الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
أما بعد:
فبين يديْ شرح هذا الكتاب العظيم وهو كتاب (كشف الشبهات) نقدم مقدمة مهمة بين يدي هذا الموضوع ألا وهو الدعوة إلى التوحيد وكشف الشبه فيه.
من المعلوم المتقررفي كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن الله -جل وعلا- بعث المرسلين جميعاً، وأرسل الأنبياء لعبادة الله وحده لا شريك له، وخلق السماوات والأرض، وخلق الأفلاك، وخلق كل شيء، ولم يأذن بعبادة أحد سواه {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}وقال جل وعلا: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}.
فمن نظر إلى دلائل توحيد الله -جل وعلا- في الآفاق وفي الأنفس تيقن أن هذا الملكوت له مدبر واحد، وله خالق واحد، وله متصرف واحد، وهو الله -جل جلاله- ولابد من ذلك، وهذه الضرورية التي لا يحتاج معها المرء إلى برهان مفصل؛ لأنه يحسها في نفسه ويحسها فيما حوله؛ لابد أن تقوده إلى أن هذا الذي خَلَق وحده، وأن هذا الذي تصرف في الملكوت وحده أنه هو الذي يجب أن يُذلَّ له، وأن يُخضَع له، وأن يعبد وحده دون ما سواه.
ولهذا كان من براهين توحيد الإلهية توحيدُ الربوبية،فدلائل توحيد الله -جل وعلا- في ربوبيته في الآفاق، كل دليل منها يصلح أن يكون دليلاً على استحقاق الله -جل وعلا- العبادة وحده لا شريك له؛ لأنه -جلَّ وعلا- هو الواحد في خلقه وفي رَزْقه وفي ربوبيته، فكذلك يجب أن يوحَّد في إلهيته سبحانه؛ وأن يعبد ويفرد بالعبادة.
لهذا قال جل وعلا: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}.
وقول المحققين من علمائنا في هذا الميثاق: أنه هو الفطرة، هو دليل وحدانية الله -جل وعلا- في الأنفس وفي الآفاق، فكل مولود يولد على الفطرة، وهذه الفطرة هي توحيد الله جل وعلا، وهذا هو الميثاق الذي أُخذ عليهم، وهذا الميثاق ليس هو استخراج ذرية آدم من ظهره كما قاله طائفة؛ لأن هذا غلط في فهم الآية وفيما نُقل من تفاسير السلف أيضاً؛ لأن الله -جل وعلا- قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدمَ} فليست مسألة الميثاق الذي في هذه الآية والإشهاد عليهم هي الأخذ من آدم؛ بل هي الأخذ من بني آدم {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ}.
والظهور ليست هي ظهر آدم بل ظهور ذرية آدم {ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} وهذا الإشهاد هو بلسان الحال لا بلسان المقال كما هو قول المحققين من أهل العلم، وهذا الذي في هذه الآية غير ما ورد من استخراج ذرية آدم من ظهره كهيئة الذر، كما جاء في بعض الأحاديث.
دلائل وحدانية الله -جل وعلا- قائمة في الآفاق وفي الأنفس،ودليل الربوبية قائم ظاهر بيِّن، من نظر أدنى نظر وصل إليه، ولهذا لم يجعل الله -جل وعلا- النظر في توحيده في ربوبيته مطلوباً من أتباع الرسل ولا أَمَرَت به الرسل بجعل دعوتهم في ذلك، وإنما أمر الله -جل وعلا- بتوحيده في عبادته، وبعث المرسلين جميعاً لهذا الأمر العظيم، ولهذا نقول: إن دليل وحدانية الله -جل وعلا- في الربوبية هذا ليس من منهج أهل السنة والجماعة الذي تبعوا فيه طريقة الأنبياء والمرسلين أنهم يفيضون فيه، ولا جعلوه غاية كما جعله طائفة من المعاصرين غاية في ذلك.
والمتكلمون طريقتهم في هذا الباب:
أن التوحيد المطلوب هو توحيد الربوبية؛ ولهذا يجعلون أول واجب على العباد: النظر أو القصد إلى النظر أو الشك، كما هي أقوال عندهم، فإثبات توحيد الربوبية -وأن الله جل وعلا هو الواحد في ربوبيته- هذا هو التوحيد عندهم، وهذا ليس بالأمر عندنا؛ ولهذا أتباع الأنبياء والمرسلين الذين قفوا أثر السلف الصالح تجد عندهم من براهين توحيد الإلهية ما فيه التفصيل، والتفصيل والكلام المكرر الذي يعيدون فيه ويَبْدَأون ويكررون؛ لأجل تثبيته وإقامة الحجاج والحجة عليه.
أما غيرهم فإنهم يتوسعون في أبواب توحيد الربوبية، ومن عبد الله -جل وعلا- وحده لا شريك له فتضمن ذلك أنه مُقِرّ بربوبيته وحده دون ما سواه، بخلاف من وحَّد الله في ربوبيته، فإنه قد يعبد معه آلهة أُخرى؛ كما فعل أهل الجاهلية؛ فإنهم موحدون في أكثر أفراد الربوبية، ولكنهم مع ذلك مشركون، ما قادهم توحيد الربوبية إلى توحيد الإلهية، قال جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}وقال سبحانه: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ}إلى أن قال في آخر الآية في سورة يونس{فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}والآيات في ذلك كثيرة.
المقصود من هذا: أن غاية بعث الأنبياء والمرسلين هو تحقيق توحيد العبادة، وإقامة الحجة فيه، وكشف الشبه عنه، وإيضاح الدلائل فيه بتفصيل، وإيضاح أفراده، ولا يخفى عليكم قول الرب جل وعلا: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ}
الدعوة إلى التوحيد هي ميراث الأنبياء والمرسلين،لكن هذه الدعوة من لم يعشها ولم يتوسع فيها لا يعرف كيف يدعو إلى التوحيد، بل قد يأتي من يظن أنه لا حاجة إلى ذلك، وعبودية الخلق لله -جل وعلا- التي هي غاية وجود الخلق إنما تكون بأن يُدعَوا إلى الله -جل وعلا- بتوحيده وفهم ذلك والعلم به وتطبيقه.
فإذا هَدَيت الناس إلى أن يوحدوا الله في أقوالهم وأعمالهم وبما تعتقده قلوبهم انبعث ذلك الاعتقاد وذلك التوحيد عن عمل صالح، وعن نفس مخبتة منيبة لله جل وعلا، وهذه النفس هي التي تحوز فضل تكفير الذنوب ((يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لقيتك بقرابها مغفرة، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة، يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي)) هذا لأهل التوحيد، والنفس المشركة أو المترددة أو التي في ريب في أمر التوحيد لا تحصل على فضائل الإسلام، ولا على فضل الإسلام على أهله، ولا على فضل التوحيد على أهله.
ولهذا نعجب أنه مع اشتداد الحاجة إلى دعوة الناس إلى توحيد الله، فإن من الناس من يقول: لا حاجة إلى ذلك،وهذا من جراء عدم معرفتهم بعظم حق الله جل وعلا، وكيف يُعظَّم ربنا جل وعلا، وإنما تعظيمه بتحقيق التوحيد، من حقق التوحيد فقد عظَّم، ومن أضاع التوحيد فقد أضاع حق الله؛ ولو كان السجود في جبهته مؤثرا، ولو كان جلده على عظمه من الصيام مؤثراً، فلا قيمة لذلك، بل قد قال الله -جل وعلا- لنبيه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
لهذا تعجب أشد العجب أن هناك أناساً كثيرين بلغوا في أمر العلم ما بلغوا، وبلغوا في أمر الدعوة ما بلغوا، وعندهم من الكلمات الشركية، ومن عدم معرفة حق الله، ومن الغلو المذموم، ومن تعلق القلوب أو تعليق القلوب بغير الله ما رأيتموه وسمعتموه في كتب وفي غيرها، وهذا من اشتداد الفتنة التي ستبقى إلى أن تقوم الساعة.
الدعوة إلى التوحيد تكون على جهتين:
الأولى:مجملة.
والثانية:مفصلة.
أما المجملة: فهي ببيان معنى التوحيد وحق الله جل وعلا، وبيان أنه سبحانه هو المستحق للعبادة، وإقامة الدلائل على توحيد الله جل وعلا، وعلى أن التوحيد أهم المهمات، وعلى أنه دعوة الأنبياء والمرسلين، وعلى أن ذلك فيه من الفضل من تكفير الذنوب ومحو السيئات ما فيه، إلى آخر ما في بيان التوحيد وفضله مجملاً بلا تفصيل.
وهذا القدر - وهو الدعوة إلى التوحيد مجملةً دون تفصيل - يشترك فيها كثيرون من الدعاة في هذا الزمن؛ لأن الدعوة إلى التوحيد مجملة يتفق عليها الجميع؛ لأن تفسير التوحيد يكون عند المتلقي وليس من جهة الملقي، وإذا أحيل الكلام على فهم المتلقي كان حمَّال أوجه، يمكن أن يفسَّر بحسب ما يتلقاه المتلقي.
فطوائف المشركين إذا أمرتهم بتوحيد الله مجملاً لم ينتقدوا عليك - يعني في هذا الزمن - لأن التوحيد عندهم هو توحيد الربوبية، وطوائف الغلاة في عبادة الأولياء والصالحين إذا أمرتهم بالتوحيد ولم تشخِّص المسألة التي هم فيها ما أنكروا عليك.
فكثيرون دعوا إلى التوحيد في أماكن فيها قبور للصالحين وتُعبد من دون الله، ولم ينكِر عليهم أحد ممن هم في حضرة تلك المشاهد التي شُيِّدت لعبادتها من دون الله أو مع الله جل وعلا؛ لأنها مجملة، وهذا القدر لا يُميِّز القائل بأنه من أهل التوحيد، أو أنه من الدعاة إلى توحيد الله؛ لأن هذا فيه عموم وإجمال، والإجمال لا يُصلِح بقدر إصلاح التفصيل، لكن إن كان الإجمال خطوة في الطريق فإن هذا يكون مناسباً.
لهذا قلنا: الدعوة إلى التوحيد تكون بإجمال وتكون بتفصيل، فمن أجمل ثم فصل، فكان إجماله خطوة لينقل بها الناس أو ليمهِّد بها لبيان حق الله جل وعلا -ولو كان التمهيد في أسبوع أو أسبوعين أو شهر بحسب الحال التي في بلده- فإن هذا مناسب، لكن أن يقال: دعا إلى التوحيد، وإنما دعوته بإجمال دون تفصيل، هذا ليس من منهجنا ولا من منهج أئمة هذه الدعوة ولا أئمة الإسلام المتقدمين في الدعوة إلى توحيد الله.
النوع الثاني: الدعوة إلى التوحيد مفصلاً.
والتوحيد: هو إفراد الله بالعبادة، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
والتوحيد يكون بإفراد الله بأعمال القلوب وأعمال الجوارح.
وأعمال القلوب متنوعة، منها المحبة والرَّغَب والرَّهَب والرجاء والخوف والتوكل والإنابة والخشوع، إلى غير ذلك من أفراد أعمال القلوب وعبادات القلوب.
فمن دعا إلى كل مسألة من هذه مفصلاً فإنه دعا إلى مسألة من مسائل التوحيد بتفصيلها، فيتكلم عن الرَّغَب والرَّهَب، يتكلم عن التوكل، ويتكلم عن المحبة بعلم، فإذا تكلم عن هذه بعلم وفصَّل على كلام أهل العلم فيها، فإنه دعا إلى نوع من أنواع التوحيد مفصلاً، هذا من جهة أعمال القلوب.
وأعظم أعمال القلوب الإخلاص،وأن يتوجَّه القلب إلى الله وحده، وأن لا يكون في القلب من جهة القصد والتوجه إلا واحد، وهو الله -جل جلاله- وتقدست أسماؤه، فالدعوة إلى الإخلاص - إخلاص الدين، وتوحيد القصد والتوجه، وألا يكون في القلب إلا الله جل وعلا- إذا كانت من طالب علم يضبط الكلام فهذه دعوةمفصلةفي توحيد الله جل وعلا، وهذا له تفاصيل.
أعمال الجوارح من جهة الصلاة والدعاء بأنواعه: الاستغاثة والاستعاذة والنداء، إلى آخره، وكذلك الذبح وما شابه ذلك، أَخْذ كل مسألة منها وبيان إفراد الله -جل وعلا- بهذه العبادة، هذا من الدعوة إلى التوحيد مفصلاً، تأخذ الدعاء، فتبين الدعاء ما هو؟ ومعنى الدعاء والآيات التي فيه، وإفراد الله -جل وعلا- بالدعاء، إلى آخره.
كذلك تأخذ الاستغاثة، والآيات التي فيها، وإفراد الله -جل وعلا- بها، ووجوب ذلك، وما جاء في هذا، وكذلك تأخذ بقية المسائل: الذبح والنذر، إلى آخره.
كذلك ما يتعلق بإفراد النبي عليه الصلاة والسلام، وإفراد شريعته بالحكم والتحاكم بين العالمين،هذا نوع من أنواع توحيد الله جل وعلا، أو فرد من أفراد التوحيد، فالدعوة إليه مع غيره هي طريقة أئمتنا وعلمائنا.
وبعض الناس يطرق من التوحيد هذه المسألة دون غيرها؛ وهي ما يسمونه بتوحيد الحاكمية، أو الدعوة إلى تحكيم شريعة الإسلام وإبطال تحكيم القوانين، وما جاء في ذلك من النصوص، وبيان كلام أهل العلم في ذلك، هذا لاشك أنه من التوحيد؛ ولكن ليس هو التوحيد فقط، بل توحيد الله جل وعلا - كما هو واضح مما سبق من الكلام - هو إفراد الله بالعبادة، إفراد الله بالعبادة هذا هو التوحيد، وهذه من التوحيد؛ لأنها تحقيق لشهادة أن محمداً رسول الله، فأهل التوحيد، يدعون إلى هذه جميعاً.
وأما غيرهم،أو من كانت في قلبه شبهة، أو من كان عنده طريقة أخرى؛ فإنهم يدعون إلى التوحيد مجملاً، وإذا أتى التفصيل فإنما يفصلون في مسألة الحاكمية، وهذا خلاف طريقة أهل التوحيد وأئمة هذه الدعوة، لهذا تجد في (كتاب التوحيد) كانت مسائل الحكم والتحاكم متأخرة في الكتاب، وكان قبلها ما يتعلق بالدعوة إلى التوحيد مجملاً، وفضل التوحيد، ثم بيان ضد ذلك ومسائله؛ إلى آخره، فهي جزء من الكلام على التوحيد.
فشمولية الدعوة إلى التوحيد تؤخذ من (كتاب التوحيد)؛ لأن فيه بيان التوحيد مجملاً ومفصلاً، ولأن فيه بيان ضده مجملاً ومفصلاً.
يضاد التوحيد الشرك،والشرك -كما هو معلوم- أكبر وأصغر، والدعوة إلى التوحيد لا بد وأن يكون معها نهي عن الشرك؛ لأن الدعوة إلى التوحيد هي دعوة إلى: (لا إله إلا الله)، و(لا إله إلا الله) كفر بالطاغوت وإيمان بالله، فلا بد من النهي عن الشرك.
فأهل التوحيد عندهم دعوة إلى التوحيد مجملاً ومفصلاً، وعندهم أيضاً نهي عن الشرك مجملاً ومفصلاً.
والإجمال ببيان شناعة الشرك، وأنه أعظم ما عُصي الله -جل وعلا- به، وحكم المشرك وصورة الشرك، ونحو ذلك مما فيه بيان الشرك بإجمال دون ذكر الصور -صور الشركيات الموجودة- هذا قد تجده -كما ذكرنا في التوحيد مجملاً - قد تجده عند كثيرين، إذا تكلم ونهى عن الشرك كان نهيه مجملاً، ولا تجد أنه يفصِّل قبل الكلام ولا بعده، وإنما يحب الدعوة إلى التوحيد أو يدعو إلى التوحيد بإجمال، وينهى عن الشرك بإجمال، وهذا لا يفيد الفائدة المرجوة؛ لأن النهي عن الشرك بالإجمال يفسره المتلقي بحسب فهمه، ولكن إذا فصَّلت وحددت فإنه يكون مستوعباً للمراد من الكلام، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله:
فعليك بالتفصيل والتبيين فالـْ إطلاق والإجمال دون بيانِ
قد أفسدا هذا الوجود... ..............
أو كما قال.
الإجمال موجود في الكتاب والسنة، ولكنه إجمال وثمَّ تفصيل له، فمن اقتصر على الإجمال دون التفصيل فهو على غير السبيل.
فالنهي عن الشرك مجملاً عرفته، ومفصلاً:
بأن يُذْكر الشرك الأكبر، الأصغر، والأصغر منه: الخفي؛ ومنه ما هو ظاهر؛ شرك الرياء أو الأعمال الظاهرة مثل: التمائم ولبس الحلقة والخيط والحلف بغير الله ونحو ذلك.
الشرك الأكبر أنواعه معروفة مشهورة عندكم، فيفصّل الداعية كل واحدة، فيأتي إلى دعاء غير الله ويبين أنه من الشرك، ويفصّل ويقيم الدلائل في ذلك بتفصيلها، ثم يذكر صور دعاء غير الله.
كذلك الخوف من غير الله، يذكر صور هذا الخوف من غير الله، والصورة التي هي شرك أكبر بالله جل وعلا.
يأتي إلى الشرك الأصغرويعرضه بتفصيل، التمائم يكون الكلام عليها يحتاج إلى جلسة أو جلستين أو خطبة جمعة أو خطبتين أو ثلاث؛ لأن صور التمائم كثيرة، قد تقول للناس: إن التمائم شرك، وتأتي بالحديث في ذلك؛ لكن لا تبين للناس صورة التمائم، فهذا يقع فيه كثيرون ممن ينهون مجملاً عن الصورة ولا يفصلون الكلام عليها، الناس لا يتصورون المراد بالتمائم إلا بالصور التي كانت في الجاهلية قديمة، لكن الصور الحاضرة اليوم التي تجدها في الشوارع، وفي كثير من البيوت، لا يَتصور أنها من الشرك الأصغر، وهم ربما عملوها ونظروا إليها واستأنسوا لها، فلا بد أن يكون ثمَّ تشخيص للصورة الشركية، وإعطاء الصور الكثيرة بتفصيل لهذه المسألة الشركية، هذه هي الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك مفصلة.
تأخذ الشرك شرك الرياء،أيضاً تفصل الكلام فيه، تأخذ الذبح لغير الله وتفصيل الكلام فيه، النذر لغير الله، وتفصيل الكلام فيه.
تأخذ شرك الألفاظ من نسبة النعم لغير الله جل وعلا، وتفصّل الكلام فيه.
تأخذ الحكم بغير ما أنزل الله وتفصّل الكلام فيه وأنه ليس بذي حالة واحدة، بل له أحوال وأحكام مختلفة، ونحو ذلك بحسب ما قرره أهل العلم.
إذاً: الدعوة سارت هكذا، وهكذا كانت دعوة الأنبياء ودعوة المرسلين، والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- من نظر في دعوته وجد أنه سار هذا المسير، وهكذا الأئمة من بعده رحمهم الله تعالى، وجزاهم عنا وعن المسلمين خيراً.
لا شك أن الداعية بتفصيل في التوحيد سترد عليه شبه،وأما الداعية بإجمال فلن تطرح عليه الشبه، ولهذا تكثر الشبه إذا ازداد التفصيل، فشبه المشبهين في توحيد الله تزداد بازدياد التفصيل في مسائل التوحيد، فإذا شخَّصت له أن دعاء غير الله -جل وعلا- شرك أتى بالاستشكالات، إذا شخصت له أن دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام- شرك أتى بالشبه، إذا قلت له: إن دعاء الصالحين شرك أتى بالشبه، إذا قلت: إن الذبح لغير الله جل وعلا- شرك أكبر أتى بشبه.
من الدعاة المنتسبين إلى الإسلاميين وإلى الدعوات الموجودة من يقول في بعض هذه الصور: إنها شرك، ولكن يجعلها شركاً أصغر، وهذه أيضاً شبهة عظيمة راجت على كثيرين من أتباع الجماعات الإسلامية في غير هذه البلاد، يجعلون الذبح لغير الله شركاً، ولكن يقولون شرك أصغر لا يخرج من الملة.
النذر لغير الله شرك ولكن شرك أصغر،وهكذا في مسائل كثيرة، متى يكون عندهم شرك أكبر، يأتي لك بالشبه التي تطعن فيما قررت من توحيد الله -جل وعلا- والنهي عن الشرك مجملاً ومفصلاً في النوعين، فبقدر فهمك للتوحيد ونهيك عن الشرك مجملاً ومفصلاً ترد الشبهات.
والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله - لما دعا بدعوته مجملة ومفصلة، جاءته الرسائل والكتب وكُتبت الأوراق، ونشرت المناشير في زمنه في تضليله، وإيراد الشبه على أقواله، ولأجل كشف تلك الشبه التي كانت رائجة في عصره في وقتٍ ما صنف رسالة (كشف الشبهات) التي نحن بين يدي شرحها.
والشبهات ليست مقتصرة على ما أورده الشيخ، بل تجد أن الشبهات في التوحيد كلما ذهبت إلى بلد وجدت عند علماء الشرك والضلال من الشبهات ما ليس عند غيرهم.
والشبهة ترد على القلوب وقد تؤثر فيها ولو بالتردد،ولو أن تجعل من سمعها متردداً في داخله، وهذه مصيبة، أن تأتي الشبهة ولن يقتنع بها لكن في داخله يكون متردداً، وهذا تجده عند كثيرين حتى من المنتسبين للعلم في الجامعات، أو ممن درسوا دراسات عصريَّة في هذا العصر، حتى في هذه البلاد من أهل الفطرة، تجد عندهم عدم قناعة بالشرك، ولا بالدعوة إليه، وعندهم قناعة بضده،وبالتوحيد ولكن في القلب بعض التردد من أن ما يصنع عند قبور الأولياء والصالحين أنه شرك وكفر بالله جل وعلا.
ويعظم التردد إذا قلت لهم ما قاله الإمام -رحمه الله- في رسالة (كشف الشبهات) هذه، إن شرك المعاصرين في زمن الشيخ وفي هذا الزمن من جهة المتعلقين بالأولياء والأموات ونحو ذلك أعظم من شرك أهل الجاهلية، يعظم التردد ويعظم لأجل ورود الشبهات.
ومن الشبهات:
كيف يقال ذلك، وهؤلاء مسلمون، يصلون ويزكون ويحجون، وقد ترى على بعضهم أثر السجود وأثر الطاعة والزهادة والبكاء من خشية الله جل وعلا؟
فتعظم الشبهة، ويبقى من لم يكن متحصناً بالتوحيد دائمَ التكرار له في تردد في هذا الأصل العظيم.
أنتم - ولله الحمد - في هذه البلاد قد ما تحتاجون إلى كثرة رد الشبهات، لكن من كان في غير هذه البلاد يجد الصدام عنيفاً، يجد أن المواجهة إنما هي مع هؤلاء، فالمواجهة مع أهل الشرك والضلال، من سافر منكم، إما أن يكون سافر للدعوة فسينظر وسيحاج وسيدعو بإجمال وتفصيل سَتَرِدُهُ الأقوال والأعمال والغرائب، إذا لم يتحصن فربما زل الزلة التي بعدها سيكون في أعظم خسار.
ولهذا الشيخ رحمه الله كتب (كشف الشبهات) هل كتبها للمشركين؟
لا، كشف الشبهات عن المسلمين، صنفها للمسلم للموحد، ولهذا كانت مختصرة كما سترى.
الموحد يحتاج إلى أن يكون مكشوف الشبهة، يعني: أن لا تبقى الشبهة معه، لا شك أن المنهج الصحيح أن لا تورد الشبهات؛ لأن بعض الناس قد لا يكون عنده في قلبه شبهة أصلاً، فإذا وردت الشبهة وبعدها الرد قد تعلق الشبهة ولا يفهم الرد، خاصة أن الشبهات هذه التي يوردها خصوم التوحيد تجد أنها عاطفية، ورد الشبهة علمي.
ومن القواعد المقررة في الدعوة - بمعرفة نفسيات الناس - أن إثارة الناس، والتأثير عليهم بالعاطفة يقوى، وبالعلم لا يكون إلا لمن هو متأهل للفهم والإدراك، مخاطبة العقل، ومخاطبة القلب بالبراهين هذه ما يفهمها إلا الخاصة.
أما العاطفة الهياجة،والأخذ بالعواطف، وبالمد والجزر، وبتحريك النفوس دون البرهان، هذا يقلب النفوس ويؤثر عليها أعظم، ولهذا ليس من المنهج الصحيح أن يستفاض في ذكر الشبهات ويرد عليها؛ لأن الشبهات قد تعلق في القلوب؛ لأن كثيراً من الشبهات مبناها على العاطفة، كقول من يقول: هؤلاء الذين تحكمون عليهم بالشرك مصلون، مزكون يعبدون الله وحده وما دعوا استقلالاً هذه الأموات، وعندهم خشية وتلاوة للقرآن، هذا يختم كل ثلاث، وهذا يصوم يوماً ويفطر يوماً، وهذا كثير الصدقة، وهذا كثير العمل، وهذا مجاهد، وهذا فَعل للإسلام ما فعل؛ إلى آخر الكلمات التي تُحَرَّكُ بها العواطف.
البرهان لا يفهمه إلا من كان عقله مستعداً لقبول البرهان، وكما هو القانون العام أن البراهين لا تصلح إلا لذوي العقول، أما العواطف فتصلح للجمهور.
هذا واضح، لكن من الأمثلة التي قد نمثل بها: أن خطبة خطيبٍ ما، يخطب في موضوع وعظي -مثلاً- يتكلم فيه بكلام ليس بذي أدلة في الشرع، بمشاهدات أو بكلام عام، وخوَّف وروَّع، والكلام نصفه أو أكثر من نصفه غلط في الشرع، كم الذين سيتأثرون بهذا الوعظ الذي حرَّك العواطف، وهذا الخطيب واعظ جيد ويحرك النفوس، كم الذين سيتأثرون؟ الأكثرون سيتأثرون، والقلة سيقولون هذا خلاف العلم، هذا غلط، فلان غلِط، والوعظ لا بد أن يرتبط بالشرع، وهكذا، لكن هؤلاء سيتأثرون، لم؟ لأن أكثر الناس جُهَّال، وحتى الشباب، ليس كل الشباب في مستوى واحد من العلم وإدراكات العلوم، فقد يقنعون بمسائل العلم خلافها وخاصة في مسائل التوحيد، وهذا الكلام ليس مخاطباً به أهل هذه البلاد، وإنما نرجو أن ينتشر الكلام فيها وفي غيرها.
لهذا أعظم ما يعتني به طالب العلم والشاب الذي رغب فيما عند الله جل وعلا، وتوجه إلى الله وحده، وتجافى عن دار الغرور وضحى بما يشتهيه ويلتذ له بما عند الله جل وعلا، نتوجه إليه بأن يكون همه في دراسة هذا الأمر العظيم هماً عظيماً، ولن يدرك إلا إذا أكمل، في البدايات لن يدرك، لكن إذا أكمل عرف أنه على خطر إن لم يتابع ويتابع ويتابع.
أحد مشايخنا الذين قرأت عليهم في التوحيد، مرة قال له أحد طلاب العلم - وهو بجنبه، وكان يريد أن نقرأ كما هي العادة، رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة، قرئت مرة وكررت، قال: (هذه سمعناها وكررناها) فمن غضبه وَكَزَه وكْزَة، مباشرةً الحرارة ظهرت في وجهه، وكز هذا وهذا طالب علم أيضاً وكان بجنبه، وأنا كنت أمامهم، وهذا ما يستقيم مع كل نفس، لكن مع النفس التي عرفت عظم حق الله -جل وعلا- بهذا الأمر العظيم، لأنه إذا ما كُرر نُسي.
ولهذا في هذا الكتاب في (كشف الشبهات) في أواخره قول الشيخ -رحمه الله- بعد أن قرر مسائل، قال: (وبمعرفة هذا-يعني ما تقدم ذلك الكلام- تعلم أن قولهم: (التوحيد فهمناه) من أكبر مصائد الشيطان).
وهذا لاشك أنه حاصل، حاصل، وتأمل قول الله -جل وعلا- مخبراً عن دعاء إبراهيم: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} قال العلماء: خاف على نفسه؛ وهو إبراهيم خليل الله، خاف على نفسه عبادة الأصنام، وخاف على بنيه.
قال إبراهيم التيمي في تفسيرها: (ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم).
إذا كنت لا تأمن البلاء، فلابد أن تضع حماية قوية، وسوراً منيعاً، أن يتطرق إليك ذلك.
بعضهم يقول:هل ممكن أن نعبد - أعوذ بالله - الأوثان والأصنام؟
نقول: ربما لم يكن ممكناً - بفضل الله وبنعمته - في جيلك؛ ولكن تساهلك عشرين في المائة، بعد زمن يتساهلون عشرين، ثم تصل إلى مرحلة لا تتواصى فيها الأجيال على الحفاظ على التوحيد.
وخذ مثلاً من الأمثلة فيما شاهدتُ بنفسي، وذكرته لبعض الإخوان مرة؛ أنه في مكان قريب من الدار التي أسكنها، مرة بعد صلاة الظهر إذا بأحد البيوت التي بُنيت حديثاً، إذا بواحد بل اثنين من الباكستانيين يذبحون عند عتبة الباب خروفاً، والدم يسيل بشدة على العتبة، أنا أسمع بهذه الصورة في كلام أهل العلم، لكن رؤيتها واقعاً، ما رأيتها إلا في الرياض في حي المحمدية، والذي حصلت له من حيث السلسلة هو من أهل نجد.
من أين جاءت هذه؟ هو من التساهل، التوحيد فهمناه، فينشأ أجيال ما يعرفونها، ولا تغرس في قلوبهم حرارة التوحيد، فيدخل الداخل بهذه الأمور من جهة أخرى، من جهة ما يوجب الخوف أنه قد لا يكون من الحاضرين من يتوجه إلى غير الله - والعياذ بالله - يعني من هذا الزمن، في هذه البلاد، ولكن بعد زمن يمكن أن يكون ذلك؛ لأن الله -جل وعلا- ما أعطى أهل هذه البلاد ولا غيرهم عصمة.
أهل الجزيرة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- أسلموا، ثم حصل من بعضهم ردة، لكن قد يكون شيء - وهو المصيبة، وفتش نفسك - وهو التردد في قبول ما قاله العلماء في مسائل التوحيد، وهذا يعرض على كثير من القلوب يتردد، (والله هؤلاء مشدِّدين) بدأ النقص، (والله المسألة أن علماءنا في هذا فيهم شدة) هنا بدأ النقص الفعلي.
وإذا تردد القلب، ولم يكن على علم ويقين بحق الله جل وعلا، بالتوحيد وبالحكم على المشرك بأنه مشرك، وعلى الصورة الشركية بأنها شرك، فبداية التردد هذه يكون معه القلب في ريب، يكون يتعبد ويتعبد ولكن القلب ليس بسليم، فيه تردد في هذا الأمر العظيم، وهذا دخل على قلوب كثيرين؛ وحرِّك ترى.
وهذه يخدمك فيها طائفة من الكتب:
منها: كتاب(بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب) للأديب الموحد محمود شكري الألوسي.
منها:أي من المراجع في هذا الباب: الكتب التي كَتبت عن تاريخ العرب قبل الإسلام:(المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) وكتاب (تاريخ العرب قبل الإسلام)، كتُب أديان العرب في عدد ممن بحثوا أديان العرب، إلى آخره.
فالتوسع في فهم ما كان قبل مجيء محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام- بهذا النور وهذا الهدى، يفهمك الحالة الدينية التي كانوا فيها، ما هو الشرك الذي كانوا يمارسونه؟
لأنك إذا عرفت الحال عرفت معنى الآيات، عرفت معنى أقوال النبي عليه الصلاة والسلام، عرفت معنى دعوته، وتهتم بأشعار العرب فيما ورد في ذلك؛ لأن كثيراً من الصور جاءت في الشعر العربي.
النوع الثاني من المراجع:
كتب التفسير،عند الآيات التي فيها ذكر الشرك، أو الأمر بالتوحيد، أو ذكر أهل الجاهلية من الأميين أو الكتابيين، الآية تنظر ما قاله السلف فيها؛ لأن المتأخرين من المفسرين صرفوا الآيات عن تفاسير السلف؛ لأن المتأخرين عندهم أن التوحيد وعبادة غير الله هي باعتقاد أن الخالق هو غير الله، وأما تفاسير السلف فتجد أنها بخلاف ذلك.
الأصنام والأوثان ما هي؟
المتأخرون يفسرونها بتفسير، والمتقدمون - السلف - يفسرونها بتفسير آخر، ولهذا ترى أن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- توسع في فهم تفاسير السلف، فهو في التفسير في آيات التوحيد حجة، فقد توسع توسعاً يعلمه من طالع كتاباته في التفسير، وهي موجودة ضمن المجموع، ويجعلها الشيخ رحمه الله على شكل مسائل وفوائد.
النوع الثالث من الكتب: كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وشيخ الإسلام في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) في أواخره وفي أواخر (التدمرية) وفي (التوسل والوسيلة) وفي (الاستغاثة الكبرى) المعروفة بـ(الرد على البكري) وفي (الرد على الإخنائي) هذه الكتب أصَّل فيها شيخ الإسلام مسائل توحيد العبادة، وحال المشركين الذين بُعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
النوع الرابع: مصنفات الإمام الجليل
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومصنفات أبنائه وتلامذته ومن سلك سبيلهم.
النوع الخامس: فتاوى علمائنا المعاصرين، سماحة الشيخ عبد العزيز، وبقية العلماء حفظهم الله.
بهذا التسلسل يكون عندك وضوح في رد الشبهات، أما إذا عكست فتكون تعرف التوحيد، ولكن لا يكون عندك ملكة في رد الشبهات.
وهذه الكتب التي ذكرنا منها كتب مخصصة في رد الشبهات، وهي كتب الردود:
منها: عند شيخ الإسلام (الرد على البكري) وهو كتاب عظيم في هذا الباب.
ومنها: في كتب أئمة الدعوة: (الرد على عثمان بن منصور) للشيخ عبد الرحمن بن الشيح عبد اللطيف، وكذلك الرد أو (كشف الشبهات) و(كفر تارك التوحيد) مفيد المستفيد للشيخ، وغير هذه من الكتب التي فيها ردود، ولغير علماء هذه البلاد أيضاً، فكتب الردود تلخص عندك الشبهات وتلخص الرد.
قد كلفت بعض الإخوة، أو اقترحت عليه - بالأصح - أن يكون عنده جمع لنفسه للشبهات التي يحتج بها الخصوم؛ حتى يكون هناك مؤلَّف في الشبهة وفي ردها، لنشرها عند إخواننا الذين يدعون إلى توحيد الله في الأمصار جميعاً، ولكن كثرت وبعضها فيه طول في ردها، فصار من جراء الجمع شبه كثيرة قد ما تكون خطرت في بعض البلاد، فأرجئ الموضوع بعض الشيء؛ لأن بعض الشبهات في بلد قد ما تكون عند بلد أخرى، قد يجيء واحد يأخذ الشبهة ويرد عليها في بلد ثان؛ فتثور شبهة جديدة لا يعرفها أهل تلك البلاد.
فإذاً: يهمنا في هذا الأمر - وهو (كشف الشبهات) - أن تتوسع إذا أردت، يعني: هذا سأعطيك إياه إن شاء الله تعالى في الشرح، لكن تتوسع في فهم حال العرب قبل الإسلام، فإنها من أنفع الأشياء، ولهذا من الأغلاط العظيمة التي يندد بها أئمة الدعوة قول من يقول: إن هذه الآيات التي تذكرون وهذه الأحكام إنما هي في المشركين وليست في هؤلاء، ويرد عليهم بما قاله العلماء بأن الحال هي الحال ((لتتبعن سنن من كان قبلكم))((قلتم والذي نفسي بيده كما قال أصحاب موسى لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ})) فما أشبه الليلة بالبارحة، هذا يتوارد؛ لأن الأفكار محدودة، شبهات الشيطان لا حد لها محدودة، فيتوارثها الناس جيلاً بعد جيل.
أسئلة:
[سؤال]:هذا سؤال جيد، يقول: هل تقسيم الدعوة إلى التوحيد تقسيم لك أم هناك من سبقك؟
[جواب]:التقسيم ليس حكماً، التقسيم للإفهام، فالتقسيم الذي هو حكم هذا يحتاج إلى أن يكون هناك من يسبق المرء؛ لأن الأحكام لا تكون مستأنفة، لا تقل في مسألة ليس لك فيها إمام.
أما التقسيم الذي هو للإيضاح فإن هذا وظيفة المعلم.
والقرآن فيه هذا وهذا: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} هذا إجمال، وتفصيله في آيات آخر.
النبي -عليه الصلاة والسلام- أجمل وفصل، دعوة العلماء، دعوة الشيخ محمد إجمال وتفصيل، (كتاب التوحيد) إجمال وتفصيل في النوعين جميعاً.
فالتقسيم هذا من جهة الاستقراء، وهو تقسيم للإفهام، لا للحكم.
[سؤال]:هل بيان الشبهات للعامة والرد عليها أسلوب من أساليب حفظ التوحيد وصيانته ؟
[جواب]:لا، مثل ما ذكرت لكم، الشبهة لا تورد، الشبهة بلاء، وردها دواء، فأنت ما تأتي بالبلاء وترده، واحد يأتي بالمرض ويقول: سأعالجه ؟! ما يصلح، فالشبهة لا توردها، وليست هي من المجالات التي يتعالم فيها بعض الناس، يأتي واحد يقول: الشبهة هذه كيف ترد عليها؟ بعض الناس يورد شبهة وما هناك حاجة للكلام أصلاً، إلا إذا احتيج إليها عند أهل العلم وعند طلاب العلم.
وأصل كتاب (كشف الشبهات) كان يمكن أن يمر إمراراً سريعاً، ويُسمع سماعاً مع تعليقات وجيزة، لكن كثير من الناس اليوم وطائفة من الشباب من عنده شبهات في التوحيد، عنده شبهات في الشرك، وعنده شبهات في تكفير المشركين، فلابد من إيضاح المقام.
[سؤال]:نود الفرق بين الإشكال والشبهة ؟
[جواب]: الإشكال: شيء يرد على فهم الكلام، لكن الشبهة: شيء يرد يصرف الحكم إلى غيره، الشبهة ترد تقول: الحكم ليس هو كذا، بل كذا.
أما الإشكال:مع بقاء الأصل، تقول: أنا مقتنع بكذا وكذا، لكن إشكال يراد أن يجاب عنه.
فالإشكال من الموافق والشبهة من غير الموافق.
[سؤال]:هل يكفي قاعدة لهذا الدرس حفظ (الأصول الثلاثة) وشرحها ؟
[جواب]:لا، (الأصول الثلاثة) سهلة، أذكر الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، ذكرت له مرة وكنا نتكلم في (كشف الشبهات) وأسأله عن بعض الأشياء، فقال: (كشف الشبهات) رسالة صغيرة، لكن هي أصل