دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الأقسام العامة > المنتديات > مكتبة المعهد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 شعبان 1434هـ/9-06-2013م, 03:51 AM
رشيد رشيد غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 31
افتراضي السفير في علوم التفسير للشيخ عبد الحكيم محمد سرور

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه و بعد : هذا مجهود متواضع من أخيكم في الله ( أبي فاطمة رشيد الموساوي المغربي الأثري ) المتمثل في كتابة هذا المصنف القيم الموسوم (السفير في علوم التفسير للشيخ عبد الحكيم محمد سرور)
هذا بعد بحث طويل عن الكتاب في النت و لم أجده ، فعزمت أن أكتبه و أنزله على النت لينتفع به الأخوة طلبة العلم و لأشارك به في خدمة العلم و أهله سائلا المولى الكريم أن يجعله لي ذخرا ليوم لقائه .
و الكتاب لم يكتمل بعد و سأنزله تباعا ان شاء الله تعالى .
و لي طلب من الأخوة الكرام الذين لهم دراية بتهيئته للمكتبة الشاملة ليتواصلوا معي على (aboufatima5@gmail.com ) مشكورين



بسم الله الرحمن الرحيم
السفير في أصول التفسير
مقرر السنة الثانية الثانوية بالمعاهد العلمية
تأليف
عبد الحكيم محمد سرور
بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم الكتاب :
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا قيما ، و الصلاة و السلام على محمد عبد الله و رسوله الذي حمل للناس كتاب الله الكريم، و قرآنه العظيم ليكونوا هداية للفرد و المجتمع، و على آله و أصحابه الذين بذلوا جهدهم في حفظه و كانوا -رضوان الله عليهم- مثلا صادقا لتحقيق ما وعد الله به ( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ).
و الأمة الإسلامية أحرص الأمم على الاحتفاظ بكتابها، و أصلبها عودا في الذود عنه مع صدق عزيمة ، و قوة إرادة .
و من ثم وجدناها دائما معنية بدراسة القرءان و علومه دراسات شاملة جامعة ، و من مظاهر هذه العناية الحميدة الاهتمام بدراسة مادة أصول التفسير في المعاهد العلمية .
و المملكة العربية السعودية فيها نهضة شاملة ، و تقدم موفور و ارتقاء بالعلوم ، و إذكاء للأفكار .
و في وسط هذه النهضات بعث جديد للمجد الإسلامي و إحياء للبحوث الإسلامية و هذا المشعل يحمله هذا النوع الجيد من عوامل النهضة العلمية: المعاهد العلمية المنبثة في أنحاء المملكة تلكم التي ستكون مصابيح النور و ينابيع العرفان في هذه البلاد ذات المجد التالد ، و سيتخرج منها شباب ينفعون وطنهم و يشتركون في إنهاض شعبهم و ذلك بفضل الله ثم بفضل توجيه الرئيس العام سماحة المفتي الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ الذي لا يألوا جهدا في النهوض بها ، و العمل بكافة الوسائل على تقدمها لتؤتي أكلها و يجني الناس ثمرتها . و لما كان لي شرف تدريس مادة أصول التفسير- و كانت موضوعات المنهج حبيبة إلى قلبي لأنها دراسة لكتاب الله الكريم بيد أنها شتات في كتب كثيرة و مراجع عدة مما لا يتيسر معه للطالب المراجعة و الاستذكار - كان لزاما أن يبسط له الأمر و أن ييسر له الإطلاع ولذا أخذت أدون خلاصة ما ألقينه على ابنائي الطلاب في كناشة صغيرة تحريت فيها الصواب على ألا ألج أبواب الخلاف كثيرا حتى لا يتسع الأمر عليهم، فلما أرادت المشيخة طبع الكتب العلمية للطلاب ، عهد إلي فضيلة الشيخ عبد اللطيف بن ابراهيم آل الشيخ - نائب المفتي لشؤون الكليات و المعاهد العلمية - الذي عرف بالنشاط الجم و الحرص على مصلحة العلم و الذي لا يدخر وسعا في سبيل المعونة على النهوض بالحركة العلمية الدينية - بأن أقدم كتابا في أصول التفسير فقدمت ما كتبت و كان أن وقع الاختيار على كتابي هذا الذي جعلته (( السفير )) بيني و بين أبنائي الطلبة في هذه المادة و ها هو الكتاب يصل إلى أيديهم بعونه تعالى و قد بثثته صادق نيتي و قوة إخلاصي فأن أكن قد قاربت الهدف و حققت القصد فذلك فضل الله وإن يكن من قصور فالكمال لله . هذا و قد جعلت في آخره بعض الأسئلة للتمرين و التدريب ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلا بالله ).


منهج الدراسة
حصتان في الأسبوع
للسنة الثانوية
يدرس للطلاب:
(1) تعريف أصول التفسير .
(2) تعريف القرءان .
(3) معنى الوحي ، وحي الله الى ملائكته و رسله ، و كيفية وحي الملك إلى الرسل .
(4) معرفة المكي و المدني و مميزات كل منهما .
(5) معرفة أول ما نزل و آخر ما نزل .
(6) معرفة أسباب النزول وفوائده - موقف المفسر من أسباب النزول إذا تعددت .
(7) حكمة نزول القرءان منجما .
(8) جمع القرءان و ترتيبه .
(9) حكمة نزول القرءان على سبعة أحرف .
(10) ما اشتهر من القراءات و أسباب ذلك .
(11) مشاهير القراء .
الموضوع الأول

أصول تفسير القرآن
مقدمة
تفسير القرآن الكريم واحد من علومه الكثيرة التي منها علم القراءات و الرسم و أسباب النزول ، و الناسخ و المنسوخ و المتشابه و الإعجاز و غير ذلك مما له تعلق بالقرآن الكريم .


علوم القرآن و تاريخ ظهورها
و قبل أن نبدأ الكلام عن أصول التفسير نقدم فكرة عن علوم القرآن فنقول :و الله المستعان - إن مادة علوم القرآن هي عبارة عن المسائل التي تبحث عن أحوال القرآن من حيث النزول و كيفية النطق به و عن أدائه و جمعه و ترتيبه .
متى كان ظهور هذا العلم
بأسلوب العرب و لغتهم نزل القرآن الكريم و لقد فهموه و عرفوا معانه ، و تعلموا ناسخه و منسوخه ، و كيفية النطق به وجمعه و ترتيبه و من طريق الرواية عن الصحابة ثم عن التابعين و رواية الخلف عن السلف تدوولت هذه الأبحاث و نقلت و ما زالت كذلك تنقل جيلا بعد جيل حتى بدأ التدوين في أنواع علوم القرءان و هذه الأنواع كانت محل عناية الباحثين والمؤلفين ، فقد كتب العلماء في كل نوع كتابا ، كان الكتاب الواحد يستقصي فيه مؤلفه جميع آيات القرءان و أجزائه التي اشتركت في موضوع واحد ، فمثلا الأمام أبو عبيد القاسم بن سلام حين كتب في الناسخ و المنسوخ تتبع جميع آيات القرءان و بين الناسخ و المنسوخ ،و نرى من كتب مثلا في أقسام القرءان ( جمع قسم ) يتعرض لذكر أنواع القسم في القرءان و ذكر جزئيها ، و هكذا كان الباحثون و المؤلفون يكتبون في نوع أو أكثر مع استيعاب الجزئيات التي في القرءان و التي اشتركت في جهة و احدة من البحث كجهة النسخ أو أسباب النزول .
و حتى القرن السادس لم تجمع الأنواع المتعلقة بالقرءان في كتاب واحد ، و في نفس هذا القرن وضع أحد المؤلفين كتابا سماه (( فنون الافنان في علوم القرءان )) و في القرن السابع و ضع آخر كتابا سمي (( الوجيزفي علوم تتعلق بالقرءان العزيز)) و هذان الكتابان و إن كان لصاحبيهما فضل السبق في جمع بعض الأنواع في كتاب واحد و وضع الأساس لما ألف بعد ذلك في علوم القرءان إلا أنهما لم يشتملا إلا على نبذة قصيرة و طائفة قليلة بالنسبة لما أتى بعدهما من المؤلفات .
و القرن الثامن هو عهد ازدهار التأليف في علوم القرءان و العناية بها فقد ألفت فيه كتب جامعة على غرار ما ألف في عوم الحديث .
و ممن ألف في هذا القرن :
1- الكافيجي : ألف كتابا في علوم القرءان اشتمل على بابين و مقدمة ، أما أحد البابين فقد كتب في معنى التفسير و التأويل و السورة و الآية ، و الباب الثاني في شروط القول بالرأي .
2- جلال البلقيني : ألف كتابه (( مواقع العلوم من مواقع النجوم )) و تكلم فيه عن مواطن النزول و أوقاته و وقائعه ، وفي ذلك أنواع : منها المكي و المدني و السفري و الحضري والليلي و النهاري و الصيفي و الشتائي و الفراشي ، و تكلم فيه أيضا عن أسباب النزول و آخر ما نزل و تكلم فيه عن السند و قراءات النبي صلى الله عليه و سلم ، و تكلم عن الرواة و عن الحفاظ، ثم تكلم عن الأداء ، وثم عن الألفاظ ،ثم عن المعاني المتعلقة بالقرءان، ثم عن الإعجاز ، و الإطناب و القصر ، و بذا كملت الأنواع خمسين ، ذكرنا لك بعضها فيما تقدم .
3- و ألف الزركشي : كتابا سماه (( البرهان في علوم القرءان )) و بلغت الأنواع فيه سبعة و أرباعين نوعا
- و في القرن السابع الهجري *م 849 ه و 911 ه * تحركت من الإمام جلال الدين السيوطي همته العالية و قوة عزيمته الماضية فألف كتاب (( الإتقان في علوم القرءان )) جمع فيه أراء العلماء و أقوالهم وزاد في الأنواع التي تكلم فيها غيره من المؤلفين و يعتبر كتابه من أوفر المراجع و أتمها في علوم القرءان و بذا يكون الإمام جلال الدين قد بذل في سبيل هذا الميدان جهدا مشكورا .
و بعد:
فإنك قد رأيت كيف تدرج التأليف في علوم القرءان من تأليف مفردات إلى مجموعات إلى أن جاء الإمام السيوطي فاستوعبه فجزى الله الجميع خيرا.
و لنبدأ بعون الله تعالى في الكلام عن :

أصول التفسير
فنقول أن أصول جمع أصل و هو في اللغة : ما يبنى عليه غيره كأساس المنزل و نحوه ، و من ذلك قوله تعالى( أصلها ثابت و فرعها في السماء).
و كلمة التفسيرمصدر للفعل فسر بمعنى أبان و كشف الغطاء و أزال الستار و من ذلك قوله تعالى : ( إلا جئناك بالحق و أحسن تفسيرا ) .
و في الإصطلاح : الكشف عن معاني القرءان و شرح آياته و الإبانة عن دقة أساليبه و جمال تركيبه و سمو معانيه - هذا هو الكلام عن جزأي المركب من كلمتي - :
أ- أصول . ب- تفسير .
و أما معناه بعد أن صار علما على هذه الأبحاث المخصوصة التي تكون لنا أسسا سليمة لتفسير القرءان ، فهو كما يأتي :
تعريف أصول التفسير :
هو عبارة عن القواعد الصحيحة و الطرق المثلى التي يشرح بها القرءان و التي تكشف عن معانيه و نستطيع عن طريقها التفريق بين الحق و الباطل مما جاء في أقوال المفسرين .
و سبيل ذلك مجموعة من الأبحاث تتعلق بالقرءان من حيث نزوله و أسباب هذا النزول و من حيث كتابته و جمعه و ترتيبه و معرفة العام منه و الخاص إلى غير ذلك مما يتصل بالقرءان الكريم . و ما دمنا قد تكلمنا عن المقصود من أصول التفسير فلنعرض لأصح هذه الطرق و أسلمها .
الأصول الصحيحة للتفسير
إن من أصح الطرق للتفسير :
1- تفسير القرءان بالقرءان : ذلك أن بعض الكلمات تأتي مجملة في موضع و في موضع آخر يأتي بيانها أو معناها ، من ذلك : كلمة ( القارعة ) في قوله تعالى ( القارعة ما القارعة ، و ما أدراك ما القارعة ) حيث بينت بقوله تعالى ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث و تكون الجبال كالعهن المنفوش ) و مثل ( هلوعا ) بينت بقوله تعالى ( إذا مسه الشر جزوعا و إذا مسه الخير منوعا ).
2- تفسير القرءان بالسنة : لقوله تعالى ( و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم و لعلهم يتفكرون ) فالبيان إذا لرسول الله صلى الله عليه و سلم و هو لا ينطق عن الهوى، يقول صلى الله عليه و سلم ألا إني أوتيت القرءان و مثله معه ) .
فإذا لم نجد تفسير القرءان في القرءان ففي السنة يكون التوضيح و البيان .
3- تفسيره باقوال الصحابة : و لما كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لهم من الفهم التام و العلم الصحيح الشيء الكثير لأن النبي صلى الله عليه و سلم قد بين لهم معاني القرءان كما بين لهم ألفاظه فإننا نرجع إلى قولهم في التفسير ، فقد قال أبو عبد الرحمن حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرءان (( أنهم إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه و سلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم و العمل )) .
ومن هنا ندرك مدى دقة التفسير الذي نرجع فيه إلى أقوالهم .
4- أقوال التابعين : و قد أخذ كثير من أئمة التفسير بأقوال التابعين كمجاهد و غيره و كان سفيان الثوري يقول : (( إذا جاءك التفسير من مجاهد فحسبك به )) ذلك أنه روي عنه أنه قال (( عرضت المصحف عن ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل اية منه أسأله عنها )) .
أما التفسير بمجرد الرأي فقد قال شيخ الاسلام أنه حرام و قد روي في ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ( من قال في القرءان من غير علم فليتبوأ مقعده من النار ) . و من قال في القرءان بغير علم فقد تكلف ما لا علم له به و سلك غير ما أمر به .
و يرى آخرون جواز التفسير بالرأي مستدلين بقوله تعالى ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر أولوا الألباب )، و غير ذلك مما يدل على التدبر و الفهم – كما يفهم من السنة حيث دعا النبي صلى الله عليه و سلم لإبن عباس بقوله ( اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل ) و المقصود - و الله أعلم - الاجتهاد و حسن الاستنباط .
و القول الوسط أنه إذا وافق الاجتهادُ اللغةَ و الكتابَ و السنةَ و تجرد عن الهوى فهو جائز، و أما ما جاء غير متمش مع قوانين اللغة و لا موافق للأصول الشرعية فمذموم و لعل هذا هو الذي يعنيه عمر بقوله : (( و لكن أخاف على هذه الأمة رجلا قد قرأ القرءان حتى أذلقه ثم تأوله على غير تأويله )).
و مهما يكن فإن أولئك الذين يظهرون في كل زمان ممن لم يصلوا إلى مراتب المجتهدين حيث لم تتوفر لهم سبله و مع هذا يجعلون أنفسهم مع الراسخين في العلم فأولئك الذين ضلوا الصواب و قولهم في القرءان و التعرض لتفسيره حرام قال تعالى ( و لا تقف ما ليس لك به علم ) .
علاقة الأصول بعلم التفسير
علاقة هذا العلم بالتفسير كعلاقة علم المصطلح بالحديث ، فكل منهما يبحث في مواد لا بد منها لمن أراد الوصول إلى الحقيقة وصولا لا إلتواء فيه و لا اعوجاج.
الموضوع الثاني
القرآن الكريم
بحث في الاسم لغويا :
ذهب بعضهم إلى انه مهموز و أنه وصف مشتق من القرأ على وزن فعلان و القرأ بمعنى الجمع و ذهب آخرون إلى أنه مهموز أيضا لكنهم يقولون أنه مصدر و كل من هؤلاء و هؤلاء يذهبون إلى انه منقول من الوصفية أو المصدرية . و يسمى به المقروء المنزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم تسمية الاسم المفعول بالمصدر و ذلك أرجح الأراء ، و هو بعد النقل علما شخصيا .
تعريف القرآن
القرءان كلام الله تعالى الذي نزل به الروح الأمين على قلب محمد بلسان عربي مبين المتعبد بتلاوته الذي أعجز البشر عن الإتيان بمثله ونقل إلينا نقلا متواترا كتابة و مشافهة المبدوء ب - الحمد - و المختوم ب -الجنة و الناس- .
و معنى قوله :المتعبد بتلاوته ، المأمور بقراءته في الصلاة و غيرها عبادة لله سبحانه و يخرج بهذا قراءة الآحاد و الأحاديث القدسية لأن تلاوتها ليست عبادة ، و كذلك لم يتحد الناس بهذه الأحاديث القدسية .
و اسم القرءان يطلق على كله و على بعضه سواء أكان آية أم سورة .
أسماء القرآن الكريم

و لكتاب الله سبحانه أسماء كثيرة ، ذكر في البرهان أن الله سمى القرءان بخمس و خمسين اسما نذكر لك أشهرها ، يسمى كتابا : ( حم والكتاب المبين ) و قرءانا كريما ( إنه لقرءان كريم ) و كلاما (حتى يسمع كلام الله ) و فرقانا ( نزل الفرقان على عبده ) و ذكرا مباركا ( و هذا ذكر مبارك أنزلناه ) و حبلا ( و اعتصموا بحبل الله جميعا ) و غير ذلك كثير .
الموضوع الثالث
الوحي و معناه

الوحي لغة : الإعلام الخفي السريع الخاص بمن يوجه إليه بحيث يخفى على غيره ، و منه الإلهام الغريزي كالوحي إلى النحل و إلهام الخواطر و ذلك بما يلقي الله في قلب الإنسان الذي سلمت فطرته كما كان لأم موسى .
و أما تعريفه شرعا : فهو إعلام الله لنبي من أنبيائه بحكم شرعي و نحوه ، و هذا تعريفه باعتبار مصدريته .
و يطلق على الموحى به : وهو ما أنزله تعالى على أنبيائه و عرفهم به من أنباء الغيب و الشرائع و الحكَم و منهم من كلف بالتبليغ و منهم من لم يؤمر به و هذا الإطلاق من باب تسمية اسم المفعول بالمصدر .
و قد عرفه بعضهم بأنه عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من عند الله سواء أكان بواسطة أو من غير واسطة .
و هنا نستطيع أن نفرق بين الوحي بهذا المعنى و بين الإلهام . بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس و تنساق إلى ما يطلب منها من غير شعور بمصدره و لا من أين أتى و هو أشبه حالا بالإحساس بالجوع و العطش و نحوهما .
أنواع الوحي
إن الآية الكريمة و هي قوله تعالى : ( ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل إليه رسولا فيوحي إليه ما يشاء ) لتجمع لنا أنواع الوحي الثلاثة و هي :
1- إلقاء المعنى في القلب و قد يعبر عنه بالنفث في الروع .
2- الكلام من وراء حجاب بأن يسمع كلام الله تعالى من غير رؤية كما حصل لموسى عليه السلام و محمد صلى الله عليه و سلم ليلة الإسراء .
3- ما يلقيه ملك الوحي إلى الرسول فيراه متمثلا في صورة إنسان أو غير متمثل مع السماع أو يعيه بقلبه و ذلك شامل بعمومه لكيفيات الوحي المختلفة .
وحي الله إلى الملك
إن الحديث الذي رواه النواس بن سمعان يدل في وضوح على أن الله سبحانه و تعالى يتكلم بالوحي فيوحيه إلى جبريل و يسمعه له حيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة شديدة خوفا منه عز و جل فإذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا و خروا سجدا فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا فيقول : الحق و هو العلي الكبير ثم ينتهي به حيث أمره الله ).
و بنظرة فاحصة إلى فقرات الحديث تجد أن قوله ( تكلم بالوحي ) و قوله ( فيكلمه الله من وحيه بما أراد ) يفيد أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء بكلام تسمعه الملائكة و بهذا نستطيع أن نقول :إن وحي الله إلى الملك أنه يسمعه ما شاء من وحيه بكيفية لا يعلمها إلا هو ثم ينتهي إلى حيث أمره .
كيفية وحي الله إلى الرسل

الوحي إلى الرسل إما بواسطة أو بغير واسطة ،
و الوحي بغير واسطة ، إما في اليقضة أو في النوم ،
و هذا هو القسم الأول المذكور في الآية بقوله : ( إلا وحيا )
و القسم الثاني : أن يكون كلاما إلهيا من وراء حجاب كما تقدم لك ، و قد حصل هذا لموسى و محمد صلى الله عليهم و سلم في ليلة الإسراء ، و عد بعضهم من هذا آخر سورة البقرة في آيتين ، و سورة الانشراح ،
و ما كان بواسطة يظهر فيما يلي :
كيفية وحي الملك إلى الرسول
1- أن يأتيه الملك إليه بما يشبه صلصلة الجرس من حيث القوة و هو أشد أنواع الوحي على الرسول و في هذا يقول الرسول ( و أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس و هو أشد علي فيفصم عني و قد وعيت عنه ما قال ).
2- أن يظهر له متمثلا بصورة رجل كما جاء في صورة (دحية الكلبي ) و في هذا يقول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( و أحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني ) .
3- أن ينفث في روعه الكلام نفثا .
الموضوع الرابع
المكي و المدني ( سبب التنوع )

لقد أقام النبي صلى الله عليه و سلم حين نزول الوحي مدة في مكة ، و في المدينة مدة أخرى و مجموعها يقرب من ثلاثة و عشرين عاما أقام في مكة ما يقرب من ثلاث عشرة سنة و بالمدينة بعد الهجرة عشر سنوات تقريبا ، و هذا هو السر في تنوع القرءان إلى مكي و مدني بحسب نزوله .
فائدة دراسة هذا النوع
معرفته تكون معوانا على ما يأتي :
1- تفهم كتاب الله .
2- و معرفة الناسخ و المنسوخ الذي يجعل أخذ الأحكام الشرعية دقيقا صحيحا .
3- ثم هو بعد ، آية تنطق بما كان للمسلمين من عناية فائقة بكتاب الله و الاهتمام به مما لم يتوفر لأية أمة أخرى و لم يتسر لشريعة من الشرائع السابقة .
مصادر معرفته
اعلم أن العمدة في معرفة المكي و المدني إنما هو حفظ الصحابة و التابعين و النقل الصحيح عنهم و لم يرد في ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم قول :
و ممن كان له عناية شديدة بهذا النوع ( عبد الله بن مسعود ) فقد أخرج البخاري عنه انه قال : ( و الله الذي لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إلا و أنا أعلم أين نزلت ، و لا نزلت آية من كتاب الله إلا و أنا أعلم فيم نزلت و لو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه ) .


اصطلاحات العلماء في المكي و المدني
للعلماء في التمييز بين المكي و المدني اصطلاحات خاصة :
1- فمنهم من لاحظ المكان فقال أن المكي ما نزل بمكة و المدني ما نزل بالمدينة ، و المعروف أن الرسول صلى الله عليه و سلم كانت له أسفار نزلت عليه فيها آيات و هذه لا ينطبق عليها تعريف المكي و المدني و إذن فليس هذا التعريف شاملا و لا حاصرا .
2- و منهم من لاحظ المخاطبين فقال ما نزل مخاطبا لأهل مكة فهو مكي و ما نزل مخاطبا لأهل المدينة فهو مدني و لما كان الغالب في أهل مكة الكفر فخاطبهم (بأيها الناس ) و إن كان غيرهم داخلا فيهم و خاطب أهل المدينة (بيا أيها الذين آمنوا ) .
3- و اعتبر غيرهم الهجرة ، فقال : إن ما نزل قبلها فهو مكي ولو نزل بغيرها و ما نزل بعدها فهو مدني و لو نزل في مكة ، فمثلا قوله تعالى : ( و اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) نزلت بمكة إلا أنها مدنية لأنها نزلت بعد الهجرة .
و هذا الاصطلاح أرجح و هو المشهور إذ أنه حاصر للأقسام و ضابط لها . و أما الأول فغير حاصر و لا جامع بل يلزم منه تعدد الأماكن ، فمثلا ما نزل في تابوك أو في بيت المقدس أو ليلة الإسراء لا يشمله التعريف الأول .
و أما الثاني فمنقوص بسورة البقرة حيث نزل فيها ( يا أيها الناس ) مع أنها سورة مدنية و سورة الحج وهي مكية نزل فيها ( يا أيها الذين أمنوا اركعوا و اسجدوا ).
و إذا ترجح لدينا الثالث فعليه نقول أن ما نزل في سفر الهجرة مكي و ما نزل في أي سفر بعدها مدني مثل سورة الفتح نزلت في بعض أسفاره صلى الله عليه و سلم .
مميزات المكي و المدني

طريقة معرفتها :
للكلام عن هذه المميزات يجب أن نعرف أن الطريق الصحيح لمعرفة المكي و المدني إنما هو النقل الصحيح عن الصحابة و التابعين و هذا هو الطريق الأول .
أما الطريق الثاني : فمعرفتهما عن طريق الوقوف على مميزاتهما بمعنى أنك إذا عجزت عن الوقوف على رأي الصحابة و التابعين فارجع إلى هذه المميزات التي سأذكرها لك لتفرق بين المكي و المدني ، و تلك المميزات إما ضوابط كلية و علامات واضحة لما ورد عن أصحابه صلى الله عليه و سلم و إما خواص تظهر في كل منها أكثر من ظهورها في الآخر .
ضوابط المكي

1- كل سورة اشتملت على كلمة ( كلا ) فهي مكية . و قد ورد هذا اللفظ في القرءان ثلاث و ثلاثين مرة .
2- كل سورة فيها ( سجدة ) فهي مكية و كل سورة فيها ( يا أيها الناس ) و ليس فيها (يا أيها الذين آمنوا ) فهي مكية إلا بعض سور .
3- كل سورة بدئت بفواتح السور ( حم – الم – المص – طسم ) فهي مكية ما عدا البقرة و آل عمران . و في الرعد خلاف .
4- كل سورة فيها قصة آدم و إبليس مكية ما عدا البقرة .
5- كل سورة فيها قصص الأنبياء السابقين و أممهم مكية ما عدا البقرة و المائدة و آل عمران .
ضوابط المدني

1- كل سورة الحدود و الفرائض مدنية .
2- كل سورة ذكر فيها المنافقون مدنية ما العنكبوت ، و كذلك كل سورة ذكر فيها القتال مدنية .
خواص المكي و المدني

لقد امتاز كل من المكي و المدني بأشياء *)) كثرت في أحدهما و زادت فيه )) على الأخر و قد يسميها بعضهم (( مميزات المكي و المدني )) .
خواص المكي :
1- خواص المكي : اختص المكي بذكر الدعوة إلى أصول الأديان المتصلة بالعقيدة من الإلاهيات و الرسالة و أمر البعث و الجزاء .
كما يبرز في القسم المكي الإقناع عن طريق الأدلة الكونية و البراهين العقلية و ذلك هو المناسب لهم فقد كانوا غرقى في بحار من ظلمات الشرك و الجهالة .
2- العناية بالدعوة إلى أصول التشريع العامة و الفضائل الثابتة و خاصة ما اتصل بحفظ المال و النفس و العقل و الدين .
فإنك تعرف أنهم قد تفشت فيهم أمراض اجتماعية هي بحاجة إلى الاستئصال و من ذلك أكلهم أموال الناس بالباطل و وأد البنات و غير ذلك .
3- قصر آياته و سوره و هو بمكان من البلاغة التي لا تجارى و الفصاحة التي لا توصف إذ قد جاء مطابقا لمقتضى حالهم لأنهم و هم أهل البلاغة و ملوك البيان تناسبهم الآيات الجامعة في القصر ، و الإنذارات القارعة تلقى عليهم في سرعة خاطفة لتستمع إلى ذلك أذهانهم فلا يستطيعون وصولا إلى مثل هذا البيان فيظلون حيارى *مشدوهين* ، و إنها على هذا القصر لتجمع المعاني السامية و الأدلة القوية مما جعلهم يقرون بإعجاز القرآن .
خواص المدني :
ويظهر في المدني بعض أشياء يمتاز بها عن المكي :
1- اشتماله على العبادات و المعاملات كما ترى في سورة البقرة .
2- فضح أعمال المنافقين و كشفها و بيان الأحكام المتعلقة بهم كما في سورة البقرة و التوبة و النساء . و كذلك اشتماله على القواعد الخاصة بأحكام القتال و ما يتصل بذلك كله من عقد الصلح و الغزوات و غيرها .
3- طول أكثر سوره و آياته مع اشتمالها على بيان الأحكام السابقة .
و في كل من الطول و القصر مراعاة لمقتضى الحال فكان في البلاغة في أسمى درجاتها و ذروة الكمال منها .
المتفق عليه بين المكي و المدني :
لقد ذكر العلماء أقوالا كثيرة في السور المكية و المدنية ، و لعل أرجحها ما نقله السيوطي من طريق مجاهد عن ابن عباس أن المتفق عليه في القسم المدني عشرون سورة فقط هي : البقرة ،آل عمران ، النساء ،المائدة ، الأنفال ، التوبة ، النور ، الأحزاب ، محمد ، الفتح ، الحجرات ، الحديد ، المجادلة ، الحشر ، الممتحنة ، الجمعة ، المنافقون ، الطلاق ، التحريم ، النصر ، و أن المختلف فيه اثنتا عشرة سورة هي : الفاتحة ، الرعد ، الرحمن ، الصف ، التغابن ، التطفيف ، القدر ، لم يكن ، إذا زلزلة ، الإخلاص ، المعوذتين .
المكي
و ما بقي بعد ذلك فهو مكي :
اشتمال المكي على آيات مدنية و بالعكس

و بعض السور مكية و فيها آيات مدنية و بالعكس و السبب في ذلك أن افتتاحية السورة إذا نزلت بمكة كتبت بها ثم يزيد الله سبحانه فيها ما يشاء ، و ذلك كسورة النجم مكية فيما عدا الآية الثانية ( الذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش إل اللمم ) الآية ، فهي مدنية و مع ذلك فالسورة مكية باعتبار أولها أو أكثرها ، و مثل هذا يقال في القسم المدني .

الموضوع الخامس
5-أول ما نزل و آخر ما نزل

( البحث في هذا الموضوع يدور حول الأولية المطلقة يعني أول ما نزل من القرآن و هو الذي لم ينزل قبله شيء و الآخرية المطلقة و هي التي لم ينزل بعدها شيء أبدا . و أما البحث حول الأولية المقيدة بموضوع معين أو الآخرية بالنسبة لموضوع معين كأول ما نزل في القتال و آخر ما نزل فيه مثلا مجال الكلام فيه هنا إذ يحتاج إلى المطولات ).
طريق معرفة ذلك

ليست معرفة أول ما نزل مما هو محل اجتهاد أو للرأي فيه مجال ، و لذا فإن معرفته و الوقوف عليه إنما هي عن طريق النقل الصحيح ( عن الصحابة رضوان الله عليهم ) .
أول ما نزل

(1) الصحيح المشهور هو أن أول ما نزل من القرآن (لقرأ باسم ربك ) إلى قوله تعالى (علم الإنسان ما لم يعلم ) وذلك لأنه يؤكد بالأحاديث المرفوعة فمن ذلك ما رواه الشيخان من عائشة رضي الله عنها في حديث بدء الوحي و ما ذكر فيه من مجيء جبريل إلى النبي في غار حراء و غطة له ثلاث مرات يقول له في كل مرة اقرأ ، و النبي يقول ما أنا بقارئ حتى الثالثة فقال له (اقرأ باسم ربك الذي خلق ) .
و مثل هذا عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( أول ما نزل من القرآن اقرأ )) و غير ذلك كثير .
(2) و الرأي الثاني أن (( أول ما نزل سورة المدثر )) لما عن جابر حين سئل عن أول ما نزل قال : (( أول ما نزل يا أيها المدثر )) و لقد روي عنه أيضا انه قال : سمت رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدثنا عن فترة الوحي ، و روى الحديث حتى وصل إلى قول النبي : فإذا الملك الذي جاءني بحراء فرجعت فقلت دثروني فأنزل الله ( يا أيها المدثر ) .
مقارنة بين القولين

لقد عرفت القول الأول نزول ( اقرأ ) أولا هو الصحيح المشهور لما يأتي :
( أ ) قوة دليله فقد رواه الشيخان .
(ب) أن دليله حديث مرفوع و بذا يستقيم الرأي الأول ،
أما الرأي الثاني فلا ينهض على معارضة الأول ، و حديث جابر الذي هو عماد دليله نجيب عليه بما يلي :
( أ ) أن جابرا نفسه قد ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( فإذا الملك الذي جاءني في حراء )) و منه نستنبط في وضوح تأخر قصة المدثر عم قصة حراء المستلزم تأخر نزول المدثر عن نزول اقرأ التي صرح فيها بأنها أول ما نزل .
(ب) حمل كلام جابر على أنه أول ما نزل سورة كاملة و مما لا شك فيه أن سورة المدثر نزلت كاملة قبل تمام اقرأ .
(ج) في كلام جابر ما يدل بصراحة لا لبس فيها على ان الأولية مقيدة بما بعد فترة الوحي .
(د) حمل كلام جابر على أنها أولية خاصة بالرسالة يعني أنها أول ما نزل يحمل الرسالة (قم فأنذر ) .
(ه) إن الحديث المؤيد للرأي الأول فيه ما يدل على أن اقرأ لم يسبقها وحي حيث قال صلى الله عليه و سلم : (( ما أنا بقارئ ) فإن هذا المنفي يدل على عدم نزول شيء قبله فسل دليل الأول و بذا يترجح الرأي الأول و تظهر قوته .
آخر ما نزل

و أما آخر ما نزل فقد وردت فيه آراء كثيرة تلخص فيما يلي :
(1) آخر ما نزل ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا ) أخرجه البخاري عن ابن عباس .
(2) آخر ما نزل آية الدين فقد روي أنها آخر القرآن عهدا بالعرش .
(3) آخر ما نزل ( و اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) أخرجه النسائي عن ابن عباس و رواه ابن و أنت تعرف أن هذه الآيات الثلاث بجوار بعضها في المصحف ، و الظاهر أنها نزلت مرة واحدة لأنها في قصة واحدة : الدين و كتابته و القرض الذي جر نفعا و الأمر بتقوى الله و رعايته و الخوف منه وحينئذ تجد أنه لا منافاة بين هذه الروايات الثلاث إذ تحمل على أن كل واحد روى بعض ما نزل على أنها آخر ما نزل اعتمادا على أن القصة واحدة فتكون هذه الآراء قولا واحدا ، وآخر آية هي : ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) لكثرة ما ورد فيها مدعما لها من الآثار .
(4) آخر ما نزل من الآيات آية الكلالة .
(5) آخر ما نزل ( اليوم أكملت لكم دينكم ) و نظرا لأن الآراء الثلاثة أولى أسفرت عن أن آخر الآيات نزولا هي ( و اتقوا يوما ) ... الخ فإننا نحمل الأقوال الباقية على أن أحريتها آخرية مقيدة بموضوعها مثلا . آية الكلالة تحمل على أنها آخر آية في المواريث ، و سورة النصر آخر ما نزل مشيرا إلى الوفاة و ( اليوم أكلت لكم دينكم ) آخر ما نزل في الحلال و الحرام .
بل إن هذه الآية نفسها يكمن أن تحمل على أن المراد من إكمال الدين إقرارهم في البلد الحرم و إجلاء المشركين و انفراد المسلمين بالحج وحدهم ، و ذلك من تمام النعمة و بهذا التفسير الأخير لآية المائدة لا تكون مما وصف بالآخيرة فلا تنافي بينها و بين ما ترجح أنها آخر ما نزل .
أو يقال أن آية المائدة أسبق نزولا إذ أنها نزلت يوم عرفة من عام حجة الوداع (( و النصر )) في أيام التشريق و آية ( و اتقوا يوما ترجعون قيه إلى الله ) نزلت بعد انتهائه صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع و آية الكلالة آخر آيات المواريث وسورة النصر آخر ما نزل مؤذنا بوفاة النبي صلى الله عليه و سلم فترجح كون ( و اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ) آخر ما نزل .

الموضوع السادس
6- معرفة أسباب النزول و فوائده

أ‌- أسباب النزول
أمثلة :
1- عن جابر بن عبد الله قال : بينما النبي صلى الله عليه و سلم يخطب يوم الجمعة قدمت عير إلى المدينة فابتدرها أصحاب النبي صلى الله عليم وسلم حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلا فقال صلى الله و سلم و الذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا فنزلت (( و إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها و تركوك قائما )) ذكره ابن كثير .
2- كانت خولة بنت ثعلبة تحت الأوس بن الصامت فقال لها : أنت علي كظهر أمي ثم ندم و قال : ما أظنك إلا قد حرمت فراحت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و شكت إليه أمرها ، فقال حرمت عليه ، فراحت تلح عليه شكواها و ظلت هكذا و كلما قال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم حرمت عليه قالت إلى الله أشكو فاقتي و شدة حالتي اللهم فأنزل على نبيك صلى الله عليه و سلم فرجي فنزل قوله تعالى ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ). الآيات .
3- مر النبي صلى الله عليه و سلم بنفر من اليهود فسأله بعضهم عن الروح فأنزل الله تعالى : ( يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
أمامك أمثلة ثلاثة : اشتمل الأول على حادثة نزل فيها القرآن مبينا لها ، و الثاني على واقعة وقعت فنزل القرآن مبينا حكمها ، و الثالث جواب سؤال للنبي صلى الله عليم وسلم ، فكل من الحادثة و الواقعة و السؤال هو ما يسمى سبب النزول .
فسبب النزول :
هو ما نزلت الآية فيه أيام وقوعه متضمنة له أو مبينة لحكمه ، و يشترط لاعتبار الوقائع أسباب نزول أن تكون الآية قد نزلت ساعة وقوعها كما تقدم في التعريف ،
و عليه فليس مما يعتبر سبب نزول :
( أ ) القصص في القرآن .
(ب) و لا الأخبار بالغيبيات .
فأنه في الأولى إخبار عن حوادث سابقة ، و في الثاني أخبار عن أمور مستقبلة .
(ج) الآيات المتضمنة للأحكام ابتداء .
و بهذا نستطيع أن نعرف أن القرآن منه ما نزل مبنيا مبينا على سبب من حادثة أو نحوها ، و منه ما نزل غير مرتب على سبب خاص و لا هو للجواب عن سؤال .
فوائد معرفة سبب النزول

أولا – منها فهم الآية فهما صحيحا ، و هو معنى قول شيخ الإسلام ابن تيمية (( معرفة سبب النزول تعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب )) و لأذكر لك مثالا من أمثلة متعددة كان فهم السبب فيها عونا على فهم المراد . ذلك أن عروة بن الزبير فهم عدم فرضية السعي بين الصفا و المروة فهما من ظاهر آية ( إن الصفا و المروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) الآية قد نفت الجناح (الإثم ) و نفي الإثم لا يفيد الفرضية بظاهره فردت عليه عائشة رضي الله عنها و بينت له أن الصحابة كانوا قد تأثموا من السعي بينهما لأنه من عمل الجاهلية فنزلت الآية لنفي ما توهموه وهو الإثم على من سعى بينهما . و غير ذلك كثير .
ثانيا – معرفة حكمة الله تعالى فيما شرع من الأحكام ويتبين لك ذلك مما يلي : ذلكم أن معرفة سبب نزول الآية الآتية يفيد في معرفة الحكمة من تشريع الحكم الذي تضمنته آية الأحزاب (( و إذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك )) إلى قوله (( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا و كان أمر الله مفعولا )) و الحكمة في هذا التشريع ذكرها الله بقوله (( لكيلا يكون على المؤمنين حرجا )) الخ .
ثالثا – معرفة من نزلت فيه الآية و تعيين المبهم فيها ، و لذلك أمثلة كثيرة في القرآن كقوله تعالى : (( و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله )) فإن صاحب هذا الفضل هو صهيب ابن سنان .
طريق معرفة سبب النزول

طريق معرفة سبب النزول . الرواية الصحيحة .
قال الواحدي : لا يحل القول في أسباب النزول إلا بالرواية و السماع ممن شاهدوا التنزيل و وقفوا على الأسباب و بحثوا عنها ،
و معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا ، و ربما لم يجزم أحدهم فقال أحسب هذه الآية نزلت في كذا . كما روي في قصة شراج الحرة قال الزبير فما أحسب هذه الآية نزلت في ذلك ( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك ) ، و قد قال ابن الصلاح و الحاكم أن الصحابي الذي شهد الوحي و التنزيل إذا أخبر أن الآية نزلت في كذا فإن حديثه مسند ، و ذلك بعد أن يكون قد ذكر سببا نزلت عقبه و الحديث مسند أن قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه محمول على سماعه من النبي صلى الله عليه و سلم ، و من أجل هذا قرروا أن رواية الصحابي في هذا النوع و نحوه كالناسخ و المنسوخ له حكم المرفوع . و أما قول التابعي في ذلك فهو مرسل فإذا عزز بمرسل آخر و كان الراوي له من أئمة التفسير قُبل إذا صح السند إليه .
حكم القول في سبب النزول بغير علم

القول فيه بغير علم لا يجوز فقد روي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( اتقوا الحديث إلا ما علمتم فإنه من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
عبارات الرواة في سبب النزول

للرواة في بيان سبب النزول طريقان :
أحدهما - قولهم :
سبب نزول هذه الآية كذا .
هذه العبارة نص صريح في بيان سبب النزول .
ثانيهما - قولهم :
نزلت هذه الآية في كذا .
و هذه ليست نصا بل هي محتملة لأن يكون الغرض منها ما تضمنته الآية من حكم و لأن يكون الغرض منها بيان سبب النزول .
موقف المفسر من أسباب النزول إذا تعددت
لتعدد الروايات في أسباب النزول أحوال :
(1) أن يقول راويان أو أكثر ( نزلت هذه الآية في كذا ) و كل يقول غير ما يقول الآخر . هذه العبارة ليست نصا في بيان سبب النزول فيراد بها التفسير و بيان الحكم ، فإذا كان اللفظ يحتمل قولَ كل حُمل على الجميع و لا منافاة ، و إلا تعين ما يقتضيه اللفظ و تؤيده الأدلة .
(2) أن يقول أحدهم ( نزلت هذه الآية في كذا ) و يقول الآخر ( سبب نزول الآية كذا ) فالعبارة الثانية نص صريح في بيان سبب النزول ، و مثاله : ما رواه البخاري عن ابن عمر أنه قال أنزلت ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) في إتيان النساء في أدبارهن أي في تحريم ذلك . و لا شك أن هذا من ابن عمر استنباط لبيان الحكم ، و أما ما رواه مسلم عن جابر حيث قال : كانت اليهود تقول : من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول . فنزل قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم ) الآية فإنه صريح في ذكر سبب النزول .
(3) أن يذكر كل من الراويين أو أكثر سببا غير الذي يذكره
الآخر و يصرح بذكر السببية و هذا النوع له أربع حالات .
الأولى : أن يذكر أحدهما سببا و يذكر الآخر سببا غيره و إسناد أحدهما صحيح و الآخر غير صحيح فالصحيح هو المعتمد عليه في بيان النزول و مثاله : ما أخرجه الشيخان و غيرهما أن النبي صلى الله عليه و سلم (( اشتكى فلم يقم ليلة أم ليلتين فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك . فأنزل الله سورة ( الضحى ) إلى قوله : ( فترضى ) و ما أخرجه الطبراني و ابن أبي شيبة عن حفص ابن ميسرة عن أمه عن أمها و كانت خادمة رسول الله صلى الله علية و سلم : (( أن جروا دخل بين رسول الله فمات تحت السرير فمكث رسول الله أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال : يا خولة ما حدث في بيت رسول الله ؟ جبريل لا يأتيني فقلت في نفسي لو هيأت البيت و كنسته فهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو فجاء النبي صلى الله عليه و سلم ترعد لحيته و كان أذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فأنزل عليه سورة ( و الضحى ) و الخبر الأول صحيح لذا كان المعتمد .
و قد قال ابن حجر القصة مشهورة و لكن كونها سبب غريب ، و في إسناده من لا يعرف .

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 رمضان 1435هـ/17-07-2014م, 10:26 PM
رشيد رشيد غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 31
افتراضي

الثانية : أن يستوي الاسنادان مع تعدد السبب و يمكن ترجيح أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح فالراجح هو السبب ، و مثاله : ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال : (( كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه و سلم و هو يتوكأ على عسيب فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لو سألتموه . فسألوه عن الروح فنزلت ( قل الروح من أمر ربي ) الآية )) . و ما أخرجه الترمذي قال : (( قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسأله هذا الرجل فقالوا : اسألوه عن الرح فسألوه فأنزل الله تعالى : ( قل الروح من أمر ربي ) الآية )) . و رواية البخاري أرجح من غيرها و راويها حاضر القصة حيث قال ( أمشي مع النبي ) و معه زيادة وصف حيث قال ( يتوكأ على عسيب ) و ذلك من أسباب الترجيح .
الثالثة : أن يستوي الإسنادان في الصحة و لا مرجح لأحدهما و يمكن الجمع بينها و الأخذ بهما بأن لا يكون بينهما تباعد فيحمل ذلك على تعدد الأسباب لآية واحدة و لا مانع متى كانت الآية مفيدة لحكم السببين ، و مثاله : ما أخرجه البخاري عن ابن عباس ( أن بلال بن أميه قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه و سلم بشريك فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( البينة أو حد في ظهرك ) فأنزل الله تعالى ( و الذين يرمون أزواجهم و لم يكن لهم شهداء ... ) الآية . و ما أخرجه الشيخان عن سهل بن سعيد قال : جاء عويمر إلى عاصم بن عدي قال أسأل رسول الله أرأيت رجلا وجد مع ارأته رجلا أيقتله ام كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله فعاب السائل فأخبر عاصم عويمرا فقال و الله لآتين رسول الله فلأسألنه فأتاه فقال القصة فقال النبي صلى الله عليه و سلم انه نزل فيك و في صاحبك قرآن الليلة و قرأ الآية : ( و الذين يرمون أزواجهم ... ) الآية . و يمكن الجمع بينهما على أن أول من جاء يسأل هو هلال و صادف مجئ عويمر قبل إجابته فنزلت الآية في شأنهما .
الرابعة : أن يستوي الإسنادان في الصحة و لا مرجح لأحدهما و لا يمكن الجمع بينهما و الأخذ بهما معا فيحمل ذلك على تكرر نزول الآية الواحدة عقب كل من السببين أو الأكثر، و لا مانع من تكرار النزول تعظيما لشأن المنزل و تذكيرا به عند حدوث سببه حتى لا ينسى مثاله : (( وقف النبي صلى الله عليه و سلم على حمزة رضي الله عنه و قد مثل به المشركون يوم أحد )) فقال : لأمثلن منهم بسبعين مكانك فنزلت الآية ( و إن عوقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به...) الآية . و قالت الأنصار لئن أصبنا منهم مثل هذا لنربين عليهم فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله الآية ( و إن عوقبتم ... ) الآية .
و السورة كلها مكية ، و يحمل ذلك على تعدد النزول مرة بمكة و أحرى يوم أحد و ثالثة يوم فتح مكة لعظم شأنها ، تذكيرا لعباده و تعويدا لهم على العدل الذي يجب أن يكون ديدنا لهم حتى في حالات الظفر و النصر .
تلك حالات ست لتعدد النزول و موقف المفسر منها .

الموضوع السابع
نزول القرآن منجما و الدليل على ذلك

اختص الله القرآن الكريم من بين الكتب السماوية بإنزاله على محمد صلى الله عليه و سلم مفرقا حسب الحوادث و الوقائع أو اجابات لأسئلة وجهت إليه إما للتثبت من رسالته ، أو لمعرفة أمر ، أو لاستضاح حكم ، بخلاف الكتب السابقة التي نزلت جملة واحدة .
و مما يدل على أن القرآن نزل مفرقا ما يلي :
1- قوله تعالى : ( كذلك لنثبت به فؤادك و رتلناه ترتيلا ) .
2- ما دل على وقوع الأسئلة التي حكاها القرآن لنا مما أشرنا إليه آنفا مثل : ( يسألونك عن الأهلة ) . ( يسألونك ماذا ينفقون ) . ( يسألونك عن الخمر و الميسر ) . ( يسألونك عن الساعة ) . ( و يسألونك عن الروح ) . إلى غير ذلك و ذلك دليل على نزوله مفرقا إذ أن الأسئلة كانت في أوقات مختلفة و أزمنة متباينة و كذلك تكون الإجابات فيكون منجما و مفرقا .
3- ما ورد في السنة الصحيحة من أن أول ما نزل ( اقرأ ) ثم ( المدثر) في و قت آخر غير وقت ( اقرأ ) و هو ما قصدناه من معنى نزوله منجما .

نزول الكتب السماوية السابقة

نزل كل كتاب من الكتب السابقة جملة واحدة بدليل قوله تعالى ( و قال الذين كفروا لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك و رتلناه ترتيلا ) فهذه الآية بينت حال المشركين و هو أنهم قالوا لو لم ينزل عليه القرآن جملة ؟ فلو كانت الكتب السابقة نزلت مفرقة لكان الرد عليهم بأنها سنة الله في إنزال الكتب و لكن الرد وقع بغير ذلك فقد بين الحكمة في إنزال القرآن مفرقا حيث قال ( كذلك لنثبت به فؤادك ... ) الآية ، فتكون الكتب السابقة نزلت جملة .

الحكمة في إنزاله منجما

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السفير, في


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:44 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir