عناصر التلخيص•
حكم الحسد
• الأسباب التي تحمل الحاسد على الحسد
• أصل معنى الحسد في اللغة
• أصول مهمّة في علاج الحسد
•حكم الحسد
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسد، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَقَاطَعُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ)). رواه الشيخان.
قال فيه الإمام مالك: (لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك).
ومن حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه في مسند الامام أحمد والترمذي ومصنف عبد الرزاق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبّت ذلك لكم، أفشوا السلام بينكم)).
وفي رواية: ((أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).
وفي سنن النسائي ومن صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد)).
الإيمان المنفي هنا: ليس هو أصل الإيمان ، بل هو واجب الإيمان.
وقد وردت أحاديث لا تخلو من مقال في التحذير من الحسد والنهي عنه مثل : (إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب). رواه البخاري في التاريخ الكبير وقال لا يصح وأبو داوود في سننه وضعفه الألباني.
و في سنن أبي داود حديث: (الحسد يطفئ نور الحسنات). وفيه ضعف وفي الصحيح الكفاية .
وقد نقل النووي إجماع الأمة على تحريم الحسد.
الأسباب التي تحمل على الحسد
وما يحمل على الحسد كما قال البيهقي في شعب الإيمان: (الحاسد يعتبر إحسان الله تعالى إلى أخيه المسلم إساءة إليه، وهذا جهل منه لأن الإحسان الواقع بمكان أخيه لا يضره شيئاً، فإن ما عند الله واسع).
وذكر بعض أهل العلم من الأسباب التي تحمل الحاسد على الحسد ؛ فقال الشيخ عطية سالم: (الحامل على الحسد أصله أمران:
الأول: ازدراء المحسود.
والثاني: إعجاب الحاسد بنفسه) ا.هـ.
فليحذر المسلم من تعظيم نفسه واحتقار غيره ، فهذا لرب العالمين وحده وهو أعلم بعباده خبير بهم ،.
ولهذا ينبغي للمسلم أن يُعالج قلبه، ويعرف قدر نفسه، وأن فضل الله تعالى لا يُدرك بمعصية الله، وإنما يُطلب من الله بما هدى الله إليه وأن الله تعالى ولي التوفيق.
فإذا ذهب عنه إعجابه بنفسه واعتقاده فضيلتها ولم يحتقر غيره، لم يحسد لذهاب دوافع الحسد وأسبابه التي تثيره وتحمل عليه.
• أصل معنى الحسد في اللغة
ولعلماء اللغة في معنى الحسد أقوال : أن أصل لفظ الحسد مشتقٌّ من القَشْرِ؛ وذكروا أن القُراد سمّي حِسْدِلاً لهذا المعنى.
قال ابن الأعرابي (الحِسْدِلُ: القُرَادُ). قال: (ومنه أُخذ الحَسَد لأنه يَقْشِرُ القَلْب كما يَقْشر القُراد الجلد فيمتص دمه).
وهذا ذكره أبو منصور الأزهري وغيره.
وقال البغوي في شرح السنة: (الحسد يقشر القلب، كما يقشر القراد الجلد، فيمص الدم) ا.هـ.
فعلى هذا قد يكون الحسد يلصق بقلب صاحبه كما يلصق القراد بالجلد، حتى يكاد يفعل به كما يفعل القراد بالجلد، فيمتص دم صاحبه ويودعه من الحُرَق والضيق ما تضيق به حاله ويتنكّد به عيشه.
ووجه آخر أن الحاسد تتعلق نفسه بصاحب النعمة كتعلّق القُراد بالجلد فهو دائم التفكير فيه والتذكر له، ونفسه نهمة شرهة تريد أن يُسلب هذه النعمة، وأن تُستخرج من صاحبها، كما يَستخرج القُراد الدم ويمتصه
وإن كان هذا في معناه اللغوي إلا أن أصله وحقيقته لم يتبين بشكل واضح إلا بعض ما ذكره أهل العلم :حتى قال الشيخ عطية سالم في تتمة أضواء البيان: (وأما حقيقة الحسد فيتعذر تعريفه منطقياً).
وذكر قولَ بعضهم في بيان حقيقته: أنه إشعاع غير مرئي ينتقل من قلب الحاسد إلى المحسود. إلخ ما ذكر رحمه الله.
أصول مهمة في علاج الحسد
.
ينبغي لطالب العلم أن يعرف أصولاً صحيحة في هذا الباب حتى يستقيم له فهم كثير من النصوص والآثار الواردة فيه، ويفهم مسائل الحالات التي تعرض له في الواقع فهماً سليماً مبنيّاً على أصول صحيحة بإذن الله.
ويسلم بذلك من كثيرٍ من الأخطاء الشائعة في هذا الباب.
وما عدا ذلك من الأمور والتفصيلات الدقيقة فلا يضره الجهل بها بإذن الله، وبعضها من علم الغيب الذي لا يدركه الناس.
فمن خلاصة ما ينبغي علمه في هذا الباب هذه الأصول التي أذكرها بإيجاز:
الأصل الأول: أن الحسد عَملٌ قلبيّ، لاتفاق العلماء على أنه تمنّي زوال النعمة عن المحسود، والتمنّي عملٌ قلبي.
وبعضهم ينسبه إلى النفس، فيقول الحسد من عمل النفس.
كما قال الطَّرِمَّاح:
فبيت ابنِ قحطانَ خير البيوتْ ..... على حسد الأنفس الكاشحة
• ولا تعارض بين الأمرين لأن القلب لا حياة له إلا بالنفس التي هي الروح.
فانبعاث الحسد هو من قلب الحاسد الحيّ.
الأصل الثاني: أن الحسد فيه شرّ متعدٍ، ولذلك أُمرنا بالاستعاذة من شرّ الحاسد إذا حسد، وهذا الحسد شرّ في نفسه، وقد ينتج عنه شرور متعددة ذات أنواع كثيرة لا يحيط بها إلا الله جلّ وعلا.
وهذا يدفع قول من يُنكر أن الحسد فيه شرّ متعدي.
الأصل الثالث: أن الحسد داء من الأدواء، وآفة من الآفات ، يمكن أن يتعافى منه الحاسد والمحسود إذا اتبعا هدى الله جل وعلا؛ فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله.
الأصل الرابع: أن من يُبتلى بالحسد ، ويؤثر فيه شيئاً من الأذى في جسده أو روحه أو أهله أو ماله ؛ فإن هذا البلاء في حقه دائر بين العقوبة والابتلاء، والعقوبة فيها تكفير للمسلم..
وقد روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي راشد الحبراني قال: أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت له : حدّثنا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقى إلي صحيفة، فقال: (هذا ما كتب لي النبي صلى الله عليه وسلم).
فنظرت فيها فإذا فيها : إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله! علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت). فقال: ((يا أبا بكر! قل: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءاً، أو أجره إلى مسلم)). هذا لفظ البخاري في الأدب المفرد، والحديث رواه الإمام أحمد والترمذي.
وعلى المسلم أن يحرص عليه المؤمنُ تزكيةَ نفسه وتطهيرَ قلبه من الحسد والغل والحقد، وأن يكفّ أذاه عن المسلمين ، وكثرة الاستغفار والتوبة وفعل الخير.
فهذا في شأن من يكون هذا البلاء في حقهم عقوبة؛ هو شرّ من جهة، ومن جهة أخرى فتنة وابتلاء لهم لأنهم إذا أنابوا إلى الله وتضرعوا إليه وتابوا توبة صحيحة من الظلم والعدوان رُفعت عنهم العقوبة لزوال موجبها.
ويكون ما أصابهم من ذلك تكفيراً لسيئاتهم
.
ومن المؤمنين المتقين من يصيبه شيء من ذلك ابتلاء واختباراً فإن اتبع هدى الله كان ذلك رفعة لدرجاته وإحساناً من الله إليه أن جعل له بذلك سبباً يحلّ عليه رضوانه.
وأصل هذا كله أن يكون العبد راضياً بالله جل وعلا ربّا، وأن يحسن الظن بربه، فيما أصابه من البلاء، وأن يحرص على الصبر والتقوى فيكون بذلك من المحسنين الذين كتب الله لهم العاقبة الحسنة.
قال الله تعالى: {والعاقبة للتقوى} وقال: {فاصبر إن العاقبة للمتقين} ، وقال: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}فجعل الإحسان لأهل البلاء هو الصبر والتقوى.
الأصل الخامس: أن الحسد من البلاء ، والعبد لا اختيار له في نوع البلاء الذي يُبتلى به، بل الله تعالى هو الذي يبتلي عباده بما يشاء ومتى يشاء وكيف يشاء، والعبد لا يستطيع أن يدفع البلاء عن نفسه، ولا يكشف الضر عنها ، إنما مردّ ذلك إلى الله جل وعلا.
قال الله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم}.
فمحاولات العبد وتكليفه نفسه رفع البلاء نوع من العناء ومكابدة الشقاء، فإنه لا يرفع البلاء إلا الله، وإنما يُطلب من العبد اتباع هدى الله..
فالعبد بما يبذله من الأسباب إنما يتعرض لنفحات الله، فإن فعل ما يهدي الله إليه من الأسباب النافعة كان موعوداً بأن تكون عاقبته خيراً.
وأحسن من تكلم في بيان الهدى للأسباب التي يدفع الله بها شر الحاسد : ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه بدائع الفوائد.
الأصل السادس: أن يكون المؤمن على الحال الوسط بين الغلو والتفريط، فمن غلا وهوّل شأن الحسد والعين حتى يغفل قلبه عن التوكل على الله والرضا به والثقة في حفظه ووقايته وإعاذته لمن يستعيذ به ؛ فهذا على غير الهدى الصحيح، بل يُخشى عليه أن يناله شرّ لمخالفته هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وضعف تعلق قلبه بالله جل وعلا ، ورضاه به.
ومَن هوّن من شأن الحسد والعين ، وفرّط في تحصين نفسه بما وصى الله به، وأرشد إليه، لم يأمن أن يصيبه بسبب هذا التفريط ما يصيبه البلاء والشر.
وكلّ من الغالي والمفرّط عاقبتهما سيئة إلا أن يعفو الله عنهما عفواً من عنده؛ فإن المسلم ما دام باقياً على الإسلام فإنه تحت المشيئة إن شاء الله عذبه وإن شاء عاقبه.
لكن السعيد الموفّق من يتبع هدى الله تعالى في عافيته وبلائه فهذا إن عوفي وإن ابتلي كانت عاقبته حسنة، لأن له عهداً من الله لا ينقضه، ووعد لا يخلفه.
الأصل السابع: أن الحسد في الأصل من التأثيرات الروحية التي تنطلق من الأرواح فتصيب الأرواح بالأصل وتؤثر في الأجساد تبعاً، ولها تعلّق بالقدر بتقدير البلاء، وهذا له تقرير آخر.
وإنما المقصود هنا أن الحسد إذا إذا أصاب نفساً غير محصنة أثر فيها بإذن الله تعالى.
والنفس كالبدن في بعض الأمور؛ فكما أن في الأجسام ما هو صحيح قويّ لا يتأثر بالآفات اليسيرة، بل ربما لو يصيب بمرض ظاهر بقي في جسده قوة تقاوم وتدفع البلاء بإذن الله حتى يُشفى منه.
ومن الناس من يكون جسمه ضعيف تمرضه أدنى آفة تصيبه، وإذا أصابه مرض يسير أنهكه وربما أقعده طريح الفراش أياماً معدودة، وذلك لضعف مناعة جسمه في مقابل ما أصابه من الداء.
فكذلك أرواح الناس، منها أرواح قويّة وفيها عزيمة على المقاومة فلا تستلم لكثير من الآفات بل تبقى فيها قوة تقاوم البلاء حتى تدفعه بإذن الله أو تخفف أثره.
.