دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ربيع الثاني 1439هـ/11-01-2018م, 02:56 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي المجلس السادس: مجلس مذاكرة القسم الحادي عشر من تفسير سورة البقرة

مجلس مذاكرة القسم الحادي عشر من تفسير سورة البقرة
الآيات (142 - 158)

أجب على إحدى المجموعات التالية:
المجموعة الأولى:
1: فسّر
قول الله تعالى:

{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)} البقرة.
2: حرّر القول في كل من:

أ: معنى قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}.
ب: هل كانت الصلاة إلى بيت المقدس بوحي متلوّ؟
3: بيّن ما يلي:
أ: متعلّق "كما" في قوله تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا} الآية.
ب: كيف كان تحويل الصلاة إلى الكعبة دليلا على عناية الله بهذه الأمة.
ج: مناسبة قوله تعالى: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع} لما قبله.

المجموعة الثانية:
1: فسّر قول الله تعالى:

{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}.
2:
حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالشهادة في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}.
ب: معنى قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجّة إلا الذين ظلموا منهم}.
3: بيّن ما يلي:
أ: الحكمة من تكرار الأمر بتحويل القبلة في الآيات.
ب: فضل سادات الصحابة في حادثة تحويل القبلة، مع الاستدلال.
ج: متعلّق الاستعانة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}.


المجموعة الثالثة:
1: فسّر قول الله تعالى:

{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) }.
2:
حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالسفهاء وموقفهم من تحويل القبلة في قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}.

ب: معنى قوله تعالى: {إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} الآية.
3: بيّن ما يلي:
أ: المخاطب في الآية، ومعنى الذكر في قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم}.
ب: المراد بالإيمان وفائدة التعبير عنه بوصف الإيمان في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}.
ج: معنى الصبر، وأنواعه، وفضله.



تعليمات:
- ننصح بقراءة موضوع " معايير الإجابة الوافية " ، والحرص على تحقيقها في أجوبتكم لأسئلة المجلس.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- يسمح بتكرار الأسئلة بعد التغطية الشاملة لجميع الأسئلة.
- يمنع منعًا باتّا نسخ الأجوبة من مواضع الدروس ولصقها لأن الغرض تدريب الطالب على التعبير عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستعين ببعض الجُمَل والعبارات التي في الدرس لكن من غير أن يكون اعتماده على مجرد النسخ واللصق.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.



تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1439هـ/12-01-2018م, 03:04 PM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم الحادي عشر من تفسير سورة البقرة

المجموعة الثانية:

1: فسّر قول الله تعالى:
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}.

التفسير :
- وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ
- لكلٍ : أي لكل أهل ملة أو أهل دين ، أو لكل صاحب ملة من الناس
- قال عطاء : {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} قال: «كلّ أهل دينٍ اليهود، والنّصارى»
- و قال مجاهدٌ: «لكلّ صاحب ملّةٍ».
والتنوين عوضا عن المضاف إليه المحذوف ... لأن الأصل في (كل) أن تضاف ، فإن حذف مضافها لدلالة السياق عليه نونت ( كل) لتدل على الحذف .
ومثل ذلك أن تقول : لكل طالبٍ مرشدٌ يوجهه ؛ ثم تريد حذف ( طالب ) لأنها تفهم من سياق الجملة فتقول : لكلٍ بالتنوين : لكلٍ مرشدٌ يوجهه . وتبقى مرشد مرفوعة لأنها مبتدأ مؤخر .
ولا يحذف المضاف إليه دون أن يدل عليه تنوين ( كل )

- وجهة : على وزن : فِعلة : قيل هي مصدر من التوجه ، وقيل بل المصدر جهة ووجهة اسم ، وقيل بل وجهة على وزن فعلة وهو مصدر هيئة
والوجهة القصد والتوجه ؛ وهي هنا القبلة لأنهم يتوجهون إليها في صلاتهم ، ولأن مدار الحديث عنها .

- فالمعنى أن لكل أهل ملة من الناس قبلة يصلون إليها ، فلليهود قبلة ، وللنصارى قبلتهم واختار الله لأهل الإسلام أشرف قبلة وهي الكعبة .

- وقد ذكر ابن جرير أنها قرئت ( لكل وجهة ٍ ) على إضافة وجهة لكل وبالتالي حذف التنوين من كل وخفض وجهة ؛ وقد بين عدم جوازها لأن الجملة ستكون هكذا غير تامة ؛ وخالفه ابن عطية في رد القراءة ووجهها باعتبارها تتم مع باقي الآية ليكون المعنى : لكل وجهةٍ ولاكموها الله استبقوا الخيرات والتزموا أمره فلا تعترضوا

والقراء على قراءتها بالتنوين .

- هُوَ مُوَلِّيهَا :
واختلف في مرجع الضمير هو :
- فقيل يعود على المراد بكل ، أي لكل أهل ملة وجهة ، وهم مولوا وجوههم جهة قبلتهم ، أي متجهون إليها ومستقبلوها .
وأفردت لموافقة ( كل ) وإن كانت دالة على الجمع .

- وقيل يعود الضمير على ( الله ) ؛ أي لكل أهل ملة وجهة الله موليهم إياها ...
ومنه قيل أن المعنى : لكل ناحية وجهك الله لها يا محمد سواء في الصلاة لبيت المقدس أو للكعبة قبلة الله موليها عباده
- وقيل أن وجه الله تبارك اسمه حيث توجه المؤمنون ( فأينما تولوا فثم وجه الله )

- وقرأ ابن عامر ( مولاها ) على المفعول : أي هو موجه لها مولى جهتها .
فيكون المعنى : لكل أهل ملة قبلة هذا الكل مولى وموجه نحوها .
والتولي هنا بمعنى الإقبال ..
أي هو مقبل بوجهه جهة قبلته ، أو هو موجه مأتي به جهة قبلته .

- فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ
والمسابقة من المبادرة والمسارعة
- عن قتادة {فاستبقوا الخيرات} يقول: «لا تغلبنّ على قبلتكم».
- قال ابن زيدٍ في قوله: {فاستبقوا الخيرات} قال: «الأعمال الصّالحة»). رواهما ابن جرير
وهذه دعوة للمؤمنين بعد أن بين الله لهم فضلهم وأنه اختار لهم القبلة وأنها الحق فدعاهم إلى التوجه إلى الكعبة وترك كل ما أثير حول ذلك والتمسك بقبلتهم وعدم الضلال عنها كما ضلت اليهود والنصارى عن قبلتهم ، كما دعاهم إلى استباق الخيرات وفعل الطاعات وشكر الله تعالى على ما أنعم به عليهم وما ميزهم به على سائر الأمم والتزود من دنياهم لأخراهم . وذلك لأنه :

- أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا
أي في أي مكان كنتم وفي أي مكان توفيتم يأتي الله بكم يوم القيامة ويجمع أجسادكم مهما تفرقت فيجمعكم بعد تفرقكم وذلك للعرض والحساب

- جميعا : أي بركم وفاجركم ، أولكم وآخركم ؛ فكل الناس آتيه يوم القيامة ( وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) ؛ فيجازى كل بعمله إن حسنا فحسنا وإن شرا فشرا .

- إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
أي أن الله لا يعجزه شيء ، فكما خلقكم أول مرة فهو قادر على جمعكم وبعثكم وحسابكم فاعملوا لذلك اليوم .

2: حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالشهادة في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}.
شهداء جمع شاهد وشهيد ... وهي من الشهادة
واختلف في معنى الشهادة هنا على قولين رئيسين تبعا لزمان هذه الشهادة ، ولكل قول ما تفرع منه :
1- القول الأول :
أن الشهادة هي شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم للأنبياء على أقوامهم في الآخرة يوم القيامة ... إذ تشهد هذه الأمة يوم القيامة للأنبياء بأنهم قد بلغوا رسالات ربهم ونصحوا لأقوامهم وأدوا ما كلفوا به . حاصل ما ذكره المفسرون الثلاثة

وعليه فالناس الذين تشهد عليهم الأمة هنا :
أ. هم جميع الناس أمم كل الأنبياء ؛ إذ ينكر المكذبون منهم أن نبيهم بلغهم ، فتشهد له أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنه قد بلغ رسالته ويشهد النبي صلى الله عليه وسلم بصدق ما قالت أمته ، وذلك لكل نبي كذبه قومه ، فيكونون شهداء على أقوام الأنبياء ؛ وذلك بما آمنوا به مما أعلمهم الله به من وحيه عن طريق نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه فآمنوا بأن كل ما جاء به الحق فهم يشهدون بعلمهم منه . حاصل ما ذكره المفسرون الثلاثة ...

- عن جابر بن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «أنا وأمّتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق. ما من النّاس أحدٌ إلّا ودّ أنّه منّا. وما من نبيٍّ كذّبه قومه إلّا ونحن نشهد أنّه قد بلّغ رسالة ربّه، عز وجل». ذكره ابن كثير

- عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى بنوحٍ عليه السّلام يوم القيامة، فيقال له: هل بلّغت ما أرسلت به؟ فيقول: نعم، فيقال لقومه: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذيرٍ، فيقال له: من يعلم ذاك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته فهو قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}». رواه ابن جرير

ب. أن الناس هم اليهود والنصارى والمجوس ومن كان في مدته صلى الله عليه وسلم خاصة ، فتكون الشهادة هنا شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم لنبيها خاصة أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده . ذكر ابن عطية هذا القول عن مجاهد فقال :وقال مجاهد: معنى الآية تشهدون لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغ الناس في مدته من اليهود والنصارى والمجوس.
▪وفي الحقيقة هذا القول تخصيص لشهادة الأمة على أقوام جميع الأنبياء ، والأول أعم ؛ وفيه نص ..

2- القول الثاني :
أن الشهادة هي شهادة المؤمنين على الناس في الدنيا :
▪فقيل أن المقصود بالشهادة في الدنيا :
أ . الثناء بالخير أو الشر على الميت من الناس في الدنيا ، فهم يشهدون للميت منه بالصلاح أو عدمه وذلك بما ظهر بهم منهم في الدنيا ؛ أما السرائر فموكولة إلى الله لا يعلمها إلا هو ؛ ذكر ذلك ابن عطية وابن كثير
- عن عبد العزيز بن صهيب قال سمعت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ : مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَجَبَتْ ". ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ : " وَجَبَتْ ". فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا وَجَبَتْ. قَالَ : " هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ ". رواه البخاري

- عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ ، قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ، فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا، فَقَالَ : وَجَبَتْ. فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ : فَقُلْتُ : وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ : قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ". فَقُلْنَا : وَثَلَاثَةٌ ؟ قَالَ : " وَثَلَاثَةٌ ". فَقُلْنَا : وَاثْنَانِ ؟ قَالَ : " وَاثْنَانِ ". ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ. رواه البخاري ؛ وذكره ابن كثير برواية أحمد .

- و عن أبي بكر بن أبي زهيرٍ الثّقفيّ، عن أبيه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّباوة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم» قالوا: بم يا رسول اللّه؟ قال: «بالثّناء الحسن والثّناء السّيّئ، أنتم شهداء اللّه في الأرض». رواه ابن مردويه ؛ ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون. ورواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، وعبد الملك بن عمر وشريحٍ، عن نافع عن ابن عمر، به.

ب. أن الشهادة هي إقامة الحجة والبرهان على من خالفهم ؛
قال الزجاج : وقال قوم {لتكونوا شهداء على النّاس}, أي: محتجين على سائر من خالفكم، ويكون الرسول محتجاً عليكم , ومبيناًلكم. ذكرالقول الزجاج ورجح القول الأول بالشهادة على أقوام الأنبياء يوم القيامة ؛ وذكر أنه الأقرب لتفسير الآية .

الترجيح :
- رجح الزجاج القول الأول أنها شهادة الأمة على المكذبين من أقوام وأمم الأنبياء وقال أنه الأشبه بتفسير الآية ، والأنسب لكون هذه الأمة ( وسطا ) أي خيارا وعدولا ؛ فناسب بعدالتها أن تشهد لأنبيائه على أقوامهم ... ولم يذكر الشهادة في الميت

- ولم يرجح ابن عطية وابن كثير ذلك أن في القولين الرئيسين نصوص تشهد لهما ... سواء في شهادة الأمة على الأقوام قبلها أو في شهادة الأمة على من مات بالخير أو الشر .
وأما القول بأن الشهادة إقامة الحجة فهو محتمل صحيح المعنى لكن الأولين أقرب لما يعضدهما من النصوص .

ب: معنى قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجّة إلا الذين ظلموا منهم}.
قال تعالى ( وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجّة إلا الذين ظلموا منهم )
فالله يقول لعباده أنه قد بين لهم الحق في أمر القبلة والأمر بالتوجه نحوها لكي لا يكون للناس عليهم حجة أي لتقطع بذلك الحجة على الناس ويلجموا في مسألة القبلة :
ولفهم المعنى لا بد من معرفة المراد ب: الناس ، الذين ظلموا ، والحجة تبعا لذلك :
🔹المراد بالناس وبالمستثنى ( الذين ظلموا ) :
قيل أن الناس هنا :
1- هم كل من تحدث بأمر القبلة من أهل الكتاب من اليهود خاصة لكونهم مع المسلمين في المدينة ، ومشركي العرب من أهل قريش والمنافقين . ذكره ابن عطية

- والذين ظلموا : هم كل من استهزأ بتحويل القبلة من أهل الكتاب وغيرهم أهل الأوثان . ذكره ابن عطية
ويكون الاستثناء بـ( إلا ) على ذلك متصلا إذ المستثنى من جملة المستثنى منه . وقد قوى هذا القول ابن عطية وضعف غيره
فيكون المعنى :
أن الله قد بين لكم الحق في أمر القبلة لكي يقطع حجة كل أحد عليكم ، ولكيلا يكون حجة لأحد من الناس من يهود وعرب عليكم إلا الحجة الداحضة لمن ظلم نفسه من هؤلاء بكفره واستهزائه فكلهم حجتهم داحضة وخصومتهم مقطوعة عليهم .

2- وقيل بل الناس هم أهل الكتاب .. ذكره ابن كثير عن أبي العالية وذكر ما رواه ابن أبي حاتم أنه قد روي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، والسّدّيّ، نحو هذا.
وخص ابن عطية اليهود من أهل الكتاب .


والذين ظلموا هم مشركوا العرب خاصة ومن قال قولهم ممن ليسوا باليهود . ذكره ابن عطية ، وذكر ابن كثير أن من قال أن الناس هم أهل الكتاب قالوا أن الذين ظلموا هم مشركوا مكة .
وعليه يكون الاستثناء منقطعا لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه .
و يكون المعنى لا حجة ولا خصومة ولا جدال لأحد من أهل الكتاب عليكم فقد قطعت عليهم الحجة وألجموها إلا ما بقي من لجاجة وخصومة مشركي مكة في قولهم في تحويل القبلة
وقد ضعفه ابن عطية لقوله تعالى ( إلا الذين ظلموا منهم )فمنهم أي من هؤلاء الناس .

- والحجة : ما يحتج به ، وسماها الله حجة وإن كانت داحضة لكون قائلها سماها حجة جهلا منه بالحق وظنا منه أنه سينال من الأمة بما يحتج ويجادل به ...

- وحجة أهل الكتاب وغيرهم كما زعموا :
أن يهود كانت تتحدث في قبلة المسلمين عندما كانوا يصلون إلى بيت المقدس ؛ فهم يجدون في كتبهم أن صفة أمة محمد أن قبلتهم الكعبة فكانوا يشككون في ذلك فترة الصلاة إلى بيت المقدس . وكذلك فإن قبلة اليهود بيت المقدس فكانوا يحتجون على المسلمين أنهم يصلون إلى قبلتهم لأنها الحق . ذكرابن كثير القولين وقال أن الثاني أظهر .
وكان أهل مكة يقولون لو كان محمد من ملة إبراهيم كما يدعي فلم يصلي إلى بيت المقدس وقبلة إبراهيم الكعبة ؟ ذكره ابن كثير
فقطع الله عليهم حجتهم وأقوالهم بأن رد المسلمين إلى القبلة التي ارتضاها لهم
ومع ذلك فإن الظالمين من يهود ومشركين لم يتركوا اللجاجة والخصومة وأتوا بحجج ظالمة :
فقال مشركوا مكة : قد علم محمد أننا على الحق فرجع إلى كعبتنا وغدا يرجع إلى ديننا ؛ ذكره ابن عطية وابن كثير .
وقالت يهود : لم يهتد محمد إلى قبلته حتى هديناه نحن.
وقال المنافقون : تحير محمد في دينه فلم يدر أين يصلي ، وقالت طائفة منهم اشتاق محمد لوطنه فتوجه إليه . ذكره ابن عطية

▪فبين الله أن حججهم تلك داحضة ظالمة ، وثبت المؤمنين على ما هم عليه ، وبين لهم أنه ما كان وجههم إليه أولا من الصلاة لبيت المقدس ، ثم إلى الكعبة آخرا إنما ذلك بعلمه سبحانه وبأمره ولحكمة اقتضاها تدبيره ؛ وأخبرهم ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) وإنما عليكم الامتثال والطاعة ، ولا تلتفتوا إلى من أراد فتنتكم عن دينكم وتشكيككم في أمر صلاتكم .

3: بيّن ما يلي:
أ: الحكمة من تكرار الأمر بتحويل القبلة في الآيات.
تكرار الأمر بتحويل القبلة له عدة حكم ؛ منها :
1- التكرار في الأصل يفيد التأكيد ، فتكرارالأمر بالتحويل يفيد تأكيده ، وأن الأمر قد قضي وانتهى ، وأن القبلة تحولت من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام لا ريب في ذلك .
وقد ذكر بدر الدين العيني أن في تأكيد الأمر هنا تأكيد للنسخ لأنه أول نسخ وقع في الإسلام .
وقد ينشأ من النسخ عموما فتنة وبلبلة لأنه تغيير حكم فكان التكرار تأكيدا لذلك النسخ وقطعا لحجة المشككين ، وتثبيتا للأمر في نفوس الصحابة ذلك أن الأمر قد وقع في بعض النفوس موضعا فتكرار الأمر بمثابة التثبيت عليه وإبعاد الزيغ عن النفوس فيه .

2-وذكر العيني أنه قيل أن ذلك لأحوال مختلفة : فالأولى لمن يشاهد الكعبة ، والثاني لمن في مكة لا يشاهدها والثالث لمن في سائر البلدان
وقيل بل الأول لمن في مكة والثاني لمن في سائر الأمصار والثالث لمن على سفر .

3- وأورد ابن كثير أن من حكم التكرار مناسبة السياق في كل مرة والتنبيه على أمر مختلف : ففي الأولى قال ( فلنولينك قبلة ترضاها ) فكان في تحويل القبلة تسلية لرسول الله وموافقة لرضاه من البداية في الصلاة إلى الكعبة
وفي الثانية قال ( وإنه للحق من ربك ) فبين أن التحويل ليس فقط موافقة لرضا نبيه وإنما هو الحق من الله وما كان حقا فهو ما يرضيه سبحانه
وفي الثالثة قال ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) فقطع اللجاجة والخصومة في أمر القبلة وبين أن تحويل القبلة كان إسكاتا لما خاصم به أهل الكتاب وغيرهم وقطع حجتهم ولجاجتهم

4- وقد يكون من الحكم أن في التكرار زيادة تكريم للأمة بتوجيهها لأول بيت وضع لعبادة الله قبلة أبيهم إبراهيم عليه السلام وتمام النعمة عليهم بأن اختار لهم من كل شيء أشرفه وجعل قبلتهم أشرف الأماكن والبقاع .
والله أعلم .

ب: فضل سادات الصحابة في حادثة تحويل القبلة، مع الاستدلال.
كان لسادات الصحابة موقف عجيب في الامتثال لأمر الله تعالى في تحويل القبلة ، فإنه لما نزل الأمر بالتوجه إلى الكعبة كان هناك مسلمون يصلون في قباء ، فناداهم مناد أن قد نزل قرآن وأمر بالصلاة للكعبة فتحولوا في صلاتهم إلى الكعبة امتثالا دون جدال ولا نقاش ؛ جاء أمر إذن معه التنفيذ والسمع والطاعة .

- عن ابن عمر قال:«بينا الناس يصلون الصّبح في مسجد قباء إذ جاء رجلٌ فقال: قد أنزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرآنٌ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. فتوجّهوا إلى الكعبة». رواه البخاري

- وقد رواه مسلمٌ من وجهٍ آخر، عن ابن عمر. ورواه التّرمذيّ من حديث سفيان الثّوريّ وعنده: «أنّهم كانوا ركوعًا، فاستداروا كما هم إلى الكعبة، وهم ركوعٌ».

ويدل على عظيم فضلهم وثباتهم قوله تعالى ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ) فقد وصف أمر تحويل القبلة بأنه عظيم شاق إلا على الذين هدى قلوبهم للإيمان به والطمأنينة بما جاء من عنده واليقين أنه كل ما كان منه فهو الحق سبحانه فكان سادات الصحابة مثالا يحتذى وأنموذجا للطاعة لله سبحانه . فما سمعوا الأمر حتى كان لسان حالهم يقول سمعنا وأطعنا .
وكانوا مثالا في الثبات على الإيمان لما عرفوا فيه من الحق ، فمع كل ما قيل في شأن القبلة من اليهود والنصارى والمشركين ما زادهم ذلك إلا إيمانا وتسليما
؛ فقد علموا أن الأمر من الله فتلقوه بيقين ورضا وتسليم ؛ بل إن جل اهتمامهم كان في أجر صلواتهم السابقة أو أجر من مات منهم .

ج: متعلّق الاستعانة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}.
متعلق الاستعانة بالصبر والصلاة :
جاء الأمر بالاستعانة بالصبر والصلاة هنا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد الانتهاء من تثبيت قضية تحويل القبلة ، وأنه الحق من الله وأنه أمر قد تم ليقطع به الله الحجة على أهل اللجاجة والخصومة وأمر المؤمنين بذكره سبحانه وشكر نعمه فقال : ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )
- فكأنه قال لهم : استعينوا على الثبات على الحق الذي وجهكم الله إليه رغم كل ما تسمعون وما يثار حوله ، استعينوا على الثبات عليه بالصبر والصلاة ... ذلك أن من الصبر صبر على الطاعات ومجاهدة للنفس فيها ، فالصبر على التكاليف ومجاهدة للنفس فيها معين على المضي والثبات عليها ، وأما الصلاة فهي مدار الأمر كله وهي الصلة بين العبد وربه وهي زاد مهم للمؤمن في سيره ليتزود بها ؛ فيستعين بهذين الأمرين ليثبته الله

- وقد تكون الاستعانة : استعينوا في معرفة فضل ما أنتم عليه بالصبر والصلاة ؛ وقد فسر بعضهم الصبر هنا بالصيام ، وبالصوم ترق الأفئدة وتلين القلوب وتخشع ، وبالصلاة تتلو كتاب ربها فتعرف أن ما هي عليه فضل من الله ومنة ، وتستشعر ذلك الفضل .

- كما أن متعلق الاستعانة هنا قد يكون على الحزن والمصاب والشدائد ، ومن ذلك ما حصل لهم من الشدة بتغيير القبلة لما استهزئ بهم فيه ولما امتحنوا فيه . و قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة . والله أعلم .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 ربيع الثاني 1439هـ/12-01-2018م, 04:46 PM
رضوى محمود رضوى محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 237
افتراضي

المجموعة الثانية:
1: فسّر قول الله تعالى:
{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}.
الوجهة من المواجهة كالقبلة .
ومعنى قوله تعالى ( ولكل وجهة هو موليها ) متوقف على مرجع الضمير (هو) في الآية ،فقالت طائفة :هو عائد على (كل) والمراد بكل هنا الجماعات وأهل الأديان ،ويكون معنى الآية لكل صاحب ملة وجهة هو موليها نفسه ، وقيل :أن الضمير عائد على الله عز وجل ،ويكون معنى الآية أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يوليهم .
وعلى هذا القول قيل أن المراد بالوجهة ملة محمد صلى الله عليه وسلم يوليهم الله إياها فيتبعها من يتبعها ويعرض من يعرض، وقيل المراد بالوجهة القبلة في الصلاة ،وقدمت الوجهة للاهتمام بها.
(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) أي بادروا إلى طاعة الله عز وجل ،وإلى اتباع الوجهة التي يرضاها منكم.
(أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا) المراد البعث من القبور فهو سبحانه وتعالى يجمعكم من الأرض وإن تفرقت أجسادكم ، وهو يتضمن الوعيد والتحذير.
(إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قادر على كل شئ ،لا يعجزه شئ سبحانه وتعالى.
---------------------------------------------------
2: حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالشهادة في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}.
فيها أقوال:
القول الأول:
أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم تشهد للأنبياء على أممهم بالتبليغ ، ذكره الزجاج وابن عطية،وذكره ابن كثير عن جابر بن عبد الله،وأبي سعيد الخدري.
عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يدعى نوحٌ يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم. فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذيرٍ وما أتانا من أحدٍ، فيقال لنوحٍ: من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته» قال: «فذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}».رواه الإمام أحمد.
عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يجيء النّبيّ يوم القيامة ومعه الرّجل والنّبيّ ومعه الرّجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه، فيقال لهم : هل بلّغكم هذا؟ فيقولون: لا. فيقال له: هل بلّغت قومك؟ فيقول: نعم. فيقال له من يشهد لك؟ فيقول: محمّدٌ وأمّته فيدعى بمحمّدٍ وأمّته، فيقال لهم: هل بلّغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم. فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرنا أنّ الرّسل قد بلّغوا فذلك قوله عزّ وجلّ:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا}» قال: «عدلًا{لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}».رواه الإمام أحمد.
القول الثاني:
أن الأمة تشهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه قد بلغ الناس في مدته من اليهود والنصارى والمجوس، ذكره ابن عطية عن مجاهد.
القول الثالث:
يشهد بعضكم على بعض بعد الموت ،ذكره ابن عطية، وذكره ابن كثير عن عمر ابن الخطاب،و جابر بن عبد الله ،ومحمد بن كعب، وأبي زهير الثقفي.
عن جابر بن عبد اللّه، قال: شهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جنازةً، في بني سلمة، وكنت إلى جانب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال بعضهم: واللّه -يا رسول اللّه -لنعم المرء كان لقد كان عفيفًا مسلمًا وكان وأثنوا عليه خيرًا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنت بما تقول». فقال الرّجل: اللّه أعلم بالسّرائر، فأمّا الذي بدا لنا منه فذاك. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت». ثمّ شهد جنازةً في بني حارثة، وكنت إلى جانب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال بعضهم: يا رسول اللّه، بئس المرء كان، إن كان لفظّاً غليظًا، فأثنوا عليه شرًّا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لبعضهم: «أنت بالذي تقول». فقال الرّجل: اللّه أعلم بالسّرائر، فأمّا الذي بدا لنا منه فذاك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «وجبت».
قال مصعب بن ثابتٍ: فقال لنا عند ذلك محمّد بن كعب: صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قرأ: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}
رواه الحاكم في مستدركه وابن مردويه واللفظ له ،ثمّ قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه.
القول الرابع:
محتجين على سائر من خالفكم، ذكره الزجاج.
ورجح الزجاج القول الأول لأنه أشبه بالتفسير وأنسب لقوله (وسطا).
ولا تعارض بين الأقوال ويمكن الجمع بينها.
---------------------------------------------------
ب: معنى قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجّة إلا الذين ظلموا منهم}.
فيها قولان:
القول الأول:
المراد بالناس في الآية الناس عامة ،ويكون المعنى أن الله عرفكم وجه الصواب في قبلتكم والحجة في ذلك،لئلا يكون للناس عامة حجة عليكم ،إلا الذين ظلموا منهم ،أي لا حجة إلا حجة من ظلم وحجته داحضة فاسدة ، والمراد بهم اليهود والعرب وكل من استهزأ بأمر تحويل القبلة وقال ما ولاهم عن قبلتهم واحتج بحجج واهية ،ويكون الاستثناء متصل ،ذكره الزجاج وابن عطية.
القول الثاني:
قيل المراد بالناس أهل الكتاب ،ويكون المعنى أن الله عرفكم وجه الصواب في قبلتكم والحجة في ذلك ،لئلا يكون لأهل الكتاب حجة عليكم ،وكانت حجتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ،علمهم بأن هذه الأمة وجهتها إلى الكعبة، فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين، أو لئلا يحتجوا بموافقة المسلمين لهم في قبلتهم إلى بيت المقدس ورجح ذلك ابن كثير.
إلا الذين ظلموا منهم ،أي لا حجة إلا حجة من ظلم وحجته داحضة فاسدة ، والمراد بهم كفار العرب ويكون الاستثناء هنا منقطع ،ذكره ابن عطية ،وذكره ابن كثير عن أبي العالية ،ومجاهدٍ، وعطاءٍ، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، والسّدّيّ.

ورجح ابن عطية القول الأول ورد الثاني واستدل على ذلك بقوله تعالى(منهم) فهو يرد القول الثاني بأن الاستثناء منقطع.
----------------------------------------------------------
3: بيّن ما يلي:
أ: الحكمة من تكرار الأمر بتحويل القبلة في الآيات.
- قيل أن الأمر كرر للتأكيد ، حيث أن أمر تحويل القبلة كان صعبا في نفوسهم جدا ، وقيل أن سبب التأكيد أن أمر نسخ القبلة هو أول ناسخ في الإسلام كما ذكر عن ابن عباس وغيره.
- وقيل بل جاء التكرار تبعا لأحوال مختلفة ،فقال فخر الدين الرازي أن الأول جاء لمن هو مشاهد للكعبة والثاني لمن هو في مكة غائبا عنها،والثالث لمن هو في بقية البلدان،وقال القرطبي الأول لمن هو بمكة، والثاني لمن هو في بقية الأمصار، والثالث لمن خرج، في الأسفار، ورجح القرطبي هذا الجواب.
- وقيل إنما جاء التكرار لتعلقه في كل مرة بما قبله وبما بعده في السياق، فقال القرطبي أن الأول: جواب لطلب النبي صلى الله عليه وسلم بالتوجه للقبلة التي يرغبها ، {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها}«إلى قوله»: {وإنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وما اللّه بغافلٍ عمّا يعملون}،وقال في الأمر الثاني: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنّه للحقّ من ربّك وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون} فذكر أنه الحق من الله وارتقى عن المقام الأول،فبين أنه الحق من الله أيضا، وذكر في الأمر الثالث : حكمة قطع حجة المخالفين من اليهود ومشركو العرب .
-----------------------------------------------------------------
ب: فضل سادات الصحابة في حادثة تحويل القبلة، مع الاستدلال.

قال تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} فبين سبحانه وتعالى أن الحكمة من تحويل القبلة إظهار حال من يتبع الرسول ويتوجه معه حيث توجه وحال من ينقلب على عقبيه ،كما في قوله تعالى: {وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانًا فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون * وأمّا الّذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجسًا إلى رجسهم}
،فأمر تحويل القبلة كان أمرا عظيما في النفوس ،ولم يثبت فيه إلا من هدى الله قلبه ،وكان مصدقا للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولهذا فإن ثبات سادات الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر مما يبين فضلهم ومكانتهم ،وكمال انقيادهم وطاعتهم لله عز وجل ،وقد روى البخاري عن ابن عمر قال:«بينا الناس يصلون الصّبح في مسجد قباء إذ جاء رجلٌ فقال: قد أنزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرآنٌ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. فتوجّهوا إلى الكعبة».
وقد رواه مسلمٌ من وجهٍ آخر، عن ابن عمر. ورواه التّرمذيّ من حديث سفيان الثّوريّ وعنده: «أنّهم كانوا ركوعًا، فاستداروا كما هم إلى الكعبة، وهم ركوعٌ» ،رضي الله عنهم أجمعين.
---------------------------------------------------------
ج: متعلّق الاستعانة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}.
الصبر والصلاة يعينان العبد على الثبات على الحق وعلى التزام أمر الله ،مهما ناله من الأذى في الدنيا بسبب ذلك .
وهما يعينان على اجتناب المعاصي، وفعل الطاعات والصبر عليها ،والصبر على المصائب والابتلاءات.
-------------------------------------------------------

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ربيع الثاني 1439هـ/13-01-2018م, 09:47 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

المجموعة الأولى:

1: فسّرقول الله تعالى:
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)} البقرة.

النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان في المدينة يصلى ويستقبل بيت المقدس؛ وبقي على ذلك بضعة عشر شهرا ؛ و كانت الكعبة أحب إليه من البيت المقدس لأنها قبلة أبيه إبراهيم فكان يحب أن يأمر بالتوجه إليه ؛لكنه لا يحق له ذلك دون إذن من الله تعالى ؛ فكان صلوات الله عليه و سلم يقلب بصره في السماء و يديم النظر فيها ويدعو الله عزوجل أن يحوله إلى قبلة مكة فأنزل الله تعالى "{ قد نرى تقلب وجهك إلى السماء..} الآية
" فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا" أي لنحولنك و فلنصرفنك إلى { قبلة ترضاها } تحبها وهي الكعبة لأن الكعبة كانت أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس. فجاءه الأمر بالتحول و نسخ لقبلة الشام فقال تعالى "فول " أي فحول واصرف "وجهك شطر المسجد الحرام"وقيل أن الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة فتحول في الصلاة..وقيل إنها نزلت في غير صلاة وكانت أول صلاة إلى الكعبة العصر
"شطر المسجد الحرام" أي نحو و تلقاء و جهة المسجد الحرام. والقبلة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باستقبالها هي الكعبة كلها. لما رواه البخاري عن أسامة بن زيد قال : " رأيت النبي عليه السلام حين خرج من البيت أقبل بوجهه إلى الباب فقال : هَذِهِ القِبْلَةُ هَذِهِ القِبْلَةُ "
وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعتين مستقبلاً باب الكعبة وقال : " هَذِهِ القِبْلَةُ " ، مرتين.
و قد استدل أهل العلم بذلك على أن الغرض والمراد في استقبال الكعبة هو المواجهة وليس استقبال عينها
{وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} هذا أمر من الله تعالى للأمة باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض ِ، شَرْقًا وَغَرْبًا وَشَمَالًا وَجَنُوبًا، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا شَيء، سِوَى النَّافِلَةِ فِي حَالِ السفر على الدابة ، فإنه يصليها حيثما توجهت به؛ وكذا صلاة الخوف في حال المسايفة ؛ وكذا من جهل القبلة و اجتهد في تحريها وان كان مخطئا في نفس الأمر
بعدما نسخ استقبال بيت المقدس أخبر الله عزوجل نبيه أن أحبار اليهود وعلماء النصارى يعلمون أن استقبال الكعبة هو الحق. فقال {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتوطين لنفسه لما سيسمعه من إنكار اليهود والنصارى لاستقبال الكعبة .
فإنكار أهل الكتاب للكعبة كان عن جحد وعناد وحسد لأنهم يعلمون أحقية ذلك لما في كتبتهم عن أنبيائهم من النعت والصفة للرسول وأمته وما خصه الله به و شرفه من الشريعة و الكاملة العظيمة
{ مِنْ رَبِّهِمْ} أي هو الحقّ من عند ربهم فرضه عليهم.
فكان التوجه إلى الكعبة حق أحقه الله عزوجل من فوق سبع سموات ؛ فهو الحق جل وعلا وهو الذي يبين الحق ويظهره ويعليه .
{وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} قرئ بقراءتين..
-بتاء المخاطبة " تعلمون"رد على المؤمنين؛ وفيه تأميل لهم بالجزاء الجزيل والأجر العظيم
-بياء الغيبة " يعلمون" رد على أهل الكتاب وفيه تهديد ووعيد وتهويل لهم يكتمون الحق.ولا يتبعونه ويسعون في افتتان المسلمين عن دينهم


2: حرّر القول في كل من:
أ: معنى قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}.

-أخبر الله تعالى انه لم يجعل توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى القبلة التي اختاره له إلا اختبارا و فتنة ليظهر المتبع و المطيع لأمر الله من غيره
واخُتلف في المراد بالقبلة وكذا اختلف أهل التفسير في معنى إلا لنعلم.

المراد بالقبلة
اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال
-قيل هي بيت المقدس.
وهو وقول قتادة والسدي وعطاء وغيرهم
ودليل هذا القول قوله تعالى :{ كُنْتَ عَلَيْها}
والمعنى أن الله عزوجل لم يجعل أمره باستقبال بيت المقدس إلا فتنة واختبارا حتى يتبن من يتبع من العرب الذين ألفوا بيت الحرام أو من اليهود الذين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقبل قبلتهم شريطة اتبعاهم له..كما روى ذلك الضحاك قال : " قالت اليهود للنبي [ عليه السلام] : إن كنت نبياً كما تزعم ، فإن الأنبياء والرسل كانت قبلتهم نحو بيت المقدس ، فإن صلّيت إلى بيت المقدس ، اتبعناك ، فابتلاهم الله بذلك . وأمره أن يصلي إلى بيت المقدس فصلى إليه بضعة أشهر شهراً ، فلم يتّبعوه.

-وقيل المراد بالقبلة الكعبة..وهو قول ابن عباس
ومعنى: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " أي " وما جعلنا القبلة التي أنت عليها الآن."
"فكُنْتَ " بمعنى " أنت "، مثل قول الله تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ) أي : أنتم خير أمة.
ومعنى الآية : . وما جعلنا انصرافك عن البيت المقدس إلى الكعبة إلا لنعلم من يتّبع الرسول على قبلته ممن يرجع عن إيمانه فيخالف الرسول .
وقد كان لتحويل القبلة بلاء فتنة عظيمة للناس..فتحير الناس في ذلك حيرة شديدة .
وذكر ابن عطية "...ولما حولت القبلة كان من قول اليهود: يا محمد إن كانت الأولى حقا فأنت الآن على باطل، وإن كانت هذه حقا فكنت في الأولى على ضلال. فوجست نفوس بعض المؤمنين وأشفقوا على من مات قبل التحويل على صلاتهم السالفة، فنزلت وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ،.
قال ابن جريج: بلغني أن ناسا ممن كان أسلم رجعوا عن الإسلام.
و عن السدي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي قِبَل بيت المقدس، فنسختها الكعبة. فلما وُجِّه قبل المسجد الحرام، اختلف الناس فيها، فكانوا أصنافًا، فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة زمانًا، ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها؟ وقال المسلمون: ليت شعرَنا عَن إخواننا الذين مَاتوا وهم يصلُّون قبَلَ بيت المقدس! هل تقبَّل الله منا ومنهم، أوْ لا؟ وقالت اليهود: إنّ محمدًا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر! وقال المشركون من أهل مكة: تَحيَّر على محمد دينُهُ، فتوجه بقبلته إليكم. رواه ابن جرير
فكان أمر التحول فتنة كبيرة وبلاء عظيم
الترجيح
لا تعارض و لا تناقض بين القولين و قد جمع بينهم ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى وكذا ابن كثير .وبينا أن المراد بالقبلة في الآية بيت المقدس .. لكن معنى الآية أننا لم نجعل انصرافك عن القبلة التي كنت عليها فصرفناك إلى الكعبة إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
قال ابن جرير رحمه الله تعالى :{ والقبلة التي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليها، التي عناها الله بقوله:"وما جعلنا القبلة التي كنت عليها"، هي القبلة التي كنت تتوجَّه إليها قبل أن يصرفك إلى الكعبة}؛ أما عن معنى الآية فقال { : يعني جل ثناؤه بقوله:"وما جَعلنا القبلة التي كنت عليها"، ولم نجعل صَرْفك عَن القبلة التي كنت على التوجه إليها يا محمد فصرفْناك عنها، إلا لنعلم من يَتَّبعك ممن لا يتَّبعك، ممن يَنقلبُ على عقبيه.}
ثم رحمه الله تعالى بين لماذا اكتفي في الآية ذكر بيت المقدس ولم يذكر الانصراف عنها في الآية فقال {..وإنما ترك ذكر"الصرف عنها"، اكتفاء بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه، كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نَظائره. }
ثم استدل رحمه الله تعالى لما ذهب إليه أن الفتنة والبلاء العظيم كان بتغيير القبلة و ليس بالتوجه إلى بيت الحرام...فقال رحمه الله تعالى :{.وإنما قُلنا: ذلك معناه، لأن محنةَ الله أصحابَ رسوله في القِبلة، إنما كانت -فيما تظاهرت به الأخبار- عند التحويل من بيت المقدس إلى الكعبة، حتى ارتدَّ -فيما ذكر- رجالٌ ممن كان قد أسلمَ واتَّبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهرَ كثيرٌ من المنافقين من أجل ذلك نفاقَهم، وقالوا: ما بَالُ محمد يحوّلنا مرة إلى هاهنا ومرة إلى هاهنا! وقال المسلمون، فيمن مضى من إخوانهم المسلمين وهم يصلون نحو بيت المقدس: بطلت أعمالُنا وأعمالُهم وضاعت! وقال المشركون: تحيَّر محمد صلى الله عليه وسلم في دينه! فكان ذلك فتنةً للناس، وتمحيصًا للمؤمنين. اهـ

معنى إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقيبه
-اختلف أهل التفسير في معنى قوله "إلا لنعلم" ..ذلك أن علم الله أزلي لم يزل الله عزوجل علما بما كان وبما يكون وبما لم يكن لو كان كيف يكون...فيكيف يقال "لنعلم" بلفظ الاستقبال الذي يوحي بالحدوث.. كأن علم الله كان بعد لم يكن .
و ذكر ابن عطية لذلك ما يقارب ست توجيهات للآية.
- 1معنى " لِنَعْلَمَ" أي ليعلم رسولي والمؤمنون به.
وجاء الإسناد بنون العظمة إذ هم حزبه وخالصته.
وهذا شائع في كلام العرب ؛ فمن شأن العرب إضافة ما فعله أتباع الرئيس وحزبه إليه ، كما يقولون : " جبى الأمير الخراج وهزم العدو" ؛ وإنما فعله حزبه وأنصاره.
ومما يؤيد هذا المعنى ما ورد في السنة من قول النبي صلى الله عليه وسلم .. عن الله عز وجل : " مَرِضْتُ فَلَمْ يَعُدْنِي عَبْدِي وَاسْتَقْرَضْتُهُ فَلَمْ يُقْرِضْنِي" يعنى يريد به عباده .

