دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الصلاة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 07:52 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول:اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما، وكان إذا رفع رأسه من السجدةِ لم يسجد حتى يستوي قاعداً، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عُقبةِ الشيطان، وينهى أن يفرش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم).

الشيخ: في هذه الأحاديث في صفة الصلاة، فالحديث الأول يتعلق بالاستفتاح وهو الدعاء بين التكبير والقراءة، وهو من سنن الصلاة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يُلزم به أمته، ولم يُعلمهم دعاءً محدداً، بل دعا بجملةٍ كثيرةٍ من الأدعية، فدل على أن الأمر فيه سعة، فإن أتى به فهو سنة وفضيلة وإن لم يأت به وابتدأ بالقراءة فإنه صلاته مُجزئة إن شاء الله.
أول ما يكبر يأتي بالاستفتاح، وأصح الاستفتاحات ما في هذا الحديث أن يقول: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) في هذا أنك إذا قلته كأنك تعترف بالخطايا وتطلب من ربك إزالتها وإزالة أثرها.
الأول: الإبعاد، أن تُبعد عنك حتى لا يضرك أثرها، إذا كان بينك وبينها بُعد المشرقين دل على أنها لا تضرك.
الثاني: الغسل،الغسل منها، بأنواع ما يُغسل به: الماء والثلج البرد، ويقول بعض العلماء: اختيار الثلج والبرد مع أنه شديد البرودة ليطفيء حرارة الذنوب، كأن الذنوب لها حرارة على البدن وعلى القلب، فإذا استعمل الثلج خفف تلك الحرارة وأزالأثرها.
والثالث: التنقية كأنه يقول: إن الذنوب تُدنس صاحبها وتوسخه، فهي تُكسب صاحبها قذرًا ووسخًا ودنسًا كثيرًا, فهو في حاجةٍ إلى ما يزيل ذلك الدنس، فطلب من ربه أن ينظفه منها ويطهره كتطهير الثوب الأبيض شديد البياض من الدنس، يعني إذا طُهر زال عنه أية دنس وأيةُ وسخ وأيةُ قذر، فهكذا طلب من ربه إزالة آثارها.
هذا الاستفتاح قلنا: إنه متفق عليه، يعني رواه البخاري ومسلم، فهو حديث صحيح، هناك استفتاحات أخرى, منها ما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بقوله: ((سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك)). اختارها للاستفتاح الإمام أحمد وقال: إنه ثناء وذكر وتنزيه وتقديس لله تعالى وتوحيدٌ له، والثناء يقوم مقام الدعاء.
وقد روي في بعض الآثار القدسية أن الله يقول: ((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعُطي السائلين))، فهذا سبب اختيار الإمام أحمد للاستفتاح الذي فيه الثناء ((سبحانك اللهم وبحمدك...)) إلى آخره.
هناك استفتاح أيضاً في السنن مبدوء بقوله: ((وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)) إلى آخره، مروي عن علي رضي الله عنه، وهو استفتاح طويل يستحبه أيضًا بعض العلماء، هناك استفتاح رابع لكن نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم استعماله في التهجد، إذا قام من الليل، وهو قوله: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل …)) إلى آخره، الحديث الذي مرَّ بنا في شرح الطحاوية، هذا الدعاء استفتاح توسل واستفتاح، هناك أيضًا أدعية أخرى، يعني استفتاحات.
وقد كتب فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة مطبوعة بعنوان: أنواع الاستفتاحات، ورجح أن الكل صحيح، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تارة يستعمل هذا، وتارة يستعمل هذا، وأنه لما لم يُعلم الأمة واحدًا منها ويقصرهم عليه, دل على أن الأمر فيه سعة.
وقد استحب شيخ الإسلام وكثيرٌ من العلماء أن يأتي بهذا تارة وأن يأتي بهذا تارة، يعني أن تستعمل قوله: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) حينًا،وتستعمل حينًا آخر قوله: ((سبحانك اللهم وبحمدك)).. إلى آخره،وتارة تستعمل قوله: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض...)) إلى آخره، وحينًا تستعمل قوله: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل...)) إلى آخره، يقولون: حتى لا يبقى شيء من السنة مهجور، إذا عملت بهذا حينًا وهذا حينًا عملت بالسنة كلها.
فتعلمها وحفظها سهلٌ وهي ميسرة، وأدلتها موجودة. في سنن النسائي أوردها متوالية تحت عنوان: الدعاء بين التكبير والقراءة، ثم قال: نوعٌ آخر من الدعاء بين التكبير والقراءة، ثم قال: نوع آخر وهكذا، حتى أورد عدة أنواع. وغيره من الأئمة سردوها تحت هذا العنوان، فإذا حفظها الإنسان وأتى بها كلها أحيا بذلك السنة، ولكن مع ذلك إذا كان يريد أن يختار فيختار واحدًا يُكثر منه، يكون أكثر استعمالاً له، والبقية يأتي بها أحيانًا، أي في كل أسبوع مرة أو في كل أسبوع مرتين أو نحو ذلك؛ حتى يعمل بمابلغه من الشريعة. وقد عرفنا أنه من السنة وليس من الواجب ولا تبطل الصلاة به.
بعده يستعيذ، يأتي بالاستعاذة لقول الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} والاستعادة المنقولة أن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه. هكذا علم النبي صلى الله عليه وسلم بعض صحابته. وبعد ذلك يأتي بالبسملة، ويأتي به سرًا، هذا هو المشهور من السنة النبوية، دليله حديث عائشة الذي عندنا، تقولُ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، يعني بالتحريم، بتكبيرة الإحرام، أي لا يجعل بدلها سبحان الله، ولا لا إله إلاالله، ولا الحمد لله، ولا لا حول ولا قوة إلا بالله، بل يبدأ الصلاة بقوله: الله أكبر.
كما أنه يستعمل التكبير في التنقل، الذي هو تكبير الانتقال. فهذا هو المشهور عنه. وهذه التكبيرة ركن ثبتقوله صلى الله عليه وسلم: ((مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) فجعل التكبير تحريمها.
فأخذوا من ذلك أن هذا التكبير ركن، تكبيرة الإحرام ركن ما تتم الصلاة إلا بها، تقول عائشة: والقراءة بالحمد لله. يعني ويستفتح القراءة بقوله: الحمد لله رب العالمين،هذا هو الذي يسمع المؤمنين،أول ما يسمعون منه: الحمد لله رب العالمين،ثم يتم الفاتحة،وليس المراد أنه يستفتح القراءة بالفاتحة، بل المراد أنه يأتي بكلمة: الحمد لله رب العالمين مبدأ لقراءته, أي يبدأ القراءة بهذه الكلمة ، ويأتينا أنه لا يستعمل البسملة، فإن هذا الحديث دليل على أنه لم يكن يأتي بالبسملة، يعني بقول: بسم الله الرحمن الرحيم.
وقد خالفت في ذلك الشافعية فاستحبوا البداءة بالبسملة، وأجابوا عن حديث عائشة هذا أن المراد يستفتح القراءة بالفاتحة، ولكن هذا في الحقيقية كلام لا حقيقة له ولا معنى له، إذا قيل: كان يقرأ الفاتحة قبل السورة، كان ذلك معلوم من الدين بالضرورة لا حاجة إلى ذكره؛ لأنه أشهر من أن يذكر فكيف يجعله محملاً لهذا الكلام؟! بل الصواب أن محمله أنه يأتي بالقراءة مبدوءة بقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
هذه الجملة الثانية، يعني في حديث عائشة عشر جمل، الجملة الأولى: الافتتاح بالتكبير، والجملة الثانية: بداءة القراءة بالحمد لله يعني بقول: الحمد لله دون أن يقول: بسم الله.
الجملة الثالثة: الركوع،صفته، تقول: إنه إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه. فالتصويب: الرفع، والتشخيص: الخفض، لم يصوبه: يعني لم يجعل رأسه مرتفعًا كرأس الطائر، ولم يخفضه ، لم يصوب رأسه ولم يخفضه يعني التدلية ، يعني أنه يجعل رأسه حيال ظهره لا يشخصه ولا يصوبه، فالإشخاص أن يدليه والتصويب أن يرفعه، بل يجعله محاذيًا لظهره ويجعل ظهره مستويًا لا يجعله محدودبًا.
قد ورد النهي عن تحديب الظهر،التحديب: هو أن يقوس ظهره كأنه قوس،بل يجعله مستويًا بحيث لو وضع عليه إناء لركد،هذا الصواب.
الجملة الرابعة: الطمأنينة في الرفع، إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، يستوي قائمًا ويقف ويعود كل عضو إلى مكانه، معلوم أيضًا أنه يُطيل هذا القيام حتى يقول القائل: قد نسي.
كذلك الجملة الخامسة: إذا جلس بين السجدتين، رفع من السجدة الأولى جلس ولم يسجد السجدة الثانية حتى يستوي جالسًا، ويطيل أيضًا حتى يقول القائل: قد نسي،يطيل هذين الركنين الذي ابتلي كثير من الناس بتخفيفهما،كثير من الناس تشاهده أنه ساعة ما يرفع وهو ساجد سواء للقيام إذا ركع ثم رفع ساعة ما يرفع وهو منحط،وإذا كان جالسًا ثم سجد فساعة ما يجلس وهو منحط للسجدة الثانية دون طمأنينة،فمثل هذا خالف السنة،لم يأتِ بالطمأنينة المطلوبة،ولم يأتِ بالفصل بين السجدتين الفصل المعروف،ولم يأتِ بهذا الدعاء الذي ورد فيها من قوله: ربي اغفر لي وارحمني... إلى آخره. فهذه خمس جمل.
الجملة السادسة: تقول: وكان يقول في كل ركعتين التحية. يعني كل ركعتين يتشهد بينهما ويُسلم ويأتي بقوله: التحيات لله... إلى آخره، وهو التشهد المعروف.
الجملة السابعة: قولها: وكان يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها.يعني في حالة جلوسه يطمئن فيفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويجعل اليمنى خارجة من تحته منتصبة وبطون أصابعها إلى الأرض ورؤوس الأصابع إلى القبلة، هذه صفة الجلوس بين السجدتين أو الجلوس في التشهد الأول ونحو ذلك.
وقد ورد في حديث أبي حميد أنه يتورك في التشهد الأخير، التشهد الذي قبل السلام الذي يسلم بعده، لكن أبو حميد وصف الصلاة الرباعية، وذكر أنه في التشهد الأول يفترش، وفي التشهد الأخير يتورك، فيُخرج رجليه من تحته ويجلس بمقعدته على الأرض، هذا إذا كان هناك مُتسع.
من العلماء من يقول: لا يتورك إلا إذا كان محتاجًا لكبر أو مرض، فهو الذي لا تحمله رجلاه كما روي أن ابن عمر صلى معه ولدُه، فلما صلى تورك فتورك ابنه ونهاه قال: لماذا أنت تتورك وتُخرج رجليك من تحتك؟فقال: إن رجلي لا تحملاني، يعني أنه لكبر سنه يشق عليه أن يجلس جلسة المفترش.
بعض العلماء يقول: يفترش في صلاته كلها، في التشهد الأول والتشهد الأخير وسواءً كانت الصلاة ركعتين أو أربع يفترش، ولا يتورك، وبعضهم يقول: يتورك في كل تشهد بعده سلام....

الوجـه الثانـي

...كتشهد صلاة الفجر وصلاة الجمعة وصلاة النفل الركعتين، ونحو ذلك، وبعضهم يقول: لا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان، في التشهد الأخير منهما يتورك فيه، وهذا هو الذي اختاره الإمام أحمد،هذا صفة جلوسه أنه يجلس مفترشًا، يفرش رجله اليسرى، ويجلس عليها،وينصب اليمنى.
الجملة الثامنة: قولها: وكان ينهى عن عُقبة الشيطان.عقبة الشيطان أن ينصب قدميه ويجلس على عقبيه،يضع عقبيه منتصبتان وإليتيه عليها،هذه الجلسة تسمى عقبة الشيطان، فكان ينهى عنها؛ وذلك لأنها تدل على عدم الطمأنينة، وتدل على عدم الارتياح في الصلاة وعلى العجلة أو نحو ذلك،إذا جلس مستوفزًا رافعًا قدميه،وجلس بإليتيه عليهما لم يطمئن في صلاته، فجلسته هذه تدل على الجفاء، وهكذا لو نصب إحدى رجليه عن يمينه والأخرى عن يساره وجلس بينهما وهما متصبتان يصدق على ذلك أنه عقبة الشيطان.
الجملة التاسعة: ذكرت أنه ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، يعني إذا سجد لا يبسط ذراعيه على الأرض كافتراش السبع، السبع أو الكلب يبسط يديه، إذا أقعى فإنه يمد يديه أو يمد رجليه على الأرض، فنهي عن التشبه به، المأمور أنك إذا سجدت تسجد على الكفين، وترفع الذراعين ولا تبسطهما على الأرض، حتى تكون بذلك ساجدًا سجودًا حقيقيًا، ويدل ذلك على صدق الرغبة وعلى محبة العبادة وعلى النشاط فيها والبعد عن الكسل، فهذه الصفة التى هي بسط الذراعين صفة المتكاسلين.
أما الجملة العاشرة والأخيرة: ذكرت أنه يختم الصلاة بالتسليم، يختم الصلاة بالتسليم، قد دل على ذلك الحديث الذي ذكرنا ((مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم)) فيختم بقوله: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.
وبالجملة فهذا الحديث اشتمل على صفاتٍ عديدة، والتوسع فيها وذكر الخلاف الذي فيها والكيفية وما إلى ذلك يحتاج إلى وقت طويل، ولكنها والحمد لله واضحة والمسلمون يعرفون كيف يبدأون صلاتهم، وكيف يختمونها، وكيف يفعلون،
يشاهدون ذلك من أئمتهم، سواء بالأفعال التي يرونهم يفعلونها أو بالسماع لما يسمعونه من الأدلة ومن شروحها ومن توجيهاتها.

القارئ:
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال: ((سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد)) وكان لا يفعل ذلك في السجود.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة)) وأشار بيده إلى الأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين. متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يُكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صُلبه من الركعة، ثم يقولوهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يُكبر حين يهوي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يُكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها ويُكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على محمد.
هذه الأحاديث في صفة الصلاة، الحديث الأول في رفع اليدين ومواضعه، والحديث الثاني في أعضاء السجود وأسمائها وعددها، والحديث الثالث في تكبيرات النقل وعددها، فرفع اليدين ورد في ثلاثة مواضع في هذا الحديث، وورد في موضع رابع. أكثر ما ورد، يعني ورودًا ثابتًا في هذه الثلاثة، ذكر فيهذا الحديث أنه إذا افتتح الصلاة رفع يديه يعني عندما يكبر تكبيرة الإحرام. وابتداء الرفع من ابتداء التكبير، وانتهاؤه إلى المنكبين، تكون كل يد محاذية لمنكبها. ورد في بعض الروايات أنه يرفع يديه إلى أذنيه. وجُمع بينهما بأن أصابعه تحاذي الأذنين وأن الكف يحاذي المنكب فيكون بذلك رفعًا متوسطًا، هكذا يرفع يديه عند افتتاح الصلاة،يعني عند تكبيرة الإحرام.
وهذا الرفع هو آكدها، وهو متفق عليه بين الأئمة الأربعة، الأئمة كلهم يرون أن هذا الرفع من سنن الصلاة، ولم يقل أحدٌ أنه من الواجبات.
عرفنا أن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام آكد ما روي في الرفع،وأنه متفق عليه، والحكمة فيه كما قال بعض العلماء: رفع الحجاب، إشارة إلى أنه يرفع الستر والحُجُب ويدخل على ربه، فعند ذلك يخشع كأنه إذا رفع هذه الحجب لم يبقَ بينه وبين ربه ما يستره. وبكل حال فهو من سنن الصلاة، ابتداء الرفع ابتداء تحريك اليدين من ابتدائه بالتكبير وانتهاؤه بانتهاء التكبير.
وبعد ذلك يضع يديه على صدره، وهو أقوى ما ورد في وضعهما، هناك من يقول: تحت سرته، ومن يقول: فوق سرته. ولكن الأصح أنهما على صدره، هذا هو الأرجح.
أما الرفع عند الركوع وعند الرفع من الركوع، فقد ثبت في هذا الحديث وثبت في عدة أحاديث كثيرة صريحة في أنه يرفع يديه إذا ابتدأ تكبيرة الركوع قبل أن ينحني يرفع يديه، ثم يحنو ظهره ويمد يديه ويكون تكبيره في حالة انحنائه، يعني قبل أن يتحرك يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه، ثم يكبر حال كونه منحنيًا للركوع، فيضع يديه على ركبتيه مفرقتي الأصابع، فهذا أيضًا رفع مسنون.
كذلك إذا تحرك من الركوع رافعًا للقيام رفعهما، فإذا استتم قائماً وإذا هو قد انتهى من رفعهما محاذيًا لمنكبيه فعند ذلك أيضًا يردهما إلى صدره. هذه ثلاثة مواضع، في حالة وقوفه معلوم أنه يقول: سمع الله لمن حمده، في حالة حركته وارتفاعه من الركوع. ويقول فيحالة قيامه: ربنا ولك الحمد.
هذه المواضع الثلاثة، أما حالة انحطاطه إلى السجود أو رفعه من السجدة الأولى إلى الجلسة أو خروره للسجدة الثانية أو قيامه من السجدة الثانية إلى الركعة، فلا يفعل ذلك،نص على ذلك ابن عمر في هذا الحديث بقوله: ولا يفعل ذلك في السجود،كان لا يفعل ذلك في السجود، لا في الانحطاط إليه ولا في الرفع منه، هذا هو المشهور.
وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه أيضًا إذا قام من الركعتين، إذا قام من التشهد الأول للركعة الثالثة رفع يديه حتى يحاذي بهما أيضًا منكبيه كما يفعل إذا افتتح الصلاة، فيكون هذا أيضًا موضعًا رابعًا في الصلاة الرباعية أو الثلاثية بعد التشهد الأول، وعند نهوضه يكبر ويرفع يديه.
وهكذا أيضًا يرفع يديه في تكبيرات العيد، تكبيرات العيدين الزوائد، يكبر في الأولى سبعًا وفي الثانية خمساً على اختلاف في عدد التكبير، ويرفع يديه في كل تكبيرة. وكذلك في تكبيرات صلاة الاستسقاء كصلاة العيد، التكبيرات الزوائد التي في أول كل ركعة، هذه أيضًا تكبيرات في حالة القيام.
وقد استنبط من ذلك أن رفع اليدين يكون في الحالات التي ليس فيها حركة كثيرة، فإن حركة القيام إلى الركوع أو الركوع إلى القيام أو حركة التكبير في حالة القيام يعني في التحريمة حركة قليلة، وكذلك حركة القيام من الجلوس إلى القيام حركة أيضًا قليلة، وليست كحركة السجود سواء الانحطاط له أو للجلوس أو للرفع منه، فيكون رفع اليدين خاص بالانتقال الذي حركته قليلة، هذا هو المعتمد. وقد ورد في رواية أنه يرفع يديه أيضًا في تنقلات السجود، ولعل ذلك أحيانًا يعني لعله فعله مرة أو مرتين، ولكن المعتاد والأكثر أنه لا يفعله في السجود كما نص على ذلك ابن عمر.
أما الحديث الثاني فيتعلق بأعضاء السجود، يقول صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) وفي رواية: ((أعضاء)) على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه وعلى اليدين و الركبتين و أطراف القدمين.
هذه أعضاء السجود السبعة، الجبهةُ: معلوم أنها الجبين الذي ليس عليه شعر، الذي انحسر عنه الشعر، حدها منابت الشعر، ونهايتها شعر الحاجبين، ولكن الأنف أيضًا متصل بها، يكون عضوًا واحدًا، الجبهة والأنف يكون عضوًا واحدًا، فلابد أن يسجد عليهما، فلا يسجد على الجبهة ويرفع الأنف، ولا يسجد على رأس الأنف فقط ويرفع الجبهة، بل السجود عليهما معًا، فيعتبران عضوًا واحدًا.
ولاشك أن السجود على الوجه هو آكد أعضاء السجود، وبه يُسمى ساجدًا، وبرفعه لا يسمى ساجدًا، لو سجد على الستة: على اليدين والركبتين وأطراف القدمين ورفع وجهه أو رفع صلبه ما يسمى ساجدًا حتى يضع وجهه على الأرض؛ وذلك لأنه حقيقة التذلل حقيقة الخشوع، حقيقة الخضوع ، وضع الوجه على الأرض، والوجه هو أشرف أعضاء الإنسان، والوجه هو أعلاها، والوجه هو مجمع المحاسن، والوجه هو مجمع الحواس، فإذا وضع وجهه على الأرض فقد حصل منه التواضع والتذلل، وقد ظهرت فيه العبودية، فيحمله ذلك على أن يخشع وعلى أن يخضع، وعلى أن يتواضع وعلى أن يتذلل، وعلى أن يستحضر أنه خاشعًا لربه، واقع بين يديه،متذلل له، عابدٌ له غاية العبودية، فيكون هذا السجود أعظم أركان الصلاة وأشرفها بهذه الميزة، وهذه الخصوصية.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد))، حيث أنه هذا السجود قد ذل لربه وخضع لـه وخشع، فلاشك أنه في هذه الحال قد قرب منه قربًا معنويًا، فهو أقرب إلى أن يجيب دعوته وإلى أن يسمعها سماع قبول، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمنٌ أن يستجاب لكم)) أي حريٌ قريب أن تستجاب دعوتكم، حيث أن الساجد خاضع وخاشع لربه ومتواضع.
أما الأعضاء الباقية فالسجود عليها للاعتماد، فالسجود على اليدين للاعتماد عليهما، والمراد الكفين، وقد تقدم أنه يُنهى عن أن يبسط ذراعيه، إذا سجدت فضع يديك وارفع مرفقيك، المرفق هو المفصل الذي بين الذراع والعضد ارفعه, وارفع أيضًا ساعدك، الساعد هو الذراع، ولا تبسطه كانبساط الكلب،لا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب، فيكون السجود على الكفين، وقد أُمر بأن يضم أصابعه، حتى تكون رؤوس الأصابع إلى القبلة، هكذا ورد أنه كان يجعل رؤوس أصابعه إلى القبلة، فلا يميل بها، لا يصرف يديه ويجعل إحداهما شمالاً والأخرى جنوبًا مثلاً، يعني رؤوسها، ولا يفرقهما، يفرق الأصابع فيكون بعضها لغير القبلة، بل يضمها حتى تكون رؤوسها كلها للقبلة.
أما الركبتان فالسجود عليهما ضروري؛ وذلك لأن الاعتماد عليهما. أما القدمان فالمراد رؤوس القدمين، ومأمورٌ بأن يجعل بطون أصابع القدمين إلى الأرض ورؤوس أصابع القدمين إلى القبلة، وعليه أن يتأكد من السجود على القدمين، كثير من الناس يتهاون بذلك، حيث أنه لا اعتماد عليهما فتراه رافعًا قدميه غير ساجد عليهما، أو غير ساجدٍ على بطونهما, بل تكون قدماه مائلتين لغير السجود، أو يضع إحداهما على الأخرى، فلا يسجد إلا على ستةٍ أو نحو ذلك، يتعاهد هذه المواضع.
روي في بعض الأحاديث إذا أن العبد إذا ترك عضوًا لم يسجد عليه لم يزل ذلك العضو يلعنه؛ حيث أنه أخل بالسجود عليه، وحيث أن السجود عليه عبادة، فعليه أن يحرص، يحرص على السجود على وجهه كله، يعني جبينه وأنفه ولا يسجد على أنفه فقط ولا على جبهته فقط، ويسجد على قدميه، يجعل بطونهما إلى الأرض ولا يرفعهما ولا يسجد على رأس الإصبع مثلاً أو لا يجعل إحداهما على الأخرى أو لا يجافيهما ويميلهما، فلا يكون ساجدًا عليهما السجود الحقيقي، هكذا أُمر الساجد بأن يمكن أعضاءه من السجود؛ ليكون بذلك محققًا لهذا الاتباع.
أما الحديث الثالث فيتعلق بتكبير النقل، أي التكبير الذي ينتقل به من حالٍ إلى حال، ينتقل به من القيام إلى الركوع، يقول: الله أكبر، ينتقل به من القيام إلى السجود، يقول: الله أكبر. وهذا التكبير جعلوه من واجبات الصلاة، إذا ترك تكبيرة أو ترك أكثر من تكبيرة اعتبر قد ترك واجبًا، فإن سهوًا فإنه يسجد للسهو، وإن كان عمدًا بطلت صلاته.
وإذا عددته وجدت في كل ركعة خمس تكبيرات، وجدت في الصلاة الرباعية اثتنين وعشرين تكبيرة، وفي الثلاثية سبع عشرة تكبيرة، وفي الثنائية إحدى عشر تكبيرة، كل ركعة فيها خمس تكبيرات، التكبيرتان الزائدتان في الظهر هي تكبيرة القيام من الجلوس، من الجلوس للتشهد الأول، وتكبيرة الرفع من السجدة الثانية التي يجلس بعدها للتسليم. فإن هاتان زائدتان على الخمس .
التكبيرة الأولى للإحرام، التكبيرة الثانية للركوع، الثالثة للسجود، الثالثة للرفع من السجود، الرابعة للسجدة الثانية. هذه خمس. الثانية فيها تكبيرة القيام من السجدة الثانية إلى القيام، ثم تكبيرة الركوع ثم السجود ثم الرفع من السجود ثم السجدة الثانية. خمس تكبيرات، كل ركعة فيها خمس تكبيرات، وابتداء الخمس إما تكبيرة الإحرام وإما تكبيرة القيام من السجدة، فيزيد على ذلك في الظهر تكبيرة القيام من التشهد الأول، وتكبيرة القيام من السجود الأخير للجلسة بين السجدتين.
يحافظ المسلم على هذا التكبير حتى تتم بذلك صلاته. وقد روي عن بعض المتقدمين أنهم أنكروه، وما ذاك إلا أن بعض أمراء بني أمية كانوا يخفونه ولا يسمعه المصلون خلفهم، وكانوا يعتمدون على حركة بعضهم مع بعض؛ وذلك أن بني أمية كانوا يقتدون بعثمان رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه لما كان في آخر حياته وكبر سنه كان يُخفيه لثقله عليه، فظنوا أنه لا يكبر إلا سرًا، فصاروا يكبرون سرًا.
