س1: ما تقول في دعوى أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كتب مصحفاً مرتّبا على النزول؟
ذكرت هذه الدعوى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسبب أثر رواه ابن عبد البر فيه أن علي جمع القرآن على تنزيله فقال : حدثنا خلف بن القاسم رحمه الله قال: حدثنا أبو جعفر عبد الله بن عمر بن إسحاق الجوهري بمصر، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين، قال: حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي، قال: حدثنا إسماعيل ابن علية، قال: حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، قال: (لما بويع أبو بكر أبطأ علي عن بيعته فجلس في بيته؛ فبعث إليه أبو بكر ما بطأك عني أكرهت إمرتي؟!).
فقال علي: (ما كرهت إمارتك، ولكني آليت أن لا أرتدي ردائي إلا إلى صلاة حتى أجمع المصحف)
قال ابن سيرين: (وبلغني أنه كتبه على تنزيله، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير).
قال ابن عبد البر: (أجمع أهل العلم بالحديث أن ابن سيرين أصح التابعين مراسل، وأنه كان لا يروي ولا يأخذ إلا عن ثقة وأن مراسله صحاح كلها ليس كالحسن وعطاء في ذلك والله أعلم) ا.هـ.
ونقول : أولا هذه الزيادة " وبلغني أنه كتبه على تنزيله، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير" عن ابن سيرين غير موجودة في الأثر الآخر .
ثانيا : هذه الزيادة منكرة غير صحيحة عن ابن سيرين ؛ لأن في إسنادها ابن رشدين، وقد كذَّبه الحافظ أحمد بن صالح المصري، وقال ابن عديّ: له مناكير.
ثالثا : أنه نقل عن ابن سيرين أنه سأل عكرمة عن أن يكون القرآن رتب الأول فالأول , في أثر رواه ابن الضريس فقال له : (لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه ذلك التأليف ما استطاعوا !!). وأقره ابن سيرين فقال : (أراه صادقاً).
رابعا : أن هذا الأثر السابق يدل على أن ابن سيرين يقر بأن القرآن يستحيل ترتيبه على التنزيل .
وبهذا يتبين بطلان هذه الدعوى من أن علي رضي الله عنه جمع القرآن على ترتيب النزول .
س2: ما الجواب عن خبر (لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة)؟
الجواب عن هذا الخبر هو أن هذا الخبر روي عن اثنين من الصحابة هما عمر بن الخطاب وزيد بن ثبت .
- خبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
قال محمد بن سلمة الباهلي: أخبرنا محمد بن إسحق عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى عمر بن الخطاب، فقال: (من معك على هذا؟)
قال: لا أدري والله إلا أني أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعيتها وحفظتها.
فقال عمر: (أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ثم قال: (لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا سورة من القرآن فضعوها فيها، فوضعتها في آخر براءة).
أولا : هذا الخبر ضعيف الإسناد ؛ لأن فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن , وفيه عباد بن عبد الله بن الزبير لم يدرك زمن الجمع .
ثانيا : أن الخبر منكر المتن لأسباب :
1 – أن زيادة (لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة) منكرة جداً.
2 – سياق الخبر مخالف للروايات الصحيحة من وجوه .
3 - قد صحّ أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم قد جمعوا القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا يجهلون موضع هاتين الآيتين .
- خبر زيد بن ثابت :
روى عمر بن شبّة في تاريخ المدينة وابن جرير في تفسير من طريق عمارة بن غزية، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (عرضت المصحف فلم أجد فيه هذه الآية {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} .... الحديث ) وفيه قال زيد: (ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة واحدة، ثم عرضته عرضة أخرى فلم أجد فيه شيئا )
أولا : هذا الأثر ضعيف الإسناد لأسباب :
1 – تفرد به عمارة بن غازية عن الزهري , فأخطأ في إسناده ومتنه , ولم يضبط ألفاظه , كما نبه الدارقطني على ذلك في العلل .
2 - رواه عمارة بن غزية عن الزهري فجعل مكان ابن السبَّاق خارجة بن زيد بن ثابت وجعل الحديث كله عنه.
3 - إنما روى الزهري، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه من هذا الحديث ألفاظا يسيرة ,وهي قوله: (فقدت من سورة الأحزاب آية قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت).
ثانيا : أن الخبر منكر المتن لأسباب :
1 – أن هذه الزيادة منكرة وهي معلولة مردودة .
2 – أنها مخالفة لإجماع الصحابة ومن بعدهم من أن ترتيب الآيات والسور توقيفي .
وبهذا ينبين أن هذا الخبر المنقول عن هذين الصحابيين لا يصح سندا ومتنا فلا يعول عليهما , وأن الصحيح عن الصحابة خلاف ذلك , بل الإجماع منعقد على أن هذا الترتيب من الآيات والسور توقيفي .
س3: ما تقول فيما روي عن ابن مسعود أنه كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه؟
أقول :
أولا : روي عن ابن مسعود روايات في هذا الشأن منها :
-- قال زرّ بن حبيش: قلت لأبي بن كعب: إنَّ ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فقال: "أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني: "أن جبريل قال له: قل أعوذ برب الفلق، فقلتها، فقال: قل أعوذ برب الناس، فقلتها ". فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم). رواه الإمام أحمد من طريق حماد بن سلمة قال: أخبرنا عاصم بن بهدلة عن زرّ به.
- وروى الإمام أحمد من طريق الأعمش، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال: كان عبد الله يحكّ المعوذتين من مصاحفه، ويقول: (إنهما ليستا من كتاب الله).
ثانيا : اختلف أهل العلم في نسبة هذا القول لابن مسعود , والصحيح نسبتها له كما ذكر سفيان بن عيينة والبزار وغيرهما من أهل الحديث .
ثالثا : التماس العذر لابن مسعود في هذا القول ؛ لأنه لم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في الصلاة , وأنه ظن أنهما معوذات يعوذ بهما وأنهما ليسا من القرآن .
قال ابن قتيبة: (ولكنّ عبد الله ذهب - فيما يرى أهل النظر - إلى أن المعوذتين كانتا كالعُوذة والرّقية وغيرها، وكان يرى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يعوّذ بهما الحسن والحسين وغيرهما، كما كان يعوّذ بأعوذ بكلمات الله التّامة، وغير ذلك، فظنّ أنهما ليستا من القرآن، وأقام على ظنّه ومخالفة الصحابة جميعاً كما أقام على التّطبيق، وأقام غيره على الفتيا بالمتعة، والصّرف ورأى آخر أكل البرد وهو صائم، ورآى آخر أكل السّحور بعد طلوع الفجر الثاني. في أشباه لهذا كثيرة)ا.هـ.
رابعا : أنه رضي الله عنه لم ينكر أنهما وحي من الله تعالى .
خامسا : أن ابن مسعود رضي الله عنه وإن كان من كبار القراء وكبار الصحابة فإنه غير معصوم من الخطأ , وأنه لم يتابعه على قوله أحد من الصحابة والتابعين .
سادسا : أن هذه الروايات عنه كانت قبل الجمع العثماني , وقبل أن يقام المصحف الإمام الذي أجمع عليه الصحابة وترك ما يخالفه .
سابعا : أنه قد يخطئ بعض القراء قبل الجمع على المصحف الإمام , فالخطأ من الأفراد قد يقع وهم معذورون لخطأهم مأجورون على اجتهادهم .
ثامنا : أنه قد صحت أحاديث بأن المعوذتين سورتين من القرآن ومنها :
- حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "ألا أعلّمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟"
قال: قلت: بلى يا رسول الله !قال: فأقرأني {قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ بربّ الناس} ).
- روى الإمام أحمد والطحاوي في شرح مشكل الآثار من طريق شعبة، عن الجريري، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن رجل من قومه أن رسول الله عليه السلام مر به، فقال: (اقرأ في صلاتك بالمعوذتين).
فهذه الأحاديث وغيرها تثبت قرآنية المعوذتين وأنهما سورتين من القرآن .
تاسعا : أن ابن مسعود رضي الله عنه رجع عن هذا القول إلى ما أجمعت عليه الأمة مما في المصحف الإمام , وبما ثبت عنه بالأسانيد التي يروى عنه القراءة بها .
عاشرا : ذهب بعض أهل العلم إلى أنكار ما صحة ما روي عنه في ذلك , كما فعل ابن حزم والنووي وغيرهما , وقد تعقب ابن حجر النووي وابن حزم في قولهم هذا وقال ببطلان قولهم وعدم صحته .
أحدى عشر : قد ذهب الكرجي القصاب وأبو بكر الباقلاني إلى أنّ ابن مسعود لم ينكر أنهما من القرآن، وإنما أنكر كتابتهما في المصحف، والروايات الصحيحة تردّ هذا التأويل.
اثنى عشر : حكى القرطبي عن بعضهم أنّ ابن مسعود لم يكتب المعوذتين لأنه أمن عليهما من النسيان، ثمّ ردّ عليهم بأنّ ما ذكروه متحقق في سورة الإخلاص والنصر والكافرون وغيرها وكان يكتبها.
وقد ذكر الشيخ عبد العزيز الداخل خلاصة هذه الأقوال فقال : والخلاصة أنّ ما روي عن ابن مسعود من أنه كان لا يكتب المعوذتين في المصحف صحيح عنه، لكنّه رجع عنه.
وقد روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي أنه قال: قال: قلت للأسود: من القرآن هما؟ قال: «نعم»، يعني: المعوذتين , والأسود بن يزيد من خاصّة أصحاب ابن مسعود.
س4: كيف تجيب باختصار عما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: «إن في القرآن لحنا ستقيمه العرب بألسنتها»؟
يجب عنه بأن يقال :
أولا : أن الخبر لا يصح عن عثمان رضي الله عنه فهو معلول الإسناد منكر المتن .
ثانيا : أن المراد بالقرآن هو القرآن المكتوب لا المتلو ؛ للاتفاق المتيقّن على أنّ القرآن في الذروة العليا من الفصاحة لا لحن فيه بوجه من الوجوه.
ثالثا : أن الروايات التي رويت في نفس المعنى أسانيد ضعيفة ومعلة .
رابعا : أن من العلماء من وجه هذه الروايات توجيهات لا نكارة فيها ومنها :
1 - أنّ المراد باللحن ظاهر رسم الكلمات التي تنطق على غير ما تكتب به ظاهراً، وأن هذا اللحن مأمون بإقامة القراء له بألسنتهم حتى تشتهر القراءة الصحيحة ويُعرف معنى الرسم. وهو قول الإمام المقرئ أبو الحسين ابن المنادى .
2 – أنه لما عرض عليه القرآن ورأى أنه توجد فيه أشياء على غير لغة قريش كما في ( التابوت , والتابوه ) , فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش , ثم وفى بذلك . وهو قول السيوطي .
قال الشيخ عبد العزيز الداخل : ومما تقدّم يتبيّن خطأ من حمل قول عثمان رضي الله عنه - فيما روي عنه - على ما يسمّى بمشكل الإعراب عند النحويين، إذ ما يذكرونه في مشكل الإعراب من القراءات المتواترة لا يصحّ أن يوصف باللحن، ولم يرده عثمان بحال.
س5: بيّن أهمّ الفوائد التي استفدتها من دراستك لدورة "جمع القرآن"
من الفوائد التي استفدتها من دراستي لدورة "جمع القرآن" :
1 – أن القرآن محفوظ بحفظ الله تعالى له .
2 – أن الأمة من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى أن تقوم الساعة يهتمون بالقرآن ويعتنون به أيما اعتناء .
3 – أن جمع القرآن مر بعدة مراحل حتى استقر على ما هو عليه الآن .
4 – أن أول جمع للقرآن كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان هذا الجمع حفظا في الصدور , وحفظا في العسب والألواح والأكتاف والقتب .
5 – أن ثاني جمع للقرآن كان على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان هذا الجمع جمعا للقرآن بين دفتين .
6 – أن سبب جمع القرآن في عهد أبي بكر هو كثرة القتل الذي استحر بالقراء في معركة اليمامة .
7 – أن ثالث جمع للقرآن كان على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه .
8 – أن سبب جمع القرآن في عهد عثمان هو كثرة الاختلاف بين القراء حتى وصل الحد ببعضهم أن كفر من لا يقرأ بقراءته .
9 – أن هذا الجمع الذي حدث في عهد عثمان رضي الله عنه كان سببا في جمع كلمة الأمة وحفظها من التفرق والاختلاف .
10 – أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعارض به أصحابه .
11 – أنه لم يرد أثر صحيح في تسمية المصحف بهذا الاسم , ولكن هذه التسمية كانت جارية على الأصل .
12 – أنه لا يجوز القراءة بما يخالف الرسم العثماني .
13 – أن الصحابة رضي الله عنهم إن خالف أحدهم في أمر فإنه سرعان ما يرجع إلى قول الجماعة ولا يخالفهم ولا يشق الصف .
14 – أن القرآن نزل على سبعة أحرف , واختلف أهل العلم في المراد بهذه السبعة أحرف إلى أقوال كثيرة .
15 – أن ترتيب السور والآيات توقيفي ليس اجتهادي .
16 – أن البسملة آية من القرآن , ولكنها ليست آية من كل سورة .
17 – أن بعض الصحابة كانت لهم مصاحف خاصة بهم , ولكن هذه المصاحف لا يقرأ بما فيها بعد الجمع العثماني .
18 – كتابة المصحف على ترتيب النزول أمر مستحيل حدوثه .
19 – أن بعض الملحدين , والمستشرقين وغيرهم أثاروا الشبهات على بعض الأمور في القرآن الكريم , ولكن تصدى لهذه الشبهات علماء الأمة بتجليتها وردها .
20 – أن هناك بعض الإشكالات التي تقع لبعض طلاب العلم في "جمع القرآن" , فقام أهل العلم بإزالة هذه الإشكالات عن أذهانهم وتوضيحها لهم .
والله أعلم