3- طريق معرفة سبب النزول
لا طريق لمعرفة أسباب النزول إلا النقل الصحيح روى الواحدي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الحديث إلا ما علمتم فإنه من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار" . ومن هنا لا يحل القول في أسباب النزول إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها. ا هـ.
وعلى هذا فإن روي سبب النزول عن صحابي فهو مقبول وإن لم يعتضد أي لم يعزز برواية أخرى تقويه. وذلك لأن قول الصحابي فيما لا مجال للاجتهاد فيه حكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه يبعد كل البعد أن يكون الصحابي قد قال ذلك من تلقاء نفسه على حين أنه خبر لا مرد له إلا السماع والنقل أو المشاهدة والرؤية.
أما إذا روي سبب النزول بحديث مرسل أي سقط من سنده الصحابي وانتهى إلى التابعي فحكمه أنه لا يقبل إلا إذا صح واعتضد بمرسل آخر وكان الراوي له من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير.
التعبير عن سبب النزول
...
4- التعبير عن سبب النزول
تختلف عبارات القوم في التعبير عن سبب النزول. فتارة يصرح فيها بلفظ السبب فيقال: سبب نزول الآية كذا وهذه العبارة نص في السببية لا تحتمل غيرها.
وتارة لا يصرح بلفظ السبب ولكن يؤتى بفاء داخلة على مادة نزول الآية عقب سرد حادثة وهذه العبارة مثل تلك في الدلالة على السببية أيضا. ومثاله رواية جابر الآتية قريبا. ومرة يسأل الرسول فيوحى إليه ويجيب بما نزل عليه ولا يكون تعبير بلفظ سبب النزول ولا تعبير بتلك الفاء ولكن السببية تفهم قطعا من المقام كرواية ابن مسعود الآتية عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح. وحكم هذه أيضا حكم ما هو نص في السببية. ومرة أخرى لا يصرح بلفظ السبب ولا يؤتى بتلك الفاء ولا بذلك الجواب المبني على السؤال بل يقال: نزلت هذه الآية في كذا مثلا. وهذه العبارة ليست نصا في السببية بل تحتملها وتحتمل أمرا آخر هو بيان ما تضمنته الآية من الأحكام. والقرائن وحدها هي التي تعين أحد هذين الاحتمالين أو ترجحه.
ومن هنا نعلم أنه إذا وردت عبارتان في موضوع واحد إحداهما نص في السببية لنزول آية أو آيات والثانية ليست نصا في السببية لنزول تلك الآية أو الآيات هنالك نأخذ في السببية بما هو نص ونحمل الأخرى على أنها بيان لمدلول الآية لأن النص أقوى في الدلالة من المحتمل.
مثال ذلك: ما أخرجه مسلم عن جابر قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} من سورة البقرة. وما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: أنزلت {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} في إتيان النساء في أدبارهن.
فالمعول عليه في بيان السبب هو رواية جابر الأولى لأنها صريحة في الدلالة على السبب. وأما رواية ابن عمر فتحمل على أنها بيان لحكم إتيان النساء في أدبارهن وهو التحريم. استنباطا منه.
أما إذا كان الاختلاف دائرا بين عبارتين أو عبارات ليس شيء منها نصا كأن يقول بعض المفسرين نزلت هذه الآية في كذا. ويقول الآخر: نزلت في كذا ثم يذكر شيئا آخر غير ما ذكره الأول وكان اللفظ يتناولهما ولا قرينة تصرف إحداهما إلى السببية فإن الروايتين كلتيهما تحملان على بيان ما يتناوله من المدلولات. ولا وجه لحملهما على السبب.
وأما إذا كان الاختلاف دائرا بين عبارتين أو عبارات كلها نص في السببية فهنا يتشعب الكلام. ولنفرده بعنوان.
تعدد الأسباب والنازل واحد
...
5- تعدد الأسباب والنازل واحد
إذا جاءت روايتان في نازل واحد من القرآن وذكرت كل من الروايتين سببا صريحا غير ما تذكره الأخرى نظر فيهما. فإما أن تكون إحداهما صحيحة والأخرى غير صحيحة. وإما أن تكون كلتاهما صحيحة ولكن لإحداهما مرجح دون الأخرى. وإما أن تكون كلتاهما صحيحة ولا مرجح لإحداهما على الأخرى ولكن يمكن الأخذ بهما معا. وإما أن تكون كلتاهما صحيحة ولا مرجح ولا يمكن الأخذ بهما معا. فتلك صور أربع لكل منها حكم خاص نسوقه إليك:
أما الصورة الأولى- وهي ما صحت فيه إحدى الروايتين دون الأخرى فحكمها الاعتماد على الصحيحة في بيان السبب. ورد الأخرى غير الصحيحة. مثال ذلك ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جندب قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتته امرأة فقالت: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} . وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة عن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها وكانت
خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال: "يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ جبريل لا يأتيني" فقلت في نفسي: لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد1 لحيته وكان إذا نزل عليه أخذته الرعدة فأنزل الله: {وَالضُّحَى} إلى قوله {فَتَرْضَى} . فنحن بين هاتين الروايتين نقدم الرواية الأولى في بيان السبب لصحتها دون الثانية لأن في إسنادها من لا يعرف. قال ابن حجر: قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب وفي إسناده من لا يعرف فالمعتمد ما في الصحيح ا هـ.
وأما الصورة الثانية- وهي صحة الروايتين كلتيها ولإحداهما مرجح- فحكمها أن نأخذ في بيان السبب بالراجحة دون المرجوحة. والمرجح أن تكون إحداهما أصح من الأخرى أو أن يكون راوي إحداهما مشاهدا للقصة دون راوي الأخرى. مثال ذلك: ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. وهو يتوكأ على عسيب. فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم: لو سألتموه. فقالوا: حدثنا عن الروح. فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} . وما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل. فقالوا: اسألوه عن الروح فسألوه فأنزل الله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الآية.
__________
1 قال في القاموس: وقد رعد كنصر ومنع. وقال هامش القاموس: وقد استعمل رعد ثلاثيا أيضا مجهولا دائما, كجن. قالوا: رعد أي اصابته رعدة. قاله الخفاجي في شرح الشفاء ا هـ.
فهذا الخبر الثاني يدل على أنها بمكة وأن سبب نزولها سؤال قريش إياه. أما الأول فصريح في أنها نزلت بالمدينة بسبب سؤال اليهود إياه وهو أرجح من وجهين: أحدهما أنه رواية البخاري أما الثاني فإنه رواية الترمذي ومن المقرر أن ما رواه البخاري أصح مما رواه غيره. ثانيهما أن راوي الخبر الأول وهو ابن مسعود كان مشاهد القصة من أولها إلى آخرها كما تدل على ذلك الرواية الأولى بخلاف الخبر الثاني فإن رواية ابن عباس لا تدل الرواية على أنه كان حاضر القصة ولا ريب أن للمشاهدة قوة في التحمل وفي الأداء وفي الاستيثاق ليست لغير المشاهدة ومن هنا أعملنا الرواية الأولى وأهملنا الثانية.
وأما الصورة الثالثة- وهي ما استوت في الروايتان في الصحة ولا مرجح لإحداهما لكن يمكن الجمع بينهما بأن كلا من السببين حصل ونزلت الآية عقب حصولهما معا لتقارب زمنيهما فحكم هذه الصورة أن نحمل الأمر على تعدد السبب لأنه الظاهر ولا مانع يمنعه. قال ابن حجر: لا مانع من تعدد الأسباب.
مثال ذلك: ما أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة أو حد في ظهرك" . فقال يا رسول الله إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة. وفي رواية أنه قال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله تعالى ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل عليه السلام وأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} حتى بلغ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} ا هـ وهذه الآيات من سورة النور.
وأخرج الشيخان واللفظ للبخاري عن سهل بن سعد أن عويمرا أتى عاصم بن عدي وكان سيد بني عجلان فقال: كيف تقولون في رجل وجد مع
امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأتى عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله وفي رواية مسلم فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها. فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فجاءه عويمر فقال يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبك" . فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمى الله في كتابه فلاعنها ا هـ. فهاتان الروايتان صحيحتان ولا مرجح لإحداهما على الأخرى ومن السهل أن نأخذ بكلتيهما لقرب زمانيهما على اعتبار أن أول من سأل هو هلال بن أمية ثم قفاه عويمر قبل إجابته فسأل بواسطة عاصم مرة وبنفسه مرة أخرى فأنزل الله الآية إجابة للحادثين معا. ولا ريب أن إعمال الروايتين بهذا الجمع أولى من إعمال إحداهما وإهمال الأخرى إذ لا مانع يمنع الأخذ بهما على ذلك الوجه. ثم لا جائز أن نردهما معا لأنهما صحيحتان ولا تعارض بينهما. ولا جائز أيضا أن نأخذ بواحدة ونرد الأخرى لأن ذلك ترجيح بلا مرجح. فتعين المصير إلى أن نأخذ بهما معا. وإليه جنح النووي وسبقه إليه الخطيب فقال: لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد ا هـ.
ويمكن أن يفهم من الرواية الثانية أن آيات الملاعنة نزلت في هلال أولا ثم جاء عويمر فأفتاه الرسول بالآيات التي نزلت في هلال. قال ابن الصباغ: قصة هلال تبين أن الآية نزلت فيه أولا. وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعويمر: "إن الله أنزل فيك وفي صاحبتك" فمعناه ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس.
وأما الصورة الرابعة- وهي استواء الروايتين في الصحة دون مرجح
لإحداهما ودون إمكان للأخذ بهما معا لبعد الزمان بين الأسباب فحكمها أن تحمل الأمر على تكرار نزول الآية بعدد أسباب النزول التي تحدثت عنها هاتان الروايتان أو تلك الروايات لأنه إعمال لكل رواية ولا مانع منه. قال الزركشي في البرهان: وقد ينزل الشيء تعظيما لشأنه وتذكيرا عند حدوث سببه خوف نسيانه ا هـ.
مثال ذلك ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد وقد مثل به فقال: "لأمثلن بسبعين منهم مكانك" فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إلى آخر السورة وهن ثلاث آيات.
وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي بن كعب قال" لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا به فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين أي لنزيدن عليهم.
فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ} الآية.
فالرواية الأولى تفيد أن الآية نزلت في غزوة أحد والثانية تفيد أنها نزلت يوم فتح مكة على حين أن بين غزوة أحد وغزوة الفتح الأعظم بضع سنين فبعد أن يكون نزول الآية كان مرة عقيبهما معا. وإذن لا مناص لنا من القول بتعدد نزولها مرة في أحد ومرة يوم الفتح. وقد ذهب البعض إلى أن سورة النحل كلها مكية.
وعليه فتكون خواتيمها المذكورة نزلت مرة بمكة قبل هاتين المرتين اللتين في المدينة وتكون عدة مرات نزولها ثلاثا. وبعضهم يقول إن سورة النحل مكية ما عدا خواتيمها تلك فإنها مدنية وعليه فعدة مرات نزولها اثنتان فقط.
شبهة وجوابها
وإذا استشكل على تكرار النزول بأنه عبث ما دامت الآية قد نزلت قبل ذلك السبب الجديد وحفظها الرسول صلى الله عليه وسلم واستظهرها الحفاظ من الصحابة ويمكن الرجوع إليها من غير حاجة إلى نزولها مرة أخرى.
فالجواب أن هناك حكمة عالية في هذا التكرار وهي تنبيه الله لعباده ولفت نظرهم إلى ما في طي تلك الآيات المكررة من الوصايا النافعة والفوائد الجمة التي هم في أشد الحاجة إليها. فخواتيم سورة النحل التي معنا مثلا نلاحظ أن الحكمة في تكرارها هي تنبيه الله لعباده أن يحرصوا على العمل بما احتوته من الإرشادات السامية في تحري العدالة وضبط النفس عند الغضب ومراقبة الخالق حتى في القصاص من الخلق والتدرع بالصبر والثبات. والاعتماد على الله والثقة بتأييده ونصره لكل من اتقاه وأحسن في عمله جعلنا الله منهم أجمعين آمين.
أضف إلى هذه الحكمة ما ذكره الزركشي آنفا من أن تكرار النزول تعظيم لشأن المكرر وتذكير به خوف نسيانه.
تعدد النازل والسبب واحد
...
6- تعدد النازل والسبب واحد
قد يكون أمر واحد سببا لنزول آيتين أو آيات متعددة على عكس ما سبق ولا مانع من ذلك لأنه لا ينافي الحكمة في إقناع الناس وهداية الخلق وبيان الحق عند الحاجة بل إنه قد يكون أبلغ في الإقناع وأظهر في البيان.
مثال السبب الواحد تنزل فيه آيتان ما أخرجه ابن جرير الطبري والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة فقال: "إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا جاء فلا تكلموه" . فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق العينين فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "علام تشتمني أنت وأصحابك؟" فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز
عنهم. فأنزل الله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} من سورة التوبة.
وأخرج الحاكم وأحمد هذا الحديث بهذا اللفظ وقالا: فأنزل الله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} من سورة المجادلة ا هـ.
ومثال السبب الواحد ينزل فيه أكثر من آيتين ما أخرجه الحاكم والترمذي عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} من سورة آل عمران ا هـ.
وأخرج الحاكم أيضا عنها أنها قالت: قلت: يا رسول الله: تذكر الرجال ولا تذكر النساء فأنزلت: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ1} وأنزلت {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى2} .
__________
1 من سورة الأحزاب وتمامها: {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} .
2 وهي من آية آل عمران السابقة.
وأخرج الحاكم أيضا أنها قالت تغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث. فأنزل الله: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} 1 وأنزل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} 2.
__________
1 من سورة النساء وتمامها قد تقدم.
2 من سورة الأحزاب، وتمامها قد تقدم أيضا قريبا.
العموم والخصوص بين لفظ الشارع وسببه
...
7- العموم والخصوص بين لفظ الشارع وسببه
هذا مبحث أفرده الأصوليون بالكلام لأن مهمتهم الاستدلال بألفاظ الشارع على الأحكام ونحن نلخص لك هنا ما يسمح به المقام لمناسبة أسباب النزول وما ينزل فيها مما يوافقها أو لا يوافقها في العموم والخصوص فنقول: اعلم أن لفظ الشارع الوارد جوابا لسؤال أو سبب قد يكون مستقلا أو مفيدا وحده بقطع النظر عن السبب أو السؤال الوارد فيه. وقد يكون غير مستقل بمعنى أنه لا يفيد إلا إذا لوحظ معه السبب أو السؤال.
ولكل من هذين النوعين حكمة:
فأما الجواب الذي ليس بمستقل: فحكمه أنه يساوي السؤال في عمومه باتفاق الأصوليين ويساويه أيضا في خصوصه على الرأي السائد عندهم.
فلو قال سائل: هل يجوز الوضوء بماء البحر فأجيب بلفظ بنعم أو لفظ يجوز كان المعنى: يجوز الوضوء بماء البحر لكل من أراد من الناس لا لخصوص هذا السائل وذلك لأن السؤال استفهام عن الجواز مطلقا من غير اعتبار خصوص المتكلم فكذلك جوابه لأنه غير مستقل.
ولو قال السائل: توضأت بماء البحر فأجيب بلفظ يجزئك كان معناه:
أن الوضوء بماء البحر يجزئ السائل وحده لأن السؤال خاص بالمتكلم فكذلك جوابه غير المستقل. أما غير المتكلم فلا يعلم حكمه من هذا الجواب بل يعلم من دليل آخر كالقياس أو كقوله صلى الله عليه وسلم: "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" . ذلك كله في الجواب غير المستقل.
وأما الجواب المستقل: فتارة يكون مثل السبب في أن كلا منهما عام أو خاص. وحكمه إذن أنه يساويه. فاللفظ العام يتناول كل أفراد سببه العام في الحكم واللفظ الخاص مقصور على شخص سببه الخاص في الحكم. وهذا محل اتفاق بين العلماء لمكان التكافؤ والتساوي بين السبب وما نزل فيه. وأمثلة الأول- وهو العام فيهما- كثيرة. منها الآيات النازلة في غزوة بدر والآيات النازلة في غزوة أحد من سورة آل عمران.
ومثال الثاني- وهو الخاص فيهما- قوله سبحانه في سورة الليل: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} .
قال الجلال المحلي: هذا نزل في الصديق رضي الله عنه لما اشترى بلالا المعذب على إيمانه وأعتقه. فقال للكفار: إنما فعل ذلك ليد كانت له عنده فنزلت: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} .
واعلم أن هذا التمثيل لا يستقيم إلا على اعتبار أن أل في لفظ {الْأَتْقَى} للعهد والمعهود هو الصديق رضي الله عنه.
وتارة يأتي الجواب المستقل غير متكافئ مع السبب في عمومه وخصوصه. وتحت ذلك صورتان: إحداهما عقلية محضة غير واقعة وهي أن يكون السبب عاما واللفظ خاصا. وإنما كانت عقلية محضة وفرضية غير واقعة لأن حكمة الشارع تجل عن أن تأتي بجواب قاصر لا يتناول جميع أفراد السبب. أضف إلى ذلك أنه يخل ببلاغة القرآن القائمة على رعاية مقتضيات الأحوال. وهل يعقل أن يسأل
سائل فيقول مثلا؟ هل يجوز لجماعة المسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم ويقاتلوا من قاتلهم فيأتي الجواب قائلا: لك أنت أن تدافع عن نفسك وتقاتل من قاتلك.
الصورة الثانية هي عموم اللفظ وخصوص سببه.
عموم اللفظ وخصوص سببه
...
8- عموم اللفظ وخصوص سببه
ومعناه أن يأتي الجواب أعم من السبب ويكون السبب أخص من لفظ الجواب. وذلك جائز عقلا وواقع فعلا لأنه لا محظور فيه ولا قصور بل إن عمومه مع خصوص سببه موف بالغاية ومؤد للمقصود وزيادة.
بيد أن العلماء اختلفوا في حكمه أعموم اللفظ هو المعتبر أم خصوص السبب؟.
ذهب الجمهور إلى أن الحكم يتناول كل أفراد اللفظ سواء منها أفراد السبب وغير أفراد السبب. ولنضرب لك مثلا: حادثة قذف هلال بن أمية لزوجته وقد نزل فيها قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الخ نلاحظ فيها أن السبب خاص وهو قذف هلال هذا لكن جاءت الآية النازلة فيه بلفظ عام -كما ترى- وهو لفظ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} . وهو اسم موصول والموصول من صيغ العموم وقد جاء الحكم بالملاعنة في الآية محمولا عليه من غير تخصيص. فيتناول بعمومه أفراد القاذفين في أزواجهم ولم يجدوا شهداء إلا أنفسهم سواء منهم هلال بن أمية صاحب السبب وغيره ولا نحتاج في سحب هذا الحكم على غير هلال إلى دليل من قياس أو سواه بل هو ثابت بعموم هذا النص. ومعلوم أنه لا قياس ولا اجتهاد مع النص. ذلك مذهب الجمهور.
وقال غير الجمهور: إن العبرة بخصوص السبب. ومعنى هذا أن لفظ الآية يكون مقصورا على الحادثة التي نزل هو لأجلها أما أشباهها فلا يعلم حكمها من نص الآية إنما يعلم بدليل مستأنف آخر هو القياس إذا استوفى شروطه أو قوله صلى الله عليه وسلم:
"حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" . فآية القذف السابقة النازلة بسبب حادثة هلال مع زوجه خاصة بهذه الحادثة وحدها على هذا الرأي. أما حكم غيرها مما يشبهها فإنما يعرف قياسا عليها أو عملا بالحديث المذكور.
ويجب أن نلاحظ أن هذا الخلاف القائم بين الجمهور وغيرهم محله إذا لم تقم قرينة على تخصيص لفظ الآية العام بسبب نزوله أما إذا قامت تلك القرينة فإن الحكم يكون مقصورا على سببه لا محالة بإجماع العلماء.
كما يجب أن نلاحظ أيضا أن حكم النص العام الوارد على سبب يتعدى عند هؤلاء وهؤلاء إلى أفراد غير السبب. بيد أن الجمهور يقولون إنه يتناولهم بهذا النص نفسه وغير الجمهور يقولون إنه لا يتناولهم إلا قياسا أو بنص آخر كالحديث المعروف: حكمي على الواحد حكمي على الجماعة.
وإلى هذا المعنى يشير ابن تيمية بقوله: قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا لا سيما إن كان المذكور شخصا كقولهم: إن الآية الظهار نزلت في امرأة قيس بن ثابت وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله وإن آية قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} نزلت في بني قريظة والنضير ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة أو في قوم من اليهود والنصارى أو في قوم من المؤمنين. فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق. والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب: هل يختص بسببه؟ لم يقل أحد إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين. وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ. والآية التي لها سبب معين إن كانت أمرا أو نهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته ا هـ.
ولعل ثمرة هذا الخلاف ترجع إلى أمرين: أحدهما أن الحكم على أفراد غير السبب مدلول عليه بالنص النازل فيه عند الجمهور. وذلك النص قطعي المتن اتفاقا وقد يكون مع ذلك قطعي الدلالة. أما غير الجمهور فالحكم عندهم على غير أفراد السبب ليس مدللا عليه بذلك النص بل القياس أو الحديث المعروف وكلاهما غير قطعي.
الثاني أن أفراد غير السبب كلها يتناولها الحكم عند الجمهور ما دام اللفظ قد تناولها. أما غير الجمهور فلا يسحبون الحكم إلا على ما استوفى شروط القياس منها دون سواه إن أخذوا فيه بالقياس.
أدلة الجمهور
...
د - أدلة الجمهور
استدل الجمهور على مذهبهم بأدلة ثلاثة: الأول أننا نعلم أن لفظ الشارع وحده هو الحجة والدليل دون ما احتف به من سؤال أو سبب فلا وجه إذن لأن تخصص اللفظ بالسبب. وكيف يسوغ أن نجعل ما ليس حجة في الشرع متحكما بالتخصيص على ما هو الحجة في الشرع؟
والدليل على أن لفظ الشارع وحده هو الحجة أن الشارع قد يصرف النظر عن السؤال ويعدل بالجواب عن سنن السؤال لحكمة نحو قوله تعالى في سورة البقرة: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} فإن ظاهر هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيان ما ينفقونه فجاء الجواب ببيان من ينفقون عليهم. وذلك من أسلوب الحكيم لأن معرفة مصارف النفقة والصدقة أهم من معرفة المصروف فيهما فإن إصلاح الجماعة البشرية لا يكون إلا عن طريق تنظيم النفقة والإحسان على أساس توجيههما إلى المستحقين دون سواهم. وهذا وجه في الآية نراه وجيها،
وإن كانت الآية قد أشارت إشارة خفيفة إلى بيان ما ينفقونه بقوله سبحانه {مِنْ خَيْرٍ} غير أنها إشارة إجمالية لا تشبع حاجة السؤال.
ويمكن أن تنظم من هذا دليلا منطقيا من باب القياس الاقتراني تقريره هكذا اللفظ العام الوارد على سبب خاص هو الحجة وحده عند الشارع وكل ما كان كذلك يعتبر عمومه فاللفظ العام الوارد على سبب خاص يعتبر عمومه. وهو المطلوب.
كما يمكن أن تنظم منه قياسا استثنائيا تقريره:
لو لم يكن اللفظ العام الوارد على سبب خاص معتبرا عمومه لما كان لفظ الشارع وحده هو الحجة لكن التالي باطل فبطل ما أدى إليه وهو المقدم وثبت نقيضه وهو أن اللفظ العام الوارد على سبب خاص يعتبر عمومه وهذا هو المطلوب.
الدليل الثاني: أن الأصل هو حمل الألفاظ على معانيها المتبادرة منها عند الإطلاق أي عند عدم وجود صارف يصرف عن ذلك المتبادر ولا صارف للفظ هنا عن إرادة العموم فلا جرم يبقى على عمومه. أما ما يتوهمه المخالفون من أن خصوص السبب صارف عن إرادة العموم فمدفوع بأن مجرد خصوص السبب لا يستلزم إخراج غير السبب من تناول اللفظ العام إياه. فلا يصلح أن يكون قرينة مانعة من إرادة ما وضع له اللفظ العام. وهو العموم الشامل لجميع الأفراد.
ويمكن أن تنظم من هذا الدليل قياسا اقترانيا هكذا: اللفظ العام الوارد على سبب خاص يتبادر منه العموم عند الإطلاق وكل ما كان كذلك يبقى على عمومه. فاللفظ العام الوارد على سبب خاص يبقى على عمومه وهو المطلوب.
ويمكن أن تنظم من ذلك الدليل قياسا استثنائيا أيضا يقول: لو لم يكن اللفظ العام الوارد على سبب خاص باقيا على عمومه عند الإطلاق للزم استعمال اللفظ في غير ما وضع له بلا قرينة لكن التالي باطل فبطل المقدم وثبت نقيضه وهو أن اللفظ العام
الوارد على سبب خاص باق على عمومه عند الإطلاق. وذلك هو المطلوب.
الدليل الثالث: احتجاج الصحابة والمجتهدين في سائر الأعصار والأمصار بعموم تلك الألفاظ الواردة على أسباب خاصة في وقائع وحوادث كثيرة من غير حاجة إلى قياس أو استدلال بدليل آخر. وكيف ينكر هذا؟ وأكثر أصول الشرع خرجت على أسباب خاصة وبرغم خصوص تلك الأسباب قد فهموا من الألفاظ النازلة فيها حقيقة العموم ثم صاغوا من عموماتها كثيرا من الأصول. فاستدلوا بآية السرقة على وجوب قطع كل يد مع أنها نازلة في خصوص سرقة المجن أو رداء صفوان. واحتجوا بآيات الظهار على وجوب الكفارة المذكورة فيها والعمل بأحكامها على كل من ظاهر مع أنها نازلة في خصوص من عرفت قبل. وكذلك برهنوا بآيات اللعان على شمول حكمه لكل من قذف زوجته ولم يكن معه شهود على حين أنها نازلة في خصوص من ذكرنا سابقا.
ويمكن أن تنظم من هذا الدليل قياسا اقترانيا نصه: عموم اللفظ الوارد على سبب خاص قد اعتبره الصحابة والمجتهدون وكل ما كان كذلك فهو المعتبر. فعموم اللفظ الوارد على سبب خاص هو المعتبر. ويمكن أن تنظم منه دليلا استثنائيا نصه لو لم يكن عموم اللفظ الوارد على سبب خاص هو المعتبر لما اعتبره الصحابة والمجتهدون لكن التالي باطل فبطل المقدم وثبت نقيضه وهو المطلوب.
ملاحظة :
لا يبعد عليك أن تستدل للمقدمات الصغرى والكبرى في الأقيسة الاقترانية التي ذكرناها خصوصا بعد أن تنظر فيما نثرناه قبلها من عرض الأدلة بالأسلوب المألوف الخالي من القيود الشكلية في الاصطلاحات المنطقية.
وبمثل ذلك تستطيع أن تستدل للملازمات وبطلان التوالي فيما نظمناه بين يديك من الأقيسة الاستثنائية. فتأمل.