1. (عامّ لجميع الطلاب)
اذكر ثلاث فوائد سلوكية وبيّن وجه الدلالة عليها من قوله تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12)}.
1- عدم التهافت وراء الصور اللامعة, والأسماء البراقة, والألقاب المتراصة, التي تطل علينا من هنا وهناك, وتقول في دين الله ما ليس منه, وبلا علم, بل العمدة قول القائل: قال الله, وقال الرسول وقال الصحابة هم أولوا العرفان, فالعمدة هي الاتباع. وهذا من قوله تعالى:"قالوا إنما نحن مصلحون" فقد كذبوا على أنفسهم, وكذبوا على الناس, واستغرقوا في الكذبة حتى صدقوها!!
2- دوام التوبة إلى الله, والحرص على عمل ما يرضى وترك ما يبغض, فالمعاصي سبب في فساد الأرض بل وفساد البحر أيضا, وهذا الفساد ليس معنويا فقط, بل هو فساد حسي ملموس مشاهد, فتقل الأمطار, وتجدب الأرض, ولا ينتفع بالزرع, وتمحق البركة من الأموال والأولاد, كما إن شيوع المعاصي والشرك: من أكبر الفساد في الأرض, وهذا من قوله تعالى:"لا تفسدوا في الأرض", فظاهر الآية يدل على الفساد الحسي والمعنوي.
3- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والأخذ على يد الظالم بحسب الاستطاعة, وعدم السكوت عن المنكرات خوفا أو حياء, وليبدأ العبد بنفسه وأهل بيته, ثم ويسعى في إصلاح من حوله ما استطاع, فإن العاقبة لما تحل تحل على الجميع, وإن هم تُركوا غرقوا وأغرقوا الآخرين معهم, وإن أُخذ على ايديهم نجا الجميع, وهذا من قوله تعالى:"وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض".
المجموعة الثانية:
1 فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)}
"مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ": هذا مثل ضربه الله تعالى للمنافقين الذين آمنوا ثم كفروا, فشبه الله تعالى حالهم كحال شخص ضل في مكان مظلم, فحملته حاجته واضطراره إلى البحث عن قبس من نار ليضيئ ما حوله حتى يرى ما يحيطه من أخطار فيجتنبها, ولما تحصل على الشعلة, وأوقد النار, وشعر بالأمان والقدرة على حماية نفسه مما قد يحيطه من أخطار, جاء ما يطفئ هذه النار, فوقع في ظلمة أشد من الظلمة التي كان فيها, لأن الظلام بعد النور يكون وقعه أشد على النفس, وأصابه خوف أشد من الخوف الذي كان فيه قبل حصوله على القبس, وهكذا حال المنافق, فهو قد دخل في الإسلام أولا, ونطق بالشهادتين, فعرف الهداية, وسمع القرآن, وعلم الأمر والنهي, فكانت هذه الكلمة نور له ودرع حقن دمه, وحفظ ماله وعرضه, وكانت له نور يمشي به بين المسلمين, فناله من عزتهم, وتزوج منهم, وعاش بينهم, لكنه آثر الضلالة فاشتراها بالهدى, واستبدل نور الإيمان بظلمة الكفر فغرق فيها, وهذا بسبب ما استقر في قلوبهم من أمراض الشبهات والشكوك, فطغت على الإيمان وأزالته, وطغى ما كانوا فيه من النفاق على الإيمان, فأطفأ نوره, فرجع إلى ظلمة الكفر بعد أن رأى نور الهداية وتعرف إليها, ونالتهم ظلمة الفضيحة لما فضحهم الله وبين أوصافهم وأفعالهم.
وهم مع هذا يتمتعون بهذا النور حال كونهم مع المؤمنين, وإذا رجعوا إلى جماعتهم استبدلوه بظلمة كفرهم, لهذا هم مغترون بما معهم من نور في الدنيا, لكن في الآخرة تكون الفضيحة الأكبر على رؤوس الأشهاد, ويستهزأ الله بهم كما كانوا يستهزؤون بالمؤمنين, فيعطيهم الله القليل من النور للقليل من الوقت, ثم يسلبه منهم وهم في أشد الحاجة غليه, فيغرقون في الظلمة الخالصة, كما قال تعالى:" يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب", ولما كان سبب ذهاب نورهم ظلمة ما كانوا فيه من الشك والكفر والنفاق, يخبر الله تعالى عن قولهم:"ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور", فذهب عنهم ما ينفع وهو النور, وبقي لهم ما جلب الضرر لهم من دخان وظلمة وإحراق, وعذاب, فهم لا يهتدون إلى طريق الخير, ولا إلى الوسائل الموصلة له.
"صم بكم عمي فهم لا يرجعون": وهم مع هذا "صم" لا يسمعون الحق ولا يلتفتون إليه, "بكم" لا ينطقون بالحق ولا بما ينفعهم, بل كلامهم ضلال وشر يزرعونه بين الناس, "عمي" لا يرون الحق ولا نور الهداية, وهذا كقوله تعالى:"فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور", فماداموا على ما هم فيه من هذا الحال, فلا سبيل لرجوعهم إلى توبتهم, أو رجوعهم إلى هدى الإسلام مرة أخرى,
2. حرّر القول في:
معنى قوله تعالى: {وأتوا به متشابها}.
جاء في معنى الآية ثلاثة أقوال متقاربة:
الأول: إن معناه إن ثمر أهل الجنة يشبه ثمار الدنيا في الأسماء فقط, وقد يشبهه في المظهر الخارجي, أما الطعم فالتباين بينهما كبير جدا لا يتصور, قال ابن عباس:"لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء"، رواه عنه أبي ظبيان، قاله ابن جرير, وهو قول عبدالرحمن بن زيد بن أسلم حيث قال:"يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا: التفاح بالتفاح، والرمان بالرمان، قالوا في الجنة: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا، وأتوا به متشابها، يعرفونه وليس هو مثله في الطعم».وقد قال عكرمة: «معناه يشبه ثمر الدنيا في المنظر ويباينه في جل الصفات».
الثاني: إن ما يؤتى به من طعام لأهل الجنة, يشبه بعضه بعضا في الصورة ويختلف في الطعم، واستدلوا بقوله تعالى:"هذا الذي رزقنا من قبل", قال ابن عباس ومجاهد والحسن ,وغيرهم: «معناه يشبه بعضه بعضا في المنظر ويختلف في الطعم», وقال أبي العالية:"يشبه بعضه بعضا، ويختلف في الطعم", رواه عنه الربيع, قاله أبو جعفرالرازي.
وقال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد، والربيع بن أنس، والسدي نحو ذلك.واختاره الطبري.
الثالث: إن المعنى بأن ثمار الجنة جميعه يشبه بعضه بعضا في الجودة واللذة, فجميعه خيار لا رذل فيه، وهذا كقوله تعالى: "كتابا متشابها", قاله أهل اللغة, ذكره الزجاج, وقال القاضي أبو محمد: كأنه يريد متناسبا في أن كل صنف هو أعلى جنسه فهذا تشابه ما, ذكره ابن عطية.
خلاصة القول:
جميع ما سبق من الأقوال ليس بينها تعارض, بل يكمل بعضها بعضا, فقد قال تعالى:"فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون", وقال عليه الصلاة والسلام:"قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر", ولأن القرآن يخاطب العبد بما يفهمه, فقد جاء ذكر الفواكه بأسماء تشبه أسماء فواكه الدنيا, لتقريب الصورة إلى الأذهان, لتتشوف النفس لما ينتظرها من نعيم, فالنفس إن جهلت معنى ما تمنى به, قل تشوفها إليه.
لكن ومع تسميته بالأسماء الموجودة في الدنيا, إلا إن الفرق بينهما كبير, والتشابه فقط في المسميات لا غير, أو حتى من الخارج, لذلك جاء عن ابن العباس رضي الله عنهما:"لا يشبه شيء مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء", وهذا القول لا يتعارض مع القول بأن ما يؤتى به لأهل الجنة يشبه بعضه بعضا في الصورة ويختلف في الطعم، فالقول الأول يتحدث عن مشابهة ثمار الجنة لثمار الدنيا في الأسماء, أما الثاني فهو عن نعيم مختلف لأهل الجنة, حيث قد تتشابه الثمار في الشكل الخارجي, لكن عند التذوق والأكل يظهر له اختلاف الطعم, فمع التشابه الخارجي يكون إحداها حلو والآخر حامض, فتتنوع لذة الطعم, واختلاف الطعوم على اتفاق الصورة أبلغ وأعرف عند الخلق، فهو غاية في العجب والدلالة على الحكمة.
وهذه القوال لا تتعارض مع القول بأن جميع ثمار الجنة يشبه بعضها بعضا من حيث الجودة وكمال اللذة والمنظر, وما يجلبه من سرور للناظر والآكل, بل هذا هو المتحتم الذي لا ريب فيه.