب مقام توصيف الأحوال لإدخال الروع في قلب السامع وهي طريقة عربية.
9. استعمال اللفظ المشترك في معنيين أو معان، إذا صلح المقام بحسب اللغة العربية.
10. الإتيان بالألفاظ التي تختلف معانيها باختلاف حروفها أو اختلاف حركات حروفها وهو من أسباب اختلاف كثير من القراءات
11. الجزالة والرقة وهما راجعتان إلى معاني الكلام، ولا تخلو سورة من القرآن من تكرر هذين الأسلوبين.
12. عادات القرآن
- قال ابن عاشور: يحق على المفسر أن يتعرف على عادات القرآن من نظمه وكلِمه.

تعرض السلف لبعض منها:
- عن ابن عباس: كل كأس في القرآن المراد بها الخمر
- وفي صحيح البخاري: المطر في القرآن العذاب.
- وعن ابن عباس: أن كل ما جاء من يا أيها الناس المقصود به أهل مكة المشركون.
- وقال الجاحظ في البيان وفي القرآن معان لا تكاد تفترق، مثل الصلاة والزكاة، والجوع والخوف، والجنة والنار، والرغبة والرهبة، والمهاجرين والأنصار، والجن والإنس، وأضاف ابن عاشور: والنفع والضر، والسماء والأرض.
- وذكر صاحب الكشاف وفخر الدين الرازي أن من عادة القرآن أنه ما جاء بوعيد إلا أعقبه بوعد، وما جاء بنذارة إلا أعقبها ببشارة
- وقال فخر الدين: عادة هذا الكتاب الكريم أنه إذا ذكر أنواعا كثيرة من الشرائع والتكاليف أتبعها إما بالإلهيات وإما بشرح أحوال الأنبياء وأحوال القيامة ليصير ذلك مؤكدا لما تقدم ذكره من التكاليف والشرائع.
- وقد استوعب أبو البقاء الكفوي في كتاب الكليات في أوائل أبوابه كليات مما ورد في القرآن من معاني الكلمات، وفي الإتقان للسيوطي شيء من ذلك.

ما ذكره ابن عاشور من عادات في اصطلاح القرآن:
- كلمة هؤلاء إذا لم يرد بعدها عطف بيان يبين المشار إليهم فإنها يراد بها المشركون من أهل مكة كقوله: {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَءِ وَآبَاءَهُمْ} وقوله: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}.
- إذا حكى المحاورات والمجاوبات حكاها بلفظ "قال" دون حرف عطف، كقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} إلى قوله: {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}.

الجهة الثالثة من جهات الإعجاز:
هي ما أودعه من المعاني الحِكمية والإشارات العلمية، ومن المعلوم أن العرب لم يكن لهم علم سوى الشعر وما تضمنه من أخبار: كما قال عمر "كان الشعر عِلم القوم ولم يكن لهم علم أصح منه".

العلم نوعان:
علم اصطلاحي وعلم حقيقي.
1. فأما الاصطلاحي فهو ما تواضع الناس في عصر من الأعصار على أن صاحبه يعد في صف العلماء، وهذا قد يتغير بتغير العصور ويختلف باختلاف الأمم والأقطار، وهذا النوع لا تخلو عنه أمة.
2. وأما العلم الحقيقي فهو معرفة ما بمعرفته كمال الإنسان، وما به يبلغ إلى ذروة المعارف وإدراك الحقائق النافعة عاجلا وآجلا.

- وكلا العلمين -كما يقول ابن عاشور- كمال إنساني ووسيلة لسيادة أصحابه على أهل زمانهم.
- وبين العلمين عموم وخصوص من وجه. وهذه الجهة خلا عنها كلام فصحاء العرب، لأن أغراض شعرهم كانت لا تعدو وصف المشاهدات والمتخيلات والافتراضات المختلفة ولا تحوم حول تقرير الحقائق وفضائل الأخلاق التي هي أغراض القرآن.

اشتمال القرآن على العِلمين:
- فأما النوع الأول فهو لا يحتاج إلى كبير عناء وفكر، فإن مبلغ العلم عند العرب وقتذاك هو علوم أهل الكتاب ومعرفة الشرائع والأحكام وقصص الأنبياء والأمم وأخبار العالم، وقد أشار إلى هذا القرآن بقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} وقال: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا}. ونحوه من محاجة أهل الكتاب.
وعد ذكر أخبار القرون السالفة في نسق وجوه الإعجاز، أن العرب لم يكن أدبهم مشتملا على التاريخ إلا بإشارات نادرة فجاء القرآن بالكثير من ذلك (خبر موسى مع الخضر، يوسف واخوته، أصحاب الكهف، وذي القرنين ولقمان وغيره…). فمن أخبار العرب قوله: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ} وقوله: {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}.

- وأما النوع الثاني من إعجازه العلمي فهو ينقسم إلى قسمين:
1. قسم يكفي لإدراكه فهمه وسمعه
2. وقسم يحتاج إدراك وجه إعجازه إلى العلم بقواعد العلوم فينبلج للناس شيئا فشيئا انبلاج أضواء الفجر على حسب مبالغ الفهوم وتطورات العلوم
وكلاهما دليل على أنه من عند الله، لأنه جاء به أمي، والجائي به ثاوٍ بينهم لم يفارقهم.

الإشارة إلى قضية الإعجاز العلمي:
- من طرق إعجازه العلمية أنه دعا إلى النظر والاستدلال، كقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا} وقوله: {أَوَ لَيْسَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}. ولقد فتح القرآن الأعين إلى فضائل العلوم، فشبه العلم بالنور والحياة كقوله: {لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} وقوله: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} وذكر العلماء في قوله: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ} وقال: {هَلْ يَسْتَوْي الذِينَ يَعْلَمُونَ والذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}.
- وهذا النوع من الإعجاز هو الذي خالف به القرآن أساليب الشعر وأغراضه مخالفة واضحة، إذ لا قبل للعرب بتلك العلوم كما قال تعالى: {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا}.
- وهذه الجهة من الإعجاز إنما تثبت للقرآن بمجموعه أي مجموع هذا الكتاب إذ ليست كل آية من آياته ولا كل سورة من سوره بمشتملة على هذا النوع من الإعجاز، ولذلك فهو إعجاز حاصل من القرآن وغير حاصل به التحدي إلا إشارة نحو قوله: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}

الجهة الرابعة من جهات الإعجاز:
وهي الإخبار بالمغيبات.
- يقول ابن عاشور أنه اعتمد على ما جاء به السلف في ذلك ممن عده من وجوه الإعجاز، رغم كونه ليس له علاقة بنظم القرآن وفصاحته وبلاغته إذ هي المعول لديه لبيان وجوه الإعجاز.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 ربيع الثاني 1441هـ/17-12-2019م, 10:24 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيثم محمد مشاهدة المشاركة
المقدمة السابعة قصص القرآن

تعريف القصة القرآنية: الخبر عن حادثة غائبة عن المخبر بها

الفرق بينها وبين القَصص: جمع القصة: قِصص، وأما القَصص فهو اسم للخبر المقصود، وهو مصدر سمي به المفعول، يقال قص على فلان إذا أخبره بخبر.

أهمية القصص في القرآن:
- قال تعالى لرسوله على وجه الامتنان: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ}.
- أشار ابن عاشور إلى أن القصص القرآنية لم تسق مساق الإحماض وتجديد النشاط، بل الغرض من ذلك أسمى وأجل، إذ أن في تلك القصص لعبرا جمة وفوائد للأمة.

من مميزات قصص القرآن:
- نسج نظمها على أسلوب الإيجاز ليكون شبهها بالتذكير أقوى من شبهها بالقصص، مثل قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلَ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} فقد حكيت مقالته هذه هنا في موقع التذكير ولم تحك أثناء قوله: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} وقوله: {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اِغْدُوا عَلَى حَرِثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ}.
- طي ما يقتضيه الكلام الوارد كما في قوله تعالى في سورة يوسف: {وَاِسْتَبَقَا البَابَ}، إذ طوي ذكر حضور سيدها وطرقه الباب وإسراعهما إليه لفتحه، فإسراعهما جميعا للباب لقطع الشبهة من جهة يوسف والسبق للشكاية من جهة امرأة العزيز يدل عليه ما بعده من قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى البَابَ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا}.
- أن القصص القرآني جاء بأسلوب بديع في مظان الاتعاظ به مع المحافظة على الغرض الأصلي الذي جاء به القرآن من تشريع وتفريع.

مناسبة سوقها، ومكانها المناسب:
- إن القصص في القرآن لم تأت متتالية متعاقبة في سورة أو سور كما يكون كتاب التاريخ، لأن معظم الفوائد الحاصلة منها لها علاقة بذلك التوزيع، وهو بالخطابة أشبه، لأن سوق القصة في القرآن في مناسباتها يكسبها صفتين: صفة البرهان وصفة التبيان.
[وهذا أيضا يدخل ضمن مميزات القصص القرآني]

فوائد القصص القرآني، عشر:
الفائدة الأولى: تحدي أهل الكتاب وتعجيزا لهم بقطع حجتهم على المسلمين، لأن قصارى علم أهل الكتاب في ذلك العصر كان معرفة أخبار الأنبياء وأيامهم وأخبار من جاورهم من الأمم.
الفائدة الثانية: معرفة تاريخ السلف في التشريع من الأنبياء وشرائعهم.
الفائدة الثالثة: معرفة ترتب المسببات على أسبابها في الخير والشر والتعمير والتخريب لتقتدي الأمة وتحذر، وما فيها من فائدة ظهور المثل العليا في الفضيلة وتزكية النفوس.
الفائدة الرابعة: موعظة المشركين بما لحق الأمم التي عادت رسلها وعصت أوامر ربها حتى يرعوا غلوائهم، ويتعظوا بمصارع نظرائهم وآبائهم.
الفائدة الخامسة: سلوك أسلوب التوصيف والمحاورة في حكاية القصص، وذلك أسلوب لم يكن معهودا للعرب فكان مجيئه في القرآن ابتكار أسلوب جديد في البلاغة العربية شديد التأثير في نفوس أهل اللسان، وهو من إعجاز القرآن.
الفائدة السادسة: الاتعاظ بأحوال الأمم الماضية وتوسيع علم المسلمين بإحاطتهم بوجود الأمم ومعظم أحوالها، لأن العرب بتوغل الأمية والجهل فيهم أصبحوا لا تهتدي عقولهم إلا بما يقع تحت الحس.
الفائدة السابعة: تعويد المسلمين على معرفة سعة العالم وعظمة الأمم والاعتراف لها بمزاياها حتى ترفع عنهم وسمة الغرور.
الفائدة الثامنة: إنشاء همة السعي إلى سيادة العالم لدى المسلمين كما ساده أمم من قبلهم.
الفائدة التاسعة: معرفة أن قوة الله تعالى فوق كل قوة وأن الله ينصر من ينصره وأنهم إن أخذوا بوسيلتي البقاء من الاستعداد والاعتماد، سلموا من تسلط غيرهم عليهم.
الفائدة العاشرة: تحصيل فوائد في تاريخ التشريع والحضارة من خلال تتبع الآيات وهذا يوسع أذهان المسلمين للإلمام بفوائد المدنية.

فوائد التكرار في القصص القرآني:
عرض ابن عاشور هذه المقاصد للرد على من يتساءل من الملحدين والمتشككين عن فائدة تكرار القصة في سور كثيرة، فقال فوائد القصص تجلبها المناسبات فتذكر القصة كالبرهان على الغرض المسوقة هي معه، فلا يعد ذكرها مع غرضها تكريرا لها لأن سبق ذكرها إنما كان في مناسبات أخرى. وتحصل معه مقاصد أخرى:

أحدها: رسوخها في الأذهان بتكريرها
الثاني: ظهور البلاغة، لأن تكرير الكلام في الغرض الواحد من شأنه أن يَثقل على البليغ فإذا جاء اللاحق منه إثر السابق مع تفنن في المعاني باختلاف طرق أدائها من مجاز أو استعارات أو كناية.
الثالث: أن يسمع اللاحقون من المؤمنين في وقت نزول القرآن ذكر القصة التي كانت فاتتهم قبل إسلامهم أو خلال غيابهم، لأن تلقي القرآن عند نزوله أوقع في النفوس من تطلبه من حافظيه.
الرابع: أن جمع المؤمنين جميع القرآن كان نادرا بل تجد البعض يحفظ بعض السور فيكون الذي حفظ إحدى السور التي ذكرت فيها قصة معينة عالما بتلك القصة.
الخامس: أن تلك القصص تختلف حكاية القصة الواحدة منها بأساليب مختلفة ويذكر في بعض حكاية القصة الواحدة ما لم يذكر في بعضها الآخر، وهو لأسباب:
- منها تجنب التطويل في الحكاية الواحدة فيُقتصر على موضع العبرة منها في موضع ويذكر آخر في موضع آخر فيحصل من متفرق مواضعها في القرآن كمال القصة أو كمال المقصود منها، وفي بعضها ما هو شرح لبعض.
- ومنها أن يكون بعض القصة المذكور في موضع مناسبا للحالة المقصود من سامعيها.
- ومنها أنه قد يقصد تارة التنبيه على خطأ المخاطبين فيما ينقلونه من تلك القصة، وتارة لا يقصد ذلك.

المقدمة الثامنة في اسم القرآن وآياته وسوره وترتيبها وأسمائها

افتتاح المقدمة:
هذا غرض له مزيد اتصال بالقرآن. وله اتصال متين بالتفسير؛ لأن ما يتحقق فيه ينتفع به في مواضع كثيرة من فواتح السور، ومناسبة بعضها لب
عض فيغني المفسر عن إعادته

تعريف القرآن:
- هو الكلام الله الذي أوحاه الله تعالى كلاما عربيا إلى محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل على أن يبلغه الرسول إلى الأمة باللفظ الذي أوحى به إليه للعمل به ولقراءة ما يتيسر لهم أن يقرأوه منه في صلواتهم، وجعل قراءته عبادة
- وجعله كذلك آية على صدق الرسول في دعواه الرسالة عن الله إلى الخلق كافة بأن تحدى منكريه والمترددين فيه من العرب وهم المخاطبون الأولون بأنهم لا يستطيعون معارضته، ودعاهم إليه فلم يفعلوا، وقد أفاد النبي ذلك بقوله: "ما من الأنبياء نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة"

التعريف العلمي للقرآن عند ابن عاشور:
القرآن اسم للكلام الموحى به إلى النبي، وهو جملة المكتوب في المصاحف المشتمل على مائة وأربع عشرة سورة، أولاها الفاتحة وأخراها سورة الناس.

الأقوال في الوزن الصرفي لكلمة القرآن واشتقاقها:
- هو على وزن فُعْلان وهي زنة وردت في أسماء المصادر مثل غُفْران، وشُكْران وبُهْتان، ووردت زيادة النون في أسماء أعلام مثل عثمان وحسان وعدنان. واسم قرآن صالح للاعتبارين لأنه مشتق من القراءة لأن أول ما بدئ به الرسول من الوحي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، وقال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} فهمزة قرآن أصلية ووزنه فعلان.
- وقيل هو قُران بوزن فُعال، من القرن بين الأشياء أي الجمع بينها لأنه قرنت سوره بعضها ببعض وكذلك آياته وحروفه.
- ومن الناس من زعم أن قُران جمع قرينة على وزن فُعال في التكثير، والقرينة العلامة، قالوا لأن آياته يصدِّق بعضها بعضا فهي قرائن على الصدق.

أسماء القرآن ودلالتها:
- اسم القرآن هو الاسم الذي جعل علما على الوحي المنزل على محمد ولم يُسبق أن أطلق على غيره قبله، وهو أشهر أسمائه وأكثرها ورودا في آياته وأشهرها دورانا على ألسنة السلف.
- وله أسماء أخرى في الأصل أوصاف أو أجناس أنهاها في الإتقان إلى نيف وعشرين، والذي اشتهر إطلاقه عليه منها ستة: التنزيل، والكتاب، والفرقان، والذكر، والوحي وكلام الله.
- ووجه تسميته الفرقان أنه امتاز عن بقية الكتب السماوية بكثرة ما فيه من بيان التفرقة بين الحق والباطل، فإن القرآن يعضد هديه بالدلائل والأمثال ونحوها، وحسبك ما اشتمل عليه من بيان التوحيد وصفات الله.
- وأما التنزيل فهو مصدر نزل، أطلق على المنزل باعتبار أن ألفاظ القرآن أنزلت من السماء
- وأما الكتاب فأصله اسم جنس مطلق ومعهود. وباعتبار عهده أطلق على القرآن كثيرا، وإنما سمي كتابا لأن الله جعله جامعا للشريعة.
- وأما الذكر فقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} أي لتبينه للناس، وذلك أنه تذكير بما يجب على الناس اعتقاده والعمل به
- وأما الوحي فوجه هذه التسمية أنه ألقي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك وذلك الإلقاء يسمى وحيا لأنه يترجم عن مراد الله تعالى فهو كالكلام المترجم عن مراد الإنسان، ولأنه لم يكن تأليف تراكيبه من فعل البشر.
- وأما كلام الله فقال تعالى {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}
- وأن أبا بكر لما أمر بجمع القرآن وكتابته، كتبوه على الورق فقال للصحابة: التمسوا اسما، فقال بعضهم سموه إنجيلا فكرهوا ذلك من أجل النصارى، وقال بعضهم سموه السِّفر فكرهوه من أجل أن اليهود يسمون التوراة السِّفر. فقال عبد الله بن مسعود: رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المُصْحَف فسمُّوه مصحفا.

آيات القرآن

تعريف الآية:
هي مقدار من القرآن مركب ولو تقديرا أو إلحاقا.
- تقديرا: مثل ما في قوله تعالى: {مُدْهَامَّتَانِ} إذ التقدير هما مدهامتان، ونحو {وَالفَجْرِ} والتقدير أُقسم بالفجر.
- وإلحاقا: لإدخال بعض فواتح السور من الحروف المقطعة فقد عد أكثرها في المصاحف آيات ما عدا: الـر، المـر، طـس، وذلك أمر توقيفي وسنة متبعة.
- وتسمية هذه الأجزاء آيات هو من مبتكرات القرآن، قال تعالى: {هُوَ الذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} وقال: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ}.

أوجه تسميتها بآية:
- لأنها دليل على أنها موحى بها من عند الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم
- ولأنها تشتمل على ما هو من الحد الأعلى في بلاغة نظم الكلام.
- ولأنها لوقوعها مع غيرها من الآيات جعلت دليلا على أن القرآن منزل من عند الله وليس من تأليف البشر
- لذا لا يحق لجمل التوراة والإنجيل أن تسمى آيات إذ ليست فيها هذه الخصوصية، أما ما ورد في حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من قول الراوي "فوضع الذي نشر التوراة يده على آية الرجم" فقد قال ابن عاشور فذلك تعبير غلب على لسان الراوي على وجه المشاكلة التقديرية تشبيها بجمل القرآن، إذ لم يجد لها اسما يعبر به عنها.

مقدار الآيات وحدودها:
- تحديد مقادير الآيات مروي عن النبي، كما في الحديث: "من قرأ العشر الخواتم من آخر آل عمران".
- وكان المسلمون في عصر النبوة وما بعده يقدِّرون تارة بعض الأوقات بمقدار الآيات كما ورد في حديث سُحور النبي أنه كان بينه وبين طلوع الفجر مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية
- قال ابن عاشور: لا يبعد أن يكون تعيين مقدار الآية تبعا لانتهاء نزولها، وأمارته وقوع الفاصلة.

الفواصل القرآنية:
- الفواصل: هي الكلمات التي تتماثل في أواخر حروفها أو تتقارب، مع تماثل أو تقارب صيغ النطق بها.
- والعبرة فيها بتماثل صيغ الكلمات من حركات وسكون وهي أكثر شبها بالتزام ما لا يلزم في القوافي
- وأن تلك الفواصل كلها منتهى آيات ولو كان الكلام الذي تقع فيه لم يتم الغرض المسوق إليه.
- وأن هذه الفواصل من جملة المقصود من الإعجاز لأنها ترجع إلى محسنات الكلام وهي من جانب فصاحة الكلام
- وينبغي الوقوف عند نهاية كل آية منها، وذلك سنة كما في حديث أم سلمة.
- ألا ترى أن من الإضاعة لدقائق الشعر أن يلقيه ملقيه على مسامع الناس دون وقف عند قوافيه فإن ذلك إضاعة لجهود الشعراء، وتغطية على محاسن الشعر، وإلحاق للشعر بالنثر، ومن السذاجة أن ينصرف ملقي الكلام عن محافظة هذه الدقائق فيكون مضيعا لأمر نفيس أجهد فيه قائله نفسه وعنايته.

آيات القرآن متفاوتة في مقادير كلماتها:
- فبعضها أطول من بعض ولذلك فتقدير الزمان بها في قولهم: مقدار ما يقرأ القارئ خمسين آية مثلا، تقدير تقريبي، وتفاوت الآيات في الطول تابع لما يقتضيه مقام البلاغة من مواقع كلمات الفواصل على حسب ما قبلها من الكلام.
- وأما وقوف القرآن فقد لا تساير نهايات الآيات، ولا ارتباط لها بنهايات الآيات فقد يكون في آية واحدة عدة وقوف.

الخلاف في عدد الآيات:
- كان عدد آي السور معروفا في زمن النبيء صلى الله عليه وسلم: وروى محمد بن السائب عن ابن عباس أنه لما نزلت آخر آية وهي قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ضعها في رأس ثمانين ومائتين من سورة البقرة، واستمر العمل بعد الآي في عصر الصحابة، ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} الآية.
- قال أبو عمرو الداني في كتاب العدد: أجمعوا على أن عدد آيات القرآن يبلغ ستة آلاف آية، واختلفوا فيما زاد على ذلك، فمنهم من لم يزد، ومنهم من قال ومائتين وأربع آيات، وقيل وأربع عشرة، وقيل وتسع عشرة، وقيل وخمسا وعشرين، وقيل وستا وثلاثين، وقيل وستمائة وست عشرة.

سبب اختلاف السلف في عدد آيات القرآن بناء على الاختلاف في نهاية بعضها:
- فقد يكون بعض ذلك عن اختلاف في الرواية.
- وقد يكون بعضه عن اختلاف الاجتهاد.

الأقوال في عد البسملة آية:
- قال المازري في شرح البرهان: قال مكي بن أبي طالب: قد أجمع أهل العدد من أهل الكوفة والبصرة والمدينة والشام على ترك عد البسملة آية في أول كل سورة، وإنما اختلفوا في عدها وتركها في سورة الحمد لا غير:
1. فعدها آية الكوفي والمكي
2. ولم يعدها آية البصري ولا الشامي ولا المدني.
- وفي الإتقان كلام في الضابط الأول من الضوابط غير محرر وهو آيل إلى ما قاله المازري، ورأيت في عد بعض السور أن المصحف المدني عد آيها أكثر مما في الكوفي، ولو عنوا عد البسملة لكان الكوفي أكثر.

مذاهب عد الآي:
- كان لأهل المدينة عددان، يعرف أحدهما بالأول ويعرف الآخر بالأخير، ومعنى ذلك أن الذين تصدوا لعد الآي بالمدينة من أئمة القراء هم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وأبو نصاح شيبة بن نصاح، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، وإسماعيل بن جعفر بن كثير الأنصاري، وقد اتفق هؤلاء الأربعة على عدد وهو المسمى بالعدد الأول، ثم خالفهم إسماعيل بن جعفر بعدد انفرد به وهو الذي يقال له العدد الثاني، وقد رأيت هذا ينسب إلى أيوب ابن المتوكل البصري المتوفي سنة 200.
- ولأهل مكة عدد واحد، وربما اتفقوا في عدد آي السورة المعينة، وربما اختلفوا
- وقد يوجد اختلاف تارة في مصاحف الكوفة والبصرة والشام، كما نجد في تفسير المهدوي وفي كتب علوم القرآن، ولذلك تجد المفسرين يقولون في بعض السور عدد آيتها في المصحف الفلاني كذا.

ترتيب الآيات

- أما ترتيب الآي بعضها عقب بعض فهو بتوقيف من النبي حسب نزول الوحي.
- ذلك الترتيب مما يدخل في وجوه إعجازه من بداعة أسلوبه
- لم تختلف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في ترتيب آي السور على نحو ما هو في المصحف الذي بأيدي المسلمين اليوم
- على ترتيب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الجهرية وفي عديد المناسبات حفظ القرآن كل من حفظه كلا أو بعضا
- لعل حكمة الأمر بالكتابة أن يرجع إليها المسلمون عندما يحدث لهم شك أو نسيان ولكن ذلك لم يقع.
- ولما جمع القرآن في عهد أبي بكر لم يؤثر عنهم أنهم ترددوا في ترتيب آيات من إحدى السور ولا أثر عنهم إنكار أو اختلاف فيما جمع من القرآن فكان موافقا لما حفظته حوافظهم
- واتساق الحروف واتساق الآيات واتساق السور كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

التأصيل لعلم المناسبات:
- لهذا كان الأصل في آي القرآن أن يكون بين الآية ولاحقتها تناسب في الغرض. أو في الانتقال منه أو نحو ذلك من أساليب الكلام المنتظم المتصل.
- لما كان تعيين الآيات التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في موضع معين غير مروي إلا في عدد قليل، كان حقا على المفسر أن يتطلب مناسبات لمواقع الآيات ما وجد إلى ذلك سبيلا موصلا وإلا فليعرض عنه ولا يكن من المتكلفين.

اتساق الآيات مرتبط بالغرض الأكبر للقرآن:
وذلك الترتيب مما يدخل في وجوه الإعجاز من بداعة أسلوبه، على أن الغرض الأكبر للقرآن هو إصلاح الأمة بأسرها، فإصلاح كفارها بدعوتهم إلى الإيمان والإسلام، وإصلاح المؤمنين بتقوية أخلاقهم وتثبيتهم على هداهم وإرشادهم إلى طرق النجاح وتزكية نفوسهم ولذلك كانت أغراضه مرتبطة بأحوال المجتمع في مدة الدعوة، فكانت آيات القرآن مستقلا بعضها عن بعض، لأن كل آية منه ترجع إلى غرض الإصلاح والاستدلال عليه، وتكميله وتخليصه من تسرب الضلالات إليه، فلم يلزم أن تكون آياته متسلسلة، ولكن حال القرآن كحال الخطيب يتطرق إلى معالجة الأحوال الحاضرة على اختلافها، وينتقل من حال إلى حال بالمناسبة، ولذلك تكثر في القرآن الجمل المعترضة لأسباب اقتضت نزولها أو بدون ذلك، فإن كل جملة تشتمل على حكمة وإرشاد أو تقويم معوج.

وقوف القرآن

تعريف الوقف:
- هو قطع الصوت عن الكلمة حصة يتنفس في مثلها المتنفس عادة.

أهمية الوقف:
- والوقف قد يكون أصلا لمعنى الكلام وبالتالي فقد يختلف المعنى باختلاف الوقف.
- ليس في القرآن مكانا يجب الوقف فيه ولا يحرم الوقف فيه كما قال ابن الجزري
- أن التعدد في الوقف قد يحصل به ما يحصل بتعدد وجوه القراءات من تعدد المعنى مع اتحاد الكلمات
- لما كان القرآن مرادا منه فهم معانيه وإعجاز الجاحدين به وكان قد نزل بين أهل اللسان كان فهم معانيه مفروغا من حصوله عند جميعهم. فأما التحدي بعجز بلغائهم عن معارضته فأمر يرتبط بما فيه من الخصوصيات البلاغية التي لا يستوي في القدرة عليها جميعهم، بل خاصة بلغائهم من خطباء وشعراء، وكان من جملة طرق الإعجاز ما يرجع إلى محسنات الكلام من فن البديع، ومن ذلك فواصل الآيات التي هي شبه قوافي الشعر وأسجاع النثر، وهي مرادة في نظم القرآن لا محالة، فكان عدم الوقف عليها تفريطا في الغرض المقصود منها.

أنواع الوقف:
- الوقف ينقسم إلى حسن ودونه وكل ذلك تقسيم بحسب المعنى، وفي ذلك أقاويل.
- فبعضهم استحسن أن يكون الوقف عند نهاية الكلام وأن يكون ما يتطلب المعنى الوقف عليه قبل تمام المعنى ساكتا وهو قطع الصوت حصة أقل من حصة قطعه عند الوقف، فاللغة العربية وسياق الكلام حارس من الفهم المخطئ، مثل ما في قوله تعالى: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ} فلو وقف القارئ على قوله {الرَّسُولَ} لا يخطر ببال العارف باللغة أن قوله {وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ} تحذير من الإيمان بالله، وكيف يخطر ذلك وهو موصوف بقوله {رَبِّكُمْ} فهل يحذر أحد من الإيمان بربه.

أشهر المؤلفات في علم الوقف:
- لم يشتد اعتناء السلف بتحديد أوقافه لظهور أمرها
- أشهر من تصدى لضبط الوقوف أبو محمد بن الانباري، وأبو جعفر بن النحاس، وللنكزاوي أو النكزوي كتاب في الوقف ذكره في الإتقان، واشتهر بالمغرب من المتأخرين محمد بن أبي جمعة الهبطي المتوفي سنة 930.

سور القرآن

تعريف السورة من القرآن:
- قطعة من القرآن معينة بمبدأ ونهاية لا يتغيران، مسماة باسم مخصوص، تشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تام ترتكز عليه معاني آيات تلك السورة، ناشئ من أسباب النزول، أو عن مقتضيات ما تشتمل عليه من المعاني المتناسبة.
- جمع سورة سُوَر كغُرَف
- تسوير القرآن من السنة في زمن النبي، فقد كان القرآن مقسما إلى مائة وأربع عشرة سورة بأسمائها، ولم يخالف في ذلك إلا عبد الله بن مسعود فإنه لم يثبت المعوذتين.
- ولم يحفظ عن جمهور الصحابة حين جمعوا القرآن أنهم ترددوا ولا اختلفوا في عدد سوره وأنها مائة وأربع عشرة سورة، روى أصحاب السنن عن ابن عباس أن رسول الله كان إذا نزلت الآية يقول: ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا، فترتيب الآيات في السور هو بتوقيف من النبي.

معنى التسمية بالسورة:
- تسمية القطعة المعينة من عدة آيات القرآن سورة من مصطلحات القرآن، وشاعت تلك التسمية عند العرب حتى المشركين منهم. فالتحدي للعرب بقوله تعالى: {فأتوا بعشر سور مثله} وقوله: {فأتوا بسورة من مثله} لا يكون إلا تحديا باسم معلوم المسمى والمقدار عندهم وقت التحدي، فإن آيات التحدي نزلت بعد السور الأول.
- وقد جاء في القرآن تسمية سورة النور باسم سورة في قوله تعالى: {سورة أنزلناها} أي هذه سورة، وقد زادته السنة بيانا، ولم تكن أجزاء التوراة والإنجيل والزبور مسماة سورا عند العرب في الجاهلية ولا في الإسلام.

أقل مقدار للسورة:
كونها تشتمل على ثلاث آيات مأخوذ من استقراء سور القرآن مع حديث عمر فيما رواه أبو داود عن الزبير قال: "جاء الحارث بن خزيمة -هو المسمى في بعض الروايات خزيمة وأبا خزيمة- بالآيتين من آخر سورة براءة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله، فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما منه، ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة" إلخ، فدل على أن عمر ما قال ذلك إلا عن علم بأن ذلك أقل مقدار سوره.
[وهذا الأثر لا يصح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه]
الأقوال في أوجه تسمية الجزء المعين من القرآن سورة:
1. قيل مأخوذة من السور بضم السين وتسكين الواو وهو الجدار المحيط بالمدينة أو بمحلة قوم، زادوه هاء تأنيث في آخره مراعاة لمعنى القطعة من الكلام، كما سموا الكلام الذي يقوله القائل خطبة أو رسالة أو مقامة.
2. وقيل مأخوذة من السؤر بهمزة بعد السين، وهو البقية مما يشرب الشارب بمناسبة أن السؤر جزء مما يشرب، ثم خففوا الهمزة بعد الضمة فصارت واوا.
- قال ابن عطية: وترك الهمز في سورة هو لغة قريش ومن جاورها من هذيل وكنانة وهوازن وسعد بن بكر، وأما الهمز فهو لغة تميم، وليست إحدى اللغتين بدالة على أن أصل الكلمة من المهموز أو المعتل، لأن للعرب في تخفيف المهموز وهمز المخفف من حروف العلة طريقتين، كما قالوا أجوه وإعاء وإشاح، في وجوه ووعاء ووشاح، وكما قالوا الذئب بالهمز والذيب بالياء.
- قال الفراء: ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس مهموزا، كما قالوا رثأت الميت ولبأت بالحج وحلأت السويق بالهمز.

فائدة التسوير:
قال صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله}: إن الجنس إذا انطوت تحته أنواع كان أحسن وأنبل من أن يكون بيانا واحدا، وأن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأهز لعطفه كالمسافر إذا علم أنه قطع ميلا أو طوى فرسخا.

اختلاف العلماء في ترتيب السور بين توفيق وتوقيف:
- قال أبو بكر الباقلاني: يحتمل أن النبي هو الذي أمر بترتيبها كذلك، ويحتمل أن يكون ذلك من اجتهاد الصحابة
- وقال الداني: كان جبريل يوقف رسول الله على موضع الآية وعلى موضع السورة.
- وفي المستدرك عن زيد بن ثابت أنه قال: كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع قال البيهقي: تأويله أنهم كانوا يؤلفون آيات السور
- ونقل ابن عطية عن الباقلاني الجزم بأن ترتيب السور بعضها إثر بعض هو من وضع زيد بن ثابت بمشاركة عثمان.
- قال ابن عطية: وظاهر الأثر أن السبع الطوال والحواميم والمفصل كانت مرتبة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت كتابة المصحف
- قال ابن عاشور: لا شك أن طوائف من سور القرآن كانت مرتبة في زمن النبيء صلى الله عليه وسلم على ترتيبها في المصحف الذي بأيدينا اليوم الذي هو نسخة من المصحف الإمام الذي جمع وكتب في خلافة أبي بكر الصديق ووزعت على الأمصار نسخ منه في خلافة عثمان ذي النورين فلا شك في أن سور المفصل كانت هي آخر القرآن.
- ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري في باب تأليف القرآن أنها لا ترى القراءة على ترتيب المصحف أمرا لازما فقد سألها رجل من العراق أن تريه مصحفها ليؤلف عليه مصحفه فقالت: وما يضرك أية آية قرأت قبل، إنما نزل أول ما نزل منه سورة فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، وفي صحيح مسلم عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران في ركعة. قال عياض في الإكمال: "هو دليل لكون ترتيب السورة وقع باجتهاد الصحابة حين كتبوا المصحف وهو قول مالك رحمه الله وجمهور العلماء"

قصة جمع القرآن في عهد أبي بكر، ودور زيد بن ثابت فيه، وأنه كان في مصحف واحد

اختلاف مصاحف الصحابة في ترتيب وضع السور:
المصاحف الأولى التي كتبها الصحابة لأنفسهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة في ترتيب وضع السور، وممن كان له مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب، وروي أن أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة، قال في الإتقان: إن من الصحابة:
- من رتب مصحفه على ترتيب النزول أي بحسب ما بلغ إليه علمه وكذلك كان مصحف علي رضي الله عنه وكان أوله {اقرأ باسم}، ثم المدثر، ثم المزمل، ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني.
- ومنهم من رتب على حسب الطول والقصر وكذلك كان مصحف أبي وابن مسعود فكانا ابتدأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، وعلى هذه الطريقة أمر عثمان رضي الله عنه بترتيب المصحف المدعو بالإمام.

أن الخلاف في تعيين المكي والمدني خلاف ليس بكثير

ترتيب نزول السور المكية ونزول السور المدنية فيه ثلاث روايات:
- إحداها رواية مجاهد عن ابن عباس
- والثانية رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس
- والثالثة لجابر بن زيد ولا يكون إلا عن ابن عباس، وهي التي اعتمدها الجعبري في منظومته التي سماها تقريب المأمول في ترتيب النزول وذكرها السيوطي في الإتقان.

فائدة تسمية السور:
أن تكون بما يميز السورة عن غيرها، فقد جعلت أسماء السور لها من عهد نزول الوحي، والمقصود من تسميتها تيسير المراجعة والمذاكرة، وقد دل حديث ابن عباس أن رسول الله كان إذا نزلت الآية يقول: "ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا".

أصل أسماء السور وكتابتها في المصحف:
1. إما أن تكون بأوصافها مثل الفاتحة وسورة الحمد
2. وإما أن تكون بالإضافة لشيء اختصت بذكره كقولهم السورة التي يذكر فيها كذا، نحو سورة لقمان وسورة يوسف وسورة البقرة، وقد ثبت في صحيح البخاري قول عائشة: "لما نزلت الآيات من آخر البقرة" الحديث. وفيه عن ابن مسعود قال قرأ رسول الله النجم. وعن ابن عباس أن رسول الله سجد بالنجم.
3. وإما بالإضافة لما كان ذكره فيها أوفى نحو سورة هود وسورة إبراهيم
4. وإما بالإضافة لكلمات تقع في السورة نحو سورة براءة، وسورة حـم عسق، وسورة حـم السجدة كما سماها بعض السلف، وسورة فاطر.

- أما ما روي من حديث أنس مرفوعا "لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذلك القرآن كله ولكن قولوا السورة التي يذكر فيها آل عمران - وكذا القرآن كله"، فقد أنكره أحمد وذكره ابن الجوزي في الموضوعات ولكن ابن حجر أثبت صحته.
- الظاهر أن الصحابة سموا بما حفظوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أخذوا لها أشهر الأسماء التي كان الناس يعرفونها بها ولو كانت التسمية غير مأثورة
- وأن الصحابة لم يثبتوا في المصحف أسماء السور بل اكتفوا بإثبات البسملة في مبدأ كل سورة علامة على الفصل بين السورتين.
- وإنما فعلوا ذلك كراهة أن يكتبوا في أثناء القرآن ما ليس بآية قرآنية، فاختاروا البسملة، لأنها مناسبة للافتتاح مع كونها آية من القرآن، وفي الإتقان أن سورة البينة سميت في مصحف أبى سورة أهل الكتاب، وهذا يؤذن بأنه كان يسمي السور في مصحفه.
- وكتبت أسماء السور في المصاحف باطراد في عصر التابعين ولم ينكر عليهم ذلك.

التنجيم في نزول آيات السورة:
- ربما نزلت السورة جميعا دفعة واحدة كما نزلت سورة الفاتحة وسورة المرسلات من السور القصيرة
- وربما نزلت نزولا متتابعا كسورة الأنعام، وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال: آخر سورة نزلت كاملة براءة
- وربما نزلت السورة مفرقة ونزلت السورتان مفرقتان في أوقات متداخلة، روى الترمذي عن ابن عباس عن عثمان بن عفان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد، أي في أوقات متقاربة فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من يكتب الوحي فيقول: ((ضعوا هؤلاء الآيات في السورة كذا)). ولذلك فقد تكون السورة بعضها مكيا وبعضها مدنيا.
- وكذلك تنهية كل سورة كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت نهايات السور معلومة

جمع الصحابة للقرآن:
- قد جمع من الصحابة القرآن كله في حياة رسول الله زيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وعبد الله ابن عمر، وعبادة بن الصامت، وأبو أيوب، وسعد بن عبيد، ومجمع بن جارية، وأبو موسى الأشعري
- وحفظ كثير من الصحابة أكثر القرآن على تفاوت بينهم.

المقدمة التاسعة في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن تعتبر مرادة بها

البلاغة في كلام العرب وأنها طبع وجبلة:
- أن العرب أمة جبلت على ذكاء القرائح وفطنة الأفهام، ولذلك كان الإيجاز عمود بلاغتهم وكثر في كلامهم: المجاز، والاستعارة، والتمثيل، والكناية، والتعريض، والاشتراك والتسامح في الاستعمال كالمبالغة، والاستطراد ومستتبعات التراكيب، والأمثال، والتلميح، والتمليح، واستعمال الجملة الخبرية في غير إفادة النسبة الخبرية، واستعمال الاستفهام في التقرير أو الإنكار، ونحو ذلك.

دور البلاغة في إثراء المعاني:
وملاك ذلك كله توفير المعاني، وأداء ما في نفس المتكلم بأوضح عبارة وأخصرها ليسهل اعتلاقها بالأذهان

نسج القرآن وإتقان نظمه وتوافر المعاني في ألفاظه:
- أن القرآن أفصح لغة على وجه الأرض، لأن الله تعالى أراد أن يكون القرآن كتابا مخاطبا به كل الأمم في جميع العصور، لذلك جعله بلغة هي أفصح كلام بين لغات البشر وهي اللغة العربية
- فجاء القرآن على أسلوب أبدع مما كان العرب يعهدونه وأعجب، فأعجز بلغاء المعاندين عن معارضته، ولم يسعهم إلا الإذعان، سواء في ذلك من آمن بهم أم من كفر.
- لكونه كتاب تشريع وتأديب وتعليم كان حقيقا بأن يودع فيه من المعاني والمقاصد أكثر ما تحتمله الألفاظ، في أقل ما يمكن من المقدار، ليحصل تمام المقصود من الإرشاد الذي جاء لأجله في جميع نواحي الهدى، فمعتاد البلغاء إيداع المتكلم معنى يدعوه إليه غرض كلامه وترك غيره.

خصائص البلاغة:
- والقرآن أودع من المعاني ما يحتاج السامعون إلى علمه وكل ما له حظ في البلاغة سواء كانت متساوية أم متفاوتة، إذا كان المعنى الأعلى مقصودا، وكان ما هو أدنى منه مرادا معه لا مرادا دونه، سواء كانت دلالة التركيب عليها متساوية في الاحتمال والظهور، أم كانت متفاوتة بعضها أظهر من بعض، ولو أن تبلغ حد التأويل، وهو حمل اللفظ على المعنى المحتمل المرجوح.
- أما إذا تساوى المعنيان فالأمر أظهر، مثل قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} أي ما تيقنوا قتله ولكن توهموه، أو ما أيقن النصارى – الذين اختلفوا في قتل عيسى - علم ذلك يقينا بل فهموه خطأ ففي اللفظ معنيان.
- قد تكثر المعاني بإنزال لفظ الآية على وجهين أو أكثر تكثيرا للمعاني مع إيجاز اللفظ، وهو من وجوه الإعجاز، ومثال ذلك قوله تعالى: {إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} وقرأ الحسن البصري وعدها أباه، فنشأ احتمال فيمن هو الواعد.

المعاني الكثيرة التي يسمح بها التركيب على اختلاف الاعتبارات في أساليب الاستعمال العربي:
- لما كان القرآن نازلا من المحيط علمه بكل شيء، كان ما تسمح تراكيبه الجارية على فصيح استعمال الكلام البليغ باحتماله من المعاني المألوفة لعرب في أمثال تلك التراكيب، مظنونا بأنه مراد لمنزله، ما لم يمنع من ذلك مانع صريح أو غالب من دلالة شرعية أو لغوية أو توقيفية.
- قد جعل الله القرآن كتاب الأمة كلها وفيه هديها، ودعاهم إلى تدبره، وبذل الجهد في استخراج معانيه في غير ما آية كقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وقوله: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الذِينَ أُوتُوا العِلْمَ} وغير ذلك.

أمثلة لبيان أن غرض القرآن والنبي إيقاظ الأذهان إلى أخذ أقصى المعاني من ألفاظ القرآن مما تحتمله هذه الألفاظ ولا يتنافى وأغراضه:
- ما رواه أبو سعيد بن المعلى قال: دعاني رسول الله وأنا في الصلاة فلم أجبه فلما فرغت أقبلت إليه فقال: "ما منعك أن تجيبني؟ فقلت: يا رسول الله كنت أصلي، فقال:" ألم يقل الله تعالى: {اِسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}؟ يقول ابن عاشور إن لفظ الاستجابة لما كان صالحا للحمل على المعنى الحقيقي، وهو إجابة النداء حمل النبي الآية على ذلك في المقام الصالح له، بقطع النظر عن المتعلق وهو قوله {لِمَا يُحْيِيكُمْ}.
- وقوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} قال عمر بن الخطاب للنبي لما أراد الصلاة على رأس المنافقين: "كيف تصل على عبد الله ابن أبي بن سلول المنافق الذي فعل كذا وقال يوم كذا ما قال، فقال النبي": خيرني ربي وسأزيد على السبعين". فحمل قوله تعالى: {اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} على التخيير مع أن ظاهره أنه مستعمل في التسوية، وحمل اسم العدد على دلالته الصريحة دون كونه كناية عن الكثرة كما هو قرينة السياق. ثم جاء القرآن مصداقا لكلام عمر {ولاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}
- وما ورد عن أصحاب النبي ومن بعدهم من الأئمة مثل ما روي أن عمرو بن العاص أصبح جنبا في غزوة في يوم بارد فتيمم وصلى بالناس ولما اشتكوا إلى النبي قال له:" أصليت بالناس وأنت جنب؟" قال: الله تعالى يقول: {وَلاَ تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} استدل بها لما خاف على نفسه من البرد، فسكت عنه النبي مع أن مورد الآية أصله في النهي عن أن يقتل الناس بعضهم بعضا.
- ومن ذلك أن عمر لما فتحت العراق لم يقسم الأرض السواد بين المسلمين، واستدل بالآية {وَالذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} وقال: "إن قسمتها بينكم لم يجد المسلمون الذين يأتون بعدكم من البلاد المفتوحة مثل ما وجدتم" فجعلها خراجا على أهل الأرض يقسم على المسلمين كل موسم

جواز موقف الفقهاء في استنباط الأحكام من الآيات التي تحمل معاني مختلفة أوردت في مناسبات أخرى غير التي قصد إليها:
- حيث استدلوا على مشروعية الجعالة ومشروعية الكفالة في الإسلام، بقوله تعالى: {ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم}

أن القراءات المتواترة إذا اختلفت في قراءة ألفاظ القرآن اختلافا يفضي إلى اختلاف المعاني، فهو يرجع إلى هذا الأصل.

بيان احتمالات معاني التركيب المحتمل معنيين فصاعدا:
1. قد يكون بينهما العموم والخصوص، فهذا النوع لا تردد في حمل التركيب على جميع ما يحتمله، ما لم يكن عن بعض تلك المحامل صارف لفظي أو معنوي.
2. وقد يكون بينها التغاير، بحيث يكون تعيين التركيب للبعض منافيا لتعيينه للآخر بحسب إرادة المتكلم عرفا
3. وقد يكون ثاني المعنيين متولدا من المعنى الأول، وهذا لا شبهة في الحمل عليه لأنه من مستتبعات التراكيب، مثل الكناية والتعريض والتهكم مع معانيها الصريحة، كما فهم ابن عباس أجل رسول الله من سورة النصر.

بيان أن مختلف المحامل التي تسمح بها كلمات القرآن وتراكيبه وإعرابه ودلالته، من: اشتراك، وحقيقة، ومجاز وصريح، وكناية، ووصل، ووقف، إذا لم تفض إلى خلاف المقصود من السياق يجب حمل الكلام على جميعها، لأنها مرادة ومقصودة
مثاله: كالوصل والوقف في قوله تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}، إذا وقف على ريب أو على فيه.

من مميزات العربية التي خولتها استحقاق الفوز بأن تكون لغة القرآن أنها:
1. أوفر اللغات مادة
2. وأقلها حروفا
3. وأفصحها لهجة
4. وأكثرها تصرفا في الدلالة على أغراض المتكلم
5. وأوفرها ألفاظا

ذكر ثلاث مواضيع من اللغة معينة في استخراج معاني القرآن تفسيرا وتشريعا:
1. استعمال اللفظ المشترك في معنييه أو معانيه دفعة واحدة.
2. استعمال اللفظ في معناه الحقيقي ومعناه المجازي معا.
3. إرادة المعاني المكنى عنها مع المعاني المصرح بها، وإرادة المعاني المستتبَعات من التراكيب المستتبِعة، وقد نبه علماء العربية الذين اشتغلوا بعلم المعاني والبيان على هذا النوع.

الخلاف بين العلماء في مسألة استعمال المشترك، واللفظ في معناه الحقيقي والمجازي معا:
- فعلماء الأصول قد جوزوا استعمال المشترك في أكثر من معنى من مدلوله، ويمثل هذا الاتجاه أبو الحسين البصري والغزالي، حيث يرون صحة استعمال المشترك في عدة معان لكن بإرادة المتكلم لا لدلالة اللغة.
- ويرجع سبب اختلافهم هنا إلى كون الأمر غير وارد في كلام العرب قبل نزول القرآن أو أنه وقع بندرة.

الأقوال في أن المشترك يصح إطلاقه على عدة من معانيه جميعا أو بعضا إطلاقا لغويا:
1. قال قوم: هو من قبيل الحقيقة، ونسب إلى الشافعي وأبي بكر الباقلاني وجمهور المعتزلة.
2. وقال قوم: هو المجاز، وجزم ابن الحاجب بأنه مراد الباقلاني من قوله في كتاب التقريب والإرشاد إن المشترك لا يحمل على أكثر من معنى إلا بقرينة.
- رأي ابن عاشور: أن معاني المشترك كلها من قبيل الحقيقة، بقوله: "فهم ابن الحاجب أن القرينة من علامات المجاز، وهذا لا يستقيم، لأن القرينة التي هي من علامات المجاز هي القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وهي لا تتصور في موضوعنا، إذ معاني المشترك كلها من قبيل الحقيقة، وإلا لانتقضت حقيقة المشترك فارتفع الموضوع من أصله".
- وإنما سها أصحاب هذا الرأي عن الفرق بين قرينة إطلاق اللفظ على معناه المجازي وقرينة إطلاق المشترك على عدة من معانيه، فإن قرينة المجاز مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وقرينة المشترك معينة للمعاني المرادة كلا أو بعضا.

ترجيح ابن عاشور في مسألة المشترك اللفظي واستعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي:
- أن الذي يجب اعتماده أن يحمل المشترك في القرآن على ما يحتمله من المعاني سواء في ذلك اللفظ المفرد المشترك والتركيب المشترك بين مختلف الاستعمالات، سواء كانت المعاني حقيقية أو مجازية، محضة أو مختلفة.
- ويقول: "ونحن لا نتابعهم على ذلك -ترجيح معنى من المعاني وإلغاء المعاني الأخرى-، بل نرى المعاني المتعددة التي يحتملها اللفظ بدون خروج عن مهيع الكلام العربي، معاني في تفسير الآية."

أمثلة في تحرير القول في مسألة استعمال اللفظ المفرد في حقيقته ومجازه:
- قوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس} فالسجود له معنى حقيقي وهو وضع الجبهة على الأرض ومعنى مجازي وهو التعظيم، وقد استعمل فعل يسجد هنا في معنييه المذكورين لا محالة.
- وقوله تعالى: {ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء} فبسط الأيدي حقيقة في مدها للضرب والسلب، وبسط الألسنة مجاز في عدم إمساكها عن القول البذيء وقد استعمل هنا في كلا معنييه.

أما مثال استعمال المركب المشترك في معنييه:
- قوله تعالى: {ويل للمطففين} فمركب ويل له يستعمل خبرا ويستعمل دعاء، وقد حمله المفسرون هنا على كلا المعنيين.

- يختم ابن عاشور هذه المقدمة بقوله أن هذا القانون يجمع بين المعاني التي يذكرها المفسرون، أو ترجيح بعضها على بعض.
- رغم اعتماد المفسرين على ترجيح معنى من المعاني مما يجعل غير ذلك المعنى ملغى، إلا أن ابن عاشور يرى أن المعاني المتعددة التي يحتملها اللفظ – بدون خروج عن مهيع الكلام العربي البليغ- معاني في تفسير الآية، واعتمد ذلك في تفسيره لبعض الآيات.
- وإذا ترك معنى مما حمل بعض المفسرين عليه في آيات من القرآن فليس تركه إياه دالا على إبطاله، وإنما لأحد وجهين:
1. قد يكون ذلك لترجح غيره
2. وقد يكون اكتفاء بذكره في تفاسير أخرى تجنبا للإطالة

المقدمة العاشرة في إعجاز القرآن

افتتاح المقدمة:
- لم ير غرضا تناضلت له سهام الأفهام مثل الحديث عن إعجاز القرآن، ولا غاية تسابقت إليها جياد الهمم فرجعت دونها حسرى، واقتنعت بما بلغته من صبابة نزرا.
- لقد سبق أن ألف علم البلاغة مشتملا على نماذج من وجوه إعجازه. والتفرقة بين حقيقته ومجازه. إلا أنه باحث عن كل خصائص الكلام العربي البليغ ليكون معيارا للنقد أو آلة للصنع. ثم ليظهر من جراء ذلك كيف تفوق القرآن على كل كلام بليغ بما توفر فيه من الخصائص التي لا تجتمع في كلام آخر للبلغاء حتى عجز السابقون واللاحقون منهم عن الإتيان بمثله.
- قال أبو يعقوب السكاكي: "واعلم أني مهدت لك في هذا العلم قواعد متى بنيت عليها أعجب كل شاهد بناؤها. واعترف لك بكمال الحذق في البلاغة أبناؤها- إلى أن قال ثم إذا كنت ممن ملك الذوق وتصفحت كلام رب العزة. أطلعتك على ما يوردك موارد العزة. وكشفت عن وجه إعجازه القناع".

بيان هدف المقدمة:
قال ابن عاشور: أردت في هذه المقدمة أن ألم بك أيها المتأمل إلمامه ليست كخطرة طيف. ولا هي كإقامة المنتجع في المربع حتى يظله الصيف. وإنما هي لمحة ترى منها كيف كان القرآن معجزا وتتبصر منها نواحي إعجازه وما أنا بمستقص دلائل الإعجاز في آحاد الآيات والسور، فذلك له مصنفاته وكل صغير وكبير مستطر.

أهمية مبحث البلاغة في تفسير القرآن:
- يفرق ابن عاشور بين البلاغة والأدب ويعيب على من خلط بينهما، ليبدأ حديثه حول أصول ونكت أغفلها من تقدموا ممن تكلموا في إعجاز القرآن مثل الباقلاني، والرماني، وعبد القاهر، والخطابي، وعياض، والسكاكي، فكونوا منها بالمرصاد، وافلوا عنها كما يفلى عن النار الرماد.
- ثم يبين علاقة هذه المقدمة بالتفسير فيقول: أن مفسر القرآن لا يعد تفسيره لمعاني القرآن بالغا حد الكمال في غرضه ما لم يكن مشتملا على بيان دقائق من وجوه البلاغة في آيه المفسرة. فالمفسر بحاجة إلى بيان ما في آي القرآن من طرق الاستعمال العربي وخصائص بلاغته لئلا يعتبر المعرض عن ذلك بمنزلة المترجم لا بمنزلة المفسر.
- ويقول فمن أعجب ما نراه خلو معظم التفاسير عن الاهتمام بالوصول إلى هذا الغرض الأسمى – خصائص البلاغة وطرق الاستعمال العربي- إلا عيون التفاسير، واعتبر المقل في ذلك أمثال "معاني القرآن" لأبي إسحاق الزجاج، و"المحرر الوجيز" للشيخ عبد الحق بن عطية الأندلسي، والمكثر فيه كما هو معروف عند تفسير "الكشاف" للزمخشري. ولم يعذر التفاسير الخالية من هذه المعاني إلا من نحا ناحية خاصة من معاني القرآن مثل أحكام القرآن، ووصف أصحاب بعض التفاسير ممن لم يغفلوا عن الاهتمام بهذه الفنون بأصحاب الهمم العالية أمثال "أحكام القرآن" لإسماعيل بن إسحاق بن حماد المالكي البغدادي، وفي مواضع من "أحكام القرآن" لأبي بكر بن العربي.

من خصائص إعجاز القرآن:
- اعتبر ابن عاشور العناية بما هو بصدده من بيان وجوه إعجاز القرآن إنما نبعت من مختزل أصل كبير من أصول الإسلام وهو كونه المعجزة الكبرى للنبي
- وكونه المعجزة الباقية، وهو المعجزة التي تحدى بها الرسول معانديه تحديا صريحا. فهو معجزة عامة، ولزوم الحجة به باق من أول ورودها إلى يوم القيامة، وإن كان يعلم وجه إعجازه من عجز أهل العصر الأول عن الإتيان بمثله فيغني ذلك عن نظر مجدد، فكذلك عجز أهل كل عصر من العصور التالية عن النظر في حال عجز أهل العصر الأول، ودليل ذلك متواتر من نص القرآن في عدة آيات تتحدى العرب بأن يأتوا بسورة مثله، وبعشر سور مثله مما هو معلوم، نحو قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ}.

اختلاف العلماء في تعليل عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن:
1. مذهب الصرفة: تقول به طائفة قليلة، ومفاده بأن الله صرفهم عن معارضة القرآن فسلبهم المقدرة أو سلبهم الداعي، لتقوم الحجة عليهم بمرأى ومسمع من جميع العرب، ولم ينسبوا هذا القول إلا إلى الأشعري فيما حكاه أبو الفضل عياض في «الشفاء» وإلى النظام والشريف المرتضى وأبي إسحاق الإسفراييني فيما حكاه عنهم عضد الدين في «المواقف»، وهو قول ابن حزم صرح به في كتاب «الفصل» وقد عزاه صاحب «المقاصد» في شرحه إلى كثير من المعتزلة.
2. مذهب الجمهور وأهل اللغة العربية وهو ترجيح ابن عاشور: يرون أن تعليل إعجاز القرآن الكريم هو بلوغ القرآن درجات البلاغة والفصاحة مبلغا تعجز قدرة بلغاء العرب عن الإتيان بمثله، وإن اجتمعوا، فبلاغة القرآن مرجعها مجموع نظم الكلام وصوغه، بسبب الغرض الذي سيقت فيه من فواتح الكلام وخواتمه.

- ثم ذكر دليل قوي [دليلا قويًا] على هذا وهو بقاء الآيات التي نسخ حكمها وبقيت متلوة من القرآن ومكتوبة في المصاحف فإنها لما نسخ حكمها لم يبق وجه لبقاء تلاوتها وكتبها في المصاحف إلا ما في مقدار مجموعها من البلاغة بحيث يلتئم منها مقدار ثلاث آيات متحدى بالإتيان بمثلها مثال ذلك آية الوصية في سورة العقود.

وجوه الإعجاز القرآني:
حدد ابن عاشور وجوه الاعجاز في ثلاث جهات:
الجهة الأولى: بلوغه الغاية القصوى مما يمكن أن يبلغه الكلام العربي البليغ من حصول كيفيات في نظمه مفيدة معاني دقيقة ونكتا من أغراض الخاصة من بلغاء العرب مما لا يفيده أصل وضع اللغة، بحيث يكثر فيه ذلك كثرة لا يدانيها شيء من كلام البلغاء من شعرائهم وخطبائهم.
الجهة الثانية: ما أبدعه القرآن من أفانين التصرف في نظم الكلام مما لم يكن معهودا في أساليب العرب، ولكنه غير خارج عما تسمح به اللغة.
الجهة الثالثة: ما أودع فيه من المعاني الحكمية والإشارات إلى الحقائق العقلية والعلمية مما لم تبلغ إليه عقول البشر في عصر نزول القرآن وفي عصور بعده متفاوتة.

- وقد عد كثير من العلماء من وجوه إعجاز القرآن ما يعد جهة رابعة هي ما انطوى عليه من الأخبار عن المغيَّبات مما دل على أنه منزل من علام الغيوب، وهو معجز للعرب الأميين خاصة وليس معجزا لأهل الكتاب.
- وتعتبر الجهتان الأولى والثانية متوجهة إلى العرب ودليل على صدق المنزل، ثم قد يشارك خاصةَ العرب في إدراك إعجازه كل من تعلم لغتهم ومارس بليغ كلامهم وآدابهم من أئمة العربية في مختلف العصور.
- والقرآن معجز من الجهة الثالثة للبشر قاطبة إعجازا مستمرا على ممر العصور، لأنه قد يدرك إعجازه العقلاء من غير الأمة العربية بواسطة ترجمة معانيه التشريعية والحِكمية والعلمية والأخلاقية، وهو دليل تفصيلي لأهل تلك المعاني وإجمالي لمن تبلغه شهادتهم بذلك.
- وهو من الجهة الرابعة – عند من اعتبروها زائدة عن الجهات الثلاث- معجز لأهل عصر نزوله إعجازا تفصيليا، ومعجز لمن يجيء بعدهم ممن يبلغه ذلك بسبب تواتر نقل القرآن، وتعيّن صرف الآيات المشتملة على هذا الإخبار إلى ما أُريد منها.

الجهة الأولى من جهات الإعجاز:
- مرجعها إلى ما يسمى بالطرف الأعلى من البلاغة والفصاحة، وهو المصطلح على تسميته حدَّ الإعجاز، فلقد كان منتهى التنافس عند العرب التفوق في البلاغة والفصاحة
- ولقد تصدى علماء البلاغة في هذا الصدد إلى الموازنة بين ما ورد في القرآن من ضروب البلاغة وبين أبلغ ما حفظ عن العرب من ذلك مما عُدّ في أقصى درجاتها. والدليل الإجمالي على ذلك هو أن الله تعالى تحدى بلغاءهم أن يأتوا بسورة من مثله، فلم يتعرض واحد إلى معارضته، ولما سمع الوليد بن المغيرة قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} الآية، قال: "والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وما هو بكلام بشر". وذكر أبو عبيدة أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرْ} فسجد وقال: سجدت لفصاحته، يقول ابن عاشور موضع التأثير في هذه الآية هو كلمة اصدع في إبانتها عن الدعوة والجهر بها والشجاعة فيها، وكلمة بما تؤمر في إيجازها وجمعها. وسمع آخر رجلا يقرأ: {فَلَمَّا اِسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} فقال أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام.
- أن إعجاز القرآن يكمن في نظمه وبيانه وإيجازه وأن من أراد سلوك سبيل الاكتساب فلا طريق إليه سوى الاعتناء بعلمي المعاني والبيان وطول ممارستهما والاشتغال بهما.

من جوانب بلاغة القرآن:

1. حسن التقسيم:
حسن التقسيم من المحسنات البديعة، ففي نظم فاتحة الكتاب من خصوصية التقسيم، إذ قسم الفاتحة إلى ثلاثة أقسام، مع ما تضمنه ذلك التقسيم من محسن التخلص في قوله "فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال "هذا بيني وبين عبدي"، إذ كان ذلك مزيجا من القسمين الذي قبله والذي بعده.

2. مراعاة التجنيس:
في القرآن مراعاة التجنيس من غير ما آية، والتجنيس من المحسنات، ومنه قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}.

3. الطباق:
وفيه التنبيه على محسّن المطابقة كقوله: {فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}،

4. التمثيل:
والتنبيه على ما فيه من تمثيل كقوله تعالى: {وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ – لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.

5. الالتفات:
وهو نقل الكلام من أحد طرق التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلى طريق آخر منها، لأن ذلك التغيير يجدد نشاط السامع، فإذا انضم إليه اعتبار لطيف يناسب الانتقال إلى ما انتقل إليه صار من أفانين البلاغة، وقد جاء منه في القرآن ما لا يحصى.

6. التشبيه والاستعارة:
كان للتشبيه والاستعارة عند القوم المكان القصي والقدر العلى في باب البلاغة، وقد جاء في القرآن من التشبيه والاستعارة ما أعجز العرب كقوله: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}، وقوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ}، وقوله: {وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ}، وقوله تعالى: {اِبْلَعِي مَاءَكِ}.
ومن محاسن التشبيه كمال التشبيه والاحتراس، كقوله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}، احتراس عن كراهة الطعام {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى}، احتراس عن أن تتخلله أقذاء من بقايا نحله.

7. التمثيلية:
وكذلك التمثيلية في قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} الآية، ففيه إتمام كمال جهات كمال تحسين التشبيه لإظهار أن الحسرة على تلفها أشد.

8. التقديم والتأخير

9. مراعاة المقام:
قد تشتمل آية من القرآن على خصوصيات تتساءل نفس المفسِّر عن دواعيها وما يقتضيها فيتصدى لتطلب مقتضيات لها ربما جاء بها متكلفة أو مغصوبة، ذلك لأنه لم يلتفت إلا إلى مواقع ألفاظ الآية، في حال أن مقتضياتها في الواقع منوطة بالمقامات التي نزلت فيها الآية، مثال ذلك قوله تعالى: {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الخَاسِرُونَ} سورة المجادلة، ثم قوله: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ المُفْلِحُونَ}.

10. صراحة كلماته باستعمال أقرب الكلمات في لغة العرب دلالة على المعاني المقصودة، وأشملها لمعان عديدة مقصودة بحيث لا يوجد في كلمات القرآن كلمة تقصر دلالتها عن جميع المقصود منها في حالة تركيبها، ولا تجدها مستعملة إلا في حقائقها

- ومرجع هذا الصنف من الإعجاز إلى ما يسمى في عرف علماء البلاغة بالنكت البلاغية: فإن بلغاءهم كان تنافسهم في وفرة إيداع الكلام من هذه النكت، وبذلك تفاضل بلغاؤهم، فلما سمعوا القرآن انثالت على كل من سمعه من بلغائهم من النكت التي تفطن لها ما لم يجد من قدرته قبلا بمثله.
- وأحسب أن كل بليغ منهم قد فكر في الاستعانة بزملائه من أهل اللسان فعلم ألا مبلغ بهم إلى التظاهر على الإتيان بمثل القرآن فيما عهده كل واحد من ذوق زميله، هذا كله بحسب ما بلغت إليه قريحة كل واحد ممن سمع القرآن منهم من التفطن إلى نكت القرآن وخصائصه.

الناحية الأخرى من هذه الجهة من الإعجاز: فصاحة اللفظ وانسجام النظم وذلك بسلامة الكلام في أجزائه ومجموعه:
- كان مما يعرض لشعراء العرب وخطبائهم ألفاظ ولهجات لها بعض الثقل على اللسان، فأما ما يعرض للألفاظ فهو ما يسمى في علم الفصاحة بتنافر حروف الكلمة أو تنافر حروف الكلمات عند اجتماعها مثل: مستشِزرات والكَنَهْبَل في معلقة امرئ القيس، وسَفَنَّجَة والخَفَيْدَد في معلقة طرفة، وقول القائل "وليس قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ"
- وقد سلم القرآن من هذا كله مع تفننه في مختلف الأغراض وما تقتضيه من تكاثر الألفاظ، وبعض العلماء أورد قوله تعالى: {أُلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} وقوله: {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} وتصدى للجواب، والصواب أن ذلك غير وارد كما قاله المحققون لعدم بلوغه حد الثقل، ولأن حسن دِلالة اللفظ على المعنى بحيث لا يخلفه فيها غيره مقدم على مراعاة خفة لفظه.
- وأما ما يعرض للهجات العرب فذلك شيء تفاوتت في مضماره جياد ألسنتهم وكان المجلى فيها لسانَ قريش ومن حولها من القبائل، وهو مما فُسّر به حديث:" أنزل القرآن على سبعة أحرف"، ولذلك جاء القرآن بأحسن اللهجات وأخفّها وتجنب المكروه من اللهجات، وهذا من أسباب تيسير تلقي الأسماع له ورسوخه فيها، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ}.

الجهة الثانية من جهات الإعجاز:
هي ما أبدعه القرآن من أفانين التصرف في أساليب الكلام البليغ.
- أن أدب العرب إما شعر وإما نثر، وكان الشعر غالب كلامهم

حكمتين لاشتمال القرآن على أنواع من أساليب الكلام العربي وابتكار أساليب لم يكونوا يعرفوها:
1. ظهور أنه من عند الله
2. أن يكون في ذلك زيادة التحدي للمتحدين به.

من أعظم الأساليب التي خالف بها القرآن العرب:

1. أنه جاء في نظمه بأسلوب جامع بين مقصدي: الموعظة والتشريع:
- فكان نظمه يمنح السامعين ما يحتاجون أن يعلموه، وهو في هذا النوع يشبه خطبهم، وكان في مطاوي معانيه ما يَستخرج منه العالم الخبير أحكاما كثيرة في التشريع والآداب وغيرها.

2. ومن أساليبه التفنن:
- وهو بداعة تنقلاته من فن إلى فن بطرائق الاعتراض، والتنظير، والتذييل، والإتيان بالمترادفات عند التكرير، تجنبا لثقل تكرير الكلِم
- وكذلك الإكثار من أسلوب الالتفات المعدود من أعظم أساليب التفنن عند بلغاء العربية، وهو في القرآن كثير، ثم الرجوع إلى المقصود فيكون السامعون في نشاط متجدد بسماعهم وإقبالهم عليه.
- وفي هذا التفنن والتنقل مناسبات بين المنتقَل منه والمنتقَل إليه هي في منتهى الرقة والبداعة بحيث لا يشعر سامعه وقارئه بانتقاله إلا عند حصوله.
- وفي تناسب أقواله وتفنن أغراضه مجلبة للتيسير المصرح به في الآية: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ}. وقوله: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} فقوله ما تيسر يقتضي الاستكثار بقدر التيسُّر.

3. ومن الكيفيات التي تؤدى بها التراكيب، سكوت المتكلم البليغ في جملة سكوتا خفيفا قد يفيد من التشويق إلى ما يأتي بعده ما يفيد إبهام بعض كلامه ثم تعقيبه ببيانه.
4. العدول عن تكرير اللفظ والصيغة فيما عدا المقامات التي تقتضي التكرير من تهويل ونحوه
5. اتساع أدب اللغة في القرآن:
- فجاء القرآن بأسلوب في الأدب غض جديد صالح لكل العقول، متفنن إلى أفانين أغراض الحياة كلها، معط لكل فن ما يليق به من المعاني والألفاظ واللهجة: فتضمن المحاورة والخطابة والجدل والأمثال والقصص والتوصيف والرواية.
- وكان لبلاغته وتناسقه نافذ الوصول إلى القلوب حتى وصفوه بالسِّحر والشِّعر.

6. مبتكرات القرآن: وهي التي "تميز بها نظمه عن بقية كلام العرب"، ومنها:
- أنه جاء بأسلوب يخالف الشعر لا محالة، وأن أسلوبه يخالف أسلوب الخطابة بعض المخالفة، بل جاء بطريقة كتابٍ يُقصد حفظه وتلاوته، وذلك من وجوه إعجازه.
- أنه جاء بالجمل الدالة على معان مفيدة
- أن جاء على أسلوب التقسيم والتسوير (سورة) وهي سنة جديدة في الكلام العربي
- الأسلوب القصصي في حكاية أحوال النعيم والعذاب في الآخرة، وقد كان لذلك تأثير عظيم في نفوس العرب إذ كان فن القصص مفقودا من أدب العربية إلا نادرا. وإذا حكى أقوالا غير عربية صاغ مدلولها في صيغة تبلغ حد الإعجاز بالعربية، وإذا حكى أقوالا عربية تصرف فيها تصرفا يناسب أسلوب المعبر، فالإعجاز الثابت للأقوال المحكية في القرآن هو إعجاز للقرآن لا للأقوال المحكية.
- من هذا القبيل حكاية الأسماء الواقعة في القصص، فإن القرآن يغيرها إلى ما يناسب حسن مواقعها في الكلام من الفصاحة، مثل تغيير شاول إلى طالوت، وتغيير اسم تارح أبي إبراهيم إلى آزر.
- وكذلك التمثيل حيث كان في أدب العرب الأمثال وهي حكاية أحوال مرموز لها، إلا أنها لما تداولتها الألسن وطال عليها الأمد نسيت. أما القرآن فقد أوضح الأمثلة وأبدع تركيبها والأمثلة في القرآن عديدة.
- لم يلتزم القرآن أسلوبا واحدا، واختلفت سوره وتفننت، وكذلك فواتحها وهي قريب مما يعبر عنه في العربية بالمقدِّمات.

7. الإيجاز:
- كان الإيجاز في كلام العرب متنافسهم، وهو غاية تتبارى إليها فصحاؤهم، وقد جاء القرآن بأبدع من ذلك كله. ولولا إيجاز القرآن لكان أداء ما يتضمنه من المعاني في أضعاف مقدار القرآن، وإنك تجد في كثير من تراكيب القرآن حذفا ولكنك لا تعثر على حذف يخلو الكلام من دليل عليه.
- كما عند قوله تعالى: {ذُلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} إن وقفت على كلمة {رَيْبْ} كان من قبيل إيجاز الحذف أي لا ريب في أنه الكتاب فكانت جملة: {فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} ابتداء كلام وكان مفاد حرف {فِي} استنـزال طائر المعاندين أي إن لم يكن كله هدى فإن فيه هدى. وإن وصلت {فِيهِ} كان من قبيل الإطناب وكان ما بعده مفيدا أن هذا الكتاب كله هدى.
- وأكثره ما يسمى بالتضمين، وهو يرجع إلى إيجاز الحذف، والتضمين أن يضمن الفعل أو الوصف معنى فعل أو وصف آخر ويشار إلى المعنى المضمن بذكر ما هو من متعلقاته من حرف أو معمول فيحصل في الجملة معنيان.

8. سلك القرآن مسلك الإطناب لأغراض من البلاغة، ومن أهم مقامات الإطناب مقام توصيف الأحوال لإدخال الروع في قلب السامع وهي طريقة عربية.
9. استعمال اللفظ المشترك في معنيين أو معان، إذا صلح المقام بحسب اللغة العربية.
10. الإتيان بالألفاظ التي تختلف معانيها باختلاف حروفها أو اختلاف حركات حروفها وهو من أسباب اختلاف كثير من القراءات
11. الجزالة والرقة وهما راجعتان إلى معاني الكلام، ولا تخلو سورة من القرآن من تكرر هذين الأسلوبين.
12. عادات القرآن
- قال ابن عاشور: يحق على المفسر أن يتعرف على عادات القرآن من نظمه وكلِمه.

تعرض السلف لبعض منها:
- عن ابن عباس: كل كأس في القرآن المراد بها الخمر
- وفي صحيح البخاري: المطر في القرآن العذاب.
- وعن ابن عباس: أن كل ما جاء من يا أيها الناس المقصود به أهل مكة المشركون.
- وقال الجاحظ في البيان وفي القرآن معان لا تكاد تفترق، مثل الصلاة والزكاة، والجوع والخوف، والجنة والنار، والرغبة والرهبة، والمهاجرين والأنصار، والجن والإنس، وأضاف ابن عاشور: والنفع والضر، والسماء والأرض.
- وذكر صاحب الكشاف وفخر الدين الرازي أن من عادة القرآن أنه ما جاء بوعيد إلا أعقبه بوعد، وما جاء بنذارة إلا أعقبها ببشارة
- وقال فخر الدين: عادة هذا الكتاب الكريم أنه إذا ذكر أنواعا كثيرة من الشرائع والتكاليف أتبعها إما بالإلهيات وإما بشرح أحوال الأنبياء وأحوال القيامة ليصير ذلك مؤكدا لما تقدم ذكره من التكاليف والشرائع.
- وقد استوعب أبو البقاء الكفوي في كتاب الكليات في أوائل أبوابه كليات مما ورد في القرآن من معاني الكلمات، وفي الإتقان للسيوطي شيء من ذلك.

ما ذكره ابن عاشور من عادات في اصطلاح القرآن:
- كلمة هؤلاء إذا لم يرد بعدها عطف بيان يبين المشار إليهم فإنها يراد بها المشركون من أهل مكة كقوله: {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَءِ وَآبَاءَهُمْ} وقوله: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}.
- إذا حكى المحاورات والمجاوبات حكاها بلفظ "قال" دون حرف عطف، كقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} إلى قوله: {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}.

الجهة الثالثة من جهات الإعجاز:
هي ما أودعه من المعاني الحِكمية والإشارات العلمية، ومن المعلوم أن العرب لم يكن لهم علم سوى الشعر وما تضمنه من أخبار: كما قال عمر "كان الشعر عِلم القوم ولم يكن لهم علم أصح منه".

العلم نوعان:
علم اصطلاحي وعلم حقيقي.
1. فأما الاصطلاحي فهو ما تواضع الناس في عصر من الأعصار على أن صاحبه يعد في صف العلماء، وهذا قد يتغير بتغير العصور ويختلف باختلاف الأمم والأقطار، وهذا النوع لا تخلو عنه أمة.
2. وأما العلم الحقيقي فهو معرفة ما بمعرفته كمال الإنسان، وما به يبلغ إلى ذروة المعارف وإدراك الحقائق النافعة عاجلا وآجلا.

- وكلا العلمين -كما يقول ابن عاشور- كمال إنساني ووسيلة لسيادة أصحابه على أهل زمانهم.
- وبين العلمين عموم وخصوص من وجه. وهذه الجهة خلا عنها كلام فصحاء العرب، لأن أغراض شعرهم كانت لا تعدو وصف المشاهدات والمتخيلات والافتراضات المختلفة ولا تحوم حول تقرير الحقائق وفضائل الأخلاق التي هي أغراض القرآن.

اشتمال القرآن على العِلمين:
- فأما النوع الأول فهو لا يحتاج إلى كبير عناء وفكر، فإن مبلغ العلم عند العرب وقتذاك هو علوم أهل الكتاب ومعرفة الشرائع والأحكام وقصص الأنبياء والأمم وأخبار العالم، وقد أشار إلى هذا القرآن بقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} وقال: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا}. ونحوه من محاجة أهل الكتاب.
وعد ذكر أخبار القرون السالفة في نسق وجوه الإعجاز، أن العرب لم يكن أدبهم مشتملا على التاريخ إلا بإشارات نادرة فجاء القرآن بالكثير من ذلك (خبر موسى مع الخضر، يوسف واخوته، أصحاب الكهف، وذي القرنين ولقمان وغيره…). فمن أخبار العرب قوله: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ} وقوله: {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}.

- وأما النوع الثاني من إعجازه العلمي فهو ينقسم إلى قسمين:
1. قسم يكفي لإدراكه فهمه وسمعه
2. وقسم يحتاج إدراك وجه إعجازه إلى العلم بقواعد العلوم فينبلج للناس شيئا فشيئا انبلاج أضواء الفجر على حسب مبالغ الفهوم وتطورات العلوم
وكلاهما دليل على أنه من عند الله، لأنه جاء به أمي، والجائي به ثاوٍ بينهم لم يفارقهم.

الإشارة إلى قضية الإعجاز العلمي:
- من طرق إعجازه العلمية أنه دعا إلى النظر والاستدلال، كقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا} وقوله: {أَوَ لَيْسَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}. ولقد فتح القرآن الأعين إلى فضائل العلوم، فشبه العلم بالنور والحياة كقوله: {لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} وقوله: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} وذكر العلماء في قوله: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ} وقال: {هَلْ يَسْتَوْي الذِينَ يَعْلَمُونَ والذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}.
- وهذا النوع من الإعجاز هو الذي خالف به القرآن أساليب الشعر وأغراضه مخالفة واضحة، إذ لا قبل للعرب بتلك العلوم كما قال تعالى: {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا}.
- وهذه الجهة من الإعجاز إنما تثبت للقرآن بمجموعه أي مجموع هذا الكتاب إذ ليست كل آية من آياته ولا كل سورة من سوره بمشتملة على هذا النوع من الإعجاز، ولذلك فهو إعجاز حاصل من القرآن وغير حاصل به التحدي إلا إشارة نحو قوله: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}

الجهة الرابعة من جهات الإعجاز:
وهي الإخبار بالمغيبات.
- يقول ابن عاشور أنه اعتمد على ما جاء به السلف في ذلك ممن عده من وجوه الإعجاز، رغم كونه ليس له علاقة بنظم القرآن وفصاحته وبلاغته إذ هي المعول لديه لبيان وجوه الإعجاز.


التقويم: أ+
أحسنت، وتميزت، واحرص ما استطعت على صياغة عناوين لمسائل فرعية تحت العناصر، فيقل تفاصيل الكلام عند تحرير ما ورد تحت كل مسألة، ويسهل مراجعة عناوين المسائل.
زادك الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثامن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir