دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > آداب تلاوة القرآن > التبيان في آداب حملة القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 محرم 1436هـ/9-11-2014م, 11:04 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي الباب السادس: في آداب القرآن

الباب السادس: في آداب القرآن

قال أبو زكريّا يحيى بن شرفٍ النّوويّ (ت: 676هـ): (الباب السادس: في آداب القرآن
هذا الباب هو مقصود الكتاب، وهو منتشر جدا، وأنا أشير إلى أطراف من مقاصده كراهة الإطالة، وخوفا على قارئه من الملالة.
فأول ذلك: يجب على القارئ الإخلاص كما قدمناه، ومراعاة الأدب مع القرآن، فينبغي أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى، ويقرأ على حال من يرى الله تعالى، فإنه إن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه.

[فصل]
وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظف فاه بالسواك وغيره، والاختيار في السواك: أن يكون بعود من أراك، ويجوز بسائر العيدان وبكل ما ينظف كالخرقة الخشنة والأشنان وغير ذلك، وفي حصوله بالأصبع الخشنة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي رحمهم الله تعالى؛
أشهرها: أنه لا يحصل.
والثاني: يحصل.
الثالث: يحصل إن لم يجد غيرها، ولا يحصل إن وجد.
ويستاك عرضا مبتدئا بالجانب الأيمن من فمه، وينوي به الإتيان بالسنة، قال بعض العلماء: يقول عند الاستياك: اللهم بارك لي فيه يا أرحم الراحمين.
قال الماوردي من أصحاب الشافعي: ويستحب أن يستاك في ظاهر الأسنان وباطنها، ويمر السواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارا رفيقا.
قالوا: وينبغي أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليبوسة ولا شديد الرطوبة، قال: فإن اشتد يبسه لينه بالماء، ولا بأس باستعمال سواك غيره بإذنه. وأما إذا كان فمه نجسا بدم أو غيره فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله، وهل يحرم؟ قال الروياني من أصحاب الشافعي عن والده: يحتمل وجهين، والأصح لا يحرم.

[فصل]
يستحب أن يقرأ وهو على طهارة، فإن قرأ محدثا جاز بإجماع المسلمين، والأحاديث فيه كثيرة معروفة، قال إمام الحرمين: ولا يقال: ارتكب مكروها، بل هو تارك للأفضل، فإن لم يجد الماء تيمم، والمستحاضة في الزمن المحكوم بأنه طهر حكمها حكم المحدث.
وأما الجنب والحائض فإنه يحرم عليهما قراءة القرآن سواء كان آية أو أقل منها، ويجوز لهما إجراء القرآن على قلبهما من غير تلفظ به، ويجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب، وأجمع المسلمون على جواز التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأذكار، للجنب والحائض.
قال أصحابنا: وكذا إن قالا لإنسان: "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" وقصد به غير القرآن فهو جائز، وكذا ما أشبهه، ويجوز لهما أن يقولا عند المصيبة: "إنا لله وإنا إليه راجعون" إذا لم يقصدا القراءة.
قال أصحابنا الخراسانيون: ويجوز أن يقولا عند ركوب الدابة: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين"، وعند الدعاء: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" إذا لم يقصدا القراءة.
قال إمام الحرمين: فإذا قال الجنب: بسم الله والحمد لله، فإن قصد القرآن عصى وإن قصد الذكر أو لم يقصد شيئا لم يأثم، ويجوز لهما قراءة ما نسخت تلاوته، كـ"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة".

[فصل]
إذا لم يجد الجنب أو الحائض ماء تيمم، ويباح له القراءة والصلاة وغيرهما، فإن أحدث حرمت عليه الصلاة ولم تحرم القراءة والجلوس في المسجد وغيرهما مما لا يحرم على المحدث، كما لو اغتسل ثم أحدث، وهذا مما يسأل عنه ويستغرب فيقال: جنب يمنع من الصلاة ولا يمنع من قراءة القرآن والجلوس في المسجد من غير ضرورة، كيف صورته؟ فهذا صورته، ثم الأقرب: لا فرق مما ذكرناه بين تيمم الجنب في الحضر والسفر.
وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه إذا تيمم في الحضر استباح الصلاة ولا يقرأ بعدها ولا يجلس في المسجد، والصحيح: جواز ذلك كما قدمناه،
ولو تيمم ثم صلى وقرأ ثم رأى ماء يلزمه استعماله فإنه يحرم عليه القراءة وجميع ما يحرم على الجنب حتى يغتسل، ولو تيمم وصلى وقرأ ثم أراد التيمم لحدث أو لفريضة أخرى أو لغير ذلك فإنه لا يحرم عليه القراءة على المذهب الصحيح المختار، وفيه وجه لبعض أصحاب الشافعي أنه لا يجوز، والمعروف الأول.
أما إذا لم يجد الجنب ماء ولا ترابا فإنه لا يصلي لحرمة الوقت على حسب حاله، ويحرم عليه القراءة خارج الصلاة، ويحرم عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على فاتحة الكتاب، وهل يحرم عليه قراءة الفاتحة؟ فيه وجهان:
الصحيح المختار: أنه لا يحرم، بل يجب، فإن الصلاة لا تصح إلا بها، وكلما جازت الصلاة لضرورة مع الجنابة يجوز القراءة.
والثاني: لا يجوز، بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها العاجز الذي لا يحفظ شيئا من القرآن، لأن هذا عاجز شرعا فصار كالعاجز حسا، والصواب الأول.
وهذه الفروع التي ذكرناها يحتاج إليها فلهذا أشرت إليها بأوجز العبارات، وإلا فلها أدلة وتتمات كثيرة معروفة في كتب الفقه، والله أعلم.

[فصل]
ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار.
ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة، ومحصلا لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف، فإنه ينبغي لكل جالس في المسجد الاعتكاف سواء أكثر في جلوسه أو أقل، بل ينبغي أول دخوله المسجد أن ينوي الاعتكاف، وهذا الأدب ينبغي أن يعتني به ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام فإنه مما يغفل عنه.
وأما القراءة في الحمام؛ فقد اختلف السلف في كراهيتها، فقال أصحابنا: لا يكره، ونقله الإمام المجمع على جلالته أبو بكر بن المنذر في الأشراف، عن إبراهيم النخعي ومالك، وهو قول عطاء،
وذهب إلى كراهته جماعات منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رواه عنه ابن أبي داود.
وحكى ابن المنذر، عن جماعة من التابعين منهم أبو وائل شقيق بن سلمة والشعبي والحسن البصري ومكحول وقبيصة بن ذؤيب، ورويناه أيضا عن إبراهيم النخعي وحكاه أصحابنا عن أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين، قال الشعبي:"تكره القراءة في ثلاثة مواضع: في الحمامات والحشوش وبيوت الرحى وهي تدور"، وعن أبي ميسرة، قال: "لا يذكر الله إلا في مكان طيب"، والله أعلم.
وأما القراءة في الطريق؛ فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كرهت، كما كره النبي صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس مخافة من الخلط، وروى أبو داود، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه كان يقرأ في الطريق، وروى عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أذن فيها.
قال ابن أبي داود: حدثني أبو الربيع، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألت مالكا عن الرجل يصلي من آخر الليل فيخرج إلى المسجد وقد بقي من السورة التي كان يقرأ فيها شيء، قال: ما أعلم القراءة تكون في الطريق، وكره ذلك، وهذا إسناد صحيح عن مالك رحمه الله.

[فصل]
يستحب للقارئ في غير الصلاة أن يستقل القبلة.
فقد جاء في الحديث: ((خير المجالس ما استقبل به القبلة))، ويجلس متخشعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه، ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلمه فهذا هو الأكمل، ولو قرأ قائما أو مضطجعا أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال جاز وله أجر ولكن دون الأول،
قال الله عز وجل: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض}.
وثبت في الصحيح، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن"، رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: "يقرأ القرآن ورأسه في حجري".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: "إني أقرأ القرآن في صلاتي، وأقرأ على فراشي".
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: "إني لا أقرأ حزبي وأنا مضطجعة على السرير".

[فصل]
فإن أراد الشروع في القراءة استعاذ، فقال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" هكذا قال الجمهور من العلماء.
وقال بعض العلماء: يتعوذ بعد القراءة، لقوله تعالى: {فإذا قرأت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}، وتقدير الآية عند الجمهور: إذا أردت القراءة فاستعذ،
ثم صيغة التعوذ كما ذكرناه، وكان جماعة من السلف يقولون: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" ولا بأس بهذا، ولكن الاختيار هو الأول.
ثم إن التعوذ مستحب وليس بواجب، وهو مستحب لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو في غيرها، ويستحب في الصلاة في كل ركعة على الصحيح من الوجهين عند أصحابنا، وعلى الوجه الثاني إنما يستحب في الركعة الأولى، فإن تركه في الأولى أتى به في الثانية، ويستحب التعوذ في التكبيرة الأولى في صلاة الجنازة على أصح الوجهين.
قال: وينبغي أن يحافظ على قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول كل سورة سوى براءة ،فإن أكثر العلماء قالوا إنها آية حيث تكتب في المصحف.
وقد كتبت في أوائل السور سوى براءة، فإذا قرأها كان متيقنا قراءة الختمة أو السورة، فإذا أخل بالبسملة كان تاركا لبعض القرآن عند الأكثرين. دقيقة:
فإذا كانت القراءة في وظيفة عليها جعل كالأسباع سعيد والأجراء التي عليها أوقاف وأرزاق كان الاعتناء بالبسملة أكثر لتيقن قراءة الختمة، فإنه إذا تركها لم يستحق شيئا من الوقف عند من يقول البسملة آية من أول السورة، وهذه دقيقة نفيسة يتأكد الاعتناء بها وإشاعتها.

[فصل]
فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر، وأشهر وأظهر من أن تذكر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال الله عز وجل: {أفلا يتدبرون القرآن}، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}، والأحاديث فيه كثيرة وأقاويل السلف فيه مشهورة، وقد بات جماعة من السلف يتلون آية واحدة يتدبرونها ويرددونها إلى الصباح، وقد صعق جماعة من السلف عند القراءة، ومات جماعات حال القراءة.
وروينا عن بهز بن حكيم، أن زرارة بن أوفى التابعي الجليل رضي الله عنه، أمهم في صلاة الفجر فقرأ حتى بلغ: {فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير} خر ميتا، قال بهز: وكنت فيمن حمله.
وكان أحمد بن أبي الحواري رضي الله عنه وهو ريحانة الشام كما قال أبو القاسم الجنيد رحمه الله، إذا قرئ عنده القرآن يصيح ويصعق،
قال ابن أبي داود: وكان القاسم بن عثمان الجوني رحمه الله ينكر على ابن الحواري. وكان الجوني فاضلا من محدثي أهل دمشق تقدم في الفضل على ابن أبي الحواري، قال: وكذلك أنكره أبو الجوزاء وقيس بن جبير وغيرهما.
قلت: والصواب عدم الإنكار إلا على من اعترف أنه يفعله تصنعا، والله أعلم.
وقال السيد الجليل ذو المواهب والمعارف إبراهيم الخواص رضي الله تعالى عنه: "دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين".

[فصل] في استحباب ترديد الآية للتدبر
وقد قدمنا في الفصل قبله الحث على التدبر وبيان موقعه وتأثر السلف.
وروينا عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه، قال: "قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح"، والآية: {إن تعذبهم فإنهم عبادك} الآية، رواه النسائي وابن ماجه.
وعن تميم الداري رضي الله تعالى عنه، أنه كرر هذه الآية حتى أصبح: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سوآء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}.
وعن عبادة بن حمزة، قال: دخلت على أسماء رضي الله عنها وهي تقرأ {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} فوقفت عندها فجعلت تعيدها وتدعو، فطال علي ذلك فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي تعيدها وتدعو،
ورويت هذه القصة عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
وردد ابن مسعود رضي الله عنه: {رب زدني علما}، وردد سعيد بن جبير: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}، وردد أيضا: {فسوف يعلمون * إذ الأغلال في أعناقهم} الآية، وردد أيضا: {ما غرك بربك الكريم}، وكان الضحاك إذا تلا قوله تعالى: {لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} رددها إلى السحر.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 محرم 1436هـ/9-11-2014م, 11:08 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي

قال أبو زكريّا يحيى بن شرفٍ النّوويّ (ت: 676هـ): ([فصل] في البكاء عند قراءة القرآن
قد تقدم في الفصلين المتقدمين بيان ما يحمل على البكاء في حال القراءة، وهو صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}.
وقد وردت فيه أحاديث كثيرة وآثار السلف،
- فمن ذلك، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا)).
- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صلى بالجماعة الصبح، فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته. وفي رواية: أنه كان في صلاة العشاء، فتدل على تكريره منه، وفي رواية: أنه بكى حتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف.
- وعن أبي رجاء، قال: "رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع".
- وعن أبي صالح، قال: قدم ناس من أهل اليمن على ابي بكر الصديق رضي الله عنه، فجعلوا يقرؤون القرآن ويبكون، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "هكذا كنا".
- وعن هشام، قال: "ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في الليل وهو في الصلاة".
والآثار في هذا كثيرة لا يمكن حصرها، وفيما أشرنا إليه ونبهنا عليه كفاية، والله أعلم.
قال الإمام أبو حامد الغزالي: البكاء مستحب مع القراءة وعندها،
وطريقه في تحصيله: أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يتأمل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص، فليبك على فقد ذلك، فإنه من أعظم المصائب.

[فصل]
وينبغي أن يرتل قراءته، وقد اتفق العلماء -رضي الله عنهم- على استحباب الترتيل، قال الله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا}.
وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها، أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا، رواه أبو داود والنسائي والترمذي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن معاوية بن قرة رضي الله عنه، عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح يرجع في قراءته) رواه البخاري ومسلم.
وعن مجاهد، أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران، والآخر البقرة وحدها، وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء، فقال: (الذي قرأ البقرة وحدها أفضل).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله".
وقد نهي عن الإفراط في الإسراع، ويسمى الهذرمة، فثبت عن عبد الله بن مسعود أن رجلا قال له: إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال عبد الله بن مسعود: (هكذا هكذا الشعر، إن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع القلب فرسخ فيه نفع) رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ مسلم في إحدى رواياته.
قال العلماء: والترتيل مستحب للتدبر ولغيره، قالوا: يستحب الترتيل للعجمي الذي لا يفهم معناه، لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام وأشد تأثيرا في القلب.

[فصل]
ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب، أو يقول: اللهم إني أسألك العافية أو أسألك المعافاة من كل مكروه أو نحو ذلك، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه فقال: سبحانه وتعالى، أو تبارك وتعالى، أو جلت عظمة ربنا، فقد صح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ ترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ) رواه مسلم في صحيحه، وكانت سورة النساء في ذلك الوقت مقدمة على آل عمران.
قال أصحابنا رحمهم الله تعالى: ويستحب هذا السؤال والاستعاذة والتسبيح لكل قارئ سواء كان في الصلاة أو خارجا منها، قالوا: ويستحب ذلك في صلاة الإمام والمنفرد والمأموم، لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين عقب الفاتحة، وهذا الذي ذكرناه من استحباب السؤال والاستعاذة هو مذهب الشافعي رضي الله عنه وجماهير العلماء رحمهم الله، قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: ولا يستحب ذلك بل يكره في الصلاة، والصواب قول الجماهير لما قدمناه.

[فصل]
ومما يعتنى به ويتأكد الأمر به: احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين مجتمعين،
فمن ذلك: اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلال القراءة إلا كلاما يضطر إليه، وليمتثل قد قول الله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}.
وليقتد بما رواه ابن أبي داود، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا قرأ القرآن لا يتكلم حتى يفرغ منه، ذكره في كتاب التفسير في قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم}.
ومن ذلك: العبث باليد وغيرها، فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى، فلا يعبث بين يديه.
ومن ذلك: النظر إلى ما يلهي ويبدد الذهن.
وأقبح من هذا كله: النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره، فإن النظر إلى الأمرد الحسن من غير حاجة حرام، سواء كان بشهوة أو بغيرها، سواء أمن الفتنة أو لم يأمنها، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء، وقد نص على تحريمه الإما الشافعي ومن لا يحصى من العلماء، ودليله قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}، ولأنه في معنى المرأة بل ربما كان بعضهم أو كثير منهم أحسن من كثير من النساء، ويتمكن من أسباب الريبة فيه ويتسهل من طرق الشر في حقه ما لا يتسهل في حق المرأة، فكان تحريمه أولى، وأقاويل السلف في التنفير منهم أكثر من أن تحصى، وقد سموهم الأنتان لكونهم مستقذرين شرعا.
وأما النظر إليه في حال البيع والشراء والأخذ والإعطاء والتطبب والتعليم ونحوها من مواضع الحاجة فجائز للضرورة، لكن يقتصر الناظر على قدر الحاجة ولا يديم النظر من غير ضرورة، وكذا المعلم إنما يباح له النظر الذي يحتاج إليه، ويحرم عليهم كلهم في كل الأحوال النظرة بشهوة، ولا يختص هذا بالأمرد بل يحرم على كل مكلف النظر بشهوة إلى كل أحد رجلا كان أو امرأة محرما كانت المرأة أو غيرها، إلا الزوجة أو المملوكة التي يملك الاستمتاع بها، حتى قال أصحابنا: يحرم النظر بشهوة إلى محارمه كأخته وأمه، والله أعلم.
وعلى الحاضرين مجلس القراءة إذا رأوا شيئا من هذه المنكرات المذكورة أو غيرها أن ينهوا عنه حسب الإمكان، باليد لمن قدر، وباللسان لمن عجز عن اليد وقدر على اللسان، وإلا فلينكر بقلبه، والله أعلم.

[فصل]
لا تجوز قراءة القرآن بالعجمية سواء أحسن العربية أو لم يحسنها، سواء كان في الصلاة أم في غيرها، فإن قرأ بها في الصلاة لم تصح صلاته هذا مذهبنا، ومذهب مالك وأحمد وداود وأبو بكر بن المنذر، وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك وتصح به الصلاة، وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز ذلك لمن لم يحسن العربية، ولا يجوز لمن يحسنها.

[فصل]
وتجوز قراءة القرآن بالقراءات السبع المجمع عليها، ولا يجوز بغير السبع ولا بالروايات الشاذة المنقولة عن القراء السبعة، وسيأتي في الباب السابع إن شاء الله تعالى اتفاق الفقهاء على استتابة من أقرأ بالشواذ أو قرأ بها.
وقال أصحابنا وغيرهم: لو قرأ بالشواذ في الصلاة بطلت صلاته إن كان عالما، وإن كان جاهلا لم تبطل، ولم تحسب له تلك القراءة، وقد نقل الإمام أبو عمر بن عبد البر الحافظ إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ، وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها.
قال العلماء: من قرأ الشاذ إن كان جاهلا به أو بتحريمه عرف بذلك، فإن عاد إليه أو كان عالما به عزر تعزيرا بليغا إلى أن ينتهي عن ذلك، ويجب على كل متمكن من الإنكار عليه والمنع الإنكار عليه ومنعه.

[فصل]
إذا ابتدأ بقراءة أحد القراء فينبغي أن يستمر على القراءة بها ما دام الكلام مرتبطا، فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أحد من السبعة، والأولى دوامه على الأولى في هذا المجلس.

[فصل]
قال العلماء: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف فيقرأ الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ثم ما بعدها على الترتيب، وسواء قرأ في الصلاة أو في غيرها، حتى قال بعض أصحابنا: إذا قرأ في الركعة الأولى سورة {قل أعوذ برب الناس} يقرأ في الثانية بعد الفاتحة من البقرة.
قال بعض أصحابنا: ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التي تليها، ودليل هذا أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد المشرع باستثنائه، كصلاة الصبح يوم الجمعة يقرأ في الأولى: سورة السجدة، وفي الثانية: {هل أتى على الإنسان}، وصلاة العيد في الأولى: قاف، وفي الثانية: {اقتربت الساعة}، وركعتين سنة الفجر في الأولى: {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثانية: {قل هو الله أحد}، وركعات الوتر في الأولى: {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية: {قل يا أيها الكافرون}، وفي الثالثة: {قل هو الله أحد} والمعوذتين.
ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز، فقد جاء بذلك آثار كثيرة، وقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الركعة الأولى من الصبح بـ"الكهف"، وفي الثانية بـ"يوسف"، وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف.
وروى ابن أبي داود، عن الحسن، أنه كان يكره أن يقرأ القرآن إلا على تأليفه في المصحف.
وبإسناده الصحيح، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قيل له: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا، فقال: "ذلك منكوس القلب".
وأما قراءة السور من آخرها إلى أولها فممنوع منعا متأكدا، فإنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة ترتيب الآيات، وقد روى ابن أبي داود، عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي الجليل، والإمام مالك بن أنس، أنهما كرها ذلك، وأن مالكا كان يعيبه، ويقول: هذا عظيم.
وأما تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله فحسن ليس هذا من هذا الباب، فإن ذلك قراءة متفاضلة في أيام متعددة، مع ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم، والله أعلم.

[فصل]
قراءة القرآن من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب، لأن النظر في المصحف عبادة مطلوبة فتجتمع القراءة والنظر، هكذا قاله القاضي حسين من أصحابنا، وأبو حامد الغزالي وجماعات من السلف، ونقل الغزالي في الإحياء أن كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقرؤون من المصحف، ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف.
وروى ابن أبي داود القراءة في المصحف عن كثيرين من السلف، ولم أر فيه خلافا ، ولو قيل: إنه يختلف باختلاف الأشخاص، فيختار القراءة في المصحف لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة في المصحف وعن ظهر القلب، ويختار القراءة عن ظهر القلب لمن لم يكمل بذلك خشوعه ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف، لكان هذا قولا حسنا، والظاهر أن كلام السلف وفعلهم محمول على هذا التفصيل.

[فصل] في استحباب قراءة الجماعة مجتمعين وفضل القارئين من الجماعة والسامعين وبيان فضيلة من جمعهم عليها وحرضهم وندبهم إليها]
اعلم أن قراءة الجماعة مجتمعين مستحبة بالدلائل الظاهرة، وأفعال السلف والخلف المتظاهرة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، من رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، أنه قال: ((ما من قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)) صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكره الله فيمن عنده)) رواه مسلم، وأبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وعن معاوية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ((ما يجلسكم؟))، قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده لما هدانا للإسلام ومن علينا به، فقال: ((أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة)) رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والأحاديث في هذا كثيرة.
وروى الدارمي بإسناده، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "من استمع إلى آية من كتاب الله كانت له نورا"، وروى ابن أبي داود أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يدرس القرآن معه نفر يقرؤون جميعا.
وروى ابن أبي داود فعل الدراسة مجتمعين عن جماعات من أفاضل السلف والخلف وقضاة المتقدمين.
وعن حسان بن عطية والأوزاعي أنهما قالا: أول من أحدث الدراسة في مسجد دمشق: هشام بن إسماعيل في مقدمته على عبد الملك.
وأما ما روى ابن أبي داود، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، أنه أنكر هذه الدراسة، وقال: ما رأيت ولا سمعت وقد أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: ما رأيت أحدا فعلها.
وعن ابن وهب قال: قلت لمالك: أرأيت القوم يجتمعون فيقرؤون جميعا سورة واحدة حتى يختموها؟ فأنكر ذلك وعابه، وقال: ليس هكذا تصنع الناس، إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه.
فهذا الإنكار منهما مخالف لما عليه السلف والخلف ولما يقتضيه الدليل فهو متروك، والاعتماد على ما تقدم من استحبابها، لكن القراءة في حال الاجتماع لها شروط قدمناها ينبغي أن يعتنى بها، والله أعلم.
وأما فضيلة من يجمعهم على القراءة ففيها نصوص كثيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: ((الدال على الخير كفاعله))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم))، والأحاديث فيه كثيرة مشهورة.
وقد قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}، ولا شك في عظم أجر الساعي في ذلك.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 محرم 1436هـ/9-11-2014م, 11:09 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي

قال أبو زكريّا يحيى بن شرفٍ النّوويّ (ت: 676هـ): ([فصل] في الإدارة بالقرآن
وهو أن يجتمع جماعة يقرأ بعضهم عشرا أو جزءا أو غير ذلك ثم يسكت، ويقرأ الأخر من حيث انتهى الأول، ثم يقرأ الآخر، وهذا جائز حسن، وقد سئل مالك رحمه الله تعالى عنه، فقال: لا بأس به.

[فصل] في رفع الصوت بالقراءة
هذا فصل مهم ينبغي أن يعتنى به.
اعلم أنه جاء أحاديث كثيرة في الصحيح وغيره دالة على استحباب رفع الصوت بالقراءة، وجاءت آثار دالة على استحباب الإخفاء وخفض الصوت، وسنذكر منها طرفا يسيرا إشارة إلى أصلها إن شاء الله تعالى.
قال الإمام أبو حامد الغزالي وغيره من العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث والآثار المختلفة في هذا: أن الإسرار أبعد من الرياء فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء فالجهر ورفع الصوت أفضل، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى غيره، والمتعدي أفضل من اللازم، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر فيه ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم وغافل وينشطه، قالوا: فمهما حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل، فإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر، قال الغزالي: ولهذا قلنا القراءة في المصحف أفضل، فهذا حكم المسألة.
وأما الآثار المنقولة فكثيرة، وأنا أشير إلى أطراف من بعضها.
- ثبت في الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)) رواه البخاري ومسلم، ومعنى ((أذن)): استمع، وهو إشارة إلى الرضا والقبول.
- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود)) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((لقد رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة))، ورواه مسلم من رواية بريد بن الحصيب.
- وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذنا إلى الرجل حسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته)) رواه ابن ماجه.
- وعن أبي موسى أيضا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف مازلهم كل من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار)) رواه البخاري ومسلم.
- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زينوا القرآن بأصواتكم)) رواه أبو داود والنسائي وغيرهما.
- وعن ابن أبي داود، عن علي رضي الله عنه أنه سمع ضجة ناس في المسجد يقرؤون القرآن، فقال: "طوبى لهؤلاء كانوا أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم".
وفي إثبات الجهر أحاديث كثيرة.
وأما الآثار عن الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم فأكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، وهذا كله فيمن لا يخاف رياء ولا إعجابا ولا نحوهما من القبائح، ولا يؤذي جماعة بلبس صلاتهم وتخليطها عليهم.
وقد نقل عن جماعة السلف اختيار الإخفاء، لخوفهم مما ذكرناه.
- فعن الأعمش، قال: دخلت على إبراهيم وهو يقرأ بالمصحف، فاستأذن عليه رجل فغطاه، وقال: "لا يرى هذا أني أقرأ كل ساعة".
- وعن أبي العالية، قال: كنت جالسا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، فقال رجل منهم: "قرأت الليلة كذا"، فقالوا: "هذا حظك منه".
ويستدل لهؤلاء بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)) رواه أبو داود والترمذي والنسائي، قال الترمذي: حديث حسن، قال: ومعناه أن الذي يسر بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بها، لأن صدقة السر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية، قال: وإنما معنى هذا الحديث عند أهل العلم: لكي يأمن الرجل من العجب، لأن الذي يسر بالعمل لا يخاف عليه من العجب كما يخاف عليه من علانيته.
قلت: وكل هذا موافق لما تقدم تقريره في أول الفصل من التفصيل، وأنه إن خاف بسبب الجهر شيئا مما يكره لم يجهر، وإن لم يخف استحب الجهر، فإن كانت القراءة من جماعة مجتمعين تأكد استحباب الجهر لما قدمناه، ولما يحصل فيه من نفع غيرهم، والله أعلم.

[فصل] في استحباب تحسين الصوت بالقراءة
أجمع العلماء رضي الله عنهم من السلف والخلف من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين، على استحباب تحسين الصوت بالقرآن، وأقوالهم وأفعالهم مشهورة نهاية الشهرة، فنحن مستغنون عن نقل شيء من أفرادها.
ودلائل هذا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مستفيضة عند الخاصة والعامة، كحديث: ((زينوا القرآن بأصواتكم))، وحديث: ((لقد أوتي هذا مزمارا))، وحديث: ((ما أذن الله))، وحديث: ((لله أشد أذنا))، وقد تقدمت كلها في الفصل السابق.
وتقدم في فضل الترتيل حديث عبد الله بن مغفل في ترجيع النبي صلى الله عليه وسلم القراءة، وكحديث سعد بن أبي وقاص، وحديث أمامة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يتغن بالقرآن فليس منا)) رواه أبو داود بإسنادين جيدين، وفي إسناد سعد اختلاف لا يضر، قال جمهور العلماء: معنى ((لم يتغن)): لم يحسن صوته، وحديث البراء رضي الله عنه، قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بـ"التين والزيتون"، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه) رواه البخاري ومسلم.
قال العلماء رحمهم الله: فيستحب تحسين الصوت بالقراءة ترتيبها ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفا أو أخفاه فهو حرام.
وأما القراءة بالألحان؛ فقد قال الشافعي رحمه الله في موضع: أكرهها، وقال في موضع: لا أكرهها.
قال أصحابنا: ليست على قولين، بل فيه تفصيل، إن أفرط في التمطيط فجاوز الحد فهو الذي كرهه، وإن لم يجاوز فهو الذي لم يكرهه،
وقال أقضى القضاة الماوردي في كتابه الحاوي: القراءة بالألحان الموضوعة؛ إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه أو قصر ممدود أو مد مقصور أو تمطيط يخفي به بعض اللفظ ويتلبس المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع، لأنه عدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج والله تعالى يقول: {قرآنا عربيا غير ذي عوج}.
قال: وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحا، لأنه زاد على ألحانه في تحسينه، هذا كلام أقضى القضاة.
وهذا القسم الأول من القراءة بالألحان المحرمة مصيبة ابتلي بها بعض الجهلة الطغام الغشمة الذين يقرؤون على الجنائز وبعض المحافل، وهذه بدعة محرمة ظاهرة يأثم كل مستمع لها، كما قاله أقضى القضاة الماوردي، ويأثم كل قادر على إزالتها أو على النهي عنها إذا لم يفعل ذلك، وقد بذلت فيها بعض قدرتي، وأرجو من فضل الله الكريم أن يوفق لإزالتها من هو أهل لذلك وأن يجعله في عافية.
قال الشافعي في مختصر المزني: ويحسن صوته بأي وجه كان، قال: وأحب ما يقرأ حدرا وتحزينا، قال أهل اللغة: يقال: حدرت بالقراءة إذا أدرجتها ولم تمططها، ويقال: فلان يقرأ بالتحزين إذا رقق صوته.
وقد روى ابن أبي داود بإسناده، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قرأ {إذا الشمس كورت} يحزنها شبه الرثاء.
وفي سنن أبي داود، قيل لابن أبي مليكة: أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ فقال: "يحسنه ما استطاع".

فصل في استحباب طلب القراءة الطيبة من حسن الصوت
اعلم أن جماعات من السلف كانوا يطلبون من أصحاب القراءة بالأصوات الحسنة أن يقرؤوا وهم يستمعون، وهذا متفق على استحبابه، وهو عادة الأخيار والمتعبدين وعباد الله الصالحين، وهى سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ علي القرآن))، فقلت: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري)) فقرأت عليه سورة النساء، حتى إذا جئت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}، قال: ((حسبك الآن)) فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان، رواه البخاري ومسلم.
وروى الدارمي وغيره بأسانيدهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان يقول لأبي موسى الأشعري: (ذكرنا ربنا)، فيقرأ عنده القرآن، والآثار في هذا كثيرة معروفة.
وقد مات جماعات من الصالحين بسبب قراءة من سألوه القراءة، والله أعلم.
وقد استحب العلماء أن يستفتح مجلس حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويختم بقراءة قارئ حسن الصوت ما تيسر من القرآن، ثم إنه ينبغي للقارئ في هذه المواطن أن يقرأ ما يليق بالمجلس ويناسبه، وأن تكون قراءته في آيات الرجاء والخوف والمواعظ والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والتأهيب لها وقصر الأمل ومكارم الأخلاق.

[فصل]
ينبغي للقارئ إذا ابتدأ من وسط السورة أو وقف على غير آخرها أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط بعضه ببعض وأن يقف على الكلام المرتبط، ولا يتقيد بالأعشار والأجزاء، فإنها قد تكون في وسط الكلام المرتبط، كالجزء الذي في قوله تعالى: {وما ؟ نفسي}، وفي قوله تعالى: {فما كان جواب قومه}، وقوله تعالى: {ومن يقنت منكن لله ورسوله}، وفي قوله تعالى: {وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء}، وفي قوله تعالى: {إليه يرد علم الساعة}، وفي قوله تعالى: {وبدا لهم سيئات}، وفي قوله: {قال فما خطبكم أيها المرسلون}، وكذلك الأحزاب كقوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات}، وقوله تعالى: {قل هل أنبئكم بخير من ذلكم}.
فكل هذا وشبيهه ينبغي أن يبتدأ به ولا يوقف عليه فإنه متعلق بما قبله، ولا يغترن بكثرة الغافلين له من القراء الذين لا يراعون هذه الآداب، ولا يفكرون في هذه المعاني.
وليمتثل ما رواه الحاكم أبو عبد الله بإسناده، عن السيد الجليل الفضيل بن عياض رضي الله عنه، قال: "لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها، ولا تغترن بكثرة الهالكين ولا يضرك قلة السالكين".
ولهذا المعنى قالت العلماء: قراءة سورة قصيرة بكاملها أفضل من قراءة بعض سورة طويلة بقدر القصيرة، فإنه قد يخفى الارتباط على بعض الناس في بعض الأحوال.
وقد روى ابن أبي داود بإسناده، عن عبد الله بن أبي الهذيل التابعي المعروف رضي الله عنه، قال: "كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويتركوا بعضها".

[فصل] في أحوال تكره فيها القراءة
اعلم أن قراءة القرآن على الإطلاق إلا في أحوال مخصوصة جاء الشرع بالنهي عن القراءة فيها، وأنا أذكر الآن ما حضرني منها مختصرة بحذف الأدلة فإنها مشهورة،
- فتكره القراءة في حالة الركوع والسجود والتشهد وغيرها من أحوال الصلاة سوى القيام،
- وتكره القراءة بما زاد على الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية إذا سمع قراءة الإمام،
- وتكره حالة القعود على الخلاء،
- وفي حالة النعاس،
- وكذا إذا استعجم عليه القرآن،
- وكذا في حالة الخطبة لمن يسمعها، ولا تكره لمن لم يسمعها بل تستحب، هذا هو المختار الصحيح، وجاء عن طاوس كراهيتها، وعن إبراهيم عدم الكراهة، فيجوز أن يجمع بين كلاميهما بما قلنا، كما ذكره أصحابنا.
ولا تكره القراءة في الطواف، هذا مذهبنا، وبه قال أكثر العلماء، وحكاه ابن المنذر عن عطاء ومجاهد وابن المبارك وأبي ثور وأصحاب الرأي، وحكي عن الحسن البصري وعروة بن الزبير ومالك كراهتها في الطواف، والصحيح الأول، وقد تقدم بيان الاختلاف في القراءة في الحمام وفي الطريق وفيمن في فمه نجاسة.

[فصل]
من البدع المنكرة في القراءة: ما يفعله جهلة المصلين بالناس في التراويح من قراءة سورة الأنعام في الركعة الأخيرة في الليلة السابعة معتقدين أنها مستحبة، فيجمعون أمورا منكرة،
منها اعتقادها مستحبة،
ومنها إيهام العوام ذلك،
ومنها تطويل الركعة الثانية على الأولى وإنما السنة تطويل الأولى،
ومنها التطويل على المأمومين،
ومنها هذرمة القراءة،
ومن البدع المشابهة لهذا: قراءة بعض جهلتهم في الصبح يوم الجمعة بسجدة غير سجدة {ألم تنزيل} قاصدا ذلك، وإنما السنة قراءة {ألم تنزيل} في الركعة الأولى، و{هل أتى} في الثانية.

[فصل] في مسائل غريبة تدعو الحاجة إليها
- منها: أنه إذا كان يقرأ فعرض له ريح فينبغي أن يمسك عن القراءة حتى يتكامل خروجها ثم يعود إلى القراءة ، كذا رواه ابن أبي داود وغيره عن عطاء، وهو أدب حسن.
- ومنها: أنه إذا تثاءب أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب ثم يقرأ، قال مجاهد، وهو حسن، ويدل عليه ما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه فإن الشيطان يدخل)) رواه مسلم.
- ومنها: أنه إذا قرأ قول الله عز وجل: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصاري المسيح ابن الله}، {وقالت اليهود يد الله مغلولة}، {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} ونحو ذلك من الآيات، ينبغي أن يخفض بها صوته، كذا كان إبراهيم النخعي رضي الله عنه يفعل،
- ومنها: ما رواه ابن أبي داود بإسناد ضعيف، عن الشعبي، أنه قيل له: إذا قرأ الإنسان: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
- ومنها: أنه يستحب له أن يقول ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((من قرأ {والتين والزيتون} فقال: {أليس الله بأحكم الحاكمين}، فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين)) رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف، عن رجل، عن أعرابي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال الترمذي: هذا الحديث إنما يروى بهذا الإسناد، عن الأعرابي، عن أبي هريرة، ولا يسمى.
وروى ابن أبي داود والترمذي ((ومن قرأ آخر {لا أقسم بيوم القيامة}: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} فليقل: بلى، ومن قرأ {فبأي آلاء ربكما تكذبان} أو {فبأي حديث بعده يؤمنون} فليقل: آمنت بالله)).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وابن الزبير وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا قرأ أحدهم {سبح اسم ربك الأعلى} قال: "سبحان ربي الأعلى".
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول فيها: "سبحان ربي الأعلى"، ثلاث مرات.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه صلى فقرأ آخر سورة بني إسرائيل، ثم قال: "الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا"،
وقد نص بعض أصحابنا على أنه يستحب أن يقال في الصلاة ما قدمناه. وفي حديث أبي هريرة في السور الثلاث، وكذلك يستحب أن يقال باقي ما ذكرناه وما كان في معناه، والله أعلم.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17 محرم 1436هـ/9-11-2014م, 11:09 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي

قال أبو زكريّا يحيى بن شرفٍ النّوويّ (ت: 676هـ): ([فصل] في قراءة يراد بها الكلام
ذكر ابن أبي داود في هذا اختلافا،
- وروي عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان يكره أن يقال القرآن بشيء يعرض من أمر الدنيا.
- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة {والتين والزيتون} ورفع صوته، وقال: {وهذا البلد الأمين}.
- وعن حكيم -بضم الحاء- بن سعد، أن رجلا من المحكمية أتى عليا رضي الله عنه وهو في صلاة الصبح، فقال: {لئن أشركت ليحبطن عملك}، فأجابه علي في الصلاة: {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذي لا يوقنون}.
قال أصحابنا: إذا استأذن إنسان على المصلي، فقال المصلي: {ادخلوها بسلام آمنين}، فإن أراد التلاوة وأراد الإعلام لم تبطل صلاته، وإن أراد الإعلام ولم يحضره نية بطلت صلاته.

[فصل]
- إذا كان يقرأ ماشيا فمر على قوم يستحب أن يقطع القراءة ويسلم عليهم ثم يرجع إلى القراءة، ولو أعاد التعوذ كان حسنا، ولو كان يقرأ جالسا فمر عليه غيره؛ فقد قال الإمام أبو الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام على القارئ لاشتغاله بالتلاوة، قال: فإن سلم عليه إنسان كفاه الرد بالإشارة، قال: فإن أراد الرد باللفظ رده ثم استأنف الاستعاذة وعاود التلاوة، وهذا الذي قاله ضعيف، والظاهر وجوب الرد باللفظ، فقد قال أصحابنا: إذا سلم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة وقلنا الإنصات سنة وجب له رد السلام على أصح الوجهين، فإذا قالوا هذا في حال الخطبة مع الاختلاف في وجوب الإنصات وتحريم الكلام، ففي حال القراءة التي لا يحرم الكلام فيها بالإجماع أولى، مع أن رد السلام واجب بالجملة، والله أعلم.
- وأما إذا عطس في حال القراءة فإنه يستحب أن يقول: الحمد لله، وكذا لو كان في الصلاة، ولو عطس غيره وهو يقرأ في غير الصلاة وقال: الحمد لله يستحب للقارئ أن يشمته فيقول: يرحمك الله، ولو سمع المؤذن قطع القراءة وأجابه بمتابعته في ألفاظ الأذان والإقامة ثم يعود إلى قراءته، وهذا متفق عليه عند أصحابنا.
- وأما إذا طلبت منه حاجة في حال القراءة وأمكنه جواب السائل بالإشارة المفهمة وعلم أنه لا ينكسر قلبه ولا يحصل عليه شيء من الأذى للأنس الذي بينها بينهما ونحوه فالأولى أن يجيبه بالإشارة ولا يقطع القراءة، فإن قطعها جاز، والله أعلم.

[فصل]
وإذا ورد على القارئ من فيه فضيلة من علم أو شرف أو سن مع صيانة أو له حرمة بولاية أو ولادة أو غيرها فلا بأس بالقيام له على سبيل الاحترام والإكرام لا للرياء والإعظام بل ذلك مستحب، وقد ثبت القيام للإكرام من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه رضي الله عنهم بحضرته وبأمره، ومن فعل التابعين ومن بعدهم من العلماء الصالحين، وقد جمعت جزءا في القيام وذكرت فيه الأحاديث والآثار الواردة باستحبابه وبالنهي عنه، وبينت ضعف الضعيف منها وصحة الصحيح، والجواب عما يتوهم منه النهي وليس فيه نهي، وأوضحت ذلك كله بحمد الله تعالى، فمن تشكك في شيء من أحاديثه فليطالعه فلا يجد ما يزول به شكه إن شاء الله تعالى.

[فصل] في أحكام نفيسة تتعلق بالقراءة في الصلاة أبالغ في اختصارها فإنها مشهورة في كتب الفقه
- منها: أنه يجب القراءة في الصلاة المفروضة بإجماع العلماء، ثم قال مالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء: تتعين قراءة الفاتحة في كل ركعة، وقال أبو حنيفة وجماعة: لا تتعين الفاتحة أبدا، قال: ولا تجب قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين، والصواب الأول، فقد تظاهرت عليها الأدلة من السنة، ويكفي من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((ولا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن)).
وأجمعوا على استحباب قراءة السورة بعد الفاتحة في ركعتي الصبح والأولتين من باقي الصلوات، واختلفوا في استحبابها في الثالثة والرابعة، وللشافعي فيها قولان: الجديد: أنها تستحب، والقديم: أنها لا تستحب.
قال أصحابنا: وإذا قلنا إنها تستحب فلا خلاف أنه يستحب أن يكون أقل من القراءة في الأولتين، قالوا: وتكون القراءة في الثالثة والرابعة سواء،
وهل تطول الأولى على الثانية؟ فيها وجهان:
أصحهما عند جمهور أصحابنا: أنها لا تطول.
والثاني وهو الصحيح عند المحققين: أنها تطول، وهو المختار للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطول في الأولى ما لا يطول في الثانية، وفائدته أن يدرك المتأخر الركعة الأولى، والله أعلم.
قال الشافعي رحمه الله: وإذا أدرك المسبوق مع الإمام الركعتين الأخيرتين من الظهر وغيرها ثم قام إلى الإتيان بما بقي عليه استحب أن يقرأ السورة، قال الجماهير من أصحابنا: هذا على القولين، وقال بعضهم: هذا على قوله يقرأ السورة في الأخيرتين، أما على الآخر فلا، والصواب الأول لئلا تخلو صلاته من سورة، والله أعلم، هذا حكم الإمام المنفرد.
فأما المأموم؛ فإن كانت صلاته سرية وجبت عليه الفاتحة واستحب له السورة، وإن كانت جهرية فإن كان يسمع قراءة الإمام كره له قراءة السورة، وفي وجوب الفاتحة قولان: أصحهما: تجب، والثاني: لا تجب.
وإن كان لا يسمع القراءة فالصحيح وجوب الفاتحة واستحباب السورة، وقيل: تجب ولا تستحب السورة، والله أعلم.
وتجب قراءة الفاتحة في الركعة الأولى من صلاة الجنازة، وأما قراءة الفاتحة في صلاة النافلة فلا بد منها، واختلف أصحابنا في تسميتها فيها؛ فقال القفال: تسمى واجبة، وقال صاحبه القاضي حسين: تسمى شرطا، وقال غيرهما: تسمى ركنا، وهو الأظهر، والله أعلم.
والعاجز عن الفاتحة في هذا كله يأتي ببدلها، فيقرأ بقدرها من غيرها من القرآن، فإن لم يحسن أتى بقدرها من الأذكار كالتسبيح والتهليل ونحوهما، فإن لم يحسن شيئا وقف بقدر القراءة، والله أعلم.

[فصل] لا بأس بالجمع بين سورتين في ركعة واحدة
فقد ثبت في الصحيحين، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن"، فذكر عشرين سورة من المفصل كل سورتين في ركعة، وقد قدمنا عن جماعة من السلف قراءة الختمة في ركعة واحدة.

[فصل]
أجمع المسلمون على استحباب الجهر بالقراءة في الصبح والجمعة والعيدين والأولتين من المغرب والعشاء وفي صلاة التراويح والوتر عقيبها،
وهذا مستحب للإمام والمنفرد بما ينفرد به منها. وأما المأموم؛ فلا يجهر بالإجماع،
ويسن الجهر في صلاة كسوف القمر، ولا يجهر في كسوف الشمس، ويجهر في الاستقاء، ولا يجهر في الجنازة إذا صليت بالنهار، وكذا في الليل على المذهب الصحيح المختار، ولا يجهر في نوافل النهار غير ما ذكرناه من العيدين والاستسقاء.
واختلف أصحابنا في نوافل الليل؛ فالأظهر: أنه لا يجهر، والثاني: أنه يجهر، والثالث -وهو الأصح، وبه قطع القاضي حسين والبغوي-: يقرأ بين الجهر والإسرار،
ولو فاته صلاة بالليل فقضاها بالنهار أو بالنهار فقضاها بالليل، فهل يعتبر في الجهر والإسرار وقت الفوات أم وقت القضاء؟ فيه وجهان لأصحابنا، أظهرهما: الاعتبار بوقت القضاء.
ولو جهر في موضع الإسرار أو أسر في موضع الجهر فصلاته صحيحة، ولكنه ارتكب المكروه، ولا يسجد للسهو.
واعلم أن الإسرار في القراءة والتكبيرات وغيرهما من الأذكار هو أن يقوله بحيث يسمع نفسه، ولا بد من نطقه بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض له، فإن لم يسمع نفسه لم تصح قراءته ولا غيرها من الأذكار بلا خلاف.

[فصل]
قال أصحابنا: يستحب للإمام في الصلاة الجهرية أن يسكت أربع سكتات في حال القيام:
إحداها: أن يسكت بعد تكبيرة الإحرام، ليقرأ دعاء التوجه وليحرم المأمومون.
والثانية: عقيب الفاتحة سكتة لطيفة جدا بين آخر الفاتحة وبين (آمين)، لئلا يتوهم أن (آمين) من الفاتحة.
والثالثة: بعد (آمين) سكتة طويلة بحيث يقرأ المأمومون الفاتحة.
والرابعة: بعد الفراغ من السورة يفصل بها بين القراءة وتكبير الهوي إلى الركوع.

[فصل]
يستحب لكل قارئ كان في الصلاة أو في غيرها إذا فرغ من الفاتحة أن يقول: (آمين)، والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة، وقد قدمنا في الفصل قبله أنه يستحب أن يفصل بين آخر الفاتحة و(آمين) بسكتة لطيفة،
- ومعناه: اللهم استجب،
- وقيل: كذلك فليكن،
- وقيل: افعل،
- وقيل: معناه: لا يقدر على هذا أحد سواك،
- وقيل: معناه: لا تخيب رجاءنا،
- وقيل: معناه: اللهم أمنا بخير،
- وقيل: هو طابع لله على عباده يدفع به عنهم الآفات،
- وقيل: هي درجة في الجنة يستحقها قائلها،
- وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالى، وأنكر المحققون والمجاهير هذا،
- وقيل: هو اسم عبراني غير معرب،
- وقال أبو بكر الوراق: هو قوة للدعاء واستنزال للرحمة، وقيل غير ذلك.
وفي (آمين) لغات؛
قال العلماء: أفصحها: آمين بالمد وتخفيف الميم،
والثانية: بالقصر، وهاتان مشهورتان،
والثالثة: آمين بالإمالة مع المد، حكاها الواحدي عن حمزة والكسائي،
والرابعة: بتشديد الميم مع المد حكاها عن الحسن والحسين ابن الفضيل، قال: ويحقق ذلك ما روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه، قال: "معناه: قاصدين نحوك، وأنت أكرم من أن تخيب قاصدا"، هذا كلام الواحدي، وهذه الرابعة غريبة جدا، فقد عدها أكثر أهل اللغة من لحن العوام، وقال جماعة من أصحابنا: من قالها في الصلاة بطلت صلاته،
قال أهل العربية: حقها في العربية الوقف لأنها بمنزلة الأصوات، فإذا وصلها فتح النون لالتقاء الساكنين كما فتحت في أين وكيف فلم تكسر لثقل الكسرة بعد الياء، فهذا مختصر مما يتعلق بلفظ آمين، وقد بسطت القول فيها بالشواهد وزيادة الأقوال في كتاب (تهذيب الأسماء واللغات).
قال العلماء: ويستحب التأمين في الصلاة للإمام والمنفرد، ويجهر الإمام والمنفرد بلفظ آمين في الصلاة الجهرية.
واختلفوا في جهر المأموم؛ والصحيح: أنه يجهر، والثاني: لا يجهر، والثالث: يجهر إن كان جمعا كثيرا وإلا فلا ، ويكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: ((إذا قال الإمام: {ولا الضالين}، فقولوا: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه))، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: ((إذا أمن الإمام فأمنوا)) فمعناه: إذا أراد التأمين.
قال أصحابنا: وليس في الصلاة موضع يستحب أن يقترن قول المأموم بقول الإمام إلا في قوله: (آمين)، وأما في الأقوال الباقية فيتأخر قول المأموم.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 محرم 1436هـ/9-11-2014م, 11:10 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي

قال أبو زكريّا يحيى بن شرفٍ النّوويّ (ت: 676هـ): ([فصل] في سجود التلاوة
هو مما يتأكد الاعتناء به، فقد أجمع العلماء على الأمر بسجود التلاوة، واختلفوا في أنه أمر استحباب أم إيجاب، فقال الجماهير: ليس بواجب بل مستحب، وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عباس وعمران بن حصين ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحق وأبي ثور وداود وغيرهم، وقال أبو حنيفة رحمه الله: هو واجب، واحتج بقوله تعالى: {فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرأ عليهم القرآن لا يسجدون}.
واحتج الجمهور بما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النمل، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة، قال: "يا أيها الناس إنما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه"، ولم يسجد عمر، رواه البخاري، وهذا الفعل والقول من عمر رضي الله عنه في هذا المجمع دليل ظاهر.
وأما الجواب عن الآية التي احتج بها أبو حنيفة رضي الله عنه فظاهر، لأن المراد ذمهم على ترك السجود تكذيبا، كما قال تعالى بعده: {بل الذين كفروا يكذبون}.
وثبت في الصحيحين، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم {والنجم} فلم يسجد.
وثبت في الصحيحين، أنه صلى الله عليه وسلم سجد في النجم، فدل على أنه ليس بواجب.

[فصل] في بيان عدد السجدات ومحلها
أما عددها المختار الذي قاله الشافعي رحمه الله والجماهير: أنها أربع عشرة سجدة، في الأعراف والرعد والنحل وسبحان ومريم، وفي الحج سجدتان، وفي الفرقان والنمل وألم وحم السجدة والنجم، و{إذا السماء انشقت} و{اقرأ باسم ربك}.
وأما سجدة ص فمستحبة، فليست من عزائم السجود، أي: متأكد أنه ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "ص ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها"، هذا مذهب الشافعي ومن قال مثله.
وقال أبو حنيفة: هي أربع عشرة أيضا، لكن أسقط الثانية من الحج، وأثبت سجدة ص، وجعلها من العزائم،
وعن أحمد روايتان إحداهما كالشافعي، والثانية خمس عشرة، زاد ص، وهو قول أبي العباس بن شريح وأبي إسحق المروزي من أصحاب الشافعي،
وعن مالك روايتان إحداهما كالشافعي، وأشهرهما إحدى عشرة، أسقط النجم و{إذا السماء انشقت} و{اقرأ}، وهو قول قديم للشافعي، والصحيح ما قدمناه، والأحاديث الصحيحة تدل عليه.
وأما محلها؛
- فسجدة الأعراف في آخرها.
- والرعد: عقيب قوله عز وجل: {بالغدو والآصال}.
- والنحل: {ويفعلون ما يؤمرون}.
- وفي سبحان: {ويزيدهم خشوعا}.
- وفي مريم: {خروا سجدا وبكيا}.
- والأولى من سجدتي الحج: {إن الله يفعل ما يشاء}، والثانية: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.
- والفرقان: {وزادهم نفورا}.
- والنمل: {رب العرش العظيم}.
- و{ألم * تنزيل}: {وهم لا يستكبرون}.
- وحم: {لا يسأمون}.
- والنجم في آخرها.
- و{إذا السماء انشقت}: {لا يسجدون}.
- و{اقرأ} في آخرها.
ولا خلاف يعتد به في شيء من مواضعها إلا التي في حم، فإن العلماء اختلفوا فيها، فذهب الشافعي وأصحابه إنها ما ذكرناه إنها عقيب {يسأمون}، وهذا مذهب سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وأبي وائل شقيق ابن سلمة وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحق بن راهويه، وذهب آخرون إلى أنها عقيب قوله تعالى: {إن كنتم إياه تعبدون}، حكاه ابن المنذر، عن عمر بن الخطاب والحسن البصري وأصحاب عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي صالح وطلعت بن مصرف وزبير بن الحرث ومالك بن أنس والليث بن سعد، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي حكاه البغوي في التهذيب،
وأما قول أبي الحسن علي بن سعيد العبد من أصحابنا في كتابه الكفاية في اختلاف الفقهاء: عندنا أن سجدة النمل هي عند قوله تعالى: {ويعلم ما يخفون وما يعلنون}، قال: وهذا مذهب أكثر الفقهاء.
وقال مالك: هي عند قوله تعالى: {رب العرش العظيم}،
فهذا الذي نقله عن مذهبنا ومذهب أكثر الفقهاء غير معروف ولا مقبول بل غلط ظاهر، وهذه كتب أصحابنا مصرحة بأنها عند قوله تعالى: {رب العرش العظيم}.

[فصل]
حكم سجود التلاوة حكم صلاة النافلة في اشتراط الطهارة عن الحدث وعن النجاسة، وفي استقباله القبلة، وستر العورة، فتحرم على من ببدنه أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها، وعلى المحدث إلا إذا تيمم في موضع يجوز فيه التيمم، وتحرم إلى غير القبلة إلا في السفر حيث تجوز النافلة إلى غير القبلة، وهذا كله متفق عليه.

[فصل]
إذا قرأ سجدة ص،
- فمن قال: إنها من عزائم السجود، قال: يسجد سواء قرأها في الصلاة أو خارجها كسائر السجدات،
- وأما الشافعي وغيره ممن قال: ليست من العزائم، فقالوا: إذا قرأها خارج الصلاة استحب له السجود لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها كما قدمناه، وإن قرأها في الصلاة لم يسجد، فإن سجد وهو جاهل أو ناس لم تبطل صلاته ولكن يسجد للسهو، وإن كان عالما فالصحيح: أنه تبطل صلاته لأنه زاد في الصلاة ما ليس منها فبطلت كما لو سجد للشكر فإنها تبطل صلاته بلا خلاف، والثاني: لا تبطل لأن له تعلقا بالصلاة.
ولو سجد إمامه في ص لكونه يعتقدها من العزائم والمأموم لا يعتقد فلا يتابعه بل يفارقه أو ينتظره قائما، وإذا انتظره هل يسجد للسهو؟ فيه وجهان، أظهرهما أنه لا يسجد.

[فصل] فيمن يسن له السجود
اعلم أنه يسن للقارئ المطهر بالماء أو التراب حيث يجوز سواء كان في الصلاة أو خارجا منها، ويسن للمستمع، ويسن أيضا للسامع غير المستمع، ولكن قال الشافعي: لا أؤكد في حقه كما أؤكد في حق المستمع، هذا هو الصحيح، وقال إمام الحرمين من أصحابنا: لا يسجد السامع، والمشهور الأول، وسواء كان القارئ في الصلاة أو خارجا منها يسن للسامع والمستمع السجود، وسواء سجد القارئ أم لا، هذا هو الصحيح المشهور عند أصحاب الشافعي لا يسجد المستمع لقراءة من في الصلاة، وقال الصيدلاني من أصحاب الشافعي: لا يسن السجود إلا أن يسجد القارئ، والصواب الأول، ولا فرق بين أن يكون القارئ مسلما بالغا متطهرا رجلا، وبين أن يكون كافرا أو صبيا أو محدثا أو امرأة، هذا هو الصحيح عندنا، وبه قال أبو حنيفة، وقال بعض أصحابنا: لا يسجد لقراءة الكافر والصبي والمحدث والسكران، وقال جماعة من السلف: لا يسجد لقراءة المرأة، حكاه ابن المنذر عن قتادة ومالك وإسحق، والصواب ما قدمناه.

[فصل] في اختصار السجود
وهو أن يقرأ آية أو آيتين ثم يسجد، حكى ابن المنذر عن الشعبي والحسن البصري ومحمد بن سيرين والنخعي وأحمد وإسحق أنهم كرهوا ذلك، وعن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي ثور أنه لا بأس به، وهذا مقتضى مذهبنا.

[فصل]
إذا كان مصليا منفردا سجد لقراءة نفسه، فلو ترك سجود التلاوة وركع ثم أراد أن يسجد للتلاوة لم يجز، فإن فعل مع العلم بطلت صلاته، وإن كان قد هوى لسجود التلاوة ثم بدا له ورجع إلى القيام جاز، أما إذا أصغى المنفرد بالصلاة لقراءة قارئ في الصلاة أو غيرها فلا يجوز له أن يسجد، ولو سجد مع العلم بطلت صلاته.
أما المصلي في جماعة؛ فإن كان إماما فهو كالمنفرد، وإذا سجد الإمام لتلاوة نفسه وجب على المأموم أن يسجد معه، فإن لم يفعل بطلت صلاته، فإن لم يسجد الإمام لم يجز للمأموم السجود، فإن سجد بطلت صلاته ولكن يستحب أن يسجد إذا فرغ من الصلاة ولا يتأكد، ولو سجد الإمام ولم يعلم المأموم حتى رفع الإمام رأسه من السجود فهو معذور في تخلفه ولا يجوز أن يسجد، ولو علم والإمام بعد في السجود وجب السجود، فلو هوى إلى السجود فرفع الإمام رأسه وهو في الهوي يرفع معه ولم يجز السجود، وكذا الضعيف الذي هوى مع الإمام إذا رفع الإمام قبل بلوغ الضعيف إلى السجود لسرعة الإمام وبطء المأموم يرجع معه ولا يسجد.
وأما إن كان المصلي مأموما فلا يجوز أن يسجد لقراءة نفسه ولا لقراءة غير إمامه، فإن سجد بطلت صلاته، وتكره له قراءة غير إمامه.

[فصل] في وقت السجود للتلاوة
قال العلماء: ينبغي أن يقع عقيب آية السجدة التي قرأها أو سمعها، فإن أخر ولم يطل الفصل سجد، وإن طال فقد فات السجود، فلا يقضي على المذهب الصحيح المشهور، كما لا تقضى صلاة الكسوف.
وقال بعض أصحابنا فيه قول ضعيف أنه يقضي كما تقضى السنن الراتبة كسنة الصبح والظهر وغيرهما، فأما إذا كان القارئ أو المستمع محدثا عند تلاوة السجدة فإن تطهر عن قرب سجد، وإن تأخرت طهارته حتى طال الفصل فالصحيح المختار الذي قطع به الأكثرون: أنه لا يسجد، وقيل: يسجد، وهو اختيار البغوي من أصحابنا، كما يجيب المؤذن بعد الفراغ من الصلاة، والاعتبار في طول الفصل في هذا بالعرف على المختار، والله أعلم.

[فصل]
إذا قرأ السجدات كلها أو سجدات منها في مجلس واحد سجد لكل سجدة بلا خلاف، فإن كرر الآية الواحدة في مجالس سجد لكل مرة بلا خلاف، فإن كررها في المجلس الواحد نظر فإن لم يسجد للمرة الأولى كفاه سجدة واحدة عن الجميع، وإن سجد للأولى ففيه ثلاثة أوجه:
أصحها: يسجد لكل مرة سجدة لتجدد السبب بعد توفية حكم الأولى.
والثاني: يكفيه سجدة الأولى عن الجميع، وهو قول ابن سريج، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، قال صاحب العدة من أصحابنا: وعليه الفتوى، واختاره الشيخ نصر المقدسي الزاهد من أصحابنا.
والثالث: إن طال الفصل سجد، وإلا فتكفيه الأولى، أما إذا كرر السجدة الواحدة في الصلاة فإن كان في ركعة فيه كالمجلس الواحد فيكون فيه الأوجه الثلاثة، وإن كان في ركعتين فكالمجلسين فيعيد السجود بلا خلاف.

[فصل]
إذا قرأ السجدة وهو راكب على دابة في السفر سجد بالإيماء، هذا مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأحمد وزفر وداود وغيرهم، وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: لا يسجد، والصواب مذهب الجماهير، وأما الراكب في الحضر فلا يجوز أن يسجد بالإيماء.

[فصل]
إذا قرأ آية السجدة في الصلاة قبل الفاتحة سجد، بخلاف ما إذا قرأ في الركوع أو السجود فإنه لا يجوز أن يسجد لأن القيام محل القراءة، ولو قرأ السجدة فهوى ليسجد فشك هل قرأ الفاتحة فإنه يسجد للتلاوة ثم يعود إلى القيام فيقرأ الفاتحة، لأن سجود التلاوة لا يؤخر.

[فصل]
لو قرأ آية السجدة بالفارسية لا يسجد عندنا، كما لو فسر آية سجدة، وقال أبو حنيفة: يسجد.

[فصل]
إذا سجد المستمع مع القارئ لا يرتبط به، ولا ينوي الاقتداء به، وله الرفع من السجود قبله.

[فصل]
لا تكره قراءة آية السجدة للإمام عندنا سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، ويسجد إذا قرأها، وقال مالك: يكره ذلك مطلقا، وقال أبو حنيفة: يكره في السرية دون الجهرية.

[فصل]
لا يكره عندنا سجود التلاوة في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وبه قال الشعبي والحسن البصري وسالم بن عبد الله والقاسم وعطاء وعكرمة وأبو حنيفة وأصحاب الرأي ومالك في إحدى الروايتين.
وكرهت ذلك طائفة من العلماء، منهم عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب ومالك في الرواية الأخرى وإسحق بن راهويه وأبو ثور.

[فصل]
لا يقوم الركوع مقام سجدة التلاوة في حال الاختيار، وهذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء السلف والخلف، وقال أبو حنيفة رحمه الله: يقوم مقامه، ودليل الجمهور: القياس على سجود الصلاة، وأما العاجز عن السجود فيومئ إليه كما يومئ بسجود الصلاة.

[فصل] في صفة السجود
اعلم أن الساجد للتلاوة له حالان:
أحدهما: أن يكون خارج الصلاة. والثاني: أن يكون فيها.
- أما الأول؛ فإذا أراد السجود نوى سجود التلاوة وكبر للإحرام ورفع يديه حذو منكبيه كما يفعل في تكبيرة الإحرام للصلاة، ثم يكبر تكبيرة أخرى للهوي إلى السجود ولا يرفع فيها اليد، وهذه التكبيرة الثانية مستحبة ليست بشرط كتكبيرة سجدة الصلاة، وأما التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا:
أظهرها -وهو قول الأكثرين منهم-: أنها ركن ولا يصح السجود إلا بها.
والثاني: أنها مستحبة ولو تركت صح السجود، وهذا قول الشيخ أبي محمد الجويني.
والثالث: ليست مستحبة، والله أعلم.
ثم إن كان الذي يريد السجود قائما كبر للإحرام في حال قيامه ثم يكبر للسجود في انحطاطه إلى السجود، وإن كان جالسا فقد قال جماعات من أصحابنا: يستحب له أن يقوم فيكبر للإحرام قائما ثم يهوي للسجود كما إذا كان في الابتداء قائما، ودليل هذا القياس على الإحرام والسجود في الصلاة، وممن نص على هذا وجزم به من أئمة أصحابنا: الشيخ أبو محمد الجويني والقاضي حسين وصاحباه صاحب التتمة والتهذيب والإمام المحقق أبو القاسم الرافعي، وحكاه إمام الحرمين عن والده الشيخ أبي محمد، ثم أنكره وقال: لم أر لهذا أصلا ولا ذكرا، وهذا الذي قاله إمام الحرمين ظاهر، فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عمن يقتدي به من السلف، ولا تعرض له الجمهور من أصحابنا، والله أعلم.
ثم إذا سجد فينبغي أن يراعي آداب السجود في الهيئة والتسبيح،
أما الهيئة؛ فينبغي أن يضع يديه حذو منكبيه على الأرض ويضم أصابعه وينشرها إلى جهة القبلة ويخرجها من كمه ويباشر المصلي بها ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويرفع بطنه عن فخذيه إن كان رجلا، فإن كانت امرأة أو خنثى لم يجاف، ويرفع الساجد أسافله على رأسه ويمكن جبهته وأنفه من المصلى ويطمئن في سجوده.
وأما التسبيح في السجود؛ فقال أصحابنا: يسبح بما يسبح به في سجود الصلاة، فيقول ثلاث مرات: سبحان ربي الأعلى، ثم يقول: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته تبارك الله أحسن الخالقين، ويقول: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، فهذا كله مما يقوله المصلي في سجوده في الصلاة.
قالوا: ويستحب أن يقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وضع عني وزرا، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود صلى الله عليه وسلم، وهذا الدعاء خصيص بهذا السجود فينبغي أن يحافظ عليه.
وذكر الأستاذ إسماعيل الضرير في كتابه التفسير أن اختيار الشافعي رضي الله عنه في دعاء سجود التلاوة أن يقول: {سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا}، وهذا النقل عن الشافعي غريب جدا وهو حسن، فإن ظاهر القرآن يقتضي مدح قائله في السجود، فيستحب أن يجمع بين هذه الأذكار كلها، ويدعو بما يريد من أمور الآخرة والدنيا، فإن اقتصر على بعضها حصل أصل التسبيح، ولو لم يسبح بشيء أصلا حصل السجود كسجود الصلاة.
ثم إذا فرغ من التسبيح والدعاء رفع رأسه مكبرا، وهل يفتقر إلى السلام؟ فيه قولان منصوصان للشافعي مشهوران:
أصحهما عند جماهير أصحابه: أنه يفتقر لافتقاره إلى الإحرام ويصير كصلاة الجنارة، ويؤيد هذا ما رواه ابن أبي داود بإسناده الصحيح، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان إذا قرأ السجدة سجد ثم سلم.
والثاني: لا يفتقر كسجود التلاوة في الصلاة، ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
فعلى الأول هل يفتقر إلى التشهد ؟ فيه وجهان، أصحهما لا يفتقر كما لا يفتقر إلى القيام .
وبعض أصحابنا يجمع بين المسألتين ويقول في التشهد والسلام ثلاثة أوجه:
أصحها: أنه لا بد من السلام دون التشهد.
والثاني: لا يحتاج إلى واحد منهما.
والثالث: لا بد منهما.
وممن قال من السلف: يسلم، محمد بن سيرين وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو الأحوص وأبو قلابة وإسحاق بن راهويه. وممن قال: لا يسلم، الحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب وأحمد.
وهذا كله في الحال الأول وهو السجود خارج الصلاة،
- والحال الثاني: أن يسجد للتلاوة في الصلاة فلا يكبر للإحرام، ويستحب أن يكبر للسجود ولا يرفع يديه ويكبر للرفع من السجود، هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله الجمهور.
وقال أبو علي بن أبي هريرة من أصحابنا: لا يكبر للسجود ولا للرفع، والمعروف الأول.
وأما الآداب في هيئة السجود والتسبيح فعلى ما تقدم في السجود خارج الصلاة، إلا أنه إذا كان الساجد إماما فينبغي أن لا يطول التسبيح إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرون التطويل، ثم إذا رفع من السجود قام ولا يجلس للاستراحة بلا خلاف، وهذه مسألة غريبة قل من نص عليها، وممن نص عليها القاضي حسين والبغوي والرافعي، هذا بخلاف سجود الصلاة فإن القول الصحيح المنصوص للشافعي المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة في البخاري وغيره استحباب جلسته للاستراحة عقيب السجدة الثانية من الركعة الأولى في كل الصلوات، ومن الثالثة في الرباعيات.
ثم إذا رفع من سجدة التلاوة فلا بد من الانتصاب قائما، والمستحب إذا انتصب أن يقرأ شيئا ثم يركع، فإن انتصب ثم ركع من غير قراءة جاز.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 محرم 1436هـ/9-11-2014م, 11:10 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي

قال أبو زكريّا يحيى بن شرفٍ النّوويّ (ت: 676هـ): ([فصل] في الأوقات المختارة للقراءة
اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، ومذهب الشافعي وغيره أن تطويل القيام في الصلاة أفضل من تطويل السجود.
وأما القراءة في غير الصلاة؛ فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة.
وأما القراءة في النهار؛ فأفضلها بعد صلاة الصبح، ولا كراهية في القراءة في وقت من الأوقات لمعنى فيه، وأما ما رواه ابن أبي داود، عن معاذ بن رفاعة، عن مشايخه، أنهم كرهوا القراءة بعد العصر، وقالوا: هي دراسة اليهود، فغير مقبول ولا أصل له.
ويختار من الأيام: الجمعة والاثنين والخميس ويوم عرفة، ومن الأعشار: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة، ومن الشهور: رمضان.

[فصل]
إذا أرتج على القارئ ولم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره فينبغي أن يتأدب بما جاء عن عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وبشير بن أبي مسعود رضي الله عنهم، قالوا: (إذا سأل أحدكم أخاه عن آية فليقرأ ما قبلها ثم يسكت، ولا يقول: كيف كذا وكذا، فإنه يلبس عليه).

[فصل]
إذا أراد أن يستدل بآية فله أن يقول: قال الله تعالى كذا، وله أن يقول: الله تعالى يقول كذا، ولا كراهة في شيء من هذا، هذا هو الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف.
وروى ابن أبي داود، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير التابعي المشهور، قال: "لا تقولوا: إن الله تعالى يقول، ولكن قولوا: إن الله تعالى قال"، وهذا الذي أنكره مطرف رحمه الله خلاف ما جاء به القرآن والسنة وفعلته الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم، فقد قال الله تعالى: {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}.
وفي صحيح مسلم، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله سبحانه وتعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)).
وفي صحيح البخاري، في باب تفسير {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، فقال أبو طلحة: (يا رسول الله! إن الله تعالى يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} فهذا كلام أبي طلحة في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيح، عن مسروق رحمه الله، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: ألم يقل الله تعالى: {ولقد رآه بالأفق المبين}؟، فقالت: (ألم تسمع أن الله تعالى يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}؟ أو لم تسمع أن الله تعالى يقول: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب}؟) الآية، ثم قالت في هذا الحديث: (والله تعالى يقول: {يا أيها الرسول بلغ} ثم قالت: (والله تعالى يقول: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}). ونظائر هذا في كلام السلف والخلف أكثر من أن تحصر، والله أعلم.

[فصل] في آداب الختم وما يتعلق به
فيه مسائل:
الأولى في وقته؛ قد تقدم أن الختم للقارئ وحده يستحب أن يكون في الصلاة، وأنه قيل: يستحب أن يكون في ركعتي سنة الفجر وركعتي سنة المغرب، وفي ركعتي الفجر أفضل، وأنه يستحب أن يختم ختمة في أول النهار في دور، ويختم ختمة أخرى في آخر النهار في دور آخر، وأما من يختم في غير الصلاة والجماعة الذين يختمون مجتمعين فيستحب أن تكون ختمتهم يقول أول النهار أو في أول الليل كما تقدم، وأول النهار أفضل عند بعض العلماء.
المسألة الثانية: يستحب صيام يوم الختم إلا أن يصادف يوما نهى الشرع عن صيامه، وقد روى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أن طلحة بن مطرف وحبيب بن أبي ثابت والمسيب بن رافع التابعيين الكوفيين رضي الله عنهم أجمعين، كانوا يصبحون في اليوم الذي يختمون فيه القرآن صياما.
المسألة الثالثة: يستحب حضور مجلس ختم القرآن استحبابا متأكدا، فقد ثبت في الصحيحين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحيض بالخروج يوم العيد، ليشهدن الخير ودعوة المسلمين.
وروى الدارمي وابن أبي داود بإسنادهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس، فيشهد ذلك.
وروى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين، عن قتادة التابعي الجليل صاحب أنس رضي الله عنه، قال: "كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا".
وروى بأسانيده الصحيحة عن الحكم بن عيينة التابعي الجليل، قال: قال: أرسل إلي مجاهد وعتبة بن لبابة فقالا: "إنا أرسلنا إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن، والدعاء يستجاب عند ختم القرآن"، وفي بعض الروايات الصحيحة: "وأنه كان يقال أن الرحمة تنزل عند خاتمة القرآن".
وروى بإسناده الصحيح، عن مجاهد، قال: "كانوا يجتمعون عند ختم القرآن، يقولون: تنزل الرحمة".
المسألة الرابعة: الدعاء مستحب عقيب الختم استحبابا متأكدا، لما ذكرناه في المسألة التي قبلها، وروى الدارمي بإسناده، عن حميد الأعرج، قال: "من قرأ القرآن ثم دعا أمن على دعائه أربعة آلاف ملك".
وينبغي أن يلح في الدعاء وأن يدعو بالأمور المهمة، وأن يكثر في ذلك في صلاح المسلمين وصلاح سلطانهم وسائر ولاة أمورهم، وقد روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري بإسناده، أن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن كان أكثر دعائه للمسلمين والمؤمنين والمؤمنات، وقد قال نحو ذلك غيره،
فيختار الداعي الدعوات الجامعة، كقوله: اللهم أصلح قلوبنا وأزل عيوبنا وتولنا بالحسنى وزينا بالتقوى واجمع لنا خير الآخرة والأولى وارزقنا طاعتك ما أبقيتنا ، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأعذنا من عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقوى والعفاف والغنى، اللهم إنا نستودعك أدياننا وأبداننا وخواتيم أعمالنا وأنفسنا وأهلينا وأحبابنا وسائر المسلمين وجميع ما أنعمت علينا وعليهم من أمور الآخرة والدنيا ، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة واجمع بيننا وبين أحبابنا في دار كرامتك بفضلك ورحمتك ، اللهم أصلح ولاة المسلمين ووفقهم للعدل في رعاياهم والإحسان إليهم والشفقة عليهم والرفق بهم والاعتناء بمصالحهم وحببهم إلى الرعية وحبب الرعية إليهم ووفقهم لصراطك الذي المستقيم والعمل بوظائف دينك القويم ، اللهم الطف بعبدك سلطاننا ووفقه لمصالح الدنيا والآخرة وحببه إلى رعيته وحبب الرعية إليه.
ويقول باقي الدعوات المذكورة في جملة الولاة، ويزيد: اللهم ارحم نفسه وبلاده وصن أتباعه وأجناده وانصره على أعداء الدين وسائر المخالفين ووفقه لإزالة المنكرات، وإظهار المحاسن وأنواع الخيرات، وزد الإسلام بسببه ظهورا وأعزه ورعيته إعزازا باهرا ، اللهم أصلح أحوال المسلمين وأرخص أسعارهم وآمنهم في أوطانهم واقض ديونهم وعاف مرضاهم وانصر جيوشهم وسلم غيابهم وفك أسراهم واشف صدورهم وأذهب غيظ قلوبهم وألف بينهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك صلى الله عليه وسلم وأوزعهم ن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم ، اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين به ناهين عن المنكر مجتنبين له محافظين على حدودك قائمين على طاعتك متناصفين متناصحين ، اللهم صنهم لأن في أقوالهم وأفعالهم وبارك لهم في جميع أحوالهم ،
ويفتح دعاءه ويختمه بقوله: الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
المسألة الخامسة: يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة، فقد استحبه السلف واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الأعمال الحل والرحلة))، قيل: وما هما؟ قال: ((افتتاح القرآن وختمه)).


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الباب, السادس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:14 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir