الكلامُ وما يَتَأَلَّفُ منه
تعريفُ الكلامِ والكَلِمِ
8- كلامُنا لفظٌ مُفيدٌ كاسْتَقِمْ = واسمٌ وفِعلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الكَلِمْ
9- واحدُهُ كَلِمَةٌ والقولُ عَمْ = وكِلْمَةٌ بها كلامٌ قد يُؤَمْ
الكلامُ لغةً: اللفْظُ الموضوعُ لمعنًى: مُفيداً أو غيرَ مُفيدٍ.
واصْطِلاَحاً: اللفْظُ المفيدُ فائدةً يَحْسُنُ السكوتُ عليها، بحيثُ لا يَبْقَى السامعُ مُنْتَظِراً لشيءٍ آخَرَ.
مِثالُه: اللَّهُ رَبُّنَا, ومُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ- نَبِيُّنَا.
ولا بُدَّ في الكلامِ مِن أمْرَيْنِ معاً: التركيبِ مِن كَلِمَتَيْنِ أو أكْثَرَ، والإفادةِ الْمُسْتَقِلَّةِ.
وقولُنا: اللفْظُ: أي: الصوتُ، وهو جِنْسٌ يَشْمَلُ ما يُرادُ تعريفُه، وهو الكلامُ ويَشْمَلُ غيرَه.
وقولُنا: الْمُفِيدُ: هذا قَيْدٌ أوَّلُ يُخْرِجُ الْمُهْمَلَ، وهو الذي لا مَعْنَى له؛ كمقلوبِ زَيْدٍ.
وقولُنا: فائدةً يَحْسُنُ السكوتُ عليها: قَيْدٌ ثانٍ أخْرَجَ الكلمةَ، مِثلَ: كتابٍ، وأخْرَجَ بعضَ الكَلِمِ وهو: ما لم يُفِدْ، نحوُ: إنْ صَلَّيْتَ.
وأقَلُّ ما يَتَأَلَّفُ منه الكلامُ: اسْمَانِ، مِثلُ: الغِيبَةُ مُحَرَّمَةٌ، أو: فِعْلٌ واسمٌ، مِثلُ: جاءَ الْحَقُّ.
أمَّا الكَلِمُ فهو: ما تَرَكَّبَ مِن ثلاثِ كَلِماتٍ فأَكثَرَ، سَواءٌ أفادَ، نحوُ: العَدْلُ أساسُ الْمُلْكِ, أو لم يُفِدْ، نحوُ: إنْ حَضَرَ ضَيْفٌ.
والكَلِمُ: اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ يُفَرَّقُ بينَه وبينَ مُفْرَدِه بالتاءِ، فيُقالُ: كَلِمَةٌ، والكَلِمَةُ هي: اللفْظُ الموضوعُ لِمَعْنًى مُفْرَدٍ.
وللكَلِمَةِ ثلاثةُ أقسامٍ: اسْمٌ وفِعْلٌ وحَرْفٌ.
فالاسْمُ: ما دَلَّ على مَعْنًى في نفْسِه مِن غيرِ إشعارٍ بزَمَنٍ، مِثْلُ: كتابٍ.
والفِعْلُ: ما دَلَّ على معنًى في نفْسِه وأَشْعَرَ بهيئتِه بأَحَدِ الأزمِنَةِ الثلاثةِ، مِثلُ: كَتَبَ، يَكْتُبُ، اكْتُبْ.
والحرْفُ: ما دَلَّ على معنًى في غيرِه، مِثلُ (الواوِ) لا تَدُلُّ على معنًى في نفْسِها، بل في غَيْرِها، مِثلُ:وَاللَّهِ إنَّ الْحَقَّ مُنْتَصِرٌ.
وبَيْنَ الكلامِ والكَلِمِ عُمومٌ وخصوصٌ مِن وَجْهٍ، يَجْتَمِعَانِ فيما أفادَ ويَتَأَلَّفُ مِن ثلاثِ كَلِمَاتٍ فأَكْثَرَ، نحوُ:قد قامَتِ الصلاةُ، ويَنْفَرِدُ الكَلِمُ فيما لم يُفِدْ، نحوُ: إذا جاءَ أخوكَ، ويَنْفَرِدُ الكلامُ فيما أفادَ ولم يَتَأَلَّفْ مِن ثلاثِ كَلِماتٍ، نحوُ: الصدْقُ فَضيلةٌ.
والقولُ: هو كلُّ لفْظٍ نَطَقَ به الإنسانُ، مُفْرَداً كانَ أو مُرَكَّباً، مُفيداً كانَ أو غيرَ مُفيدٍ، فهو يَنْطَبِقُ على الكلامِ وعلى الكَلِمِ وعلى الكَلِمَةِ، فهو يَعُمُّ الجميعَ عُموماً مُطْلَقاً، ويَنْفَرِدُ الأَعَمُّ وهو القولُ بنَحْوِ: كتابُ عَلِيٍّ، فلَيْسَ هذا بكلامٍ ولا كَلِمٍ ولا كَلِمَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ.
وتُطْلَقُ الكَلِمَةُ أحياناً ويُرادُ بها الكلامُ، نحوُ: أَلْقَى إمامُ المسجِدِ كَلِمَةً، وهذا مِن بابِ تَسميةِ الشيءِ باسمِ بعضِه، ومِن ذلك قولُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا لَبِيدٌ: أَلاَ كَلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلُ)) مُتَّفَقٌ عليه، وقولُه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومسلِمٌ.
وهذا المعنى قولُ ابنِ مالِكٍ: (كلامُنا...) إلخ؛ أي: الكلامُ عندَنا مَعْشَرَ النَّحْوِيِّينَ هو اللفْظُ المفيدُ (ولا يكونُ مُفيداً إلاَّ إذا كان مُرَكَّباً)، ثم مَثَّلَ بقولِه: اسْتَقِمْ. وهو مُرَكَّبٌ مِن فِعْلِ أمْرٍ وفاعِلٍ مُسْتَتِرٍ، وقد اسْتَغْنَى بالْمِثالِ عن أنْ يقولَ: فائدةٌ يَحْسُنُ السكوتُ عليها.
ثم ذكَرَ أنَّ الكَلِمَ ثلاثةُ أقسامٍ، وواحِدُه كَلِمَةٌ، والقولُ يَشمَلُ بمعناه كلَّ الأقسامِ: (الكلامَ والكَلِمَ والكَلِمَةَ).
وقولُه: (وكِلْمَةٌ بها كلامٌ قدْ يُؤَمْ)؛ أيْ: تُطْلَقُ الكَلِمَةُ ويُقْصَدُ بها الكلامُ، والتقليلُ في قولِه: (قَدْ يُؤَمْ) مُرادٌ به التقليلُ النِّسْبِيُّ؛ أي: استعمالُ (الكَلِمَةِ) في الْجُمَلِ قليلٌ بالنِّسبةِ إلى استعمالِها في الْمُفْرَدِ، لا قليلٌ في نفْسِه، فإنه كثيرٌ.
وقولُه: (وكِلْمَةٌ) بكسْرِ الكافِ هي إحدى اللُّغاتِ الثلاثِ فيها.
وقولُه: (ثم حَرْفٌ..) (ثم) بمعنى واوِ العَطْفِ؛ إذ لا مَعْنَى للتراخِي بينَ أقسامِ الكَلِمَةِ، ويَكْفِي بانحطاطِ درجةِ الحرْفِ عن قَسِيمَيْهِ تأخيرُه عنهما.