دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع (المجموعة الثانية)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 شوال 1442هـ/8-06-2021م, 10:36 AM
إدارة برنامج الإعداد العلمي إدارة برنامج الإعداد العلمي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2019
المشاركات: 2,051
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آسية أحمد مشاهدة المشاركة
]الرسالة التبوكية لابن القيم
الهجرة القلبية من أعظم التعاون على البر والتقوى

مدخل :
- مقدمة في بيان المقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم من خلال قوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (2)} وبيان أحوال العبد.
اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم:
فيما بينهم في بعضهم بعضا،
وفيما بينهم وبين ربهم،
فإن كلّ عبد لا ينفكّ من هاتين الحالتين وهذين الواجبين: واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق.
فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصّحبة، فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم
تعاونا على مرضاة الله وطاعته، التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها، وهي "البرّ والتقوى" اللذان هما جماع الدين كله.

معنى البر والتقوى والعلاقة بينهما:
- معنى البر وحقيقته وخصاله.
معنى البر:

حقيقته: الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير،ومنه "البرّ" بالضم؛ لكثرة منافعه وخيره بالإضافة إلى سائر الحبوب، فاشتقاقه في الكلام يدل على كثرة المنافع والخير، ومنه رجل بارٌ، وبرٌّ، و{كرام بررة}، والأبرار.
فالبرّ في الشرع: كلمة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد
خصاله:
يتناول جميع أقسام الدين: حقائقه وشرائعه، ، والأعمال المتعلقة بالجوارح وبالقلب، وأصول الإيمان الخمس، وهذا يشمل الأعمال القلبية، والأعمال الظاهرة، وقد جمعها الله تعالى في قوله: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}.

- التقوى وحقيقتها وخصالها:
التقوى لفظة من الوقاية
والمراد بها في الشرع: كما قال طلق بن حبيب: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله.
حقيقتها:
العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده.
خصالها:
خصال التقوى هي خصال البر بعينها كما قال بين الله تعالى في الآية السابقة لأنه تعالى في ختامها قال: {أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون}

- العلاقة بين البر والتقوى.
- البرّ جزء مسمّى التقوى، وكذلك التقوى فإنه جزء مسمّى البر،
وخصال البر هي بعينها خصال التقوى.
وذلك أن التقوى جامع لجميع أصول الإيمان وفروعه، والبرّ داخل فى هذا المسمى.
وهذا في حال افتراقهما.
- وأما عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى} فالفرق بينهما فرق بين السّبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها؛
- فالبرّ مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه.
- التقوى فهي الطريق الموصلة إلى البرّ، والوسيلة إليه.
وذلك أن لفظ التقوى يدل على أنها من الوقاية، فإن المتّقي قد جعل بينه وبين النار وقاية،
-فالوقاية من باب دفع الضرر،
-والبرّ من باب تحصيل النفع،
- فالتقوى كالحمية، والبرّ كالعافية والصحة.

- دلالتهما عند الاقتران وعند الانفراد.
- عند الإفراد: إذا أفرد كلّ واحد من الاسمين دخل فيه المسمّى الآخر، إما تضمنا وإمّا لزوما، ودخوله فيه تضمنا أظهر؛ لأن البرّ جزء مسمّى التقوى، وكذلك التقوى فإنه جزء مسمّى البر،
عند الاقتران: لا يدخل أحدهما في الآخر، لكن كون أحدهما لا يدخل في الآخر عند الاقتران لا يدل على أنه لا يدخل فيه عند الانفراد.
ونظير هذا لفظ "الإيمان والإسلام"، "والإيمان والعمل الصالح"، و"الفقير والمسكين"، و"الفسوق والعصيان"، و"المنكر والفاحشة"،

- أهمية فهم دلالة الألفاظ الشرعية:
هذا بابٌ شريف ينتفع به انتفاع عظيم في
فهم ألفاظ القرآن ودلالته،
ومعرفة حدود ما أنزل الله على رسوله؛ فإنه هو العلم النافع،
وقد ذمّ سبحانه في كتابه من ليس له علم بحدود ما أنزله على رسوله.
فإن عدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين:
إحداهما: أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما.
والثانية: أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما.
والذّكيّ الفطن يتفطّن لأفراد هذه القاعدة وأمثلتها، فيرى أن كثيرا من الاختلاف أو أكثره إنما نشأ عن هذا الموضع،

معنى الإثم والعدوان والفرق بينهما:
الإثم والعدوان في جانب النهي نظير البرّ والتّقوى في جانب الأمر.
- معنى الإثم.
الإثم يقابل البر،وهو كلمة جامعة للشرّ والعيوب التي يذمّ العبد عليها.
- معنى العدوان.
ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه.فالعدوان هو تعدّي حدود الله التي قال فيها: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون }، وقال في موضع آخر: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها}.
- الفرق بين الإثم والعدوان.
والفرق ما بين الإثم والعدوان أن الإثم ما كان حراما لجنسه، والعدوان ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه.

ثانياَ:الهجرة إلى الله ورسوله.
بيان أهميتها ومنزلتها:
هي الأصل في الهجرة وهي الهجرة الحقيقية وهي مطلوب الله ومراده من العباد.
بيان ارتباطها بالشهادتين:
أن الهجرة إلى الله هي مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله.والهجرة الى الرسول صلى الله عليه وسلم مقتضى شهادة أن محمد رسول الله.
والشهادتين يسأل عنهما كل عبد يوم القيامة وقبل ذلك في البرزخ وهو مضمون الهجرة المطالب بها العبدة في الدنيا.
قال قتادة: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ".وهاتان الكلمتان هما مضمون الشهادتين،
علاقة الهجرة بالإيمان:
يقرن الله عز وجل بين الهجرة والإيمان في القرآن لأنهما متلازمان وأحدهما يقتضي الآخر وبيان ذلك كما يلي:
أن الهجرة إلى الله تتضمن هجران ما يكرهه، وإتيان ما يحبه ويرضاه، لأن المهاجر من شيء إلى شيء لابد أن يكون ما يهاجر إليه أحبّ إليه مما يهاجر منه؛ فيؤثر أحبّ الأمرين إليه على الآخر،
وإذا كان نفس العبد وهواه وشيطانه إنما يدعوه إلى خلاف ما يحبه الله ويرضاه وداعي الإيمان يدعوه إلى مرضاة ربه، فعليه في كل وقت أن يهاجر إلى الله، ولا ينفكّ في هجرة حتى الممات.
بيان حكمها:
فرض عين على كلّ أحد في كلّ وقت، وأنه لا انفكاك لأحد من وجوبها.
بيان أصلها وأسباب قوتها وضعفها:
أصلها: الحب والبغض
والهجرة تقوى وتضعف حسب قوة داعي المحبة وضعفه، فكلما كان داعي المحبة في قلب العبد أقوى كانت هذه الهجرة أقوى و أتمّ وأكمل، وإذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة، حتى إنه لا يكاد يشعر بها علما، ولا يتحرك بها إرادة.
وما ذاك إلا للإعراض عما خلق العبد له، والاشتغال بغيره، وهذا من نتائج ضعف البصيرة، وضعف المعرفة بمراتب العلوم والأعمال،
بيان لوازمها:
الحبّ والبغض.
والعطاء والمنع،
والموالاة والمعاداة،
التقريب والإبعاد،
وتجريد متابعة رسوله وترك أقوال غيره لقوله، وترك كل ما خالف ما جاء به، والإعراض عنه، وعدم الاعتداد به، وتجريد متابعته تجريدًا محضًا.

- الهجرة إلى الله تعالى
- معنى الهجرة إلى الله تعالى:
هو أن يهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذّلّ له والاستكانة له إلى دعاء ربّه وسؤاله والخضوع له والذلّ والاستكانة له.
- بيان ارتباطها بالتوحيد:
إن التوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله إليه، قال تعالى: {ففرّوا إلى اللّه}.
ارتباطه بتوحيد الألوهية:
الفرار إليه سبحانه يتضمن إفراده بالطلب والعبودية، ولوازمها من المحبة والخشية والإنابة والتوكل وسائر منازل العبودية، فهو متضمن لتوحيد الإلهية التي اتفقت عليها دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
ارتباطه بتوحيد الربوبية: الفرار من الله إليه.
أما الفرار منه إليه؛ فهو متضمن لتوحيد الربوبية وإثبات القدر، وأن كلّ ما في الكون من المكروه والمحذور الذي يفرّ منه العبد فإنما أوجبته مشيئة الله وحده؛ فإنه ما شاء الله كان ووجب وجوده بمشيئته، وما لم يشأ لم يكن، وامتنع وجوده لعدم مشيئته، فإذا فرّ العبد إلى الله فإنما يفرّ من شيء وجد بمشيئة الله وقدره؛ فهو في الحقيقة فارّ من الله إليه.
وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك"

- الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم:
- حدها:
اتباعه صلى الله عليه وسلم في كل مسألة من مسائل الإيمان و نازلة من النوازل، والتسليم لها تسليما تاما والإعراض عن كل ما يخالفها، فهذا هو حدّ هذه الهجرة.
- عوائقها :
الكسل والبطالة وتقليد الأباء والأجداد والركون على ما يمليه الطبع والعادة.
-مقتضياتها:
- التسليم:
قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}
هذه الآية تبين بيانا واضحا على وجوب التسليم لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته وتؤكد لزوم هذا الأمر وذلك من خلال عدد من الأغراض كالتالي:
الصيغ البلاغية كالقسم على نفي الإيمان، عن من لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم، وما الموصولة التي تقتضي نفي الإيمان إذا لم يوجد تحكيمه في جميع ما شجر بينهم.
شرط فيه انشراح صدورهم بحكمه، وعدم وجود الحرج والضّيق من حكمه، فلا بد معه من القبول برضى وانشراح صدر.
ضمّ إليه قوله: {ويسلّموا تسليمًا}؛ فذكر الفعل مؤكدًا له بمصدره، فلا بد من الخضوع له، والانقياد لما حكم به طوعا ورضى، وتسليمًا لا قهرا ومصابرةً.
- المقصود بالأولوية في قوله تعالى: {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم}، ولوازمها:
- المقصود بها: أن يكون أحبّ إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب، ونفس العبد أحب إليه من غيره، ومع هذا فيجب أن يكون الرسول أولى به منها، وأحبّ إليه منها؛ فبذلك يحصل له اسم الإيمان
- لازمها: كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم وسائر لوازم المحبة، من الرضى بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على كل من سواه.
والأولوية تتضمن: أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم على نفسه للرسول، يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده، والوالد على ولده؛ فليس له في نفسه تصرف قط إلا ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها.
- سبيل ثبوت الأولوية تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم وترك أقوال غيره لقوله:
لا سبيل إلى ثبوت هذه الأولوية إلّا بعزل كل ما سواه، وتوليته في كل شيء، وعرض ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به؛ فإن شهد له بالصحة قبله، وإن شهد له بالبطلان ردّه، وإن لم تتبين شهادته له بصحةٍ ولا بطلانٍ جعله بمنزلة أحاديث أهل الكتاب، ووقفه حتى يتبيّن أي الأمرين أولى به.
- بيان حكم متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والأدلة عليه، وعلاقة ذلك بالإيمان.
أن الواجب الذي لا يتمّ الإيمان بل لا يحصل مسمّى الإيمان إلا به :
مقابلة النصوص بالتّلقّي والقبول، والإظهار لها، ودعوة الخلق إليها, لا تقابل بالإعراض تارةً، وباللّيّ أخرى. قال تعالى: {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللّه ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}؛
فدلّ هذا على أنه إذا ثبت لله ولرسوله في كل مسألة من المسائل حكمٌ طلبيٌّ أو خبريٌّ، فإنه ليس لأحد أن يتخيّر لنفسه غير ذلك الحكم فيذهب إليه، وأن ذلك ليس لمؤمن ولا مؤمنة أصلًا، فدلّ على أن ذلك منافٍ للإيمان.

- بيان أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم من القيام بالقسط والشهادة به:
قال تعالى: {ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا (135)}.
- بيان أن ذلك من القيام بالقسط الذي أمر الله به:
أمر سبحانه وتعالى في الآية السالفة بالقيام بالقسط، وهو العدل، وهذا أمر بالقيام به في حقّ كل أحد عدوًّا كان أو وليًّا، وأحقّ ما قام له العبد بالقسط: الأقوال والآراء والمذاهب؛ إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره؛ فالقيام فيها بالهوى والعصبية مضادٌّ لأمر الله, منافٍ لما بعث به رسله، والقيام فيها بالقسط وظيفة خلفاء الرسول في أمته، وأمنائه بين أتباعه، ولا يستحقّ اسم الأمانة إلا من قام فيها بالعدل المحض، نصيحةً لله ولكتابه ولرسوله ولعباده.
- بيان ارتباط السعادة والشقاء، بالمتابعة والطاعة وعدمها.
قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا}
فقوله تعالى: {ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا}؛ أي هذا الذي أمرتكم به من طاعتي وطاعة رسولي وأولي الأمر، وردّ ما تنازعتم فيه إليّ وإلى رسولي، خيرٌ لكم في معاشكم ومعادكم، وهو سعادتكم في الدارين، فهو خيرٌ لكم وأحسن عاقبةً، فدلّ هذا على أن طاعة الله ورسوله، وتحكيم الله ورسوله، هو سبب السعادة عاجلًا وآجلًا.
وإن الألم والغمّ الذي يصيب العبد في نفسه، فإنما هو بسبب مخالفة الرسول، وإلّا فطاعته هي الحصن الذي من دخله فهو من الآمنين، والكهف الذي من لجأ إليه فهو من الناجين.
و لا نجاة للعبد ولا سعادة إلا باجتهاده في معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علمًا، والقيام به عملًا..

- ذكر أقسام الخلائق سعدائهم وأشقيائهم وأحكامهم متبوعين وأتباع، ومآل كل منهما، وبيان السبب الوحيد الذي لا ينقطع يوم القيامة.
- حكم الأتباع الأشقياء، ونوعيهم، ومآلهم:
-1- حكم الأتباع والمتبوعين المشتركين في الضلالة:
- أن مآلها إلى العداوة واللعنة؛ كما قال تعالى: {الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلّا المتّقين}.
- تمنيهم طاعة الله وطاعة رسوله حين لا ينفعهم ذلك، وآلت طاعاتهم لبعضهم وموالاتهم إلى قولهم: {ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا).

2- -حكم الأتباع المخالفون لمتبوعيهم:
- العادلون عن طريقتهم، الذين يزعمون أنهم تبع لهم، وليسوا متّبعين لطريقتهم،
فهؤلاء المتبوعون كانوا على الهدى، وأتباعهم ادّعوا أنهم على طريقتهم ومنهاجهم، وهم مخالفون لهم سالكون غير طريقهم، يزعمون أنّهم يحبونهم، وأن محبّتهم لهم تنفعهم مع مخالفتهم لهم،
- يتبرءون منهم يوم القيامة، فإنهم اتخذوهم أولياء من دون الله، وظنوا أن هذا الاتخاذ ينفعهم.ولكن أعمالهم كلها باطلة،
ويوم القيامة تكون عليهم حسراتٍ، إذ لم يجرّدو موالاته ومعاداته، ومحبته وبغضه، وانتصاره وإيثاره لله ورسوله؛
- فانقطعت بينهم الأسباب، وهي الوصل والموالاة التي كانت بينهم في الدنيا لغيره كما قال: {وتقطّعت بهم الأسباب).

- حكم الأتباع السعداء وبيان نوعيهم، مآلهم.
فأما الأتباع السّعداء فنوعان:
النوع الأول: أتباع لهم حكم الاستقلال:
وهم الصحابة وأتباعهم بشرط الاحسان في اتباعهم.
النوع الثاني: أتباع المؤمنين من ذريّتهم،
وهم الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم.الذين قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ)

- انقطاع الأسباب كلها يوم القيامة إلا سبب الهجرة إلى الله ورسوله.
السبب الذي لا ينقطع بصاحبه، هي النسبة التي بين العبد وبين ربه، وهي نسبة العبودية المحضة، وهو السبب الذي ينفع العبد في الدور الثلاثة الدنيا، والبرزخ والآخرة، وهو السبب الواصل بين العبد وبين الله،
وكل الأسباب والعلق والوصلات التي كانت بين الخلق في الدنيا تنقطع في الآخرة
- سبب العبودية لا تتحقق إلا بتجريد المتابعة للرسل.
سبب العبودية المحضة لا وجود لها ولا تحقّق إلا بتجريد متابعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، إذ أن هذه العبودية إنما جاءت على ألسنتهم، وما عرفت إلا بهم, ولا سبيل إليها إلا بمتابعتهم، وما كان منها على غير سنتهم وطريقتهم فإنما هي هباء منثورا لا تنفع صاحبها.

ذكر أقسام الخلائق بالنسبة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أقسام الخلق بالنسبة لدعوته، وهم ثلاثة أقسام فقال :"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم:
(كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير) فهذا فهذا مثل القلب الزّكي الذكي ؛ الذي يقبل العلم بذكائه، ويثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بزكائه.
(وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا) وهذا مثل القلب الحافظ للعلم، الذي يحفظه كما سمعه، ولا تصرّف له فيه ولا استنباط، بل له الحفظ المجرد، فهو يؤدي كما سمع.
(وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً) فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الفقه والدراية فيه.
بيان وجه العلاقة بين الغيث والأرض وبين العلم والقلب.
شبّه صلى الله عليه وسلم العلم الذي جاء به بالغيث؛ لأن كلًّا منهما سبب الحياة:
- فالغيث سبب حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب.وشبّه القلوب القابلة للعلم بالأرض القابلة للغيث.

لوازم استقامة الهجرة:
بيان زاده وطريقه ومركبه ورأس الأمر وعموده فيه:
زاده: زاده العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم .
طريقه : بذل الجهد, واستفراغ الوسع
مركبه: فصدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به، والانطراح بين يديه.
رأس الأمر وعموده في ذلك: دوام تدبر القرآن والتفكر فيه، بحيث يستولي على الفكر، ويشغل القلب، ومثاله التدبر في آيات حديث ضيف إبراهيم في قول الله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين) وما بعدها
تدبر آيات حديث ضيف إبراهيم
لو تدبر الإنسان هذه الجملة من الآيات التي تحكي قصة إبراهيم مع ضيفه لاستخرج منها أسراراً جمة، ومعاني بديعة، ومنها:
- تضمنها لأنواع الثناء على إبراهيم.
- جمعت آداب الضيافة وحقوقها.
- الرد على أهل الباطل من الفلاسفة والمعطلة.
- تضمنخا علمًا عظيمًا من أعلام النبوة.
- فيها جميع صفات الكمال، التي مردّها إلى العلم والحكمة.
-إشارتها إلى دليل إمكان المعاد بألطف إشارة وأوضحها، ثم أفصحت بوقوعه.
- الإخبار عن عدل الرب وانتقامه من الأمم المكذّبة.
- فيها ذكر الإسلام والإيمان والفرق بينهما.
- تضمنت بقاء آيات الرب الدالة على توحيده، وصدق رسله، وعلى اليوم الآخر.
- وأنه لا ينتفع بهذا كله إلا من في قلبه خوفٌ من عذاب الآخرة.

- ما يجده طالب الرفقة المهاجر من الناس، والمطلوب منه تجاه ذلك:
إن المهاجر يطلب الرفقة الذي يأنس به أثناء سيره ولكن الغالب من الناس لا يخرج عن ثلاث :
إما معارضًا مناقضًا.
أو لائمًا بالتأنيب مصرّحًا ومعرّضًا،
أو فارغًا عن هذه الحركة معرضًا، وليت الكلّ كانوا هكذا، فلقد أحسن إليك من خلّاك وطريقك
المطلوب من المهاجر:
- فالمطلوب في هذا الزمان المعاونة على هذا السفر بالإعراض، وترك اللائمة والاعتراض، إلا ما يقع نادراً.
- ينبغي أن لا يتوقف العبد في سيره، بل يسير ولو وحيدًا غريبًا، فانفراد العبد في طريق طلبه دليلٌ على صدق المحبة.
- أن يكون غريبا محبوباً يرى ما الناس فيه، وهم لا يرون ما هو فيه، يقيم لهم المعاذير ما استطاع، وينصحهم بجهده وطاقته، سائرًا فيهم بعينين:
عين ناظرة إلى الأمر والنهي؛ بها يأمرهم وينهاهم، ويواليهم ويعاديهم، ويؤدي إليهم الحقوق، ويستوفيها عليهم.
وعين ناظرة إلى القضاء والقدر، بها يرحمهم ويدعو لهم ويستغفر لهم، ويلتمس لهم وجوه المعاذير فيما لا يخلّ بأمرٍ ولا يعود بنقض شرعٍ،
فيكون بين حسن المعاشرة مع الخلق، وأداء حقّ الله فيهم، والسلامة من شرهم
وهذه لا تتمّ إلا بثلاثة أشياء:
أحدها: الطبيعة المنقادة اللّينة السّلسة القياد، فإنها مستعدّةٌ.
الثاني: أن تكون النفس قويةً غالبةً قاهرةً لدواعي البطالة والغيّ والهوى.
الثالث: علمٌ شافٍ بحقائق الأشياء، وتنزيلها منازلها.
فإذا اجتمعت فيه هذه الخصال الثلاثة، وساعده التوفيق فهو من القسم الأوّل المذكورون في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم" الحديث.

- أول الأمر وآخره في معاملة الله وحده:
أول الأمر وآخره هو في معاملة الله وحده، والانقطاع إليه بكلّيّه القلب، ودوام الافتقار إليه فلو وفّى العبد هذا المقام حقّه لرأى العجب العجيب من فضل ربّه وبرّه ولطفه ودفاعه عنه، والإقبال بقلوب عباده إليه.

أهـ
أحسنت أحسن الله إليك
أ
فاتتك بعض المسائل

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, التطبيق

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:46 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir