ومن الأوصاف التي توجب القطع في السرقة:
- أن يكون المسروق مالاً محترما؛ لأن ما ليس بمال لا حرمة له؛ كآلة اللهو والخمر والخنزير والميتة، وما كان مالاً، لكنه غير محترم، لكون مالكه كافرًا حربيا؛ فلا قطع فيه؛ لأن الكافر الحربي حلال الدم والمال.
- ومن الأوصاف التي يجب توافرها في القطع في السرقة: أن يكون المسروق نصابا، وهو ثلاثة دراهم إسلامية، أو ربع دينار إسلامي، أو ما يقابل أحدهما من النقود الأخرى، أو أقيام العروض المسروقة في كل زمان بحسبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا))، رواه أحمد ومسلم وغيرهما، وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم.
وفي تخصيص القطع بهذا القدر حكمة ظاهرة؛ فإن هذا القدر يكفي المقتصد في يومه له ولمن يمونه غالبا؛ فانظر كيف تقطع اليد في سرقة ربع دينار مع أن ديتها لو جنى عليها خمس مئة دينار؛ لأنها لما كانت أمينة كانت ثمينة، ولما خانت هانت، ولهذا لما اعترض بعض الملاحدة وهو المعري بقوله:
يدُ بخمس مئين عسجد وُدِيَت = ما بالُها قُطعت في رُبُع دينار
أجابه بعض العلماء بقوله:
عزُ الأمانة أغلاها وأرخصها = ذُلَّ الخيانةُ فافهم حكمة الباري
- ومن الأوصاف التي يجب توافرها للقطع في السرقة: أن يأخذ المسروق من حرزه، وحرز المال: ما العادة حفظه فيه؛ لأن الحرز معناه الحفظ، والحرز يختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه؛ فالأموال الثمينة حرزها في الدور والدكاكين والأبنية الحصينة وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة، وما دون ذلك حرزه بحسبه على عادة البلد، فإن سرقه من غير حرز، كما لو وجد بابا مفتوحا، أو حرزًا مهتوكا، فأخذه منه؛ فلا قطع عليه
ولا بد أن تنتفي الشبهة عن السارق فيما أخذ، فإن كان له شبهة يظنها تسوِّغ له الأخذ؛ لم يقطع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم))؛ فلا قطع عليه بسرقته من مال أبيه ولا بسرقته من مال ولده؛ لأن نفقة كل منهما تجب في مال الآخر، وذلك شبهة تدرأ عنه الحد، وهكذا كل من له استحقاق في مال؛ فأخذ منه؛ فلا قطع عليه، لكن يحرم عليه هذا الفعل، ويؤدب عليه، ويرد ما أخذ.
ولا بد من توافر ما سبق من الصفات من ثبوت السرقة: إما بشهادة عدلين يصفان كيفية السرقة وحرزها وقدر المسروق وجنسه؛ لتزول الاحتمالات والشبهات، وإما بإقرار السارق مرتين على نفسه بالسرقة؛ لما روى أبو داود؛ أنه صلى الله عليه وسلم أتى بلص قد اعترف، فقال له: ((ما أخالك سرقت)) قال: بلى. فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا؛؛ فأمر به، فقطع.
ولا بد في إقراره أن يصف السرقة؛ ليندفع احتمال أنه يظن القطع فيما لا قطع فيه، وليعلم توافر شروط أو عدم توافرها.
ولا بد أن يطالب المسروق منه بماله، فلو لم يطالب؛ لم يجب القطع لأن المال يباح بإباحة صاحبه وبذله له، فإذا لم يطالب؛ احتمل أنه سمح به له، وذلك شبهة تدرأ الحد.
وإذا وجب القطع لتكامل شروطه؛ قطعت يده اليمنى؛ لقراءة ابن مسعود في قوله تعالى: {فاقطعوا أيمانهما}، ومحل القطع من مفصل الكف؛ لأن اليد آلة السرقة، فعوقب بإعدام آلتها، واقتصر القطع على الكف؛ لأن اليد إذا أطلقت؛ انصرفت إليه، وبعد قطعها يعمل لها ما يحسم الدم ويندمل به الجرح من أنواع العلاج المناسبة في كل زمان بحسبه.
[الملخص الفقهي: 2/551-554]