- 2 المراد بالعلم هنا هو تعلق العلم بالموجود الواقع الحادث..فعلم الله أزلي علم سبحانه وتعالى في القدم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقيبه
وعلمه مستمر حتى وقع وحدث ذلك؛ فأراد بقوله لِنَعْلَمَ ذكر علمه وقت مواقعتهم الطاعة والمعصية، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب، فليس معنى لِنَعْلَمَ لنبتدئ العلم وإنما المعنى لنعلم ذلك موجودا.
3-قيل معنى "لنعلم" لنثيب ..فالمراد بالعلم الجزاء .. حكاه ابن عطية عن ابن فورك..ومعنى الآية لنعلمهم في حال استحقوا فيها الثواب، وعلق العلم بأفعالهم لتقوى الحجة ويقع التثبت فيما علمه لا مدافعة لهم فيه
4-المراد ب"لنعلم" التمييز و الفصل بين المتبع و المنقلب" ....وهو من باب إطلاق السبب و إرادة المسبب..حكاه ابن عطية عن ابن جرير عن ابن عباس
5- المراد "لنعلم" لنرى...فالمراد بالعلم الرؤية والمعاينة...
وَالْعَرَبُ تَضَعُ الْعِلْمَ مَكَانَ الرُّؤْيَةِ، وَالرُّؤْيَةَ مَكَانَ الْعِلْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ" بِمَعْنَى أَلَمْ تَعْلَمْ.
6- الفعل "لنعلم" مبني للمفعول وهي قراءة الزهري ؛أي {ليعلم} وهذا لا يحتاج إلى تأويل إذ الفاعل قد يكون غير الله وعلم غير الله حادث.
وقد جمع بين القول الثاني و الثالث و الرابع الزجاج بقوله :
إِن قال قائل ما معنى: (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) واللَّه عزَّ وجلَّ - قد علم ما يكون قبل كونه؟
فالجواب في ذلك أن اللَّه يعلم من يتبع الرسول مِمن لا يتبعه من قبل وقوعه وذلك العلم لا تجب به مجازاة في ثواب ولا عقاب ولكن المعنى ليعلم ذلك منهم شهادة فيقع عليهم بذلك العلم اسمُ مطيعين واسمُ عاصين، فيجب ثوابهم على قدر عملهم.
ويكون معلومُ مَا في حال وقوع الفعل منهم علم شهادة - كما قال عزَّ وجلَّ: (عَالمُ الغَيْبِ والشَهَادَةِ) فعلمه به قبل وقوعه علم غيب، وعلمه به في
حال وقوعه شهادة، وكل ما علمه الله شهادة فقد كان معلوماً عنده غيباً، لأنه يعلمه قبل كونه، وهذا يبين كل ما في القرآن مثله نحو قوله تعالى:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ.) اهـ
والذي يظهر من كلام ابن كثير أنه اختار المعنى الرابع ونص كلامه :{ يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّمَا شَرَعْنَا لَكَ -يَا مُحَمَّدُ -التَّوَجُّهَ أَوَّلًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ صَرَفْنَاكَ عَنْهَا إِلَى الْكَعْبَةِ، لِيَظْهَرَ حالُ مَنْ يَتَّبعك ويُطيعك وَيَسْتَقْبِلُ مَعَكَ حَيْثُمَا توجهتَ مِمَّن يَنْقَلْبُ عَلَى عَقبَيْه، أَيْ: مُرْتَدّاً عَنْ . دِينِهِ. } اهـ

ب: هل كانت الصلاة إلى بيت المقدس بوحي متلوّ؟.
اختلف في ذلك على قولين.
-الأول :
أن ذلك كان بوحي متلو. . ..
عن ابن عباس أن أول ما نسخ من القران القبلة. ..ذكره ابن عطية عن ابن فورك وذكره ابن كثير عن على ابن أبي طلحة
فقوله أول ما نسخ من القران يوحى أن التوجه إلى بين المقدس كان بنص قراني متلو
وأصحاب هذا القول ذكروا تعليلا لذلك ." أن ذلك ليختبر الله تعالى من آمن من العرب، لأنهم كانوا يألفون الكعبة وينافرون بيت المقدس وغيره.ذكره ابن عطية
-الثاني:
أن ذلك لم يكن بوحي متلو. . ثم اختلفوا
أولا: أن ذلك كان بأمر من الله عزوجل و لم يكن متلو وهو قول الجمهور. ذكره ابن عطية
ومما يستدل عليه ما جاء عن ابن عباس قال : " كان النبي عليه السلام لما هاجر إلى المدينة –وكان أكثر أهلها اليهود- أمره الله جلَّ وعزَّ أن يستقبل المقدس ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة أبيه إبراهيم وكان يدعو وينظر إلى السماء ، فأنزل الله عز وجل : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ) إلى ( صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ). .
الثاني..: أن ذلك كان اجتهادا من النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول عكرمة وأبي العالية والحسن البصري ذكره ابن كثير نقلا عن القرطبي.
الثالث ".. أن النبي صلى الله عليه وسلم خير في النواحي فاختار بيت المقدس، ليستألف بها أهل الكتاب وهو قال الربيع... ذكره ابن عطية
ومما يستدل لهذا القول ما جاء عن ابن زيد أنه قال : " قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) فقال النبي عليه السلام " هَؤُلاَءِ قَوْمٌ يَهُودٌ يَسْتَقْبلُونَ بَيْتاً مِنْ بُيُوتِ الله عز وجل ، فَلَوْ أَنَّا اسْتَقْبَلْنَاهَا " فَاسْتَقْبَلَ النبي عليه السلام معهم بيت المقدس ستة عشر شهراً ، فبلغه أن اليهود تقول : والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم . فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ورفع وجهه إلى السماء . فأنزل الله عليه ( فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ ) الآية" .
فهذا يدل على أنه استقبل بيت المقدس من غير أمر أتاه من عند الله، وأنه إنما أتاه من الله الإباحة باستقبال أي موضع شاء . ثم نسخ فعله .


3: بيّن ما يلي:
أ: متعلّق "كما" في قوله تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا} الآية.

ورد في ذلك أقوال ذكرها ابن عطية رحمه الله تعالى .
-أنه متعلق ب "لأتم" الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى النَّعْتِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، الْمَعْنَى: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ إِتْمَامًا مِثْلَ مَا أَرْسَلْنَا، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ. وهو اختيار الطبري
- متعلق ب "تهتدون " ؛ أي تهتدون كما أرسلنا فيكم....والْمَعْنَى وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ اهْتِدَاءً مِثْلَ مَا أَرْسَلْنَا..ذكره الزجاج احتمالا
- أنه في موضع نصب حال.وَالْمَعْنَى: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ.
قال القرطبي.."وَالتَّشْبِيهُ وَاقِعٌ عَلَى أَنَّ النِّعْمَةَ فِي الْقِبْلَةِ كَالنِّعْمَةِ فِي الرِّسَالَةِ، وَأَنَّ الذِّكْرَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي عِظَمِهِ كَعِظَمِ النِّعْمَةِ."
-متعلق بمتأخر (فاذكروني) وفي الكلام تقديم و تأخير ؛ أي فاذكروني كَمَا أَرْسَلْنَا فيكم.. وهو اختيار الزجاج ولم يذكر ابن كثير غيره

- قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ} يَقُولُ: كَمَا فَعَلْتُ فَاذْكُرُونِي. ذكره ابن كثير
وقد رد جماعة من أهل العلم هذا القول منهم الطبري بحجة أن الأمر إذا كان له جواب لم يتعلق به ما قبله لاشتغاله بجوابه.
وبالمثال يتضح المقال فقولنا " كما أحسنتُ إليك فأكرمني " .الكاف في " كما " متعلقة ب " أكرمني " إذ لا جواب له ....لكن إن قلنا " كما أحسنت إليك فأكرمني أكرمك " ، لم تتعلق الكاف في " كما " ب " أكرمني "لأن له جوابا؛ وهو "أكرمك" ولكن يتعلق بشيء آخر أو بمضمر
ومثل ذلك ما ورد في الآية ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )؛ " فَاذْكُرُونِي ".. أمر له جواب " أَذْكُرْكُمْ" ، فلا تتعلق " كما " به.
وقد رد ذلك الزجاج " بأن ذلك جائز على التشبيه بالشرط الذي يجاوب بجوابين... مثل قولهم" إذا أتاك فلان فأته ترضه." فيصير قوله «فأته » و «ترضه » جوابين لقوله : إذا أتاك ، وكقوله : إن تأتني أحسن إليك أكرمك . .وعليه يكون " كما أرسنا " و " أذكركم " جوابين للأمر ."اذكروني "
ولم يرضه ابن جرير...ورده بقوله..." وهذا القول وإن كان مذهبا من المذاهب ، فليس بالأسهل الأفصح في كلام العرب . والذي هو أولى بكتاب الله عزّ وجل أن يوجه إليه من اللغات الأفصح الأعرف من كلام العرب دون الأنكر الأجهل من منطقها هذا مع بعد وجهه من المفهوم في التأويل . "

ب: كيف كان تحويل الصلاة إلى الكعبة دليلا على عناية الله بهذه الأمة.
ذلك أن الله وفق هذه الأمة وهداها إلى قبلة نبيه وخليله إبراهيم التي بناها على اسمه سبحانه وتعالى وحده لا شريك له وهى أشرف بيوت الله في الأرض..والحال أن الأمم الأخرى قد ضلت عنها..
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَعْنِي فِي أَهْلِ الْكِتَابِ -:"إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى يَوْمِ الْجُمْعَةِ، التِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ . رواه الإمام أحمد

ج: مناسبة قوله تعالى: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع} لما قبله.

بعدما بين الله سبحانه وتعالى أنه قد اختبر و ابتلى أتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وأن في ذلك محنة كبيرة و فتنة عظيمة يظهر بها المتبع للرسول من غيره ..وبين أيضا لإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أن بلاءهم أيضا سيكون من أعداء الدين المستهزئين بهم و المنافقين الذي يتربصون بهم و غيرهم ...ثم أرشدهم إلى الطريق التي يسلمون بها من هذا وكله وهو الاستعانة بالصبر و الصلاة و كثرة ذكر الله تعالى لهذا أثنى على الصابرين بقوله "..إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)"
ثم بعدها ذكر سبحانه أنه ..مبتليهم وممتحنهم بشدائد من الأمور التي تستوجب الصبر والثبات ..فذكر الجهاد في أول مرتبة قال سبحانه وتعالى "{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ....} الآية لأن الجهاد في سبيل الله تعالى من أعظم الأمور الذي يجب الصبر عليه لما فيه من بذل النفس وإزهاقها وحث على ذلك بذكر فضيلة الشهداء
ثم بعدها ذكر مما يوجب الصبر بل لا يمكن للعبد أن يثبت عليها إلا بالصبر ؛ ما يحصل للعبد من بلاء و محن في هذه الدنيا فقال" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ " ثم أعاد وختم الآية بالثناء على الصابرين بقوله "وبشر الصابرين"...و لم يذكر متعلق الصبر ليعم كل ما يصبر عليه
فالآية جاءت في سياق بيان أن الله مبتلٍ فأمر بالصبر فبين فضيلة الصبر و أهله وصفاتهم وبيان الأمور التي لا تتلقى إلا بالصبر .
و الله تعالى أعلم

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 ربيع الثاني 1439هـ/14-01-2018م, 02:27 AM
سها حطب سها حطب غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 447
افتراضي

المجموعةالثالثة:
1: فسّرقول الله تعالى:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه ِفَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) }.
يقول الله تعالى : ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ) الصفا والمروة: جبيلان بمكة،والصفا هو الصخر العظيم، الأبيض الصلب، والمروة هي الحجارة الصغار التي فيها لين، ( مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أي من معالمه ومواضع عبادته، وهي جمع شعيرة. وهما مما شرع الله تعالى لإبراهيم الخليل في مناسك الحج، وأصل ذلك مأخوذ من تطواف هاجر عليها السلام بين الصفا والمروة في طلب الماءلولدها، حين تركهما إبراهيم -عليه السّلام - فلم تزل تتردد في بين الصفاوالمروة متذللة خائفة فقيرة إلى الله، عز وجل، حتى كشف اللهكربتها، وأنبع لها زمزم.
(فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ) حجّ معناه قصد وتكرر ، وكل قاصد شيئا فقد حجّه، واعتمر زار وتكرر مأخوذ من عمرت الموضع.
(فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا )الجناح هو الإثم والميل عن الحق والطاعة، ويطّوّف أصلها يتطوف سكنت التاء وأدغمت في الطاء.
روى أحمد والبخاري ومسلم عن عائشة قالت: «قلت: أرأيت قول الله تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أواعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهماقلت: «فواللّه ما على أحدٍ جناحٌ أن لايطّوف بهما؟ » فقالت عائشة: «بئسما قلت يا ابن أختي إنّها لو كانت على ما أوّلتها عليه كانت: فلاجناح عليه ألّا يطّوف بهما، ولكنّها إنّما أنزلت أنّ الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلّون لمناة الطّاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلّل. وكان من أهلّ لها يتحرّج أن يطوّف بالصّفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم،فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا كنّا نتحرّج أن نطّوف بالصّفا والمروة في الجاهليّة. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}إلى قوله: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} قالت عائشة: ثمّ قد سن ّرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطّواف بهما، فليس لأحدٍ أن يدع الطّواف بهما».
وفي صحيح مسلمٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما فرغ من طوافه بالبيت، عاد إلى الرّكن فاستلمه، ثمّ خرج من باب الصّفا، وهو يقول: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه} ثمّقال: «أبدأ بما بدأ اللّه به».
( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا )قيل: زاد في طوافه بينهما على قدر الواجب ثامنة وتاسعة ونح وذلك. وقيل: يطوف بينهما في حجة أو عمرة تطوع. وقيل: المراد تطوع خيرً افي سائر العبادات.
(فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) أي: يثيب على القليل بالكثير، عليم بقدر الجزاء فلا يبخس أحدًا ثوابه ،{إن الله لايظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا}.

2: حرّرالقول في كل من:
أ: المراد بالسفهاء وموقفهم من تحويل القبلة فيقوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}.
فيه ثلاثة أقوال:
1- كفار أهل مكة، ذكره الزّجّاج وابن عطية وابن كثير، وذلك لأنهم قالوا: ما ولاه عن قبلته؟ ما رجع إلينا إلا لعلمه أنّا على الحق وسيرجع إلى ديننا كله.
2- اليهود، قاله مجاهدٌ ، ذكره الزّجّاج وابن عطية وابن كثير ، وقال ابن عطية : قال بن عباس: «قالها الأحبار منهم»وذلك أنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتنا؟ ارجع إليها ونؤمن بك، يريدون فتنته.
3- المنافقون، قاله السّدّيّ ، ذكره ابن عطية وابن كثير وذلك أنهم قالوا استهزاء: اشتاق الرجل إلى وطنه.
قال ابن كثر: والآية عامة في هؤلاء كلهم، لما حصل لهم من ارتياب وزيغ عن الهدى، وقالوا: {ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}أي: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا، وتارة يستقبلون كذا؟

ب: معنى قوله تعالى: {إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} الآية.
معنى لنعلم :
1- ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن يرتد عن دينه.ذكره ابن كثير، وقال بن عطية : ( أي ليعلم رسولي والمؤمنون به، وجاء الإسناد بنون العظمة إذ هم حزبه وخالصته، وهذا شائع في كلام العرب كما تقول: فتح عمر العراق وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك جنده وأتباعه،...وقرأ الزهري ليعلم على ما لم يسم فاعله.)
2- لنعلم العلم الذي يتعلق به الثواب والعقاب، فليس معنى لنعلم لنبتدىء العلم وإنما المعنى لنعلم ذلك موجودا وعلق العلم بأفعالهم لتقوى الحجة ويقع التثبت فيما علمه لا مدافعة لهم فيه ، قاله ابن فورك وذكره ابن عطية.
3- لنعلم أي: لنميز، قاله ابن فورك وذكره الطبري عن ابن عباس كما نقل ابن عطية، وهو قريب من القول الأول.
4- لنعلم: أي لنرى ذكره الطبري كما نقل ابن عطية.

3: بيّن ما يلي:
أ: المخاطب في الآية، ومعنى الذكر في قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم}.
المخاطب في الآية جميع بني آدم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال اللّه عزّ وجلّ: يا ابن آدم، إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي،وإن ذكرتني في ملأٍ ذكرتك، في ملأٍ من الملائكة أو قال: في ملأٍ خيرٍ منهم وإن دنوت منّي شبرًا دنوت منك ذراعًا، وإن دنوت منّي ذراعًا دنوت منك باعًا، وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول)

وروي أن الكافر إذا ذكر الله ذكره الله باللعنة والخلود في النار.
وروى ابن أبي حاتمٍ: عن مكحولٌ الأزديّ قالقلت لابن عمر: أرأيت قاتل النّفس، وشارب الخمر والسّارق والزّاني يذكر اللّه،وقد قال اللّه تعالى: {فاذكروني أذكركم}؟» قال: «إذا ذكر اللّه هذا ذكره اللّه بلعنته، حتّى يسكت».


»ب: المراد بالإيمان وفائدة التعبير عنه بوصف الإيمان في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}.
المراد بالإيمان هنا هو الصلاة التي صلاها المسلمون إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة ، فعن البراء، قال: «مات قومٌ كانوا يصلّون نحو بيت المقدس فقال النّاس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل اللّه تعالى:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».
وسمى الصلاة إيمانا لأنها كانت صادرة عن الإيمان والتصديق في وقت بيت المقدس وفي وقت التحويل، لأن الإيمان هو الأصل الذي عليه تدور الأعمال ،ولئلا تندرج في اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس ، وأيضا سميت إيمانا لأنها من شعب الإيمان.

ج: معنى الصبر، وأنواعه، وفضله.
- الصبر هو : الثبات، وقال قوم الصبر: الصوم، ومنه قيل لرمضان: شهر الصبر، وقال سعيد بن جبيرٍ: (الصّبر اعتراف العبد للّه بما أصاب منه، واحتسابه عنداللّه رجاء ثوابه، وقد يجزع الرّجل وهو متجلّد لا يرى منه إلّا الصّبر)

-والصبر نوعان:
2- صبر على ترك المحارم والمآثم.
2- صبر على فعل الطاعات والقربات
قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «الصّبر في بابين، الصّبر للّهبما أحبّ، وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصّبر للّه عمّا كره وإن نازعت إليهالأهواء. فمن كان هكذا، فهو من الصّابرين الّذين يسلّم عليهم، إن شاءاللّه».
ومن الصبر أيضا الصبر على أقدار الله.

- وللصبر جزاء عظيم ، منه معية الله تعالى ، ونصره وتأييده، والثواب العظيم في الآخرة كما قال تعالى: {إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ}.
وقال عليّ بن الحسين زين العابدين: «إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين ينادي منادٍ: أين الصّابرون ليدخلوا الجنّة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عنق من النّاس،فتتلقّاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنّة. فيقولون: وقبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: الصّابرون، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة اللّه، وصبرنا عن معصية اللّه، حتّى توفّانا اللّه. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنّة، فنعم أجر العاملين».

والحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 2 جمادى الأولى 1439هـ/18-01-2018م, 04:14 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

تقويم مجلس مذاكرة القسم الحادي عشر من تفسير سورة البقرة


المجموعة الأولى :

عقيلة زيان : أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
2:ب: وقوع الاختبار بالصلاة إلى بيت المقدس حاصل سواء كان بوحي متلو أو بوحي غير متلو،وإن كان ابن عطية ربط حدوثه بالقول بأن التحويل كان بوحي غير متلو !
قول ابن عباس : " لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس " الأمر يُحتمل أن يكون بوحي متلو أو غير متلو؛ فما الدليل في هذا الأثر على أنه كان بوحي غير متلو.
والترجيح أنه كان بوحي من الله عز وجل سواء كان متلوًا أ غير متلو، لأنه يبعد أن يكون من النبي صلى الله عليه وسلم اجتهاد في مثل هذه المسألة وإلا لكان اجتهد أيضًا وتحول إلى الكعبة إذ كان يرضاها.

المجموعة الثانية :

- هناء محمد علي : أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
2: ب:
قولكِ :
اقتباس:
2- وقيل بل الناس هم أهل الكتاب .. ذكره ابن كثير عن أبي العالية وذكر ما رواه ابن أبي حاتم أنه قد روي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، والسّدّيّ، نحو هذا.
وخص ابن عطية اليهود من أهل الكتاب .
قول ابن أبي حاتم المنسوب لمجاهد وعطاء والضحاك والربيع بن انس وقتادة والسدي هو لقوم محمد صلى الله عليه وسلم إذ قالوا رجع إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا.

قال ابن أبي حاتم " حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: «{لئلا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ} يعني به أهل الكتاب حين قالوا: صرف محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الكعبة، وقالوا: اشتاق الرّجل إلى بيت أبيه ودين قومه، وكان حجّتهم [ أي قوم محمد صلى الله عليه وسلم ] على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عند انصرافه إلى البيت الحرام، أن قالوا: سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا».
وروي عن مجاهدٍ، وعطاءٍ، والسّدّيّ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ والضّحّاك، قالوا: «قد رجعت إلى قبلتنا»." اهـ
ما بين معكوفين [ ] من توضيحي.



- رضوى محمود : أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
س1:
في قوله تعالى :{ ولكلٍ وجهةٌ هو موليها } عدد من المسائل فاتكِ بيانها :
- دلالة التنوين في قوله { ولكلٍ } على محذوف، فنبين تقدير المحذوف.
- بيان معنى الآية على قراءة : {ولكلِّ وجهةٍ هو موليها }
- بيان معنى الآية على قراءة { مولاها }
س2:ب:
راجعي التعليق أعلاه على الأخت هناء في بيان رواية ابن أبي حاتم.

المجموعة الثالثة :
سها حطب: أ
س1: وفي نزول الآية سبب آخر وهو أن العرب كانوا يطوفون بين إساف ونائلة عند الصفا والمروة فلما جاء الإسلام تركوا ذلك وتحرجوا من الطواف بينهما فأنزل الله الآية يبين أن الطواف بينهما من شعائر الله، وأن توحيد الله عز وجل تطهير لها من الشرك والأوثان.
س2: القول الثالث " لنميز " قريب من القول " ليظهر حال من اتبعك ..." لكنهما غير القول بـ " ليعلم رسولي والمؤمنون ..." ففي الأخير تأويل لمعنى الآية.
س3: أ : للسؤال شقان؛ الأول : المخاطب بالآية وفي المسألة أقوال قيل كفار قريش وقيل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والثاني : معنى الذكر وقد اقتصرتِ على أحد الأقوال فيه والآية تعم معاني أكثر فيُرجى مراجعتها.


زادكم الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكم.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 2 جمادى الأولى 1439هـ/18-01-2018م, 04:51 PM
حنان بدوي حنان بدوي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: إسكندرية - مصر
المشاركات: 392
افتراضي

المجموعة الثالثة:
1: فسّر قول الله تعالى:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) }.
سبب نزول الآية : ذكر في سبب نزول الآية عدة أحاديث أوردها ابن كثير في تفسيره ، منها :
  • ما رواه الإمام أحمد: عن عائشة قالت: «قلت: أرأيت قول الله تعالى:{إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}» قلت: «فواللّه ما على أحدٍ جناحٌ أن لا يطّوف بهما؟ » فقالت عائشة: «بئسما قلت يا ابن أختي إنّها لو كانت على ما أوّلتها عليه كانت: فلا جناح عليه ألّا يطّوف بهما، ولكنّها إنّما أنزلت أنّ الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلّون لمناة الطّاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلّل. وكان من أهلّ لها يتحرّج أن يطوّف بالصّفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا كنّا نتحرّج أن نطّوف بالصّفا والمروة في الجاهليّة. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}إلى قوله: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} قالت عائشة: ثمّ قد سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطّواف بهما، فليس لأحدٍ أن يدع الطّواف بهما». أخرجاه في الصّحيحين.
  • وفي روايةٍ عن الزّهريّ أنّه قال: «فحدّثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ، فقال: «إنّ هذا العلم، ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالًا من أهل العلم يقولون إنّ النّاس -إلّا من ذكرت عائشة -كانوا يقولون: إنّ طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهليّة. وقال آخرون من الأنصار: إنّما أمرنا بالطّواف بالبيت، ولم نؤمر بالطّواف بين الصّفا والمروة، فأنزل اللّه تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه} قال أبو بكر بن عبد الرّحمن: «فلعلّها نزلت في هؤلاء وهؤلاء».
  • ورواه البخاريّ ، عن عائشة بنحو ما تقدّم.
  • ثمّ قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن عاصم بن سليمان قال: «سألت أنسًا عن الصّفا والمروة قال: كنّا نرى ذلك من أمر الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}».
  • وذكر القرطبيّ في تفسيره عن ابن عبّاسٍ قال: «كانت الشّياطين تفرّق بين الصّفا والمروة اللّيل كلّه، وكانت بينهما آلهةٌ، فلمّا جاء الإسلام سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن الطّواف بينهما، فنزلت هذه الآية». وقال الشّعبيّ: «كان إسافٌ على الصّفا، وكانت نائلة على المروة، وكانوا يستلمونهما فتحرّجوا بعد الإسلام من الطّواف بينهما، فنزلت هذه الآية».
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ : الصفا والمروة جبيلان بمكة ، جعلهما الله تعالى من أعلام متعبداته .
فالصفا في لغة العرب : الحجارة البيضاء الصلدة التي تنبت.
أما المروة : هي الحجارة اللينة الصغيرة .
وأما عن سبب تسميتهما بهذا الاسم : فقيل أن جبيل الصفا بمكة صلب أما جبيل المروة للين أقرب .
وقيل في سبب التذكير والتأنيث فيهما : أن الصّفا ذكّر لأن آدم وقف عليه، ووقفت حواء على المروة فانثت لذلك.
وقال الشعبي: «كان على الصفا صنم يدعى إسافا، وعلى المروة صنم يدعى نائلة»، فاطرد ذلك في التذكير والتأنيث وقدم المذكر .
وهذان الجبلان جعلهما الله تعالى من شعائره أي من أعلام مواضع متعبداته ، فالسعي بين الصفا والمروة ممّا شرع اللّه تعالى لإبراهيم الخليل في مناسك الحجّ ، وأصل هذه الشعيره كان سعي هاجر أم إسماعيل عليه السلام حينما تركهما إبراهيم الخليل عليه السلام بأمر ربه في الصحراء الجرداء الخالية من الزرع والماء والحياة فشرعت تسعى بين الصفا والمروة باحثة عن الماء أو أحدا يكون معه ماء معلنة فقرها وفاقتها وحوبتها للرب تبارك وتعالى موقنة أن الله لن يضيعهم .
فقوله :إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ :خبر يقتضي الأمر بما عهد من الطواف بهما.
ومن هنا نستشف الحكمة من الأمر بهذه الشعيرة ، ووجوبها على كل مسلم من خلال وجوبها في الحج الذي هو واجب على كل مسلم مستطيع ، ففي السعي إعلان لافتقار العبد وذله وخضوعه ورجاءه رضا ربه بمتثاله أمره راجيا عفوه وغفرانه وهداه لما فيه صلاحه في آخرته ودنياه ، وأن يحوّله من حاله الذي هو عليه من الذّنوب والمعاصي، إلى حال الكمال والغفران والسّداد والاستقامة، كما فعل بهاجر .

فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا : الحج في اللغة : هو القصد والتكرار .
واعتمر : زار وتكرر .
والجناح : الإثم والميل والعدول عن الحق والطاعة .
يطّوف : يكثر الطواف .
ومما تقدم فيما ورد في سبب النزول أن ليس المقصد من نفي الجناح عن من تطوف؛ إباحة الطواف لمن شاء، لأن ذلك بعد الأمر بالطواف لا يستقيم، وإنما المقصد منه رفع ما وقع في نفوس قوم من العرب من أن الطواف بينهما فيه حرج، وإعلامهم أن ما وقع في نفوسهم غير صواب .
وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا : اختلف العلماء من خلال هذه الآية في حكم السعي ، فمنهم من قال أنه ركن ومنهم من قال بوجوبه ومنهم من قال باستحبابه .
وقد رجح ابن كثير كونه واجباً لأنّه عليه السّلام طاف بينهما،فكلّ ما فعله في حجته تلك واجبٌ لا بدّ من فعله في الحجّ، إلّا ما خرج بدليلٍ، واستدل بقوله : «لتأخذوا عنّي مناسككم». وقوله : «اسعوا فإنّ اللّه كتب عليكم السّعي».

وكل فريق فسر التطوع في الآية بحسب ما توصل إليه في حكم السعي ؛ ففمن قال بوجوب السعي قال: معنى تطوّع أي زاد برا بعد الواجب، فجعله عاما في الأعمال، وقال بعضهم: معناه من تطوع بحج أو عمرة بعد حجة الفريضة، ومن لم يوجب السعي قال: المعنى من تطوع بالسعي بينهما، وفي قراءة ابن مسعود «فمن تطوع بخير»،
فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ : شاكر : صيغة مبالغة من الشكر فالله تعالى كثير الشكر لعباده يشكر لهم العمل القليل بالأجر الجزيل .
عليم : يعلم بنواياهم ومقاصدهم وما يسرون وما يعلنون فيشكر لهم بحسب ما علم من أحوالهم الباطنة والظاهرة .
2: حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالسفهاء وموقفهم من تحويل القبلة في قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}.
السفهاء لغة : هم الخفاف الأحكام والعقول .
المراد بالسفهاء ذكر فيه أقوال :
1- كفار أهل مكة … ذكره المفسرون الثلاثة .
لأنهم قالوا: ما ولاه عن قبلته؟ ما رجع إلينا إلا لعلمه أنّا على الحق وسيرجع إلى ديننا كله ذكره ... ابن عطية .
2- أحبار اليهود ….ذكره الزجاج ، وذكره ابن عطية عن ابن عباس ، كما ذكره ابن كثير عن مجاهد ..
وذلك أنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتنا؟ ارجع إليها ونؤمن بك، يريدون فتنته ، وأن بعضهم قالها استهزاء ذكره ابن عطية .
وقد أورد ابن كثير عدة أحاديث تدل على أن اليهود هم المرادون في الآية مما يُظهر ريبهم وترددهم وشكهم في أمر تحويل القبلة :منها
  • ما ورد عن ابن أبي حاتمٍ: عن البراء قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد صلّى نحو بيت المقدس ستّة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحبّ أن يوجّه نحو الكعبة, فأنزل اللّه: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}»، قال: «فوجّه نحو الكعبة. وقال السّفهاء من النّاس -وهم اليهود-: {ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}، فأنزل اللّه: {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}».
  • وعن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لمّا هاجر إلى المدينة، أمره اللّه أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو اللّه وينظر إلى السّماء، فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{فولّوا وجوهكم شطره}أي: نحوه. فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل اللّه:{قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}».
3- المنافقون…. ذكره ابن عطية وابن كثير عن السدي .
وأن غرضهم كان الاستهزاء به صلى الله عليه وسلم حيث قالوا : اشتاق الرجل إلى وطنه .. ذكره ابن عطية.

والآية عامة في كل هؤلاء …..ذكره ابن عطية وابن كثير .

ب: معنى قوله تعالى: {إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} الآية.

قال تعالى [وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ]
والمعنى : وما جعلنا القبلة التي هي بيت المقدس والتي كنت عليها في بداية أمرك إلا لنعلم من يتبعك ويطيع أمرك من العرب المولعون بالكعبة ومحبتها ، ومن اليهود الذين كانوا يقولون أن بيت المقدس هي قبلة الأنبياء وأن النبي إذا صلى إليها اتبعوه ، فيتبين بذلك ويظهر من يستسلم لأمر الله ويخضع لأمره ممن ينقلب على عقبيه مرتدا خاسرا .
وقد اختلف في معنى قوله "لنعلم" على أقوال .
الأول : لنرى … حكاه ابن عطية عن الطبري.
الثاني: لنميز …. حكاه ابن عطية عن ابن فورك وعن الطبري عن ابن عباس .
الثالث : ليظهر بذلك المتبع من المرتد على عقبيه . ذكره ابن كثير .
الرابع : ذكر علمه وقت مواقعتهم الطاعة والمعصية، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب ، ويدل عليه قول ابن فورك بأن "لنعلم " هنا بمعنى" لنثيب " فالمعنى لنعلمهم في حال استحقوا فيها الثواب، وعلق العلم بأفعالهم لتقوى الحجة عليهم ، وأن اللفظة على ظاهرها وأن العلم سابق لله عز وجل في الأزل ومستمر وباق ذكره ابن عطية .
الخامس : أن العلم هنا ليس منسوبا لله على وجه الحقيقة ولكن المراد به علم النبي صلى الله عليه وسلم . والمؤمنون وأن نون العظمة جيئ بها إذ هم حزبه وخالصته ، وأن ذلك جار في لغة العرب .ذكره ابن عطية .

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن ما ذكره ابن عطية في القول الأخير مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة في إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه وإثبات ما أثبته له رسوله من غير تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ، وأن اللفظ يؤخذ على ظاهره إلا إذا جاء الدليل على صرفه عن ظاهره ، ولا دليل على ما قاله ابن عطية لا من كتاب ولا سنة ولا من أقوال السلف.
والأقوال الثلاثة الأولى متقاربة المعنى ولا يظهر في المسألة أية إشكالية إلا ما يثيره المتأولون في الأسماء والصفات من إثارة الشبهات .والله أعلم

3: بيّن ما يلي:
أ: المخاطب في الآية، ومعنى الذكر في قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم}.
ذكر في المخاطب في الآية قولان :
الأول : أن الخطاب لمشركي العرب …. ذكره الزجاج.
والمعنى : أن الله خاطبهم بما دلهم على إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم , فقال:كما أرسلنا فيكم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وهو رجل منكم أمّي تعلمون أنه لم يتل كتابا قبل رسالته, ولا بعدها إلا بما أوحي إليه. وإنكم كنتم أهل جاهلية لا تعلمون الحكمة , ولا أخبار الأنبياء، ولا آبائهم ولا لأقاصيصهم,فأرسل إليكم النبي صلى الله عليه وسلم ,فأنبأكم بأخبار الأنبياء، وبما كان من أخبارهم مع أممهم، لا يدفع ما أخبر به أهل الكتاب.
وعلى هذا القول يكون معنى الذكر الذي أمرهم الله به هو :
توحيدهم لله تعالى وتصديقهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويذكرهم الله بجبّ ما قبل إسلامهم من الكفر وبتوبته عليهم .
الثاني: أمة محمد صلى الله عليه وسلم … ذكره ابن عطية .
وخص ابن كثير المؤمنين منهم , واستدل له بقوله تعالى : {لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم}
والمعنى : أنهم هم المعنيين بقوله : رسولا منكم يتلو عليكم القرآن ويطهركم ويعلمك السنة و الفقه في الدين ويقص عليكم أنباء السابقين واللاحقين ، وأن ذلك جاء إجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام في قوله "ربّنا وابعث فيهم رسولًا منهم "الآية
ويكون الذكر على بابه بالقول ويدخل فيه الدعاء والتسبيح وقراءة القرآن ، ويكون بالفعل بعمل الطاعات والكف عن المحرمات.
واستدل له ابن عطية بحديث: إن الله تعالى يقول: «ابن آدم اذكرني في الرخاء أذكرك في الشدة»، وفي حديث آخر: إن الله تعالى يقول: «وإذ ذكرني عبدي في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم»
وكذلك قد يكون المراد بالذكر هو التذكر ، فيتذكر العبد ربه بيقلع عن المعاصي ويقبل على الطاعات ويشهد له ما ذكره ابن كثير عن عبد اللّه بن وهبٍ، عن زيد بن أسلم:
« أنّ موسى، عليه السّلام، قال: يا ربّ، كيف أشكرك؟ قال له ربّه: تذكرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني».
والمعنى الثاني ألصق بالسياق قبله ودل عليه الدليل .

ب: المراد بالإيمان وفائدة التعبير عنه بوصف الإيمان في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}.
الإيمان هنا :الصلاة إلى بيت المقدس . قاله ابن عباس والبراء بن عازب وقتادة والسدي والربيع وغيرهم ونقله عنهم ابن عطية ، كما ذكره ابن كثير واستدل له :بما في الصّحيح من حديث أبي إسحاق السّبيعي، عن البراء، قال: «مات قومٌ كانوا يصلّون نحو بيت المقدس فقال النّاس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل اللّه تعالى:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».ورواه التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ وصحّحه.
وسميت الصلاة إيمانا لعدة فوائد :
1- لأنها كانت صادرة عن إيمان وتصديق سواء كان ذلك حال التوجه إلى بيت المقدس أو وقت التحويل ، وهو الذي تدور الأعمال .
2- لئلا تندرج تحت اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس فلا تقبل الصلاة إلا ما كانت عن إيمان.
3- أنها من شعب الإيمان فسمي الجزء بالكل .

ج: معنى الصبر، وأنواعه، وفضله.
  • الصبر : حبس النفس على ما ينفعها وعمَّا يضرها عاجلاً وآجلاً ولذلك سمي بالصوم وهو منه ، وسمي شهر رمضان بشهر الصبر ؛ ففيه معنى الحبس .
  • والصبر على أنواع :
  • فمنه الصبر على طاعة الله تعالى حتى يحبها العبد ويألفها .
  • ومنه الصبر عن معصية الله وكف النفس عن كل ما يغضب الله ويسخطه .
  • ومنه الصبر على أقدار الله المؤلمة فيتحمل العبد ما أصابه بلا جزع أو اعتراض
وقال سعيد بن جبيرٍ: «الصّبر اعتراف العبد للّه بما أصاب منه، واحتسابه عند اللّه رجاء ثوابه، وقد يجزع الرّجل وهو متجلّد لا يرى منه إلّا الصّبر»)
  • وقد أعد الله تعالى ثوابا وأجرا وفيرا على الصبر ،لقوله تعالى: {إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ}
قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «الصّبر في بابين، الصّبر للّه بما أحبّ، وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصّبر للّه عمّا كره وإن نازعت إليه الأهواء. فمن كان هكذا، فهو من الصّابرين الّذين يسلّم عليهم، إن شاء اللّه».
وقال عليّ بن الحسين زين العابدين: «إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين ينادي منادٍ: أين الصّابرون ليدخلوا الجنّة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عنق من النّاس، فتتلقّاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنّة. فيقولون: وقبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: الصّابرون، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة اللّه، وصبرنا عن معصية اللّه، حتّى توفّانا اللّه. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنّة، فنعم أجر العاملين».
وكما ذكر هنا في تزييل الآية : "إن الله مع الصابرين" فكيف يضام من كان الله معه ؛ بنصره وتأييده وإعانته وتسخير الخلق لعونه وخدمته ، فيشد أزره ، ويقوي تحمله ، حتى يصبح العبد من الصابرين ثم يدخله جنته ويؤتيه أجره بغير حساب .

اعتذر جدا عن التأخر في تقديم المجلس ، فقد حالت ظروف شديدة بيني وبين تقديمه في موعده.
وجزاكم الله خيرا.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 4 جمادى الأولى 1439هـ/20-01-2018م, 02:21 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان على محمود مشاهدة المشاركة
المجموعة الثالثة:
1: فسّر قول الله تعالى:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) }.
سبب نزول الآية : ذكر في سبب نزول الآية عدة أحاديث أوردها ابن كثير في تفسيره ، منها :
  • ما رواه الإمام أحمد: عن عائشة قالت: «قلت: أرأيت قول الله تعالى:{إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}» قلت: «فواللّه ما على أحدٍ جناحٌ أن لا يطّوف بهما؟ » فقالت عائشة: «بئسما قلت يا ابن أختي إنّها لو كانت على ما أوّلتها عليه كانت: فلا جناح عليه ألّا يطّوف بهما، ولكنّها إنّما أنزلت أنّ الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلّون لمناة الطّاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلّل. وكان من أهلّ لها يتحرّج أن يطوّف بالصّفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا كنّا نتحرّج أن نطّوف بالصّفا والمروة في الجاهليّة. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}إلى قوله: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} قالت عائشة: ثمّ قد سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطّواف بهما، فليس لأحدٍ أن يدع الطّواف بهما». أخرجاه في الصّحيحين.
  • وفي روايةٍ عن الزّهريّ أنّه قال: «فحدّثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ، فقال: «إنّ هذا العلم، ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالًا من أهل العلم يقولون إنّ النّاس -إلّا من ذكرت عائشة -كانوا يقولون: إنّ طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهليّة. وقال آخرون من الأنصار: إنّما أمرنا بالطّواف بالبيت، ولم نؤمر بالطّواف بين الصّفا والمروة، فأنزل اللّه تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه} قال أبو بكر بن عبد الرّحمن: «فلعلّها نزلت في هؤلاء وهؤلاء».
  • ورواه البخاريّ ، عن عائشة بنحو ما تقدّم.
  • ثمّ قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن عاصم بن سليمان قال: «سألت أنسًا عن الصّفا والمروة قال: كنّا نرى ذلك من أمر الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}».
  • وذكر القرطبيّ في تفسيره عن ابن عبّاسٍ قال: «كانت الشّياطين تفرّق بين الصّفا والمروة اللّيل كلّه، وكانت بينهما آلهةٌ، فلمّا جاء الإسلام سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن الطّواف بينهما، فنزلت هذه الآية». وقال الشّعبيّ: «كان إسافٌ على الصّفا، وكانت نائلة على المروة، وكانوا يستلمونهما فتحرّجوا بعد الإسلام من الطّواف بينهما، فنزلت هذه الآية».
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ : الصفا والمروة جبيلان بمكة ، جعلهما الله تعالى من أعلام متعبداته .
فالصفا في لغة العرب : الحجارة البيضاء الصلدة التي تنبت.
أما المروة : هي الحجارة اللينة الصغيرة .
وأما عن سبب تسميتهما بهذا الاسم : فقيل أن جبيل الصفا بمكة صلب أما جبيل المروة للين أقرب .
وقيل في سبب التذكير والتأنيث فيهما : أن الصّفا ذكّر لأن آدم وقف عليه، ووقفت حواء على المروة فانثت لذلك.
وقال الشعبي: «كان على الصفا صنم يدعى إسافا، وعلى المروة صنم يدعى نائلة»، فاطرد ذلك في التذكير والتأنيث وقدم المذكر .
وهذان الجبلان جعلهما الله تعالى من شعائره أي من أعلام مواضع متعبداته ، فالسعي بين الصفا والمروة ممّا شرع اللّه تعالى لإبراهيم الخليل في مناسك الحجّ ، وأصل هذه الشعيره كان سعي هاجر أم إسماعيل عليه السلام حينما تركهما إبراهيم الخليل عليه السلام بأمر ربه في الصحراء الجرداء الخالية من الزرع والماء والحياة فشرعت تسعى بين الصفا والمروة باحثة عن الماء أو أحدا يكون معه ماء معلنة فقرها وفاقتها وحوبتها للرب تبارك وتعالى موقنة أن الله لن يضيعهم .
فقوله :إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ :خبر يقتضي الأمر بما عهد من الطواف بهما.
ومن هنا نستشف الحكمة من الأمر بهذه الشعيرة ، ووجوبها على كل مسلم من خلال وجوبها في الحج الذي هو واجب على كل مسلم مستطيع ، ففي السعي إعلان لافتقار العبد وذله وخضوعه ورجاءه رضا ربه بمتثاله أمره راجيا عفوه وغفرانه وهداه لما فيه صلاحه في آخرته ودنياه ، وأن يحوّله من حاله الذي هو عليه من الذّنوب والمعاصي، إلى حال الكمال والغفران والسّداد والاستقامة، كما فعل بهاجر .

فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا : الحج في اللغة : هو القصد والتكرار .
واعتمر : زار وتكرر .
والجناح : الإثم والميل والعدول عن الحق والطاعة .
يطّوف : يكثر الطواف .
ومما تقدم فيما ورد في سبب النزول أن ليس المقصد من نفي الجناح عن من تطوف؛ إباحة الطواف لمن شاء، لأن ذلك بعد الأمر بالطواف لا يستقيم، وإنما المقصد منه رفع ما وقع في نفوس قوم من العرب من أن الطواف بينهما فيه حرج، وإعلامهم أن ما وقع في نفوسهم غير صواب .
وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا : اختلف العلماء من خلال هذه الآية في حكم السعي ، فمنهم من قال أنه ركن ومنهم من قال بوجوبه ومنهم من قال باستحبابه .
وقد رجح ابن كثير كونه واجباً لأنّه عليه السّلام طاف بينهما،فكلّ ما فعله في حجته تلك واجبٌ لا بدّ من فعله في الحجّ، إلّا ما خرج بدليلٍ، واستدل بقوله : «لتأخذوا عنّي مناسككم». وقوله : «اسعوا فإنّ اللّه كتب عليكم السّعي».

وكل فريق فسر التطوع في الآية بحسب ما توصل إليه في حكم السعي ؛ ففمن قال بوجوب السعي قال: معنى تطوّع أي زاد برا بعد الواجب، فجعله عاما في الأعمال، وقال بعضهم: معناه من تطوع بحج أو عمرة بعد حجة الفريضة، ومن لم يوجب السعي قال: المعنى من تطوع بالسعي بينهما، وفي قراءة ابن مسعود «فمن تطوع بخير»،
فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ : شاكر : صيغة مبالغة من الشكر فالله تعالى كثير الشكر لعباده يشكر لهم العمل القليل بالأجر الجزيل .
عليم : يعلم بنواياهم ومقاصدهم وما يسرون وما يعلنون فيشكر لهم بحسب ما علم من أحوالهم الباطنة والظاهرة .
2: حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالسفهاء وموقفهم من تحويل القبلة في قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}.
السفهاء لغة : هم الخفاف الأحكام والعقول .
المراد بالسفهاء ذكر فيه أقوال :
1- كفار أهل مكة … ذكره المفسرون الثلاثة .
لأنهم قالوا: ما ولاه عن قبلته؟ ما رجع إلينا إلا لعلمه أنّا على الحق وسيرجع إلى ديننا كله ذكره ... ابن عطية .
2- أحبار اليهود ….ذكره الزجاج ، وذكره ابن عطية عن ابن عباس ، كما ذكره ابن كثير عن مجاهد ..
وذلك أنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتنا؟ ارجع إليها ونؤمن بك، يريدون فتنته ، وأن بعضهم قالها استهزاء ذكره ابن عطية .
وقد أورد ابن كثير عدة أحاديث تدل على أن اليهود هم المرادون في الآية مما يُظهر ريبهم وترددهم وشكهم في أمر تحويل القبلة :منها
  • ما ورد عن ابن أبي حاتمٍ: عن البراء قال:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد صلّى نحو بيت المقدس ستّة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحبّ أن يوجّه نحو الكعبة, فأنزل اللّه: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}»، قال: «فوجّه نحو الكعبة. وقال السّفهاء من النّاس -وهم اليهود-: {ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}، فأنزل اللّه: {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}».
  • وعن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لمّا هاجر إلى المدينة، أمره اللّه أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو اللّه وينظر إلى السّماء، فأنزل اللّه عزّ وجلّ:{فولّوا وجوهكم شطره}أي: نحوه. فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل اللّه:{قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}».
3- المنافقون…. ذكره ابن عطية وابن كثير عن السدي .
وأن غرضهم كان الاستهزاء به صلى الله عليه وسلم حيث قالوا : اشتاق الرجل إلى وطنه .. ذكره ابن عطية.

والآية عامة في كل هؤلاء …..ذكره ابن عطية وابن كثير .

ب: معنى قوله تعالى: {إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} الآية.

قال تعالى [وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ]
والمعنى : وما جعلنا القبلة التي هي بيت المقدس والتي كنت عليها في بداية أمرك إلا لنعلم من يتبعك ويطيع أمرك من العرب المولعون بالكعبة ومحبتها ، ومن اليهود الذين كانوا يقولون أن بيت المقدس هي قبلة الأنبياء وأن النبي إذا صلى إليها اتبعوه ، فيتبين بذلك ويظهر من يستسلم لأمر الله ويخضع لأمره ممن ينقلب على عقبيه مرتدا خاسرا .
وقد اختلف في معنى قوله "لنعلم" على أقوال .
الأول : لنرى … حكاه ابن عطية عن الطبري.
الثاني: لنميز …. حكاه ابن عطية عن ابن فورك وعن الطبري عن ابن عباس .
الثالث : ليظهر بذلك المتبع من المرتد على عقبيه . ذكره ابن كثير .
الرابع : ذكر علمه وقت مواقعتهم الطاعة والمعصية، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب ، ويدل عليه قول ابن فورك بأن "لنعلم " هنا بمعنى" لنثيب " فالمعنى لنعلمهم في حال استحقوا فيها الثواب، وعلق العلم بأفعالهم لتقوى الحجة عليهم ، وأن اللفظة على ظاهرها وأن العلم سابق لله عز وجل في الأزل ومستمر وباق ذكره ابن عطية .
الخامس : أن العلم هنا ليس منسوبا لله على وجه الحقيقة ولكن المراد به علم النبي صلى الله عليه وسلم . والمؤمنون وأن نون العظمة جيئ بها إذ هم حزبه وخالصته ، وأن ذلك جار في لغة العرب .ذكره ابن عطية .

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن ما ذكره ابن عطية في القول الأخير مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة في إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه وإثبات ما أثبته له رسوله من غير تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ، وأن اللفظ يؤخذ على ظاهره إلا إذا جاء الدليل على صرفه عن ظاهره ، ولا دليل على ما قاله ابن عطية لا من كتاب ولا سنة ولا من أقوال السلف.
والأقوال الثلاثة الأولى متقاربة المعنى ولا يظهر في المسألة أية إشكالية إلا ما يثيره المتأولون في الأسماء والصفات من إثارة الشبهات .والله أعلم
[ مع الإشارة إلى أن ابن عطية رجح القول الرابع مما ذكرتِ ]

3: بيّن ما يلي:
أ: المخاطب في الآية، ومعنى الذكر في قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم}.
ذكر في المخاطب في الآية قولان :
الأول : أن الخطاب لمشركي العرب …. ذكره الزجاج.
والمعنى : أن الله خاطبهم بما دلهم على إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم , فقال:كما أرسلنا فيكم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وهو رجل منكم أمّي تعلمون أنه لم يتل كتابا قبل رسالته, ولا بعدها إلا بما أوحي إليه. وإنكم كنتم أهل جاهلية لا تعلمون الحكمة , ولا أخبار الأنبياء، ولا آبائهم ولا لأقاصيصهم,فأرسل إليكم النبي صلى الله عليه وسلم ,فأنبأكم بأخبار الأنبياء، وبما كان من أخبارهم مع أممهم، لا يدفع ما أخبر به أهل الكتاب.
وعلى هذا القول يكون معنى الذكر الذي أمرهم الله به هو :
توحيدهم لله تعالى وتصديقهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويذكرهم الله بجبّ ما قبل إسلامهم من الكفر وبتوبته عليهم .
الثاني: أمة محمد صلى الله عليه وسلم … ذكره ابن عطية .
وخص ابن كثير المؤمنين منهم , واستدل له بقوله تعالى : {لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم}
والمعنى : أنهم هم المعنيين بقوله : رسولا منكم يتلو عليكم القرآن ويطهركم ويعلمك السنة و الفقه في الدين ويقص عليكم أنباء السابقين واللاحقين ، وأن ذلك جاء إجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام في قوله "ربّنا وابعث فيهم رسولًا منهم "الآية
ويكون الذكر على بابه بالقول ويدخل فيه الدعاء والتسبيح وقراءة القرآن ، ويكون بالفعل بعمل الطاعات والكف عن المحرمات.
واستدل له ابن عطية بحديث: إن الله تعالى يقول: «ابن آدم اذكرني في الرخاء أذكرك في الشدة»، وفي حديث آخر: إن الله تعالى يقول: «وإذ ذكرني عبدي في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم»
وكذلك قد يكون المراد بالذكر هو التذكر ، فيتذكر العبد ربه بيقلع عن المعاصي ويقبل على الطاعات ويشهد له ما ذكره ابن كثير عن عبد اللّه بن وهبٍ، عن زيد بن أسلم:
« أنّ موسى، عليه السّلام، قال: يا ربّ، كيف أشكرك؟ قال له ربّه: تذكرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني».
والمعنى الثاني ألصق بالسياق قبله ودل عليه الدليل .

ب: المراد بالإيمان وفائدة التعبير عنه بوصف الإيمان في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}.
الإيمان هنا :الصلاة إلى بيت المقدس . قاله ابن عباس والبراء بن عازب وقتادة والسدي والربيع وغيرهم ونقله عنهم ابن عطية ، كما ذكره ابن كثير واستدل له :بما في الصّحيح من حديث أبي إسحاق السّبيعي، عن البراء، قال: «مات قومٌ كانوا يصلّون نحو بيت المقدس فقال النّاس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل اللّه تعالى:{وما كان اللّه ليضيع إيمانكم}».ورواه التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ وصحّحه.
وسميت الصلاة إيمانا لعدة فوائد :
1- لأنها كانت صادرة عن إيمان وتصديق سواء كان ذلك حال التوجه إلى بيت المقدس أو وقت التحويل ، وهو الذي تدور الأعمال .
2- لئلا تندرج تحت اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس فلا تقبل الصلاة إلا ما كانت عن إيمان.
3- أنها من شعب الإيمان فسمي الجزء بالكل .

ج: معنى الصبر، وأنواعه، وفضله.
  • الصبر : حبس النفس على ما ينفعها وعمَّا يضرها عاجلاً وآجلاً ولذلك سمي بالصوم وهو منه ، وسمي شهر رمضان بشهر الصبر ؛ ففيه معنى الحبس .
  • والصبر على أنواع :
  • فمنه الصبر على طاعة الله تعالى حتى يحبها العبد ويألفها .
  • ومنه الصبر عن معصية الله وكف النفس عن كل ما يغضب الله ويسخطه .
  • ومنه الصبر على أقدار الله المؤلمة فيتحمل العبد ما أصابه بلا جزع أو اعتراض
وقال سعيد بن جبيرٍ: «الصّبر اعتراف العبد للّه بما أصاب منه، واحتسابه عند اللّه رجاء ثوابه، وقد يجزع الرّجل وهو متجلّد لا يرى منه إلّا الصّبر»)
  • وقد أعد الله تعالى ثوابا وأجرا وفيرا على الصبر ،لقوله تعالى: {إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حسابٍ}
قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «الصّبر في بابين، الصّبر للّه بما أحبّ، وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصّبر للّه عمّا كره وإن نازعت إليه الأهواء. فمن كان هكذا، فهو من الصّابرين الّذين يسلّم عليهم، إن شاء اللّه».
وقال عليّ بن الحسين زين العابدين: «إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين ينادي منادٍ: أين الصّابرون ليدخلوا الجنّة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عنق من النّاس، فتتلقّاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنّة. فيقولون: وقبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: الصّابرون، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة اللّه، وصبرنا عن معصية اللّه، حتّى توفّانا اللّه. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنّة، فنعم أجر العاملين».
وكما ذكر هنا في تزييل الآية : "إن الله مع الصابرين" فكيف يضام من كان الله معه ؛ بنصره وتأييده وإعانته وتسخير الخلق لعونه وخدمته ، فيشد أزره ، ويقوي تحمله ، حتى يصبح العبد من الصابرين ثم يدخله جنته ويؤتيه أجره بغير حساب .

اعتذر جدا عن التأخر في تقديم المجلس ، فقد حالت ظروف شديدة بيني وبين تقديمه في موعده.
وجزاكم الله خيرا.

التقويم : أ
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 جمادى الآخرة 1439هـ/28-02-2018م, 10:35 AM
رشا نصر زيدان رشا نصر زيدان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: الدوحة قطر
المشاركات: 359
افتراضي المجلس السادس: مجلس مذاكرة القسم الحادي عشر من تفسير سورة البقرة

المجموعة الثانية:

1: فسّر قول الله تعالى:

{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}.

قوله تعالى : ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير

أولا: في المعنى اللغوي في قوله تعالى:" ولكل وجهة"،فالوجهة على وزن فعلة من المواجهة، و المراد بها القبلةو قد تأتي بلفظ الجهة أو الوجه،فكل منهما يؤدي إلى المعنى المطلوب.

ثانيا: قوله تعالى : "هو موليها" ؛لفظ هو عائد على لفظ كل لا على معناه ; لأنه لو كان على المعنى لقال : هم مولوها وجوههم ، والمراد منه أنه : ولكل صاحب ملة قبلة ، صاحب القبلة موليها وجهه ، وهو قول الربيع وعطاء وابن عباس . وهناك قول آخر: أن الله يولي أهل كل ملة القبلة التي يريد،وكلا القولين جائز.وقال أبو العالية:لكل من اليهودي و النصراني وجهة هو موليها،وهداكم أنتم ؛أي أمة محمد صلى الله عليه و سلم الموقنون للقبلة التي هي ارتضاها الله و تمناها الرسول صلى الله عليه و سلم.
القراءات في الآية: وقرأ ابن عباس وابن عامر " هو مولاها ولقد خطأ الطبري من قرأ لكلٍ وجهة بإضافة كل إلى وجهة، حكاها ابن عطية في تفسيره.

ثالثا: قوله تعالى : فاستبقوا الخيرات ؛أي إلى الخيرات ، فحذف الحرف ، أي بادروا إلى الاستجابة إلى ما أمركم الله به من استقبال البيت الحرام،هذا من الظاهر و لكن المغزى و المطلوب هو المبادرة إلى كل ما أمر الله من فعل الخيرات و اجتناب المنكرات. ومن أهمها الصلاة على وقتها. وهذا مثل قول الله تعالى:"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً".

رابعاً : قوله تعالى : أينما تكونوا شرط ، وجوابه : يأت بكم الله جميعا يعني يوم القيامة .أي هو قادر على جمعكم من الأرض كما بدأكم تعودون فريق هدى و فريقا حق عليه الضلالة. ولذلك وصف الله تعالى نفسه بالقدرة.

2: حرّر القول في كل من:

أ: المراد بالشهادة في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}.

شهداء هي نصب خبر تكونوا،إلا أنه لا ينون لأنه ممنوع من الصرف لوجود ألف التأنيث،ومعها يبنى الاسم.وقيل في المراد منها:

القول الأول: أن أمم الأنبياء تجحد رسله و أنبيائها و تنكر أنه قد جاءها الرسول مبشرا ومنذرا،فتشهد أمة محمد بصدق المرسلين وتبليغهم رسالة ربهم، و كذب تلك الأمم.و يشهد الرسول صلى الله عليه وسلم بصدق هذه الأمة.

القول الثاني: قال قوم"لتكونوا شهداء على الناس"أي محتجين على من خالفكم و يكون الرسول محتجا عليكم و شهيدا عليكم.

القول الثالث: تشهدون لمحمد صلى الله عليه و سلم أنه قد أبلغ الناس في حياته من آمن منهم ومن كفر من جميع الأطياف يهود و نصارى و مجوس.قال به مجاهد.

القول الرابع: أن تشهد هذه الأمة بعضها على بعض بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم،كما حدث انه مرت جنازة فأثنى عليها صلى الله عليه وسلم فقال وجبت،ومرت جنازة أخرى فأثنى عليها بشر،فقال وجبت:يعني الجنة و النار؛فسئل عن ذلك،فقال :""أنتم شهداء الله في الأرض".
وجميع الأقوال لا تعارض بينها.

ب: معنى قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجّة إلا الذين ظلموا منهم}.

الحجة هي الحجة الباطلة و التي تكون فاسدة ولذلك قال الله تعالى:"حجتهم داحضة عند ربهم"،وقيل الناس هو اليهود الذين قالوا أنهم قد هدوا محمد وأصحابه إلى قبلتهم، قبلة بيت المقدس، و قيل الذين ظلموا عائدة على قريش؛ الذين قالوا إن محمد قد عاد إلى قبلتنا و سوف يعود إلى ديننا. وهذه الأقوال لا تصدر إلا من المنافق أو الوثني. وعلى هذا "إلا الذين" استثناء منقطع و الناس هي عائدة على اليهود فقط. و هؤلاء لم يفطنوا لمراد التحول من بيت المقدس إلى الكعبة،فالرسول صلى الله عليه و سلم مأمور ويتبع ما يأمره الله تعالى و لله حكمة في كل فعل، و الرسول صلى الله عليه وسلم مطيع لا يخرج عن أمر ربه.

3: بيّن ما يلي:
أ: الحكمة من تكرار الأمر بتحويل القبلة في الآيات.

كان لله في جعل القبلة إلى بيت المقدس، ثم تحويلها إلى الكعبة، حِكَم عظيمة، ومنها:

1.اختبار و ابتلاء للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين:

فأما الصحابة المؤمنين فقالوا: سمعنا وأطعنا، وقالوا: ﴿ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾ [آل عمران: 7]، وهم الذين هدى الله، ولم تكن كبيرةً عليهم.
وأما المشركون من أهل قريش، فقالوا: كما رجع إلى قبلتنا، يوشك أن يرجع إلى ديننا، وما رجع إليها إلا لأنها الحق.
وأما اليهود، فقالوا: خالف قبلة الأنبياء قبله، ولو كان نبيًّا، لكان يصلي إلى قبلة الأنبياء.
وأما المنافقون، فقالوا: ما يدري محمد أين يتوجه، إن كانت الأولى حقًّا، فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق، فقد كان على باطل، وكثُرت أقاويل السفهاء من الناس، وكانت كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143}. ومن حكم الله تعالى تمحيص المؤمن الحق من المنافق الذي ينقلب على وجهه يعبد الله على حرف،ولذلك كان هناك من ارتد عن الإسلام، بعد تحويل القبلة وذلك لإنه لم يستقر الإيمان و اليقين في قلبه.

2. و لقد كان الله تعالى يعلم رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم و لذلك ولاه القبلة التي يتمناها و التي يرضاها الله لتلك الأمة المطيعة.و ثبت أن تحويل القبلة إلى البيت الحرام كان له الأثر السياسي و الجغرافي في جعل الجزيرة العربية مصدر تجمع و انطلاق لنشر الإسلام في أرجاء المعمورة.

ب: فضل سادات الصحابة في حادثة تحويل القبلة، مع الاستدلال.

فأما الصحابة المؤمنين فقالوا: سمعنا وأطعنا، وقالوا: ﴿ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾ [آل عمران: 7]، وهم الذين هدى الله، ولم تكن كبيرةً عليهم. وقد ذهب بعضهم إلى أنّ السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار هم الّذين صلّوا القبلتين. وقد روى مسلمٌ من وجهٍ آخر، عن ابن عمر. ورواه التّرمذيّ من حديث سفيان الثّوريّ وعنده: «أنّهم كانوا ركوعًا، فاستداروا كما هم إلى الكعبة، وهم ركوعٌ.

ج: متعلّق الاستعانة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}.

لمّا فرغ تعالى من بيان الأمر بالشّكر شرع في بيان الصّبر، والإرشاد إلى الاستعانة بالصّبر والصّلاة، فإنّ العبد إمّا أن يكون في نعمةٍ فيشكر عليها، أو في نقمةٍ فيصبر عليها؛ كما جاء في الحديث: «عجبًا للمؤمن. لا يقضي اللّه له قضاءً إلّا كان خيرًا له: إن أصابته سرّاء، فشكر، كان خيرًا له؛ وإن أصابته ضرّاء فصبر كان خيرًا له».

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1439هـ/3-03-2018م, 03:55 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشا نصر زيدان مشاهدة المشاركة
المجموعة الثانية:

1: فسّر قول الله تعالى:

{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)}.

قوله تعالى : ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير

أولا: في المعنى اللغوي في قوله تعالى:" ولكل وجهة"،فالوجهة على وزن فعلة من المواجهة، و المراد بها القبلةو قد تأتي بلفظ الجهة أو الوجه،فكل منهما يؤدي إلى المعنى المطلوب.

ثانيا: قوله تعالى : "هو موليها" ؛لفظ هو عائد على لفظ كل لا على معناه ; لأنه لو كان على المعنى لقال : هم مولوها وجوههم ، والمراد منه أنه : ولكل صاحب ملة قبلة ، صاحب القبلة موليها وجهه ، وهو قول الربيع وعطاء وابن عباس . وهناك قول آخر: أن الله يولي أهل كل ملة القبلة التي يريد،وكلا القولين جائز.وقال أبو العالية:لكل من اليهودي و النصراني وجهة هو موليها،وهداكم أنتم ؛أي أمة محمد صلى الله عليه و سلم الموقنون للقبلة التي هي ارتضاها الله و تمناها الرسول صلى الله عليه و سلم.
القراءات في الآية: وقرأ ابن عباس وابن عامر " هو مولاها ولقد خطأ الطبري من قرأ لكلٍ وجهة بإضافة كل إلى وجهة، حكاها ابن عطية في تفسيره.

ثالثا: قوله تعالى : فاستبقوا الخيرات ؛أي إلى الخيرات ، فحذف الحرف ، أي بادروا إلى الاستجابة إلى ما أمركم الله به من استقبال البيت الحرام،هذا من الظاهر و لكن المغزى و المطلوب هو المبادرة إلى كل ما أمر الله من فعل الخيرات و اجتناب المنكرات. ومن أهمها الصلاة على وقتها. وهذا مثل قول الله تعالى:"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً".

رابعاً : قوله تعالى : أينما تكونوا شرط ، وجوابه : يأت بكم الله جميعا يعني يوم القيامة .أي هو قادر على جمعكم من الأرض كما بدأكم تعودون فريق هدى و فريقا حق عليه الضلالة. ولذلك وصف الله تعالى نفسه بالقدرة.

2: حرّر القول في كل من:

أ: المراد بالشهادة في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}.

شهداء هي نصب خبر تكونوا،إلا أنه لا ينون لأنه ممنوع من الصرف لوجود ألف التأنيث،ومعها يبنى الاسم.وقيل في المراد منها:

القول الأول: أن أمم الأنبياء تجحد رسله و أنبيائها و تنكر أنه قد جاءها الرسول مبشرا ومنذرا،فتشهد أمة محمد بصدق المرسلين وتبليغهم رسالة ربهم، و كذب تلك الأمم.و يشهد الرسول صلى الله عليه وسلم بصدق هذه الأمة.

القول الثاني: قال قوم"لتكونوا شهداء على الناس"أي محتجين على من خالفكم و يكون الرسول محتجا عليكم و شهيدا عليكم.

القول الثالث: تشهدون لمحمد صلى الله عليه و سلم أنه قد أبلغ الناس في حياته من آمن منهم ومن كفر من جميع الأطياف يهود و نصارى و مجوس.قال به مجاهد.

القول الرابع: أن تشهد هذه الأمة بعضها على بعض بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم،كما حدث انه مرت جنازة فأثنى عليها صلى الله عليه وسلم فقال وجبت،ومرت جنازة أخرى فأثنى عليها بشر،فقال وجبت:يعني الجنة و النار؛فسئل عن ذلك،فقال :""أنتم شهداء الله في الأرض".
وجميع الأقوال لا تعارض بينها.
[ أحسنتِ، والأولى ذكر الأحاديث التي يستدل بها على الأقوال الأخرى، بارك الله فيكِ ]

ب: معنى قوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجّة إلا الذين ظلموا منهم}.

الحجة هي الحجة الباطلة و التي تكون فاسدة ولذلك قال الله تعالى:"حجتهم داحضة عند ربهم"،وقيل الناس هو اليهود الذين قالوا أنهم قد هدوا محمد وأصحابه إلى قبلتهم، قبلة بيت المقدس، و قيل الذين ظلموا عائدة على قريش؛ الذين قالوا إن محمد قد عاد إلى قبلتنا و سوف يعود إلى ديننا. وهذه الأقوال لا تصدر إلا من المنافق أو الوثني. وعلى هذا "إلا الذين" استثناء منقطع و الناس هي عائدة على اليهود فقط. و هؤلاء لم يفطنوا لمراد التحول من بيت المقدس إلى الكعبة،فالرسول صلى الله عليه و سلم مأمور ويتبع ما يأمره الله تعالى و لله حكمة في كل فعل، و الرسول صلى الله عليه وسلم مطيع لا يخرج عن أمر ربه.
[ وهذا أحد الأقوال في المسألة وبقي قول آخر لم تبينيه وهو عموم الناس من يهود ومشركين ومنافقين ولكل منهم حجة، فبينت الآية أن في تحويل القبلة قطع لحجج هؤلاء جميعهم ولا يبقى إلا حجة الذين ظلموا والتي هي داحظة فاسدة؛ فالمعنى لا حجة لك علي إلا أن تظلمني، ويكون الاستثناء هنا متصل، وراجعي إجابة الأخوات أعلاه لمعرفة التفصيل ]
3: بيّن ما يلي:
أ: الحكمة من تكرار الأمر بتحويل القبلة في الآيات.

كان لله في جعل القبلة إلى بيت المقدس، ثم تحويلها إلى الكعبة، حِكَم عظيمة، ومنها:

1.اختبار و ابتلاء للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين:

فأما الصحابة المؤمنين فقالوا: سمعنا وأطعنا، وقالوا: ﴿ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾ [آل عمران: 7]، وهم الذين هدى الله، ولم تكن كبيرةً عليهم.
وأما المشركون من أهل قريش، فقالوا: كما رجع إلى قبلتنا، يوشك أن يرجع إلى ديننا، وما رجع إليها إلا لأنها الحق.
وأما اليهود، فقالوا: خالف قبلة الأنبياء قبله، ولو كان نبيًّا، لكان يصلي إلى قبلة الأنبياء.
وأما المنافقون، فقالوا: ما يدري محمد أين يتوجه، إن كانت الأولى حقًّا، فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق، فقد كان على باطل، وكثُرت أقاويل السفهاء من الناس، وكانت كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143}. ومن حكم الله تعالى تمحيص المؤمن الحق من المنافق الذي ينقلب على وجهه يعبد الله على حرف،ولذلك كان هناك من ارتد عن الإسلام، بعد تحويل القبلة وذلك لإنه لم يستقر الإيمان و اليقين في قلبه.

2. و لقد كان الله تعالى يعلم رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم و لذلك ولاه القبلة التي يتمناها و التي يرضاها الله لتلك الأمة المطيعة.و ثبت أن تحويل القبلة إلى البيت الحرام كان له الأثر السياسي و الجغرافي في جعل الجزيرة العربية مصدر تجمع و انطلاق لنشر الإسلام في أرجاء المعمورة.
[ السؤال عن تكرار الآيات التي تأمر بالتحول إلى الكعبة

{قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق .. }
{ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك .. }
{ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم }
وتجدين بيان هذه الحكمة عند ابن كثير فأرجو مراجعتها ]


ب: فضل سادات الصحابة في حادثة تحويل القبلة، مع الاستدلال.

فأما الصحابة المؤمنين فقالوا: سمعنا وأطعنا، وقالوا: ﴿ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾ [آل عمران: 7]، وهم الذين هدى الله، ولم تكن كبيرةً عليهم. وقد ذهب بعضهم إلى أنّ السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار هم الّذين صلّوا القبلتين. وقد روى مسلمٌ من وجهٍ آخر، عن ابن عمر. ورواه التّرمذيّ من حديث سفيان الثّوريّ وعنده: «أنّهم كانوا ركوعًا، فاستداروا كما هم إلى الكعبة، وهم ركوعٌ.
[ وهذا بالمقارنة مع بني إسرائيل وعنادهم مع أنبيائهم واعتراضهم على أمرهم ]
ج: متعلّق الاستعانة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة}.
[ متعلق الاستعانة معناه : يستعينوا بالصبر والصلاة على ماذا ؟ ]
لمّا فرغ تعالى من بيان الأمر بالشّكر شرع في بيان الصّبر، والإرشاد إلى الاستعانة بالصّبر والصّلاة، فإنّ العبد إمّا أن يكون في نعمةٍ فيشكر عليها، أو في نقمةٍ فيصبر عليها؛ كما جاء في الحديث: «عجبًا للمؤمن. لا يقضي اللّه له قضاءً إلّا كان خيرًا له: إن أصابته سرّاء، فشكر، كان خيرًا له؛ وإن أصابته ضرّاء فصبر كان خيرًا له».

التقويم : د
أثرت الإجابات الخاطئة كثيرًا على التقويم، ولعلك إن راجعتيها حصلت لكِ الفائدة وهو الأهم من الدرجة.
خُصِمت نصف درجة للتأخير.
أسأل الله لكِ التوفيق والسداد.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 5 رجب 1439هـ/21-03-2018م, 02:24 AM
ندى علي ندى علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 311
افتراضي

المجموعةالأولى:
1: فسّرقول اللهتعالى:
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِيالسَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا
أخبر سبحانه وتعالى أنه يعلم ويرى حال النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يقلب بصره في السماء منتظرا نزول الوحي بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة إذ كان يحب أن يكون على قبلة إبراهيم عليه السلام وليستألف بها قلوب العرب فأخبر سبحانه أنه سيحوله إلى تلك القبة التي يحبها ويفضلها
عن ابن عباس: كان أوّل ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّهعليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، فأمره اللّه أن يستقبلبيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضعة عشرشهرًا، وكان يحبّ قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى اللّه وينظر إلى السّماء، فأنزلاللّه: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء}إلى قوله: {فولّوا وجوهكمشطره}
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
فأمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحول قبلته من بيت المقدس إلى الكعبة فيتجه نحوها ويستقبلها في صلاته وأمر المؤمنين كذلك باستقبال الكعبة في صلاتهم في أي مكان كانوا .

وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْرَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)} البقرة.
ثم أخبر سبحانه أن الذين أوتوا الكتاب من اليهود النصارى يعلمون مما جاء في كتبهم أن أمر تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حق علموا وقوعه من كتبهم لكن يكتمون الحق حسدا وتكبرا ثم أخبر سبحانه أنه لا يغفل عن أعمال عباده سبحانه بل هو عالم بكل صغيرة وكبيرة ويحاسبهم عليها يوم القيامة .

2: حرّر القول في كلمن:
أ: معنى قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممنينقلب على عقبيه}.
القول الأول : المراد بالقبلة بيت المقدس وهو قول قتادة والسدي وعطاء وغيرهم نقله عنهم ابن عطية.
والمعنى على هذا القول : أي ما جعلنا أمرنا لك بالصلاة إلى بيت المقدس إلا فتنة للعرب الذين اتبعوك إذ ألفوا مكة فجعلنا امتحانا لهم وابتلاء لنعلم من يتبعك ومن لا يتبعك . ذكره ابن عطية
وقيل:بل المراد اليهود إذ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن صليت إلى بيت المقدس اتبعناك فجعل الله ذلك الأمر ابتلاء لهم ليعلم من يتبعه ممن لا يتبعه . نقله ابن عطية عن الضحاك.
وقيل: بل المراد ما جعلنا تحويلك عن بيت المقدس إلى الكعبة إلا ابتلاء لنعلم من يتبعك ممن ينقلب على عقبيه . ذكره ابن عطية وابن كثير.

القول الثاني: المراد بالقبلة الكعبة . والمعنى ما صرفناك إليها إلا فتنة وابتلاء . ذكره ابن عطية .
وروي في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حول إلىالكعبة أكثر في ذلك اليهود والمنافقون وارتاب بعض المؤمنين حتى نزلت الآية، وقالابن جريج: بلغني أن ناسا ممن كان أسلم رجعوا عن الإسلام.

واختلفوا في معنى العلم :
فقالوا: لنعلم أي يعلم رسولي والمؤمنون معه وذكر نون العظمة ليشير أنهم حزبه وخاصته . ذكره ابن عطية.
وقيل: لنعلم علم شهادة. ذكره الزجاج وأشار إليه ابن عطية.
وقيل : لنعلم لنثيب، فالمعنى لنعلمهم في حال استحقوا فيهاالثواب. نقل ذلك ابن عطية.
وقيل: لنعلم لنميز، وحكاه ابن فورك وذكره الطبري عن ابن عباس. نقل ذلك ابن عطية.
وقيل : أن معنى لنعلم لنرى. حكاه الطبري نقل ذلك ابن عطية .
ب: هل كانت الصلاة إلى بيت المقدس بوحي متلوّ؟
قيل: عن ابن عباس قال: أول ما نسخ من القرآن القبلة، ذكره ابن فورك نقله عن ابن عطية .
وقيل: بوحي غير متلو، وقال الربيع: خيّر رسول الله صلى الله عليهوسلم في النواحي فاختار بيت المقدس، ليستألف بها أهل الكتاب، ومن قال كان بوحي غيرمتلو قال: كان ذلك ليختبر الله تعالى من آمن من العرب، لأنهم كانوا يألفون الكعبةوينافرون بيت المقدس وغيره.وهو قول الجمهور نقله ابن عطية .
3: بيّن ما يلي:
أ: متعلّق "كما" في قوله تعالى: {كما أرسلنافيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا} الآية.
قيل: متعلقة بالذكر أي اذكروني بالشكر والإخلاص كما أرسلنا فيكم رسولا .وهو قول الزجاج وذكره ابن عطية
وقيل: متعلقة بالإتمام أي لأتم نعمتي عليكم في بيان سنة إبراهيم عليه السلام كما أرسلنا فيكم رسولًا وهو قول ابن عطية واستحسنه.
وقيل : متعلقة بتهتدون أي اهتداء كما أرسلنا فيكم رسولا .ذكره ابن عطية
ب: كيف كان تحويل الصلاة إلى الكعبةدليلا على عناية الله بهذه الأمة.
لأنه سبحانه هداهم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن وهي في أعظم بيوت الله وشرفت ببناء إبراهيم عليه السلام لها ولكونها بنيت على توحيد الله عز وجل .
ولم يهد أحدا غيرهم من أهل الكتاب إليها فكما جاء في الحديث عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -يعني في أهل الكتاب -: «إنّهم لايحسدوننا على شيءٍ كما يحسدوننا على يوم الجمعة، التي هدانا اللّه لها وضلوا عنها،وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلّوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين»).[

ج: مناسبة قوله تعالى: {ولنبلونّكم بشيء منالخوف والجوع} لما قبله.
لما أمر سبحانه بالاستعانة بالصبر في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}
وذكر بعدها فضل الشهداء ليكون عونا على الصبر على هذه المصيبة ذكر في هذه الآية أمورا لا تتلقى إلا بالصبر الذي حث على الاستعانة به في الآية السابقة {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَالْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155}

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 7 رجب 1439هـ/23-03-2018م, 03:39 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى علي مشاهدة المشاركة
المجموعةالأولى:
1: فسّرقول اللهتعالى:
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِيالسَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا
أخبر سبحانه وتعالى أنه يعلم ويرى حال النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يقلب بصره في السماء منتظرا نزول الوحي بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة إذ كان يحب أن يكون على قبلة إبراهيم عليه السلام وليستألف بها قلوب العرب فأخبر سبحانه أنه سيحوله إلى تلك القبة التي يحبها ويفضلها
عن ابن عباس: كان أوّل ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّهعليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، فأمره اللّه أن يستقبلبيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضعة عشرشهرًا، وكان يحبّ قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى اللّه وينظر إلى السّماء، فأنزلاللّه: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء}إلى قوله: {فولّوا وجوهكمشطره}
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
فأمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحول قبلته من بيت المقدس إلى الكعبة فيتجه نحوها ويستقبلها في صلاته وأمر المؤمنين كذلك باستقبال الكعبة في صلاتهم في أي مكان كانوا .

وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْرَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)} البقرة.
ثم أخبر سبحانه أن الذين أوتوا الكتاب من اليهود النصارى يعلمون مما جاء في كتبهم أن أمر تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حق علموا وقوعه من كتبهم لكن يكتمون الحق حسدا وتكبرا ثم أخبر سبحانه أنه لا يغفل عن أعمال عباده سبحانه بل هو عالم بكل صغيرة وكبيرة ويحاسبهم عليها يوم القيامة .

2: حرّر القول في كلمن:
أ: معنى قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممنينقلب على عقبيه}.
القول الأول : المراد بالقبلة بيت المقدس وهو قول قتادة والسدي وعطاء وغيرهم نقله عنهم ابن عطية.
والمعنى على هذا القول : أي ما جعلنا أمرنا لك بالصلاة إلى بيت المقدس إلا فتنة للعرب الذين اتبعوك إذ ألفوا مكة فجعلنا امتحانا لهم وابتلاء لنعلم من يتبعك ومن لا يتبعك . ذكره ابن عطية
وقيل:بل المراد اليهود إذ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن صليت إلى بيت المقدس اتبعناك فجعل الله ذلك الأمر ابتلاء لهم ليعلم من يتبعه ممن لا يتبعه . نقله ابن عطية عن الضحاك.
وقيل: بل المراد ما جعلنا تحويلك عن بيت المقدس إلى الكعبة إلا ابتلاء لنعلم من يتبعك ممن ينقلب على عقبيه . ذكره ابن عطية وابن كثير.

القول الثاني: المراد بالقبلة الكعبة . والمعنى ما صرفناك إليها إلا فتنة وابتلاء . ذكره ابن عطية .
وروي في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حول إلىالكعبة أكثر في ذلك اليهود والمنافقون وارتاب بعض المؤمنين حتى نزلت الآية، وقالابن جريج: بلغني أن ناسا ممن كان أسلم رجعوا عن الإسلام.

واختلفوا في معنى العلم :
فقالوا: لنعلم أي يعلم رسولي والمؤمنون معه وذكر نون العظمة ليشير أنهم حزبه وخاصته . ذكره ابن عطية.
وقيل: لنعلم علم شهادة. ذكره الزجاج وأشار إليه ابن عطية.
وقيل : لنعلم لنثيب، فالمعنى لنعلمهم في حال استحقوا فيهاالثواب. نقل ذلك ابن عطية.
وقيل: لنعلم لنميز، وحكاه ابن فورك وذكره الطبري عن ابن عباس. نقل ذلك ابن عطية.
وقيل : أن معنى لنعلم لنرى. حكاه الطبري نقل ذلك ابن عطية .
ب: هل كانت الصلاة إلى بيت المقدس بوحي متلوّ؟
قيل: عن ابن عباس قال: أول ما نسخ من القرآن القبلة، ذكره ابن فورك نقله عن ابن عطية .
وقيل: بوحي غير متلو، وقال الربيع: خيّر رسول الله صلى الله عليهوسلم في النواحي فاختار بيت المقدس، ليستألف بها أهل الكتاب، ومن قال كان بوحي غيرمتلو قال: كان ذلك ليختبر الله تعالى من آمن من العرب، لأنهم كانوا يألفون الكعبةوينافرون بيت المقدس وغيره.وهو قول الجمهور نقله ابن عطية .
[ والقول الرابع في المسألة : أن ذلك كان اجتهادًا منه صلى الله عليه وسلم وهو مردود ]
3: بيّن ما يلي:
أ: متعلّق "كما" في قوله تعالى: {كما أرسلنافيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا} الآية.
قيل: متعلقة بالذكر أي اذكروني بالشكر والإخلاص كما أرسلنا فيكم رسولا .وهو قول الزجاج وذكره ابن عطية
وقيل: متعلقة بالإتمام أي لأتم نعمتي عليكم في بيان سنة إبراهيم عليه السلام كما أرسلنا فيكم رسولًا وهو قول ابن عطية واستحسنه.
وقيل : متعلقة بتهتدون أي اهتداء كما أرسلنا فيكم رسولا .ذكره ابن عطية
ب: كيف كان تحويل الصلاة إلى الكعبةدليلا على عناية الله بهذه الأمة.
لأنه سبحانه هداهم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن وهي في أعظم بيوت الله وشرفت ببناء إبراهيم عليه السلام لها ولكونها بنيت على توحيد الله عز وجل .
ولم يهد أحدا غيرهم من أهل الكتاب إليها فكما جاء في الحديث عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -يعني في أهل الكتاب -: «إنّهم لايحسدوننا على شيءٍ كما يحسدوننا على يوم الجمعة، التي هدانا اللّه لها وضلوا عنها،وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلّوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين»).[

ج: مناسبة قوله تعالى: {ولنبلونّكم بشيء منالخوف والجوع} لما قبله.
لما أمر سبحانه بالاستعانة بالصبر في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}
وذكر بعدها فضل الشهداء ليكون عونا على الصبر على هذه المصيبة ذكر في هذه الآية أمورا لا تتلقى إلا بالصبر الذي حث على الاستعانة به في الآية السابقة {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَالْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155}

أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ، ويُرجى العناية بالنظر في القول الراجح عند تحرير الخلاف في المسائل، أو بيان وجه الجمع بين الأقوال إن كان الخلاف من باب خلاف التنوع.
التقويم: ب+
خُصمت نصف درجة للتأخير.
وفقكِ الله وسددكِ.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 9 رجب 1439هـ/25-03-2018م, 03:17 AM
منى محمد مدني منى محمد مدني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 344
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
المجموعة الثالثة
1: فسّر قول الله تعالى:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) }.
يبين الله في هذه الآيات أن الصفا والمروة وهما جبلان بمكة واسم الصفا مأخوذ من الحجارة البيضاء الصلبة والمروة من الحجارة الصغيرة اللينة وهذان الجبلان سعت بينهما هاجر عليها السلام طلباً للماء لولدها وسعى بينهما إبراهيم الخليل بأمر الله له عندما بين له مناسك الحج وسعى بينهما النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الأمة أن تأخذ عنه المناسك كما بينها فهما من شعائر الله وأعلام متعبداته ،والمؤمن مطالب بالسعي بينهما في الحج والعمرة وأختلف الفقهاء في حكم السعي بين الصفا والمروة في الحج فذهب الشافعي ومالك وأحمد في رواية إلى أنه ركن في الحج ،وذهب أحمد في رواية إلى أنه وواجبٌ وليس بركنٍ فإن تركه عمدًا أو سهوًا جبره بدمٍ،وذهب أبو حنيفة والثّوريّ والشّعبيّ وابن سيرين إلى أنه مستحب ، والذي يترجح القول الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بينهما وقال: «لتأخذوا عنّي مناسككم» وذكر الله أن الطواف بينهما من الشعائر التي شرعها للخليل إبراهيم
ثم نفى الله الجناح وهو الإثم عن الطواف بينهما للحاج والمعتمر فرفع الله ماوقع في نفوس أناس من العرب من الحرج في الطواف بينهما وبين لهم أنهما من شعائره
واختلف أهل التفسير في بيان سبب نفي الجناح على أقوال:
القول الأول:
أن العرب التي كانت تطوف هنالك كانت تعتقد ذلك السعي إجلالا لإساف ونائلة، وكان الساعي يتمسح بإساف فإذا بلغ المروة تمسح بنائلة وكذلك حتى تتم أشواطه، فلما جاء الإسلام كرهوا السعي هنالك إذ كان بسبب الصنمين وظنوا أن الطواف بينهما من عمل أهل الجاهلية
الروايات الواردة في هذا القول:
· ذكر الزّهريّ في رواية عروة عن عائشة أنّه قال: «فحدّثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ، فقال: «إنّ هذا العلم، ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالًا من أهل العلم يقولون إنّ النّاس -إلّا من ذكرت عائشة -كانوا يقولون: إنّ طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهليّة.
· وقال آخرون من الأنصار: إنّما أمرنا بالطّواف بالبيت، ولم نؤمر بالطّواف بين الصّفا والمروة، فأنزل اللّه تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}
قال أبو بكر بن عبد الرّحمن: «فلعلّها نزلت في هؤلاء وهؤلاء».
· عن عاصم بن سليمان قال: «سألت أنسًا عن الصّفا والمروة قال: كنّا نرى ذلك من أمر الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}»رواه البخاري
· قال الشعبي: «كان على الصفا صنم يدعى إسافا، وعلى المروة صنم يدعى نائلة»
القول الثاني:
أن الجن كانت تعرف وتطوف بينهما في الجاهلية فكانت طائفة من تهامة لا تطوف بينهما في الجاهلية لذلك، فلما جاء الإسلام تحرجوا من الطواف.
الروايات الواردة في هذا القول:
· ذكر القرطبيّ في تفسيره عن ابن عبّاسٍ قال: «كانت الشّياطين تفرّق بين الصّفا والمروة اللّيل كلّه، وكانت بينهما آلهةٌ، فلمّا جاء الإسلام سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن الطّواف بينهما، فنزلت هذه الآية».
القول الثالث:
أن ذلك في الأنصار وذلك أنهم كانوا يهلون لمناة التي كانت بالمشلل حذو قديد ويعظمونها فكانوا لا يطوفون بين إساف ونائلة إجلالا لتلك، فلما جاء الإسلام تحرجوا فنزلت هذه الآية
الروايات الواردة في هذا القول:
· عن عروة، عن عائشة قالت: «قلت: أرأيت قول الله تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}» قلت: «فواللّه ما على أحدٍ جناحٌ أن لا يطّوف بهما؟ » فقالت عائشة: «بئسما قلت يا ابن أختي إنّها لو كانت على ما أوّلتها عليه كانت: فلا جناح عليه ألّا يطّوف بهما، ولكنّها إنّما أنزلت أنّ الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلّون لمناة الطّاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلّل. وكان من أهلّ لها يتحرّج أن يطوّف بالصّفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا كنّا نتحرّج أن نطّوف بالصّفا والمروة في الجاهليّة. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}إلى قوله: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} قالت عائشة: ثمّ قد سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطّواف بهما، فليس لأحدٍ أن يدع الطّواف بهما». أخرجاه في الصّحيحين.
ويمكن الجمع بين الأقوال فيقال أن الآية نزلت في كل ماسبق
ثم ذكر الله تعالى أن من تطوع خيراً فإنه شكر عليم وذكر العلماء في المراد بالتطوع الزيادة في الطواف ،وقيل حج وعمرة تطوع ،وقيل :المراد التطوع خيراً في سائر العبادات والقول الثالث أعم الأقوال فتدخل فيه بقية الأقوال وتخصيص التطوع بالحج والعمرة مناسب للسياق
وختم الله الآية باسمين كريمين جليلين عظيمين يدلان على معاملة الله لعباده المتقربين إليه بالطاعات فمن تطوع خيراً فإن الله (شاكر ) يعطي على العمل القليل الأجر العظيم ويضاعف للعبد أضعافاً مضاعفة (عليم ) بنيته وبعمله على وجه الدقة وبقدر مايستحقه من الثواب فيثيبه ولايضيع عمل عامل ،وختم الآية بهذين الاسمين مما يقوى في القلب الطمع في فعل الطاعات وابتغاء الأجر من الله .
2: حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالسفهاء وموقفهم من تحويل القبلة في قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}.
معنى السفيه :
ذكر ابن عطية أن السّفهاء هم الخفاف الأحكام والعقول، والسفه الخفة والهلهلة، ثوب سفيه أي غير متقن النسج.
أقوال العلماء في المراد بالسفهاء في الآية :
القول الأول:
كفار أهل مكة ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير
القول الثاني:
اليهود ذكره الزجاج ونقله ابن عطية عن السدي
القول الثالث:
أحبار اليهود وهذا القول مروي عن ابن عباس ومجاهد ذكره ابن عطية وابن كثير
القول الرابع :
المنافقين ذكره ابن عطية وابن كثير عن السدي
القول الراجح:
الذي يترجح أن المراد جميع من ذكر فيكون المراد بالسفهاء كفار مكة واليهود وأحبار اليهود والمنافقين وهذا مارجحه ابن عطية وابن كثير
- قال ابن عطية :والمراد ب السّفهاء هنا جميع من قال ما ولّاهم، وقالها فرق.

- قال ابن كثير : قيل المراد بالسّفهاء هاهنا: المشركون؛ مشركو العرب، قاله الزّجّاج. وقيل: أحبار يهود، قاله مجاهدٌ. وقيل: المنافقون، قاله السّدّيّ. والآية عامّةٌ في هؤلاء كلّهم، واللّه أعلم.
موقفهم من تحويل القبلة:
لما أمر الله نبيه بتحويل القبلة حصل من أهل الزيغ شك وتخبيط وانكروا تحويل القبلة ومنهم من طلب من النبي صلى الله عليه وسلم العودة للقبلة الأولى ومنهم من طمع في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم عن دينه وقالوا: {ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} أي: ما لهؤلاء تارةً يستقبلون كذا، وتارةً يستقبلون كذا؟
- قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لمّا هاجر إلى المدينة، أمره اللّه أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو اللّه وينظر إلى السّماء، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {فولّوا وجوهكم شطره} أي: نحوه. فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل اللّه: {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}»
موقف الأحبار :
جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتنا؟ ارجع إليها ونؤمن بك، يريدون فتنته.
موقف اليهود والمنافقين :
قال السدي: قالها بعض اليهود والمنافقون استهزاء، وذلك أنهم قالوا: اشتاق الرجل إلى وطنه
موقف كفار قريش:
قالوا: ما ولاه عن قبلته؟
ما رجع إلينا إلا لعلمه أنّا على الحق وسيرجع إلى ديننا كله
ب: معنى قوله تعالى: {إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} الآية.
أقوال العلماء في المراد بالعلم في الآية :
القول الأول:
المراد ليعلم الرسول والمؤمنون ذكره الطبري وابن عطية
قال ابن عطية :لنعلم أي ليعلم رسولي والمؤمنون به، وجاء الإسناد بنون العظمة إذ هم حزبه وخالصته، وهذا شائع في كلام العرب كما تقول: فتح عمر العراق وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك جنده وأتباعه، فهذا وجه التجوز إذا ورد علم الله تعالى بلفظ استقبال لأنه قديم لم يزل
القول الثاني:
ليعلم الله ذلك موجوداً ذكره ابن عطية وذكره ابن كثير بلفظ ليظهر
قال ابن عطية : وهو أن الله تعالى قد علم في الأزل من يتبع الرسول واستمر العلم حتى وقع حدوثهم واستمر في حين الاتباع والانقلاب ويستمر بعد ذلك، والله تعالى متصف في كل ذلك بأنه يعلم، فأراد بقوله لنعلم ذكر علمه وقت مواقعتهم الطاعة والمعصية، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب، فليس معنى لنعلم لنبتدىء العلم وإنما المعنى لنعلم ذلك موجودا
قال ابن كثيرليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه
القول الثالث:
المراد لنثيب ذكره ابن عطية
قال ابن عطية :وحكى ابن فورك أن معنى لنعلم لنثيب، فالمعنى لنعلمهم في حال استحقوا فيها الثواب، وعلق العلم بأفعالهم لتقوى الحجة ويقع التثبت فيما علمه لا مدافعة لهم فيه،
القول الرابع :
لنعلم لنميز ذكره ابن عطية عن ابن فورك والطبري عن ابن عباس
قال ابن عطية :وحكى ابن فورك أيضا أن معنى لنعلم لنميز
القول الخامس:
لنعلم لنرى ذكره الطبري واستبعده
قال أبو جعفر: وهذا تأويل بعيدٌ، من أجل أنّ"الرؤية"، وإن استعملت في موضع"العلم"، من أجل أنه مستحيلٌ أن يرى أحدٌ شيئًا، فلا توجب رؤيته إياه علمًا بأنه قد رآه، إذا كان صحيح الفطرة.
القول السادس:
لنعلم لنبين للمنافقين واليهودَ وأهلَ الكفر بالله، الذين أنكروا أن يكون الله تعالى ذكره يَعلم الشيءَ قبل كونه، فيكون المعنى :"إلا لنعلم": إلا لنبيّن لكم أنّا نعلمُ من يَتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
علق عليه الطبري بقوله :وهذا وإن كان وَجهًا له مَخرج، فبعيدٌ من المفهوم.
القول السابع :
المراد الترفق واستمالة العباد للطاعة ذكره الطبري
قال الطبري إنما قيل:"إلا لنعلم"، وهو بذلك عالم قبل كونه وفي كل حال، على وجه الترفّق بعباده، واستمالتهم إلى طاعته، (2) كما قال جل ثناؤه: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (3) [سورة سبأ: 24] ، وقد علم أنه على هدى، وأنهم على ضلال مبين، ولكنه رَفقَ بهم في الخطاب، فلم يقل: أنّا على هدى، وأنتم على ضلال. فكذلك قوله:"إلا لنعلم"، معناه عندهم: إلا لتعلموا أنتم، إذ كنتم جُهالا به قبل أن يكونَ. فأضاف العلم إلى نفسه، رفقًا بخطابهم.
القول الراجح:
رجح الطبري أن المراد الرسول والمؤمنون :
قال الطبري:قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: أوَ مَا كان الله عالمًا بمن يتَّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، إلا بعد اتباع المتّبع، وانقلاب المنقلب على عقبيه، حتى قال: ما فعلنا الذي فعلنا من تحويل القبلة إلا لنعلم المتّبعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من المنقلب على عقبيه؟
قيل: إن الله جل ثناؤه هو العالم بالأشياء كلها قَبل كونها، وليس قوله:"وما جعلنا القبلةَ التي كنتَ عليها إلا لنعلمَ من يتَّبع الرسول ممن يَنقلب على عَقبيه" يخبر [عن] أنه لم يعلم ذلك إلا بعد وجُوده.
فإن قال: فما معنى ذلك؟
قيل له: أما معناه عندنا، فإنه: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رَسولي وحزبي وأوليائي مَنْ يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، فقال جل ثناؤه:"إلا لنعلم"، ومعناه: ليعلمَ رَسولي وأوليائي. إذْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأولياؤهُ من حزبه، وكان من شَأن العرب إضافة ما فعلته أتباعُ الرئيس إلى الرئيس، ومَا فعل بهم إليه، نحو قولهم:"فتح عُمر بن الخطاب سَوادَ العراق، وجَبى خَرَاجها"، وإنما فعل ذلك أصحابه، عن سببٍ كان منه في ذلك. وكالذي رُوي في نظيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله جل ثناؤه: مَرضْتُ فلم يَعدني عَبدي، واستقرضته فلم يقرضني، وشتمني ولم يَنبغِ له أن يُشتمني.
رجح ابن عطية أن الأقوال متقاربة وبين أنه يمكن الجمع بينها :
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله متقارب، والقاعدة نفي استقبال العلم بعد أن لم يكن
ابن كثير ذكر قولاً وأحداً وجعل معنى لنعلم ليظهر
قال ابن كثير::وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه
3: بيّن ما يلي:
أ: المخاطب في الآية، ومعنى الذكر في قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم}.
أقوال العلماء في المخاطب في الآية :
القول الأول:
ذكر الزجاج أن المخاطب بالآية كفار قريش وعليه يكون معنى الذكر أن يوحدوا الله عز وجل ويصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ :
ومعنى الآية: أنها خطاب لمشركي العرب، فخاطبهم اللّه عزّ وجلّ بما دلهم على إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم , فقال:كما أرسلنا فيكم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وهو رجل منكم أمّي تعلمون أنه لم يتل كتابا قبل رسالته, ولا بعدها إلا بما أوحي إليه. وإنكم كنتم أهل جاهلية لا تعلمون الحكمة , ولا أخبار الأنبياء، ولا آبائهم ولا أقاصيصهم,فأرسل إليكم النبي صلى الله عليه وسلم ,فأنبأكم بأخبار الأنبياء، وبما كان من أخبارهم مع أممهم، لا يدفع ما أخبر به أهل الكتاب، فكما أنعمت عليكم بإرساله فاذكروني بتوحيدي، وتصديقه صلى الله عليه وسلم.

القول الثاني:
ذكر ابن كثير أن الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم
قال ابن كثير :وهذه الآية خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو المعنيّ بقوله رسولًا منكم
القول الراجح :
لاتعارض بين القولين ويمكن الجمع بينهما فيقال أن الله أمر الكفار بذكره أي توحيده وتصديق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمر المؤمنين بذكره كذلك
المراد بالذكر في قوله تعالى : {فاذكروني أذكركم}:
ذكر السلف والمفسرين في معنى الذكر أقوالاً كثيرة وهي أمثلة للذكر فلا تعارض بينها ويمكن الجمع بينها وتكون كلها مرادة بالذكر ومن الأقوال :
- قال سعيد بن جبير: معنى الآية اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة.
- قال القاضي أبو محمد رحمه الله: أي اذكروني عند كل أموركم فيحملكم خوفي على الطاعة فأذكركم حينئذ بالثواب
- وقال الربيع والسدي: المعنى اذكروني بالدعاء والتسبيح ونحوه.
- قال الحسن البصريّ في قوله: {فاذكروني أذكركم} قال: «اذكروني، فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي».
- عن سعيد بن جبيرٍ: «اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي»، وفي روايةٍ: «برحمتي».
- عن ابن عبّاسٍ في قوله {فاذكروني أذكركم} قال: «ذكر اللّه إيّاكم أكبر من ذكركم إيّاه».
يظهر من الأقوال السابقة أنها أمثلة ولاتعارض بينها .

ب: المراد بالإيمان وفائدة التعبير عنه بوصف الإيمان في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}.
المراد بالإيمان:
القول الأول:
- الصلاة إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة فصلاته غير ضائعة وهذا القول مروي عن ابن عباس والبراء بن عازب وقتادة والسدي والربيع وغيرهم ذكره ابن عطية الزجاج ذكره ابن كثير

القول الثاني:
- التصديق بأمر القبلة والتصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم والقبلة الأخرى ذكره الزجاج وابن كثير
القول الثالث:
- المراد محمد صلى الله عليه وسلم وانصراف الصحابة معه وهذا القول مروىي عن الحسن البصريّ وذكره ابن كثير
القول الراجح:
لاتعارض بين هذه الأقوال ولعل الراجح القول الأول والله أعلم
فائدة التعبير عن الصلاة بوصف الإيمان:
- لأن الصلاة صادرة عن الإيمان والتصديق في وقت بيت المقدس وفي وقت التحويل
- لأن الإيمان هو الأصل الثابت الذي تبنى عليه الأعمال ولايتغير بتغير التوجه بل يبقى ثابتاً ولذلك الأوامر والنواهي تبنى عليه
- حتى لايدخل في اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس
- سميت الصلاة إيمانا لأنها من من شعب الإيمان
ج: معنى الصبر، وأنواعه، وفضله.
معنى الصبر لغةً:
الصَّبْـرُ نقيض الجَزَع، صَبَرَ يَصْبِرُ صَبْـرًا فهو صابِرٌ وصَبَّار وصَبِيرٌ وصَبُور والأُنثى صَبُور أَيضًا بغير هاء وجمعه صُبُـرٌ.وأَصل الصَّبْر الحَبْس وكل من حَبَس شيئًا فقد صَبَرَه، والصبر: حبس النفس عن الجزع
معنى الصبر اصطلاحًا:
(الصبر هو حبس النفس عن محارم الله، وحبسها على فرائضه، وحبسها عن التسخط والشكاية لأقداره)
وقيل هو:(ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله لا إلى الله)
وقيل الصبر: (حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه)
قال سعيد بن جبيرٍ: «الصّبر اعتراف العبد للّه بما أصاب منه، واحتسابه عند اللّه رجاء ثوابه، وقد يجزع الرّجل وهو متجلّد لا يرى منه إلّا الصّبر
أنواع الصبر :
1-الصبر على الأوامر والطاعات:
ويكون ذلك من خلال معرفة الطريق المستقيم وطريق الحق الذي ينجي الإنسان، فالإيمان الداخليّ بالله تعالى وبكلّ الأوامر والطاعات التي أمر الإنسان بها، تجعل لديه راحة نفسيّة في تقبّل جميع المصاعب والعقبات التي قد تواجهه في حياته، فتذوّق حلاوة الإيمان يجعل من الإنسان إنساناً قوياً وصابراً ومحتسباً عند الله تعالى، وهناك العديد من الطاعات التي فرضها الله تعالى على عباده كالصلاة والصيام والزكاة وغيرها من الطاعات، فعندما يؤدّيها المسلم ويلتزم بها يشعر بحلاوتها وبراحة نفسيّة لم يحصل عليها عند ترك هذه العبادات، ويتجلّى الصبر في العبادات، عند قيام المسلم بفرض الصيام، فهو ينمّي في نفسه الصبر والتحمّل على الجوع والعطش، وبالتالي الصبر والتحمّل على الشدائد والابتلاءات.
2- الصبر على المناهي والمخالفات: طبيعة الحياة تحتم على الإنسان السعي في العمل لتوفير جميع احتياجات هذه الحياة، وبذل الجهد من أجل الحصول على الأموال والثروة، وقد حثت التعاليم الإسلامية على القيام بذلك، مع ضرورة أن تكون الطرق المتبّعة في كسب الأموال طرق مشروعة وغير محرمة، وإيمان الإنسان بأنّ الرزق بيد الله تعالى، يدفعه إلى الصبر والقناعة بما يوجد لديه حتى لو كان قليلاً، فهناك الكثير من البشر الذين يطمعون في هذه الدنيا ويسلكون جميع الطرق بغض النظر عن حلالها أو حرامها، بهدف توفير الأموال والحصول عليها، فهم من الأشخاص الذين لا يتحلون بالصبر ويحقّقون رغباتهم بالمخالفات والنواهي.
3- الصبر على الأقدار: كلّ شيء في هذه الحياة بيد الله تعالى، ومقدّر ومكتوب للإنسان منذ ولادته، وإيمان الإنسان بهذه الحقيقة تسهل عليه العيش بسلام وراحة في هذه الدنيا، ويتجلّى ذلك عند فقد الإنسان لشخص عزيز عليه، يجب أن يتحلّى بالصبر على ذلك، وتقبّل الأمر بكل راحة وإيمان، وتجنّب التذمّر والشكوى لحدوث ذلك؛ لأنّه يؤدّي إلى خسارة الأجر والثواب، والعيش بحياة تعيسة وكئيبة.
فضل الصبر :
- الصبر خير للمؤمن :
كما جاء في الحديث: «عجبًا للمؤمن. لا يقضي اللّه له قضاءً إلّا كان خيرًا له: إن أصابته سرّاء، فشكر، كان خيرًا له؛ وإن أصابته ضرّاء فصبر كان خيرًا له».
- أجود ما يستعان به على تحمّل المصائب الصّبر والصّلاة
كما في قوله: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين}[البقرة: 45].
وفي الحديث كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا حزبه أمرٌ صلّى.
- يدخل الصابرون الجنة بلا حساب
قال عليّ بن الحسين زين العابدين: «إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين ينادي منادٍ: أين الصّابرون ليدخلوا الجنّة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عنق من النّاس، فتتلقّاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنّة. فيقولون: وقبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: الصّابرون، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة اللّه، وصبرنا عن معصية اللّه، حتّى توفّانا اللّه. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنّة، فنعم أجر العاملين».


ملاحظة : أعتذر عن التأخير في تسليم الواجب لظروف خارجة عن ارادتي

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 15 رمضان 1439هـ/29-05-2018م, 12:42 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منى محمد مدني مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
المجموعة الثالثة
1: فسّر قول الله تعالى:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) }.
يبين الله في هذه الآيات أن الصفا والمروة وهما جبلان بمكة واسم الصفا مأخوذ من الحجارة البيضاء الصلبة والمروة من الحجارة الصغيرة اللينة وهذان الجبلان سعت بينهما هاجر عليها السلام طلباً للماء لولدها وسعى بينهما إبراهيم الخليل بأمر الله له عندما بين له مناسك الحج وسعى بينهما النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الأمة أن تأخذ عنه المناسك كما بينها فهما من شعائر الله وأعلام متعبداته ،والمؤمن مطالب بالسعي بينهما في الحج والعمرة وأختلف الفقهاء في حكم السعي بين الصفا والمروة في الحج فذهب الشافعي ومالك وأحمد في رواية إلى أنه ركن في الحج ،وذهب أحمد في رواية إلى أنه وواجبٌ وليس بركنٍ فإن تركه عمدًا أو سهوًا جبره بدمٍ،وذهب أبو حنيفة والثّوريّ والشّعبيّ وابن سيرين إلى أنه مستحب ، والذي يترجح القول الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بينهما وقال: «لتأخذوا عنّي مناسككم» وذكر الله أن الطواف بينهما من الشعائر التي شرعها للخليل إبراهيم
ثم نفى الله الجناح وهو الإثم عن الطواف بينهما للحاج والمعتمر فرفع الله ماوقع في نفوس أناس من العرب من الحرج في الطواف بينهما وبين لهم أنهما من شعائره
واختلف أهل التفسير في بيان سبب نفي الجناح على أقوال:
القول الأول:
أن العرب التي كانت تطوف هنالك كانت تعتقد ذلك السعي إجلالا لإساف ونائلة، وكان الساعي يتمسح بإساف فإذا بلغ المروة تمسح بنائلة وكذلك حتى تتم أشواطه، فلما جاء الإسلام كرهوا السعي هنالك إذ كان بسبب الصنمين وظنوا أن الطواف بينهما من عمل أهل الجاهلية
الروايات الواردة في هذا القول:
· ذكر الزّهريّ في رواية عروة عن عائشة أنّه قال: «فحدّثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ، فقال: «إنّ هذا العلم، ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالًا من أهل العلم يقولون إنّ النّاس -إلّا من ذكرت عائشة -كانوا يقولون: إنّ طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهليّة.
· وقال آخرون من الأنصار: إنّما أمرنا بالطّواف بالبيت، ولم نؤمر بالطّواف بين الصّفا والمروة، فأنزل اللّه تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}
قال أبو بكر بن عبد الرّحمن: «فلعلّها نزلت في هؤلاء وهؤلاء».
· عن عاصم بن سليمان قال: «سألت أنسًا عن الصّفا والمروة قال: كنّا نرى ذلك من أمر الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}»رواه البخاري
· قال الشعبي: «كان على الصفا صنم يدعى إسافا، وعلى المروة صنم يدعى نائلة»
القول الثاني:
أن الجن كانت تعرف وتطوف بينهما في الجاهلية فكانت طائفة من تهامة لا تطوف بينهما في الجاهلية لذلك، فلما جاء الإسلام تحرجوا من الطواف.
الروايات الواردة في هذا القول:
· ذكر القرطبيّ في تفسيره عن ابن عبّاسٍ قال: «كانت الشّياطين تفرّق بين الصّفا والمروة اللّيل كلّه، وكانت بينهما آلهةٌ، فلمّا جاء الإسلام سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن الطّواف بينهما، فنزلت هذه الآية».
القول الثالث:
أن ذلك في الأنصار وذلك أنهم كانوا يهلون لمناة التي كانت بالمشلل حذو قديد ويعظمونها فكانوا لا يطوفون بين إساف ونائلة إجلالا لتلك، فلما جاء الإسلام تحرجوا فنزلت هذه الآية
الروايات الواردة في هذا القول:
· عن عروة، عن عائشة قالت: «قلت: أرأيت قول الله تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}» قلت: «فواللّه ما على أحدٍ جناحٌ أن لا يطّوف بهما؟ » فقالت عائشة: «بئسما قلت يا ابن أختي إنّها لو كانت على ما أوّلتها عليه كانت: فلا جناح عليه ألّا يطّوف بهما، ولكنّها إنّما أنزلت أنّ الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلّون لمناة الطّاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلّل. وكان من أهلّ لها يتحرّج أن يطوّف بالصّفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا كنّا نتحرّج أن نطّوف بالصّفا والمروة في الجاهليّة. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}إلى قوله: {فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} قالت عائشة: ثمّ قد سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطّواف بهما، فليس لأحدٍ أن يدع الطّواف بهما». أخرجاه في الصّحيحين.
ويمكن الجمع بين الأقوال فيقال أن الآية نزلت في كل ماسبق
ثم ذكر الله تعالى أن من تطوع خيراً فإنه شكر عليم وذكر العلماء في المراد بالتطوع الزيادة في الطواف ،وقيل حج وعمرة تطوع ،وقيل :المراد التطوع خيراً في سائر العبادات والقول الثالث أعم الأقوال فتدخل فيه بقية الأقوال وتخصيص التطوع بالحج والعمرة مناسب للسياق
وختم الله الآية باسمين كريمين جليلين عظيمين يدلان على معاملة الله لعباده المتقربين إليه بالطاعات فمن تطوع خيراً فإن الله (شاكر ) يعطي على العمل القليل الأجر العظيم ويضاعف للعبد أضعافاً مضاعفة (عليم ) بنيته وبعمله على وجه الدقة وبقدر مايستحقه من الثواب فيثيبه ولايضيع عمل عامل ،وختم الآية بهذين الاسمين مما يقوى في القلب الطمع في فعل الطاعات وابتغاء الأجر من الله .
2: حرّر القول في كل من:
أ: المراد بالسفهاء وموقفهم من تحويل القبلة في قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}.
معنى السفيه :
ذكر ابن عطية أن السّفهاء هم الخفاف الأحكام والعقول، والسفه الخفة والهلهلة، ثوب سفيه أي غير متقن النسج.
أقوال العلماء في المراد بالسفهاء في الآية :
القول الأول:
كفار أهل مكة ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير
القول الثاني:
اليهود ذكره الزجاج ونقله ابن عطية عن السدي
القول الثالث:
أحبار اليهود وهذا القول مروي عن ابن عباس ومجاهد ذكره ابن عطية وابن كثير
القول الرابع :
المنافقين ذكره ابن عطية وابن كثير عن السدي
القول الراجح:
الذي يترجح أن المراد جميع من ذكر فيكون المراد بالسفهاء كفار مكة واليهود وأحبار اليهود والمنافقين وهذا مارجحه ابن عطية وابن كثير
- قال ابن عطية :والمراد ب السّفهاء هنا جميع من قال ما ولّاهم، وقالها فرق.

- قال ابن كثير : قيل المراد بالسّفهاء هاهنا: المشركون؛ مشركو العرب، قاله الزّجّاج. وقيل: أحبار يهود، قاله مجاهدٌ. وقيل: المنافقون، قاله السّدّيّ. والآية عامّةٌ في هؤلاء كلّهم، واللّه أعلم.
موقفهم من تحويل القبلة:
لما أمر الله نبيه بتحويل القبلة حصل من أهل الزيغ شك وتخبيط وانكروا تحويل القبلة ومنهم من طلب من النبي صلى الله عليه وسلم العودة للقبلة الأولى ومنهم من طمع في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم عن دينه وقالوا: {ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} أي: ما لهؤلاء تارةً يستقبلون كذا، وتارةً يستقبلون كذا؟
- قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لمّا هاجر إلى المدينة، أمره اللّه أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو اللّه وينظر إلى السّماء، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {فولّوا وجوهكم شطره} أي: نحوه. فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل اللّه: {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}»
موقف الأحبار :
جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتنا؟ ارجع إليها ونؤمن بك، يريدون فتنته.
موقف اليهود والمنافقين :
قال السدي: قالها بعض اليهود والمنافقون استهزاء، وذلك أنهم قالوا: اشتاق الرجل إلى وطنه
موقف كفار قريش:
قالوا: ما ولاه عن قبلته؟
ما رجع إلينا إلا لعلمه أنّا على الحق وسيرجع إلى ديننا كله
ب: معنى قوله تعالى: {إلا لنعلم من يتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} الآية.
أقوال العلماء في المراد بالعلم في الآية :
القول الأول:
المراد ليعلم الرسول والمؤمنون ذكره الطبري وابن عطية
قال ابن عطية :لنعلم أي ليعلم رسولي والمؤمنون به، وجاء الإسناد بنون العظمة إذ هم حزبه وخالصته، وهذا شائع في كلام العرب كما تقول: فتح عمر العراق وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك جنده وأتباعه، فهذا وجه التجوز إذا ورد علم الله تعالى بلفظ استقبال لأنه قديم لم يزل
القول الثاني:
ليعلم الله ذلك موجوداً ذكره ابن عطية وذكره ابن كثير بلفظ ليظهر
قال ابن عطية : وهو أن الله تعالى قد علم في الأزل من يتبع الرسول واستمر العلم حتى وقع حدوثهم واستمر في حين الاتباع والانقلاب ويستمر بعد ذلك، والله تعالى متصف في كل ذلك بأنه يعلم، فأراد بقوله لنعلم ذكر علمه وقت مواقعتهم الطاعة والمعصية، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب، فليس معنى لنعلم لنبتدىء العلم وإنما المعنى لنعلم ذلك موجودا
قال ابن كثيرليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه
القول الثالث:
المراد لنثيب ذكره ابن عطية
قال ابن عطية :وحكى ابن فورك أن معنى لنعلم لنثيب، فالمعنى لنعلمهم في حال استحقوا فيها الثواب، وعلق العلم بأفعالهم لتقوى الحجة ويقع التثبت فيما علمه لا مدافعة لهم فيه،
القول الرابع :
لنعلم لنميز ذكره ابن عطية عن ابن فورك والطبري عن ابن عباس
قال ابن عطية :وحكى ابن فورك أيضا أن معنى لنعلم لنميز
القول الخامس:
لنعلم لنرى ذكره الطبري واستبعده
قال أبو جعفر: وهذا تأويل بعيدٌ، من أجل أنّ"الرؤية"، وإن استعملت في موضع"العلم"، من أجل أنه مستحيلٌ أن يرى أحدٌ شيئًا، فلا توجب رؤيته إياه علمًا بأنه قد رآه، إذا كان صحيح الفطرة.
القول السادس:
لنعلم لنبين للمنافقين واليهودَ وأهلَ الكفر بالله، الذين أنكروا أن يكون الله تعالى ذكره يَعلم الشيءَ قبل كونه، فيكون المعنى :"إلا لنعلم": إلا لنبيّن لكم أنّا نعلمُ من يَتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
علق عليه الطبري بقوله :وهذا وإن كان وَجهًا له مَخرج، فبعيدٌ من المفهوم.
القول السابع :
المراد الترفق واستمالة العباد للطاعة ذكره الطبري
قال الطبري إنما قيل:"إلا لنعلم"، وهو بذلك عالم قبل كونه وفي كل حال، على وجه الترفّق بعباده، واستمالتهم إلى طاعته، (2) كما قال جل ثناؤه: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (3) [سورة سبأ: 24] ، وقد علم أنه على هدى، وأنهم على ضلال مبين، ولكنه رَفقَ بهم في الخطاب، فلم يقل: أنّا على هدى، وأنتم على ضلال. فكذلك قوله:"إلا لنعلم"، معناه عندهم: إلا لتعلموا أنتم، إذ كنتم جُهالا به قبل أن يكونَ. فأضاف العلم إلى نفسه، رفقًا بخطابهم.
القول الراجح:
رجح الطبري أن المراد الرسول والمؤمنون :
قال الطبري:قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: أوَ مَا كان الله عالمًا بمن يتَّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، إلا بعد اتباع المتّبع، وانقلاب المنقلب على عقبيه، حتى قال: ما فعلنا الذي فعلنا من تحويل القبلة إلا لنعلم المتّبعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من المنقلب على عقبيه؟
قيل: إن الله جل ثناؤه هو العالم بالأشياء كلها قَبل كونها، وليس قوله:"وما جعلنا القبلةَ التي كنتَ عليها إلا لنعلمَ من يتَّبع الرسول ممن يَنقلب على عَقبيه" يخبر [عن] أنه لم يعلم ذلك إلا بعد وجُوده.
فإن قال: فما معنى ذلك؟
قيل له: أما معناه عندنا، فإنه: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رَسولي وحزبي وأوليائي مَنْ يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، فقال جل ثناؤه:"إلا لنعلم"، ومعناه: ليعلمَ رَسولي وأوليائي. إذْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأولياؤهُ من حزبه، وكان من شَأن العرب إضافة ما فعلته أتباعُ الرئيس إلى الرئيس، ومَا فعل بهم إليه، نحو قولهم:"فتح عُمر بن الخطاب سَوادَ العراق، وجَبى خَرَاجها"، وإنما فعل ذلك أصحابه، عن سببٍ كان منه في ذلك. وكالذي رُوي في نظيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله جل ثناؤه: مَرضْتُ فلم يَعدني عَبدي، واستقرضته فلم يقرضني، وشتمني ولم يَنبغِ له أن يُشتمني.
رجح ابن عطية أن الأقوال متقاربة وبين أنه يمكن الجمع بينها :
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله متقارب، والقاعدة نفي استقبال العلم بعد أن لم يكن
ابن كثير ذكر قولاً وأحداً وجعل معنى لنعلم ليظهر
قال ابن كثير::وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الّذين هدى اللّه} يقول تعالى: إنّما شرعنا لك -يا محمّد -التّوجّه أوّلًا إلى بيت المقدس، ثمّ صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتّبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممّن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدّاً عن دينه
3: بيّن ما يلي:
أ: المخاطب في الآية، ومعنى الذكر في قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم}.
أقوال العلماء في المخاطب في الآية :
القول الأول:
ذكر الزجاج أن المخاطب بالآية كفار قريش وعليه يكون معنى الذكر أن يوحدوا الله عز وجل ويصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ :
ومعنى الآية: أنها خطاب لمشركي العرب، فخاطبهم اللّه عزّ وجلّ بما دلهم على إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم , فقال:كما أرسلنا فيكم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وهو رجل منكم أمّي تعلمون أنه لم يتل كتابا قبل رسالته, ولا بعدها إلا بما أوحي إليه. وإنكم كنتم أهل جاهلية لا تعلمون الحكمة , ولا أخبار الأنبياء، ولا آبائهم ولا أقاصيصهم,فأرسل إليكم النبي صلى الله عليه وسلم ,فأنبأكم بأخبار الأنبياء، وبما كان من أخبارهم مع أممهم، لا يدفع ما أخبر به أهل الكتاب، فكما أنعمت عليكم بإرساله فاذكروني بتوحيدي، وتصديقه صلى الله عليه وسلم.

القول الثاني:
ذكر ابن كثير أن الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم
قال ابن كثير :وهذه الآية خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو المعنيّ بقوله رسولًا منكم
القول الراجح :
لاتعارض بين القولين ويمكن الجمع بينهما فيقال أن الله أمر الكفار بذكره أي توحيده وتصديق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمر المؤمنين بذكره كذلك
المراد بالذكر في قوله تعالى : {فاذكروني أذكركم}:
ذكر السلف والمفسرين في معنى الذكر أقوالاً كثيرة وهي أمثلة للذكر فلا تعارض بينها ويمكن الجمع بينها وتكون كلها مرادة بالذكر ومن الأقوال :
- قال سعيد بن جبير: معنى الآية اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة.
- قال القاضي أبو محمد رحمه الله: أي اذكروني عند كل أموركم فيحملكم خوفي على الطاعة فأذكركم حينئذ بالثواب
- وقال الربيع والسدي: المعنى اذكروني بالدعاء والتسبيح ونحوه.
- قال الحسن البصريّ في قوله: {فاذكروني أذكركم} قال: «اذكروني، فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي».
- عن سعيد بن جبيرٍ: «اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي»، وفي روايةٍ: «برحمتي».
- عن ابن عبّاسٍ في قوله {فاذكروني أذكركم} قال: «ذكر اللّه إيّاكم أكبر من ذكركم إيّاه».
يظهر من الأقوال السابقة أنها أمثلة ولاتعارض بينها .

ب: المراد بالإيمان وفائدة التعبير عنه بوصف الإيمان في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}.
المراد بالإيمان:
القول الأول:
- الصلاة إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة فصلاته غير ضائعة وهذا القول مروي عن ابن عباس والبراء بن عازب وقتادة والسدي والربيع وغيرهم ذكره ابن عطية الزجاج ذكره ابن كثير

القول الثاني:
- التصديق بأمر القبلة والتصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم والقبلة الأخرى ذكره الزجاج وابن كثير
القول الثالث:
- المراد محمد صلى الله عليه وسلم وانصراف الصحابة معه وهذا القول مروىي عن الحسن البصريّ وذكره ابن كثير
القول الراجح:
لاتعارض بين هذه الأقوال ولعل الراجح القول الأول والله أعلم
فائدة التعبير عن الصلاة بوصف الإيمان:
- لأن الصلاة صادرة عن الإيمان والتصديق في وقت بيت المقدس وفي وقت التحويل
- لأن الإيمان هو الأصل الثابت الذي تبنى عليه الأعمال ولايتغير بتغير التوجه بل يبقى ثابتاً ولذلك الأوامر والنواهي تبنى عليه
- حتى لايدخل في اسم الصلاة صلاة المنافقين إلى بيت المقدس
- سميت الصلاة إيمانا لأنها من من شعب الإيمان
ج: معنى الصبر، وأنواعه، وفضله.
معنى الصبر لغةً:
الصَّبْـرُ نقيض الجَزَع، صَبَرَ يَصْبِرُ صَبْـرًا فهو صابِرٌ وصَبَّار وصَبِيرٌ وصَبُور والأُنثى صَبُور أَيضًا بغير هاء وجمعه صُبُـرٌ.وأَصل الصَّبْر الحَبْس وكل من حَبَس شيئًا فقد صَبَرَه، والصبر: حبس النفس عن الجزع
معنى الصبر اصطلاحًا:
(الصبر هو حبس النفس عن محارم الله، وحبسها على فرائضه، وحبسها عن التسخط والشكاية لأقداره)
وقيل هو:(ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله لا إلى الله)
وقيل الصبر: (حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه)
قال سعيد بن جبيرٍ: «الصّبر اعتراف العبد للّه بما أصاب منه، واحتسابه عند اللّه رجاء ثوابه، وقد يجزع الرّجل وهو متجلّد لا يرى منه إلّا الصّبر
أنواع الصبر :
1-الصبر على الأوامر والطاعات:
ويكون ذلك من خلال معرفة الطريق المستقيم وطريق الحق الذي ينجي الإنسان، فالإيمان الداخليّ بالله تعالى وبكلّ الأوامر والطاعات التي أمر الإنسان بها، تجعل لديه راحة نفسيّة في تقبّل جميع المصاعب والعقبات التي قد تواجهه في حياته، فتذوّق حلاوة الإيمان يجعل من الإنسان إنساناً قوياً وصابراً ومحتسباً عند الله تعالى، وهناك العديد من الطاعات التي فرضها الله تعالى على عباده كالصلاة والصيام والزكاة وغيرها من الطاعات، فعندما يؤدّيها المسلم ويلتزم بها يشعر بحلاوتها وبراحة نفسيّة لم يحصل عليها عند ترك هذه العبادات، ويتجلّى الصبر في العبادات، عند قيام المسلم بفرض الصيام، فهو ينمّي في نفسه الصبر والتحمّل على الجوع والعطش، وبالتالي الصبر والتحمّل على الشدائد والابتلاءات.
2- الصبر على [ عن ] المناهي والمخالفات: طبيعة الحياة تحتم على الإنسان السعي في العمل لتوفير جميع احتياجات هذه الحياة، وبذل الجهد من أجل الحصول على الأموال والثروة، وقد حثت التعاليم الإسلامية على القيام بذلك، مع ضرورة أن تكون الطرق المتبّعة في كسب الأموال طرق مشروعة وغير محرمة، وإيمان الإنسان بأنّ الرزق بيد الله تعالى، يدفعه إلى الصبر والقناعة بما يوجد لديه حتى لو كان قليلاً، فهناك الكثير من البشر الذين يطمعون في هذه الدنيا ويسلكون جميع الطرق بغض النظر عن حلالها أو حرامها، بهدف توفير الأموال والحصول عليها، فهم من الأشخاص الذين لا يتحلون بالصبر ويحقّقون رغباتهم بالمخالفات والنواهي.
3- الصبر على الأقدار: كلّ شيء في هذه الحياة بيد الله تعالى، ومقدّر ومكتوب للإنسان منذ ولادته، وإيمان الإنسان بهذه الحقيقة تسهل عليه العيش بسلام وراحة في هذه الدنيا، ويتجلّى ذلك عند فقد الإنسان لشخص عزيز عليه، يجب أن يتحلّى بالصبر على ذلك، وتقبّل الأمر بكل راحة وإيمان، وتجنّب التذمّر والشكوى لحدوث ذلك؛ لأنّه يؤدّي إلى خسارة الأجر والثواب، والعيش بحياة تعيسة وكئيبة.
فضل الصبر :
- الصبر خير للمؤمن :
كما جاء في الحديث: «عجبًا للمؤمن. لا يقضي اللّه له قضاءً إلّا كان خيرًا له: إن أصابته سرّاء، فشكر، كان خيرًا له؛ وإن أصابته ضرّاء فصبر كان خيرًا له».
- أجود ما يستعان به على تحمّل المصائب الصّبر والصّلاة
كما في قوله: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين}[البقرة: 45].
وفي الحديث كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا حزبه أمرٌ صلّى.
- يدخل الصابرون الجنة بلا حساب
قال عليّ بن الحسين زين العابدين: «إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين ينادي منادٍ: أين الصّابرون ليدخلوا الجنّة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عنق من النّاس، فتتلقّاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنّة. فيقولون: وقبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: الصّابرون، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة اللّه، وصبرنا عن معصية اللّه، حتّى توفّانا اللّه. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنّة، فنعم أجر العاملين».


ملاحظة : أعتذر عن التأخير في تسليم الواجب لظروف خارجة عن ارادتي

التقويم : أ
أحسنتِ، وتميزتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ، ويسر أمركِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, السادس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir