احذر الجدل البيزنطي
يقول شيخنا ابن عثيمين رحمه الله:
وهو الجدل العقيم الذي لافائدة منه,أو الجدل الذي يؤدي إلى التنطع في المسائل والتعمق فيها بدون أن يكلفنا الله ذلك,
لأنه لايزيدك إلا قسوة في القلب وكراهة للحق ,
أما الجدل الحقيقي الذي يقصد به الوصول إلى الحق ويكون جدل مبني على السماحة وعدم التنطع ,فهذا أمر مأمور به
قال تعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) سورة النحل
مثالاً للجدل العقيم: جنس الملائكة ماهم؟ يجادل هؤلاء المتكلمون: جنسهم من كذا , جنسهم من كذا
كان الصحابة رضي الله عنهم لا يسألون عن مثل هذه الأمور،
لأنهم إذا سألوا وبحثوا ونقبوا، فإن الضريبة هي قسوة القلب، مؤكد.
لكن إذا بقي الرب عز وجل محل الإجلال والتعظيم في قلبك،
وعدم البحث في هذه الأمور صار هذا أجل وأعظم،
فاستمسك به فهذا إن شاء الله هو الحق.
ــــــــ
لا طائفِيَّةَ ولا حِزبيَّةَ يُعْقَدُ الولاءُ والبَرَاءُ عليها
يا طالبَ العلْمِ ! بارَكَ اللهُ فيك وفي عِلْمِك ؛ اطْلُب العِلْمَ واطْلُب العملَ وادْعُ إلى اللهِ تعالى على طَريقةِ السلَفِ .
ولا تَكُنْ خَرَّاجًا وَلَّاجًا في الجماعاتِ ، والمسلمونَ جَميعُهم هم الجماعةُ وإنَّ يدَ اللهِ مع الجماعةِ ، فلا طائفِيَّةَ ولا حِزبيَّةَ في الإسلامِ .
قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى عندَ عَلَامَةِ أهلِ العُبودِيَّةِ :
( العَلامةُ الثانيةُ : قولُه : ( ولم يُنْسَبُوا إلى اسمٍ ) ؛ أي : لم يَشْتَهِروا باسمٍ يُعرَفون به عندَ الناسِ من الأسماءِ التي صارَتْ أعلامًا لأهلِ الطريقِ ) .
يقول شيخنا ابن عثيمين رحمه الله : فمن الناس مثلاً من يتحزب إلى طائفة معينة، يقرر منهجها ويستدل عليه بالأدلة التي قد تكون دليل عليه،
وقد تكون دليل له ويحامي دونه، ويضلل من سواه حتى ولو كانوا أقرب إلى الحق منها ويأخذ بمبدأ: من ليس معي فهو علي.
وهذا مبدأ خبيث،
يعني بعض الناس يقول: إذا لم تكن معي فأنت علي، هناك وسط بين أن يكون لك أو عليك،
وإذا كان عليك في الحق فليكن عليك فإنه في الحقيقة معك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « انصر أخاك ظالما أو مظلوماً ».
ونصر الظالم أن تمنعه من الظلم، فلا حزبية في الإسلام.
ولذلك لما ظهرت الأحزاب في المسلمين تنوعت الطرق وتفرقت الأمة، وصار بعضهم يضلل بعضا ويأكل لحم أخيه ميتاً،
فالواجب عدم ذلك.
الآن مثلاً يكون بعض الناس طالب علم عند شيخ من المشايخ، ينتصر لهذا الشيخ بالحق وبالباطل. وما في سواه يضلله ويبدعه
ويرى أنه- شيخه- العالم المصلح، ومن سواه إما جاهل وإما مفسد، وهذا غلط كبير
كن طالباً للعلم عاملاً به، داعياً إلى الحق. ثلاثة أشياء: صدق الطلب، العمل به، الدعوة. لا بد من هذا،
أما مجرد أن تحشر العلوم ولا ينتفع الناس بعلمك، فهذا نقص كبير.
وادع إلى الله على طريقة السلف. وما هي طريقة السلف في الدعوة إلى الله؟
هي التي أرشدهم الله إليها بقوله : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) سورة النحل: 125.
لين في موضع اللين، وشدة في موضع الشدة.
قوله:« ولا تكن خراجاً ولاجاً في الجماعات، فتخرج من السعة إلى القوالب الضيقة، فالإسلام كله لك جادة ومنهج ».
يقول: إن بعض الناس يكون ولاجاً خراجاً، بينما تجده منضماً إلى قوم أو فئة، اليوم تجده خارجاً منها ووالجاً في جهة أخرى، وهذا مضيعة للوقت،
ودليل على أن الإنسان ليس له قاعدة يبني عليها حياته.
قوله: « المسلمون جميعهم هم الجماعة، وأن يد الله مع الجماعة، فلا طائفية ولا حزبية في الإسلام ».
بل يجب أن نكون أمة واحدة، وإن اختلفنا في الرأي، أما أن نكون أحزاباً: هذا إخواني- يعني من الإخوان المسلمين- وهذا سلفي، وهذا تبليغي.
وهذا لا يجوز، الواجب أن كل هذه الأسماء ينبغي أن تزول. وتكون أمة واحدة، وحزب واحد على أعدائنا.
قال: «وأعيذك بالله أن تتصدع، فتكون نهاباً بين الفرق، والطوائف، والمذاهب الباطلة، والأحزاب الغالية، تعقد سلطان الولاء والبراء عليها».
هذه أيضاً طريق سيئة، أن يكون الإنسان نهابا بين الفرق والطوائف، يأخذ من هذا، ومن ثم لا يستقر على رأي.
فإن هذه آفة عظيمة، والواجب على الإنسان أن يكون مختارا ما هو أنسب في العلم والدين ويستمر عليه
وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:« من بورك له في شيء فليلزمه ».
وهذه في الحقيقة قاعدة لمنهاج المسلم يجب أن يسير عليها، من بورك له في شيء فليلزمه وليستمر عليه حتى لا تتقطع أوقاته يوماً هنا ويوماً هنا.
قوله: « فكن طالب علم على الجادةـ تقفوا الأثر، وتتبع السنن، تدعوا إلى الله على بصيرة عارفا لأهل الفضل فضلهم وسابقتهم ».
هذه أيضا وصية نافعة، أن الإنسان ينبغي له أن يتبع الأثر وأن يدع الأهواء والأفكار الواردة على الإسلام والتي هي في الحقيقة دخيلة على الإسلام وبعيدة الوضوح.
ثم نقل كلام ابن القيم: (العلامة الثانية) قوله: «ولم ينسبوا إلى اسم» أي: لم يشتهروا باسم يعرفون به عند الناس من الأسماء التي صارت أعلاماً لأهل الطريق.
وأيضاً، فإنهم لم يتقيدوا بعمل واحد يجري عليهم اسمه، فيعرفون به دون غيره من الأعمال، فإن هذا آفة في العبودية، وهي عبودية مقيدة.
وأما العبودية المطلقة، فلا يعرف صاحبها باسم معين من معاني أسمائها.
هذا هو الصحيح، العبودية المطلقة أن يعبد الإنسان ربه على حسب ما تقتضيه الشريعة. مرة من المصلين، ومرة من الصائمين، ومرة من المجاهدين
ومرة من المتصدقين حسب ما تقتضيه المصلحة،
ولذلك تجد النبي صلى الله عليه وسلم هكذا حاله، لا تكاد تراه صائماً إلا وجدته صائماً ولا مفطراً إلا وجدته مفطراً، ولا قائماً إلا وجدته قائماً.
يتبع المصلحة، أحياناً يترك الأشياء التي يحبها من أجل مصلحة الناس، فإياك أن تكون قاصراً على عبادة معينة، بحيث لا تتزحزح عنها.
ـــــــــ
نواقض هذه الحلية
نواقض حلية طالب العلم:
- إفشاء السر
- نقل الكلام من قوم إلى آخرين
- الصلف واللسانة
- كثرة المزاح
- الدخول في حديث بين اثنين
- الحقد
- الحسد
- سوء الظن
- مجالسة المبتدعة
- نقل الخُطى إلى المحارم
(1) إفشاء السرمحرم:
لأنه خيانة للأمانة, فإذا استكتمك الإنسان حديثاً فلايحل لك أن تفشيه لأي أحد كان ,
واحذر أن يخدعك أحد لأن بعض الناس يظن أنه أفشي إليك ثم يأتي وكأن الأمر مسلم أنه علم بذلك فيقول مثل اًما شاء الله,من أدراك عن كذا وكذا ,
فيظن أنه قد أعلن ثم يفظي الناس أنه طريقة تجسس من بعض الناس.
قال العلماء:وإذا حدثك الإنسان بحديث والتفت فقد استأمنك فهو أمانة وسر فلايجوز أن تفشيه,حتى وإن لم يقل لاتخبر أحداً.
(2) نقل الكلام من قوم إلى آخرين
هذه هي النميمة, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:( لايدخل الجنة قتات ) أي: نمام
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فهو من كبائر الذنوب.
(3) الصلف واللسانة
الصلف: التشدد في الشيء يكون الإنسان غير لين لابمقالة ولابحاله, بل هو صلت ولسن, يعني رفيع الصوت, أو عنده بياناً يبدي به الباطل ويخفي به الحق,
أما قوة الصوت وارتفاعه فإنه ليس إلى اللسانة,هذه من خلقة الله .
(4) كثرة المزاح
ولم يقل المزاح لأن المزاح في الكلام كالملح في الطعام إن أكثرت منه فسد الطعام, وإن لم تجعل فيه الملح لم يشته إليه الطعام,
فكثرة المزاح تذهب الهيبة, وتنزل مرتبة طالب العلم, أما المزاح اللطيق والقليل الذي يُقصد به إدخال السرور على قلب مُسلم فهو من السنة,
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولايقول إلا حقاً,
جاء رجل يريد أن يحمله على بعير يجاهد عليها في سبيل الله,فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
( إنا حلملوك على ولد الناقة ) فقال الرجل كيف؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وهل تلد الإبل إلا النوق ) فهذا مزاح ولكنه حق.
(5) الدخول في حديث بين اثنين:
فإن بعض الناس إذا رأى اثنين يتحدثان, دخل بينهما وهذا كالمتسلق للجدار, لم يأت البيوت من أبوابها.
فإذا رأيت اثنين يتحدثان لاينبغي أن تقترب منهما بل من الأدب والمروءة أن تبتعد, لأنه ربما يكون بينهما حديث السر ويخجلان أن يقولا لك أبعد,
فالحديث سر, أو إذا كانا لايستطيعان ذلك عدلاً عن حديث السر فقطعت حديثهما.
(6) الحقد:
يعني الكراهية والبغضاء فإن بعض الناس إذا رأى أن الله أنعم على غيره نعمة حقد عليه,
مع أن هذا الذي أنعم عليه لم يتعرض له بسوء, لكن حاقد عليه وماقصة ابني آدم ( هابيل وقابيل ) بغريب علينا,
فلا يجوز للإنسان أن يحقد على أخيه المُسلم، ولا سيما أن يكون سبب الحقد ما من الله عليه من النعمة سواء دينياً أو دنيوياً.
(7) الحسد:
من أخلاق اليهود,
معنى الحسد: أن يتمنى زوال نعمة الله على غيره
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( الحسد كراهة نعمة الله على غيره )
يعني مايتمنى زوالها ولكن يكره أن الله أنعم على هذا الإنسان بهذه النعمة, فأما لو تمنى أن يرزقه الله مثلها فليس هذا حسد, بل غبطة ,
كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام:( لاحسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً ، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها ).
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(8) سوء الظن:
أن يظن بغيره ظناً سيئاً,مثل أن تقول: لم يتصدق هذا إلا رياء, فالواجب إحسان الظن بمن ظاهره العدالة, أما من ظاهره غير العدالة فلاحرج أن يكون في نفسك سوء الظن به,
لكن مع ذلك عليك أن تتحقق حتى يزول مافي نفسك من هذا الوهم, لأن بعض الناس قد يسيء الظن بشخص ما بناء على وهم كاذب لاحقيقة له.
قال الله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) سورة الحجرات:12
ولم يقل كل الظن, لأن بعض الظنون لها أصل ولها مبرر.
(9) مجالسة المبتدعة:
بل قال الشيخ ابن عثيمين مجالسة كل من تخرم مجالستهم المروءة, سواء كان ذلك لإبتداع أو سوء أخلاق أو انحطاط رتبة عن المجتمع أو ماأشبه ذلك,
فينبغي لطالب العلم أن يكون مرتفعاً عن مجالسة من تخدش مجالستهم أو تخدش الدين,
فإذا وجدنا مُبتدعاً في مقام تعليم عنده طلاقة في اللسان وسحر في البيان فلايجوز أن نجلس إليه,لماذا؟
1-لأننا نخشى من شره, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( إن من البيان لسحرا.أو إن بعض البيان لسحر)
خلاصة حكم المحدث:صحيح
فقد يسحر عقولنا حتى نوافقه على بدعته
2-أن فيه تشجيع لهذا المبتدع واغترار الناس به ويزيده رفعة واغتراراً بما عنده من البدعة وغروراً في نفسه.
3-إساءة الظن بهذا الذي اجتمع إلى صاحب البدعة, وقد لايتبين هذا إلا بعد حين.
(10) نقل الخُطى إلى المحارم:
يعني أن يمشي الإنسان على الأمور المحرمة,
يتبغي لطالب العلم أن يتجنب هذا بل إن بعض العلماء يقول: يتجنب حتى الخُطى إلى أمر ينتقده الناس فيه,
كما لو ذهب طالب العلم إلى ميع النساء, النساء لها أسواق للبيع, فذهب طالب العلم لأسواق النساء هل هذل يحمد عليه أو يذم ؟ يذم عليه,
يُقال فلان طالب علم يذهب لأسواق النساء.
*أن طالب العلم مُحترم فلاينزل نفسه إلى ساحة الذل والضعة,
بل كن كما ينبغي أن تكون, لأن طالب العلم شرفه الله بالعلم وجعله قدوة, حتى إن الله رد أمور الناس عند الإشكال إلى العلماء فقال:
( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) النحل:43
*هذه الحلية لا شك أنها مفيدة ونافعة لطالب العلم وينبغي للإنسان أن يحرص عليها ويتبعها، لكن لا يعني ذلك أن يقتصر عليها
بل هناك كذلك كتب أخرى صنفت في آداب العلم ما بين قليل وكثير ومتوسط،
وأهم شيء أن الإنسان يترسم خطى النبي صلى الله عليه وسلم ويمشي عليها،
فهي الحلية الحقيقية التي ينبغي للإنسان أن يتحلى بها، كما قال سبحانه وتعالى :
( لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) سورة الأحزاب:21.
نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولكم بصالح الأعمال،
وأن يوفقنا للعمل بما يرضيه.
الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات
ربي اجعله شاهداً لي لا علي يوم القيامة
آمين