دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ذو القعدة 1429هـ/19-11-2008م, 08:39 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب شروط الصلاة

بابُ شروطِ الصلاةِ
شروطُها قَبْلَها منها الوقتُ والطهارةُ من الْحَدَثِ والنَّجَسِ، فوَقتُ الظهرِ من الزوالِ إلى مُساواةِ الشيءِ فَيْئَه بعدَ فَيْءِ الزوالِ، وتَعْجِيلُها أَفْضَلُ إلا في شِدَّةِ حَرٍّ، ولَوْ صَلَّى وَحْدَه أو مع غَيْمٍ لِمَنْ يُصَلِّي جماعةً. ويَليهِ وقتُ العَصْرِ إلى مَصيرِ الْفَيْءِ مِثْلَيْهِ بعدُ في الزوالِ، والضرورةُ إلى غروبِها، ويُسَنُّ تَعجيلُها، ويَلِيهِ وقتُ المغرِبِ إلى مَغيبِ الْحُمرةِ، ويُسَنُّ تَعجيلُها إلا ليلةَ جَمْعٍ لِمَنْ قَصَدَها مُحْرِمًا، ويَليهِ وَقْتُ العِشاءِ إلى الفَجْرِ الثاني وهو البَياضُ الْمُعْتَرِضُ، وتأخيرُها إلى ثُلُثِ الليلِ أَفْضَلُ إن سَهُلَ، ويَليهِ وقتُ الفجْرِ إلى طُلوعِ الشمسِ، وتَعجيلُها أَفْضَلُ.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 05:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.......................

  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 05:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

بابُ شُرُوطِ الصَّلاةِ

الشَّرْطُ: ما لا يُوجَدُ المَشْرُوطُ معَ عَدَمِه، ولا يَلْزَمُ أنْ يُوجَدَ عِنْدَ وُجُودِه.
(شُرُوطُهَا)؛ أي: ما يَجِبُ لها (قَبْلَهَا)؛ أي: تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا وتَسْبِقُهَا, إلاَّ النِّيَّةَ, فالأَفْضَلُ مُقَارَنَتُها للتَّحْرِيمَةِ, ويجبُ استِمْرَارُهَا؛ أي: الشُّرُوعُ فيها، وبهذا المَعْنَى فَارَقَتِ الأَرْكَانَ.
(مِنْهَا)؛ أي: مِن شُرُوطِ الصَّلاةِ: الإسلامُ، والعَقْلُ، والتَّمْيِيزُ، وهذه شُرُوطٌ في كُلِّ عبادةٍ, إلاَّ التَّمْيِيزَ في الحَجِّ, ويأتِي؛ ولذلك لم يَذْكُرْهَا كَثِيرٌ مِن الأصحابِ هنا.
ومِنْهَا: (الوَقْتُ), قالَ عُمَرُ: الصَّلاةُ لها وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لها, لا تَصِحُّ إلا بهِ، وهو حديثُ جِبْرِيلَ حِينَ أَمَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ في الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ ثُمَّ قالَ: (يَا مُحَمَّدُ، هذا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ)، فالوَقْتُ سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلاةِ؛ لأنَّها تُضَافُ إليهِ, وتَتَكَرَّرُ بتَكَرُّرِه.
(و) منها: (الطَّهَارَةُ مِن الحَدَثِ)؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)). مُتَّفَقٌ عليه.
(و) الطَّهَارَةُ مِن (النَّجَسِ), فلا تَصِحُّ الصَّلاةُ معَ نَجَاسَةِ بَدَنِ المُصَلِّي أو ثَوْبِه أو بُقْعَتِه, ويَأْتِي.
والصَّلَوَاتُ المَفْرُوضَاتُ خَمْسٌ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ، ولا يجبُ غَيْرُها إلا لعَارِضٍ؛ كالنَّذْرِ، (فوَقْتُ الظُّهْرِ)- وهي الأُولَى- (مِن الزَّوَالِ)؛ أي: مَيْلِ الشَّمْسِ إلى المَغْرِبِ, ويَسْتَمِرُّ (إلى مُسَاوَاةِ الشَّيْءِ) الشَّاخِصِ (فَيْئَهُ بَعْدَ فَيْءِ الزَّوَالِ)؛ أي: بعدَ الظِّلِّ الذي زَالَتْ عليهِ الشَّمْسُ.
اعْلَمْ أنَّ الشَّمْسَ إذا طَلَعَتْ رُفِعَ لكُلِّ شَاخِصٍ ظِلٌّ طَوِيلٌ مِن جَانِبِ المَغْرِبِ، ثُمَّ ما دَامَتِ الشَّمْسُ تَرْتَفِعُ فالظِّلُّ يَنْقُصُ، فإذا انتَهَتِ الشَّمْسُ إلى وَسَطِ السَّمَاءِ –وهي حَالَةُ الاستِوَاءِ- انتهَى نُقْصَانُه، فإذا زادَ أَدْنَى زِيَادَةٍ؛ فهو الزَّوَالُ، ويَقْصُرُ الظِّلُّ في الصَّيْفِ لارتِفَاعِهَا إلى الجَوِّ، ويَطُولُ في الشِّتَاءِ, ويَخْتَلِفُ بالشَّهْرِ والبَلَدِ.
(وتَعْجِيلُها أَفْضَلُ), وتَحْصُلُ فَضِيلَةُ التَّعْجِيلِ لتَأَهُّبِ أوَّلِ الوَقْتِ, (إلاَّ في شِدَّةِ الحَرِّ), فيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُها إلى أن يَنْكَسِرَ؛ لحديثِ: ((أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ)).
(ولو صَلَّى وَحْدَهُ) أو في بَيْتِه (أو معَ غَيْمٍ, لِمَن يُصَلِّي جَمَاعَةً)؛ أي: ويُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُها معَ غَيْمٍ إلى قُرْبِ وَقْتِ العَصْرِ لمَن يُصَلِّي جَمَاعَةً؛ لأنَّه وَقْتٌ يُخَافُ فيه المَطَرُ والرِّيحُ، فطَلَبَ الأَسْهَلَ بالخُرُوجِ لهما معاً، وهذا في غَيْرِ الجُمُعَةِ, فيُسَنُّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقاً.
(ويَلِيهِ)؛ أي: يَلِي وَقْتَ الظُّهْرِ (وَقْتُ العَصْرِ) المُخْتَارُ مِن غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا ويَسْتَمِرُّ (إلى مَصِيرِ الفَيْءِ مِثْلَيْهِ بعدَ فَيْءِ الزَّوَالِ)؛ أي: بَعْدَ الظِّلِّ الذي زَالَت عليه الشَّمْسُ.
(و) وَقْتُ (الضَّرُورَةِ إلى غُرُوبِهَا)؛ أي: غُرُوبِ الشَّمْسِ، فالصَّلاةُ فيهِ أَدَاءٌ، لكنْ يَأْثَمُ بالتَّأْخِيرِ إليهِ لغَيْرِ عُذْرٍ, (ويُسَنُّ تَعْجِيلُها) مُطْلقاً، وهي الصَّلاةُ الوُسْطَى.
(ويليه وَقْتُ المَغْرِبِ), وهي وِتْرُ النَّهَارِ,ويَمْتَدُ (إلى مَغِيبِ الحُمْرَةِ)؛ أي: الشَّفَقِ الأَحْمَرِ، (ويُسَنُّ تَعْجِيلُها إلاَّ لَيْلَةَ جَمْعٍ)؛ أي: مُزْدَلِفَةَ, سُمِّيَتْ جَمْعاً؛ لاجتِمَاعِ النَّاسِ فيها، فيُسَنُّ (لمَن) يُبَاحُ له الجَمْعُ و(قَصَدَها مُحْرِماً), تَأْخِيرُ المَغْرِبِ؛ ليَجْمَعَهَا معَ العِشَاءِ تَأْخِيراً قَبْلَ حَطِّ رَحْلِه.
(ويَلِيهِ وَقْتُ العِشَاءِ إلى) طُلُوعِ (الفَجْرِ الثَّانِي), وهو الصَّادِقُ, (وهو البَيَاضُ المُعْتَرِضُ) بالمَشْرِقِ ولا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ، والأوَّلُ مُسْتَطِيلٌ أَزْرَقُ له شُعَاعٌ, ثُمَّ يُظْلِمُ، (وتَأْخِيرُهَا إلى) أن يُصَلِّيَهَا في آخِرِ الوَقْتِ المُخْتَارِ، وهو (ثُلُثُ اللَّيْلِ, أَفْضَلُ إِنْ سَهُلَ), فإن شَقَّ- ولو بَعْضَ المَأْمُومِينَ- كُرِهَ، ويُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا والحديثُ بَعْدَها, إلاَّ يَسِيراً، أو لشُغْلٍ, أو معَ أَهْلٍ ونَحْوِه، ويَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ الثُّلُثِ بلا عُذْرٍ؛ لأنَّه وَقْتُ ضَرُورَةٍ، (ويَلِيهِ وَقْتُ الفَجْرِ) مِن طُلُوعِه (إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ) مُطْلَقاً، ويجبُ التَّأخيرُ لتَعَلُّمِ فَاتِحَةٍ أو ذِكْرٍ وَاجِبٍ أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُه في الوَقْتِ، وكذا لو أَمَرَهُ وَالِدُه به؛ ليُصَلِّيَ به، ويُسَنُّ لِحَاقِنٍ ونَحْوِه معَ سَعَةِ الوَقْتِ.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 02:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

باب شروط الصلاة([1])

الشرط ما لا يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده([2]).
(شروطها) أي ما يجب لها (قبلها) أي تتقدم عليها وتسبقها، إلا النية فالأفضل مقارنتهما للتحريمة([3]).
ويجب استمرارها أي الشروط فيها([4]) وبهذا المعنى فارقت الأركان([5]) (منها) أي من شروط الصلاة الإسلام والعقل والتمييز وهذه شروط في كل عبادة([6]) إلا التمييز في الحج ويأتي([7]) ولذلك لم يذكرها كثير من الأصحاب هنا([8]) ومنها (الوقت) ([9]).
قال عمر: الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به([10]) وهو حديث جبرئيل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ثم قال: «يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك»([11]).
فالوقت سبب وجوب الصلاة([12]) لأنها تضاف إليه([13]).
وتتكرر بتكرره([14]) (و) منها (الطهارة من الحدث)([15]) لقوله صلى الله عليه وسلم «لايقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» متفق عليه([16]).
(و) الطهارة من (النجس)([17]) فلا تصح الصلاة مع نجاسة بدن المصلي أو ثوبه أو بقعته ويأتي([18]) والصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة([19]).
ولا يجب غيرها([20]) إلا لعارض كالنذر([21])
(فوقت الظهر) وهي الأولى([22]) (من الزوال) أي ميل الشمس إلى المغرب([23]) ويستمر (إلى مساواة الشيء) الشاخص (فيئه بعد فيء الزوال)([24]) أي بعد الظل الذي زالت عليه الشمس([25]).
اعلم أن الشمس إذا طلعت رفع لكل شاخص ظل طويل من جانب المغرب، ثم ما دامت الشمس ترتفع فالظل ينقص، فإذا انتهت الشمس إلى وسط السماء وهي مسألة الاستواء انتهى نقصانه([26]) فإذا زاد أدنى زيادة فهو الزوال([27]) ويقصر الظل في الصيف([28]) لارتفاعها إلى الجو([29]) ويطول في الشتاء([30]).
ويختلف بالشهر والبلد([31]) (وتعجيلها أفضل)([32]) وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب أول الوقت([33])، (إلا في شدة حر) فيستحب تأخيرها إلا أن ينكسر([34]) لحديث «أبردوا بالظهر»([35])(ولو صلى وحده) أو في بيته([36]).
(أو مع غيم لمن يصلي جماعة) أي ويستحب تأخيرها مع غيم إلى قرب وقت العصر لمن يصلي جماعة([37]) لأنه وقت يخاف فيه المطر والريح: فطلب الأسهل بالخروج لهما معا([38]) وهذا في غير الجمعة فيسن تقديمها مطلقا([39]) (ويليه) أي يلي وقت الظهر (وقت العصر) المختار([40]) من غير فصل بينهما([41]) ويستمر (إلى مصير الفيء مثليه بعد في الزوال) أي بعد الظل الذي زالت عليه الشمس([42]) (و) وقت (الضرورة إلى غروبها) أي غروب الشمس فالصلاة فيه أداء([43]).
لكن يأثم بالتأخير إليه لغير عذر([44]) (ويسن تعجيلها) مطلقا([45]) وهي الصلاة الوسطى([46]).
(ويليه وقت المغرب)([47]) وهي وتر النهار([48]) ويمتد (إلى مغيب الحمرة) أي الشفق الأحمر([49]).
(ويسن تعجيلها([50]) إلا ليلة جمع) أي مزدلفة([51]) سميت جمعا لاجتماع الناس فيها([52]) فيسن (لمن) يباح له الجمع([53]) و(قصدها محرما)([54]) تأخير المغرب ليجمعها مع العشاء تأخيرا([55]) قبل حط رحله([56]) (ويليه وقت العشاء إلى) طلوع (الفجر الثاني)([57]) وهو الصادق([58])، (وهو البياض المعترض) بالمشرق ولا ظلمة بعده([59]) والأول مستطيل أزرق([60]) له شعاع ثم يظلم([61]).
(وتأخيرها) إلى أن يصليها في آخر الوقت المختار وهو (ثلث الليل أفضل إن سهل)([62]).
فإن شق ولو على بعض المأمومين كره([63]) ويكره النوم قبلها([64]) والحديث بعدها([65]) إلا يسيرا أو لشغل([66]) أو مع أهل ونحوه([67]).
ويحرم تأخيرها بعد ثلث الليل بلا عذر([68]) لأنه وقت ضرورة([69]) (ويليه وقت الفجر)([70]) من طلوعه (إلى طلوع الشمس([71]) وتعجيلها أفضل) مطلقا([72]) ويجب التأخير لتعلم فاتحة أو ذكر واجب، إن أمكنه تعلمه في الوقت([73]).
وكذا لو أمره والده به ليصلي به([74]) ويسن لحاقن ونحوه مع سعة الوقت([75])


([1]) أجمع الأئمة على أن للصلاة شرائط لا تصح إلا بها، وهي التي تقدمها، ويأتي تفصيلها، والشروط جمع شرط، كفلوس جمع فلس، والشرائط جمع شريطة، كفرائض جمع فريضة، والأشراط واحدها شرط، وهو لغة العلامة، سمي شرطا، لأنه علامة على المشروط، ومنه (فقد جاء أشراطها) أي علاماتها.

([2]) هذا هو المشهور فإذا عدمت الشروط أو بعضها عدمت الصلاة، ولا يلزم من وجودها وجود الصلاة، ويقال: تعليق أمر بأمر كل منهما في المستقبل، يعني إذا وجد الشرط صحت الصلاة، ويعبر عنه أيضا بإلزام الشيء والتزامه وهو عقلي كالحياة للعلم، ولغوي كإن دخلت الدار فأنت طالق، وشرعي وهو ما يتوقف عليه صحة مشروطة إن لم يكن عذر، كالطهارة للصلاة، ولا يدخل فيه ولا يؤثر فيه، ولا يوصل إليه في الجملة، والشرط مع المشروط كالصفة مع الموصوف، والشرط والفرض يشتركان في توقف الماهية عليهما، ويفترقان في أن الشرط يكون خارج الماهية، والفرض داخلها، وأيضا فالشرط يجب استصحابه في الماهية من أولها إلى آخرها، والفرض ينقضي ويأتي غيره، واعتبر ذلك بغسل الوجه ونحوه.

([3]) قال المنقح ويأتي فلا يجب تقديمها على الصلاة بل ولا يستحب.

([4]) أي في الصلاة إلى انقضائها، وتعبيره بـ (أي) ينبئ أن العبارة من المتن ولم أره فيه.

([5]) أي بوجوب استمرار الشروط فيها فارقت الشروط الأركان، لأنه لا يجب استمرار الأركان فيها.

([6]) من صلاة كما تقدم، وزكاة وصوم وحج وغير ذلك، فكملت الشروط تسعة، وزادها أتباع الأئمة وقسموها قسمين: شروط وجوب، وشروط صحة.

([7]) في كتاب المناسك، فإنه يصح ممن لم يميز ولو أنه ابن ساعة.

([8]) فكذلك لم يذكرها الماتن تبعا للمقنع، ونظرا إلى أنها شروط للنية، فهي شروط للشرط لابتدائه.

([9]) مأخوذ من التوقيت، وهو التحديد (ووقت الشيء يوقته ويقته) إذا بين حده، وكل شيء له حد وغاية، فهو موقت، ووقت الله الصلاة توقيتا حد لها وقتا من الزمان، قال في الإنصاف، واعلم أن الصلاة إنما تجب بدخول الوقت بالاتفاق، وإذا دخل وجبت، وإذا وجبت وجبت شروطها المتقدمة عليها، كالطهارة وغيرها اهـ والمراد الوقت للصلاة المكتوبة خاصة، فأماما سواها فمنها ما يصح في كل وقت كركعتي الطواف والفوائت، ومنها ما لا يصح في أوقات كالنوافل المطلقة، ومنها ما هو موقت أيضا كالرواتب والضحى، ومنها ما يتعلق بأسباب كصلاة الكسوف، والاستسقاء ومعنى كون الوقت شرطا للصلاة أن الصلاة لا تصح قبله.

([10]) وأجمع المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتًا مخصوصة محدودة لا تجزئ قبلها قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا *} أي مفروضا في الأوقات، والمفروض هو المقدر المحدود، فإن التوقيت والتقدير والتحديد والفرض ألفاظ متقاربة، والمراد الوقت الذي عينه الله لأداء هذه العبادة، وهو القدر المحدود للفعل من الزمان، ويأتي في مواضعه.

([11]) أي والوقت الذي أجمله عمر مفصل حديث جبرئيل، وقال بعضهم صوابه وهو ما في حديث جبريل، والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه من حديث ابن عباس: «أمني جبرئيل عند البيت مرتين»، يعني في أول الوقت وفي آخره: «ثم قال: الوقت ما بين هذين الوقتين»، ولأحمد وغيره من حديث جابر قال قم فصل، فذكر نحوه، ثم قال: ما بين هذين الوقتين وقت، قال البخاري والشيخ وغيرهما: هو أصح شيء في المواقيت، وسيأتي وأصله في الصحيحين أن جبرئيل نزل فصلى ثم صلى، الحديث ثم قال: بهذا أمرت، وبين ابن إسحاق وغيره أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلوات، وهي ليلة الإسراء وإمامة جبرئيل به صلى الله عليه وسلم بلغت حد التواتر، قال ابن عبد البر: لم يختلف أن جبرئيل هبط صبيحة الإسراء عند الزوال فعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها وهيئتها، وفي الباب أحاديث، منها حديث بريدة في الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة، فصلى يومين أول الوقت وآخره ثم قال:«صلاتكم بين ما رأيتم»، رواه مسلم، وله نحوه عن عمرو بن شعيب وعبد الله بن عمر وغيرهما.

([12]) أي سبب نفس الوجوب، إذ سبب وجوب الأداء الخطاب، والسبب الجزء المتصل بالأداء لا كله، وفي الإنصاف، السبب قد يجتمع مع الشرط، وإن كان ينفك عنه، فهو هنا سبب الوجوب، وشرط للصحة، بخلاف غيره من الشروط فإنها شروط للصحة فقط، وأجمعوا على أنها تجب بأول الوقت، لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} إلا أبا حنيفة فقال: تجب بآخره، وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر: كيف بك إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها أي أول وقتها، كما هو المنقول عن أولئك الأمراء، قال له: صل الصلاة لوقتها، أي لأول وقتها، وأجمعوا على فضيلة الإتيان بها أول الوقت في الجملة لهذه الآية وقوله:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ{}وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم «سأل أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها»، وفي رواية لوقتها، ولأبي داود والترمذي والحاكم وصححاه، أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها، وأصل طلب المسارعة إلى الخيرات والمسابقة إليها قطعي، قال ابن بطال: البدار إلى الصلاة في أول وقتها أفضل من التراخي، لأنه شرط، وجاء في ذلك أحاديث كثيرة، منها قوله: أول الوقت رضوان الله، وقال الشيخ: الصلاة في وقتها فرض، والوقت أوكد فرائض الصلاة، وهي أحب الأعمال إلى الله إذا أقيمت لوقتها المستحب، قال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} ومن المحافظة عليها الإتيان بها أول وقتها، ويأتي قوله رحمه الله: أوله أفضل من آخره، إلا حيث استثناه الشارع، ولا ريب أن فعلها أوله هو اختيار النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، فكانوا يصلون في أول الوقت، ولم يكونوا يختارون إلا ما هو الأفضل، والترمذي وغيره: ما صلى صلى الله عليه وسلم صلاة لوقتها إلا خير مرتين، حتى قبضه الله.

([13]) أي لأن الصلاة تضاف إلى الوقت، فيقال: صلاة الظهر، وهي تدل على السببية.

([14]) أي الصلاة تتكرر بتكرر الوقت، فكلما دخل الوقت وجبت الصلاة، وشرط للوجوب كالأداء وغيره، وبقية الشروط للأداء مع القدرة دون الوجوب.

([15]) أي ومن شروط الصلاة الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر وتقدم.

([16]) من حديث أبي هريرة أي حتى يتوضأ بالماء، أو ما يقوم مقامه، ولمسلم من حديث ابن عمر: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور»، فلا تصح بدونه مع باقي الشروط، والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة، وهو الإجزاء وحقيقة القبول وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة، ولم يصل صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا متوضئا مع القدرة، وهذا مما لا يجهله عالم، ولا يسقط بجهل ولا نسيان، قال الشيخ: ومن نسي طهارة الحدث وصلى ناسيا فعليه أن يعيد الصلاة بطهارة بلا نزاع اهـ، وكذا حكى غير واحد إجماع الأمة على أن من صلى محدثا مع إمكان الوضوء فصلاته باطلة.

([17]) تقدم أنه قذر مخصوص يمنع جنسه الصلاة كالبول والدم والخمر.

([18]) في الشرط السابع وهو اجتناب النجاسات.

([19]) لقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}ولقوله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء خمس وهن خمسون ولقوله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله، وفي حديث معاذ أخبرهم
أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، وغير ذلك، وأجمع المسلمون على أن الصلوات المفروضات في اليوم والليلة خمس، لا نزاع بينهم في ذلك، ولا ينكره إلا كافر.

([20]) أي غير الصلوات الخمس، لما في الصحيحين أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما افترض الله على عباده من الصلوات؟ قال: «خمس صلوات» قال: هل على غيرها؟ قال: «لا إلا أن تطوع»، فحلف الرجل لا يزيد عليها ولا ينقص، فقال صلى الله عليه وسلم أفلح الرجل إن صدق.

([21]) فيجب الوفاء به، وأما الوتر فسيأتي.

([22]) واشتقاقها من الظهور، لأن وقتها أظهر الأوقات، لأنه يعرف بزيادة الظل، ولأنها ظاهرة في وسط النهار، وقيل لأنها أول صلاة ظهرت في الإسلام، وقيل لأنها في وقت الظهيرة، أي شدة الحر، والظهر لغة الوقت بعد الزوال، وشرعا صلاة هذا الوقت، من تسمية الشيء باسم وقته، وهي الأولى، لقوله {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وتسمى الهجير، لأنها تصلي وقت الهاجرة، وهي شدة الحر، وعن أبي برزة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، أي حين تزول، ولبداءة جبرئيل بها، لما صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم ولبداءة النبي صلى الله عليه وسلم لما علم أصحابه، فإن قيل: فرضت الصلاة ليلا، فلم لم يبدأ
بالفجر؟ قيل: يحتمل أن يكون قد وقع تصريح بأن أول وجوب الخمس من الظهر، ويحتمل أن الإتيان بها كان متوقفا على بيانها لأن الصلاة فرضت مجملة ولم تبين إلا عند الظهر لقوله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ولحديث جبرئيل فصلى الظهر حين زالت الشمس، ومن الأصحاب من بدأ بالفجر لأن الوسطى هي العصر، وإنما تكون الوسطى إذا كانت الفجر هي
الأولى ولقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} وغير ذلك، قال في الاختيارات، وهذا أجود، لأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وإنما تكون الوسطى إذا كانت صلاة الفجر الأولى.

([23]) بإجماع المسلمين حكاه غير واحد، وقال النووي: حكاه خلائق ولما تقدم، وهو الدلوك الذي أراد الله بقوله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وميل الشمس عن كبد السماء يعرف بزيادة الظل بعد تناهي قصره، وبتحول الشمس عن خط المسامتة، وبحدوث الظل بعد عدمه، وبمضي قدر نصف القوس متمكنا بعد الشروق، وأجمعوا أنها لا تصلي قبل الزوال.

([24]) أي يمتد وقت الظهر إليه، وفاء الظل يفيء فيئا رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق، ولا يكون الفيء إلا بعد الزوال، لأنه ظل فاء من جانب المغرب، قال الجرجاني، الفيء ما ينسخ الشمس، وهو من الزوال إلى الغروب، كما أن الظل ما نسخته الشمس، وهو من الطلوع إلى الزوال، وكل إنسان بقدم نفسه ستة أقدم وثلثا قدم تقريبا.

([25]) لقوله عليه الصلاة والسلام ((وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله)) رواه مسلم، أي ويستمر وقت الظهر حتى يصير ظل كل رجل مثله، ولأن جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله، وقال: الوقت فيما بين هذين الوقتين، فتضبط ما زالت عليه الشمس من الظل، ثم تنظر الزيادة عليه. فإذا بلغت قدر الشاخص فقد انتهى وقت الظهر، وفي صحيح مسلم ووقت الظهر
إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر، وله من حديث أبي موسى في اليوم الأول حين زالت الشمس، وفي اليوم الثاني أخرها حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس.

([26]) أي الظل، والوسط في الأصل اسم للمكان الذي يستوي إليه المساحة من الجوانب في المدور، ومن الطرفين في المطول، كمركز الدائرة وقوله: إعلم كلمة يؤتي بها للاعتناء بما بعدها.

([27]) أي فإذا زاد الظل الذي فاء بعد قيام الشمس فهو الزوال، وهو وقت الظهر والظل أصله الستر، وظل الليل سواده، وظل الشمس ما ستر به الشخوص من مسقطها، وظل النهار لونه إذا غلبته الشمس، وقال: رؤبة كل موضع تكون في الشمس فتزول عنه فهو ظل وفيء، وقال ابن قتيبة: الظل يكون غدوة وعشية، والفيء لا يكون إلا بعد الزوال.

([28]) وأقصره في النصف من حزيران والصيف ثلاثة أشهر، ودخوله عند حلول الشمس رأس الحمل، وهو عند العرب الربيع، والذي يليه القيظ، وقال بعضهم: هو القيظ، وعند العامة هو الصيف، ولعله المراد، فكلما طال النهار قصر الظل، وإذا قصر النهار طال الظل.

([29]) أي كبد السماء، والجو ما بين السماء والأرض.

([30]) لمسامتتها للمنتصب.

([31]) اختلافا كثيرا طولا وقصرا، وانعداما بالكلية، فيقصر الظل جدا في كل بلد تحت وسط الفلك، ويطول في ضد ذلك، وفاقد وقتها كبلغار مكلف بهما فيقدر لها كما يقدر في أيام الدجال، لما ثبت في صحيح مسلم قال: فاقدروا له، وأيام الدجال وأربعون يوما، يوم كسنة، فيصلي فيه صلاة سنة، ويوم كشهر، فيصلي فيه صلاة شهر، ويوم كجمعة فيصلي فيه صلاة جمعة، وباقي الأيام كأيامنا فيقدر في الثلاث الأول، مقدار الوقت، فكذا في بلغار ونحوها فإنه يطلع الفجر في بلغار قبل غروب الشفق في أربعينية الشتاء، وأفتى السرخسي والبلقاني بسقوطه عنهم، وأفتى غيرهما بوجوبه، وهو أوجه قياسا على أيام الدجال، قال الشيخ: والمواقيت التي علمها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلموعلمها النبي صلى الله عليه وسلم للأمة، حين بين مواقيت الصلاة، وهي التي ذكرها العلماء في كتبهم، هي في الأيام المعتادة، فأما ذلك اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كسنة قال: «اقدروا له قدره»، فله حكم آخر، تكون فيه الصلاة بقدر الأيام المعتادة. لا ينظر فيه إلى حركة الشمس، لا بزوال ولا بغروب ولا مغيب شفق ونحو ذلك كما في قوله: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا *} أي على مقدار البكرة والعشي في الدنيا، واليوم المراد به اليوم والليلة.

([32]) لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ولحديث كان يصلي الهجير حين تدحض الشمس، وحديث يصلي الظهر بالهاجرة متفق عليهما فتعجيلها مستحب بغير خلاف، حكاه غير واحد، في غير شدة حر، وقال الترمذي: هو الذي اختاره أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.

([33]) لها أو لغيرها مما يسن تعجيلها والتأهب الاشتغال بأسباب الصلاة، كطهر وأذان وستر ونحوه، من حين دخول الوقت، لأنه لا يعد إذا متوانيا.

([34]) يعني الحر، ويتسع الظل في الحيطان، وقال ابن منجا: الأرجح أنه سنة وفي حديث أبي ذر قال: أبرد حتى رأينا في التلول وقال النووي وغيره: الإبراد أن يؤخر الصلاة قليلا بقدر ما يحصل للحيطان فيء يمشيء فيه القاصد إلى الصلاة فيصلي في آخر الوقت، ولا يجاوز بالإبراد نصف الوقت.

([35]) رواه البخاري وغيره، من حديث أبي سعيد، ورواه الجماعة من حديث أبي هريرة «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم»، وهو حديث متواتر رواه بضعة عشر صحابيا، وأبردوا أي أخروها إلى أن يبرد الوقت، أي الزمان الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر، فيوجد فيه برودة، والباء للتعدية، أي أدخلوا صلاة الظهر في البرد، وهو سكون شدة الحر، ويقال: أبرد إذا دخل في البرد، أمر استحباب، وقيل إرشاد، وقيل: بل للوجوب، حكاه القاضي وغيره، والجمهور على الاستحباب، وفيح جهنم شدة حرها، وغليانها،وانتشار لهبها، ووهجها نعوذ بالله منها، ومفهومه أن الحر إذا لم يشتد لم يشرع الإبراد وهو ظاهر، واختلف العلماء في المعنى الذي لأجله أمر بالإبراد، فمنهم من قال: هو حصول الخشوع فيها، فلا فرق بين من يصلي وحده وفي جماعة، ومنهم ن قال: خشية المشقة على من بعد عن المسجد بمشيه في الحر، فيختص بالصلاة في مساجد الجماعات، التي تقصد من الأمكنة المتباعدة، ومنه من قال: هو نفس توهج النار، فلا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة، ومنهم من قال: خشية المشقة على من بعد عن المسجد بمشيه في الحر، فيختص بالصلاة في مساجد الجماعات، التي تقصد من الأمكنة المتباعدة، ومنهم من قال: هو نفس توهج النار، فلا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة، قال ابن رجب، هو المقدم وثبت من حديث أبي ذر الإبراد، وكانوا مجتمعين، قال الحافظ: والحكمة دفع المشقة، لكونها قد تسلب الخشوع، أو كونها الحالة التي ينتشر فيها العذاب، فإنها تسجر فيها جهنم.

([36]) هذا المذهب اختاره المصنف والشارح والخرقي، وهو مذهب أبي حنيفة
وابن المنذر وغيرهم، لظاهر الأخبار، قال الشيخ: أهل الحديث يستحبون تأخير الظهر مطلقا، سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين، وبذلك جاءت السنة الصحيحة التي لا دافع لها، وكل من الفقهاء يوافقهم أو الأغلب اهـ وليس المراد أن يترك الجماعة ويصلي وحده، إذ لا يترك واجب لمسنون، وإنما المراد المعذور لمرض ونحوه.

([37]) وعنه لا تؤخر لغيم، وفاقا لمالك والشافعي.

([38]) كذا علله القاضي بذلك، وظاهر الخرقي وغيره سنية تعجيل الظهر في غير شدة الحر، إذا غلب على ظنه دخول الوقت، وقوفا مع النص، وما روي عن أحمد يحمل على أنه أراد بالتأخير ليتيقن دخول الوقت، ولا يصلي مع الشك، كما نقل عنه أبو طالب، قال: يوم الغيم يؤخر الظهر حتى لا يشك أنها قد حانت ويعجل العصر.

([39]) فلا يؤخرها في حر أو غيم إجماعا، لحديث ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة، وحديث: كنا نجمع إذا زالت الشمس متفق عليهما.

([40]) وهو اللذي يجوز تأخير الصلاة إلى آخره من غير عذر، سمي بذلك لأرجحيته على ما بعده، أو لاختيار جبرئيل إياه أو لأن فعلها فيه موكول إلى اختيار المكلف، والعصر الزمان، أو الغداة، أو العشي، ومنه سميت صلاة العصر، أو لأنها تصلي عشية وقيل من طرف النهار، والعرب تسمي كل طرف من النهار عصرا، وقيل لانعصار النهار للفراغ، والشمس للغروب.

([41]) ولا اشتراك وفاقا للشافعي، فلا يقال: وقت العصر لا يدخل إلا بعد زيادة يسيرة عن خروج وقت الظهر، ولا أن آخر وقت الظهر أول وقت العصر لما في صحيح مسلم ووقت الظهر ما لم تحضر العصر.

([42]) أي يمتد الوقت المختار للعصر إلى ذلك، وهو مذهب مالك والشافعي وجماهير العلماء، لأن جبرئيل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم حين صار ظل كل شيء مثله في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه، وقال: «الوقت فيما بين هذين الوقتين»، وعنه إلى اصفرار الشمس، صححه الشارح وغيره، واختارها المجد، لحديث «وقت العصر ما لم تصفر الشمس»، رواه مسلم، وله من حديث أبي موسى وهو متأخر، والعمل بالمتأخر متعين قال: ثم أخر العصر يعني في اليوم الثاني حتى انصرف منها والقائل يقول قد احمرت الشمس، وفي حديث أبي هريرة «وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس»، قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن من صلاها والشمس بيضاء نقية فقد صلاها في وقتها، ثم يدخل وقت الضرورة قال شيخ الإسلام: وهو الصحيح، وعليه تدل الأحاديث الصحيحة المدنية.

([43]) وهو إنما يباح تأخير الصلاة إليه مع العذر، ومتى فعلها فيه فهو مدرك لها أداء في وقتها لعذر أو غيره، قال في المبدع وغيره، وعليه أكثر العلماء، لقوله: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر»، متفق عليه وحينئذ فلا فرق بين المعذور وغيره، إلا في الإثم وعدمه، ولا يختص بالعصر والصبح، بل الحكم كذلك في جميع الصلوات، لما في صحيح مسلم «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة».

([44]) أي إذا أخرها إلى وقت الضرورة أثم لغير عذر، ولعذر فلا إثم، وقال الشيخ: نقول بما دل عليه الكتاب والسنة والآثار، من أن الوقت وقتان: وقت اختيار وهو خمس مواقيت، ووقت اضطرار وهو ثلاث مواقيت اهـ وسمي بالضرورة لأنه مختص بأرباب الضرورات من غفلة أو نوم أو إغماء أو جنون أو حيض ونحو ذلك.

([45]) مع حر وغيم وغيرهما لحديث ويصلي العصر فيرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية متفق عليه، ولهما عن رافع بن خديج قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فننحر جزورا فنقسم عشر قسم، فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغرب الشمس ولغيرهما من الأحاديث، وهو مذهب أكثر الصحابة والتابعين، ومالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء، ويأتي الأمر بالتبكير لها في الغيم، ففي الصحو أولى.

([46]) يعني الفضلى، مؤنث الأوسط، والوسط الخيار، فالمعنى لثبوت الفضل فيها، ونص عليها تعالى بيانا لفضلها، وتأكيدا على الحض على المحافظة عليها فقال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} وثبت أنها العصر، ففي صحيح مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وللترمذي وصححه الصلاة الوسطى صلاة العصر، قال الترمذي: وهو قول أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم، قال في الإنصاف: بلا خلاف عن الإمام والأصحاب، وقال الشيخ: قد ثبت بالنصوص الصحيحة أنها العصر، وهذا أمر لا يشك فيه من عرف الأحاديث المأثورة، ولهذا اتفق على ذلك علماء الحديث وغيرهم اهـ وقال ابن رشد: الأحاديث بذلك متواترة والعلم به حاصل ضرورة اهـ ويستحب جلوسه في مصلاه بعد العصر إلى غروب الشمس، وبعد الفجر إلى طلوع الشمس، وهو أوكد لفعله صلى الله عليه وسلم.

([47]) مصدر غربت الشمس غروبا، ويطلق على وقت الغروب ومكانه، فسميت هذه الصلاة باسم وقتها، وتسمى صلاة الشاهد، ولا يجوز فعلها قبل الغروب بحال، وأجمعت عليه الأمة، والمراد بالغروب غروب قرص الشمس جميعه، بحيث لا يرى منه شيء، لا من سهل ولا من جبل، ونقل ابن المنذر وخلائق الإجماع عليه، لما في الصحيحين وغيرهما إذا غربت وتوارت بالحجاب، ولغير من الأحاديث ويتحقق بإقبال ظلمة الليل من المشرق، لقوله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم، وفي المبدع: ويعرف الغروب في العمران بزوال الشعاع من رءوس الجبال، وإقبال الظلام من المشرق.

([48]) لاتصالها به، كأنها فعلت فيه، لحديث عقبة فإنها وتر النهار، رواه أحمد وغيره أي فرضت وترا للنهار، ثلاثا من أول الأمر، وهي ثلاث ركعات حضرا وسفرا بإجماع المسلمين.

([49]) وفاقا لأبي حنيفة، والصحيح عند الشافعية، ورواية عن مالك، قال النووي وغيره، هذا هو الصحيح والصواب الذي لا يجوز غيره، وقول جمهور أهل العلم، وصححه ابن العربي وغيره، لحديث عبد الله بن عمرو ووقت المغرب ما لم يغب الشفق، وفي رواية ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط ثور الشفق، رواه مسلم وفيه: ثم أمره فأقام المغرب حين وجبت الشمس فلما كان في اليوم الثاني أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق وفي لفظ، قبل أن يغيب الشفق، ثم قال: الوقت ما بين هذين الوقتين وفي لفظ إذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق ولقوله: وقت كل صلاة ما لم يدخل وقت التي بعدها، وإنما خص منه الفجر بالإجماع، فما عداها داخل في عمومه، وبه تضافرت السنة الصحيحة، وهو أصح
الأقوال لهذه الأخبار، وخبر أبي موسى وبريدة، فلها وقتان وقت اختيار، وهو إلى ظهور الأنجم، ووقت كراهة، وهو ما بعده إلى مغيب الحمرة، والحمرة لون الأحمر، وقد تطلق على ما لونه البياض كما يقال: امرأة حمراء، وقيدوه بالحمرة لقول ابن عمر وغيره: الشفق الحمرة، وقال: الزجاج وغيره: الشفق الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس، وهذا هو المشهور في كتب اللغة، وذكر غير واحد أنه لم ينقل عن أئمة اللغة غيره، فالشفق بياض تخالطه حمرة، ثم تذهب ويبقى بياض خالص، بينهما زمن قليل، فيستدل بغيبة البياض على مغيب الحمرة، قال الشيخ وغيره، وما بين العشائين ثمن الليل، وما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس سبعه.

([50]) إلا لعذر قال الشيخ: باتفاق الأئمة وللترمذي وغيره وصححه عن سلمة أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب قال: وهو قول أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.

([51]) سميت بذلك لأنها يتقرب فيها إلى الله، أو لاقتراب الناس إلى منى من عرفات، أو لمجيء الناس إليها في زلف من الليل، أو لازدلاف آدم وحوى فيها، وهي ليلة النحر.

([52]) أو لاجتماع آدم هناك بحوى، أو لأن الناس يجمعون بها بين صلاتي المغرب والعشاء، والأول أجود، لوجود اجتماع الناس بها قديما.

([53]) بين المغرب والعشاء، لا من لا يباح له الجمع من مكي وغيره، عند بعضهم ويأتي ذكر ثبوت جمعهم خلفه صلى الله عليه وسلم.

([54]) أي قصد مزدلفة محرما، إن لم يوافقها وقت المغرب، فيصلي المغرب في وقتها، ولا يؤخرها لزوال العلة التي من أجلها جمع النبي صلى الله عليه وسلم.

([55]) أي جمع تأخير إجماعا، لأنه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يفعلون ذلك، قال الشيخ وغيره: بالاتفاق، وكذا في غيم، فيستحب تأخيرها حتى يتيقن دخول الوقت، قال أحمد: يؤخرها حتى يعلم أنه سواد الليل.

([56]) لفعله عليه الصلاة والسلام بمزدلفة، بعد أن صلى المغرب أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء، متفق عليه.

([57]) أي ويلي وقت المغرب الوقت المختار للعشاء بكسر العين والمد، اسم الأول الظلام سميت بذلك لأنها تفعل فيه، ويقال لها العشاء الآخرة، تسمى بالعتمة أي شدة الظلمة، لما في الصحيح عن عائشة كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل، أو باسم عتمة الليل، وهو ظلمة أوله، ولا يكره تسميتها بالعتمة، قال الشيخ: الأشهر عندنا إنما يكره الإكثار حتى يغلب على الاسم وأن مثلها في الخلاف تسمية المغرب بالعشاء، وقيل: وكذا الفجر بصلاة الغداة، وأول وقتها مغيب الشفق، وهو الحمرة حكاه غير واحد، والأحاديث متضافرة على ذلك، ولا يلتفت إلى البياض بعدها، كما لا يلتفت في الصوم إلى البياض الذي قبل الفجر، قال ابن عمر: الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق فقد وجبت الصلاة، ولا نزاع في ذلك، وللترمذي وغيره عن النعمان أنه كان عليه الصلاة والسلام يصليها لسقوط القمر لثالثة، وهو إنما يغاب لها عند غيوبه غالبا ويمتد وقت الضرورة من نصف الليل إلى طلوع الفجر، عند الأكثيرين، لقوله ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، أن يؤخر صلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى رواه مسلم ويحرم إليه بلا عذر كما تقدم.

([58]) أي الفجر الثاني هو الفجر الصادق، لأنه صدق عن الصبح.

([59]) يطلع بعد مغيب الأول، يملأ الأفق بياضه، وهو عمود الصبح، وبطلوعه يدخل النهار، وذلك أن على قرض الشمس دائرتين حمراء، وقبلها بيضاء، أول ما يطلع البيضاء، ثم الحمراء، ثم القرص، والأحكام تتعلق بالبيضاء، وهي دائرة لكن لاتساعها تظهر كأنها خط مستقيم من الجنوب إلى الشمال، ويسمى الفجر المعترض، والصادق والمستطير، أي المنتشر الشائع، شبه بالطائر يفتح جناحيه.

([60]) وهو الكاذب ولدقته يقال له ذنب السرحان، وهو المستطيل من المشرق إلى المغرب، يسمى كاذبا، لأنه يقل ويتلاشى، أو لأنه يغر من لا يعرفه.

([61]) الشعاع المترقرق غير الضوء، وشعاع الشمس الذي تراه كأنه حبال مقبلة عليك إذا نظرت إليها، أو الذي ينتشر من ضوئها.

([62]) لقوله صلى الله عليه وسلم ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل))، صححه الترمذي، وقال: هذا الذي اختاره أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، ولأن جبرئيل صلاها بالنبي صلى الله عليه
وسلم في اليوم الأول حين غاب الشفق، وفي اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل، ثم قال: الصلاة فيما بين هذين الوقتين، ولحديث أبي موسى وهو متأخر، وعنه: يمتد إلى نصف الليل، وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين للشافعي، لحديث ابن عمرو ووقت العشاء إلى نصف الليل، رواه مسلم، ولحديث أبي هريرة قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، وحديث أنس: أخرها إلى نصف الليل، ثم صلى وقال: إنكم في صلاة ما انتظرتموها متفق عليه، قال الشيخ: ولو قيل بتحديد
وقت العشاء إلى نصف الليل تارة، وإلى ثلثه أخرى من هذا الباب يعني ثلث الليل الذي ينتهي بطلوع الفجر، ونصف الليل الذي ينتهي بطلوع الشمس لكان متوجها.

([63]) نص عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الأمر بتأخيرها، كراهية المشقة، وكان يأمر بالتخفيف رفقا بهم، ولأن العادة الغالبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه هي التقديم، فإذا تقدموا فالأفضل التقديم دفعا للمشقة، قاله الشيخ وغيره، وقال أحمد: تأخيرها بقدر أن لا يشق على المأمومين، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم تأخيرها مخافة المشقة.

([64]) للخبر، ولئلا يستغرق النائم حتى تفوته، أو يفوته وقت اختيار وقتها أو يترخص الناس فينامون عن إقامتها جماعة.

([65]) أي ويكره الحديث بعدها، يعني بعد العشاء الآخرة، لحديث كان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها متفق عليه والمراد التحادث مع الناس، فيشتغل عن قيام آخر الليل، أو صلاة الصبح، أو لينام عقب تكفير الخطيئة بالصلاة فتكون خاتمة عمله.

([66]) للأخبار ولأنه خير ناجز ومصلحة راجحة فلا يترك لتوهم مفسدة، وأخرج الضياء من حديث عائشة لا سمر إلا لثلاثة: مصل أو مسافر، أو عروس.

([67]) كضيف أو ما فيه مصلحة للمسلمين فلا يكره، لما في صحيح مسلم تحدث مع أهله ساعة ثم رقد ولحديث عمر: كان يسمر عند أبي بكر في الأمر من
أمور المسلمين وأنا معه، حسنه الترمذي أو السمر في علم قال الترمذي
رخص بعضهم إذا كان في معنى العلم، وما لا بد منه من الحوائج، وأكثر الحديث على الرخصة، وقال النووي: اتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها، إلا ما كان في خير اهـ والشغل يشمل العلم، بل هو من أهم ما يشتغل به.

([68]) كحائض تطهر ومجنون يفيق أو غير ذلك.

([69]) أي ما بعد ثلث الليل على ما ذكر، أو ما بعد نصفه على القول الراجح، ولا يجوز تأخير وقت صلاة لها وقت اختيار ووقت ضرورة أو بعضها إلى وقت الضرورة لغير عذر، وتقدم.

([70]) الفجر مصدر وهو ضوء النهار، أو حمرة الشمس في سواد الليل، وهو في آخر الليل كالشفق في أوله، سمي به لانفجار الصبح، وقد أفجرنا من الفجر كما تقول أصبحنا من الصبح، أو لأنه انصداع ظلمة من نور، وبه سمي الوقت عند ظهوره، وتسمى الصبح، والصباح أول النهار، وقيل:مأخوذ من الحمرة التي فيها، كصباحة الوجه من الحمرة التي فيه، وتسمى صلاة الغداة، والغداة أول النهار، وهي ركعتان حضرا وسفرا إجماعا، ومن الصلوات النهار في قول العلماء كافة.

([71]) أي وقت الفجر من طلوع الفجر، ويمتد إلى طلوع الشمس، لحديث جبرئيل، وحديث ابن عمر، وحديث أبي موسى، قال الشيخ: استعمل فقهاء الحديث في هذا الباب جميع النصوص الواردة في أوقات الجواز والاختيار، فوقت الفجر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ووقت الظهر من الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال، ووقت العصر إلى اصفرار الشمس، ووقت المغرب إلى مغيب الشفق،ووقت العشاء إلى منتصف الليل، وهذا بعينه قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم، وليس حديث في المواقيت أصح منه، وكذا صح معناه من غير وجه من فعله صلى الله عليه وسلم اهـ وقال الوزير وغيره، أجمعوا على أن أول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثاني، وآخر وقتها المختار إلى أن يسفر، ووقت الضرورة إلى أن تطلع الشمس، ولفظ النووي وغيره: أجمعت الأمة، وفي المبدع: الفجر يتبع الليل فيكون في الشتاء أطول من الصيف، والعشاء على العكس، قال الشيخ: ومن زعم أن وقت العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء، والصيف فقد غلط غلطا بينا باتفاق الناس.

([72]) أي صيفا وشتاء إذا تيقنه أو غلب على ظنه، لحديث يشهدن صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس، وحديث جابر: كان يصليها بغلس متفق عليهما، وأما حديث اسفروا بالفجر، فالمراد صلوا صلاة الفجر مسفرين، أي إسفارا يتيقن معه طلوع الفجر، جمعا بينه وبين مواظبته صلى الله عليه وسلم على التغليس، أو أسفروا إلى أن يضيء الفجر، فلا يشك فيه، أو دوام الإسفار، لا ابتداؤه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن القيم: إنما المراد به الإسفار دواما لا ابتداء، فيدخل فيها مغلسا، ويخرج منها مسفرا، كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم وعن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم غلس بالصبح ثم أسفر، ثم لم يعد إلى الإسفار، حتى مات، رواه أبو داود وابن خزيمة وقال الخازمي: إسناده ثقات، فقوله صلى الله عليه وسلم موافق لفعله، وكيف يظن به المواظبة على فعل أعظم الأجر في خلافه، قال ابن عبد البر وغيره: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغسلون ومحال أن يتركوا الأفضل، وهو مذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء.

([73]) لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن لم يمكنه تعلمه في الوقت
ولو وقت الاختيار فلا، وكذا تأخير الكل مع أمن فوات لمصلي كسوف ونحوه وأمن حدوث مانع.

([74]) أي كما يجب التأخير لتعلم الفاتحة يجب إذا أمره والده بتأخيرها ليصلي به، ولا كراهة في ذلك لأن طاعة الوالد ألزم من الصلاة أول الوقت، لأنه سنة وطاعةالوالد واجبة، وإن أمره بتأخير لغير ذلك لم يؤخر، قال الزركشي، لو تأخر الجيران كلهم فالأولى هنا التأخير بلا خلاف.

([75]) أي ويسن تأخير الصلاة لحاقن أي محتبس البول، ونحو حاقن حاقب وتائق إلى طعام ونحوه، مع سعة الوقت، ليأتي بالصلاة على أكمل الأحوال، وإلا صلى على حسب حاله، ولا يأثم بتعجيل صلاة يستحب تأخيرها، ولا تأخير ما يستحب تعجيلها، إذا أخرها عازما على فعلها، ما لم يضيق الوقت عن فعل جميع العبادة، لصلاة جبرئيل بالنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوقت وفي آخره وقوله «الوقت ما بين هذين الوقتين» ولأن الوجوب موسع فهو كالتكفير موسع في الأعيان، قال الشيخ في قوله صلى الله عليه وسلم «أفضل الأعمال عند الله الصلاة في وقتها»، الوقت يعم أول الوقت وآخره، والله يقبلها في جميع الوقت، لكن أوله أفضل من آخره، إلا حيث استثناه الشارع، كالظهر في شدة الحر، وكالعشاء إذا لم يشق على المأمومين.


  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 04:52 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

شُرُوطُهَا قَبْلَها منها الْوَقْتُ .................
قوله: «شُرُوطُهَا قَبْلَها» ، جملة خبرية مركَّبة من مبتدأ وخبر، ومعناها أن الشرُوط تقع قبلها؛ لكن لا بُدَّ من استمرارها فيها، والأركان توافق الشُّروط في أنَّ الصَّلاة لا تصحُّ إلا بها، لكن تُخالفها فيما يلي:
أولاً: أنَّ الشُّروط قبلها، والأركانَ فيها.
وثانياً: أنَّ الشُّروطَ مستمرَّة من قبل الدّخول في الصَّلاة إلى آخر الصَّلاة، والأركان ينتقل من ركن إلى ركن: القيام، فالرُّكوع، فالرَّفع من الرُّكوع، فالسُّجود، فالقيام من السُّجود، ونحو ذلك.
ثالثاً: الأركان تتركَّبُ منها ماهيَّةُ الصَّلاة بخلاف الشُّروط، فَسَتْرُ العورة لا تتركَّبُ منه ماهيَّة الصَّلاة؛ لكنه لا بُدَّ منه في الصَّلاة.
قوله: «منها الوقت» ، «من» هنا للتبعيض، وهو يدلُّ على أنَّ هناك شروطاً أخرى، وهو كذلك؛ منها: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، فهذه ثلاثة شروط لم يذكرها المؤلِّف؛ لأنَّ هذه الشُّروط معروفة، فكلُّ عبادة لا تصحُّ إلا بإسلامٍ وعقلٍ وتمييزٍ إلا الزَّكاة، فإنها تلزم المجنون والصَّغير على القول الرَّاجح، وأما صحَّة الحجِّ من الصَّبي فلورود النصِّ بذلك.
والدَّليل على اشتراط الوقت: قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ، أي: مؤقَّتاً بوقته، وقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء] . والأدلَّة من السُّنَّة كثيرة، منها قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «وقت الظُّهر إذا زالت الشمس، وكان ظلُّ الرَّجُلِ كطوله ما لم يحضرِ العصر، ووقت العصر ما لم تصفرَّ الشَّمسُ» الحديث.
والصَّلاة لا تصحُّ قبل الوقت بإجماع المسلمين، فإن صلَّى قبل الوقت، فإن كان متعمِّداً فصلاته باطلة، ولا يسلم من الإثم، وإن كان غير متعمِّد لظنِّه أنَّ الوقت قد دخل، فليس بآثم، وصلاته نَفْل، ولكن عليه الإعادة؛ لأنَّ من شروط الصَّلاة دخول الوقت.
وقول المؤلِّف: «منها الوقت»، هذا التَّعبير فيه تساهل؛ لأن الوقت ليس بشرط، بل الشَّرط دخول الوقت، لأننا لو قلنا: إنَّ الشَّرط هو الوقت، لزم ألا تصحَّ قبله ولا بعده، ومعلوم أنها تصحُّ بعد الوقت لعُذر؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نامَ عن صلاةٍ أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها»، وثبت عنه أنَّه صَلَّى الفجر بعد طلوع الشَّمس ، فتحريرُ العِبارة أن يقول: «منها دخول الوقت».
وسبقَ أن الصَّلاة قبل الوقت لا تصحُّ بالإجماع.
وهل تصحُّ بعد الوقت؟ نقول: إن كان الإنسان معذوراً فإنها تصحُّ بالنصِّ والإجماع.
أما النصُّ: فالقرآن والسُّنَّة. أما القرآن: فإن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما ذكر قوله: «من نام عن صلاة...» إلخ، تلا قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] ، وتلاوته للآية استشهادٌ بها.
ومن السُّنَّة: الحديث السابق.
وأما الإجماع: فمعلومٌ.
وهل تصحُّ بعد خروج الوقت بدون عُذر؟
جمهور أهل العلم على أنها تصحُّ بعده مع الإثم.
والصَّحيح: أنها لا تصحُّ بعد الوقت إذا لم يكن له عُذر، وأنَّ من تعمَّد الصَّلاة بعد خروج الوقت فإن صلاته لا تصحُّ، ولو صَلَّى ألف مَرَّة؛ لأن الدَّليل حدَّد الوقت، فإذا تعمَّد أن تكون صلاتُه خارج الوقت لم يأتِ بأمر الله، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، إذاً فتكون الصَّلاةُ مردودة.
وقد يُشكل على بعض الناس فيقول: إذا كان المعذور يلزمه أن يُصلِّي بعد الوقت، وإذا تعمَّد يُقال: لا يصلِّي!! أليس إلزام المتعمِّد بالقضاء أَولى من إلزام المعذور.
فيقال: إن قولنا للمتعمّد: لا يقضي بعد الوقت؛ ليس تخفيفاً عليه، ولكن ردًّا لعَمَلِه؛ لأنه على غير أمر الله وهو آثم، فيكون هذا أبلغ في رَدْعِهِ وأقربُ لاستقامته، والذي صَلَّى وهو معذور بعد الوقت غير آثم. إذاً؛ المتعمّد عليه أن يتوبَ إلى الله تعالى مما فعله، ولا يُصلِّي.

والطَّهَارةُ مِن الحَدَثِ، والنَّجَسِ .............
قوله: «والطَّهارة من الحدث» ، أي: ومن شروط الصَّلاة: الطهارة من الحدث، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} إلى قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] .
ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر ـ إذا قمنا إلى الصَّلاة ـ بالوُضُوء من الحدث الأصغر، والغُسُل من الجنابة، والتيمُّم عند العدم، وبَيَّن أن الحكمةَ في ذلك التطهير. إذاً؛ الإنسان قبل ذلك غيرُ طاهر، ومن كان غيرَ طاهر فإنه غيرُ لائق أن يكون قائماً بين يدي الله عزّ وجل.
وأما الدَّليل من السُّنَّة: فمنه قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقبلُ الله صلاةَ أحدِكُم إذا أحدثَ حتى يتوضَّأ»، وهذا نصٌّ صريحٌ وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة بغير طُهُور».
قوله: «والنَّجَس» ، أي: ومن شروط الصَّلاة الطهارة من النَّجس.
وقد تقدم ـ في باب إزالة النَّجاسة ـ بيانُ الأعيان النجسة.
والطَّهارةُ من النَّجس يعني: في الثوب، والبقعة، والبدن، فهذه ثلاثة أشياء.
فالدليل على اشتراط الطهارة من النَّجاسة في الثَّوب:
أولاً: ما جاء في أحاديث الحيض أن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم سُئل عن دم الحيض يصيب الثَّوب فأمر أن «تَحُتَّه ثم تَقْرُصَه بالماء، ثم تَنْضِحَهُ، ثم تصلِّي فيه»، وهذا دليل على أنه لا بُدَّ من إزالة النَّجاسة.
ثانياً: أن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم أُتيَ بصبيٍ لم يأكل الطَّعام؛ فبالَ في حِجْرِه، فدعا بماءٍ فأتبعه إيَّاه. وهذا فعل، والفعل لا يقوى على القول بالوجوب، لكن يؤيِّده ما جاء في الحديث السابق.
ثالثاً: أنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم صلَّى ذات يوم بنعليه، ثم خلع نعليه، فخلع الصحابةُ نِعالهم، فسألهم حين انصرف من الصَّلاة: لماذا خلعوا نعالهم؟ فقالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فقال: «إنَّ جبريل أتاني فأخبرني أنَّ فيهما أذًى أو قذراً»، وهذا يدلُّ على وجوب التَّخلي من النَّجَاسة حال الصَّلاة في الثوب.
والدَّليل على اشتراط الطَّهارة من النَّجاسة في البدن:
أولاً: كُلُّ أحاديث الاستنجاء والاستجمار تدلُّ على وجوب الطَّهارة من النَّجاسة؛ لأن الاستنجاء والاستجمار تطهير للمحلِّ الذي أصابته النَّجَاسة.
ثانياً: أمْرُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بغسل المذي يدلُّ على أنَّه يُشترط التَّخلِّي من النَّجاسة في البدن.
ثالثاً: إخباره عن الرَّجُلين اللذين يُعذَّبان في قبريهما؛ لأن أحدهما كان لا يَسْتَنْزِهُ من البول.
والدَّليل على اشتراط الطَّهارة من النَّجاسة في المكان:
أولاً: قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] .
ثانياً: أنه لما بال الأعرابيُّ في المسجد؛ أمرَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بذَنُوبٍ من ماء فأُهريق عليه. إذاً؛ فلا بُدَّ من اجتناب النَّجاسة في هذه المواطن الثلاثة، وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ الكلام على اجتناب النَّجاسة مفصَّلاً في كلام المؤلِّف.

فَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلى مُسَاوَاةِ الشَّيءِ فَيْئَه بَعْدَ فَيءِ الزوال.
ثم شرع المؤلِّف رحمه الله في بيان أوقات الصَّلاة تفصيلاًفقال: «فوقت الظُّهر من الزَّوال» ، بدأ بها المؤلِّف؛ لأن جبريل بدأ بها حين أَمَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم، ولأن الله تعالى بدأ بها حين ذكر أوقات الصَّلاة فقال: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} الآية [الإسراء: 78] ، وبعض العلماء يبدأ بالفجر؛ لأنها أوَّل صلاة النَّهار، ولأنَّها هي التي يتحقَّق بالبَدَاءة بها أن تكون صلاة العصر الوسطى من حيثُ العدد. والخَطْبُ في هذا سَهْلٌ، يعني سواء بدأنا بالظُّهر، أو بدأنا بالفجر، المهم أن نعرف الأوقات.
قوله: «إلى مُسَاواةِ الشَّيءِ فيئَه» ، أي: ظِلَّه، «بعد فيءِ الزَّوال» ، يقول بعضُ أهل اللغة: الفيءُ هو الظِلُّ بعد الزَّوال، وأما قبله فيُسمَّى ظلاً، ولا يُسمَّى فيئاً، وما قالوه له وجه، لأنَّ الفيءَ مأخوذ من فاء يفيء، إذا رجعَ، كأن الظِلَّ رجع بعد أن كان ضياء، أما الذي لم يزل موجوداً فلا يُسمَّى فيئاً؛ لأنَّه لم يزل مظلماً.
فقوله: «مساواةِ الشَّيءِ فيئَه بعد فيءِ الزَّوال»، وذلك أن الشَّمس إذا طلعت صار للشَّاخص ظِلٌّ نحو المغرب ـ والشَّاخص الشيء المرتفع ـ ثم لا يزال هذا الظِلُّ ينقص بقدر ارتفاع الشمس في الأُفق حتى يتوقف عن النقص، فإذا توقَّف عن النقص، ثم زاد بعد توقُّف النقص ولو شعرة واحدة فهذا هو الزَّوال، وبه يدخل وقت الظُّهر.
وقوله: «بعد فيءِ الزَّوال»، أي: أنَّ الظِلَّ الذي زالت عليه الشمس لا يُحسب، ففي وقتنا الآن حين كانت الشِّمس تميل إلى الجنوب لا بُدَّ أن يكون هناك ظِلٌّ دائمٌ لكلِّ شاخص من النَّاحية الشِّمالية له، وهذا الظِلُّ لا يُعتبر، فإذا بدأ يزيد فَضَعْ علامةً على ابتداء زيادته، ثم إذا امتدَّ الظِلُّ من هذه العلامة بقدر طول الشَّاخص، فقد خرج وقت الظُّهر، ودخل وقت العصر، ولا فرق بين كون الشَّاخص قصيراً أو طويلاً، لكن تَبَيُّن الزِّيادة والنقص في الظِلِّ فيما إذا كان طويلاً أظهر.
أما علامة الزَّوال بالسَّاعة فاقسمْ ما بين طُلوع الشَّمس إلى غروبها نصفين، وهذا هو الزَّوال، فإذا قدَّرنا أن الشمس تطلع في الساعة السادسة، وتغيب في الساعة السادسة، فالزوال في الثانية عشرة.

وَتَعْجِيْلُها أَفْضَلُ إِلاَّ في شِدَّةِ حَرٍّ ............
قوله: «وتعجيلها أفضل» ، أي: تعجيل صلاة الظُّهرِ أفضل لما يلي:
أولاً: لقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] ، أي: سارعوا، ولا شكَّ أن الصَّلاة من الخيرات، فالاستباق إليها معناه المبادرة إليها.
ثانياً: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم حَثَّ على البَدَاءة بالصَّلاة من حين الوقت؛ فسأله ابن مسعود: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «الصَّلاةُ على وقتها»، أي: من حين دخول وقتها. وقد قال بعض العلماء: إن معنى قوله: «على وقتها»، أي: وقتها المطلوب فعلها فيه شرعاً، سواء كان ذلك في أول الوقت أم آخره. وهذا حقٌ، لكن الأفضل التقديم؛ حتى يقوم دليلٌ على رُجحان التَّأخير.
ثالثاً: أن هذا أسرع في إبراء الذِّمة؛ لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، فقد يكون في أوَّل الوقت نشيطاً قادراً تَسْهُلُ عليه العِبادة، ثم يمرض، وتصعب عليه الصَّلاة، وربما يموت، فالتَّقديم أسرع في إبراء الذِّمة، وما كان أسرع في إبراء الذِّمة فهو أولى.
فيكون فضل تعجيلها دَلَّ عليه الدَّليل الأثري والنَّظري.
قوله: «إلا في شِدَّة حَرٍّ» ، ففي شدَّة الحَرِّ الأفضل تأخيرها حتى ينكسر الحرُّ؛ لثبوت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «إذا اشتدَّ الحرُّ فأبردوا بالصَّلاة، فإنَّ شدَّة الحرِّ من فَيْحِ جهنَّم» [(193)]، ولأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في سفر فأراد المؤذِّنُ أن يؤذِّنَ فقال: «أبرد»، ثم أراد أن يؤذِّنَ فقال: «أبرد»، ثم أراد أن يؤذِّنَ فقال: «أبرد»، ثم أذَّن لمَّا ساوى الظِلُّ التُّلُولَ. يعني: قُرب وقت صلاة العصر؛ لأنه إذا ساوى الشيءُ ظِلَّه؛ لم يبقَ ما يسقط من هذا الظلِّ إلا فيء الزَّوال، وفيءُ الزَّوال في أيَّام الصيف وشدَّة الحَرِّ قصير جداً. فقوله في الحديث: «حتى سَاوى الظِلُّ التُّلُولَ»، يعني: مع فيءِ الزَّوال، وهذا متعيِّن؛ لأنه لو اعتبرت المساواة بعد فيء الزَّوال؛ لكان وقت الظُّهر قد خرجَ؛ فينبغي في شِدَّة الحرِّ الإبرادُ إلى هذا الوقت، يعني: قُرب صلاة العصر.
وقال بعض العلماء: بل حتى يكون للشَّواخص ظِلٌّ يُستظلُّ به. لكن هذا ليس بمنضبط؛ لأنه إذا كان البناء عالياً وُجِدَ الظِلُّ الذي يُستظلُّ به قريباً، وإذا كان نازلاً فهو بالعكس. فمتى يكون للنَّاس ظِلٌّ يمشون فيه؟!.
لكن أصحُّ شيء أن يكون ظِلُّ كلِّ شيء مثله مضافاً إليه فيء الزَّوال، يعني: أنه قُرب صلاة العصر، وهذا هو الذي يحصُل به الإبراد، أمَّا ما كان النَّاس يفعلونه من قبلُ، حيث يصلُّون بعد زوال الشَّمس بنحو نصف ساعة أو ساعة، ثم يقولون: هذا إبراد. فليس هذا إبراداً! هذا إحرار؛ لأنه معروف أن الحرَّ يكون أشدَّ ما يكون بعد الزَّوال بنحو ساعة.
فإذا قَدَّرنا مثلاً أن الشَّمس في أيام الصَّيف تزول على الساعة الثانية عشرة، وأن العصر على الساعة الرابعة والنصف تقريباً، فيكون الإبراد إلى الساعة الرابعة تقريباً.

وَلَو صَلَّى وَحْدَه أَوْ مَعَ غَيْمٍ لمَنْ يصلِّي جَمَاعَةً،.............
قوله: «ولو صَلَّى وَحْدَه» ، «لو»: إشارة خلاف؛ لأنَّ بعض العلماء يقول: إنَّما الإبراد لمن يصلِّي جماعة، وزاد بعضهم: إذا كان منزله بعيداً بحيث يتضرَّرُ بالذَّهاب إلى الصَّلاة .
وهذا قيدٌ لما أطلقه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «إذا اشتدَّ الحرُّ فأبردوا بالصَّلاة» والخطاب للجميع، وليس من حقِّنا أن نقيِّد ما أطلقه الشَّارع، ولم يُعلِّلِ الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام ذلك بأنه لمشقَّة الذَّهاب إلى الصلاة، بل قال: «إنَّ شدَّةَ الحَرِّ من فَيْحِ جهنَّم». وهذا يحصُل لمن يُصلِّي جماعة، ولمن يصلِّي وحده، ويدخل في ذلك النِّساء، فإنه يُسنُّ لهنَّ الإبراد في صلاة الظُّهر في شدَّة الحرِّ.
قوله: «أو مع غَيْمٍ لمَنْ يصلِّي جماعةً» ، أي: يُسنُّ تأخير صلاة الظُّهر مع الغيم لمن يُصلِّي جماعةً، والمُراد: الجماعة في المسجد.
وعلَّلوا ذلك: بأنه أرفق بالنَّاس، حتى يخرجوا إلى صلاة الظُّهر والعصر خروجاً واحداً، لأن الغَالب مع الغيم أن يحصُلَ مطرٌ، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن نشقَّ على النَّاس؛ بل ننتظر ونؤخِّر الظُّهرَ، فإذا قارب العصرَ بحيث يخرج النَّاس من بيوتهم إلى المساجد خروجاً واحداً لصلاة الظُّهر والعصر، صلينا الظُّهر. هذا ما ذهب إليه المؤلِّف، والعِلَّة فيه كما سبق.
لكن هذه العِلَّة عليلة من وجهين:
الوجه الأول: أنها مخالفة لعموم الأدلَّة الدَّالَّة على فضيلة أول الوقت.
الوجه الثاني: أنه قد تحصُل غيوم عظيمة، ويتلبَّد الجوُّ بالغمام، ومع ذلك لا تُمطر.
إذاً؛ فالصَّواب: عدم استثناء هذه الصُّورة، وأن صلاة الظُّهر يُسنُّ تقديمها إلا في شدَّة الحرِّ فقط، وما عدا ذلك فالأفضل أن تكون في أوَّل الوقت.

وَيَلِيه وَقْتُ العَصْرِ إِلَى مَصيرِ الفَيءِ مِثْلَيْه بَعْدَ فَيءِ الزَّوَالِ، والضَّرُوْرَةُ إِلى غُرُوبِهَا ..............
قوله: «وَيَليه وَقْتُ العَصْرِ» ، أي: يلي وقتَ الظُّهر وقتُ العصرِ، واستفدنا من قول المؤلِّف: «ويليه» أنه لا فاصل بين الوقتين، إذ لو كان هناك فاصل فلا موالاة، وأنَّه لا اشتراك بين الوقتين؛ إذ لو كان هناك اشتراكٌ لَدَخَلَ وقتُ العصر قبل خروج وقت الظُّهر، وبكلٍّ من القولين قال بعض العلماء.
فقال بعضهم: إن هناك فاصلاً بين وقت الظُّهر ووقت العصر لكنه يسير[(198)].
وقال آخرون: هناك وقت مشترك بقَدْرِ أربع ركعات بين الظُّهر والعصر (198) .
والصَّحيح: أنه لا اشتراك، ولا انفصال، فإذا خرج وقتُ الظُّهر دخل وقتُ العصر.
قوله: «إِلَى مَصيرِ الفَيءِ مِثْلَيْه بَعْدَ فَيءِ الزَّوَالِ» ، يعني: أنَّ فيءَ الزَّوال لا يُحسب، فنبدأُ منه، فإذا صار الظِلُّ طول الشَّاخص فهذا نهاية وقت الظُّهر ودخول وقت العصر؛ وإذا كان طول الشَّاخص مرَّتين؛ فهو نهاية وقت العصر، فوقت الظُّهر من فيء الزَّوال إلى أن يكون ظِلُّ الشَّيءِ مثله، والعصر إلى أن يصير مثليه، وبهذا يكون وقت الظُّهر أطول من وقت العصر بكثير؛ لأن الظِلَّ في آخر النهار أسرع، وكلما دنت الشَّمس إلى الغروب كان الظِلُّ أسرع، فيكاد يكون الفرق الثُّلث.
فوقت الظُّهر طويل بالنسبة لوقت العصر الاختياري، لكن وقت الضَّرورة في العصر إلى غروب الشَّمسِ، فيكون بهذا الاعتبار طويلاً.
فلننظر هذا الأمر بالتوقيت الغروبي:
فالتوقيت الغروبي في أطول يوم من السَّنَة، يُؤذَّنُ للظُّهر الساعة (5.7) ويُؤذَّن للعصر تمام الساعة (8.35). فالفارق بينهما ثلاث ساعات ونصف تقريباً، ومن الساعة (8.35) إلى الغروب ثلاث ساعات وخمس وعشرون دقيقة، إذاً؛ وقت الظُّهر أطول حتى ولو كان وقت العصر مضافاً إليه وقت الضَّرورة.
قوله: «والضَّرُورَة إلى غُرُوبها» ، أي: وقت الضَّرورة إلى غروبها، أي: أنه يمتدُّ وقت الضَّرورة إلى غروب الشَّمس، والدَّليل على جعل الوقت الاختياري إلى مصير ظِلِّ كلِّ شيء مثله: حديث جابر في قصة جبريل[(199)].
ولكن الرَّاجح في هذه المسألة: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام قال: «وقت العصر ما لم تصفرَّ الشمسُ»[(200)]، أي: ما لم تكن صفراء، وهذا في الغالب يزيد على مصير ظِلِّ كلِّ شيء مثليه، وهذه الزيادة تكون مقبولة؛ لأن الحديث في «صحيح مسلم»، ومن قول الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم.
ويمكن أن يُجاب عن حديث جبريل: بأنه ابتدأ الصَّلاة بالنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم حين صار ظِلُّ كلِّ شيء مثليه، وأنها إذا صُلِّيت وانتُهيَ منها تكون الشمس قد اصفرَّت؛ ولا سيَّما في أيام الشتاء وقِصَر وقت العصر.
وسواءٌ صَحَّ هذا الجمع أم لم يصحَّ فإن الأخذ بالزَّائد متعيِّن؛ لأنَّ الأخذ بالزَّائد أخذٌ بالزَّائد والناقص، والأخذ بالناقص إلغاء للزائد. وعليه فنقول: وقت العصر إلى اصفرار الشمس.
والدَّليلُ على أنَّ وقتها يمتدُّ إلى غروب الشمس: قولُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ أدرك ركعةً من العصر، قبل أن تَغْرُبَ الشَّمسُ فقد أدرك العصرَ» [(201)] وهذا نصٌ صريحٌ في أن الوقت يمتدُّ إلى الغروب؛ لكنه يُحمل على وقت الضَّرورة جمعاً بينه وبين النصوص الدَّالَّة على أن وقتها إلى اصفرار الشمس.
فإذا قال قائل: لماذا لم نأخذ بهذا الحديث؛ لأنه زائد على حديث عبد الله بن عمرو ونحوه؛ لأنّ الزيادة يُؤخذ بها؛ لأنها تنتظم النقص ولا عكس؟ فيُجاب عن ذلك بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم حدَّد وقت العصر في حديث عبد الله بن عمرو وقال: «ما لم تصفرَّ الشَّمسُ»، فيُجمع بين الحديثين بأن يُقال: «ما لم تصفرَّ الشَّمسُ» هذا وقت الاختيار، و«إلى الغروب» وقت الضَّرورة.
فإن قيل: ما معنى وقت الضَّرورة؟
فالجواب: أن يضطر الإنسان إلى تأخيرها عن وقت الاختيار.
مثاله: أن يشتغل إنسان عن العصر بشغل لا بُدَّ منه، ولنفرض أنه أُصيب بجرح؛ فاشتغل به يُلبِّده ويِضَمّدُه، وهو يستطيع أن يصلِّيَ قبل الاصفرار، لكن فيه مشقَّة، فإذا أخَّر وصَلَّى قُبيل الغروب فقد صَلَّى في الوقت ولا يأثم، لأنَّ هذا وقت ضرورة، فإذا اضطر الإنسان إلى تأخيرها لوقت الضَّرورة فلا حرج، وتكون في حقِّه أداء.

وَيُسَنُّ تَعْجِيْلُها.
قوله: «ويُسَنُّ تَعجِيلُها» ، أي: يُسَنُّ في صلاة العصر تعجيلُها في أوَّل الوقت وذلك لما يلي:
1- لعموم الأدلة الدَّالة على المبادرة إلى فعل الخير كما في قوله تعالى: {{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}} [البقرة: 148] .
2- ما ثبت أن الصَّلاة في أوَّل وقتها أفضل.
3- ما ثبت عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام من حديث أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمي أنه كان صلّى الله عليه وسلّم يُصلِّي العصرَ والشَّمسُ مرتفعة؛ حتى إنهم يذهبون إلى رِحَالِهم في أقصى المدينة والشَّمسُ حَيَّةٌ [(202)].

وَيَلِيه وَقْتُ المغْرِبِ إِلى مَغِيْبِ الحُمْرَةِ، وَيُسَنُّ تَعْجيلُها إِلا لَيْلَةَ جَمْعٍ لِمَنْ قَصَدَها مُحْرِماً .............
قوله: «ويليه وَقْتُ المَغْرب إلى مَغيب الحُمْرَة» ، أي: يلي وقتَ العصر، بدون فاصل وبدون اشتراك بينهما في الوقت، فوقت المغرب من مغيب الشَّمس إلى مغيب الحُمْرة.
وقوله: «إلى مغيب الحُمْرة»، أي: الحُمْرة في السَّماء، فإذا غابت الحُمْرة لا البياض، فإنه يخرجُ وقتُ المغرب، ويدخلُ وقتُ العِشَاءِ، ومقداره في السَّاعة يختلف باختلاف الفُصول، فتارة يطول وتارة يقصر؛ لكنه يُعرف بالمشاهدة، فمتى رأيت الحُمْرة في الأُفُقِ قد زالت فهذا دليل على أن وقت المَغْربِ قد انقضى، وهو يتراوح ما بين ساعة وربع، إلى ساعة ونصف وثلاث دقائق تقريباً بعد الغروب.
قوله: «ويُسَنُّ تعجيلُها» ، أي: يُسَنُّ تعجيل صلاة المَغْرب؛ لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصلِّيها إذا وجبت[(203)]، أي: إذا وجبت الشَّمس وغربت؛ فيُبادر بها، لكن المبادرة ليس معناها أنه حين ما يؤذِّن يقيم، لأنَّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «صَلُّوا قبل المغرب»، قالها ثلاثاً، ثم قال في الثالثة: «لمن شاء»[(204)]، وكان الصَّحابة رضي الله عنهم إذا أذَّن المغربُ يقومون فيُصلّون، وكان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يراهم ولا ينهاهم[(205)]، وهذا يدلُّ على أن معنى التَّعجيل أن يبادر الإنسان من حين الأذان، ولكن يتأخَّر بمقدار الوُضُوء والركعتين وما أشبه ذلك.
قوله: «إلا ليلة جَمْعٍ» ، جَمْع اسم «مُزْدَلِفة»، وسُميت جَمْعاً؛ لاجتماع الناس فيها ليلة العيد، من قريش وغيرهم، و«عَرَفة» لا يجتمع فيها الناس؛ لأن قريشاً في الجاهلية كانوا لا يقفون في «عرفة»، ويقفون في «مزدلفة».
قوله: «لَمن قَصَدها مُحْرماً» ، أي: قصد «جَمْعاً» محرماً، فالضَّمير هنا يعود على «جَمْع»، وليس على الصَّلاة، ولو قال المؤلِّف رحمه الله: إلا ليلة مُزْدَلفة للحاجِّ لكان أوضح وأخصر، وهو مؤدَّى العبارة، لكن كثيراً من الفقهاء، ولا سيّما أصحاب المذاهب المقلِّدة، يتناقلون العبارة من أوَّل مَنْ عَبَّر بها إلى آخر من تكلَّم بها، ولا سيَّما وأن هذا الكتاب مختصر من «المقنع» للموفق، فتجده تَبِع في العبارة من سبقه.
وعلى كُلٍّ؛ فالمؤلِّف رحمه الله استثنى في صلاة المغرب مسألة واحدة وهي: الحاجُّ إذا دفع من «عَرَفة» فإنه لا يُصلِّي في «عَرَفة» ولا في الطريق، بل يُصلِّي في «مُزْدَلفة».
ودليل ذلك: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما نزل وبَالَ في «الشِّعْبِ» قال له أسامة بن زيد ـ وكان رديفاً له ـ: الصَّلاةَ يا رسول الله، فقال: «الصَّلاةُ أمامك»[(206)] فلم يصلِّ. إذاً؛ يؤخِّرها إلى مُزْدَلِفة. واستثنى فقهاؤنا رحمهم الله في الكتب المطوَّلة: إن لم يُوافها وقت الغروب[(207)]، أي: إن لم يَصلْ إليها وقت الغروب، فإن وافاها في ذلك الوقت صلاَّها في وقتها وبادر بها.
فإن قال قائل: لو تأخَّرتُ في الطريق، وخفتُ أن يخرج وقتُ العشاء، فماذا أصنع؟
فالجواب: إذا خاف خروج الوقت وجب عليه أن ينزل فيصلِّي، فإن لم يمكنه النُّزول صَلَّى، ولو على ظهر راحلته.

مُحْرِماً وَيَلِيه وَقْتُ العِشَاءِ إِلى الفَجْرِ الثَّانِي وَهُوَ: البَيَاضُ المُعْتَرِضُ ...........
قوله: «وَيَلِيه وَقْتُ العِشَاءِ إلى الفَجْرِ الثَّانِي وَهُوَ: البَيَاضُ المُعْتَرِضُ» .
أي: يلي وقتَ المَغْرب وقتُ العشاء، وعلى كلام المؤلِّف يمتدُّ إلى طلوع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض، وعلى هذا تكون صلاة العشاء أطول الصَّلوات وقتاً؛ لأنها من خروج وقت المَغْرب إلى طلوع الفجر الثَّاني.
والفجر الثاني بيَّنه المؤلِّف بقوله: «وهو البياض المعترض» في الأُفق، يعني: من الشَّمال إلى الجنوب.
وأفادنا المؤلِّف رحمه الله بقوله: «إلى طُلوع الفجر الثاني» أنَّ هناك فجراً أوّل وهو كذلك. والفجر الأوَّل يخرج قبل الثَّاني بنحو ساعة، أو ساعة إلا ربعاً، أو قريباً من ذلك.
وذكر العلماء أن بينه وبين الثاني ثلاثة فُروق[(208)]:
الفرق الأول: أن الفجر الأوَّل ممتدٌّ لا معترض، أي: ممتدٌّ طولاً من الشَّرق إلى المغرب، والثاني معترض من الشّمال إلى الجنوب.
الفرق الثاني: أن الفجر الأوَّل يُظلم، أي: يكون هذا النُّور لمدَّة قصيرة ثم يُظلم، والفجر الثاني: لا يُظلم بل يزداد نوراً وإضاءة.
الفرق الثالث: أن الفجر الثَّاني متَّصل بالأُفق، ليس بينه وبين الأُفق ظُلمة، والفجر الأوَّل منقطع عن الأُفق، بينه وبين الأُفق ظُلمة.
والفجر الأوَّل لا يترتَّب عليه شيء من الأمور الشرعيَّة أبداً، لا إمساك في صوم، ولا حِلُّ صلاة فجر، فالأحكام مرتَّبة على الفجر الثَّاني.
والدَّليل على دخول وقتها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص[(209)] وحديث جبريل[(210)]، فإنهما يدلاَّن على أنَّ وقت العشاء يدخل بمغيب الشَّفق.
والدَّليل على أنّ آخر وقتها إلى طلوع الفجر قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس في النَّوم تفريط، إنَّما التفريط على من أخَّرَ الصَّلاة حتى يدخل وقتُ الصَّلاة الأُخرى»[(211)]. قالوا: فهذا دليل على أن أوقات الصَّلاة مُتَّصِلة، وإذا كان كذلك فآخِرُ وقتِ العشاء الآخرة وقتُ طلوع الفجر[(212)].
ولكن هذا ليس فيه دليل؛ لأن قوله: «إنما التفريط على من أخَّرَ الصَّلاة حتى يدخل وقتُ الصَّلاة الأُخرى»، يعني: فيما وقتاهما متَّصل، ولهذا لا يدخل فيه صلاة الفجر مع صلاة الظُّهر بالإجماع[(213)]، فإن صلاة الفجر لا يمتدُّ وقتُها إلى صلاة الظُّهر بالإجماع. وإذا لم يكن في هذا الحديث دليل؛ فالواجب الرُّجوع إلى الأدلَّة الأخرى، والأدلَّة الأخرى ليس فيها دليل يدلُّ على أن وقت العشاء يمتدُّ إلى طلوع الفجر، بل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص[(214)]، وحديث جبريل[(215)]، يدلاَّن على أن وقت العشاء ينتهي عند منتصف الليل.
وهذا الذي دلّت عليه السُّنَّة، هو الذي دلَّ عليه ظاهر القرآن؛ لأن الله عزّ وجل قال في القرآن: {{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ}} [الإسراء: 78] ، أي: من دُلُوك الشَّمس، لكن أتى باللام للدَّلالة على أن دخول الوقت عِلَّة في الوجوب، أي: سبب، ولهذا قال الفقهاء: الوقت سبب لوجوب الصَّلاة، وشرط لصحَّتها[(216)]. والدليل على أن اللام بمعنى «من»: الغاية «إلى»، والغاية يكون لها ابتداء كأنَّه قال: «مِنْ دُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْل»، لكن أتى باللام إشارة إلى أنَّ دخول الوقت عِلَّة الوجوب، ويكون غَسَقُ الليل عند منتصفه؛ لأن أشدَّ ما يكون الليلُ ظُلمة في النصف، حينما تكون الشَّمس منتصفة في الأُفق من الجانب الآخر من الأرض. إذاً: من نصف النَّهار الذي هو زوالها إلى نصف الليل جعله الله وقتاً واحداً؛ لأن أوقات الفرائض فيه متواصلة، الظُّهر، يليه العصر، يليه المَغْرب، يليه العِشَاء، إذاً ما بعد الغاية خارج، ولهذا فَصَلَ فقال: {{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}} فَفَصَل وجعل الفجر مستقلاً، فدلَّ هذا على أن الصَّلوات الخمس أربعٌ منها متتالية، وواحدة منفصلة.
فالصَّواب إذاً: أنَّ وقت العِشَاء إلى نصف الليل.
ولكن ما المراد بنصف الليل؟ هل الليل من غروب الشَّمس إلى طُلوعها؟ أو من غروب الشَّمس إلى طُلوع الفجر؟
أما في اللغة العربية: فكلاهما يُسمَّى ليلاً، قال في «القاموس»: «الليل: من مغرب الشَّمس إلى طُلوع الفجر الصَّادق أو الشمس»[(217)].
أما في الشَّرع: فالظَّاهر أن الليل ينتهي بطلوع الفجر، وعلى هذا نقول: الليل الذي يُنَصَّفُ من أجل معرفة صلاة العشاء: من مغيب الشَّمس إلى طُلوع الفجر، فنِصْفُ ما بينهما هو آخر الوقت، وما بعد منتصف الليل ليس وقتاً للصَّلاة المفروضة، إنما هو وقت نافلة وتهجُّد.

وتَأْخِيْرُهَا إِلى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ إِنْ سَهُلَ.
قوله: «وتأخيرها إلى ثُلُثِ الليل أفضل إن سَهُلَ» ، فإن شَقَّ فَتُعَجَّل في أوَّل الوقت، ثم إذا سَهُلَ فالأفضل تأخيرها إلى ثُلُث الليل.
دليل ذلك: حديث أبي بَرْزَة رضي الله عنه قال: «كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يستحبُ أن يؤخِّرَ العشاء»[(218)]، وفي حديث جابر رضي الله عنه: «إذا رآهم اجتمعوا عَجَّلَ، وإذا رآهم أبطؤوا أخَّرَ»[(219)]، وثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه تأخَّر ذات ليلة حتى ذهب عامةُ الليل، فقامَ إليه عمرُ فقال: يا رسول الله، نامَ النساءُ والصبيانُ، [فخرج ورأسُه يقطرُ ماءً] وقال: «إنه لوقتها لولا أن أشقَّ على أمتي»[(220)]. فهذه أدلَّة واضحة على أن تأخيرها إلى ثُلث الليل أفضل، ولكن إن سَهُلَ، وإن صَلَّى بالنَّاس فالأفضل مراعاة النَّاس، إذا اجتمعوا صَلَّى، وإن تأخَّروا أخَّر. كما في حديث جابر.
وإذا كانوا جماعة محصورين لا يهمهم أن يعجِّل، أو يؤخِّر فالأفضل التأخير. والنساء في بيوتهن الأفضل لهنَّ التَّأخير إن سَهُل.
فإن قال قائل: هل الأَولى مراعاة تأخير الصَّلاة إلى آخر الوقت، أو الصلاة مع الجماعة؟
فالجواب: الصَّلاة مع الجماعة؛ لأن صلاة الجماعة واجبة، والتأخير مستحبٌّ، ولا مقارنة بين مستحبٍّ وواجب. وظاهر كلامه أن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل جائز؛ لأنه لم يُفصح أنه وقت ضرورة، وقد صرَّح غيره بأنه وقت ضرورة لا يجوز تأخير الصَّلاة إليه إلا لضرورة، وقد سبق أن الصحيح أن وقتها ينتهي بنصف الليل.

وَيَليهِ وَقْتُ الفَجْرِ إِلى طُلُوعِ الشَّمسِ.
قوله: «ويليه وقتُ الفَجْرِ إلى طُلُوعِ الشَّمسِ» ، لم يُبيِّن المؤلِّفُ ابتداء وقت الفجر؛ لأنه يرى أن وقت العشاء يمتدُّ إلى طلوع الفجر، ولهذا قال: «ويليه وقتُ الفَجْرِ» فيكون من طلوع الفجر الثَّاني إلى طلوع الشَّمس.
ومقداره بالسَّاعة يختلف، قد يكون ساعة ونصفاً، وقد يكون ساعة وربعاً كالمغرب. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: «من ظَنَّ أن حِصَّة الفجر كحِصَّة المغرب فقد أخطأ وغلط»، أي: أن بعض النَّاس يجعل ساعة ونصفاً بين طُلوع الفجر وطُلوع الشَّمس، وساعة ونصفاً بين مغيب الشمس ومغيب الشفق شتاءً وصيفاً، يقول شيخ الإسلام: هذا خطأ، وليس بصحيح؛ لأن مقدار ما بين طُلوع الفجر وطُلوع الشَّمس في أيام الشتاء يطول لتصاعد الأبخرة إلى فوق؛ فينعكس عليه ضوءُ الشَّمس مبكِّراً؛ فتطول حِصَّةُ الفجر، وعكس ذلك في الصيف، وإذا طالت حِصَّة الفجر قَصُرَت حِصَّةُ المغرب، والعكس بالعكس. وعلى كُلٍّ؛ هذه ظواهر أُفقيَّة يمكن أن يُطَّلَع على أكثر مما قال شيخ الإسلام رحمه الله.
أما بالنسبة للمُشَاهد، فإذا كنت في بَرٍّ وليس حولك أنوار تمنع الرؤية ولا قَتَرٌ، فإذا رأيت البياض ممتدًّا من الشِّمال إلى الجنوب فقد طلع الفجرُ ودخل وقتُ الصَّلاة، أما قبل أن يتبيَّن فلا تصلِّ الفجر.
وقوله: «إلى طُلوع الشَّمس» ودليل ذلك: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي أخرجه مسلم وغيره. وبعد طُلوع الشَّمس إلى زوال الشَّمس ليس وقتاً لصلاة مفروضة، كما أن من نصف الليل إلى طُلوع الفجر ليس وقتاً لصلاة مفروضة على القول الرَّاجح.

وَتَعْجِيْلُها أَفْضَلُ ...........
قوله: «وَتَعْجِيْلُها أَفْضَلُ» ، أي: تعجيل صلاة الفجر في أوَّل وقتها أفضل. دليل ذلك ما يلي:
أولاً: من القرآن: قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] ، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] ، {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21] ، وهذا يحصُل بالمبادرة بفعل الطَّاعة.
ثانياً: من السُّنَّة: أن الرَّسولَ عليه الصَّلاة والسَّلام كان يصلِّيها بغَلَس، وينصرف منها حين يعرفُ الرَّجُلُ جليسَه، وكان يقرأ بالسِّتين إلى المائة، وقراءة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم مرتَّلة، يقف عند كلِّ آية مع الرُّكوع والسُّجود وبقيَّة أفعال الصَّلاة، فدلَّ ذلك على أنَّه كان يُبادر بها جداً.
ثالثاً: من حيثُ المعنى: أنَّ المبادرة أفضل، وذلك لأنَّ الإنسان لا يدري ماذا يعرض له، قد يدخل الوقت وهو صحيح معافى، واجدٌ لجميع شروط الصَّلاة، ثم يطرأ عليه ما يمنعه من فعل الصَّلاة، أو من كمالها بمرض أو موت أو حَبْسٍ أو غير ذلك، فكان مقتضى النَّظَرِ أن يتقدَّم بفعلها.
وأما من رأى أن تأخير الفجر أفضل واستدلَّ بحديث: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم لأجوركم»، فهذا الحديث ـ إن صَحَّ ـ فالمراد به: ألا تتعجَّلوا بها حتى يتبيَّن لكم «السَّفْرُ»، أي: الإسفار وتتحقَّقُوا منه، وبهذا نجمع بين هدي النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم الرَّاتب الذي كان لا يَدَعُهُ وهو التَّغليس بها، وبين هذا الحديث.
فإن قيل: ما الحكمة في جعلها في هذه الأوقات؟
فالجواب:
أمَّا الفجر: فإن ظُهور الفجر بعد الظَّلام الدَّامس من آيات الله عزّ وجل التي يستحقُّ عليها التَّعظيم والشُّكر، فإن هذا النُّور السَّاطع بعد الظَّلام الدَّامس لا أحد يستطيع أن يأتيَ به إلا الله؛ لقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيَكُمْ بِضِيَاءٍ} [القصص: 71] .
وأما الظُّهر: فلأنَّ انتقال الشَّمس من الناحية الشرقية إلى الغربية أيضاً من آيات الله عزّ وجل، فإنه لا يستطيع أحدٌ أن ينقلها من هذه الجهة إلى هذه الجهة إلا اللَّهُ عزّ وجل.
وأما العصر: فلا يظهر لنا فيها حكمة، ولكنَّه لا شَكَّ أن لها حكمةً بالغةً.
وأما المغرب: فالحكمة فيها كالحكمة في صلاة الفجر، وهو أن الليل من آيات الله عزّ وجل العظيمة التي يستحقُّ عليها الشُّكر والتَّعظيم.
وكذلك نقول في العِشَاء: لأنَّ مغيب الشَّفق وزوال آثار الشَّمس، هو أيضاً من الآيات العظيمة الدَّالة على كمال قدرة الله عزّ وجل وحكمته.


  #6  
قديم 27 رجب 1432هـ/28-06-2011م, 09:05 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح الزاد للشيخ حمد الحمد

الشروط : جمع شرط وهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته .
قال المؤلف رحمه الله تعالى : ( شروطها قبلها منها الوقت )
أي شروط الصلاة قبلها ، فالوضوء أو الغسل وهو الطهارة من الحدث وكذلك الطهارة من النجس ، واستقبال القبلة ، فهذه كلها يجب أن تكون قبل الصلاة .
وهذا ضابط في شروط الصلاة وأن كل شروطها يجب أن تكون قبلها إلا النية فإنها تصح مقارنة لها فجميع شروط الصلاة يجب أن تتوفر قبلها إلا النية فإنها تصح مقارنة لها .
ويجب في الشروط أن تستمر في العبادة ، وهذا هو الفارق بين الشرط والركن ، فالشرط في العبادة يستمر فيها ، أما الركن فإنه يمكث فيها زمناً فلا يستمر فيها كلها فالركوع مثلاً ركن ، وهذا الركن لا يتخلل إلا زمناً منها أما الوضوء فهو شرط منها كلها بحيث أنه يجب أن يشملها فلو تخلل ذلك شيئاً من الحدث فإن العبادة تبطل .
ومن الشروط : الإسلام ، فمن لا إسلام له لا عبادة له كما تقدم ، فإن العبادة مشروطة بالإسلام ، فلا يقبل الله عبادة بلا إسلام .
ومنها العقل : فلا تقبل عبادة من مجنون ولا غير مميز ؛ لأن النية شرط في العبادة ومن لا عقل له لا نية له .
قال المؤلف : ( منها الوقت )
وهذا بالإجماع ، والوقت من التوقيت وهو التحديد ، فالصلوات لها أوقات محددة شرعاً ، فكل صلاة لها وقتها المحدد شرعاً وهذا بالإجماع ، وسيأتي ذكر الأدلة عليه .
قال المؤلف : ( والطهارة من الحدث )
لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ))
قال : ( والنجس )
أي الطهارة من النجس ، فمن شروطها الطهارة من النجاسة بدناً وثوباً وبقعة وهذا بالإجماع وسيأتي الكلام عليه .
فهذه ثلاثة شروط قد أجمع عليها أهل العلم وهي الوقت والطهارة من الحدث والطهارة من النجس ، وقد تقدم اشتراط الإسلام والعقل . ثم شرع المؤلف رحمه الله في ذكر شرطية الوقت ومباحثه .
فقال : ( فوقت الظهر )
اعلم أن الوقت كما قال شيخ الإسلام هو آكد شروطها ولذلك شرع التيمم مع فقد الماء الذي هو الأصل في الطهارة وانتقل من ذلك إلى التطهر بالتراب لمصلحة المحافظة على الوقت .
وقد شرع بوقت الظهر أولاً ، لأن وقت الظهر هو أول وقت صلاة جبريل لما أمَّ النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في المسند وسنن الترمذي وغيره وأصله في مسلم . وأيضاً لما ثبت في مسلم – وهو أصل من أصول إثبات المواقيت حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( وقت الظهر … )) فشرع أولاً بوقت صلاة الظهر - فكان الأولى اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وجبريل – كان الأنسب والأولى هو البداءة بذلك .
وإلا فإن أول صلاته هي صلاة الفجر ، فهي أول صلاة النهار ، وقد تقدم أثر ابن عمر في تسمية الفجر بالأول ، وسيأتي أن العصر هي الصلاة الوسطى ، لذا شرع بعض أهل العلم كأبي الخطاب الحنبلي ، شرع أولاً بالكلام على صلاة الفجر لكن الأنسب ما تقدم .
قال : ( من الزوال إلى مساواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال )
الفيء هو الظل بعد الزوال سمي فيئاً من فاء إذا رجع ، أما الظل قبل الزوال فلا يسمى فيئاً.
ولفظة " الظل " شاملة للظل قبل الزوال وبعده .
أما لفظة " الفيء " فهي خاصة بالظل بعد الزوال .
فوقت الظهر من زوال الشمس أي زوالها عن وسط السماء إلى جهة المغرب ، وهذا لا يدرك بالعين ، لكنه يميز بالظل ، فعندما ينصب عصاً أو نحوه ويكون الظل أولاً ناحية المغرب ثم كلما ارتفعت الشمس كلما قصر هذا الظل حتى تقف عند حد معين ثم بعد ذلك تتحرك الشمس من وسط السماء وبعده الظل إلى الحركة بعد التوقف ، فعند رجوعه هذا هو علامة زوال الشمس فحينئذ : يعرف أنه قد زالت الشمس .
وهذا الظل الذي ثبت للعصا يزيد وينقص ، فيختلف طوله وقصره صيفاً وشتاءً ، فإن في الشتاء يطول وفي الصيف يقصر ، لأن الشمس مرتفعة في الصيف فيقصر ، أما في الشتاء فهي أقل ارتفاعاً منها فيكون حينئذٍ الظل أطول منه في الصيف .
إذن : عندما يقف الظل بعد امتداده ثم يشرع بالامتداد مرة أخرى فهذا هو علامة زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر .
قال : ( إلى مساواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال ) هذا نهاية الوقت .
فالظل الثابت في الشاخص لا يحسب ، فلابد أن يكون الفيء مساوياً للشاخص بعد فيء الزوال .
فمثلاً : وضعنا شاخصاً طوله متر ، فكان توقفه على ربع متر ثم أخذ بالزيادة فلا تحسب هذه في المساواة فإذا وصل الظل إلى متر وربع فهذا انتهاء وقت صلاة الظهر .
والدليل على ذلك : حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ووقت المغرب ما لم يغب الشفق ووقت العشاء إلى نصف الليل الأوسط ووقت الفجر إذا طلع الفجر ما لم تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة فإنها تطلع بين قرني شيطان )) رواه مسلم .
الشاهد : قوله " وقت الظهر إذا زالت الشمس " هذا أول وقتها ، وقوله : " وكان ظل الرجل كطوله " هذا نهاية وقتها .
قال : ( وتعجيلها أفضل إلا في شدة الحر )
لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم : (( كان يصلي الظهر إذا دحضت الشمس )) أي زالت .
قالت عائشة – كما في الترمذي بإسناد ضعيف وله شاهد في مسند أحمد عن أم سلمة فالحديث حسن – قالت عائشة : ( ما رأيت أشد تعجلاً للظهر من النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ).
وثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( كان إذا كان البرد عجل وإذا كان الحر أبرد ))
إذن : المستحب في صلاة الظهر تعجيلها ، فإذا زالت الشمس وتقدم المكث بين الأذان والإقامة فحينئذ تقام صلاة الظهر .
ما لم يكن الحر شديداً لذا قال : ( إلا في شدة الحر ) فبقي ما إذا كان الجو بارداً أو معتدلاً أو قريباً من الاعتدال أما إذا كان شديد الحر فالمستحب هو الإبراد ، لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم )) أي من سعة انتشار حرارتها .
ومعنى " أبردوا " : أي ادخلوا في البرد بأن تصلي في وقت قد ذهب فيه حرارة الشمس .
وهذا الوقت – في الحقيقة – ليس محدداً إلا بهذا المعنى وهو متى : انكسر الحر وكان للجدران ونحوها ظل يستظل به الناس فإنها تشرع صلاة الظهر .
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي ذر الغفاري قال : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( أبرد )) ثم أراد أن يؤذن فقال له : (( أبرد )) حتى رأينا فيء التلول ) والتلول : جمع تل ، وهو ما يكون على ظهر الأرض من المجتمع من رمل أو تراب ، وهذا في الحقيقة لا يظهر له الفيء إلا بعد فوات شيء كثير من وقت صلاة الظهر حتى يدنو وقت العصر ، حتى ثبت في البخاري : ( حتى ساوى الظل التلول ) .
إذن : لم يحضر وقت العصر لأنه لابد أن يساويه ويساوي الظل الذي كان لها قبل الزوال فإنه يدل على أنه صلاها قبل دخول وقت صلاة العصر ، فهذا تأخير ظاهر فيها .
فإذا انكسر الحر وبرد الجو فإنه يشرع له أن يصلي ،وقد تقدم حديث البخاري : ( كان إذا كان البرد عجل ، وإذا كان الحر أبرد )
قال : ( ولو صلى وحده )
هنا مسألة وهي : هل هذا شامل لمن صلى وحده كما هو شامل لمن صلى جماعة ؟
لا إشكال في أن من صلى جماعة فيشرع له الإبراد وهذا فيما إذا كانت الطرق متعرضة للشمس كما هو الغالب فلا إشكال في مشروعية مثل هذا .
وإنما الإشكال فيمن يصلي وحده ، وكذلك قد يشكل هذا في هذه الأزمان فقد يوجد أماكن تكون الطرق فيها مغطاة عن الشمس ، فهل يشرع في مثل هذه الحال الإبراد أم لا ؟
قال هنا : ( ولو صلى وحده ) وهذا هو المذهب ، وهو مذهب أبي حنيفة واختاره ابن المنذر وشيخ الإسلام وحكاه عن أهل الحديث وأن السنة تعزر ذلك ولا ندفعه وأن الجمهور على ذلك هذا ما حكاه شيخ الإسلام – فذلك مستحب ولو صلى وحده ( لعذر ) .
- وذهب الإمام الشافعي : إلى أن ذلك لا يستحب لمن صلى وحده بل ذلك خاص فيمن يصلون جماعة ؛ لأنهم يحتاجون إلى الإبراد لتكون الطرق فيها شيء من الظل يستظلون به ، وهذا على القول بأن العلة من الإبراد هي ما ذكروه .
ولكن هذا ليس بمسلم ، فقد ذكر ابن رجب في شرح البخاري : أن أهل العلم قد اختلفوا في المعنى الذي من أجله شرع الإبراد فقيل : هو لتمام الخشوع في الصلاة ، فمن صلى في شدة الحر يكون خشوعه ليس كما لو كان في وقت الإبراد .
وقيل : لتنفس جهنم – كما ثبت في الصحيحين – وهذا أمر معنوي ، فلما كان ذلك وقت تنفس جهنم ناسب تأخير العبادة – وهذا المعنى يبقي الأمر على ما تقدم .
والمعنى الثالث : كما ذكره الشافعي من أنه يكون للحيطان ظل يستظلون به .
والراجح هو شمول مشروعية الإبراد لهذه المعاني كلها لنفس جهنم ولأن الخشوع يكون ليس كما لو كان في ذلك الوقت وكذلك لوجود الحر الشديد في الطرقات ، فلهذه المعاني كلها شرع الشارع هذا الحكم – وحينئذ- : يبقى الحكم على ما ذهب إليه الإمام أحمد وغيره وأن الإبراد مشروع سواء صلوا متفرقين أو مجتمعين .
قال : ( أو مع غيم لمن يصلي جماعة )
فإذا كان ثمت غيم فيشرع التأخير ، وعللوا ذلك باحتمال المطر واحتمال الريح ، فوجود الغيم مظنة ذلك فقالوا : يشرع تأخيرها إلى قبيل وقت العصر بحيث يمكث الناس بعد صلاة الظهر يسيراً فيؤذن العصر ثم يصلون العصر في أول وقتها ، فيكون ذلك جمعاً صورياً .
وحينئذ : لا يكون هذا المعنى خاصاً لصلاة الظهر والعصر بل كذلك في المغرب والعشاء ، فتؤخر المغرب إلى آخر وقتها وتصلى العشاء في أوله – فهذا جمع صوري .
والجمع الصوري جائز مطلقاً ، ولكن هل هو مستحب في مثل هذه الحال ؟
القول باستحبابه قول جيد وهو مذهب الإمام أحمد في المشهور عنه ومذهب أبي حنيفة – خلافاً للشافعي ومالك – حيث قالوا : السنة أن تصلى في وقتها لعمومات الأدلة الشرعية .
لكن القول الأول حسن لإزالة ما يُخشى من المشقة ، هذا إذا كانت الدواعي قوية في ذلك ، أما إن لم تكن كذلك بأن كانت ضعيفة فحينئذ : يبقى على الأصل فتصلي الصلاة في وقتها .
إذن : إن كان هناك غيم والأمطار محتملة احتمالاً قوياً والريح كذلك فلإزالة هذه المشقة يستحب لهم أن يؤخروا الظهر إلى آخر وقتها ثم يصلون العصر في أول وقتها وكذلك المغرب والعشاء لإزالة المشقة المتقدمة .
أما إذا كان الغيم موجوداً لكن احتمال الأمطار والريح ونحو ذلك مما يلحق الناس المشقة في حضورها إلى المسجد ليس بتلك القوة ، فإن الأصل هو البقاء على الأصل من استحباب الصلاة في أول وقتها .
ولكن هنا قال : ( لمن يصلي جماعة ) ، لأن المعنى هنا واضح وهو احتمال نزول المطر وشدة الريح حيث كانوا مجتمعين .
أما إذا كانــوا متفرقين يصلون في بيوتهم فإن هذه العلة ليست بموجودة فحينئذ نبقى على الأصل .
ويستثنى من استحباب تأخير صلاة الظهر ، في شدة الحر – يستثني من ذلك صلاة الجمعة ، إذ الثابت عن النبي كما في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع قال : ( كنا نجمع مع النبي إذا زالت الشمس ) فالثابت عنه أنه كان يجمع إذا زالت الشمس ولم يثبت عنه صلاتها مؤخرة ، بل الثابت عن أنه كان يصليها إذا زالت الشمس حتى قال الصحابي : ( ما كنا نقيل ولا نتغدى يوم الجمعة إلا بعد صلاة الجمعة )كما ثبت في الصحيح : والقيلولة إنما تحتاج إليها في الغالب في الحر .
ثم إن المعاني الموجودة في صلاة الجمعة غير المتوفرة في صلاة الظهر فدعى إلى ترك هذا الحكم وهو التأخير حيث إن المستحب في صلاة الجمعة هو التبكير إليها ، وحيث عجل الناس إليها ثم أخرت يكون في ذلك مشقة على المجتمعين .
ثم إنها يجتمع إليها الناس من أماكن بعيدة بخلاف صلاة الجماعة فإن الغالب أن يحضرها القريب .
أما صلاة الجمعة فيأتيها الناس عن بعد فيشق عليهم أن تؤخر هذا التأخير الظاهر لذا استثنى أهل العلم من الحنابلة وغيرهم يوم الجمعة لهذه المعاني المتقدمة .
قال المؤلف رحمه الله : ( ويليه وقت العصر إلى مصير الفيء مثليه بعد فيء الزوال )
" ويليه " : أي يلي وقت الظهر وقت العصر بلا فاصل بينهما فليس بينهما فاصل ، بل ينتهي وقت الظهر فيبدأ وقت العصر .
فإذا كان ظل الرجل كطوله تماماً فهذا هو نهاية وقت صلاة الظهر ، ثم إذا زاد زيادة ولو كانت يسيرة جداً فهذا هو وقت صلاة العصر فليس بينهما اشتراك ولا فاصل ، والمراد بالاشتراك أن يكون بينهما وقت مشترك بحيث يكون الوقت النهائي للظهر ، والابتدائي لصلاة العصر .
ودليل ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن عمرو : ( وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر ، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس )
قال : ( إلى مصير الفيء مثليه بعد فيء الزوال )
تقدم ذكر هذا الاحتراز في المسألة السابقة أي قوله " بعد فيء الزوال " .
فإذا كان ظل الرجل مثليه ، وليس فيء الزوال محسوباً في ذلك فقد خرج وقت العصر .
قالوا : ودليل ذلك ما رواه الترمذي وغيره والحديث صحيح في صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه أنه قال له : ( الوقت بين هذين ) وقد صلى في اليوم الأول في أول الوقت وفي اليوم الثاني في آخره ، وفيه أن جبريل صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم العصر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه ، وهذا هو مذهب الجمهور ، وأن وقت العصر ينتهي إذا كان ظل الرجل مثليه ، والمراد به وقت الجواز .
- وذهب الإمام أحمد في رواية عنه اختارها طائفة من أصحابه واختار ذلك شيخ الإسلام - واستظهره صاحب الفروع – : أن وقت الجواز لصلاة العصر يمتد ما لم تصفر الشمس فإذا اصفرت أو احمرت فقد انتهى وقت العصر .
واستدلوا : بحديث عبد الله بن عمرو وفيه : ( وقت العصر ما لم تصفر الشمس ) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم وقتها ممتداً ما لم يحدث اصفرار في الشمس .
وكذلك : ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( صل معنا هذين ) أي هذين اليومين ، وفعل النبي e ما فعله جبريل من الصلاة في اليوم الأول في أول الوقت ، وفي اليوم الثاني في آخره وفيه : ( ثم صلى العصر في اليوم الآخر والقائل يقول قد احمرت الشمس ) أي كادت تحمر الشمس . وهذا القول هو الراجح .
أما الجواب على الاستدلال بحديث جبريل : فالجواب أن يقال : هو حديث مكي ، وهذه أحاديث " أي حديث عبد الله بن عمرو وأبي موسى " أحاديث مدنية فهما متأخران عنه فيكونان ناسخين له ، فوقت الجواز ما لم تصفر الشمس.
قال : ( والضرورة إلى غروبها )
ما تقدم ذكره هو وقت الجواز وهو الوقت المختار فالمختار هو الذي تصلي فيه صلاة العصر فيكون فاعلها فيه قد أداها في وقتها الشرعي الذي لا يلحقه الإثم بفعلها فيه .
أما وقت الضرورة فهو ما بعد ذلك والصلاة تكون فيه أداءً لكنه يكون آثماً لصلاتها فيه إن لم يكن معذوراً .
لكن إذا غربت الشمس فصلاته تكون قضاءً لا أداءً .
إذن : كلاهما وقت للعصر لكن الأول وقت جواز ، والثاني وقت ضرورة ، فإذا اصفرت الشمس فقد خرج وقت الجواز ، وبدأ وقت الضرورة فإذا غربت الشمس فقد خرج وقت صلاة العصر .
وتقدم أن من صلى الصلاة في وقت الضرورة بلا عذر فإنه يأثم لقوله صلى الله عليه وسلم : (( تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً )) رواه مسلم . وفي رواية لأبي داود : (( فإذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني شيطان ))
فهذا الحديث يدل على إثم المؤخر لها إلى هذا الوقت فإن صلاها في هذا الوقت فإنه آثم إلا أن يكون معذوراً .
أما الدليل على صحة الصلاة في وقت الضرورة ، فهو ما يثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر )).
ففيه أن من أدرك ركعة من العصر – وهذا يكون عند احمرار الشمس قبل المغرب – فقد أدرك العصر ، لكنه يأثم للحديث المتقدم – إن لم يكن معذوراً ، فقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم من علامات النفاق وذم صاحبه ومثل هذا يدل على أنه محرم .
وإنما يسمى هذا ضرورة ؛ لأن هذا الوقت يتدارك به أهل الضرورة الصلاة ، كأن يبلغ الصبي أو يسلم الكافر أو تطهر الحائض أو يستيقظ النائم ونحوهم من أرباب الضرورات ، فيتداركون بذلك صلاة العصر فهو وقت ضرورة لهذا المعنى .
فإذن : صلاة العصر لها وقتان : وقت جواز ووقت ضرورة .
قال : ( ويسن تعجيلها )
لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي برزة الأسلمي قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم : ( يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله " منزله " في أقصى المدينة والشمس حية ) ، وثبت في مسلم عن أنس قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتي العوالي والشمس مرتفعة ) فهذا يدل على أنه كان يصليها في أول وقتها .
وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى التي قال تعالى فيها : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } وهذا لعظم شأنها ، فهي الصلاة الوسطى أي الصلاة الفضلى . فالوسطى مؤنث الأوسط أي الأفضل .
وقد ثبت ما يدل على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ثبت ما يدل على ذلك في غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر )) . وهذا مذهب أحمد وغيره من أهل الحديث ، أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ، والأحاديث مستفيضة في هذا الباب .


  #7  
قديم 27 رجب 1432هـ/28-06-2011م, 09:08 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي تابع شرح الزاد للشيخ حمد الحمد

قال : ( ويليه وقت المغرب إلى مغيب الحمرة ) .
فإذا غربت الشمس أي احتجبت وغاب قرصها جميعه فلم يبق منه شيء فلا يرى منه شيء فقد دخل وقت المغرب ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( وقت المغرب لم يغب الشفق )) .
قولـه : ( إلى مغيب الحمرة ) هذا الوقت النهائي لها ، والحمرة هي المعترضة في ناحية المغرب ، فهذه الحمرة هي الشفق الأحمر ، وقد قال صلى الله عليه وسلم (( ما لم يغب الشفق )) .
فإذا غربت الشمس ظهرت هذه الحمرة ، فإذا غابت فقد خرج وقت المغرب ,فأول وقت المغرب غروب الشمس وآخره غياب الشفق
* وقت المغرب ينقسم إلى وقتين :
1-وقت جواز .
2-وقت كراهية لا تحريم ، أي تأخير الصلاة إليه مكروه إلا لعذر أو حاجة .
فقد ثبت في سنن أبي داود ومسند أحمد بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قـال : (( لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم )) أي إلى انضمامها وظهورها ووضوحها . فإذا اشتبكت النجوم وظهرت في السماء ، فهذا أوان وقت كراهية صلاة المغرب ، أما قبل ذلك فهو وقت فضيلة .
إذن : وقت الفضيلة من غروب الشمس ما لم تشتبك النجوم فإذا اشتبكت فهو وقت كراهية ما لم يغب الشفق فيخرج بذلك وقت صلاة المغرب .
قال : ( ويسن تعجيلها ) وهذا باتفاق أهل العلم .
وقد ثبت في الصحيحين عن رافع بن خديج قال : ( كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فننصرف وإن أحدنا ليـبصر مواقع نبله ) أي في الأرض ، أي ما زال الجو فيه وضوح فلم تشتد بعد الظلمة بحيث أنه إذا رمى بالنبل فإنه يبصر مواقع نبله
وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان : ( يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب )
إذن : السنة في المغرب أن تعجل .
وتعجيل العصر والمغرب مطلق ، إلا صلاة المغرب يستثنى فيها ما تقدم من الاستثناء عند الغيم على المشهور في المذهب وأنها تؤخر في الغيم مع مظنة نزول المطر ، فإنها تؤخر إلى قبيل غياب الشفق فتصلى حينئذ ثم يؤذن لصلاة العشاء فتصلى فيكون الجمع صورياً .
قال : ( إلا ليلة جمع " مزدلفة " لمن قصدها محرماً )
أي لمن كان على هيئة الإحرام ، أما من لم يكن كذلك فإنه ليس له ذلك . وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع ليلة جمع كما صح ذلك في مسلم وغيره.
ولكن استثناء كون قاصدها محرماً ليس على إطلاقه .
نعم من ذهب إليها هكذا فلا يشرع له ذلك . لكن حيث كان مصاحباً للمحرمين فالظاهر أنه يفعل ما يفعلون .
فمن كان مصاحباً لهم كمن كان قائماً بشأن بعض الناس في الحج فإنه يصلي كما يصلون وإن لم يكن محرماً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد صحبه مثل ذلك، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حث أحداً بخلاف ما فعل ، (ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً) .
إذن : يشرع تأخير صلاة المغرب ليلة جمع .
ولكن هل هذا إلى وقت صلاة العشاء أو هو جمع صوري ؟ سيأتي تقرير هذا في باب الجمع .
إذن : المقصود : أن صلاة المغرب يستحب أن تعجل إلا حيث شرع الجمع .
فإذا شرع الجمع جمعاً صورياً فإنه يستحب تأخيرها إلى آخر وقتها .
وحيث لم نقل بالجمع الصوري وقلنا بأنه جمع حقيقي فحينئذٍ : نبقي على الأصل وهو استحباب تعجيلها مطلقاً لأنها إذا جمعت جمعاً حقيقياً فقد صليت في أول وقتها .
قال المؤلف رحمه الله : ( ويليه وقت العشاء إلى الفجر الثاني وهو البياض المعترض )
" ويليه " أي يلي وقت المغرب وهي نهاية المغرب وهو غياب الشفق الأحمر ، فإذا غاب فقد وجبت صلاة العشاء .
إلى الفجر الثاني : وهو الفجر الصادق وهو البياض المعترض في الجانب الشرقي .
فوقتها من غياب الشفق الأحمر إلى طلوع الفجر الصادق وهذا الوقت شامل لوقتي الجواز والضرورة .
أما وقت الجواز فإنه في المشهور من المذهب - إلى ثلث الليل – لذا قال المؤلف بعد ذلك : " وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل " .
واستدلوا - على أن آخره إلى ثلث الليل – بحديث إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني حيث أخر العشاء إلى ثلث الليل وقال له : ( الصلاة بين هذين الوقتين ) .
- وذهب الإمام أحمد في رواية عنه واختارها بعض أصحابه كالموفق والمجد ابن تيمية وغيرهم من فقهاء الحنابلة : إلى أن آخر وقت الجواز هو نصف الليل .
واستدلوا : بحديث عبد الله بن عمرو وفيه : (( ووقت العشاء إلى نصف الليل ))
وبما ثبت في البخاري عن أنس قال : ( أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ).
قالوا : فدل هذان الحديثان الأول من قوله والثاني من فعله – صلى الله عليه وسلم – على أن آخر وقت الجواز لصلاة العشاء هو نصف الليل .
وأما حديث جبريل فهو حديث مكي متقدم – وحينئذٍ – يرجح عليه الأحاديث المدنية .
وهذا هو الراجح - وأن وقت الجواز إلى نصف الليل – فإذا انتصف الليل فقد دخل وقت الضرورة فمن أخرها إلى ما بعد نصف الليل فقد أثم إن لم يكن معذوراً فهو وقت لأهل الضرورات .
فإن قيل : فما الدليل على ذلك ؟ فإن : حديث عبد الله بن عمرو ظاهر في أن آخر وقتها هو نصف الليل، وأن ذلك آخر وقتها مطلقاً – وهذا ما ذهب إليه بعض الشافعية وأن نصف الليل هو آخر وقت العشاء مطلقاً .
أما جمهور أهل العلم فقد ذهبوا : إلى أن آخر وقتها على الإطلاق طلوع الفجر ، ووقت الاختيار إما نصف الليل أو ثلثه على قولين ، والراجح أنه إلى نصفه كما تقدم .
ودليل ذلك : - أي كونه إلى طلوع الفجر – ما ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى )).
قالوا : فهذا ظاهر أن الصلوات متصلة بعضها ببعض ، فليس بينهما فاصل من الوقت ، بل لا ينتهي وقت صلاة إلا ويدخل وقت صلاة أخرى .
قالوا : وإنما يستثنى من ذلك ما دل الإجماع على استثنائه وهو صلاة الفجر ، فنهاية وقتها على الإطلاق هو طلوع الشمس بإجماع أهل العلم .
أما العشاء فليس فيها إجماع بل جماهير العلماء على ما تقدم .
قالوا : ويدل على ذلك آثار الصحابة – كما صح عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس في سنن البيهقي – أنهم أفتوا بالحائض تطهر قبل الفجر أنها تقضي الصلاة أي صلاة العشاء " .
قالوا : ولو لم يكن هذا من وقت العشاء لم يلزمها ولا يلزم غيرها من المعذورين من أهل الضرورات – لم يلزمهم قضاء العشاء ولا قضاء الصلاة المجموعة إليها .
وهذا القول هو الراجح للحديث المتقدم وللآثار عن الصحابة .
فعلى ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم إلى نصف الليل هذا نهاية وقت الجواز ، وما بعده فهو وقت ضرورة .
قال : ( وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن سهل )
أي إن كان في ذلك سهولة ولم يكن فيه مشقة على المأمومين أو بعضهم ، فالمستحب أن تؤخر إلى نصف الليل أو ثلثه ، والمذهب قال : " إلى ثلثه " لكون آخر وقت الجواز عندهم هو ثلث الليل ، والراجح أن آخر وقت الجواز نصف الليل فعلى ذلك يستحب تأخيرها إلى نصف الليل ما لم يكن في ذلك مشقة .
فإن كان في ذلك مشقة على المأمومين أو بعضهم فيكره ذلك ودليل الكراهية : ما ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به )). وهذا فيه مشقة .
ودليل استحباب تأخيرها : ما ثبت في الصحيحين عن أبي برزة الأسلمي قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة )
وثبت في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ))
وثبت في سنن النسائي وأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل )).
لكن النبي صلى الله عليه وسلم رفعاً للمشقة على المأمومين أو بعضهم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها في أول وقتها.
وقد ثبت عند الأربعة إلا ابن ماجه عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( كان يصليها – يعني العشاء – لسقوط القمر لثالثة ) وهذا يكون بعد غياب الشفق بوقت يسير قد لا يتجاوز ربع أو ثلث ساعة .
وقد ثبت في الصحيحين عن جابر قال : ( وأما العشاء فأحياناً وأحياناً إذا رآهم اجتمعوا عجّل وإذا رآهم أبطؤوا أخّر )
قال : ( ويليه وقت الفجر إلى طلوع الشمس )
أي من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس لحديث ابن عمرو : ( ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس ) وهذا بإجماع أهل العلم .
قال : ( وتعجيلها أفضل )
لما ثبت في الصحيحين عن جابر قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح بغلس ) أي في شدة الظلام .
وثبت في الصحيحين عن أبي برزة الأسلمي قال : ( وأما الصبح فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينفتل منها حين يعرف الرجل جليسه ، وكان يقرأ بالستين إلى المائة ) أي يعرف الرجل جليسه القريب منه ، وأما البعيد عنه فلا يعرفه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أطال بالصلاة ، فدل على أنه كان يعجلها .
وثبت في الصحيحين عن عائشة قالت : ( كن نساء المؤمنات يشهدن الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة ما يعرفهن أحد من الغلس ) فهذه الأحاديث تدل على استحباب تعجيلها .
فإن قيل:فما هو الجواب على ما رواه الخمسة بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(( أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر )) ؟
فالجواب : أنه يجب الجمع بينه وبين ما تقدم ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى استحباب تأخيرها ومشروعيته لكن الجواب على ذلك أن يقال : الإسفار المذكور هنا هو بيقين دخول الفجر، كما يقال : " أسفرت المرأة " أي كشفت عن وجهها .
فالمقصود : أن ينكشف الوقت عن دخول وقت الفجر فيكون ذلك متيقناً غير مشكوك فيه .
أي : تيقنوا وتثبتوا فلا تحكموا على الفجر بدخول وقتها إلا بعد تثبت وتبين ، والفجر هي أكثر الأوقات التي قد يحصل فيها اللبس ، فاللبس فيها أكثر من غيرها وأظهر .


  #8  
قديم 7 محرم 1435هـ/10-11-2013م, 10:58 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد/ الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول: من باب شروط الصلاة:
أخذنا في الباب أن من صلى إلى غير القبلة مجتهدا ثم تبين له أنه قد صلى إلى غيرها فصلاته صحيحة، أما من صلى قبل دخول وقت الصلاة مجتهدا ثم تبين له أنه قد صلى قبل الوقت فصلاته باطلة وعليه القضاء، فما الفرق بين المسألتين -أحسن الله إليكم- مع أن كليهما من الشروط؟
الجواب:الفرق أن الأول شرط متعلق بفعل المكلف يجب عليه مع القدرة؛ فإن عجز عنه سقط هذا الشرط.
وأما دخول الوقت فليس متعلقاً بفعل العبد ، وإنما هو توقيت من الشارع؛ فمن فعل العبادة قبل وقتها فهو أداء غير صحيح، ومن فعلها في وقتها فهو أداء صحيح، ومن فعلها بعد خروج وقتها فهو قضاء.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, شروط

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir