مجلس القسم الثالث من دروة طرق التفسير
المجموعة الأولى:
س1: ما هي أنواع اختلاف القراءات مع التمثيل ؟
أنواع اختلاف القراءات:
النوع الأول: ما ليس له أثر على المعنى.
المعنيون به: - القراء لضبط القراءات. - النحويون والصرفيون.
مثاله: الخلاف فى قراءة لفظة "الصراط" فى القرآن الكريم، ففيها ثلاث قراءات:
1- السراط: على الأصل.
2- الصراط: على أنها مبدلة من السين، لتناسب إطباق الطاء وتوافق السين فى الهمس والصفير
3- الصراط" بإشمام صوت الصاد زايا": لتناسب جهر الطاء وتوافق السين فى الصفير.
النوع الثانى: ما له أثر على المعنى.
المعنيون به: المفسرون.
مثاله: الخلاف فى قراءة قوله تعالى:"مالك يوم الدين"، ففيها قراءتان:
1- مَلِك يوم الدين: على أن المعنى :ذو المُلك، وهو كمال التصرف والتدبير ونفوذ أمره على من تحت ملكه، وإضافته إلى يوم الدين تفيد الإختصاص، كقوله تعالى:" لمن الملك اليوم لله الواحد القهار".
2- مَالِك يوم الدين: أى انفراده بهذا الملك واختصاصه به، إذ الخلق يومئذ لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم شيئا، كقوله تعالى:" يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله".
فكل معنى فى ذاته صفة كمال لله تعالى، واجتماع المعنين فيه كمال آخر وهو اجتماع المُلك والمِلك لله تعالى وحده، إذ من الملوك وهو لا يملك، وهناك من يملك وهو ليس بمَلِك.
س2: بيّن أهمية التفسير البياني وما يلزم من يسلك هذا المسلك.
التفسير البياني هو التفسير الذي يُعنى بالكشف عن حسن بيان القرآن، وأساليبه، والحكمة من استعمال لفظ فى موطن واستعماله غيره فى موطن آخر، الذكر والحذف، والتشبيه والتمثيل، والتقديم والتأخير، والإظهار فى موطن والإضمار فى موطن آخر، والتعريف والتنكير، والفصل والوصل، واللف والنشر، وتنوّع معاني الأمر والنهي، والتوكيد والاستفهام .
ولا يمكن الإحاطة الكاملة بكلام العلماء بهذا الصدد، إلا إذا أُثير السؤال عنها تبيّن للعلماء عند التأمّل ما يقفون به على بعض بدائع القرآن.
والتفسير البياني له صلة بالكشف عن المعاني المرادة، ورفع الإشكال، ويُستعمل في الترجيح بين الأقوال التفسيرية، واختيار بعضها على بعض، وله صلة وثيقة بعلم مقاصد القرآن.
ويلزم من يسلك هذا المسلك ان يتنبه إلى الآتى:
1- أن كلام العلماء في هذا الباب، منه ما هو ظاهر الدلالة بيّن الحجّة، ومنه ما يدقّ مأخذه ويلطف منزعه، ومنه ما هو محلّ نظر وتأمل لا يُجزم بثبوته ولا نفيه، ومنه ما هو خطأ بيّن لمخالفته لنصّ أو إجماع أو قيامه على خطأ ظاهر.
2- وجوب الاحتراز مما يتكلّم به أهل البدع في تقرير بدعهم بسلوك مسلك التفسير البياني.
3- لا يجزم بما لا دليل عليه سوى ذوقه وتأمّله واجتهاده، فلو عارض بعض الأوجه التي استخرها نصّ صحيح أو إجماع فهو تفسير باطل.
س3: بيّن مع التمثيل أثر الاختلاف في الوقف والابتداء على التفسير.
لعلم الوقف والإبتداء صلة وثيقة بالتفسير لتعلّقه ببيان المعنى، حتى كان يوصف من يُتقنه بأنّه يفسّر القرآن بتلاوته، ولما سُئلت أم سلمة –رضى الله عنها- عن قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم-، فقالت: ( كان يقطع قراءته آية ).
وعناية علماء اللغة بالوقف والابتداء كانت لأجل إفادة القارئ بما يُحسن به أداءَ المعنى عند قراءته، ويُفهم المراد، ولأنّه إذا أخطأ في الوقف أو الوصل أو الابتداء أوهمَ معنى غير صحيح.
وكثير من مسائل الوقف والوصل والابتداء متّفق عليها عند العلماء، ومنها مسائل يختلفون فيها لاختلافهم في فهم المعنى، واختلاف ترجيحاتهم بين أوجه التفسير.
ومن أمثلة أثر الإختلاف في الوقف والإبتداء على التفسير:
1- اختلافهم في الوقف في قوله تعالى:"فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ- أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ". المائدة:26
المعنى على الوصل: أفاد توقيت التحريم عليهم بأربعين سنة، وهذا قول الربيع بن أنس البكري، وهو ظاهر النسق القرآني.
المعنى على الوقف "عليهم" والبدء بما بعده: أفاد توقيت التوقيت التّيه بأربعين سنة، وأبدية التحريم، وهذا قول قتادة وعكرمة.
2- اختلافهم فى الوقف فى قوله تعالى:"قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ". يوسف:92
من وقف على "اليوم": كان الابتداء بما بعدها دعاء من يوسف عليه السلام لإخوته، وهو أرجح الوجهين في التفسير.
ومن وقف على "عليكم": كان الإبتداء بما بعدها خبرٌ من يوسف عليه السلام – وهو نبيّ يوحى إليه – بمغفرة الله تعالى لهم في ذلك اليوم.
س4: بيّن مع التمثيل فائدة علم الصرف للمفسّر.
فائدة علم الصرف المفسّر:
1- معرفة أوجه المعاني التي تتصرّف بها الكلمة، وفائدة اختيار تلك التصاريف في القرآن الكريم على غيرها.
2- معرفة التخريج اللغوي لكثير من أقوال السلف في التفسير.
3- معرفة علل بعض الأقوال الخاطئة في التفسير التي قد يقع فيها بعض المفسّرين ممن أتوا بعد عصر الاحتجاج، أو مما يروى بأسانيد لا تصحّ عن بعض الصحابة والتابعين ممن كانوا في عصر الاحتجاج.
المثال الأول: معنى "يتساءلون"في قول الله تعالى:"عمّ يتساءلون"
اختلف المفسّرون على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يسأل بعضهم بعضاً، وهذا قول جمهور المفسرين.
القول الثاني: يتحدثون، وإن لم يكن من بعضهم لبعض سؤال، وهذا القول أخذه الرازي ومن تبعه من المفسّرين من قول الفراء في معاني القرآن، و استدلّ له الرازي بقوله تعالى:"وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ . يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ" فهو يدل على معنى التحدّث.
القول الثالث: أن المشركينَ يتساءلونَ الرَّسولَ والمؤمنينَ؛ مبنى هذا القول على أنّ الفعل "يتساءلون" متعدّ لإفادة تكرر وقوع السؤال منهم، وأنّ المفعول محذوف تقديره: يتساءلون الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين، والمعنى: عن أى شيء يسأل هؤلاء القوم الرسول –صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين؟. وهذا القول ذكره الزمخشري احتمالا وجماعة من المفسّرين بعده، منهم: الرازي، والبيضاوي، وقواعد التصريف تدلّ على خطأ هذا القول وأنه مخالف لتصاريف كلام العرب.
والمعنى الصحيح: يسأل بعضُهم بعضاً، وهو الذي عليه جمهور المفسّرين.
المثال الثاني: معنى "مسنون" فى قوله تعالى:"مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ":
نقل ابن عطية في تفسير قول معمر: هو المنتن، وهو من أسن الماء إذا تغير، ثم عقب عليه بأن التصريف يردّ هذا القول.
ثمّ ذكر ابن عطية: والذي قولان في "مَسْنُونٍ":
- بمعنى محكوك، محكَم العمل أملس السطح، فيكون من معنى المُسَنّ والسنان.
- بمعنى المصبوب، تقول: سننت التراب والماء إذا صببته شيئا بعد شيء.
وهما قولان صحيحان من جهة التصريف.
أقوال أهل اللغة:
-ذكر الخليل بن أحمد قول ثالث وهو أن "المسنون" بمعنَى "المصوَّر" من قول العرب: سنَّ الشيء إذا صوَّره.
-قال أبو عبيدة: "المسنون"، المصبوب على صورة،فجمع القولين الثاني والثالث.
-قال المبرّد: "المسنون"، المصبوب على استواء.
أقوال السلف في معنى "مسنون" :
الأول: المسنون: الرطب، وهذا قول ابن عباس، رواه ابن جرير.
وتخريج هذا القول أن يكون المسنون هنا بمعنى الذي سُنَّ عليه الماء؛ فهو رطب لذلك.
الثانى: المسنون: المتغيّر، وهذا أثر عن قتادة، رواه ابن جرير. واختلف أهل اللغة في تخريج هذا القول:
-ذهب الفراء إلى أنّ المسنون لا يكون إلا متغيّراً؛ فتفسير المسنون بالمتغيّر تفسير بلازم المعنى لا بدلالته اللفظية.
-ذهب أبو عمرو الشيباني إلى أنّه مأخوذ من تَسَنَّنَ الطعامُ إذا تغيّر، ومنه قوله تعالى:"لم يتسنّه"والهاء مبدلة من النون.
-قال أبو عبيدة: وليستْ من الأَسِن المتغير، ولو كانت منها لكانت ولم يتأسن.
-ذهب أبو منصور الأزهري إلى أنّه مأخوذ من السَّنَة، أي: مضت عليه سنون حتى تغيّر.
والتحقيق: أنّ الأقوال الثلاثة الأولى صحيحة، واللفظ يحتملها من غير تعارض، وقول الفراء أقرب الأقوال في تخريج القول المروي عن بعض السلف.
المثال الثالث: معنى {قُبلا} فى قول الله تعالى:"وحشرنا عليهم كلّ شيء قُبُلا":
أقوال السلف فى معنى "قبلا":
القول الأول: "قُبُلا"أي : معاينة، قول ابن عباس، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
تخريجه: أنّ القُبُل بمعنى المقابِل، والمقابل معاين لمن قابله، ومنه قوله تعالى:"قُدّ من قُبُل".
القول الثاني: "قبلا"أي: أفواجاً ، قول مجاهد، رواه ابن جرير.
تخريجه: أنَّ "قبلا"جمع قبيل، كرغيف ورُغُف، والقبيل: الجماعة الكثيرة من صنف واحد، أي ُحشروا عليهم أفواجاً كل فوج قبيل.
القول الثالث: "قُبلا"أي: كفلاء، وهذا القول اختاره الفراء.
تخريجه:أنَّ "قبلا"جمع قبيل بمعنى كفيل، ومنه قوله تعالى:"أو يأتي بالله والملائكة قبيلا"أي: كفلاء وضمناء.
التحقيق أنّ هذه المعاني كلّها صحيحة، ودلالة الآية تسعها كلها.
س5: اذكر بإيجاز أنواع الاشتقاق.
أنواع الاشتقاق :
النوع الأول: الاشتقاق الصغير: وهو ما يكون فيه اتفاق في ترتيب حروف الأصل مع اختلاف الصيغتين، كاشتقاق "المسحَّر" من السَّحر" واشتقاق "مرداس" من الردس، يسميه بعضهم "الاشتقاق الأصغر".
النوع الثاني: الاشتقاق الكبير: وهو أن يكون بين الجذرين تناسب في المعنى مع اختلاف ترتيب الحروف، كما في "فسر" و"سفر"، و"فقر" و"قفر"، وهو قائم على النظر في استعمالات تقليبات الجذر ثم محاولة استخراج معنى كليّ يجمعها.
وسمّاه شيخ الإسلام ابن تيمية "الاشتقاق الأوسط" وعرَّفه بأنه هو: اتفاق اللفظين في الحروف لا في ترتيبها.
قال ابن جني - أوّل من عُرفت عنه العناية بهذا النوع- : هو أن تأخذ أصلًا من الأصول الثلاثية، فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنًى واحدًا، تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه، وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدَّ بلطف الصنعة والتأويل إليه، كما يفعل الاشتقاقيون ذلك في التركيب الواحد.
وقد استعمله بعض المفسّرين استئناساً لا اعتماداً.
قال ابن القيم: "التفسير" أصله: الظهور والبيان، ويقابله في الاشتقاق الأكبر: "الإسفار" ومنه أسفر الفجر إذا أضاء ووضح ومنه السفر لبروز المسافر من البيوت وظهوره ومنه السفر الذي يتضمن إظهار ما فيه من العلم وبيانه.
وقال ابن عثمين: "الفقراء" جمع فقير و "الفقير"هو المعدم، لأن أصل هذه الكلمة مأخوذة من "الفقر"الموافق لـ"القفر" في الاشتقاق الأكبر - الذي يتماثل فيه الحروف دون الترتيب، و"القفر" الأرض الخالية.
النوع الثالث: الاشتقاق الأكبر: ويسميه بعضهم "الكُبار" وهو اتفاق الجذور في ترتيب أكثر الحروف واختلافها في حرف منها.
- قد يكون الاختلاف في الحرف الأخير، نحو: نفذ، ونفث، ونفر، ونفح، ونفخ، ونفجوكلها تدلّ على مطلق خروج وانبعاث
- قد يكون الاختلاف في الحرف الأول، نحو: همز، ولمز، وغمز، وجمز، وكلها تدلّ حركة وخفة.
- قد يكون الاختلاف في الحرف الأوسط: نحو: نعق، ونغق، ونهق، ويجمعها أنها تدلّ على تصويت.
ولا يقال بإطّراده، وقد حاول ذلك بعض أهل اللغة فوقعوا في تكلّف كثير.
ومن هذا النوع ما يدخله اختلاف اللغات ومنه ما يُختلف في كونه من اختلاف اللغات.
والنوع الرابع: الاشتقاق الكُبّار : وهو اشتقاق لفظة من لفظتين أو أكثر اختصاراً، وهو ما يعرف ب"النحت"، كاشتقاق البسملة من قول "بسم الله" ، والحوقلة من "لا حول ولا قوة إلا بالله".