أما بقية الصحابة فإنهم يكبرون جهرًا، يرفعون التكبير حتى يسمعهم المصلون. والمصلون يعتمدون على سماع تكبير الإمام، فإذا سمعوه يُكبر للتحريم كبروا، وقد أكد ذلك فى المتابعة، تقدم لنا قوله صلى الله عليه وسلم فى الاقتداء: ((إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا ركع فاركعوا)) إذا كبر وركع فكبروا واركعوا، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا.
فدل على أنه يُكبر وأنهم يوافقونه في ذلك التكبير، الإمام يُكبر والمأمومون يكبرون، معلوم أن الحكمة من هذا التكبير:
أولاً: تنبيه المأمومين حتى يسمعوه وحتى يتابعوه، ليسوا كلهم يرونه، قد يراه أهل الصف الأول أو بعضهم والباقون لا يرونه، فلأجل ذلك ينبههم بهذا التكبير.
ثانيًا: التكبير ذكر، يشتمل على التعظيم، إذا قلت: الله أكبر فمعناه الله أجل وأعظم من كل شيء، ولاشك أنك إذا قلت ذلك عن قلب، إذا قلت ذلك معتقدا بقلبك كان ذلك أرسخ لهذا التكبير ولهذه العظمة في قلبك، ولاشك أن من استحضر عظمة الله سبحانه في صلاته وفي كل حالاته واستحضر أنه أعظم وأجل من جميع المخلوقات خضع لـه وذل وتواضع لـه واستكان، أي الله أكبر وأجل من كل شيء.
علمنا أن تكبيرة الإحرام عندما يريد التحريم بالصلاة، في الحديث تحريمها التكبير، عندما يُسوي الإمام الصفوف وينتهي من تسويتها يُكبر فيتبعونه بالتكبير، ثم يبدأ بعد ذلك في القراءةِ، تكبيرة الركوع عندما يتحرك، عندما يتحرك منحنيا منحنيًا للركوع يأتي لها في حال تحركه، وينتهي بها في حالة انتهائه.
أما في رفعه فلا يُكبر بل يقول: سمع الله لمن حمده، في هذا الركن خاصة إذا رفع من الركوع فإنه يُسمع؛ وذلك لأن هذا الركن بعده حمد لله، فكأنه يذكرهم ويقول: احمدوا الله؛ فإن الله يسمع من يحمده، والسمع هنا سماع استجابة، يعني سمع الله لمن حمده، أي استجاب أو سمع سماع قبول وقبل منكم هذا الحمد، ويثيبكم عليه.
أما إذا رفع من الركوع واستوى قائمًا فإنه يأتي بالحمد، لما ذكرهم الإمام وقال: سمع الله لمن حمده، فكأنهم انتبهوا فقالوا: إذا علمنا أن الله يسمع من يحمده فلماذا لا نحمده، نبادر فنحمده فنقول: ربنا ولك الحمد، تنبيه لهم على أن هذا موضع الحمد.
أما إذا أراد أن يسجد فيكبر حالة انحنائه فلا يأتي بالتكبير قبل أن ينحني ولا يأتي بالتكبير أول ما يتحرك بل يأتي به في حالة.. سقط..وعليه أن يُسرع الحركة حتى لا يُسابقه المأمومون.
بعض الأئمة ينحني ولا يكبر إلا إذا وصل إلى الأرض، فقد يسابقونه ويتحركون قبل أن يسمعوا تكبيره، عليه أن يجعل تكبيره في حالة حركته.
كذلك تكبيرته إذا رفع من السجدة، عندما يتحرك رافعاً رأسه يكبر بعد ما يرفع رأسه، وينتهي إذا جلس، تكون إذا جلس بين السجدتين.
كذلك تكبيرته إذا سجد للسجدة الثانية يكبر ساعة ما يتحرك نحو الأرض يقول: الله أكبر، وينتهي بنهاية سجوده, تكبيرته إذا قام عندما يرفع رأسه من السجدة الثانية ناهضاً للركعة الثانية يأتي أيضاً بهذه التكبيرة. تكبيرته إذا قام من الركعتين، إذا جلس للتشهد الأول وانتهى منه ونهض كبر حالة ما يتحرك، هذا بالنسبة إلى الإمام.
أما المأموم فإنه أيضاً يتابع الإمام في هذا التكبير كله إلا التسميع فلا يقول: سمع الله، بل يقتصر على التحميد؛ وذلك لأن قصد الإمام بالتسميع تنبيه المأمومين، أما التكبير فإنه ذكر، فيوافق الإمام في تكبيره فيقول: الله أكبر كما يقوله الإمام.
المنفرد كالإمام، يسمع كما يسمع، ويكبر كما يكبر، فهذا التكبير هو من واجبات الصلاة. وكذلك التسميع والتحميد، وأذكار الركوع والسجود الذي هو التسبيح في الركوع والسجود ونحو ذلك، هذه من الواجبات التي تتم الصلاة بفعلها والمحافظة عليها. ونختم ببعض الأسئلة.

القارئ:
...بن عبد الله قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال: قد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم. أو قال: صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت قيامه، وركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته فجلسته بين السجدتين، فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف _قريباً من السواء. وفي رواية البخاري: ما خلى القيام والقعود قريباً من السواء.
وعن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إني لا آل أن أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي.

الشيخ:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على محمد.
هذه أحاديث في صفة الصلاة، فالحديث الأول في تكبيرات الانتقال، تكبير النقل: هو أن يكبر عندما ينتقل. وقد تقدم حديث في ذلك، وذكرنا أن في كل ركعة أربع تكبيرات، وأن في الرباعية ثنتان وعشرون تكبيرة، وفي الثلاثية سبعة عشر تكبيرة، وفي صلاة الفجر إحدى عشر تكبيرة؛ وذلك لكونها تزيد بتكبيرة الرفع التي للجلوس.
فهذه التكبيرات قد خفيت على بعض المتقدمين؛ وذلك أن بعض الأئمة كانوا يصلون وهم كبار الأسنان فيصعب عليهم رفع الصوت بالتكبير، ويصير انتقال المأمومين بسماع الحركة، ولكن تحققوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر عندما ينتقل، إلا إذا رفع من الركوع فإنه يقول: سمع الله لمن حمده، وإذا انصرف التفت للخروج من الصلاة فإنه يقول: السلام عليكم ورحمة الله.
أما بقية انتقالاته فإنه يستعمل التكبير، والحكمة في ذلك والله أعلم تذكير المأمومين الذين يسمعون، وتذكير المنفرد نفسه، وتذكير الإمام نفسه بهذا الوصف لله تعالى، وهو كونه أكبر، فإنك كلما كررت أو كلما سمعت الله أكبر كان ذلك مذكرًا لك لكبرياء الله. ومن عظّم الله وكبره، واعتقد أنه أكبر من المخلوقات كلها، عظم قدر ربه في قلبه، وصغر ما دونه، صغرت المخلوقات عنده واحتقرت مهما كان مقدارها، سواء كانت موجودة على قيد الحياة أو فانية كلها تصير حقيرة ولا يبقى في قلبه قدر لها، وإنما القدر العظيم لله تعالى الذي هو أكبر، يعني أكبر من كل شيء، وكل شيء فهو حقير فقير ناقص أمامه. فهذا هو السبب في تكرار التكبير.
أما الحديث الثاني ففيه مدة البقاء في الأركان أو مقدار البقاء في الأركان، يقول في هذا الحديث البراء: إنه رمق صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقدر مكثه في كل ركن فوجد الأركان متساوية، ولكن في الرواية الثانية استثنى القيام والقعود فإنها أطول من غيرها. وإذا مشينا على الرواية الأولى فإنه ليس المراد التسوية بين القيام والركوع، بل المراد التقارب، وأنه إذا أطال في ركن أطال في بقية الأركان، وهذا هو السبب في الطمأنينة وفي حضور القلب، وفي الإتيان بالأفعال التي يأتي بها وحصول الحكمة من ورائها.
أولاً: في الحديث التسويه بينها، يعني التقارب بينها، فإذا مثلاً ركع مكث في ركوعه مثلاً ربع دقيقة أو نحو ذلك، أو نصف دقيقة إذا ركع، ثم إذا رفع من الركوع مكث في رفعه قبل أن يسجد مثل مكثه في الركوع نصف دقيقة أو دقيقة أو ما أشبهها،على قدر ما يتحمله.ثم إذا سجد فكذلك مكث بقدر سجوده يعني دقيقة أو ثلثي دقيقة أو نصف دقيقة قدر ما مكث في السجود. وإذا جلس بين السجدتين فكذلك يعني مثل قيامه مثل ركوعه، أو مثل قيامه بعد الركوع، يعني متقارب، وهكذا يفعل في السجدة الثانية. هذا يسوي بين أركان الصلاة، يمكث في هذا بقدر ما يمكث في هذا.
وقد حفظ أنه عليه الصلاة والسلام كان يسبح في السجود عشر تسبيحات، حفظ أنهم صلوا خلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما كان أميرًا على المدينة فحسبوا تسبيحات الركوع وتسبيحات السجود عشرًا عشرًا، أنه كان يقول: سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم حتى يقولوا عشراً، وفي السجود سبحان ربي الأعلى حتى يعدوا عشراً.
أما في الرفع من الركوع فحفظ أنه كان يدعو بالثناء، حفظ من الثناء الذي كان يدعو فيه أن يقول: ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. هذا مما حفظ في الرفع من الركوع.
وسمع مرة رجلاً لما رفع من الركوع قال: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيراً طيباً مباركاً فيه، فأخبر بأنه رأى الملائكة يبتدرونها، ليكتبوها، مما يدل على أنه أقر هذا الحمد: حمداًَ كثيراً طيباً مباركاً فيه، وروي أيضًا أنه كان يقول:((ربنا لك الحمد كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لكرم وجه، وعز جلاله)).
وبكل حال فإنه موطن فيه الثناء، يعني يندب فيه أن يشتغل بالثناء على الله وبحمده، وبتكرار هذا الحمد. ويمكث فيه بقدر ركوعه، أو بقدر سجوده كما ذكرنا.
حفظ أيضاً أنه قال في الركوع: ((عظموا فيه الرب)) يعني أكثروا من تعظيم الله والثناء عليه، وقال في السجود: ((اجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) يعني: حري أن تستجاب دعوتكم؛ لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فحث على الدعاء في السجود ولم يحدد لهم دعاء معينًا، بل أطلق الأمر لهم. ونكمل بعد الأذان.
إن هذه الأركان التي هي: الركوع، والرفع منه، والسجود، والاعتدال، والجلسة بين السجدتين، والسجود الثاني، فهذه من أركان الصلاة كما هو معروف. والأدعية فيها والأذكار فيها تعتبر من واجبات الصلاة، التسبيح في الركوع واجب، والتسبيح في السجود واجب، وقول: ربنا ولك الحمد واجب، وقول: رب اغفر لي واجب، لابد أن يأتي بالقدر الواجب، فإذا أتى بقوله: سبحان ربي الأعلى مرة كفى، ولكن قد لا تحصل الطمأنينة التي هي الركود. وإذا أتى بقول: ربي اغفر لي مرة كفى، ولكن لابد من الطمأنينة التي هي الركود، وهكذا يقال في بقية أفعال الصلاة.
نقول في الرواية الثانية أنه استثنى القيام والقعود؛ وذلك لأنهما أطول، القعود الذي هو التشهد، الجلوس للتشهد معلوم أنه أطول من جنس السجود وجنس الركوع؛ وذلك لأنه يقرأ فيه التشهد ثم يأتي فيه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي فيه بأدعية، فهو أطول من جنس الركوع أو أدعية الركوع أو أدعية السجود. كذلك القيام،أطول أيضاً من الركوع؛ وذلك لأن فيه قراءة الفاتحة، ثم قراءة ما تيسر من القرآن، فهو أطول من جنس الركوع وجنس السجود بل يطيله إطالة كبيرة.
وأما الأحاديث التي فيها أن ركوعه بقدر قيامه، فالمراد أنه يطيل الركوع إذا أطال القيام، ويقصر الركوع إذا قصر القيام، فإذا قام في الصلاة وقرأ قراءة طويلة يعني: قدر مثلاً عشر دقائق، أو خمس عشرة دقيقة فإنه يطيل الركوع، يطيل الركوع أيضاً يعني: نحو دقيقتين، أو ثلاث دقائق. وإذا خفف القراءة جعل القراءة مثلاً قدر خمس دقائق، أو سبع دقائق، خفف الركوع وجعله دقيقة، أو ثلثي دقيقة، أو ما أشبه ذلك. هذا هو المعتاد أنه إن أطال ركني القيام والقعود أطال بقية الأركان، وإن قصر قصر.
والإطالة لها أسباب، فقد يطيل بعض الصلوات كما أطال صلاة الكسوف إطالة زائدة، وكما أطال صلاة التهجد, صلاة التهجد التي هي قيام الليل، ليلة في رمضان قرأ في ركعة واحدة نحو خمسة أجزاء: البقرة، ثم النساء ثم آل عمران أكثر من خمسة أجزاء، قرأها في قيام واحد، ثم ركع فأطال الركوع، فهذا دليل على أنه كلما أطال القيام أطال ما بعده، ولكن لا يلزم التساوي، لا يلزم مثلاً أن قيامه إذا كان نصف ساعة يكون ركوعه نصف ساعة، بل يطيله بقدره.
وبكل حال فإن الأذكار قد وردت، ورد في الركوع قوله: ((سبحان ربي العظيم)) وورد أنه يعظم فيها الرب في قوله: (( فعظموا فيها الرب))، وتعظيم الرب يكون بالألفاظ الدالة على العظمة سواء من القرآن أو من غيره، فإذا قال مثلاً في الركوع إذا قال في الركوع دعا في قوله مثلاً: ((اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض))، وما أشبه ذلك، أو قال مثلاً: {اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } إلى آخره، فهذا يعتبر تعظيماً يكون مناسباً في الركوع. وإذا أتى في السجود بالدعاء أو بالتسبيح فقد امتثل ما أمر به؛ لأنه مأمور في السجود بأن يكثر من الدعاء، سواء أدعية قرآنية كأن يقول: { ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أو أخطأنا } أو { ربنا لا تزغ قلوبنا } أو { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } أو أدعية نبوية يعني من الأدعية النبوية الواردة كقوله: (( اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً )) أو (( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت )) وما أشبه ذلك من الأدعية يعتبر أيضاًَ ممتثلاً.
فالحاصل أنه إذا.. أنه يشرع أن يشغل هذه الأركان بالذكر وبالتسبيح وبالثناء على الله تعالى وبالدعاء؛ حتى يأتي فيها بروح الصلاة وبلبها وهو الخشوع والخضوع وحضور القلب.
أما الحديث الثالث فيتعلق بإطالة ركنين وهما الرفع من الركوع، والجلسة بين السجدتين، يذكر أن أنسًا رضي الله عنه كان إذا رفع من الركوع وقف حتى يقول القائل: قد نسي؛ من طول وقوفه، وإذا جلس بين السجدتين مكث حتى يقول القائل: قد نسي؛ يعني من طول مكثه. قد يكون هذا مخالفاً لحديث البراء، فإن حديث البراء يفهم منه أن ركوعه ورفعه على حد سواء متقاربات، وكذلك سجدتيه، والجلسة بينهما، أنهما سواء متقاربات، فكيف يكون أنس مطيل لهذين الركنين حتى يقول القائل: قد نسي؟!
الجواب: أنهم رأوا كثيراً من الناس يخففون هذين الركنين تخفيفاً زائداً، فصاروا إذا رأوا من يطيلهما ظنوا أنه قد نسي، أو قد أوهم أو قد سهى، وإلا فالإطالة ليست إطالة غريبة. الآن نحن نشاهد كثيراً من الناس إذا رأيتهم يصلون الصلاة وحدهم، أو يصلون نافلة فإنك تراه مثلاً إذا ركع تراه راكعاً، ثم إذا رفع من الركوع لا تقول: صلب، بل يرفع قليلاً ثم يخر ساجداً ولا يقف، لا يتم وقوفه. هذه عادة سيئة وهي أنه يطمئن في الركوع ولا يطمئن في الاعتدال، بل يرفع قليلاً وقبل أن يصلب قائماً ينحني، ما تقول:انصلب صلبه ولا وقف، بل إذا رفع وقارب من الرفع خر ساجداً.
ومثل ذلك أيضاً تخفيفهم للجلسة بين السجدتين، فتراه مثلاً ساجداً مطمئناً في سجدته ولكن إذا رفع رأسه للجلسة بين السجدتين لم يجلس، إنما يرفع قليلاً وقبل أن يستتم جالساً يخر للسجدة الثانية، يسجد الثانية ولا يفصل بينهما بجلسة فيها طمأنينة. فكأن الذين كانوا يصلون في وقت أنس كأنهم كانوا يخففون هذين الركنين تخفيفاً زائداً عن غيرهما من الأركان، فأنكروا عليهم بفعل أنس، أنس كان يطمئن فيمكث في الرفع بعد الركوع وفي الرفع بعد السجدة الأولى مكثاً زائداً على ما يفعلونه، فإذا صلوا معه ظنوا أنه قد أوهم، وأنه قد نسي في زيادته لهذا الفعل.
فالحاصل أنا نلاحظ وتلاحظون هؤلاء الذين يخففون هذين الركنين، أو يخففون غيرهما من الأركان، فإذا لاحظت ذلك فعليك التنبيه وإخباره بأن هذه صلاة ناقصة؛ وذلك لعدم الطمأنينة فيها، فإن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، تذكرون حديث المسيء صلاته ماذا أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) ثلاث مرات كلما يعيده، ما الذي أنكر عليه؟ أنكر عليه تخفيف الصلاة وترك الطمأنينة فيها، ولهذا نبههه وقال له: ((اركع حتى تطمئن راكعاً، ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداًً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) فأكد كلمة تطمئن، الطمأنينة الثبات والركود فما لم يطمئن في أركان صلاتة فإنه كما يقال له في هذا الحديث:((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ))، فانتبهوا وفقكم الله، وكذلك نبهوا إخوانكم الذين يخففون هذه الأركان حتى تكون صلاتهم مجزئة، ومقبولة إن شاء الله.

القارئ:
بسم الله الرحمن الرحيم.
عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
وعن أبي قلابة عبدالله بن زيد الجرمي البصري قال: جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا فقال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة أصلي كيف رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، فقلت لأبي قلابه: كيف كان يصلي؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا. وكان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض. أراد بشيخهم أبا بريد عمرو بن سلمة الجرمي .
وعن عبد الله بنمالك بن بحينة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه.

الشيخ:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
فالحديث الأول عن أنس رضي الله عنه، ذكر أن صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت خفيفة تامة، وأنه ما صلى خلف إمام أخف ولا أتم من صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وذلك لأن أنسًا رضي الله عنه صلى خلفه عشر سنين كان ملازمًا له؛ لأنه كان يخدمه فكان ملازمًا له في السفر وفي الحضر، هذه المدة عشر سنين لا شك أن لها أثر، أن لها أثر في معرفة صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم صلى بعده على بعض الأئمة..خلف بعض الأئمة، كالخلفاء، وكذلك أئمة في البصرة؛ لأن أنسًا انتقل إلى البصرة واستوطنها حتى توفي بها.
فيذكر أن الذين صلى خلفهم لم تكن صلاتهم مثل صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخفة والتمام، والحاصل أنه يفيد أنها تامة، وكذلك خفيفة، تمامها أنه يتم الأركان، يتم الركوع والسجود ويطمئن فيها اطمئناناً كاملاً، ويأتي فيها بالأذكار تامة.
ثبت في حديث عن أنس نفسه رضي الله عنه أنه صلى خلف عمر بن عبد العزيز عندما كان أميراً علي المدينة، يقول: فشهد لعمر بأنه كان أشبه صلاة برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحسبوا أو فحذروا تسبيحاته في الركوع والسجود عشراً عشراً، يعني أنه إذا ركع سبح عشرًا بقوله: سبحان ربي العظيم، وإذا سجد سبح عشراً بقوله: سبحان ربي الأعلى، فهذا هو التمام...

الوجـه الثانـي

... أتم، يعني أن التمام كونه يأتي بها باطمئنان. وجد بعده من يطيل في القراءة ويخفف في الركوع وفي السجود، أو يطيل فيها جميعاً إطالة مملة، أو نحو ذلك، أنكر عليهم أنس وقال: خففوا وأتممو. لا تنقروها نقرا فتكنون مخالفين للطمأنينة، ولا تطيلونها إطالة طويلة فتكونون منفرين، بل استعملوا الوسط الذي هو التمام، والتخفيف الذي ليس بمنفر.
وقد تقدم أن بعضهم استدل بحديث معاذ في النهي عن الإطالة على النقر، أنهم استدلوا به على النقر في الصلاة النقر الشديد فيقال: ليس الأمر مع هؤلاء النقارين الذين ينقرون الصلاة نقراً، ولا مع أولئك المنفرين الذين يمكث أحدهم في الصلاة ساعة أو أكثر فيكون بذلك منفراً، بل الوسط هو خير الأمور. وبعد الأذان نكمل.
في الحديث الثاني: حديث أبي قلابة ذكر أن مالك بن الحويرث جاءهم في مسجدهم وصلى بهم، ولم يكن قصده أن يصلي في ذلك الوقت، ولكن قصده أن يعلمهم صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنته التي تلقاها عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان مالك بن الحويرث ممن تأخر إسلامهم، فهو وفد إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنة العاشرة في آخر حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان من أهل البحرين أي من أهل الشرق في ذلك الوقت، لا يأتون إلا من مكان بعيد، يأتون بجهد ويقطعون مسافة طويلة في زمن طويل، يقول مالك بن الحويرث: إننا أتينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقمنا عنده عشرين يوماً، فلما رأى أنا قد اشتقنا إلى أهلنا قال: ((لو رجعتم إلى أهليكم وعلمتموهم ما تعلمتم)) وقال لهم:((صلوا إذا حضرت الصلاة،فليؤذن لكم وليؤمكم أكبركم)) وأمرهم بقوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فأخبرهم بأنه عليهم أن يقتدوا به في هذه الصلاة التي تلقوها بالفعل وكذلك تعلموا بقية الأحكام بالقول، فأمرهم في هذه الحال بأن يقتدوا به.
لاحظ..أو جاء مالك بن الحويرث إلى مسجد أبي قلابة وبين لهم الصلاة فصلى بهم، ثم إن الذين رووا عن أبي قلابة سألوه ما كيفية صلاة مالك بن الحويرث؟ فأخبر بأنه يصلي بهم كما يصلي بهم شيخهم في ذلك الوقت إماما كبير السن، الشيخ: يراد به الطاعن في السن، إذا قالوا: شيخنا فالمراد به كبير السن، هذا هو الشيخ في اللغة، ليس المراد به العالم، فأطلق عليه شيخًا لكونه كبير السن.
وكان عمرو بن سلمة هذا أبو بريد عمرو بن سلمة الجرمي كان قد أسلم في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن لم يره ولم تثبت صحبته لكونه صغيراً، ذكر أنه كان في صغره يتلقى الركبان ويتعلم منهم القرآن الذي تعلموه، فحفظ قرآناً كثيراً أكثر من غيره، فلما جاء وفدهم من عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: إنه يقول: يؤمكم أقرؤكم، أو أكثركم قرآناً لم يجدوا أكثر من عمرو بن سلمة فقدموه إماماً لهم مع صغر سنه كما ذكر في بعض الروايات أنه كان صغير السن، ولكنه كان أكثرهم قرآناً فقدموه.
ثم ذكر أنه ما صحب قوماً بعدهم إلا صار إماماً لهم، كل من صحب قدموه ورضوا بإمامته، فكان يصلي بالمسجد الذي فيه أبو قلابة، أبو قلابه تلميذ لأنس، وتلميذ للصحابي وهو من أجلاء التابعين.
فالحاصل أنه ذكر أن عمرو بن سلمة في صلاته كان إذا نهض من السجدة الثانية ليقوم للركعة الثانية جلس قبل أن ينهض، لم ينهض حتى يستوي جالساً، هكذا كان يفعل شيخهم ذلك الذي هو عمرو بن سلمة. فاستدلوا بهذا على مشروعية هذه الجلسة، وسموها جلسة الاستراحة، وقد اختلفوا في مشروعيتها، هل تشرع جلسة الاستراحة التي فعلها عمرو بن سلمة أم لا؟ وهل عمرو بن سلمة تلقاها عن أحد أو فعلها استحساناً؟ وهل إقرار أبي قلابه أو تشبيه أبي قلابة لصلاته بصلاة مالك بن الحويرث في جميع الصلاة كلها حتى في هذه الجلسة، أو في معظم الصلاة وفي كيفيتها، في طولها وفي قصرها، وما أشبه ذلك؟
الأقرب أن أبا قلابة يقول: إن صلاة عمرو بن سلمة أقرب إلى صلاة مالك بن الحويرث وأشبه بها، في كونه يطمئن وفي كونه يتم الركوع والسجود وفي كونه يقرأ كما يقرأ، وفي كونه يخشع فيها، ولا يمكن أنه لم يذكر أو لم يذكر أن من فعله هذه الجلسة،وإنما ذكرها الذي روى عن أبي قلابة، يعني نقل عن عمرو بن سلمة أنه كان يجلس هذه الجلسة، فبعض العلماء ذهب إلى استحباب جلسة الاستراحة كالشافعية، ورأوا أنها من سنن الصلاة، إذا قام من الركعة الأولى قبل أن ينهض جلس ثم قام، وإذا قام من الركعة الثالثة قبل أن ينهض جلس ثم قام.
وأكثر الأئمة..الأئمة الآخرون لم يستحبوها ورأوا أنها ليست مستحبة ولا مشروعة وقالوا: إنها لم تذكر في الأحاديث، وان الأحاديث الكثيرة والسنة التي فيها صفة صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تذكر فيها هذه الجلسة، فدل على أن عمرو بن سلمة ما فعلها عن دليل، وإنما فعلها عن كبر؛ لأنه كان قد طعن في السن ففعلها لأجل أن يرتاح قبل أن ينهض، فكان هذا هو السبب في فعله لها. وعلى هذا لا تكون من سنن الصلاة، وبعض العلماء قال: ما دام أن أبا قلابة شبه صلاة عمرو بصلاة مالك،ومالك صحابي، فإنا نثبتها كما أثبتها، ولكن نقول: لعلها خاصة بكبير السن، أو بمن احتاج إليها لضعف أو نحو ذلك، فأباحوها لمن هو كبير السن كحال عمرو بن سلمة، أو لمن هو مريض يشق عليه النهوض بسرعة من السجود أن ينهض من السجود، وإلا فالثابت المتواتر في صفة صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يكن يجلس، بل كان إذا قام من السجدة الثانية نهض واعتمد على ركبتيه واستتم قائماً، هذا هو المعتاد.
فإذن عرفنا أن فيها ثلاثة أقوال: قول للشافعية استحبوها لأجل فعل عمرو بن سلمة، وقول لأكثر الأئمة لم يستحبوها، وتوسط آخرون وقالوا: يفعلها من هو عاجز لكبر أو مرض، ومن ليس كذلك لا يفعلها، هذا هو القول الوسط الذي جمعوا به بين القولين.
أما الحديث الثالث ففيه صفة سجود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا شك أن السجود، السجود في الصلاة أنه ركن من أركان الصلاة وأنه أهم أركانها، ولذلك من أهميته أنه يكرر في كل ركعة، في كل ركعة يأتي بسجودين مع أنه لا يأتي إلا بركوع، ما يكرر الركوع، ولكن السجود يكرر لماذا؟ لأهميته ولفضله، وقد ورد التعبد بالسجود وحده مما يدل على أنه أفضل العبادات كسجود التلاوة وسجود الشكر، سجدة واحدة يسجد فيها من غير أن يسبقها تحريم ولا ركوع ولا غير ذلك.
كذلك أيضاً جعل جابرًا للصلاة في سجود السهو مما يدل على أهمية السجود، ورد أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) وأمر في السجود بكثرة الدعاء في قوله صلى الله عليه وسلم:((إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأماالسجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم )) يعني حري أن يستجاب لكم إذا دعوتم الله في حالة السجود؛ وذلك لأنكم في تلك الحال متواضعون، العبد غاية تواضعه إذا وضع وجهه على الأرض؛ وذلك لأن وجه الإنسان هو أشرف أعضائه، وهو أرفعها وهو مجمع حواسه، فإذا تواضع ووضع وجهه على الأرض كان ذلك غاية التواضع وغاية التعبد.
ولأجل ذلك ورد في صفة السجود ما يدل، أو ما يسبب كمال الخشوع وكمال الذل، فمنها تقدم أنه يسجد على سبعة أعضاء، يمكن هذه الأعضاء من الأرض. ومنها أنه يرفع ذراعيه، تقدم أنه عليه الصلاة والسلام كان يرفع ذراعيه عن الأرض ونهى أن يبسط الرجل ذراعيه في السجود كانبساط الكلب. ومنها أنه كان عليه الصلاة والسلام يتجافى في السجود فكان يرفع رجليه..ينصب رجليه ويسجد على بطون أصابعه، وكان يرفع فخذيه عن ساقيه ويرفع.. أو يجافي بطنه عن فخذيه، ويجافي عضديه عن جنبيه، ويتفرج حتى يبدو بياض إبطيه, أحيانا ما يكون عليه إلا رداء، فإذا تفرج بيديه ظهر إبطه من وراء الرداء فبدى بياض إبطيه من شدة تفرجه ومن شدة مجافاته ليديه عن جنبيه.
وهذه الصفة هي الصفة المعتدلة، الصفة المتميزة بالاعتدال، يعني أنها الوسط، فهذه المجافاة يفعلها بقدر استطاعته، فإذا كان إماما تمكن من التجافي، يعني إبعاد عضديه عن جنبه تمكن من ذلك.
أما إذا كان مأموما فالغالب أنه لا يتمكن تمكنا زائدا؛ وذلك لأن المأمومين، المأمومين يصف بعضهم بجانب بعض، ويؤمرون بأن يتراصوا ولا يتركوا بينهم خللا، يؤمرون بذلك فلا يتمكن كل منهم في السجود من المجافاة الكثيرة، بل يتجافون بقدر ما يستطيعون، فكل منهم يجافي جنبه يجافي عضديه عن جنبيه بقدر استطاعته، سواء قلت المجافاة أو كثرت بقدر ما يستطيعه.
أما بالنسبة لمجافاة البطن عن الفخذين، والفخذين عن الساقين فإنها تكون متوسطة، وقد وصفت في بعض الروايات بأن ينصب فخذيه، أن تكون فخذاه منتصبة يعني: قائمة، يعتمد على ركبته، ويكون فخذه كشبه مرتفعا، يعني قائم لا يميل إلى جهة الساق ولا يميل إلى جهة الأرض، فإن في ميله إلى جهة الأرض شيء من المشقة والصعوبة عليه، وفي ميله إلى جهة الفخذ.. الساق شيء من الكسل أو نحو ذلك
فنرى أن بعض الناس إذا سجد أبعد موضع جبهته بعدا زائدا كمتر أو نحوه ، ففي ذلك شيء من المشقة حيث يشق على نفسه، حتى ربما تجاوز الفراش الذي هو يصلي عليه فسجد على الفراش الثاني، وربما ضايق الصف الذي أمامه إذا كان في الصف الثاني ونحو ذلك، ونرى أن بعضا آخرين يسجد أحدهم قرب ركبتيه، يجعل رأسه، أو وجهه، أو ذقنه قرب ركبتيه فلا يحصل بذلك مجافاة، ولكن الوسط هو الوسط الاعتدال، إذا جعلت بين رأسك وبين ركبتيك مثلا قدر نصف متر، أو نحو ذلك، كان فيه شيء من الاعتدال، وليس فيه شيء من المشقة. هذا هو التفرج الذي ذكر في هذه الأحاديث.

القارئ:
عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم.
وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة ابنة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي العاصي بن الربيع بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب))

الشيخ:
هذه من أحاديث صفة الصلاة كما عرفنا متلقاة عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله ومن فعله، أكثرها أخذت من أفعاله حيث أنه القدوة عليه الصلاة والسلام، وأنه يقول: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) والله يقول: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} {وما آتاكم الرسول فخذوه} فمن ذلك الصلاة في النعلين، كان عليه الصلاة والسلام يصلي في نعليه، كانت النعال في عهده من جلود الإبل، وكانوا يقطعونها بأيديهم، يعني يخرزها الخراز، يقطع قطعا على قدر القدم، ويجعلها مثلا ثلاثة أطباق، أو أربعة، ثم يجعل فيها سيورا في حافاتها، وفي وسطها، تمسك بعضها ببعض، ويجعل لها شسعا وشراكا.
الشسع: السير الذي يمسك النعل من الخلف فوق العقب.
والشراك: الذي يمسك النعل فوق الأخمص وبين الأصبعين بين الأصابع المقدمة، ويربط فوق الأخمص.
الأخمص: الذي هو وسط القدم، والمنخفض من القدم.
ويحتاجون إلى شدها بتلك السيور وإحكامها وعقدها من الخلف، من خلف القدم وفوق الأخمص، فإذا لبسها فمن المشقة عليه أن يخلعها، فلأجل ذلك كان يصلي بها، وكان يدخل بها المجالس ويجلس بها، وكذلك صحابته كانوا يصلون بالنعال، وما ذاك إلا أنها يصعب لبسها ويصعب خلعها في كل حين؛ لما ذكرنا من كونها تحتاج إلى رباط وعقد فوق الأخمص، وكذلك فوق العقب بتلك السيور التي من أسمائها الشراك والشسع. فلأجل ذلك رأى أن من الأسهل عليهم الصلاة فيها.
ثم اشترط لذلك شرطا وهو تفقدها عن الأذى، في بعض الأحاديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((إذا أتى أحدكم إلى المسجد فليقلب نعليه، فإن رأى فيهما أذى أو قذرا فليمسحه وليصلي فيهما)) فأمر بتفقدهما بأن يقلبها وأن ينظر فيها، وأن يتحقق من نظافتها ومن نزاهتها، ثم بعد ذلك له أن يصلي فيها.
كذلك ثبت أيضا أنه صلى الله عليه وسلم أباح الصلاة فيها أو أمر بذلك مخالفة لليهود فقال: ((إن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم)) أي فصلوا في نعالكم مخالفة لهم، فجعل ذلك مقصدا من مقاصد الشريعة.
نقول: هذا التشدد لا ينبغي، بل الحذاء إذا كانت نظيفة فلا مانع من دخول المساجد والبيوت بها، بشرط التنظيف ونحو ذلك، وإنما جعلت عند الأبواب ونحو ذلك لما رؤي من التساهل من بعض الناس أو من كثير منهم. ففي هذا الحديث أنه عليه السلام كان يصلي في نعليه، يصلي فيهما قيامًا وقعودًا وركوعًا وسجودًا.
وحدث مرة أنه خلع نعليه في الصلاة فخلع الصحابة نعالهم، فأخبرهم بأن جبريل أخبره بأن فيها قذر أو أذى فخلعها، فدل على أنه إذا صار فيها شيء من القذر فإنه يخلعها، ويستمر في صلاته. هذا ما يتعلق بالصلاة في النعال.
أما الحديث الذي بعده يتعلق بشيءٍ من العمل في الصلاة، روى أبو قتادة هذا الحديث، ذكر فيه أن المسلمين بينما هم ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم لإقامة الصلاة خرج عليهم وقد حمل هذه الطفلة، حملها على يده، وهي طفلة هو جدّها اسمها أُمامة بنت زينب، أمها زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، أبوها أبو العاصي بن ربيع بن عبد شمس، وهو أول من صاهر النبي صلى الله عليه وسلم، هو زوج زينب بنته، تزوجها بمكة، ولم يسلم مع من أسلم، فإن صهره عثمان رضي الله عنه أسلم في أول الأمر، وأما أبو العاصي فبقي على دين قومه، وخرج معهم لما خرجوا في غزوة بدر وأسره المسلمون، أوثقوه وقدموا به المدينة وهو مع الأسرى.
وأرسلت زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم قلادة من ذهب أو من خرز أعطتها أمها خديجة لها فأرسلتها في فداء زوجها، فمنّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم واشترط عليه أن يبعث إليه زينب، فبعث بها، وبقي إلى أن أسلم قبيل سنة الفتح، فردها عليه. وماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
والحاصل أنه كان لها هذه الابنة التي هي أُمامة، كانت عندما جاءت أُمها من مكة مهاجرة كانت طفلة وكان عليه الصلاة والسلام يلين مع الأطفال ويحملهم ويقبلهم، وسيما من له به صلة وقرابة، وذلك دليل على كمال شفقته وكمال رقة قلبه مع الأطفال، وقد ثبت أنه صلى الله عليه مرة قبل الحسن بن علي فقال لـه الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا فقال: ((من لا يرحم لا يرحم)) أو قال: ((أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة))، فمن رحمته ومن شفقته على هذه الطفلة أنه تقدم وهو حاملها على يده وسوى الصفوف وهو حاملها، وكبر بالصلاة بالتحريمة وهي على يده، وقرأ حتى أراد أن يركع فوضعها على الأرض فركع وسجد وهي على الأرض. ولما قام للركعة الثانية قام بها، حملها معه واستمر حاملاً لها إلى أن ركع فَوضعها، فإذا قام حملها وإذا سجد أو ركع وضعها.
لاشك أن هذا شيء من العمل، ولكنه عمل يسير فيتسامح به، فاستفاد العلماء من ذلك أولاً: شفقة النبي صلى الله عليه وسلم ورقته ورحمته بالأطفال والصغار. واستفادوا من ذلك جواز حمل الصبي إذا كانت ثيابه وبدنه طاهرة.
لاشك أنه تأكد تأكد من طهارة ثيابها ومن طهارة بدنها؛ لأنه لا يجوز أن يحمل الإنسان شيئًا فيه نجاسة بل لا يحمل النجاسة حتى ولو كانت في قارورة أو في خرقة مثلاً في جيبه أو نحو ذلك لا يجوز حملها، فأما إذا كانت طاهرة فلا بأس، فهذه لا بد أنه تأكد من نظافتها، معلوم أن الطفل لا يملك أن يحدث أو نحو ذلك، فحدث الطفل مثلاً يعني الحدث الذي ينقض الوضوء لا يبطل بذلك صلاةُ من يحمله، فلذلك حملها والحال هذه.
فاستدلوا بذلك أيضاً على إباحة العمل اليسير، عمله هنا كونه إذا أراد أن يقوم حملها أي وضعها على يده وضمها مثلاً إلى صدره أو إلى جنبه وقام وهو حاملا لها، كذلك أيضاً إذا أراد أن يركع وضعها على الأرض بيديه أو بيده، هذا أيضاً شيء من الشغل وشيء من العمل، فمثل هذا العمل اليسير يُتسامح فيه ويعرف منه أنه لا ينافي الخشوعَ في الصلاة، وليست الحركةُ هذه حركة مبطلةً للصلاة.
الحركة المبطلة للصلاة هي الكثيرة المتوالية كأن يمشي خطوات متوالية بغير حاجة مثلاً، وكأن يكثر من الالتفاف وكأن يكثر من العمل، العمل الذي بيديه مثلاً في تسوية عمامة أو تسوية عباءته أو تسوية شعر رأسه: لفّه مثلاً أو لويه، أو كثرة حركته بيديه أو تشبيك أصابعه: إدخال بعضها في بعض، أو فرقعتها: يعني لويها حتى تصوت مثلاً، أو كثرة مراوحة رجليه ورفع قدم ووضع قدم، أو شغله مثلاً بشيء يشغل قلبه، ككثير من الناس في كل حين ينظر إلى ساعته التي في ذراعه مثلاً، أو يحرك شيئًا من ثيابه أو من بدنه أو ما أشبه ذلك. لاشك أن كثرة الحركة تبطل الصلاة إذا توالت.
ثبت أن حذيفة رضي الله عنه رأى رجلاً يكثر الحركة فقال: منذ كم تصلي؟ قال: منذ ستين سنة، فقال: لو مت لمت على غير الفطرة.
وفي حديث أنه عليه السلام رأى رجلاً كثير الحركة فقال: ((لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه))، فأما الحركة اليسيرة مثل هذه الحركة فلا تنافي الصلاة.
قد ثبت أيضًا أنه عليه الصلاة والسلام في صلاة النفل إذا طرقت عائشة الباب تقدم وفتح الباب لها، يعني خطوة أو نصف خطوة ومد اليد وفتح الباب لها، هذا أيضًا عمل يسير. وثبت أيضًا أنه عليه السلام كان مرة يصلي وقد بعث أحد أصحابه يلتمس خبرًا فجعل يلتفت إلى ذلك الشعب الذي بعثه معه وينظر هل جاء، يلتفت التفاتًا يسيرًا، فمثل هذا الالتفات اليسير لا يبطل الصلاة وكذلك النظر.
المصلي مأمور بأن يأتي بالأسباب التي يحصل بها حضور قلبه ويخشع في صلاته، وذلك بكثرة الذكر والقراءة وتأمل ما يقول، وكذلك أيضًا بقلة الحركة وبسكون الأعضاء.
أُمر المصلي بأن يجعل يديه على صدره فيمسك إحداهما بالأخرى ويضعهما على صدره حتى يسكن حركته، ويصفَ قدميه ولا يراوح بينهما إلا لضرورة، أُمر أيضًا بأن ينظر إلى موضع سجوده ليكون ذلك أجمع لقلبه؛ حتى لا يتشتت عليه إذا رفع بصره، نهي أيضًا عن رفع البصر وعن النظر إلى السماء حتى هُدد على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء أو لتخطفن))، وفي رواية: ((أو لا ترجع إليهم أبصارهم))؛ وذلك كله محافظة على أسباب حضور القلب وعلى الخشوع في الصلاة.
من سنن الصلاة قبض اليد اليسرى باليد اليمنى ووضعهما على الصدر، أو على البطن، هذا من السنن وليس من الواجب، والدليل على أنه يجوز تركه ما في هذه القصة، فمعلوم أن الأغلب من الذي يحمل شيئًا ثقيلاً كحمل طفل ونحو ذلك أنه يحمله بيد، فاليد الأخرى لا يمكن أن يقبضها، فدل على أن قبض اليدين ووضعها على البطن من السنن يسقط إذا اشتغل الإنسان بمثل هذا أو إذا لم يتيسر لـه ذلك لبعض الأسباب.
هذا عند الجمهور. المذهب المالكي: أنه لا يُسن، تجدون المالكية يسدلون أيديهم، في صلاتهم يدلون أيديهم ولا يرفعونها ولا يقبضونها ويزعمون أن ذلك هو مذهب مالك.
قد ذكر العلماء أن مالكًا رحمه الله لم يكن يقبض يديه لعذر، لا أن ذلك من السنة؛ وذلك لمرض في يديه، لأنه لما أذي أذي وضرب بأمر بعض الخلفاء،كانت الضربات في عضديه وفي يديه وفي ذراعيه، فتأثر منهما، هذا هو الظاهر، فرأى أن الأيسر والأسهل عليه أن يدلي يديه ويسدلهما في حالة الوقوف وفي حالة الرفع بعد الركوع.
فأخذ ذلك بعض أصحابه وجعلوا ذلك سنة له واقتدوا بفعله في ذلك، هكذا اعتذر بعضهم، وإلا فقد ثبت في الحديث الذي في الموطأ نفسه أنه نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبض يده اليسرى بيده اليمنى يقبضها، فدل على أنه لا يروي ذلك ويترك العمل به، فعلى كل حال هذا من سنن الصلاة. هذه من نوافل أو من صفات الصلاة .


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:00 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir